مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل الجزء ١١

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل15%

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 399

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧
  • البداية
  • السابق
  • 399 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 135341 / تحميل: 5663
الحجم الحجم الحجم
مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل الجزء ١١

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

أحدا، وأطعمتك من ثمرة قلبها ما لا يطعم أحد أحدا، وأنها وقتك بسمعها وبصرها ويدها ورجلها وشعرها وبشرها وجميع جوارحها، مستبشرة بذلك فرحة مؤملة(١٩) محتملة، لما فيه مكروهها وألمها وثقلها وغمها، حتى دفعتها(٢٠) عنك يد القدرة، وأخرجت إلى الأرض، فرضيت أن تشبع وتجوع هي، وتكسوك وتعرى، وترويك وتظمأ، وتظلك وتضحى، وتنعمك ببؤسها، وتلذذك بالنوم بأرقها، وكان بطنها لك وعاء، و(٢١) حجرها لك حواء، وثديها لك سقاء، ونفسها لك وقاء، تباشر حر الدنيا وبردها لك ودونك، فتشكرها على قدر ذلك، ولا تقدر عليه إلا بعون الله وتوفيقه.

وأما حق أبيك ، فتعلم أنه أصلك وأنك فرعه، وأنك لولاه لم تكن، فمهما رأيت في نفسك مما يعجبك، فاعلم أن أباك أصل النعمة عليك فيه، واحمد الله واشكره على قدر ذلك [ ولا قوة إلا بالله ](٢٢) .

وأما حق ولدك ، فتعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره، وأنك مسؤول عما وليته من حسن الأدب والدلالة إلى ربه والمعونة له على طاعته فيك وفي نفسه، فمثاب على ذلك ومعاقب، فاعمل في أمره عمل المتزين يحسن أثره عليه في عاجل الدنيا، المعذر إلى ربه فيما بينك وبينه، بحسن القيام عليه والآخذ له منه، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق أخيك ، فتعلم أنه يدك التي تبسطها، وظهرك الذي تلجأ إليه، وعزك الذي تعتمد عليه، وقوتك التي تصول بها، ولا تتخذه سلاحا على معصية الله، ولا عدة للظلم بحق(٢٣) الله، ولا تدع نصرته على

__________________

(١٩) في الطبعة الحجرية: ( مريلة )، وفي المصدر ( موبلة )، والظاهر ما أثبتناه هو الصواب.

(٢٠) في الطبعة الحجرية: ( فنيتها )، وما أثبتناه من المصدر.

(٢١) في الطبعة الحجرية: وفي، وما أثبتناه من المصدر.

(٢٢) أثبتناه من المصدر.

(٢٣) في المصدر: لخلق.

١٦١

نفسه، ومعونته على عدوه، والحول بينه وبين شياطينه، وتأدية النصيحة إليه، والاقبال عليه في الله، فإن انقاد لربه وأحسن الإجابة له، وإلا فليكن الله آثر عندك وأكرم عليك منه.

وأما حق المنعم عليك بالولاء ، فأن تعلم أنه أنفق فيك ماله، وأخرجك من ذل الرق ووحشته إلى عز الحرية وأنسها، وأطلقك من أسر المملكة وفك عنك حق العبودية، وأوجدك(٢٤) رائحة العز، وأخرجك من سجن القهر، ودفع عنك العسر، وبسط لك لسان الانصاف، وأباحك الدنيا كلها، فملكك نفسك وحل أسرك، وفرغك لعبادة ربك، واحتمل بذلك التقصير في ماله، فتعلم أنه أولى الخلق بك بعد أولى رحمك، في حياتك وموتك، وأحق الخلق بنصرك ومعونتك، ومكانفتك(٢٥) في ذات الله، فلا تؤثر عليه نفسك ما احتاج إليك أحدا.

وأما حق مولاك الجارية عليه نعمتك ، فأن تعلم أن الله جعلك حامية عليه وواقية، وناصرا ومعقلا، وجعله لك وسيلة وسببا بينك وبينه، فالبحري أن يحجبك عن النار، فيكون في ذلك ثوابك منه في الآجل، ويحكم لك بميراثه في العاجل، إذا لم يكن له رحم، مكافأة لما أنفقته من مالك عليه، وقمت به من حقه بعد انفاق مالك، فإن لم تخفه خيف عليك أن لا يطيب لك ميراثه، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق ذي المعروف عليك ، فأن تشكره وتذكر معروفه، وتنشر له المقالة الحسنة، وتخلص له الدعاء فيما بينك وبين الله سبحانه، فإنك إذا فعلت ذلك كنت قد شكرته سرا وعلانية، ثم إن أمكن مكافأته بالفعل كافأته، وإلا كنت مرصدا له موطنا نفسك عليها.

وأما حق المؤذن، فأن تعلم أنه مذكرك بربك، وداعيك إلى حظك،

__________________

(٢٤) في الطبعة الحجرية: وواجدك، وما أثبتناه من المصدر.

(٢٥) يكنفه كنفا: أي حفظه وأعانه والمكانفة: المعاونة. ( لسان العرب ج ٩ ص ٣٠٨ ).

١٦٢

وأفضل أعوانك على قضاء الفريضة التي افترضها الله عليك، فتشكره على ذلك شكرك للمحسن إليك، وإن كنت في بيتك متهما لذلك، لم تكن لله في أمره متهما، وعلمت أنه نعمة من الله عليك لا شك فيها، فأحسن صحبة نعمة الله بحمد الله عليها على كل حال، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق إمامك في صلاتك ، فأن تعلم أنه قد تقلد السفارة فيما بينك وبين الله، والوفادة إلى ربك، وتكلم عنك ولم تتكلم عنه، ودعا لك ولم تدع له، وطلب فيك ولم تطلب فيه، وكفاك هم المقام بين يدي الله، والمسألة له فيك ولم تكفه ذلك، فإن كان في شئ من ذلك تقصير كان به دونك، وإن كان آثما لم تكن شريكه فيه، ولم يكن لك عليه فضل، فوقى نفسك بنفسه، ووقى صلاتك بصلاته، فتشكر له على ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

و [ أما ] (٢٦) حق الجليس ، فأن تلين له كنفك، وتطيب له جانبك، وتنصفه في مجاراة اللفظ، ولا تغرق [ في ](٢٧) نزع اللحظ إذا لحظت، وتقصد في اللفظ إلى إفهامه إذا لفظت، وإن كنت الجليس إليه، كنت في القيام عنه بالخيار، وإن كان الجالس إليك، كان بالخيار، ولا تقوم إلا بإذنه، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق الجار ، فحفظه غائبا، وكرامته شاهدا، ونصرته ومعونته في الحالين جميعا، لا تتبع له عورة، ولا تبحث له عن سوءة(٢٨) لتعرفها، فإن عرفتها منه من غير إرادة منك ولا تكلف، كنت لما علمت حصنا حصينا وسترا ستيرا، لو بحثت الأسنة عنه ضميرا لم تصل(٢٩) إليه لانطوائه عليه، لا تسمع عليه من حيث لا يعلم، لا تسلمه عند شديدة، ولا تحسده عند

__________________

( ٢٦، ٢٧ ) أثبتناه من المصدر.

(٢٨) في الطبعة الحجرية: سوء، وما أثبتناه من المصدر، وهو الصواب.

(٢٩) في الطبعة الحجرية: تتصل، وما أثبتناه من المصدر.

١٦٣

نعمة، تقيل عثرته، وتغفر زلته، ولا تدخر حلمك عنه إذا جهل عليك، ولا تخرج أن تكون سلما له، ترد(٣٠) عنه لسان الشتيمة، وتبطل فيه كيد حامل النصيحة، وتعاشره معاشرة كريمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وأما حق الصاحب ، فأن تصحبه بالفضل ما وجدت إليه سبيلا، وإلا فلا أقل من الانصاف، وأن تكرمه كما يكرمك، وتحفظه كما يحفظك، ولا يسبقك فيما بينك وبينه إلى مكرمة، فإن سبقك كافأته، ولا تقصد(٣١) به عما يستحق من المودة، تلزم نفسك نصيحته وحياطته ومعاضدته على طاعة ربه، ومعونته على نفسه فيما لا يهم به من معصية ربه، ثم تكون [ عليه ](٣٢) رحمة، ولا تكون عليه عذابا، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق الشريك ، فإن غاب كفيته، وأن حضر ساويته، ولا تعزم على حكمك دون حكمه، ولا تعمل برأيك دون مناظرته، وتحفظ عليه ماله، وتنفي عنه خيانته فيما عز أو هان، فإنه بلغنا أن يد الله على الشريكين ما لم يتخاونا، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق المال ، فأن لا تأخذه إلا من حله، ولا تنفقه إلا في حله، ولا تحرفه عن مواضعه، ولا تصرفه عن حقائقه، ولا تجعله إذا كان من الله إلا إليه، وسببا إلى الله، ولا تؤثر به على نفسك من لعله لا يحمدك، وبالحري أن لا يحسن خلافته في تركتك، ولا يعمل فيه بطاعة ربك، فتكون معينا له على ذلك، وبما أحدث في مالك أحسن نظرا لنفسه، فيعمل بطاعة ربه، فيذهب بالغنيمة وتبوء بالاثم والحسرة والندامة مع التبعة، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق الغريم الطالب لك ، فإن كنت موسرا أوفيته وكفيته وأغنيته ولم تردده وتمطله، فإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: مطل الغني

__________________

(٣٠) في الطبعة الحجرية: لم ترد، وما أثبتناه من المصدر.

(٣١) في المصدر: تقصر.

(٣٢) أثبتناه من المصدر.

١٦٤

ظلم، وإن كنت معسرا أرضيته بحسن القول، وطلبت إليه طلبا جميلا، ورددته عن نفسك ردا لطيفا، ولم تجمع عليه ذهاب ماله وسوء معاملته، فإن ذلك لؤم، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق الخليط ، فأن لا تغره ولا تغشه ولا تكذبه ولا تغفله ولا تخدعه، ولا تعمل في انتقاضه عمل العدو الذي لا يبقي على صاحبه، وإن اطمأن إليك استقصيت له على نفسك، وعلمت أن غبن المسترسل ربا [ ولا قوة إلا بالله ](٣٣) .

وأما حق الخصم المدعي عليك ، فإن كان ما يدعي عليك حقا، لم تنفسخ في حجته، ولم تعمل في إبطال دعوته، وكنت خصم نفسك له والحاكم عليها، والشاهد له بحقه دون شهادة الشهود، فإن ذلك حق الله عليك، وإن كان ما يدعيه باطلا، رفقت به وردعته(٣٤) وناشدته بدينه، وكسرت حدته عنك بذكر الله، وألقيت حشو الكلام ولغطه(٣٥) الذي لا يرد عنك عادية عدوك بل تبوء بإثمه، وبه يشحذ عليك سيف عداوته، لان لفظة السوء تبعث الشر، والخير مقمعة للشر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وأما حق الخصم المدعى عليه ، فإن كان ما تدعيه حقا، أجملت في مقاولته بمخرج الدعوى، فإن للدعوى غلظة في سمع المدعى عليه، وقصدت قصد حجتك بالرفق، وأمهل المهلة وأبين البيان والطف اللطف، ولم تتشاغل عن حجتك بمنازعته بالقيل والقال، فتذهب عنك حجتك، ولا يكون لك في ذلك درك، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق المستشير ، فإن حضرك له وجه رأي جهدت له في النصيحة، وأشرت إليه بما تعلم أنك لو كنت مكانه عملت به، وذلك ليكن منك في رحمة ولين، فإن اللين يؤنس الوحشة، وإن الغلظ يوحش موضع الانس، وإن لم

__________________

(٣٣) أثبتناه من المصدر.

