مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل الجزء ١١

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل15%

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 399

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧
  • البداية
  • السابق
  • 399 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 132019 / تحميل: 5300
الحجم الحجم الحجم
مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل الجزء ١١

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

أبيه )(١) ، عن ابن عقدة، عن محمد بن سالم الأزدي، عن موسى بن القاسم، عن محمد بن عمران البجلي قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: ( من لم يجعل ( نفسه له )(٢) من نفسه واعظا، فإن مواعظ الناس لن تغني عنه شيئا ).

[١٢٦٥٣] ١٥ - وعن ابن الوليد، عن أبيه، عن الصفار(١) ، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن مالك بن عطية، عن أبي حمزة الثمالي قال: كان علي بن الحسينعليهما‌السلام يقول: ( ابن آدم إنك لا تزال بخير ما كان لك واعظ من نفسك، وما كانت المحاسبة لها من همك، وما كان الخوف لك شعارا والحزن لك دثارا ) الخبر.

[١٢٦٥٤] ١٦ - الحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول: عن الكاظمعليه‌السلام ، أنه قال لهشام في خبر طويل: ( عليك بالاعتصام بربك والتوكل عليه، وجاهد نفسك لتردها عن هواها، فإنه واجب عليك كجهاد عدوك، قال هشام: [ فقلت له: ](١) فأي الأعداء أوجبهم مجاهدة؟ قال: أقربهم إليك، واعداهم لك، وأضرهم بك، وأعظمهم لك عداوة، وأخفاهم لك شخصا مع دنوه منك، ومن يحرض أعداءك عليك، وهو إبليس الموكل بوسواس القلوب فلتشتد عداوتك له، ولا يكونن أصبر على مجاهدتك لهلكتك منك على صبرك لمجاهدته، فإنه أضعف منك ركنا في قوته، وأقل منك ضررا في كثر شره، إذا أنت اعتصمت بالله ( ومن اعتصم

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في المصدر، وقد ذكر البغدادي في تاريخ بغداد ج ٣ ص ٢٦.

أن الجعابي يروي مباشرة عن ابن عقدة.

(٢) في المصدر: ( لله له ).

١٥ - أمالي المفيد ص ٣٣٧ ح ١، وعنه في البحار ج ٧٠ ص ٦٤ ح ٥.

(١) في المصدر: سعد بن عبد الله، وكلاهما صحيح، في ترتيب سلسلة السند، فلاحظ.

١٦ - تحف العقول ص ٢٩٨.

(١) أثبتناه من المصدر.

١٤١

بالله فقد هدي )(٢) إلى صراط مستقيم ).

[١٢٦٥٥] ١٧ - وعن جابر الجعفي، عن الباقرعليه‌السلام - في حديث - أنه قال: ( إن المؤمن معني بمجاهدة نفسه ليغلبها على هواها، فمرة يقيم أودها(١) ويخالف هواها في محبة الله، ومرة تصرعه نفسه فيتبع هواها فينعشه الله فينتعش، ويقيل الله عثرته فيتذكر، ويفزع إلى التوبة والمخافة فيزداد بصيره ومعرفة لما زيد فيه من الخوف - إلى أن قال - ولا فضيلة كالجهاد، ولا جهاد كمجاهدة الهوى ).

[١٢٦٥٦] ١٨ - وعنهعليه‌السلام ، أنه قال لعبد الله بن جندب في كلام له: ( واجعل نفسك عدوا تجاهدها وعارية تردها، فإنك قد جعلت طبيب نفسك، وعرفت آية الصحة وبين لك الداء(١) ودللت على الدواء، فانظر قيامك على نفسك ).

٢ -( باب الفروض على الجوارح، ووجوب القيام بها)

[١٢٦٥٧] ١ - العياشي في تفسيره: عن أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: ( إن الله تبارك وتعالى فرض الايمان على جوارح بني آدم وقسمه عليها، وليس من جوارحه جارحة إلا وقد وكلت [ به ](١) من الايمان بغير ما وكلت به أختها، ومنها عيناه اللتان ينظر بهما، ورجلاه اللتان يمشي بهما، ففرض [ على ](٢) العين ألا تنظر إلى ما حرم الله عليه، وأن

__________________

(٢) في المصدر: ( فقد هديت ).

١٧ - تحف العقول ص ٢٠٧ و ٢٠٨.

(١) الأود: الاعوجاج ( لسان العرب ج ٣ ص ٧٥ ).

١٨ - تحف العقول ص ٢٢٤.

(١) في الطبعة الحجرية: ( الدواء ) وما أثبتناه من المصدر.

الباب ٢

١ - تفسير العياشي ج ٢ ص ٢٩٣ ح ٧٧.

(١) أثبتناه من المصدر.

(٢) أثبتناه من المصدر.

١٤٢

تغمض(٣) عما نهاه الله عنه مما لا يحل له وهو عمله، وهو من الايمان، قال الله تبارك وتعالى:( ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ) (٤) فهذا ما فرض الله من غض البصر عما حرم الله وهو عملها، وهو من الايمان، وفرض الله على الرجلين ألا يمشي بهما إلى شئ من معاصي الله، وفرض عليهما المشي فيما فرض الله فقال:( ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا ) (٥) وقال:( واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ) (٦) ).

[١٢٦٥٨] ٢ - وعن الحسن بن هارون، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، في قول الله:( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ) (١) قال: ( السمع عما يسمع، والبصر عما يطرف، والفؤاد عما عقد(٢) عليه ).

[١٢٦٥٩] ٣ - وعنهعليه‌السلام ، في الآية المذكورة، قالعليه‌السلام : ( السمع وما وعى، والبصر وما رأى، والفؤاد وما عقد عليه ).

[١٢٦٦٠] ٤ - محمد بن إبراهيم النعماني في تفسيره: عن أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة، عن جعفر بن أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفي، عن إسماعيل بن مهران، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن إسماعيل بن جابر، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق

__________________

(٣) في المصدر: ( تغض ).

(٤) الاسراء ١٧: ٣٦.

(٥) الاسراء ١٧: ٣٧.

(٦) لقمان ٣١: ١٩.

٢ - تفسير العياشي ج ٢ ص ٢٩٢ ح ٧٥.

(١) الاسراء ١٧: ٣٦.

(٢) في المصدر: يعقد.

٣ - تفسير العياشي ج ٢ ص ٢٩٢ ح ٧٤.

٤ - تفسير النعماني ص ٦١ - ٦٧، وعنه في البحار ج ٩٣ ص ٤٩.

١٤٣

عليهما‌السلام - في خبر طويل - عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنه قال: ( فالايمان بالله تعالى هو أعلى الايمان(١) درجة، وأشرفها منزلة، وأسناها حظا، فقيل لهعليه‌السلام : الايمان قول وعمل أم قول بلا عمل؟ فقال: الايمان تصديق بالجنان، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان، وهو عمل كله، ومنه التام الكامل تمامه، والناقص البين نقصانه، ومنه الزائد البين زيادته، إن الله تعالى ما فرض الايمان على جارحة واحدة، وما من جارحة من جوارح الانسان إلا وقد وكلت بغير ما وكلت به الأخرى، فمنها قلبه الذي يعقل به ويفقه ويفهم ويحل ويعقد ويريد، وهو أمير البدن وإمام الجسد، الذي لا ترد الجوارح ولا تصدر إلا عن أمره ورأيه ونهيه، ومنها اللسان الذي ينطق به، ومنها أذناه اللتان يسمع بهما، ومنها عيناه اللتان يبصر بهما، ومنها يداه اللتان يبطش بهما، ومنها رجلاه اللتان يسعى بهما، ومنها فرجه الذي الباه(٢) من قبله، ومنها رأسه الذي فيه وجهه، وليس جارحة من جوارحه إلا وهي مخصوصة بفريضة، ففرض على القلب غير ما فرض على اللسان، وفرض على اللسان غير ما فرض على السمع، وفرض على السمع غير ما فرض على البصر، وفرض على البصر غير ما فرض على اليدين، وفرض على اليدين غير ما فرض على الرجلين، وفرض على الرجلين غير ما فرض على الفرج، وفرض على الفرج غير ما فرض على الوجه، وفرض على الوجه غير ما فرض على اللسان.

فأما [ ما ](٣) فرضه على القلب من الايمان الاقرار والمعرفة ( والعقد عليه )(٤) والرضى بما فرض عليه، والتسليم لامره، والذكر والتفكر والانقياد إلى كل ما جاء عن الله عز وجل في كتابه، مع حصول المعجز فيجب عليه اعتقاده، وأن يظهر مثل ما بطن إلا بطن إلا لضرورة، كقوله تعالى:

__________________

(١) في المصدر: الاعمال.

(٢) الباه: النكاح ( لسان العرب ج ١٣ ص ٤٧٩ ).

(٣) أثبتناه من المصدر.

(٤) في المصدر: والعقل.

١٤٤

( إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان ) (٥) وقوله تعالى( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم ) (٦) وقوله سبحانه:( ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا ) (٧) وقوله تعالى:( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ) (٨) وقال عز وجل:( فإنها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) (٩) ومثل هذا كثير في كتاب الله، وهو رأس الايمان.

وأما ما فرضه على اللسان، فقوله عز وجل في معنى التفسير لما عقد عليه القلب فقوله تعالى:( قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ) (١٠) الآية، وقوله سبحانه:( وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) (١١) وقوله سبحانه:( ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد ) (١٢) فأمر سبحانه بقول الحق ونهى عن قول الباطل.

وأما ما فرضه على الاذنين، فالاستماع إلى ذكر الله تعالى، والانصات لما يتلى من كتابه، وترك الاصغاء لما يسخطه، فقال سبحانه:( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون ) (١٣) وقال تعالى:( وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره ) (١٤) الآية، ثم استثنى برحمته موضع

__________________

(٥) النحل ١٦: ١٠٦.

(٦) البقرة ٢: ٢٢٥.

(٧) آل عمران ٣: ١٩١.

