متمّم هذا يمثّل فصلاً من فصول هذه المأساة التي بدأت في البطاح لتنتهي في المدينة. وهو فصلٌ لا تستطيع أن تغفله وأنت تريد الخروج بصورةٍ كاملة لمأساة مالك.
فيذكر المؤرّخون أنّ متمّماً جاء إلى المدينة، يحمل حزنه على أخيه مالك، ومع حزنه ظلامته التي يحاول أن يعرضها على المسلمين هناك لعل فيهم من ينصفه وينصف أخاه، أو من يشاركه فيها ويواسيه.
وهؤلاء المؤرّخون يروون أنّ متمّماً صلّى الصبح مع أبي بكر ثم أنشده قوله:
نعم القتيل إذا الرياح تناوحت
|
|
خلف البيوت قتلت يا ابن الأزور
|
أدعوته بالله ثم قتلته
|
|
لو هو دعاك بذمّة لم يغدر
|
فقال أبو بكر والله ما دعوته ولا قتلته.
ومن حق أبي بكر أن يقول ذلك. فهو لم يدعه ولم يقتله، وهو أفضل وأتقى لله أن يدعوه ثم ينكث ويغدر به.
ولكن ألا تحس معي أنّ في جواب الخليفة شيئاً آخر أكثر من مجرّد البراءة من قتل مالك والغدر به، وهو ما لا يلحق أبا بكر ولا يتعلّق به من قريب ولا من بعيد.
ألا تحس في هذا الجواب لا ما يبرئ أبا بكر وهو غير متّهم طبعاً، ولكن ما يبرئ مالكاً ممّا اتهم به من ردّة ورجوعٍ عن الإسلام.
ألم يكن أسهل على أبي بكر أن يقول لمتمّم إنّ الذي قتل أخاه هو ردّته، فلا يقطع بذلك متمّماً وحده، وإنما كل الذين قد يشاركون متمّماً ويعطفون على قضيّته.
ما الّذي منع أبا بكر من هذا الجواب أو مثله، لو كان مالك قتل على الردّة.
بل كيف يجرؤ متمّم على المجيء إلى المدينة، باكياً أخاه راثياً له والتعرّض لأبي بكر وعمر ووجوه المسلمين، واستعدائهم على قاتل أخيه وسكوت كل هؤلاء عنه وسماعهم منه، لو لم يكن متمّم واثقاً من أمره وممسكاً منه بسبب أكيد.
رحم الله مالكاً وغفر لخالد.
لقد كنت أعجب كيف قتل الحسين بعد خمسين سنة من وفاة النبي.
وقد زال عجبي وأنا أرى ما حلّ بالمسلمين بعد خمسين يوماً من وفاة النبي.