(٣٤) في المصدر: روعته.

(٣٥) في الطبعة الحجرية: ولفظه، وما أثبتناه من المصدر.

١٦٥

يحضرك له رأي، وعرفت له من تثق برأيه وترضى به لنفسك، دللته عليه وأرشدته إليه، فكنت لم تأله خيرا ولم تدخره نصحا، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق المشير إليك ، فلا تتهمه بما يوقفك(٣٦) عليه من رأيه إذا أشار عليك، فإنما هي الآراء وتصرف الناس فيها واختلافهم، فكن عليه في رأيه بالخيار إذا اتهمت رأيه، فأما تهمته فلا تجوز لك، إذا كان عندك ممن يستحق المشاورة، ولا تدع شكره على ما بدا لك من إشخاص رأيه وحسن(٣٧) مشورته، فإذا وافقك حمدت الله، وقبلت ذلك من أخيك بالشكر والارصاد بالمكافأة في مثلها إن فزع إليك، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق المستنصح ، فإن حقه أن تؤدي إليه النصيحة على الحق الذي ترى له أنه يحمل، ويخرج المخرج الذي يلين على مسامعه، وتكلمه من الكلام بما يطيقه عقله، فإن لكل عقل طبقة من الكلام يعرفه ويجتنبه، وليكن مذهبك الرحمة، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق الناصح ، فان تلين له جناحك، ثم تشرئب له قلبك، وتفتح له سمعك، حتى تفهم عنه نصيحته، ثم تنظر فيها، فإن كان وفق فيها للصواب، حمد الله على ذلك وقبلت منه وعرفت له نصيحته، وإن لم يكن وفق لها فيها، رحمته ولم تتهمه، وعلمت أنه لم يألك(٣٨) نصحا إلا أنه أخطأ، إلا أن يكون عندك مستحقا للتهمة، فلا تعبأ بشئ من أمره على كل حال، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق الكبير ، فان حقه توقير سنه، واجلال اسلامه إذا كان من أهل الفضل في الاسلام، بتقديمه فيه، وترك مقابلته عند الخصام، ولا تسبقه إلى

__________________

(٣٦) في المصدر: يوافقك.

(٣٧) في المصدر زيادة: وجه.

(٣٨) إلى الرجل: إذا قصر وترك الجهد. وفيه قوله تعالى: ( لا يألونكم خبالا ) أي لا يقصرون لكم بالفساد. ( مجمع البحرين ج ١ ص ٢٩ ولسان العرب ج ١٤ ص ٣٩ ).

١٦٦

طريق، ولا تؤمه في طريق، ولا تستجهله، وان جهل عليك تحملت وأكرمته بحق اسلامه مع سنه، فإنما حق السن بقدر الاسلام، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق الصغير ، فرحمته تثقيفه وتعليمه، والعفو عنه، والستر عليه، والرفق به، والمعونة له، والستر على جرائر حداثته، فإنه سبب للتوبة، والمداراة له، وترك مما حكته، فان ذلك أدنى لرشده.

وأما حق السائل ، فاعطاؤه إذا تهيأت صدقة وقدرت على سد حاجته، والدعاء له فيما نزل به، والمعاونة على طلبته، وان شككت في صدقه، وسبقت إليه التهمة له، ولم تعزم على ذلك، ولم تأمن أن يكون من كيد الشيطان، أراد أن يصدك عن حظك، ويحول بينك وبين التقرب إلى ربك، تركته بستره ورددته ردا جميلا، وان غلبت نفسك في امره، وأعطيته على ما عرض في نفسك، فان ذلك من عزم الأمور.

وأما حق المسؤول ، فحقه إن أعطى قبل منه ما أعطى، بالشكر له، والمعرفة لفضله، وطلب وجه العذر في منعه، وأحسن به الظن، واعلم أنه ان منع ماله منع، وأن ليس التثريب(٣٩) في ماله وإن كان ظالما، فان الانسان لظلوم كفار.

وأما حق من سرك الله به وعلى يديه ، فإن كان تعمدها لك حمدت الله أولا ثم شكرته على ذلك، بقدره في موضع الجزاء، وكافأته على فضل الابتداء، وأرصدت له المكافأة، وإن لم يكن تعمدها، حمدت الله وشكرته، وعلمت انه منه توحدك بها، وأحببت هذا إذا كان سببا من أسباب نعم الله عليك، وترجو له بعد ذلك خيرا، فان أسباب النعم بركة حيث ما كانت، وإن كان لم يعمد، ولا قوة إلا بالله.

__________________

(٣٩) تثرب عليه: لامه وعيره بذنبه ولا تثريب عليكم. معناه لا إفساد عليكم. ( لسان العرب ج ١ ص ٢٣٥ ).

١٦٧

وأما حق من ساء لك القضاء على يديه بقول أو فعل، فإن كان تعمدها كان العفو أولى بك، لما فيه له من القمع وحسن الأدب، مع كثير أمثاله من الخلق، فان الله يقول:( ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل  - إلى قوله -من عزم الأمور ) (٤٠) وقال عز وجل:( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ) (٤١) هذا في العمد، فإن لم يكن عمدا لم تظلمه بتعمد الانتصار منه، فتكون قد كافأته في تعمد على خطأ، ورفقت به ورددته بألطف ما تقدر عليه، ولا قوة إلا بالله.

واما حق (٤٢) ملتك عامة ، فاضمار السلامة، ونشر جناح الرحمة، والرفق بمسيئهم، وتألفهم واستصلاحهم وشكر محسنهم إلى نفسه واليك، فان احسانه إلى نفسه احسانه إليك، إذا كف منك أذاه، وكفاك مؤونته، وحبس عنك نفسه، فعمهم جمعيا بدعوتك، وانصرهم جميعا بنصرتك، وأنزلهم جميعا منك منازلهم: كبيرهم بمنزلة الوالد، وصغيرهم بمنزلة الولد، وأوسطهم بمنزلة الأخ، فمن أتاك تعاهده بلطف ورحمة، وصل أخاك بما يجب للأخ على أخيه.

وأما حق أهل الذمة ، فالحكم فيهم ان تقبل فيهم ما قبل الله، وتفي بما جعل الله لهم من ذمته وعهده، وتكلهم إليه فيما طلبوا من أنفسهم وأجبروا عليه، وتحكم فيهم بما حكم الله به على نفسك فيما جرى بينك [ وبينهم ](٤٣) من معاملة، وليكن بينك وبين ظلمهم من رعاية ذمة الله والوفاء بعهده وعهد رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله حائل، فإنه بلغنا أنه قال: من ظلم معاهدا كنت خصمه، فاتق الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

__________________

(٤٠) الشورى ٤٢: ٤١ - ٤٣.

(٤١) النحل ١٦: ١٢٦.

(٤٢) في المصدر زيادة: أهل.

(٤٣) أثبتناه من المصدر.

١٦٨

فهذه خمسون حقا محيطا بك، لا تخرج منها(٤٤) في حال من الأحوال، يجب عليك رعايتها، والعمل في تأديتها، والاستعانة بالله جل ثناؤه على ذلك، ولا حول ولا قوة الا بالله، والحمد لله رب العالمين ).

قلت: قال السيد علي بن طاووس في فلاح السائل(٤٥) : وروينا باسنادنا في كتاب الرسائل، عن محمد بن يعقوب الكليني، باسناده إلى مولانا زين العابدينعليه‌السلام ، أنه قال: ( فاما حقوق الصلاة، فان تعلم أنها وفادة. ) وساق مثل ما مر عن تحف العقول، ومنه يعلم أن هذا الخبر الشريف المعروف بحديث الحقوق، مروي في رسائل الكليني على النحو المروي في التحف، لا على النحو الموجود في الفقيه والخصال(٤٦) المذكور في الأصل، والظاهر لكل من له انس بالأحاديث، ان الثاني مختصر من الأول، واحتمال أنهعليه‌السلام ذكر هذه الحقوق بهذا الترتيب مرة مختصرة لبعضهم، وأخرى بهذه الزيادات لاخر، في غاية البعد، ويؤيد الاتحاد أن النجاشي(٤٧) قال في ترجمة أبي حمزة: وله رسالة الحقوق عن علي بن الحسينعليهما‌السلام ، أخبرنا أحمد بن علي قال: حدثنا الحسن بن حمزة قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة، عن علي بن الحسينعليهما‌السلام ، وهذا السند أعلى وأصح من طريق الصدوق في الخصال إلى محمد بن الفضيل، ولو كان في الرسالة هذا الاختلاف الشديد، لأشار إليه النجاشي كما هو ديدنه في أمثال هذا المقام، ثم إن الصدوق رواه في الخصال مسندا عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة، وفي الفقيه عن إسماعيل بن الفضل، عنه، فتأمل. هذا ويظهر من بعض المواضع أن الصدوقرحمه‌الله كان يختصر الخبر الطويل، ويسقط منه

__________________

(٤٤) في الطبعة الحجرية: فيها، وما أثبتناه من المصدر.

(٤٥) فلاح السائل: النسخة المطبوعة خالية منه.

(٤٦) الفقيه ج ٢ ص ٣٧٦ ح ١٦٣٦ والخصال ص ٥٦٥.

(٤٧) رجال النجاشي ص ٨٣.

١٦٩

ما أدى نظره إلى اسقاطه، فروى في التوحيد(٤٨) عن أحمد بن الحسن القطان، عن أحمد بن يحيى، عن بكر بن عبد الله بن حبيب قال: حدثنا أحمد بن يعقوب بن مطر قال: حدثنا محمد بن الحسن بن عبد العزيز الا حدث الجنديسابوري(٤٩) قال: وجدت في كتاب أبي بخطه: حدثنا طلحة بن يزيد، عن عبد الله بن عبيد، عن أبي معمر السعداني: ان رجلا أتى أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وساق خبرا طويلا، وكان الرجل من الزنادقة وجمع آيا من القرآن زعمها متناقضة، وعرضها عليهعليه‌السلام ، فأزال الشبهة عنه. وهذا الخبر رواه الشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي في الاحتجاج(٥٠) عنهعليه‌السلام ، بزيادات كثيرة أسقطها الصدوق في التوحيد(٥١) ، والشاهد على أنه الذي أسقطها عنه، ان الساقط هو المواضع التي صرحعليه‌السلام بوقوع النقص والتغيير في القرآن المجيد، وهي تسعة مواضع، ولما لم يكن النقص والتغير من مذهبه القى منه ما يخالف رأيه، قال المحقق الكاظمي الشيخ أسد الله في كشف القناع(٥٢) : وبالجملة فأمر الصدوق مضطرب جدا - إلى أن قال - وقد ذكر صاحب البحار(٥٣) حديثا عنه في كتاب التوحيد، عن الدقاق، عن الكليني، بإسناده عن أبي بصير، عن الصادقعليه‌السلام ، ثم قال: هذا الخبر مأخوذ من الكافي وفيه تغييرات عجيبة، تورث سوء الظن بالصدوق، وانه إنما فعل ذلك ليوافق مذهب أهل العدل، انتهى. ومن هنا يختلج بالبال ان الزيارة الجامعة الكبيرة الشائعة، التي أوردها في الفقيه

__________________

(٤٨) التوحيد ص ٢٥٥.

(٤٩) في المصدر ( الأحدب الجند بنيسابور ).

