وكيف أجزت لنفسك يا ابن لبيد أن تتّهم بالكفر ثلاثة مسلمين يشهدون أن لا إله إلا الله وأنّ محمّداً رسول الله ويؤتون فروض الله، ومنها الزكاة، طائعين مختارين. وكل ذنبهم أنّهم أرادوا إبدال ناقةٍ بناقةٍ ، لهم الحقّ في إبدالها؟!
ولم أمرت بتقييدهم وضربهم وهم بين يديك وفي عسكرك لا يستطيعون أن يدافعوا عن أنفسهم ولا أن يهربوا من أسرهم؟!
أكانت مطالبة الأمير بشيء، حقّاً أو باطلاً تساوي في نظرك الكفر بالله وبرسوله وتعدل عندك الدماء التي سالت؟!
ولو قبلت أن تضرب حارثة الذي تجرّأ فعمد إلى إطلاق الناقة تأديباً له وتخويفاً لغيره. فأيّ ذنبٍ ارتكبه شيطان وأخوه ولم يفعل أيّ منهما ما يستحقّ عليه الضرب والتأديب.
ولم حبستهم فلم تطلق سراحهم بعد ضربهم وتأديبهم وبعد أن استرجعت الناقة التي أعجبتك، من أصحابها وأعدتها إلى مكانها من إبل الصدقة الذاهبة إلى المدينة.
ولأقبل بكل هذا، وليس القبول به أمراً سهلاً، فلماذا بيّت بني عمرو بن معاوية وشننت الغارة عليهم فقتلت وأصبت ولم ينج منهم إلاّ من أطاق الهرب في ظلام الليل؟!
ما ذنب بني عمرو غير أنهم عشيرة صاحب الناقة ورهطه. وبأيّ حق قتل من قتل وشرّد من شرّد، وهم مسلمون لم يصدر عنهم ما يخالف الإسلام؟!
أكنت ـ كما فعل خلفك زياد بن أبيه بعد أكثر من ثلاثة عقود ـ تأخذ المحسن بالمسيء والمقبل بالمدبر، حتى لو كان المقبل والمدبر كلاهما مسلمين بريئين لم يقترفا ذنباً ولم يرتكبا جرماً؟
أتلومهم أو يلومهم أحدٌ لو صحّ ما يرويه الرواة من أنهم منعوا بعد ذاك الزكاة، وقد جلب لهم الوفاء بها القتل والظلم والإهانة، وهم بعد ليسوا بعيدي عهدٍ بالجاهلية وعصبيّتها وبين أهلهم وعشائرهم.
أظنني لو كنت أحدهم لشاركتهم منع الصدقة، أو لما لمت على الأقل من شارك منهم في منعها.
تعجبك ناقة فتتهم أصحابها بالردّة وتقتلهم هم وعشيرتهم.