(٨) محمد ٤٧: ٢٤.

(٩) الحج ٢٢: ٤٦.

(١٠) البقرة ٢: ١٣٦.

(١١) البقرة ٢: ٨٣.

(١٢) النساء ٤: ١٧١.

(١٣) الأعراف ٧: ٢٠٤.

(١٤) النساء ٤: ١٤٠.

١٤٥

النسيان فقال:( وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكري مع القوم الظالمين ) (١٥) وقال عز وجل:( فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هديهم الله وأولئك هم أولوا الألباب ) (١٦) وقال تعالى:( وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين ) (١٧) وفي كتاب الله ما معناه: معنى [ ما ](١٨) فرضه الله على السمع وهو الايمان.

وأما ما فرضه على العينين، فهو النظر إلى آيات الله، وغض النظر عن محارم الله عز وجل، قال الله تعالى:( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت *وإلى السماء كيف رفعت *وإلى الجبال كيف نصبت *وإلى الأرض كيف سطحت ) (١٩) وقال الله تعالى:( أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض ومال خلق الله من شئ ) (٢٠) وقال سبحانه:( انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه ) (٢١) وقال:( فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها ) (٢٢) وهذه الآية جامعة لابصار العيون وابصار الظنون، قال الله تعالى:( فإنها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) (٢٣) ومنه قوله تعالى:( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم ) (٢٤) معناه لا ينظر أحدكم إلى فرج أخيه المؤمن أو يمكنه من النظر إلى فرجه، ثم قال سبحانه:( وقل للمؤمنات

__________________

(١٥) الانعام ٦: ٦٨.

(١٦) الزمر ٣٩: ١٧، ١٨.

(١٧) القصص ٢٨: ٥٥.

(١٨) أثبتناه من المصدر.

(١٩) الغاشية ٨٨: ١٧ - ٢٠.

(٢٠) الأعراف ٧: ١٨٥.

(٢١) الانعام ٦: ٩٩.

(٢٢) الانعام ٦: ١٠٤.

(٢٣) الحج: ٢٢: ٤٦.

(٢٤) النور ٢٤: ٣٠.

١٤٦

يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ) (٢٥) أي ممن يلحقهن النظر كما جاء في حفظ الفروج، فالنظر سبب إيقاع الفعل من الزنى وغيره، ثم نظم تعالى ما فرض على السمع والبصر والفرج في آية واحدة فقال:( وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون ) (٢٦) يعني بالجلود هنا الفروج وقال تعالى:( ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ) (٢٧) هذا ما فرض الله تعالى على العينين، من تأمل الآيات، والغض عن تأمل المنكرات، وهو من الايمان.

وأما ما فرضه الله سبحانه على اليدين فالطهور، وهو قوله تعالى:( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين ) (٢٨) وفرض على اليدين الانفاق في سبيل الله تعالى فقال:( انفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ) (٢٩) وفرض الله تعالى على اليدين الجهاد، لأنه من عملهما وعلاجهما فقال:( فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق ) (٣٠) وذلك كله من الايمان.

وأما ما فرضه الله تعالى على الرجلين، فالسعي بهما فيما يرضيه، واجتناب السعي فيما يسخطه، وذلك قوله سبحانه:( فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ) (٣١) وقوله سبحانه:( ولا تمش في الأرض مرحا ) (٣٢)

__________________

(٢٥) النور ٢٤: ٣١.

(٢٦) فصلت ٤١: ٢٢.

(٢٧) الاسراء ١٧: ٣٦.

(٢٨) المائدة ٥: ٦.

(٢٩) البقرة ٢: ٢٦٧.

(٣٠) محمد ٤٧: ٤.

(٣١) الجمعة ٦٢: ٩.

(٣٢) الاسراء ١٧: ٣٧، لقمان ٣١: ١٨.

١٤٧

وقوله:( واقصد في مشيك واغضض من صوتك ) (٣٣) وفرض عليهما القيام في الصلاة فقال: ( وقوموا لله قانتين )(٣٤) ثم أخبر أن الرجلين من الجوارح التي تشهد يوم القيامة حتى تنطق، بقوله سبحانه:( اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ) (٣٥) وهذا مما فرضه الله تعالى على الرجلين وهو الايمان.

وأما ما افترضه الله سبحانه على الرأس، فهو أن يمسح من مقدمه بالماء في وقت الطهور للصلاة، بقوله:( وامسحوا برؤوسكم ) (٣٦) وهو من الايمان وفرض على الوجه الغسل بالماء عند الطهور، وقال تعالى:( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ) (٣٧) وفرض عليه السجود، وعلى اليدين والركبتين والرجلين الركوع وهو من الايمان، وقال فيما فرض على هذه الجوارح من الطهور والصلاة، وسماه في كتابه إيمانا حين فرض عليه استقبال القبلة في الصلاة، وسماه إيمانا حين تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، فقال المسلمون: يا رسول الله ذهبت صلاتنا إلى بيت المقدس وطهورنا ضياعا! فأنزل الله سبحانه:( وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هذى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم ) (٣٨) فسمى الصلاة والطهور إيمانا، وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من لقي الله كامل الايمان كان من أهل الجنة، ومن كان مضيعا لشئ مما افترضه الله تعالى على هذه الجوارح، وتعدى ما أمر الله به، وارتكب ما نهى عنه، لقي الله تعالى ناقص الايمان، وقال الله عز وجل:( وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين

__________________

(٣٣) لقمان ٣١: ١٩.

(٣٤) البقرة ٢: ٢٣٨.

(٣٥) يس ٣٦: ٦٥.

( ٣٦، ٣٧ ) المائدة ٥: ٦.

(٣٨) البقرة ٢: ١٤٣.

١٤٨

آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون ) (٣٩) وقال تعالى:( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون ) (٤٠) وقال سبحانه:( إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى ) (٤١) وقال:( والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقويهم ) (٤٢) وقال:( هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ) (٤٣) الآية، ولو كان الايمان كله واحدا لا زيادة فيه ولا نقصان، لم يكن لاحد فضل على أحد، ولتساوي الناس في تمام الايمان، وبكماله دخل المؤمنون الجنة ونالوا الدرجات فيها، وبذهابه ونقصانه دخل آخرون النار ) الخبر.

[١٢٦٦١] ٥ - دعائم الاسلام: روينا عن أبي عبد الله جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، أن سائلا سأله عن أي الاعمال أفضل عند الله؟ فقال: ( ما لا يقبل الله عز وجل عملا إلا به ) قال: وما هو؟ قال: ( الايمان بالله أعلى الاعمال درجة، وأشرفها منزلة، وأسناها حظا ) قال السائل له قلت: أخبرني عن الايمان، أقول وعمل، أم قول بلا عمل؟ قال: ( الايمان عمل كله، والقول بعض ذلك العمل، بفرض من الله بين في كتابه، واضح [ نوره ](١) ثابتة حجته، يشهد به الكتاب ويدعو إليه ) قال: قلت: بين ذلك جعلني الله فداك حتى أفهمه، قال: ( إن الايمان حالات ودرجات وطبقات ومنازل، فمنه التام المنتهي تمامه، ومنه الناقص البين نقصانه، ومنه الراجح البين رجحانه ) قال: قلت: إن الايمان لينتقص ويتم ويزيد، قال: ( نعم )

__________________

(٣٩) التوبة ٩: ١٢٤.

(٤٠) الأنفال ٨: ٢.

(٤١) الكهف ١٨: ١٣.

(٤٢) محمد ٤٧: ١٧.

(٤٣) الفتح ٤٨: ٤.

٥ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٤.

(١) أثبتناه من المصدر.

١٤٩

قال: قلت: وكيف ذاك؟ قال: ( لان الله تبارك وتعالى فرض الايمان على جوارح بني آدم، وقسمه عليها وفرقه فيها، فليس من جوارحه جارحة إلا وقد وكلت من الايمان بغير ما وكلت به أختها، فمنه قلبه الذي به يعقل ويفقه ويفهم، وهو أمير بدنه الذي لا ترد الجوارح ولا تصدر إلا عن رأيه وأمره، ومنها عيناه اللتان يبصر بهما، وأذناه اللتان يسمع بهما، ويداه اللتان يبطش بهما، ورجلاه اللتان يمشي بهما، وفرجه الذي الباه من قبله، ولسانه الذي ينطق به، ورأسه الذي فيه وجهه، فليس من هذه جارحة إلا وقد وكلت من الايمان بغير ما وكلت به أختها، بفرض من الله يشهد به الكتاب، ففرض على القلب غير ما فرض على السمع وفرض على السمع غير ما فرض على اللسان، وفرض على اللسان غير ما فرض على العينين، وفرض على العينين غير ما فرض على اليدين، وفرض على اليدين غير ما فرض على الرجلين، وفرض على الرجلين غير ما فرض على الفرج، وفرض على الفرج غير ما فرض على الوجه، فأما ما فرض على القلب من الايمان، فالاقرار والمعرفة والعقد والرضا، والتسليم بأن الله تبارك وتعالى، هو الواحد لا إله إلا هو وحده لا شريك له(٢) ، وأن محمد عبده ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والاقرار بما كان من عند الله من نبي أو كتاب، فذلك ما فرض الله على القلب من الاقرار والمعرفة، فقال عز وجل:( إلا من أكره ) (٣) الآية، وقال:( ألا بذكر الله ) (٤) الآية، وقال:( الذين قالوا آمنا بأفواههم ) (٥) الآية، [ وقال عز وجل:( إن تبدو خيرا أو تخفوه ) (٦) ](٧) وقال:( إن تبدوا ما في أنفسكم ) (٨) الآية، فذلك ما

__________________

(٢) في المصدر زيادة: إلها واحدا أحدا صمدا لم يتخذ صاحبة ولا ولدا.

(٣) النحل ١٦: ١٠٦.

(٤) الرعد ١٣: ٢٨.

(٥) المائدة ٥: ٤١.

(٦) النساء ٤: ١٤٩.

(٧) أثبتناه من المصدر.