(٥٠) الاحتجاج ص ٢٤٠.

(٥١) التوحيد ص ٢٥٤ ح ٥.

(٥٢) كشف القناع ص ٢١٣.

(٥٣) البحار ج ٥ ص ١٥٦ ح ٨.

١٧٠

والعيون(٥٤) ، ومنهما أخرجها الأصحاب في كتب مزارهم، ونقلوها في مؤلفاتهم، اختصرها من الجامعة المروية عن الهاديعليه‌السلام ، على ما رواه الكفعمي في البلد الأمين(٥٥) ، وأوردناها في باب نوادر أبواب المزار(٥٦) ، فإنها حاوية لما أورده فيهما مع زيادات كثيرة، لا يوافق جملة منها لمعتقده فيهمعليهم‌السلام ، فلاحظ وتأمل في الزيارتين، حتى يظهر لك صدق ما ادعيناه.

٤ -( باب استحباب ملازمة الصفات الحميدة واستعمالها، وذكر نبذة منها)

[١٢٦٦٥] ١ - الجعفريات: أخبرنا عبد الله، أخبرنا محمد، حدثنا موسى قال: حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام قال: ( قال لنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : حسب الرجل دينه، ومروءته عقله، وحلمه(١) سروره، وكرمه تقواه ).

[١٢٦٦٦] ٢ - وبهذا الاسناد: عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: ( إن أدناكم مني وأوجبكم علي شفاعة، أصدقكم حديثا، وأعظمكم أمانة، وأحسنكم خلقا، وأقربكم من الناس ).

[١٢٦٦٧] ٣ - وبهذا الاسناد: عن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، قال:

__________________

(٥٤) الفقيه ج ٢ ص ٣٧٠ ح ١٦٢٥، عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ج ٢ ص ٢٧٢ ح ١ وعنه في البحار ج ١٠٢ ص ١٢٧ ح ٤.

(٥٥) البلد الأمين ص ٢٩٧.

(٥٦) نوادر أبواب المزار من المستدرك الحديث ١٧.

الباب ٤

١ - الجعفريات ص ١٥٠.

(١) في نسخة ( خلقه ).

٢ - الجعفريات ص ١٥٠

٣ - الجعفريات ص ١٦٦.

١٧١

( من آوى اليتيم، ورحم الضعيف، وأنفق(١) على والده، ورفق على ولده، ورفق بمملوكه، أدخله الله تعالى في رضوانه، ونشر(٢) عليه رحمته، ومن كف غضبه، وبسط رضاه، وبذل معروفه، ووصل رحمه، وادى أمانته، جعله الله في نوره الأعظم يوم القيامة ).

[١٢٦٦٨] ٤ - وبهذا الاسناد: عن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، قال: ( قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من أسبغ وضوءه، وأحسن صلاته، وادى زكاة ماله، وكف غضبه، وسجن لسانه، وبذل معروفه، واستغفر لذنبه، وادى النصيحة لأهل بيتي، فقد استكمل حقائق الايمان، وأبواب الجنة له مفتحة ).

[١٢٦٦٩] ٥ - وبهذا الاسناد: عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - في حديث - قال: ( إذا كان يوم القيامة نادى مناد(١) : أيها الناس، ان أقربكم من الله مجلسا أشدكم له خوفا، وان أحبكم إلى الله أحسنكم عملا، وان أعظمكم عنده نصيبا أعظمكم فيما عنده رغبة، ثم يقول عز وجل: لا اجمع عليكم اليوم خزي الدنيا وخزي الآخرة، فيأمر لهم بكراسي فيجلسون عليها، واقبل عليهم الجبار بوجهه، وهو راض عنهم، وقد أحسن ثوابهم ).

[١٢٦٧٠] ٦ - كتاب عاصم بن حميد الحناط: عن أبي عبيدة، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: ( قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن من أغبط أوليائي عندي، رجل خفيف الحال، ذو حظ من صلاة، أحسن عبادة ربه في الغيب، وكان غامضا في الناس، جعل رزقه كفافا فصبر،

__________________

(١) في المصدر: وارتفق.

(٢) وفيه: ويسر.

٤ - الجعفريات ص ٢٣٠.

٥ - الجعفريات ص ٢٣٨.

(١) في المصدر زيادة: من السماء.

٦ - كتاب عاصم بن حميد الحناط ص ٢٧.

١٧٢

عجلت منيته، مات فقل تراثه، وقل بواكيه ).

[١٢٦٧١] ٧ - العياشي في تفسيره: عن أبي بصير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: ( يا أبا محمد، عليكم بالورع والاجتهاد، وأداء الأمانة، وصدق الحديث، وحسن الصحابة لمن صحبكم، وطول السجود، فان ذلك من سنن الأوابين ).

[١٢٦٧٢] ٨ - عوالي اللآلي: عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: ( الشريعة أقوالي، والطريقة أقوالي، والحقيقة أحوالي، والمعرفة رأس مالي، والعقل أصل ديني، والحب أساسي، والشوق مركبي، والخوف رفيقي، والعلم سلاحي، والحلم صاحبي، والتوكل زادي(١) ، والقناعة كنزي، والصدق منزلي، واليقين مأواي، والفقر فخري، وبه افتخر على سائر الأنبياء والمرسلين ).

ورواه العالم العارف المتبحر السيد حيدر الأملي، في كتاب أنوار الحقيقة وأطوار الطريقة وأسرار الشريعة(٢) ، قال: ويعضد ذلك كله قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( الشريعة أقوالي ) الخ.

[١٢٦٧٣] ٩ - فقه الرضاعليه‌السلام : ( أروي عن العالمعليه‌السلام قال: ما نزل من السماء أجل ولا أعز من ثلاثة: التسليم، والبر، واليقين، وأروي عن العالمعليه‌السلام أنه قال: إن الله جل وعلا، أوحى إلى آدمعليه‌السلام : أن اجمع الكلام كله في أربع كلمات، فقال: يا رب بينهن لي، فأوحى الله إليه: واحدة لي، وأخرى لك، وأخرى بيني

__________________

٧ - تفسير العياشي ج ١ ص ٢٨٦ ح ٤٣.

٨ - عوالي الآلي

(١) في نسخة: ردائي.

(٢) جاء في هامش الطبعة الحجرية ما نصه: ( ذكرنا في أوائل الفائدة الثانية من الخاتمة صورة إجازة فخر المحققين للسيد حيدر الآملي نقلناها من خطه ) ( منه قده ).

٩ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٤٨.

١٧٣

وبينك، وأخرى بينك وبين الناس، فالتي لي: تؤمن بي ولا تشرك بي شيئا، والتي لك: فأجازيك عنها أحوج ما تكون إلى المجازاة، والتي بينك وبيني: فعليك الدعاء وعلي الإجابة، والتي بينك وبين الناس: فان ترضى لهم ما ترضى لنفسك، وتكره لهم ما تكره لنفسك ).

[١٢٦٧٤] ١٠ - ( وأروي انه سئل العالمعليه‌السلام ، عن خيار العباد، فقال: الذين إذا أحسنوا استبشروا، وإذا أساؤوا استغفرو، وإذا أعطوا شكروا، وإذا ابتلوا صبروا، وإذا غضبوا عفوا(١) ).

[١٢٦٧٥] ١١ - جامع الأخبار: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنه قال: ( المؤمن يكون صادقا في الدنيا، واعي(١) القلب، حافظ الحدود، وعاء العلم، كامل العقل، مأوى الكرم، سليم القلب، ثابت الحلم، عاطف اليقين(٢) ، باذل المال، مفتوح الباب للاحسان، لطيف اللسان، كثير التبسم، دائم الحزن، كثير التفكر، قليل النوم، قليل الضحك، طيب الطبع، مميت الطمع، قاتل الهوى، زاهدا في الدنيا، راغبا في الآخرة، يحب الضيف، ويكرم اليتيم، ويلطف الصغير، ويرفق(٣) الكبير، ويعطي السائل، ويعود المريض، ويشبع الجنائز، ويعرف حرمة القرآن، ويناجي الرب، ويبكي على الذنوب، آمرا بالمعروف، ناهيا عن المنكر، أكله بالجوع، وشربه بالعطش، وحركته بالأدب، وكلامه بالنصيحة، وموعظته بالرفق، ولا يخاف إلا الله، ولا يرجو إلا إياه، ولا يشغل الا بالثناء والحمد، ولا يتهاون، ولا يتكبر، ولا يفتخر بمال الدنيا، مشغول بعيوب

__________________

١٠ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٤٨.

(١) في الطبعة الحجرية: غضوا، وما أثبتناه من المصدر.

١١ - جامع الأخبار ص ٩٩.

(١) في نسخة: راعي.

(٢) في المصدر: اليدين.

(٣) في نسخة: يوقر.

١٧٤

نفسه، فارغ عن عيوب غيره، الصلاة قرة عينه، والصيام حرفته وهمته، والصدق عادته، والشكر مركبه، والعقل قائده، والتقوى زاده، والدنيا حانوته، والصبر منزله، والليل والنهار رأس ماله، والجنة مأواه، والقرآن حديثه، ومحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله شفيعه، والله جل ذكره مؤنسه ).

[١٢٦٧٦] ١٢ - القطب الراوندي في لب اللباب: عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: ( كن تقيا تكن أورع الناس، وكن قنعا تكن أشكر الناس، وأحبب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمنا، وأحسن مجاورة من جاورك تكن مسلما، وأقل الضحك فإنه يميت القلب ).

[١٢٦٧٧] ١٣ - وعن عليعليه‌السلام : ( أحبكم إلى الله أكثركم له ذكرا، وأكرمكم عند الله أتقاكم، وأنجاكم من عذاب الله أشدكم له خوفا، وقالعليه‌السلام : التواضع عن الشريف عز الشريف، وحلية المؤمن الورع، والجود جمال الفقير، وقيمة كل امرئ ما يحسن ).

[١٢٦٧٨] ١٤ - الشيخ المفيد في أماليه: عن أبي بكر الجعابي، عن ابن عقدة، عن محمد بن أحمد بن خاقان، عن سليم الخادم، عن إبراهيم بن عقبة، عن ( محمد بن نضر بن قرواش )(١) ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: ( ان صاحب الدين فكر فغلبته(٢) السكينة، واستكان فتواضع، وقنع فاستغنى، ورضي بما أعطي، وانفرد فكفي الأحزان(٣) ، ورفض الشهوات فصار حرا وخلع الدنيا فتحامى السرور، وطرح(٤) الحسد فظهرت المحبة، ولم يخف الناس فلم يخفهم، ولم يذنب إليهم فسلم منهم،

__________________

١٢، ١٣ - لب اللباب: مخطوط.

١٤ - أمالي المفيد ص ٥٢ ح ١٤.

(١) في الطبعة الحجرية: ( محمد بن نصر بن قرداش ) وما أثبتناه من المصدر هو الصواب ( راجع معجم رجال الحديث ج ١٧ ص ٣٠١ ).

(٢) في المصدر: فعلته.

(٣) في المصدر: الاخوان.

(٤) في المصدر: واطرح.

١٧٥

وسخط(٥) نفسه عن كل شئ ففاز، واستكمل الفضل وابصر العافية فأمن الندامة ).

