كيف قبل مسيلمة أن يفضح نفسه ويكشف كذبه أمام أتباعه من بني حنيفة، وهو لا شك يعرف أنه كاذب وغير نبي، وعاجز عن فعل ما فعل محمد لأهل هزمان ولا يستطيع أن يأتي بالمعجزات كما أتى.
ثم ألم يكن بين خاصّته وخلّص أتباعه من ينصحه أو من يختلق عذراً يتقدّم به إلى هؤلاء الذين طلبوا من مسيلمة ما طلب أهل هزمان من محمد؟!.
ولكن لماذا لم يستبن ذلك إلاّ بعد مهلك مسيلمة؟ فهل فاضت الآبار بالمياه في حياته كما كانت من قبل، وعاد النخل مثمراً في حياته كما كان من قبل؟ وأظن هذا سيؤكّد نبوّة مسيلمة لا ينفيها. ويكون الطبري قد جاء بما من شأنه تصديق هذه النبوّة من حيث لا يريد.
أم أنّ بني حنيفة تركوا الشرب والسقاية لهم ولأنعامهم من تلك الآبار وتعوّضوا عنها غيرها، فلم يعلموا أنها كانت غائرة ولم يعودوا إليها، إلاّ بعد مقتل مسيلمة، ليستبينوا حقيقتها.
وهذا النخل. وهو ظاهر شامخٌ فوق الأرض، لا يخفيه شئ ولا يحجبه شئ، ولم يفارقه أهله وأصحابه. فكيف خفي عليهم ولم يعلموا حاله إلاّ بعد مقتل مسيلمة؟!
وإليك روايةً أخرى لن أثقل عليك بغيرها، وإن كان أبو جعفر قد أورد الكثير من هذه الروايات، فارجع إليه إن شئت المزيد مما يخصّ نبوّة الكذّاب.
يقول الطبري (وقال له ـ يعني نهاراً لمسيلمة ـ برّك على مولودي بني حنيفة فقال له وما التبريك قال كان أهل الحجاز إذا ولد فيهم المولود أتوا به محمداًصلىاللهعليهوآله
فحنكه ومسح رأسه: فلم يؤت مسيلمة بصبي فحنكه ومسح رأسه إلاّ قرع ولثغ واستبان ذلك بعد مهلكه)
.
وكم رثيت لهؤلاء الصبية المساكين من بني حنيفة يسوقهم آباؤهم، وهم ذوو لسان وشعر إلى هذا الخبيث الكذّاب، فلا يعودون منه إلاّ وقد انعقدت ألسنتهم وقرعت رؤوسهم!!
لكن ما حيّرني وما يزال، كيف استطاع مسيلمة أن يأمر القرع بأن يختفي ولا يظهر في رؤوس الأطفال ما دام حيّاً، فيستجيب ويطيع ولا يظهر ولا يراه القرعى أو ذووهم، إلاّ بعد مقتل الكذّاب. أكان مسيلمة نبيّاً حقّاً فاستجاب له الله حين دعاه إلى وقف ظهور القرع في رؤوس أولئك الصبية ما بقي هو حيّاً؟!
____________________