(٨) البقرة ٢: ٢٨٤.

١٥٠

فرض الله على القلب من الاقرار والمعرفة، وهو عمله وهو رأس الايمان، وفرض على اللسان القول والتعبير عن القلب ما عقد عليه وأقر به، فقال تبارك وتعالى:( قولوا آمنا ) (٩) الآية، وقال:( وقولوا للناس حسنا ) (١٠) وقال:( وقولوا قولا سديدا ) (١١) وقال:( وقل الحق من ربكم ) (١٢) وأشباه ذلك مما أمر الله عز وجل بالقول به، فهذا ما فرض الله عز وجل على اللسان وهو عمله، وفرض على السمع(١٣) أن يتنزه عن الاستماع إلى ما حرم الله وما لا يحل له،(١٤) وهو عمله وذلك من الايمان، ( وفرض على العينين غض البصر عما حرم الله وهو عملهما )(١٥) ، وفرض على البصر أن لا ينظر إلى ما حرم الله، وأن يغض عما نهى الله عنه مما لا يحل له وهو عمله، وذلك من الايمان، وقال تبارك وتعالى:( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ) (١٦) من أن ينظر أحدهم إلى فرج أخيه، ويحفظ فرجه من أن ينظر إليه أحد، ثم قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : كل شئ في القرآن من حفظ الفرج فهو من الزنى، إلا هذه الآية فهو من النظر، ثم نظم ما فرض الله على القلب واللسان والسمع والبصر في آية واحدة فقال:( ولا تقف ) (١٧) الآية، وقال:( وما كنتم تستترون ) (١٨) الآية، يعني بالجلود [ الفروج ](١٩) والأفخاذ، فهذا ما

__________________

(٩) البقرة ٢: ١٣٦.

(١٠) البقرة ٢: ٨٣.

(١١) الأحزاب ٣٣: ٧٠.

(١٢) الكهف ١٨: ٢٩.

(١٣) في المصدر زيادة: الاصغاء إلى ما أمر الله به، و.

(١٤) سقط من هنا كلام طويل، راجع المصدر.

(١٥) ما بين القوسين ليس في المصدر.

(١٦) النور ٢٤: ٣٠.

(١٧) الاسراء ١٧: ٣٦.

(١٨) فصلت ٤١: ٢٢.

(١٩) أثبتناه من المصدر.

١٥١

فرض الله على العينين من غض البصر عما حرم الله، وهو عملهما وهو من الايمان، وفرض على اليدين أن لا يبطش بهما إلى ما حرم الله، وأن تبطشا إلى ما أمر الله به، وفرضه عليهما من الصدقة وصلة الرحم، والجهاد في سبيل الله، والطهر للصلوات، قال الله عز وجل:( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم ) (٢٠) الآية، وقال:( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا ) (٢١) الآية، وقال:( فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب ) (٢٢) الآية، فهذا أيضا مما فرض الله على اليدين، لان الضرب من علاجهما، وفرض على الرجلين [ المشي إلى طاعة الله و ](٢٣) أن لا يمشي بهما في شئ من معاصي الله، وأن تنطلقا إلى ما أمر الله به، وفرض عليهما من المشي فيما يرضي الله عز وجل، فقال في ذلك:( ولا تمش ) (٢٤) الآية، وقال عز وجل:( واقصد ) (٢٥) الآية،(٢٦) وقال فيما شهدت به الأيدي والأرجل على أنفسها وعلى أربابها، من نطقها بما أمر الله به وفرض عليها:( اليوم نختم ) (٢٧) الآية، فهذا أيضا مما فرض الله على اليدين والرجلين، وهو عملهما وهو من الايمان، وفرض على الوجه السجود بالليل والنهار في مواقيت الصلاة، فقال:( يا أيها الذين آمنوا اركعوا ) (٢٨) الآية، فهذه فريضة جامعة على الوجه واليدين والرجلين، وقال في موضع آخر:( وأن المساجد ) (٢٩) الآية، فهذا ما فرض على الجوارح من الطهور

__________________

(٢٠) المائدة ٥: ٦.

(٢١) الأنفال ٨: ١٥.

(٢٢) محمد ٤٧: ٤.

(٢٣) أثبتناه من المصدر.

(٢٤) الاسراء ١٧: ٣٧.

(٢٥) لقمان ٣١: ١٩.

(٢٦) في المصدر زيادة آيتان هما: وقال: ( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة ) الآية. وقال: ( وليطوفوا بالبيت العتيق ) .

(٢٧) يس ٣٦: ٦٥.

(٢٨) الحج ٢٢: ٧٧. (٢٩) الجن ٧٢: ١٨.

١٥٢

والصلاة، وسمى الصلاة إيمانا في كتابه، وذلك أن الله عز وجل لما صرف وجه نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الصلاة إلى بيت المقدس، وأمره أن يصلي إلى الكعبة، قال المسلمون للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أرأيت صلاتنا هذه التي كنا نصليها إلى بيت المقدس، ما حالها وحالنا فيها؟ فأنزل الله عز وجل في ذلك:( وما كان الله ليضيع ) (٣٠) الآية، فسمى الصلاة إيمانا، فمن لقي الله حافظا لجوارحه، موقيا كل جارحة من جوارحه ما فرض الله عليها، لقي الله كامل الايمان، وكان من أهل الجنة، ومن خان [ الله ](٣١) شيئا منها وتعدى ما أمر الله عز وجل به، لقي الله ناقص الايمان ) قال السائل: يا بن رسول الله، قد فهمت نقصان الايمان وتمامه، فمن أين جاءت زيادته، وما الحجة في زيادته؟ قال جعفرعليه‌السلام : قد أنزل الله عز وجل:( وإذا ما أنزلت ) (٣٢) الآية، وقال:( نحن نقص عليك ) (٣٣) الآية، ولو كان الايمان كله واحدا لا نقصان فيه ولا زيادة، لم يكن لاحد فيه فضل على أحد، ولاستوت النعم فيه، ولاستوى الناس وبطل التفضيل، ولكن بتمام الايمان دخل المؤمنون الجنة،(٣٤) وبالزيادة في الايمان تفاضل المؤمنون في الدرجات عند الله، وبالنقصان منه دخل المقصرون النار ) الخبر.

[١٢٦٦٢] ٦ - وعن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، أنه قال في قول الله عز وجل:( ومن يكفر بالايمان فقد حبط عمله ) (١) قال: ( كفرهم به ترك العمل بالذي أقروا(٢) به ).

__________________

(٣٠) البقرة ٢: ١٤٣.

(٣١) أثبتناه من المصدر.

(٣٢) التوبة ٩: ١٢٤.

(٣٣) الكهف ١٨: ١٣.

(٣٤) في المصدر زيادة: وبرجحانه.

٦ - دعائم الاسلام ج ١ ص ١١.

(١) المائدة: ٥: ٥.

(٢) في المصدر: أمر.

١٥٣

[١٢٦٦٣] ٧ - القطب الراوندي في لب اللباب: عن الصادقعليه‌السلام قال: ( الأمانة حفظ اللسان والعين والفرج والقلب، فخصم الفرج المؤمنون، وخصم العين الملائكة، وخصم اللسان الأنبياء، وخصم القلب الله تعالى ).

٣ -( باب جملة مما ينبغي القيام به من الحقوق الواجبة والمندوبة)

[١٢٦٦٤] ١ - الحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول: في مواعظ السجادعليه‌السلام ، قال في رسالتهعليه‌السلام المعروفة برسالة الحقوق: ( اعلم رحمك الله، أن لله عليك حقوقا محيطة بك فبكل حركة تحركتها، أو سكنة سكنتها، أو منزلة نزلتها، أو جارحة قلبتها، أو آلة تصرفت بها، بعضها أكبر من بعض، وأكبر حقوق الله عليك، ما أوجبه لنفسه تبارك وتعالى من حقه الذي هو أصل الحقوق ومنه تفرع، ثم أوجبه عليك لنفسك من قرنك إلى قدمك على اختلاف جوارحك، فجعل لبصرك عليك حقا، ولسمعك عليك حقا، وللسانك عليك حقا، وليدك عليك حقا، ولرجلك عليك حقا، ولبطنك عليك حقا، ولفرجك عليك حقا، فهذه الجوارح السبع التي بها تكون الأفعال، ثم جعل عز وجل لأفعالك عليك حقوقا، فجعل لصلاتك عليك حقا، ولصومك عليك حقا، ولصدقتك عليك حقا، ولهديك عليك حقا، ولأفعالك عليك حقا ثم تخرج الحقوق منك إلى غيرك من ذوي الحقوق الواجبة عليك، وأوجبها عليك حق أئمتك، ثم حقوق رعيتك، ثم حقوق رحمك، فهذه حقوق يتشعب منها حقوق، فحقوق أئمتك ثلاثة: أوجبها عليك حق سائسك بالسلطان، ثم سائسك بالعلم، ثم حق سائسك بالملك، وكل سائس إمام، وحقوق رعيتك ثلاثة: أوجبها عليك حق

__________________

٧ - لب اللباب: مخطوط.

الباب ٣

١ - تحف العقول ص ١٨٣.

١٥٤

رعيتك بالسلطان، ثم حق رعيتك بالعلم فإن الجاهل رعية العالم، وحق رعيتك بالملك من الأزواج وما ملكت من الايمان(١) ، وحقوق رحمك كثيرة متصلة بقدر اتصال الرحم في القرابة، فأوجبها عليك حق أمك، ثم حق أبيك، ثم حق ولدك، ثم حق أخيك، ثم الأقرب فالأقرب، والأول فالأول، ثم حق مولاك المنعم عليك، ثم حق مولاك الجاري نعمته عليك، ثم حق ذي المعروف لديك، ثم حق مؤذنك بالصلاة، ثم حق إمامك في صلاتك، ثم حق جليسك، ثم حق جارك، ثم حق صاحبك، ثم حق شريكك، ثم حق مالك، ثم حق غريمك الذي تطالبه، ثم حق غريمك الذي يطالبك، ثم حق خليطك(٢) ، ثم حق خصمك المدعي عليك، ثم حق خصمك الذي تدعي عليه، ثم حق مستشيرك، ثم حق المشير عليك، ثم حق مستنصحك، ثم حق الناصح لك، ثم حق من هو أكبر [ منك ](٣) ثم حق من هو أصغر منك، ثم حق سائلك، ثم حق من سألته، ثم حق من جرى لك على يديه مساءة بقول أو فعل، أو مسرة بذلك بقول أو فعل، عن تعمد منه أو غير تعمد منه، ثم حق أهل ملتك عامة، ثم حق أهل الذمة، ثم الحقوق الجارية بقدر علل الأحوال وتصرف الأسباب، فطوبى لمن أعانه الله على قضاء ما أوجب عليه من حقوقه ووفقه وسدده.