[١٢٦٧٩] ١٥ - وعن جعفر بن محمد بن قولويه، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى وابن أبي الخطاب معا، عن الحسن بن محبوب، عن ابن سنان، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: ( قال موسى بن عمرانعليه‌السلام : إلهي من أصفياؤك من خلقك؟ قال: ( الري الكفين الري القدمين )(١) ، يقول صدقا، ويمشي هونا، فأولئك تزول الجبال ولا يزالون، قال: إلهي فمن ينزل دار القدس عندك؟ قال: الذين لا تنظر(٢) أعينهم إلى الدنيا، ولا يذيعون اسرارهم في الدين، ولا يأخذون على الحكومة الرشاء، الحق في قلوبهم، والصدق في(٣) ألسنتهم، فأولئك في ستري في الدنيا، وفي دار القدس [ عندي ](٤) في الآخرة ).

[١٢٦٨٠] ١٦ - وعن الصدوق، عن أبيه، عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي الحسن موسىعليه‌السلام ، قال: سمعته يقول: ( لا تستكثروا كثير الخير، ولا تستقلوا قليل الذنوب، فان قليل الذنوب تجتمع حتى يصير كثيرا، وخافوا الله عز

__________________

(٥) في المصدر: ( وسخت ).

١٥ - أمالي المفيد ص ٨٥ ح ١، وعنه في البحار ج ٦٩ ص ٢٧٨ ح ١٣.

(١) الظاهر أن المقصود من ري الكفين وري القدمين كناية عن كثرة الخير والسخاء، وفي البحار: الندي الكفين وتفيد نفس المعنى السابق، وقال العلامة المجلسي ( قده ): ( وفي بعض النسخ ( البري القدمين ) أي أنهما بريئان من الخطأ ومحتمل الرسي: أي الثابت القدمين في الخير ).

(٢) في المصدر: ( ينظر ).

(٣) في المصدر: ( على ).

(٤) أثبتناه من المصدر.

١٦ - أمالي المفيد ص ١٥٧ ح ٨.

١٧٦

وجل في السر، حتى تعطوا من أنفسكم النصف، وسارعوا إلى طاعة الله، واصدقوا الحديث، وأدوا الأمانة، فإنما ذلك لكم، ولا تدخلوا فيما لا يحل، فإنما ذلك عليكم ).

[١٢٦٨١] ١٧ - وعن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، عن أبيه، عن الصفار، عن العباس بن معروف، عن علي بن مهزيار، عن فضالة(١) ، عن عجلان أبي صالح، قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : ( أنصف الناس من نفسك، وأسهمهم في مالك، وارض لهم بما ترضى لنفسك، واذكر الله كثيرا، وإياك والكسل والضجر، فان أبي بذلك كان يوصيني، وبذلك كان يوصيه أبوه، وكذلك في صلاة الليل، انك إذا كسلت(٢) لم تؤد ( حق الله )(٣) ، وان ضجرت لم تؤد إلى أحد حقا، وعليك بالصدق، والورع، وأداء الأمانة، وإذا وعدت فلا تخلف ).

[١٢٦٨٢] ١٨ - وبالإسناد عن علي بن مهزيار [ عن علي بن أسباط ](١) قال: أخبرني أبو إسحاق الخراساني - صاحب كان لنا - قال: كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام يقول: ( لا ترتابوا فتشكوا، ولا تشكوا فتكفروا، ولا ترخصوا لأنفسكم [ فتدهنوا ](٢) ولا تداهنوا في الحق فتخسروا، ان الحزم ان تتفقهوا، ومن الفقه أن لا تغتروا، وان أنصحكم لنفسه أطوعكم لربه، وان أغشكم [ لنفسه ](٣) أعصاكم لربه، من يطع الله

__________________

١٧ - أمالي المفيد ص ١٨١ ح ٤.

(١) في الطبعة الحجرية: ( فضلان ) وما أثبتناه من المصدر ( راجع معجم رجال الحديث ج ١٣ ص ٢٧٤ ).

(٢) في نسخة: تكاسلت.

(٣) في المصدر: ( إلى الله حقه ).

١٨ - أمالي المفيد ص ٢٠٦ ح ٣٨.

(١) ما بين المعقوفين أثبتناه ليستقيم السند ( راجع معجم رجال الحديث ج ١١ ص ٢٦٣ و ج ٢١ ص ١٦ ).

(٢) أثبتناه من المصدر.

(٣) أثبتناه من المصدر.

١٧٧

يأمن ويرشد، ومن يعصه يخب ويندم، واسألوا الله اليقين، وارغبوا إليه في العافية، وخير ما دار في القلب اليقين، أيها الناس إياكم والكذب، فان كل راج طالب، وكل خائف هارب ).

[١٢٦٨٣] ١٩ - وفي الاختصاص: عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، انه كان إذا خطب قال في آخر خطبته: ( طوبى لمن طاب خلقه، وطهرت سجيته، وصلحت سريرته، وحسنت علانيته، وأنفق الفضل من ماله، وامسك الفضل من كلامه، وأنصف الناس من نفسه ).

[١٢٦٨٤] ٢٠ - الكراجكي في كنز الفوائد: عن لقمان الحكيم، أنه قال في وصيته لابنه: يا بني أحثك على ست خصال، ليس منها خصلة الا وتقربك إلى رضوان الله عز وجل، وتباعدك عن سخطه، الأولة: ان تعبد الله لا تشرك به شيئا، والثانية: الرضى بقدر الله فيما أحببت أو كرهت، والثالثة: ان تحب في الله وتبغض في الله، والرابعة: تحب للناس ما تحب لنفسك، وتكره لهم ما تكره لنفسك، والخامسة: تكظم الغيظ، وتحسن إلى من أساء إليك، والسادسة: ترك الهوى، ومخالفة الردى ).

[١٢٦٨٥] ٢١ - الصدوق في الخصال: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن الصفار، عن علي بن محمد القاساني، عن القاسم بن محمد الأصفهاني، عن سليمان بن داود، عن سفيان بن نجيح، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: ( قال سليمان بن داودعليه‌السلام : أوتينا ما أوتي الناس وما لم يؤتوا، وعلمنا ما علم الناس وما لم يعلموا، فلم نجد شيئا أفضل من خشية الله في المغيب والمشهد، والقصد في الغنى والفقر، وكلمة الحق في الرضى والغضب، والتضرع إلى الله عز وجل على كل حال ).

[١٢٦٨٦] ٢٢ - أبو علي محمد بن همام في التمحيص: روي أن رسول الله ( صلى

__________________

١٩ - الاختصاص ص ٢٢٨.

٢٠ - كنز الفوائد ص ٢٧٢، وعنه في البحار ج ٧٨ ص ٤٥٧.

٢١ - الخصال ص ٢٤١ ح ٩١.

٢٢ - التمحيص ص ٧٤ ح ١٧١.

١٧٨

الله عليه وآله ) قال: لا يكمل المؤمن ايمانه حتى يحتوي على مائة وثلاث خصال، فعل وعمل ونية، وظاهر وباطن، فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : يا رسول الله، ما يكون المائة وثلاث خصال؟ فقال: يا علي من صفات المؤمن أن يكون جوال الفكر، جوهري(١) الذكر، كثيرا علمه(٢) ، عظيما حلمه، جميل المنازعة، كريم المراجعة، أوسع الناس صدرا، وأذلهم نفسا، ضحكه تبسما، وافهامه تعلما، مذكر الغافل، معلم الجاهل، لا يؤذي من يؤذيه، ولا يخوض فيما لا يعنيه، ولا يشمت بمصيبة، ولا يذكر أحدا بغيبة، بريئا من المحرمات، واقفا عند الشبهات، كثير العطاء، قليل الأذى، عونا للغريب، وأبا لليتيم، بشره في وجهه، وحزنه(٣) في قلبه، مستبشرا بفقره، أحلى من الشهد، وأصلد من الصلد، لا يكشف سرا، ولا يهتك سترا، لطيف الحركات، حلو المشاهدة، كثير العبادة، حسن الوقار، لين الجانب، طويل الصمت، حليما إذا جهل عليه، صبورا على من أساء إليه، يجل الكبير، ويرحم الصغير، أمينا على الأمانات، بعيدا من الخيانات، إلفه التقى، وحلفه(٤) الحياء، كثير الحذر، قليل الزلل، حركاته أدب، وكلامه عجيب، مقيل العثرة، ولا يتبع العورة، وقورا، صبورا، رضيا، شكورا، قليل الكلام، صدوق اللسان، برا، مصونا، حليما، رفيقا، عفيفا، شريفا، لا لعان، ولا نمام، ولا كذاب، ولا مغتاب، ولا سباب، ولا حسود، ولا بخيل، هشاشا، بشاشا، لا حساس، ولا جساس، يطلب من الأمور أعلاها، ومن الأخلاق أسناها، مشمولا بحفظ الله، مؤيدا بتوفيق الله، ذا قوة في لين، وعزمة في يقين، لا يحيف على من يبغض، ولا يأثم في من يحب، صبور في الشدائد، لا يجور، ولا يعتدي، ولا يأتي بما يشتهي، الفقر

__________________

(١) في نسخة ( جهوري )

(٢) في نسخة ( عمله ).

(٣) في نسخة ( خوفه ).

(٤) في المصدر: خلقه.

١٧٩

شعاره، والصبر دثاره، قليل المؤونة، كثير المعونة كثير الصيام، طويل القيام، قليل المنام، قلبه تقي، وعلمه زكي، إذا قدر عفا، وإذا وعد وفى، يصوم رغبا ويصلي رهبا، ويحسن في عمله كأنه ناظر إليه، غض الطرف، سخي الكف، لا يرد سائلا، ولا يبخل بنائل، متواصلا إلى الاخوان، مترادفا إلى الاحسان، يزن كلامه، ويخرس لسانه، لا يغرق في بغضه، ولا يهلك في حبه، لا يقبل الباطل من صديقه، ولا يرد الحق من عدوه، ولا يتعلم إلا ليعلم، ولا يعلم الا ليعمل، قليلا حقده، كثيرا شكره، يطلب النهار معيشته، ويبكي الليل على خطيئته، إن سلك مع أهل الدنيا كان أكيسهم، وان سلك مع أهل الآخرة كان أورعهم، لا يرضى في كسبه بشبهة، ولا يعمل في دينه برخصة، يعطف على أخيه بزلته، ويرضى(٥) ما مضى من قديم صحبته ).

[١٢٦٨٧] ٢٣ - ثقة الاسلام في الكافي: عن محمد بن جعفر، عن محمد بن إسماعيل، عن عبد الله بن داهر، عن الحسن بن يحيى، عن ( قثم أبو قتادة الحراني )(١) ، عن عبد الله بن يونس، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: ( قام رجل يقال له: همام وكان عابدا ناسكا مجتهدا، إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام وهو يخطب، فقال يا أمير المؤمنين، صف لنا صفة المؤمن كأننا ننظر إليه، فقال: يا همام، المؤمن هو الكيس الفطن، بشره في وجهه، وحزنه في قلبه، أوسع شئ صدرا، وأذل شئ نفسا، زاجر عن كل فان، حاض على كل حسن، لا حقود، ولا حسود، ولا وثاب، ولا سباب، ولا غياب(٢) ، ولا مرتاب(٣) ، يكره الرفعة، ويشنأ السمعة،

__________________

(٥) في المصدر: ويرعى.

٢٣ - الكافي ج ٢ ص ١٧٩ ح ١.

(١) في الطبعة الحجرية: قتم بن أبي قتادة الحمراني، وما أثبتناه من المصدر ومن معاجم الرجال راجع ( معجم رجال الحديث ج ١٤ ص ٧٦ ).

(٢) في المصدر: عياب.

