وإذا كانت الحرب ضد طليحة قد وجد المؤرّخون سبباً لها فيما سمّوه ارتداداً. فإنّ هؤلاء المؤرّخين يضطربون ويتناقضون كلما تعرّضوا لمالك. وتحسّ بضعفهم وحيرتهم وهم يحاولون أن يجدوا ما يبرّرون به قتله.
وقبل أن أناقش موقف هؤلاء المؤرّخين من مأساة مالك. أرى أن أقدّم له بتعريف مختصر عن بطل المأساة، فذلك أحرى أن يساعد على فهمه.
من هو مالك بن نويرة:
إلى يربوع من تميم القبيلة العربية الكبيرة يرجع مالك بن نويرة فهو كما يذكر النسّابون مالك بن نويرة بن جمرة بن شدّاد بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع.
وبنو يربوع من أشدّ بطون تميم وأقواها بأساً وهي إحدى جمرات العرب كما تذكر الأخبار.
وبين أفخاذ يربوع هناك فخذان يتمتّعان بمكان خاص هما ثعلبة بن يربوع رهط مالك ورياح بن يربوع.
وكان جرير لا يجد ما يعارض به الفرزدق في مهاجاته الطويلة له إلاّ هذين الفخذين يعتد بهما عليه. متجاوزاً قومه بني كليب (بن يربوع) فهو يقول مثلاً في إحدى قصائده:
أثعلبة الفوارس أم رياحاً
|
|
عدلت بهم طهية والخشابا
|
ونجد ثعلبة ورياحاً يتردّدان في شعر جرير كلما أراد الفخر والرد على خصمه الفرزدق الّذي ينحدر من فخذ الرئاسة في تميم (دارم) وله من آبائه وأسرته ما لا يجد جرير بعضه ولا شيئاً منه.
هذا مالك في قبيلته ورهطه الأدنين. أمّا مالك في نفسه فيكفي أن تعرف أنّ فيه قيل المثل المشهور (فتىً ولا كمالك) عند الحديث عمّن فيه فضلٌ لكن غيره أفضل منه.
وقد كان مالك من أرداف الملوك في الجاهلية. والردف هو من يجلس عن يمين الملك ويخلفه إذا غاب.
وهو من الفرسان الّذين لخيلهم أسماء، فكان اسم فرسه ذا الخمار. ويعرف مالك دائماً بفارس ذي الخمار. وليس عبثاً أن يحزن عليه أخوه متمّم فيطيل الحزن ويبكي فيديم البكاء.
وما أظن صلة الأخوّة وحدها هي التي ألهمت متمّماً أخاه أن يقول فيه ما يعتبر حتى الآن من أروع وأصدق شعر الرثاء في الأدب العربي.