فأما حق الله الأكبر ، فإنك تعبده لا تشرك به شيئا، فإذا فعلت ذلك باخلاص، جعل لك على نفسه أن يكفيك أمر الدنيا والآخرة، ويحفظ لك ما تحب منها.

وأما حق نفسك عليك ، فأن تستوفيها في طاعة الله، فتؤدي إلى لسانك حقه، وإلى سمعك حقه، وإلى بصرك حقه، وإلى يدك حقها، وإلى

__________________

(١) في المصدر: الإماء.

(٢) الخليط: المشارك في حقوق الملك كالشرب والطريق ونحو ذلك وخليط القوم: مخالطهم. ( لسان العرب ج ٧ ص ٢٩١ ).

(٣) أثبتناه من المصدر.

١٥٥

رجلك حقها، وإلى بطنك حقه، وإلى فرجك حقه، وتستعين بالله على ذلك

وأما حق اللسان ، فإكرامه عن الخنا، وتعويده على الخير، وحمله على الأدب وإجمامه(٤) إلا لموضع الحاجة والمنفعة للدين والدنيا، واعفاؤه من الفضول الشنعة القليلة الفائدة، التي لا يؤمن ضررها مع قلة عائدتها، وبعد شاهد العقل والدليل عليه وتزين العاقل بعقله، حسن سيرته في لسانه، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وأما حق السمع ، فتنزيهه [ عن ](٥) أن تجعله طريقا إلى قلبك، إلا لفوهة كريمة تحدث في قلبك خيرا أو تكسب خلقا كريما، فإنه باب الكلام إلى القلب يؤدي به ضروب المعاني، على ما فيها من خير أو شر، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق بصرك ، فغضه عما لا يحل لك، وترك ابتذاله إلا لموضع عبرة، تستقبل بها بصرا أو تعتقد بها علما، فإن البصر باب الاعتبار.

وأما حق رجلك، فأن لا تمشي بها إلى ما لا يحل لك، ولا تجعلها مطيتك في الطريق المستحقة بأهلها فيها، فإنها حاملتك وسالكة بك مسلك الدين والسبق لك، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق يدك ، فأن لا تبسطها إلى ما لا يحل لك [ فتنال ](٦) بما تبسطها إليه من ( يد )(٧) العقوبة في الاجل، ومن الناس بلسان اللائمة في العاجل، ولا تقبضها مما افترض الله عليها، ولكن توقرها بقبضها عن كثير مما لا يحل لها، وتبسطها إلى كثير مما ليس عليها، فإذا هي قد عقلت وشرفت في العاجل، وجب لها حسن الثواب من الله في الآجل.

__________________

(٤) الاجمام: الراحة، من اجمام الفرس إذا ترك فلم يركب، والمراد هنا حبس اللسان عن الكلام ( لسان العرب ج ١٢ ص ١٠٧ ).

(٥) أثبتناه من المصدر.

(٦) أثبتناه من المصدر.

(٧) في المصدر: الله.

١٥٦

وأما حق بطنك ، فأن لا تجعله وعاء لقيل من الحرام ولا لكثير، وأن تقتصر له في الحلال، ولا تخرجه من حد التقوية إلى حد التهوين وذهاب المروة، وضبطه إذا هم بالجوع والظمأ، فإن الشبع المنتهي بصاحبه [ إلى التخم ](٨) مكسلة ومثبطة ومقطعة عن كل بر وكرم، وأن الري المنتهي بصاحبه إلى السكر، مسخفة ومجهلة ومذهبة للمروة.

وأما حق فرجك ، فحفظه مما لا يحل لك، والاستعانة عليه بغض البصر، فإنه من أعون الأعوان، وكثرة ذكر الموت، والتهدد لنفسك بالله، والتخويف لها به، وبالله العصمة والتأييد، ولا حول ولا قوة إلا به.

ثم حقوق الأفعال:

فأما حق الصلاة ، فأن تعلم أنها وفادة إلى الله، وأنك قائم بها بين يدي الله، فإذا علمت ذلك كنت خليقا أن تقوم فيها مقام العبد الذليل الراغب الراهب الخائف الراجي، المسكين المتضرع المعظم من قام بين يديه، بالسكون والاطراق وخشوع الأطراف، ولين الجناح وحسن المناجاة له في نفسه، والطلب إليه في فكاك رقبتك، التي أحاطت بها خطيئتك واستهلكتها ذنوبك، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق الصوم ، فأن تعلم أنه حجاب ضربه الله على لسانك وسمعك وبصرك وفرجك وبطنك، ليسترك به من النار، وهكذا جاء في الحديث: الصوم جنة من النار، فإن سكنت أطرافك في حجبتها رجوت أن تكون محجوبا، وإن أنت تركتها تضطرب في حجابها، وترفع جنبات الحجاب فتطلع إلى ما ليس لها، بالنظرة الداعية للشهوة، والقوة الخارجة عن حد التقية لله، لم تأمن أن تخرق [ الحجاب ](٩) وتخرج منه، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق الصدقة ، فأن تعلم أنها ذخرك(١٠) عند ربك، ووديعتك التي

__________________

(٨) أثبتناه من المصدر.

(٩) أثبتناه من المصدر.

(١٠) في الطبعة الحجرية: دخول، وما أثبتناه من المصدر.

١٥٧

لا تحتاج إلى الاشهاد، فإذا علمت ذلك كنت بما استودعته سرا أوثق بما استودعته علانية، وكنت جديرا أن تكون أسررت إليه أمرا أعلنته، وكان الامر بينك وبينه فيها سرا على كل حال، ولم تستظهر عليه فيما استودعته منها إشهاد الاسماع والابصار عليه بها، كأنها أوثق في نفسك لا كأنك لا تثق به في تأدية وديعتك إليك، ثم لم تمتن بها على أحد، لأنها لك فإذا امتننت بها لم تأمن أن تكون بها مثل تهجين حالك منها، إلى من مننت بها عليه، لان في ذلك دليلا على أنك لم ترد نفسك بها، ولو أردت نفسك بها لم تمتن بها على أحد، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق الهدى ، فأن تخلص بها الإرادة إلى ربك، والتعرض لرحمته وقبوله، ولا تريد عيون الناظرين دونه، فإذا كنت كذلك لم تكن متكلفا ولا متصنعا، وكنت إنما تقصد إلى الله، واعلم أن الله يراد باليسير ولا يراد بالعسير، كما أراد بخلقه التيسير ولم يرد بهم التعسير، وكذلك التذلل أولى بك من التدهقن، لان الكلفة والمؤونة في المتدهقنين(١١) ، فأما التذلل والتمسكن فلا كلفة فيهما ولا مؤونة عليهما، لأنهما الخلقة وهما موجودان في الطبيعة، ولا قوة إلا بالله.

ثم حقوق الأئمة:

فأما حق سائسك بالسلطان ، فأن تعلم أنك جعلت له فتنة، وأنه مبتلى فيك بما جعله الله [ له ](١٢) عليك من السلطان، وأن ( تخلص له )(١٣) في النصيحة، وأن لا تماحكه وقد بسطت يده عليك، فتكون سبب هلاك نفسك وهلاكه، وتذلل وتلطف لاعطائه من الرضى ما يكفه(١٤) عنك ولا

__________________

(١١) التدهقن: التكيس. والدهقان: القوي على التصرف مع حده ( لسان العرب ج ١٣ ص ١٦٤ ).

(١٢) أثبتناه من المصدر.

(١٣) في الحجرية تعلم أنك، وما أثبتناه من المصدر.

(١٤) في المصدر: يكفيه.

١٥٨

يضر بدينك، وتستعين عليه في ذلك بالله، ولا تعاده ولا تعانده فإنك إن فعلت ذلك عققته، وعققت نفسك فعرضتها لمكروهه، وعرضته للهلكة فيك، وكنت خليقا أن تكون معينا له على نفسك، وشريكا له فيما أتى إليك، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق سائسك بالعلم ، فالتعظيم له، والتوقير لمجلسه، وحسن الاستماع إليه، والاقبال عليه، والمعونة له على نفسك، فيما لا غنى بك عنه من العلم، بأن تفرغ له عقلك وتحضره فهمك، وتذكي له [ قلبك ](١٥) وتجلي له بصرك، بترك اللذات ونقص الشهوات، وأن تعلم أنك فيما ألقى إليك رسوله إلى من لقيك من أهل الجهل، فلزمك حسن التأدية عنه إليهم، ولا تخنه في تأدية رسالته، والقيام بها عنه إذا تقلدتها، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وأما حق سائسك بالملك ، فنحو من سائسك بالسلطان، إلا أن هذا يملك ما لا يملكه ذاك، تلزمك طاعته فيما دق وجل منك، ( إلا أن يخرجك من وجوب حق الله ويحول بينك وبين حقه )(١٦) وحقوق الخلق، فإذا قضيته رجعت إلى حقه فتشاغلت به، ولا قوة إلا بالله.