(٣) وفيه: مغتاب.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

١٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن بكير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إن في طلب الدنيا إضرارا بالآخرة وفي طلب الآخرة إضرارا بالدنيا فأضروا بالدنيا فإنها أولى بالإضرار.

_________________________________________

الحديث الثاني عشر : حسن موثق كالصحيح.

ويومي إلى أن المذموم من الدنيا ما يضر بأمر الآخرة فأما ما لا يضر به كقدر الحاجة في البقاء والتعيش فليس بمذموم ، ولنذكر هنا معنى الدنيا وما هو مذموم منها فإن ذلك قد اشتبه على أكثر الخلق فكثير منهم يسمون أمرا حقا بالدنيا ويذمونه ، ويختارون شيئا هو عين الدنيا المذمومة ويسمونه زهدا ويشبهون ذلك على الجاهلين.

اعلم أن الدنيا تطلق على معان : « الأول » حياة الدنيا وهي ليست بمذمومة على الإطلاق وليست مما يجب بغضه وتركه بل المذموم منها أن يحب البقاء في الدنيا للمعاصي والأمور الباطلة ، أو يطول الأمل فيها ويعتمد عليها فبذلك يسوف التوبة والطاعات وينسى الموت ويبادر بالمعاصي والملاهي اعتمادا على أنه يتوب في آخر عمره عند مشيبه ولذلك يجمع الأموال الكثيرة ويبني الأبنية الرفيعة ويكره الموت لتعلقه بالأموال وحبه للأزواج والأولاد ، ويكره الجهاد والقتل في سبيل الله لحبه للبقاء أو يترك الصوم وقيام الليل وأمثال ذلك لئلا يصير سببا لنقص عمره.

والحاصل أن من يحب العيش والبقاء والعمر للأغراض الباطلة فهو مذموم ومن يحبه للطاعات وكسب الكمالات وتحصيل السعادات فهو ممدوح وهو عين الآخرة فلذا طلب الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام طول العمر والبقاء في الدنيا وقد قال سيد الساجدينعليه‌السلام : عمرني ما كان عمري بذلة في طاعتك فإذا كان عمري مرتعا للشيطان فاقبضني إليك ، ولو لم يكن الكون في الدنيا صلاحا للعباد لتحصيل الذخائر

٢٨١

...........................................................................

_________________________________________

للمعاد لما أسكن الله الأرواح المقدسة في تلك الأبدان الكثيفة كما أومأنا إليه سابقا.

وقد روى السيد في النهج أن أمير المؤمنين صلوات الله عليه سمع رجلا يذم الدنيا : فقال أيها الذام للدنيا المغتر بغرورها المنخدع بأباطيلها أتغتر بالدنيا ثم تذمها أأنت المتجرم عليها أم هي المتجرمة عليك ، متى استهوتك أم متى غرتك أبمصارع آبائك من البلى أم بمضاجع أمهاتك تحت الثرى؟ كم عللت بكفيك وكم مرضت بيديك تبغي لهم الشفاء وتستوصف لهم الأطباء لم ينفع أحدهم إشفاقك ولم تسعف فيه بطلبتك ولم تدفع عنهم بقوتك قد مثلت لك به الدنيا نفسك وبمصرعه مصرعك ، إن الدنيا دار صدق لمن صدقها ودار عافية لمن فهم عنها ودار غنى لمن تزود منها ، ودار موعظة لمن اتعظ بها ، مسجد أحباء الله ومصلى ملائكة الله ومهبط وحي الله ومتجر أولياء الله ، اكتسبوا فيها الرحمة وربحوا فيها الجنة فمن ذا يذمها وقد آذنت ببينها ونادت بفراقها ونعت نفسها وأهلها ، فمثلت لهم ببلائها البلاء وشوقتهم بسرورها السرور ، راحت بعافية وابتكرت بفجيعة ترغيبا وترهيبا وتخويفا وتخديرا ، فذمها رجال غداة الندامة ، وحمدها آخرون يوم القيامة ، ذكرتهم الدنيا فذكروا وحدثتهم فصدقوا ، ووعظتهم فاتعظوا.

وقد أوردت هذه الخطبة أبسط من ذلك في الكتاب الكبير وكفى بها مصدقا لما ذكرنا ، وروى العياشي عن الباقرعليه‌السلام في قوله تعالى : «وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ »(١) قال : الدنيا.

الثاني : الدينار والدرهم وأموال الدنيا وأمتعتها ، وهذه أيضا ليست مذمومة بأسرها بل المذموم منها ما كان من حرام أو شبهة أو وسيلة إليها ، وما يلهى عن ذكر الله ويمنع عبادة الله أو يحبها حبا لا يبذلها في الحقوق الواجبة والمستحبة ، و

__________________

(١) سورة النحل : ٣٠.

٢٨٢

...........................................................................

_________________________________________

في سبل طاعة الله كما مدح الله تعالى جماعة حيث قال : «رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ »(١) .

وبالجملة المذموم من ذلك الحرص عليها وحبها وشغل القلب بها والبخل بها في طاعة الله وجعلها وسيلة لما يبعد عن الله ، وأما تحصيلها لصرفها في مرضات الله وتحصيل الآخرة بها فهي من أفضل العبادات وموجبة لتحصيل السعادات.

وقد روي في الصحيح عن ابن أبي يعفور قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : إنا لنحب الدنيا فقال لي : تصنع بها ما ذا؟ قلت : أتزوج منها وأحج وأنفق على عيالي وأنيل إخواني وأتصدق ، قال لي : ليس هذا من الدنيا ، هذا من الدنيا ، هذا من الآخرة ، وقد روي : نعم المال الصالح للعبد الصالح ونعم العون الدنيا علي الآخرة ، وسيأتي بعض الأخبار في ذلك في أبواب المكاسب إنشاء الله تعالى.

الثالث : التمتع بملاذ الدنيا من المأكولات والمشروبات والمنكوحات والملبوسات والمركوبات والمساكن الواسعة وأشباه ذلك وقد وردت أخبار كثيرة في استحباب التلذذ بكثير من ذلك ما لم يكن مشتملا على حرام أو شبهة أو إسراف وتبذير ، وفي ذم تركها والرهبانية وقد قال تعالى : «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ »(٢) .

فإذا عرفت ذلك فاعلم أن الذي يظهر من مجموع الآيات والأخبار على ما نفهمه أن الدنيا المذمومة مركبة من مجموع أمور يمنع الإنسان من طاعة الله سبحانه وقربه فهو من الآخرة وإن كان بحسب الظاهر من أعمال الدنيا كالتجارات والصناعات والزراعات التي يكون المقصود منها تحصيل المعيشة للعيال لأمره تعالى به

__________________

(١) سورة النور : ٣٧.

(٢) سورة الأعراف : ٣٢.

٢٨٣

...........................................................................

_________________________________________

وصرفها في وجوه البر وإعانة المحتاجين والصدقات وصون الوجه عن السؤال وأمثال ذلك ، فإن هذه كلها من أعمال الآخرة وإن كان عامة الخلق يعدونها من الدنيا ، والرياضات المبتدعة والأعمال الريائية وإن كان مع الترهب وأنواع المشقة فإنها من الدنيا لأنها مما يبعد عن الله ولا يوجب القرب إليه كأعمال الكفار والمخالفين ، فرب مترهب متقشف يعتزل الناس ويعبد الله ليلا ونهارا وهو أحب الناس للدنيا ، وإنما يفعل ذلك ليخدع الناس ويشتهر بالزهد والورع ، وليس في قلبه إلا جلب قلوب الناس ويحب المال والجاه والعزة وجميع الأمور الباطلة أكثر من سائر الخلق ، وجعل ترك الدنيا ظاهرا مصيدة لتحصيلها ورب تاجر طالب الأجر لا يعده الناس شيئا وهو من الطالبين للآخرة لصحة نيته وعدم حبه للدنيا.

وجملة القول في ذلك : أن المعيار في العلم بحسن الأشياء وقبحها وما يحب فعلها وتركها الشريعة المقدسة وما صدر في ذلك عن أهل بيت العصمة صلوات الله عليهم ، فما علم من الآيات والأخبار أن الله تعالى أمر به وطلبه من عباده سواء كان صلاة أو صوما أو حجا أو تجارة أو زراعة أو صناعة أو معاشرة للخلق أو عزلة أو غيرها وعملها بشرائطها وآدابها بنية خالصة فهي من الآخرة.

وما لم يكن كذلك فهو الدنيا المذمومة المبعدة عن الله وعن الآخرة ، وهي على أنواع : فمنها ما هو حرام وهو ما يستحق به العقاب سواء كان عبادة مبتدعة أو رياء وسمعة أو معاشرة الظلمة أو ارتكاب المناصب المحرمة أو تحصيل الأموال من الحرام أو للحرام ، وغير ذلك مما يستحق به العقاب ، ومنها ما هو مكروه كارتكاب الأفعال والأعمال والمكاسب المكروهة وكتحصيل الزوائد من الأموال والمساكن والمراكب وغيرها مما لم تكن وسيلة لتحصيل الآخرة وتمنع من تحصيل السعادات الأخروية ومنها ما هو مباح كارتكاب الأعمال التي لم يأمر الشارع بها ولم ينه عنها إذا لم

٢٨٤

١٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن أبي أيوب الخزاز ، عن أبي عبيدة الحذاء قال قلت لأبي جعفرعليه‌السلام حدثني بما أنتفع به فقال يا أبا عبيدة أكثر ذكر الموت فإنه لم يكثر إنسان ذكر الموت إلا زهد في الدنيا.

١٤ ـ عنه ، عن علي بن الحكم ، عن الحكم بن أيمن ، عن داود الأبزاري

_________________________________________

تصر مانعة عن تحصيل الآخرة وإن كانت نادرة ، ويمكن إيقاع كثير من المباهاة على وجه تصير عبادة كالأكل والنوم للقوة على العبادة وأمثال ذلك ، وربما كان ترك المباحات بظن أنها عبادة بدعة موجبة لدخول النار كما يصنعه كثير من أرباب البدع.

وقد روى الصدوق (ره) في معاني الأخبار بإسناده عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه قال : ليس الزهد في الدنيا بإضاعة المال ولا بتحريم الحلال ، بل الزهد في الدنيا أن لا تكون بما في يدك أوثق منك بما في يد الله عز وجل وعنهعليه‌السلام قال : قيل : لأمير المؤمنينعليه‌السلام : ما الزهد في الدنيا؟ قال : تنكب حرامها وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال :

الزهد في الدنيا قصر الأمل وشكر كل نعمة والورع عما حرم الله عليك ، وعن الصادقعليه‌السلام قال : الزهد في الدنيا الذي يترك حلالها مخافة حسابه ويترك حرامها مخافة عذابه.

وأقول : قد أشبعت القول في ذلك في كتاب عين الحياة ولا يناسب هذا الكتاب أزيد من ذلك.

الحديث الثالث عشر : صحيح.

وكان المرادبذكر الموت تذكر ما بعده من الأهوال والشدائد والحسرات أيضا ، وإن كان تذكر الموت وفناء الدنيا كافيا لزهد العاقل.

الحديث الرابع عشر : مجهول.

٢٨٥

قال قال أبو جعفرعليه‌السلام ملك ينادي كل يوم ابن آدم لد للموت واجمع للفناء وابن للخراب.