ثم حقوق الرعية:

فأما حقوق رعيتك بالسلطان ، فأن تعلم أنك إنما استرعيتهم بفضل قوتك عليهم، فإنه إنما أحلهم محل الرعية لك ضعفهم وذلهم، فما أولى من كفاكه ضعفه وذله حتى صيره لك رعية، وصير حكمك عليه نافذا لا يمتنع منك بعزة ولا قوة، ولا يستنصر فيما تعاظمه منك إلا بالله، بالرحمة والحياطة والأناة، وما أولاك إذا عرفت ما أعطاك الله من فضل هذه العزة والقوة التي

__________________

(١٥) أثبتناه من المصدر.

(١٦) ورد في هامش الطبعة الحجرية ما نصه: ( هكذا كان الأصل وفيه سقم ولعل الصواب: ( إلا أن يخرجك من وجوب حقه وجوب حق الله الذي يحول بينك وبين حقه الخ ).

١٥٩

قهرت بها، أن تكون لله شاكرا، ومن شكر الله أعطاه فيما أنعم عليه، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق رعيتك بالعلم ، فان تعلم أن الله قد جعلك لهم فيما آتاك من العلم وولاك من خزانة الحكمة، فإن أحسنت فيما ولاك الله من ذلك، وقمت به لهم مقام الخازن الشفيق، الناصح لمولاه في عبيده، الصابر المحتسب، الذي إذا رأي ذا حاجة أخرج له من الأموال التي في يديه، [ كنت ](١٧) راشدا وكنت لذلك أملا معتقدا، وإلا كنت له خائنا ولخلقه ظالما، ولسلبه وعزه متعرضا.

وأما حق رعيتك بملك النكاح ، فأن تعلم أن الله جعلها سكنا ومستراحا وأنسا وواقية، وكذلك كل واحد منكما يجب أن يحمد الله على صاحبه، ويعلم أن ذلك نعمة منه عليه، ووجب أن يحسن صحبة نعمة الله ويكرمها ويرفق بها، وإن كان حقك عليها أغلظ وطاعتك بها ألزم فيما أحبت وكرهت، ( ما لم تكن )(١٨) معصية، فإن لها حق الرحمة والمؤانسة، وموضع السكون إليها، قضاء اللذة التي لا بد من قضائها، وذلك عظيم، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق رعيتك بملك اليمين ، فأن تعلم أنه خلق ربك ولحمك ودمك، وأنك تملكه لا أنت صنعته دون الله، ولا خلقت له سمعا ولا بصرا، ولا أجريت له رزقا، ولكن الله كفاك ذلك بمن سخره لك، وائتمنك عليه واستودعك إياه لتحفظه فيه، وتسير فيه بسيرته، فتطعمه مما تأكل، وتلبسه مما تلبس، ولا تكلفه ما لا يطيق، فإن كرهت خرجت إلى الله منه، واستبدلت به ولم تعذب خلق الله، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق الرحم، فحق أمك أن تعلم أنها حملتك حيث لا يحمل أحد

__________________

(١٧) أثبتناه من المصدر.

(١٨) في الطبعة الحجرية: ما أمكن، وما أثبتناه من المصدر.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

الْعِقابِ ) . انّ العذاب الشديد غير مخالف لرحمته الواسعة ، كما لا يتوهّم أحدا انّ رحمته العامّة هي إعطاء الفرصة للظالمين ان يفعلوا ما يريدون. لانّه في هذه الموارد يكون شديد العقاب ، والحصول على نتائج هذه الصفتين للربّ يعني( لَذُو مَغْفِرَةٍ ) و( لَشَدِيدُ الْعِقابِ ) مرهون بسلوك الإنسان نفسه.

* * *

ملاحظتان

1 ـ لماذا التعجّب في الخلق الجديد؟

يستفاد من خلال آيات متعدّده في القرآن الكريم انّ من جملة مشاكل الأنبياء مع المشركين اثبات «المعاد الجسماني» لانّهم كانوا يتعجّبون دائما من هذا الموضوع وهو : كيف يبعث الإنسان من جديد بعد ان صار ترابا؟ كما اشارت اليه الآية السابقة( أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ) وهناك سبع آيات اخرى تشير الى هذا الموضوع (الآية 35 و 82 من سورة المؤمنون 7 ـ 2 النمل 6 ـ 1 و 53 الصافات ـ 3 ق 7 ـ 4 الواقعة).

ومن هنا يتّضح انّ هذا التساؤل كان مهمّا بالنسبة إليهم حيث كانوا يكرّرونه في كلّ فرصة ، ولكن القرآن الكريم يجيبهم بعبارات قصيرة وقاطعة ، فمثلا الآية (29) من سورة الأعراف :( كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ) تتكوّن من كلمات قليلة ولكنّها مفحمة لهم ، وفي مكان آخر يقول تعالى :( وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ) لانّكم في الخلق الاوّل لم تكونوا شيئا امّا الآن فتوجد على الأقل عظام نخرة مع التراب المتبقّي منكم.

وفي بعض الأحيان يأخذ بأيدي الناس ويدعوهم الى التفكّر والإمعان في عظمة وقدرة الخالق( أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ ) .

٣٤١

2 ـ هل انّ الله يعفو عن الظالمين؟

قرانا في الآيات المتقدّمة انّ الله يعفو ويغفر للذين ظلموا ، وهذا الغفران غير لازم لمن يصرّ على ظلمه ، ولكنّه من باب إعطاء الفرصة لهم لان يصلحوا أنفسهم ، والّا فهو تعالى شديد العقاب.

ويمكن ان نستفيد من هذه الآية انّ الذنوب الكبيرة ـ ومن جملتها الظلم ـ قابلة للغفران (ولكن بتحقّق شروطها) ، وهو ردّ على قول المعتزلة بأنّ الذنوب الكبيرة لا يغفرها الله ابدا.

وعلى ايّة حال فـ «المغفرة الواسعة» و «العقاب الشديد» في الواقع تجعل كل المعترفين بوجود الله بين «الخوف» و «الرجاء» الذي يعتبر من العوامل المهمّة لتربية الإنسان ، فلا ييأس من رحمة الله لكثرة الذنوب ، ولا يأمن من العذاب لقلّتها.

ولهذا جاء في الحديث عن الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «لو لا عفو الله وتجاوزه ما هنئ احد العيش ، ولولا وعيد الله وعقابه لاتّكل كلّ واحد»(1) .

ومن هنا يتّضح انّ الذين يقولون ـ أثناء ارتكابهم المعاصي ـ انّ الله كريم ، يكذبون في اتّكالهم على كرم الله ، فهم في الواقع يستهزءون بعقاب الله.

* * *

__________________

(1) مجمع البيان ، المجلد 5 و 6 ، ص 278 ـ تفسير القرطبي ، المجلّد السّادس ، ص 3514.

٣٤٢

الآية

( وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ(7) )

التّفسير

ذريعة اخرى!

بعد ما أشرنا في الآيات السّابقة الى مسألة «التوحيد» و «المعاد» ، تتطرّق هذه الآية الى واحدة من اعتراضات المشركين المعاندين حول مسألة النبوّة :( وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ ) .

ومن الواضح انّ احدى وظائف النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اظهار معاجزه لكي يدلّ على صدقه وصلته بالوحي الالهي ، والذي يبحث عن الحقيقة له الحقّ في المطالبة بالمعجزة أثناء شكّه وتردّده في تصديق الدعوة ، او تتّضح له دلائل النبوّة عن طريق آخر.

ولكن يجب ان نلتفت الى هذه النقطة وهي : انّ اعداء الأنبياء لم يكن لديهم حسن نيّة او اتّباع للحقّ عند طلبهم المعجزة ، بل لعنادهم وعدم تسليمهم للأمر الواقع ولذلك كانوا يقترحون بين فترة واخرى معاجز عجيبة وغريبة. وهذه ما

٣٤٣

يسمّى بـ «المعجزات الاخلاقية».

اقتراحهم للمعاجز لم يكن لكشف الحقيقة ، ولهذا لم يستجب الأنبياء لمطاليبهم ، وفي الحقيقة كانت هذه الفئة من الكفّار المعاندين يعتقدون انّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدّعي القدرة على انجاز اي عمل خارق للعادة ، وايّ واحد منهم يقترح عليه انجاز عمل ما سوف يلبّي مطاليبه.

ولكن الأنبياء كانوا يقولون لهم الحقيقة وهي انّ المعاجز بيد الله ، ورسالتنا هداية الناس.

ولذلك نقرا في تكملة الآية قوله تعالى :( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) .

* * *

بحثان

هنا يرد سؤالان :

1 ـ هل الآية «انّما أنت منذر ...» جواب للكفّار؟

كيف يمكن لجملة( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) ان تكون جوابا للكفّار عند طلبهم المعجزة؟

الجواب : بالاضافة الى ما قلناه سابقا فإنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليست له القدرة الغيبية المطلقة كي يطلبوا منه الاعجاز ، لانّ الوظيفة الاولى له هي إنذار أولئك الذين يسيرون في طريق الضلال ، والدعوة الى الصراط المستقيم ، وإذا ما احتاجت هذه الدعوة الى المعجزة فسوف يأتي بها النّبي ، ولكن لا يأتي بها للمعاندين البعيدين عن هذه المسيرة.

فمعنى الآية : انّ الكفّار نسوا انّ هدف الأنبياء الإنذار والدعوة الى الله ، واعتقدوا انّ وظيفتهم القيام بالمعاجز.

٣٤٤

2 ـ ما هو المقصود من جملة( لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) ؟

قال بعض المفسّرين : انّ هاتين الصفتين (منذر) و (هاد) صفتان للرسول ، فأصل الجملة تكون (أنت منذر وهاد لكلّ قوم).

ولكن هذا التّفسير خلاف الظاهر ، لانّ الواو في جملة( وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) تفصل بين جملة( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ ) ولو كانت كلمة «هاد» قبل «لِكُلِّ قَوْمٍ » كان المعنى السّابق صحيحا. ولكن الأمر ليس كذلك.

والشيء الآخر هو انّ هدف الآية بيان انّ هناك قسمين من الدعوة الى الله : أحدهما ان يكون عمل الداعي هو الإنذار فقط. والآخر : ان يكون العمل هو الهداية.

وسوف تسألون حتما : ما هو وجه التفاوت بين (الإنذار) و (الهداية)؟ نقول في جواب هذا السؤال : انّ الإنذار للذين اضلّوا الطريق ودعوتهم تكون الى الصراط المستقيم ، ولكن الهداية والاستقامة للذين آمنوا.

وفي الحقيقة انّ المنذر مثل العلّة المحدثة ، امّا الهادي فبمنزلة العلّة الباقية وهذه هي التي تعبّر عنها بالرّسول والامام ، فالرّسول يقوم بتأسيس الشريعة والامام يقوم بحفظها وحراستها. (ليس من شكّ انّ الهداية في آيات اخرى مطلقة للرسول ، ولكن بقرينة المنذر في هذه الآية نفهم انّ المقصود من الهادي هو الشخص الحافظ والحامي للشريعة).

هناك روايات عديدة تؤكّد ما قلناه سابقا ، فقد قال الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «انا المنذر وعلي الهادي».

ولا بأس ان نشير الى عدّة من هذه الرّوايات :

1 ـ في ذيل هذه الآية من تفسير الفخر الرازي مرفوعا عن ابن عبّاس قال : وضع رسول الله يده على صدره فقال : «انا المنذر» ثمّ اومأ الى منكب عليعليه‌السلام وقال : (أنت الهادي بك يهتدي المهتدون من بعدي) هذه الرّواية ذكرها العلّامة

٣٤٥

«ابن كثير» في تفسيره ، والعلّامة «ابن الصبّاغ المالكي» في الفصول المهمّة ، و «الكنجي» الشافعي في كفاية الطالب و «الطبري» في تفسيره ، و «ابو حيّان الاندلسي» في تفسيره البحر المحيط ، وكذلك «العلّامة النيسابوري» في تفسيره الكشّاف ، وعدد آخر من المفسّرين.

2 ـ نقل «الحمويني» وهو من علماء اهل السنّة المعروفين في كتابه فرائد السمطين عن ابو هريرة قال «ان المراد بالهادي عليعليه‌السلام ».

3 ـ «مير غياث الدين» مؤلّف كتاب (حبيب السيّد) كتب يقول في المجلّد الثّاني صفحة 12 : «قد ثبت بطرق متعدّدة انّه لمّا نزل قوله تعالى :( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) قال لعلي : «انا المنذر وأنت الهادي بك يا علي يهتدي المهتدون من بعدي».

كما نقل هذا الحديث «الآلوسي» في (روح المعاني) و «الشبلنجي» في (نور الأبصار) والشيخ «سليمان القندوزي» في (ينابيع المودّة).

وبما انّ اكثر هذه الرّوايات مسنده الى ابن عبّاس فإنّه لم يكن الشخص الوحيد الذي روى ذلك ، فأبو هريرة نقل ذلك فيما ذكره الحمويني ، وحتّى علي نفسه ـ طبقا لما نقله الثعلبي ـ قد قال : «المنذر النّبي والهادي رجل من بني هاشم» يعني نفسه(1) .

لا شكّ انّ هذه الأحاديث لا تصرّح بالخلافة ، ولكن بالنظر الى ما تحتويه هذه الكلمة (الهداية) من المعنى الواسع ، فإنّها غير منحصرة بعليعليه‌السلام بل تشمل جميع العلماء واصحاب الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذين كانوا يقومون بنفس المهمّة ، فإنّه يتّضح لنا تخصيص علي بن أبي طالبعليه‌السلام في هذه الرّوايات بهذا العنوان يدلّ على انّه المصداق البارز له ، وذلك لما يمتاز به من الخصوصيات ، وهذا المطلب لا يكون منفصلا عن خلافة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتما.

* * *

__________________

(1) للمزيد من الاطلاع راجع كتاب احقاق الحقّ ، المجلّد الثّالث ، ص 87 وما بعدها.

٣٤٦

الآيات

( اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ (8) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ (9) سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ (10) )

التّفسير

علم الله المطلق :

نقرا في هذه الآيات قسما من صفات الخالق ، والتي تكمل بحث التوحيد والمعاد ، فالحديث عن علمه الواسع ومعرفته بكلّ شيء ، هو ذاك العلم الذي يقوم عليه نظام التكوين وعجائب الخلقة وآيات التوحيد ، وهو العلم الذي يكون أساسا للمعاد والعدالة الالهيّة يوم القيامة وهذه الآيات استندت الى هذين القسمين : (العلم بنظام التكوين ، والعلم بأعمال العباد).

تقول الآية اوّلا :( اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى ) في رحمها ، سواء من أنثى الإنسان او الحيوان( وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ ) اي تنقص قبل موعدها المقرّر( وَما

٣٤٧

تَزْدادُ ) (1) اي يعلم بما تزيد عن موعدها المقرّر.

في تفسير هذه الجمل الثلاث هناك آراء مختلفة بين المفسّرين :

يعتقد البعض ـ انّها تشير ـ كما ذكرنا آنفا ـ الى وقت الولادة ، وهي على ثلاثة انواع : فمرّة يولد المولود قبل موعده. ومرّة في موعده ، واخرى بعد الموعد المقرّر. فالله يعلم كلّ ذلك ويعلم لحظة الولادة بالتحديد ، وهذه من الأمور التي لا يستطيع اي احد او جهاز ان يحدّد موعده ، وهذا العلم خاص بذات الله المنزّهة ، وسببه واضح لانّ استعدادات الأرحام والاجنّة مختلفة ، ولا احد يعلم بهذا التفاوت.

وقال بعض آخر : انّها تشير الى ثلاث حالات مختلفة للرحم ايّام الحمل ، فالجملة الاولى تشير الى نفس الجنين الذي تحفظه ، والجملة الثانية تشير الى دم الحيض الذي ينصبفي الرحم ويمصّه الجنين ، والجملة الثالثة اشارة الى الدم الاضافي الذي يخرج أثناء الحمل أحيانا ، او دم النفاس أثناء الولادة(2) .

وهناك عدّة احتمالات اخرى في تفسير هذه الآية دون ان تكون متناقضة فيما بينها ، ويمكن ان يكون مراد الآية اشارة الى مجموع هذه التفاسير ، ولكن الظاهر انّ التّفسير الاوّل اقرب ، بدليل جملة (تحمل) المقصود منها الجنين والجمل (تغيض) و (تزداد) بقرينة الجملة السابقة تشير الى الزيادة والنقصان في فترات الحمل.

روى الشيخ الكليني في الكافي عن الامام الصادقعليه‌السلام او الامام الباقرعليه‌السلام

__________________

(1) «تغيض» أصلها الغيض بمعنى ابتلاع السائل وهبوط مستوى الماء. وتأتي بمعنى النقصان والفساد ، و «الغيضة» المكان الذي يقف فيه الماء فيبتلعه ، و «ليلة غائضة» اي مظلمة.

(2) يقول صاحب الميزان مؤيّدا هذا الراي : إنّ بعض روايات ائمّة اهل البيت يؤيّد هذا الراي. وابن عبّاس ممّن يؤيّد هذا الراي ايضا ، ولكن بالنظر الى الرّوايات المنقولة في تفسير نور الثقلين في ذيل الآية فإنّ أكثرها يؤيّد ما قلناه في الراي الاوّل.

٣٤٨

في تفسير الآية انّ «الغيض كلّ حمل دون تسعة أشهر ، وما تزداد كلّ شيء حمل على تسعة أشهر». وفي تكملة الحديث يقول : «كلّما رأت المراة الدم الخالص في حملها فإنّها تزداد وبعدد الايّام التي زاد فيها في حملها من الدم»(1) .

( وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ ) ولكي لا يتصوّر احد انّ هذه الزيادة والنقصان بدون حساب ودليل ، بل انّ كلّ ساعة وثانية ولحظة لا تمرّ دون حساب ، كما انّ للجنين ودم الرحم حساب وكتاب ايضا. فالآية التي بعدها تؤكّد ما قلناه في الآية السابقة حيث تقول :( عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ ) فعلمه بالغيب والشهادة لهذا السبب( الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ ) فهو يحيط بكلّ شيء ، ولا يخفى عنه شيء.

ولتكميل هذا البحث وتأكيد علمه المطلق يضيف القرآن الكريم :( سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ ) (2) وهذا هو الحقّ فالذي يوجد في كلّ مكان لا معنى للغيب والشهادة او الليل والنهار عنده ، فهو محيط بها وعالم بأخبارها بشكل متساو.

* * *

بحوث

1 ـ القرآن وعلم الاجنّة

أشار القرآن المجيد مرارا الى مسألة الجنين وعجائب تكوينه ليكون احد الادلّة على التوحيد ومعرفة الله وعلمه المطلق ، وبالطبع فإنّ علم الاجنّة واحد من العلوم الحديثة وكان سابقا عبارة عن معلومات اوّليّة محدودة ثمّ توسعت في هذا العصر. ولكن بتقدّم العلم والمعرفة حدثت قفزة في هذا المجال كشف عن

__________________

(1) نور الثقلين ، ج 2 ، صفحة 485.

(2) «سارب» من سرب على وزن ضرر ، بمعنى الماء الجاري ، ويقال للشخص الذاهب الى عمل ايضا.

٣٤٩

كثير من اسرار هذا العالم الساكن والهادىء وعن كثير من عجائبه بحيث نستطيع ان نقول : انّ اكبر درس للتوحيد ومعرفة الله كامن في تكوين الجنين ومراحل تكامله.

فمن هذا الذي يرعى هذا الكائن المخفي وبتعبير القرآن واقع «في ظلمات ثلاث» الذي يمتاز بالظرافة ودقّة التكوين وان يوصل له المقدار اللازم من الغذاء ويرشده مراحل حياته؟

وعند ما تقول الآية السابقة :( اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى ) فليس المقصود من علمه بالذكر والأنثى فقط ، بل بكلّ خصائصه والطاقة الكامنة فيه ، هذه الأشياء لا يستطيع احد وبأي وسيلة ان يتعرّف عليها ، وعلى هذا فإنّ وجود هذا النظام الدقيق والمعقّد للجنين ومراحل تكامله لا يمكن ان يكون بدون صانع عالم وقدير.