١٥ ـ عنه ، عن علي بن الحكم ، عن عمر بن أبان ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال علي بن الحسين صلوات الله عليهما إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة ولكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء

_________________________________________

« لد للموات » اللام لام العاقبة كما في قوله تعالى : «فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً »(١) والأمر ليس على حقيقته بل الغرض : اعلموا أن ولادتكم عاقبتها الموت ، وفي نهج البلاغة قال أمير المؤمنين : إن لله ملكا ينادي في كل يوم : لدوا للموت واجمعوا للفناء وابنوا للخراب.

الحديث الخامس عشر : كالسابق.

« إن الدنيا قد ارتحلت » يقال : رحل وارتحل أي شخص وسار« مدبرة » المراد بإدبار الدنيا تقضيها وانصرافها ، وبإقبال الآخرة قرب الموت ، وما يكون بعدها من نعيم أو عذاب ، فشبه الدنيا وحياتها براكب حمل على مراكبها أثقالها وهي لذات الدنيا وشهواتها وأموالها وسائر ما يتعلق الإنسان بها ، والموت براكب آخر حمل على مراكبه نعيمه وعذابه وسائر ما يكون بعده ، فالراكب الأول يوما فيوما وساعة فساعة في التقضي والفناء فهو يبعد عن الإنسان ، والراكب الثاني يسير إلى الإنسان ويقرب منه ، فعن قريب يصل إليه فلا بد من الاستعداد لوصوله وتلقيه بالعقائد الحقة والأعمال الصالحة.

« ولكل واحدة منهما بنون » استعارعليه‌السلام لفظ البنين للعباد بالنسبة إلى الدنيا والآخرة فشبههم لميل كل منهم إلى إحداهما ميل الولد إلى والده ، وركون الفصيل إلى أمه وتوقع كل منهم توقع النفع من إحداهما ومشابهته بها ، وكونه مخلوقة

__________________

(١) سورة القصص : ٨.

٢٨٦

الآخرة ، ولا تكونوا من أبناء الدنيا ألا وكونوا من الزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة.

ألا إن الزاهدين في الدنيا اتخذوا الأرض بساطا والتراب فراشا والماء طيبا وقرضوا من الدنيا تقريضا

_________________________________________

لأجلها ، وشبه كلا منهما بالأب أو بالأم لتأنيثهما أو الآخرة بالأب والدنيا بالأم لنقصها ولمناسبة الآباء العلوية بالأولى والأمهات السفلية بالثانية ، فكان أبناء الدنيا بمنزلة أولاد الزنا لا أب لهم.

« فكونوا من أبناء الآخرة » لبقائها وخلوص لذاتها ، ولكونها صادقة في وعدها« ولا تكونوا من أبناء الدنيا » لفنائها وكذبها وغرورها وكون لذاتها مشوبة بأنواع الآلام ، ثم أشارعليه‌السلام إلى أن المقصود ليس مجرد رفض الدنيا وترك العمل لها بل مع إزالة حبها من القلببقوله : « وكونوا من الزاهدين » إلخ.

والبساط فعال بمعنى المفعول ، أي اكتفوا بالأرض عوضا عن الفرش المبسوطة في البيوت مع عدم تيسر البساط إلا من الحرام أو الشبهة أو مطلقا ، والأول أنسب بالجمع بين الأخبار ، وكذا في البواقي وفي الصحاح : البساط ما يبسط وبالفتح الأرض الواسعة« والتراب فراشا » بمعنى المفروش أي عوضا عن الثياب الناعمة المحشوة بالقطن وغيره للنوم عليها ، فإن التراب ألين من سائر أجزاء الأرض« والماء طيبا » فإن الطيب عمدة منفعته رفع الروائح الكريهة وهو يتحقق بالغسل بالماء ، وما قيل : من أن المراد التلذذ بشرب الماء بدلا من الأشربة اللذيذة لأن أصل الطيب اللذة كما في القاموس فهو بعيد.

« وقرضوا من الدنيا تقريضا » على بناء المفعول من القرض بمعنى القطع ، وبناء التفعيل للمبالغة وقيل : بمعنى التجاوز من قرضت الوادي إذا جزته ، أو بمعنى العدول من قرضت المكان إذا عدلت منه ، وفي النهج ، ثم قرضوا الدنيا قرضا.

٢٨٧

ألا ومن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات ومن أشفق من النار رجع عن المحرمات ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصائب.

ألا إن لله عبادا كمن رأى أهل الجنة في الجنة مخلدين وكمن رأى أهل النار في النار معذبين شرورهم مأمونة وقلوبهم محزونة ، أنفسهم عفيفة وحوائجهم خفيفة صبروا أياما قليلة فصاروا بعقبى راحة طويلة أما الليل فصافون أقدامهم

_________________________________________

قوله عليه‌السلام : سلا عن الشهوات ، أي نسيها وتركها ، في القاموس : سلاه وعنه كدعاه ورضيه سلوا وسلوا وسلوانا وسليا : نسيه ، وأسلاه عنه فتسلى عن المحرمات وفي بعض النسخ عن الحرمات جمع الحرمة كالغرفات جمع الغرفة« هانت عليه المصائب » لأنها راجعة إلى فوات الأمور الدنيوية ، ومن زهد فيها سهل عنده فواتها.

قوله عليه‌السلام : كمن رأى ، أي صاروا من اليقين بمنزلة المعاينة كما مر في باب اليقين« مخلدين » أي كأنه يرى خلودهم أو يراهم مع علمه بخلودهم ، ومن الأفاضل من قرأ مخلدين على بناء الفاعل من الأفعال من قولهم أخلد إليه أي مال ، ولا يخفى بعده« وقلوبهم محزونة » لهم الآخرة وخوف التقصير وعدم العلم بالعاقبة.

« أنفسهم عفيفة » عن المحرمات والشبهات« وحوائجهم خفيفة » لاقتصارهم في الدنيا على القدر الضروري منها«صبروا أياما قليلة» أي أيام عمرهم فإنها قليلة في جنب الآخرة صبروا فيها على الفقر والضر ومشقة فعل الطاعات وترك المحرمات وإيذاء الظلمة والمخالفين« فصاروا بعقبى راحة طويلة » في القاموس : العقبى جزاء الأمر ، وقال الراغب : العقب والعقبى يختصان بالثواب نحو «خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً »(١) وقال : «أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ »(٢) «فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ »(٣) ، والعاقبة إطلاقها يختص

__________________

(١) سورة اللكهف : ٤٤.

(٢) سورة الرعد : ٢٢.

(٣) سورة الرعد : ٢٤.

٢٨٨

تجري دموعهم على خدودهم وهم يجأرون إلى ربهم يسعون في فكاك رقابهم وأما النهار فحلماء علماء بررة أتقياء كأنهم القداح قد براهم الخوف من العبادة

_________________________________________

بالثواب نحو «وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ »(١) وبالإضافة قد تستعمل في العقوبة نحو «ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى »(٢) انتهى.

وأقول : العقبى غالبة أنه يستعمل في الثواب وقد يستعمل في العقاب أيضا كقوله تعالى : «تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ »(٣) وقوله سبحانه : «وَلا يَخافُ عُقْباها »(٤) وقال البيضاوي في قوله تعالى : «أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ » أي عاقبة الدنيا وما ينبغي أن يكون مال أهلها وهي الجنة ، وفي قوله سبحانه : «تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا » أي الجنة الموصوفة ما لهم ومنتهى أمرهم وفي قوله : «وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ » اللام يدل على أن المراد بالعقبى العاقبة المحمودة ، انتهى.

والباء في قوله : بعقبى ، إما بمعنى إلى أو بمعنى مع ، وإضافة العقبى إلى الراحة للبيان ويحتمل غيره أيضا ، وفي فقه الرضاعليه‌السلام : فصارت لهم العقبى راحة طويلة ، وأما الليل ظاهره النصب على الظرفية ، وقيل : يحتمل الرفع على الابتداء والتخصيص به ، لأن العبادة فيه أشق وأقرب إلى القربة ، وحضور القلب فيه أكثر كما قال تعالى : «إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً »(٥) .

« فصافون أقدامهم » أي للصلاة ، ويدل علي استحباب صف القدمين في الصلاة بحيث لا يكون إحداهما أقرب من القبلة من الأخرى أو تكون الفاصلة بينهما من الأصابع إلى العقبين مساوية والأول أظهر ، وعلى استحباب التضرع والبكاء في

__________________

(١) سورة الأعراف : ١٢٨.

(٢) سورة الروم : ١٠.

(٣) سورة الرعد : ٣٥.

(٤) سورة الشمس : ١٥.

(٥) سورة المزّمّل : ٦.

٢٨٩

ينظر إليهم الناظر فيقول مرضى وما بالقوم من مرض أم خولطوا فقد خالط القوم أمر عظيم من ذكر النار وما فيها.

_________________________________________

صلاة الليل وفي القاموس :جار كمنع جارا وجؤارا : رفع صوته بالدعاء وتضرع واستغاث ،قوله عليه‌السلام : في فكاك رقابهم ، أي من النار« كأنهم القداح » وفي القاموس : القدح بالكسر السهم قبل أن يراش وينصل والجمع قداح وأقداح وأقاديح ، انتهى.

وأشارعليه‌السلام إلى وجه التشبيه بالقداحبقوله : قد براهم الخوف ، أي نحلهم وذبلهم كما يبري السهم ، في القاموس : بري السهم يبرئه بريا وابتراه نحته وبرأه السفر يبرئه بريا هزله ، وقوله : من العبادة ، إما متعلق بقوله براهم أي نحتهم الخوف بآلة العبادة أي بحمله إياهم عليها وعلى كثرتها ، أو بقوله : كأنهم القداح فيرجع إلى الأول وعلى التقديرين من للسببية والعلية أو متعلق بالخوف أي من قلة العبادة والأول أظهر.

« فيقول مرضى » أي يظن أنهم مرضى لصفرة وجوههم ونحافة بدنهم فخطأعليه‌السلام ظنه وقال : « وما بالقوم من مرض » بل هم الأصحاء من الأدواء النفسانية والأمراض القلبية«أم خولطوا» أي أو يقول خولطوا ، ويحتمل أن يكون قوله : مرضى ، على الاستفهام وقوله : أم خولطوا معادلا له من كلام الناظر فاعترض جوابهعليه‌السلام بين أجزاء كلامه.

والحاصل أنهم لما كانوا لشدة اشتغالهم بحب الله وعبادته واعتزالهم عن عامة الخلق ومباينة أطوارهم لأطوارهم وأقوالهم لأقوالهم ويسمعون منهم ما هو فوق إدراكهم وعقولهم فتارة ينسبونهم إلى المرض الجسماني وتارة إلى المرض الروحاني وهو الجنون واختلاط العقل بما يفسده ، فأجابعليه‌السلام عن الأول بالنفي المطلق ، وعن الثاني بأن المخالطة متحققة لكن لا بما يفسد العقل ، بل بما يكمله من خوف النار وحب الملك الغفار.

٢٩٠

١٦ ـ عنه ، عن علي بن الحكم ، عن أبي عبد الله المؤمن ، عن جابر قال دخلت على أبي جعفرعليه‌السلام فقال يا جابر والله إني لمحزون وإني لمشغول القلب قلت جعلت فداك وما شغلك وما حزن قلبك فقال يا جابر إنه من دخل قلبه صافي خالص دين الله شغل قلبه عما سواه يا جابر ما الدنيا وما عسى أن تكون الدنيا هل هي إلا طعام أكلته أو ثوب لبسته أو امرأة أصبتها؟!