2 ـ كلّ شيء له مقدار

نحن نقرا في آيات مختلفة من القرآن الكريم انّ كلّ شيء له حدّ محدود ولا يتجاوزه ، ففي الآية (3) من سورة الطلاق يقول تعالى :( قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) وفي الآية 21 سورة الحجر يقول تعالى :( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ) والآية التي نحن بصددها( وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ ) .

كلّ هذه تشير الى انّه ليس هناك شيء في العالم بدون حساب ، حتّى الموجودات في الطبيعة التي نعتبرها في بعض الأحيان غير مهمّة ، فإنّ وجودها على أساس حساب دقيق ، علمنا بذلك ام لم نعلم ، وأساسا فإنّ معنى حكمة الله هو ان يجعل لكلّ ما في الكون حدّا ومقدارا ونظاما.

وكلّ ما حصلناه اليوم من اسرار الكون بواسطة العلوم يؤكّد هذه الحقيقة ، فمثلا نرى انّ دم الإنسان ـ الذي هو المادّة الحياتية لوجود الإنسان والذي يقوم

٣٥٠

بنقل المواد الضروريّة اللازمة لخلايا الجسم ـ يتركّب من عشرين مادّة او اكثر ، وبنسب ثابتة دقيقة بحيث لو تمّ اي تغيير فيها لتعرّضت سلامة الإنسان للخطر ، ولهذا السبب ولمعرفة النقص الحاصل في الجسم يقومون بتحليل الدم وقياس نسبة السكر والدهن وسائر مركّبات الدم الاخرى ، ويتمّ تشخيص العلّة بواسطة معرفة زيادة او نقصان هذه النسب ، وليس دم الإنسان وحده له هذه الميزة ، بل كلّ ما في الوجود له نفس هذه الدقّة في النظام.

ولا بدّ هنا من التنبيه على انّ ما يظهر لنا في بعض الأحيان من عدم النظام في عالم الوجود هو في الواقع ناتج من قصور في علومنا ومعرفتنا ، فالإنسان الذي يؤمن بالله لا يمكن ان يتصوّر ذلك ، وبتطوّر العلوم تتأكّد لنا هذه الحقيقة.

وكي نستطيع ان نتعلّم هذا الدرس وهو انّ المجتمع الانساني الذي هو جزء من عالم الوجود إذا أراد له العيش بسلام ، فعليه ان يجعل شعار( كُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ ) يسود جميع جوانبه ، ويجتنب الإفراط والتفريط في اعماله وتخضع جميع مؤسساته الاجتماعية للحساب والموازين.

3 ـ الغيب والشهادة سواء عند الله

استندت هذه الآيات الى انّ الغيب والشهادة معلومان عند الله ، فهما مفهومان نسبيان وتستخدمان للكائن الذي علمه ووجوده محدود ، وعلى سبيل المثال نحن نمتلك حواسا ذات مدى نسبي ، فمتى ما كان الشيء داخلا في هذا المدى فهو شاهد بالنسبة لنا ، وما كان خارجا عنه فهو غيب ، فلو فرضنا انّ أبصارنا لها قدرة غير محدودة ويمكنها النفوذ في باطن الأشياء وإدراكها ، فإنّ كلّ شيء يعتبر شاهد عندنا.

وبما انّ كلّ شيء له حدّ محدود غير الذات الالهيّة ، فإنّ لغير الله تعالى غيب وشهادة ، ولانّ ذات الله غير محدودة ووجوده عام ومطلق فإنّ كلّ شيء بالنسبة

٣٥١

اليه شهادة ، ولا معنى للغيب بالنسبة اليه ، وإذا ما قلنا ـ انّ الله عالم الغيب والشهادة فهو ما نعتبره نحن غيب وشهادة ، امّا هو فهما عنده سواء. لنفترض انّنا ننظر ما في أيدينا في النهار ، فهل نجهل ما فيها؟! جميع الكون في مقابل علم الله أوضح من هذا واظهر.

4 ـ الآثار التربوية في إدراكنا لعلم الله

أثناء قراءتنا للآيات الماضية التي تقول : انّ الله يعلم السرّ والجهر من القول وحركاتكم في الليل والنهار وكلّها مشهودة عنده ، هل نجد في أنفسنا ايمانا بهذه الحقيقة؟ لو كنّا مؤمنين بذلك حقّا ونشعر بأنّ الله تعالى مطّلع علينا فإنّ هذا الايمان والاحساس الباطني يبعث على تغيير عميق في روحنا وفكرنا وقولنا وضمائرنا؟.

نقل عن الامام الصادقعليه‌السلام في جوابه لمن سأله عن طريقتهم في الحياة قال : «علمت انّ الله مطلع عليّ فاستحييت».

كما نشاهد كثيرا من المواقف من تأريخ المسلمين وحياتهم تتجلّى فيها هذه الحقيقة ، يقال : دخل أب وابنه في بستان ، فتسلّق الأب شجرة ليقطف ثمارها دون اذن صاحبها ، بينما بقي الابن أسفل الشجرة لمراقبة الأوضاع. وفجأة صاح الابن الذي كان مؤمنا ومتعلّما ونادى أباه بأن ينزل بسرعة ، عندها خاف الأب ونزل فورا وسأل من الذي رآني؟ قال : الذي هو فوقنا ، فنظر الأب الى الأعلى فلم يجد أحدا ، وسأل من الذي رآني؟ قال : الذي هو فوقنا ، فنظر الأب الى الأعلى فلم يجد أحدا ، فقال الابن : كان قصدي هو الله المحيط بنا جميعا ، كيف يمكن ان تخاف ان يراك الإنسان ، ولا تخاف ان يراك الله؟! اين الايمان؟!

* * *

٣٥٢

الآية

( لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ (11) )

التّفسير

المعقّبات الغيبية!

علمنا في الآيات السابقة انّ الله بما انّه عالم الغيب والشهادة فإنّه يعلم أسرار الناس وخفاياهم ، وتضيف هذه الآية انّه مع حفظ وحراسة الله لعبادة فإنّ( لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ ) (1) .

ولكي لا يتصوّر احد انّ هذا الحفظ بدون شروط وينغمس في المزلّات ، او يرتكب الذنوب الموجبة للعقاب ، ومع كلّ ذلك ينتظر من الله او الملائكة ان يحفظوه ، يعلّل القرآن ذلك بقوله :( إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما

__________________

(1) هناك حديث بين المفسرين في ان الضمير (له) لمن يعود ، وكما تشير الآية فإنه يعود للإنسان كما تؤكد عليه الآيات السابقة ، ولكن بعضهم قال : يعود للنبي او لله. وهذا يخالف ما جاء في ذيل الآية [فتأمل].

٣٥٣

بِأَنْفُسِهِمْ ) .

وكي لا يتبادر الى الأذهان انّه مع وجود الملائكة الحافظة فأيّ معنى للعذاب او الجزاء؟ هنا تضيف الآية( وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ ) ولهذا السبب فإنّه حين صدور العذاب الالهي على قوم او امّة ، فسوف ينتهي دور المعقّبات ويتركون الإنسان عرضة للحوادث

* * *

بحوث

1 ـ ما هي المعقّبات؟

«المعقّبات» كما جاء في مجمع البيان للعلّامة الطبرسي وكما قاله بعض المفسّرين جمع (معقبة) وهي بدورها جمع (معقّب) ومعناه المجموعة التي تعمل بشكل متناوب ومستمر. والظاهر من الآية انّ الله سبحانه وتعالى امر مجموعة من الملائكة بأن يحفظوا الإنسان في الليل والنهار ومن بين يديه ومن خلفه.

انّ الإنسان ـ بدون شك ـ معرّض في حياته الى كثير من الحوادث الروحية والجسمية ، فالامراض والمتغيّرات في السّماء والأرض محيطة بالإنسان ، وخصوصا في مرحلة الطفولة التي لا يدرك فيها ما يجري حوله ويكون هدفا سهلا للإصابة بها ، فقد يتعجّب الإنسان كيف ينجو الطفل وينمو من بين جميع هذه الحوادث ، وخصوصا في العوائل التي لا تدرك هذه المسائل وتعاني من قلّة الامكانيات كأبناء الريف الذين يعانون من الحرمان والفقر وهم معرضون للامراض اكثر من غيرهم.

وإذا ما امعنّا النظر في هذه المسائل فسوف نجد انّ هناك قوى محافظة ، تحفظ الإنسان في مقابل هذه الحوادث كالدرع الواقي.

وكثيرا ما يتعرّض الإنسان الى حوادث خطرة ويتخلّص منها بشكل

٣٥٤

اعجازي تجعله يشعر انّ كلّ ذلك ليس صدفة وانّما هناك قوى محافظة تحميه.

وهناك كثير من الأحاديث المنقولة عن ائمّة المسلمين تؤكّد ذلك ومن جملتها : الحديث المروي عن الامام الباقرعليه‌السلام في تفسير هذه الآية يقول : «يحفظ بأمر الله من ان يقع في ركي او يقع عليه حائط او يصيبه شيء ، حتّى إذا جاء القدر خلوا بينه وبينه يدفعونه الى المقادير ، وهما ملكان يحفظانه بالليل وملكان من نهار يتعاقبانه».

وفي حديث آخر عن الامام الصادقعليه‌السلام يقول : «ما من عبد الّا ومعه ملكان يحفظانه فإذا جاء الأمر من عند الله خليا بينه وبين امر الله».

ونقرا في نهج البلاغة عن امير المؤمنينعليه‌السلام «انّ مع كلّ انسان ملكين يحفظانه فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه».

كما نقرا في نهج البلاغة في وصف الملائكة من الخطبة الاولى «ومنهم الحفظة لعباده».