يا جابر إن المؤمنين لم يطمئنوا إلى الدنيا ببقائهم فيها ولم يأمنوا قدومهم الآخرة يا جابر الآخرة دار قرار والدنيا دار فناء وزوال ولكن أهل الدنيا أهل غفلة وكأن المؤمنين هم الفقهاء أهل فكرة وعبرة لم يصمهم عن ذكر الله جل اسمه ما سمعوا بآذانهم ولم يعمهم عن ذكر الله ما رأوا من الزينة بأعينهم ففازوا بثواب الآخرة كما فازوا بذلك العلم.

_________________________________________

الحديث السادس عشر : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : صافي خالص دين الله ، كان إضافة الصافي إلى الخالص للبيان تأكيدا ويحتمل اللامية أي المحبة الصافية لله الحاصلة من خالص دينه ، وفي تحف العقول : من دخل قلبه خالص حقيقة الإيمان و« أكلته » وأختاها على صيغة الخطاب ، ويحتمل التكلم ، والغرض أن هذه لذات قليلة فانية ولا يختارها العاقل على النعم الجليلة الباقية« لم يطمئنوا » أي لم يلههم الأمل الطويل عن العمل« ولم يأمنوا » أي في كل حين« قدومهم الآخرة » بالموت أو عذاب الآخرة.

« أهل فكرة » خبر مبتدإ محذوف استئنافا بيانيا وكذاقوله : لم يصمهم ، استئناف بياني للاستئناف« ما سمعوا بأذانهم » من وصف ملاذ الدنيا وزهراتها وحكومة أهلها وبسطة أيديهم فيها والقصص الملهية الباطلة« ولم يعمهم عن ذكر الله » الحاصل بالعبرة من أحوال الدنيا وفنائها« ففازوا » لترك الدنيا« بثواب الآخرة كما فازوا بذلك العلم » وهو العلم اليقيني بدناءة الدنيا وفنائها ورفعة الآخرة وبقائها

٢٩١

واعلم يا جابر أن أهل التقوى أيسر أهل الدنيا مئونة وأكثرهم لك معونة تذكر فيعينونك وإن نسيت ذكروك قوالون بأمر الله قوامون على أمر الله قطعوا محبتهم بمحبة ربهم ووحشوا الدنيا لطاعة مليكهم ونظروا إلى الله عز وجل وإلى محبته

_________________________________________

وتميز الخير من الشر والهدى من الضلالة ، وأهل الدنيا من أهل الآخرة والمحقين من المبطلين ومن يجب اتباعه من أهل الآخرة وأئمة الحق ومن يجب التبري عنه من أهل الدنيا وأصحابها وأئمة الضلالة ، فهذه هي الحكمة الحاصلة من الزهد في الدنيا فلما فازوا بهذا العلم فازوا بنعيم الآخرة« أيسر أهل الدنيا مؤنة » المؤنة بالفتح القوت والثقل ، وذلك لأنهم يكتفون بقدر الكفاية بل الضرورة ، والمعونة بالفتح القوت والثقل ، وذلك لأنهم يكتفون بقدر الكفاية بل الضرورة ، والمعونة مصدر بمعنى الإعانة« تذكر » أي حاجتك لهم« فيعينونك فيها » أو إذا كنت متذكرا لما يوجب صلاح أمر دنياك وآخرتك أعانوك على فعله ، وإن كنت ناسيا له ذكروك وأرشدوك إليه ثم يعينونك مع الحاجة إلى الإعانة« قوالون بأمر الله » أي بما أمر الله به أو بكل أمر يرضى الله به موعظة وإرشادا وتذكيرا وأمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر« قوامون على أمر الله » بحفظ دين الله وشرائعه وأصول الدين وفروعه ، وبمنع أهل الباطل وأرباب البدع من التغيير والتحريف في دين الله.

« قطعوا محبتهم » أي عن كل شيء أو عما لا يرضى الله« بمحبة ربهم » أي بسببها أو جعلوا محبتهم تابعين لمحبة الله ولا يحبون شيئا إلا لحب الله له كقوله تعالى : «وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ »(١) .

« وحشوا الدنيا » الوحشة ضد الأنس أي لم يستأنسوا بالدنيا« لطاعة مليكهم » أي مالكهم وسيدهم أو ذي الملك والسلطنة عليهم إما لأمره بالزهد في الدنيا أو لأن طاعة الله مطلقا والإخلاص فيها لا تجتمع مع حب الدنيا« نظروا إلى الله وإلى محبته بقلوبهم » الظرف في قوله بقلوبهم متعلق بنظروا ، أي لم ينظروا بعين قلوبهم

__________________

(١) سورة الإنسان : ٣٠.

٢٩٢

بقلوبهم وعلموا أن ذلك هو المنظور إليه لعظيم شأنه فأنزل الدنيا كمنزل نزلته ثم ارتحلت عنه أو كمال وجدته في منامك فاستيقظت وليس معك منه شيء

_________________________________________

إلا إلى الله أي رضاه أو معرفته ومراقبته وذكره وعدم الالتفات إلى غيره وإلى محبته أي تحصيل حبهم لله أو حب الله لهم أو الأعم كما قال تعالى : «يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ »(١) أو ما يحبه الله من الأخلاق والأعمال والأقوال.

« وعلموا أن ذلك » أي المذكور وهو الله ومحبته والإشارة للتعظيم« هو المنظور إليه » أي هو الذي ينبغي أن ينظر إليه لا غيره لعظمة شأنه وحقارة ما سواه بالنسبة إليه.

« فأنزل الدنيا » أي اجعلها عند نفسك كمنزل نزلته« ثم ارتحلت عنه » بل هذه الدنيا بالنسبة إلى الآخرة أقصر بالمراتب الغير المتناهية عن نسبة مدة نزول المنزل بالنسبة إلى مدة عمر الدنيا لأن الأولى نسبة المتناهي إلى غير المتناهي ، والثانية نسبة المتناهي إلى المتناهي.

والغرض العمدة من التشبيه أنها لم تخلق للتوطن بل للعبور كما أن منازل المسافر إنما بنيت لذلك وقد قال بعض الشعراء في هذا المعنى :

نزلنا ههنا ثم ارتحلنا

كذا الدنيا نزول وارتحال

أردنا أن نقيم فيها ولكن

مقيم المرء في الدنيا محال

وهذا مثل للمبتدين ثم ذكر مثلا كاملا للكاملين وهو« أو كما وجدته في منامك » إلخ ، فإن أكثر الناس في الدنيا كالنائمين لغفلتهم عن الآخرة وعما يراد بهم ، فإذا ماتوا لم يجدوا معهم شيئا مما اكتسبوه في الدنيا للدنيا ، كما قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : الناس نيام إذا ماتوا انتبهوا.

ثم ذكرعليه‌السلام تمثيلا ثالثا وهو أنهاكفيء الظلال في سرعة الزوال ، والظلال

__________________

(١) سورة المائدة : ٥٤.

٢٩٣

إني [ إنما ] ضربت لك هذا مثلا لأنها عند أهل اللب والعلم بالله كفيء الظلال يا جابر فاحفظ ما استرعاك الله جل وعز من دينه وحكمته ولا تسألن عما لك عنده

_________________________________________

بالكسر جمع الظل وهو والفيء بمعنى واحد عن كثير من الناس ، وقال ابن قتيبة : الظل يكون غدوة وعشية والفيء لا يكون إلا بعد الزوال لأنه ظل فاء عن جانب المغرب إلى جانب المشرق والفيء الرجوع ، وقال ابن السكيت : الظل من الطلوع إلى الزوال والفيء من الزوال إلى الغروب ، وقال تغلب : الظل للشجرة وغيرها للغداة ، والفيء للعشاء ، وقال رؤبة : كلما كانت عليه الشمس فزالت عنه فهو ظل وفيء ، وما لم تكن عليه الشمس فهو ظل ومن هنا قيل : الشمس تنسخ الظل والفيء ينسخ الشمس.

والمراد هنا بالفيء إما المصدر أي كرجوع الظلال أي كما تظل في ظل شجرة مثلا فتنتفع به ساعة فترجع عنك فتكون في الشمس أو المراد بالفيء الظل وشجرة مثلا فتنتفع به ساعة فترجع عنك فتكون في الشمس أو المراد بالفيء الظل وبالظلال ما أظلك من شجر وجدار ونحوهما ، أو المراد بالظلال قطعات السحاب التي توارى الشمس قليلا ثم تذهب وهذا أنسب.

قال في القاموس : الظل من كل شيء شخصه ، ومن السحاب ما وارى الشمس منه والظلالة بالكسر السحابة تراها وحدها وترى ظلها علي الأرض ، وكسحاب ما أظلك ، وقال : راعيته لاحظته محسنا إليه ، والأمر نظرت إلى م يصير وأمره حفظه كرعاه ، واسترعاه إياهم استحفظه ، انتهى.

وفي تحف العقول : فاحفظ يا جابر ما أستودعك من دين الله وحكمته.

وقوله عليه‌السلام : ولا تسألن ، أقول : يحتمل وجوها : الأول : أن يكون المعنى لا تبالغ في الدعاء والسؤال من الله عما لك عنده من الرزق وغيره مما ضمن لك ، ولكن سله التوفيق عما له عندك من الطاعات ، والاستثناء ظاهره الانقطاع ، ويحتمل الاتصال أيضا لأن التوفيق والإعانة أيضا عما للعبد عند الله.

٢٩٤

إلا ما له عند نفسك فإن تكن الدنيا على غير ما وصفت لك فتحول إلى دار المستعتب

_________________________________________

الثاني : أن يكون المراد لا تسأل أحدا عما لك عند الله من الأجر والرزق وأمثالهما فإنها بيد الله وعلمها عنده ولا ينفعك السؤال عنها بل سل العلماء عما لله عندك من الطاعات لتعلم شرائطها وكيفياتها.

الثالث : أن يكون المعنى أنك لا تحتاج إلى السؤال عما لك عند الله من الثواب فإنه بقدر ما لله عندك من عملك فيمكنك معرفته بالرجوع إلى نفسك وعملك فعلى هذا يحتمل أن يكون التقدير لا تسأل عما لك عند الله من أحد إلا مما له عندك فيكون ما له عنده مسئولا والاستثناء متصلا لكن في السؤال تجوز.

ويؤيد الأخير على الوجهين ما روي في المحاسن عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال :

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أحب أن يعلم ما له عند الله فليعلم ما لله عنده ، وفي تحف العقول في هذا الخبر مكان هذه الفقرة هكذا : وانظر ما لله عندك في حياتك فكذلك يكون لك العهد عنده في مرجعك.

قوله عليه‌السلام : فإن تكن الدنيا ، أقول : هذه الفقرة أيضا تحتمل وجوها :

الأول : ما ذكره بعض المحققين أن المعنى إن تكن الدنيا عندك على غير ما وصفت لك فتكون تطمئن إليها فعليك أن تتحول فيها إلى دار ترضى فيها ربك يعني أن تكون في الدنيا ببدنك وفي الآخرة بروحك تسعى في فكاك رقبتك وتحصيل رضا ربك عنك حتى يأتيك الموت.

الثاني : ما ذكره بعض الأفاضل أن المعنى إن تكن الدنيا عندك على غير ذلك فانتقل إلى مقام التوبة والاستعتاب والاسترضاء فإن هذه عقيدة سيئة.

الثالث : ما خطر بالبال أن المعنى إن لم تكن الدنيا عندك على ما وصفت لك فتوجه إلى الدنيا وانظر بعين البصيرة فيها وتفكر في أحوالها من فنائها وتقلبها بأهلها ليتحقق لك حقيقة ما ذكرت ، وإنما عبرعليه‌السلام عن ذلك بالتحول إشعارا بأن من أنكر ذلك فكأنه لغفلته وغروره ليس في الدنيا فليتحول إليها ليعرف ذلك.

٢٩٥

...........................................................................

_________________________________________

الرابع : أنه أراد أنه لا بد لكل مكلف من دار استرضاء حتى يرضى فيها ربه بالأعمال الصالحة فإذا لم تكن الدنيا عندك كما وصفتها لك بل تكون منهمكا في لذاتها حريصا عليها فلتطلب دار استرضاء أخرى غير التي أنت فيها فإنه مما لا بد منه.

الخامس : أن يقرأ تحول بصيغة المضارع المخاطب بحذف إحدى التائين فالمعنى أنه لا يخفى علي ذي عقل قبح الدنيا وفنائها فإن زعمت أنه ليس كذلك فلعلك تقول ذلك لأجل أنها دار يمكن فيها تحصيل رضا الله ، وهذا لا ينافي ما ذكرت لك من ذم الركون إلى لذاتها وشهواتها كما عرفت سابقا.

السادس : أن يكون المراد بدار المستعتب دار الآخرة لأن الكفار يطلبون فيها الرجوع إلى الدنيا عند مشاهدة عذابها كما قال الله تعالى : «وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ »(١) فالمراد به إن لم تصدق بهذه الأوصاف لهذه الدار فاصبر حتى ترد دار القرار فإنه حينئذ يظهر لك حقية هذا الكلام ، وعلى هذا الوجه يمكن أن يقرأ على اسم الفاعل أيضا.

السابع : ما ذكره بعض المدعين للفضل أن المستعتب لعله اسم رجل ذي جاه ومال أصابه الذل وذهب جميع ما كان له ، فقالعليه‌السلام : تحول إلى داره لتعتبر به ، وإنما ذكرناه لغرابته.

وأقول : في تحف العقول ليس لفظ « غير » بل هو هكذا فإن تكن الدنيا عندك على ما وصفت لك فتحول عنها إلى دار المستعتب اليوم ، فيؤيد المعنى الأول أي إذا عرفت أن الدنيا كذلك وصدقت بما قلت فتحول عنها أي انتقل إلى الآخرة بقلبك واقطع تعلقك عن الدنيا اليوم اختيارا قبل أن تقلع عنها عند الموت اضطرارا أو إلى

__________________

(١) سورة فصّلت : ٢٤.

٢٩٦

فلعمري لرب حريص على أمر قد شقي به حين أتاه ولرب كاره لأمر قد سعد به حين

_________________________________________

مقام الاسترضاء كما مر.

والظاهر أنالمستعتب على أكثر الاحتمالات مصدر ميمي ، قال في القاموس : العتبي بالضم الرضا واستعتبه أعطاه العتبي كأعتبه وطلب إليه العتبي ضد «وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ » أي إن يستقيلوا ربهم لم يقلهم أي لم يردهم إلى الدنيا ، وفي النهاية : العتبة الغضب ، وأعتبني فلان إذا عاد إلى مسرتي ، واستعتب طلب أن يرضي عنه كما يقول : استرضيته فأرضاني ، والمعتب المرضي ، ومنه الحديث : لا يتمنين أحدكم الموت إما محسنا فلعله يزداد وإما مسيئا فلعله يستعتب ، أي يرجع عن الإساءة ويطلب الرضا ، ومنه الحديث : ولا بعد الموت من مستعتب ، أي ليس بعد الموت من استرضاء ، لأن الأعمال بطلت وانقضى زمانها ، وما بعد الموت دار جزاء لا دار عمل ، انتهى.

وقوله عليه‌السلام : فلعمري أي اقسم بحياتي ، وفي القسم مفتوح غالبا.

« لرب حريص على أمر » من أمور الدنيا« قد شقي به حين أتاه » أي تعب به في الدنيا أو صار سببا لشقاوته في الآخرة ويطلق غالبا على سوء العاقبة ، والسعادة ضد الشقاوة وتطلق غالبا على حسن العاقبة وراحة الآخرة.

في القاموس : الشقاء الشدة والعسر ويمد شقي كرضي شقاوة ويكسر وشقا وشقاء وشقوة ويكسر وقال : السعادة خلاف الشقاوة وقد سعد كعلم وعني فهو سعيد ومسعود ، وقال الراغب : السعد والسعادة معاونة الأمور الإلهية للإنسان على نيل الخير ويضاد الشقاوة ، وقال : الشقاوة خلاف السعادة وكما أن السعادة في الأصل ضربان سعادة أخروية وسعادة دنيوية ثم السعادة الدنيوية ثلاثة أضرب سعادة نفسية وبدنية وخارجة ، كذلك الشقاوة على هذه الأضرب.

وقال بعضهم : قد يوضع الشقاء موضع التعب نحو شقيت في كذا وكل شقاوة

٢٩٧

أتاه وذلك قول الله عز وجل «وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ »(١) .

١٧ ـ عنه ، عن علي بن الحكم ، عن موسى بن بكر ، عن أبي إبراهيمعليه‌السلام قال قال أبو ذررحمه‌الله جزى الله الدنيا عني مذمة بعد رغيفين من الشعير

_________________________________________

تعب وليس كل تعب شقاوة ، فالتعب أعم من الشقاوة ، وفي التحف فلرب حريص على أمر من أمور الدنيا قد ناله فلما ناله كان عليه وبالا وشقي به ، ولرب كاره لأمر من أمور الآخرة قد ناله فسعد به ، وإلى هنا انتهى الخبر فيه.

قوله : وليمحص الله ، الآية في آل عمران عند ذكر غزوة أحد حيث قال تعالى : «وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ، وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا ».

قال الطبرسي (ره) بين وجه المصلحة في مداولة الأيام بين الناس ، أي وليبتلي الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين بنقصهم ، أو ليخلص الله ذنوب المؤمنين أو ينجي الله الذين آمنوا من الذنوب بالابتلاء ويهلك الكافرين بالذنوب عند الابتلاء.

أقول : هذا الوجه الأخير أنسب بالخبر ليكون استشهادا للجزءين معا فإن الكافرين كانوا حرصاء في الغلبة على المؤمنين فنالوها فصارت سببا لشقاوتهم ومزيد عذابهم ، والمؤمنين كانوا كارهين للمغلوبية فصارت سببا لمزيد سعادتهم وتمحيص ذنوبهم.

قال الراغب : أصل المحص تخليص الشيء مما فيه من عيب يقال محصت الذهب ومحصته إذا أزلت عنه ما يشوبه من خبث ، قال تعالى : «وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا » فالتمحيص هنا كالتزكية والتطهير.

الحديث السابع عشر : ضعيف كالموثق.

« جزى الله الدنيا عني مذمة » قوله : مذمة مفعول ثان لجزى أي يوفقني

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٤١.

٢٩٨

أتغدى بأحدهما وأتعشى بالآخر وبعد شملتي الصوف أتزر بإحداهما وأتردى بالأخرى.

١٨ ـ وعنه ، عن علي بن الحكم ، عن المثنى ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كان أبو ذررضي‌الله‌عنه يقول في خطبته يا مبتغي العلم كأن شيئا

_________________________________________

لأن أجزيه ، وقيل : أحال الذم إلى الله نيابة عنه للدلالة على كمال ذمه فإن كل فعل من الفاعل القوي قوي وفي النهايةالشملة كساء يتغطى به ويتلفف فيه ، انتهى.

ويدل على جواز لبس الصوف بل استحبابه وما ورد بالنهي والذم فمحمول على المداومة عليه أو على ما إذا لم يكن للقناعة بل لإظهار الزهد والفضل كما ورد في وصية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأبي ذررضي‌الله‌عنه : يلبسون الصوف في صيفهم وشتائهم ، يرون أن لهم بذلك الفضل على غيرهم ، وسيأتي الكلام فيه في أبواب التجمل إنشاء الله تعالى.

الحديث الثامن عشر : حسن.

« يا مبتغي العلم » أي يا طالبه« كان شيئا من الدنيا » هذا يحتمل وجوها :

« الأول » أن يكون إلا فيقوله : إلا ما ينفع ، كلمة استثناء وما موصولة ، فالمعنى أن ما يتصور في هذه الدنيا أما شيء ينفع خيره أو شيء يضر شره كل أحد إلا من رحم الله فيغفر له إما بالتوبة أو بدونها.

الثاني : أن يكون مثل السابق إلا أنه يكون المعنى أن كل شيء في الدنيا له جهة نفع وجهة ضر لكل الناس إلا من رحم الله فيوفقه للاحتراز عن جهة شره.

الثالث : أن يكون كلمة ما مصدرية والاستثناء من مفعول يضر أي ليس شيء من الدنيا شيئا إلا نفع خيره وإضرار شره كل أحد إلا من رحم الله.

الرابع : ما قيل : أن إلا بالتخفيف حرف تنبيه وما نافية والضميران للشيء ومعنى الاستثناء أن المرحوم ينتفع بخيره ولا يتضرر من شره ، وقيل في بيان هذا

٢٩٩

من الدنيا لم يكن شيئا إلا ما ينفع خيره ويضر شره إلا من رحم الله يا مبتغي العلم لا يشغلك أهل ولا مال عن نفسك أنت يوم تفارقهم كضيف بت فيهم ثم غدوت عنهم إلى غيرهم والدنيا والآخرة كمنزل تحولت منه إلى غيره وما بين الموت والبعث إلا

_________________________________________

الوجه : يعني أن شيئا من الدنيا ليس شيئا يعتد به ويركن إليه العاقل لأنه إما خير أو شر ، وخيره لا ينفع لأنه في معرض الفناء والزوال ، وشره يضر إلا مع رحمة الله وهو الذي عصمه من الشر.

الخامس : أن كلمة ما مصدرية وضمير خيره راجعا إلى شيئا من الدنيا والإضافة من قبيل إضافة الجزء إلى الكل والاستثناء من مفعول يضر أي كان شيئا من الدنيا لم يكن شيئا إلا نفع الطاعة فيه أو إضرار المعصية فيه كل أحد إلا من رحم الله بتوفيق التوبة ، وهذا يرجع إلى المعنى الثالث ، وعلي جميع التقادير الاستثناء الثاني مفرغ« عن نفسك » أي عن تحصيل ما ينفعها في يوم لا ينفع مال ولا بنون وقد قال تعالى : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ »(١) والمراد بالأهل هنا أعم من الزوجة والأولاد وسائر من في بيته ، بل يشمل الأقارب أيضا.

قال الراغب : أهل الرجل من جمعه وإياهم نسب أو دين أو ما يجري مجراهما من صناعة وبيت وبلد وضيعة ، فأهل الرجل في الأصل من جمعه وإياهم مسكن واحد ثم تجوز به فقيل أهل بيت الرجل لمن يجمعه وإياهم نسب ، وعبر بأهل الرجل عن امرأته وأهل الإسلام الذين يجمعهم.

قوله : كمنزل ، أي كمنزلين تحولت من أحدهما إلى الآخر ، والتصريح بتشبيه الدنيا للإشارة إلى أن الاهتمام هنا ببيان حاله أشد وأكثر ، والضمير في نمتها راجع إلى النومة وهو بمنزلة مفعول مطلق ، وهذا بالنسبة إلى المستضعفين ، وكان التخصيص بذكرهم لأن المتقين بعد الموت في النعيم والجنة ، والكفار في العذاب والنار ،

__________________

(١) سورة المنافقون : ٩.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399