انّ عدم إدراكنا لوجود المعقّبات عن طريق الحسّ او التجربة العلمية ليس دليلا على عدم وجودهم ، لانّه غير منحصر في هذا المجال فقط ، فالقرآن الكريم والمصادر المعرفية الاخرى اشارت الى امور كثيرة وراء الحسّ والتي لا يمكن إثباتها بالطرق العادية. واكثر من ذلك ما قلنا سابقا من انّنا نتعرّض في حياتنا الى كثير من المخاطر والتي لا يمكن النجاة منها الّا بوجود هذه القوى المحافظة (ورأيت في حياتي بعض من هذه النماذج المحيّرة ، والتي كانت بالنسبة لي كشخص صعب التصديق دليلا على وجود هذا المعقّب اللامرئي).

2 ـ التغيير يبدأ من النفس (قانون عام)

تبيّن الجملة( إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ ) والتي جاءت في موردين متفاوتين في القرآن الكريم ، انّها قانون عام ، قانون حاسم ومنذر!

٣٥٥

هذا القانون الذي هو واحد من القوانين الاساسيّة لعلم الاجتماع في الإسلام ، يقول لنا : انّ ما يصيبكم هو من عند أنفسكم ، وما أصاب القوم من السعادة والشقاء هو ممّا عملت أيديهم ، وما يقال من الحظّ والصدفة وما يحتمله المنجّمون ليس له أساس من الصحّة ، فالأساس والقاعدة هي ارادة الامّة إذا أرادت العزّة والافتخار والتقدّم ، او العكس ان أرادت هي الذلّة والهزيمة ، حتّى اللطف الالهي او العقاب لا يكون الّا بمقدّمة. فتلك ارادة الأمم في تغيير ما بأنفسهم حتّى يشملهم اللطف او العذاب الالهي.

وبتعبير آخر : انّ هذا الأصل القرآني الذي يبيّن واحدا من اهمّ المسائل الاجتماعية في الإسلام ، يؤكّد لنا ان اي تغيير خارجي للأمم مرتبط بالتغيير الداخلي لها ، واي نجاح او فشل يصيب الامّة ناشئ من هذا الأمر ، والذين يبحثون عن العوامل الخارجية لتبرير اعمالهم وتصرّفاتهم ويعتبرون القوى المستعمرة والمتسلّطة هي السبب في شقائهم يقعون في خطأ كبير ، لانّ هذه القوى الجهنميّة لا تستطيع ان تفعل شيئا إذا لم تكن لديها قدرة ومركز في داخل المجتمع.

المهمّ ان نطهّر مجتمعاتنا من هذه المقرّات والمراكز للمستعمرين ولا نجعلها تنفذ في داخل مجتمعنا ، فهؤلاء بمنزلة الشياطين ، ونحن نعلم انّ الشيطان ليس له سبيل على عباد الله المخلصين ، فهو يتسلّط على الذي مهّد له السبيل في داخله.

يقول هذا الأصل القرآني : انّنا يجب ان نثور من الداخل كي ننهي حالة الشقاء والحرمان ، ثورة فكرية وثقافية ، ثورة ايمانيّة وأخلاقية ، وأثناء وقوعنا في مخالب الشقاء يجب ان نبحث فورا عن نقاط الضعف فينا ، ونطهّر أنفسنا منها بالتوبة والرجوع الى الله ونبدأ حياة جديدة مفعمة بالنّور والحركة ، كي نستطيع في ظلّها ان نبدّل الهزيمة الى نصر ، لا ان نخفي نقاط الضعف وعوامل الهزيمة هذه ونبحث عنها في خارج المجتمع ونظلّ ندور في الطرق الملتوية.

٣٥٦

هناك كتب ومؤلّفات كثيرة كتبت عن عوامل انتصار المسلمين الأوائل ثمّ تضعضع سلطانهم بعد حين ، وكثير من تلك الأبحاث ظلّت تتعثّر في الطرق الملتوية ، ولكن إذا ما أردنا ان نستلهم من الأصل أعلاه والصادر من منبع الوحي فيجب ان نبحث عن ذاك النصر او تلك الهزيمة وعن عواملها الفكرية والعقائدية والاخلاقية في المسلمين. ففي الثورات المعاصرة ومن جملتها الثورة الاسلامية في ايران ، او ثورة الجزائر او ثورة المسلمين الافغان ، نشاهد بوضوح انطباق هذا الأصل القرآني عليها. فقبل ان تغيّر الدول المستعمرة والمستكبرة طريقتها في التعامل معنا ، غيّرنا نحن ما بأنفسنا فتغيّر كلّ شيء.

وعلى ايّة حال فهذا درس ليومنا ولغدنا ولمستقبلنا ولكلّ المسلمين والأجيال القادمة. ونحن نرى انّ القيادات المنتصرة فقط هي التي استطاعت ان تقود وتغيّر شعوبها على أساس هذا الأصل الخالد ، وفي تاريخ المسلمين والإسلام شواهد على ذلك كثيرة.

* * *

٣٥٧

الآيات

( هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ (12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ (13) لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاَّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (14) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (15) )

التّفسير

قسم آخر من دلائل عظمة الله :

يتطرّق القرآن الكريم مرّة ثانية الى آيات التوحيد وعلائم العظمة واسرار الخلقة. فهذه الآيات تحاول ان تقرّب العلاقة بين الإنسان وربّه من خلال الاشارة الى بعض الظواهر الطبيعيّة بشكل موجز وعميق المعنى لكي يشعّ نور الايمان في

٣٥٨

قلوب الناس ، فتشير اوّلا الى البرق( هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً ) فالبرق بشعاعه يبهر العيون من جانب ، ويحدث صوتا مخيفا وهو الرعد من جانب آخر ، وقد يسبّب أحيانا الحرائق للناس وخصوصا في المناطق الصحراوية فيبعث على خوفهم ومن جانب آخر فإنّه يسبّب هطول الأمطار ويروي ظمأ الصحراء ويسقي المزروعات فيطمع فيه الناس ، وبين هذا الخوف والرجاء تمرّ عليهم لحظات حسّاسة. ثمّ تضيف الآية( وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ ) القادرة على ارواء ظمأ الاراضي الزراعية.

بركات الرعد والبرق :

نحن نعلم انّ ظاهرة البرق في المفهوم العلمي هي اقتراب سحابتين إحداهما من الاخرى ، وهما تحملان شحنات سالبة وموجبة ، فيتمّ تفريغ الشحنات بين السحابتين فتحدث شرارة عظيمة ، ويحدث مثل ذلك عند اقتراب سلكين أحدهما سالب والآخر موجب ، وإذا كنّا قريبين منهما فإنّنا نسمع صوتا خفيفا ، ولكن لاحتواء الغيوم على شحنات هائلة من الالكترونات فانّهما تحدثان صوتا شديدا يسمّى الرعد.

وإذا ما اقتربت سحابة تحمل الشحنة الموجبة من الأرض التي تحتوي على شحنات سالبة فستحدث شرارة تسمّى بالصاعقة ، وخطورتها تكمن في انّ الأرض والمناطق المرتفعة تعتبر راس السلك السالب ، حتّى الإنسان في الصحراء يمكن ان يمثّل هذا السلك فيحدث تفريغ للشحنات يحوّل الإنسان الى رماد في لحظة واحدة ، ولهذا السبب عند وقوع البرق والرعد في الصحراء يجب ان يلجأ الإنسان الى شجرة او حائط او الى الجبال او الى اي مرتفع آخر ، او ان يستلقي في ارض منخفضة.

وعلى ايّة حال فإنّ للبرق ـ الذي يسمّى في بعض الأحيان مزاح الطبيعة ـ

٣٥٩

فوائد جمّة عرفت من خلال ما كشفه العلم الحديث. ونشير هنا الى ثلاثة منها :

1 ـ السقي : ـ من الطبيعي انّ البرق تتولّد منه حرارة عالية جدّا قد تصل بعض الأحيان الى (15) الف درجة مئوية ، وهذه الحرارة كافية لان تحرق الهواء المحيط بها ، وفي النتيجة يقلّ الضغط الجوي ، فيسبّب سقوط الأمطار. ولهذا السبب نرى هطول الأمطار الغزيرة بعد حدوث البرق.

وهذه في الواقع واحدة من وظائف البرق (السقي).

2 ـ التعقيم : ـ ونتيجة للحرارة العالية التي يسبّبها البرق فسوف يزداد مقدار الاوكسجين في قطرات الماء ، ويسمّى هذا الماء بالماء الثقيل او الماء المؤكسد (2 O 2 H ) ومن آثاره قتل المكروبات ، ولهذا السبب يستعمل لغسل الجروح ، فعند نزول هذه القطرات الى الأرض سوف تبيد بيوض الحشرات والآفات الزراعية ، ولهذا السبب يقال انّ السنة الكثيرة الآفات الزراعية هي السنة القليلة البرق والرعد.

3 ـ التغذية والتسميد : ـ تتفاعل قطرات الماء مع الحرارة العالية للبرق لتنتج حامض الكاربون ، وعند نزولها الى الأرض وتركيبها مع محتوياتها تضع نوعا من السّماد النباتي ، فتتمّ تغذية النبات من هذا الطريق.

يقول بعض العلماء : انّ مقدار ما ينتجه البرق من الاسمدة في السنة يصل الى عشرات الملايين من الاطنان ، وهذه كميّة كبيرة جدّا.

وعلى ايّة حال نرى من خلال ظاهرة طبيعيّة صغيرة كلّ هذه المنافع والبركات ، فهي تقوم بالسقي ورشّ السموم والتغذية ، فيمكن ان تكون دليلا واضحا لمعرفة الله ، كلّ ذلك من بركات البرق. كما انّه يمكن ان يكون البرق عاملا مهمّا في إشعال الحرائق من خلال الصاعقة ، وقد تحرق الإنسان او الأشجار ، ومع انّها نادرة الحدوث ويمكن الوقاية منها ، فهي مع ذلك عامل خوف للناس ، فمفهوم الخوف والطمع للبرق قد يكون اشارة الى جميع هذه الأمور.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399