مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل الجزء ١١

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل10%

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 399

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧
  • البداية
  • السابق
  • 399 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 135303 / تحميل: 5661
الحجم الحجم الحجم
مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل الجزء ١١

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

ثم اجتمع النور في وسط تلك الصور الخفيّة، فوافق ذلك صورة نبيّنا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال الله عزّ من قائل: أنت المختار المنتخب، وعندك مستودع نوري وكنوز هدايتي، من أجلك اسطّح البطحاء، واموج الماء، وأرفع السماء، وأجعل الثواب والعقاب، والجنّة والنار، وأنصب أهل بيتك للهداية، وأوتيهم من مكنون علمي ما لا يشكل عليهم دقيق، ولا يعييهم خفيّ، وأجعلهم حجّتي على بريّتي، والمنبّهين على قدرتي ووحدانيّتي.

ثم أخذ الله الشهادة عليهم بالربوبيّة، والإخلاص بالوحدانيّة.

فبعد أخذ ما أخذ من ذلك شاب ببصائر الخلق انتخاب محمّدا وآلهعليهم‌السلام ، وأراهم أنّ الهداية معه، والنور له، والإمامة في آله، تقديما لسنّة العدل، وليكون الأعذار متقدّما.

ثم أخفى الله الخليقة في غيبة، وغيّبها في مكنون علمه، ثم نصب العوالم، وبسط الزمان، وموّج الماء، وأثار الزبد، وأهاج الدخان، فطفى عرشه على الماء، فسطّح الأرض على ظهر الماء، ثم استجلبهما إلى الطاعة فأذعنتا بالاستجابة.

ثم أنشأ الله الملائكة من أنوار أبدعها، وأرواح اخترعها، وقرن توحيده بنبوّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فشهرت في السماء قبل بعثته في الأرض.

فلمّا خلق الله آدم أبان فضله للملائكة، وأراهم ما خصّه به من سابق العلم، حيث عرّفه عند استنبائه إيّاه أسماء الأشياء، فجعل الله آدم محرابا وكعبة وقبلة، أسجد إليها الأبرار والروحانيّين الأنوار.

ثم نبّه آدم على مستودعه، وكشف له عن خطر ما ائتمنه عليه، بعد ما سمّاه إماما عند الملائكة، فكان حظّ آدم من الخير ما أراه من مستودع نورنا.

ولم يزل الله تعالى يخبّئ النور تحت الزمان، الى أن وصل محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، في ظاهر الفترات، فدعا الناس ظاهرا وباطنا، ونبّههم سرّا وإعلانا، واستدعىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التنبيه على العهد الذي قدّمه إلى الذّر

١٢١

قبل النسل، فمن وافقه واقتبس من مصباح النور المقدّم اهتدى إلى سيره، واستبان واضح أمره، ومن ألبسته الغفلة استحقّ السخط.

ثم انتقل النور إلى غرائزنا، ولمع في أئمّتنا، فنحن أنوار السماء وأنوار الأرض، فبنا النجاة، ومنّا مكنون العلم، وإلينا يصير الأمور، وبمهدينا تنقطع الحجج، خاتمة الأئمّة، ومنقذ الأمّة، وغاية النور، ومصدر الأمور، فنحن أفضل المخلوقين، وأشرف الموحّدين، وحجج ربّ العالمين، فليهنأ بالنعمة من تمسّك بولايتنا وقبض عروتنا.

فهذا ما روي عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليهم‌السلام (١) ، انتهى. ولا أظنّ أحدا يروي هذا الخبر من غير إنكار ولا يكون إماميّا )(٢) .

وقوله رحمه‌الله : وكتاب إثبات الوصيّة ليس بنصّ. إلى آخره، كلام من لا عهد له بهذا الكتاب، ولم يظفر بنسخته، وإنّما استظهر من اسمه أنّه موضوع لإثبات وصايتهعليه‌السلام في بعض تركته، وقضاء ديونه، وإنجاز عداته(٣) ، وتجهيز جسده المباركصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ممّا تلقاه الأمّة على اختلاف مشاربهم بالقبول، ولو كان عثر عليه لعلم أنّه أحسن كتاب صنّف في هذا الباب، وفي إثبات وصاية عليّعليه‌السلام وإمامته، وأولاده الأطيابعليهم‌السلام ، فشرع في شرح خلقة صفيّ الله آدم، ومجمل أحواله، وذكر أسامي أوصيائه، مرتّبا إلى نوحعليه‌السلام ، ثم منه إلى إبراهيمعليه‌السلام ، ثم منه إلى موسىعليه‌السلام ، ثم منه إلى داودعليه‌السلام ، ثم منه إلى

__________________

(١) مروج الذهب ١: ٤٢ باختلاف في الألفاظ.

(٢) إلى هنا تنتهي الزيادة التي لم ترد في النسخة الخطية.

(٣) العدات: جمع عدة، وهي الوعد. لسان العرب ٣: ٤٦٢.

١٢٢

المسيحعليه‌السلام ، ثم منه إلى نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليهم، ومختصر من سيرتهم، والغالب أنّهم في كلّ طبقة اثنا عشر، ويذكر في آخر حال كلّ واحد منهم أن الله تعالى أوحى إليه أن يستودع التابوت، ومواريث الأنبياء إلى فلان.

ثم شرع في الجزء الثاني في حال خاتم الأنبياءصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ولادته إلى وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مختصرا.

ثم شرع في خلافة أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وذكر قصّة المتقدّمين عليه على طريقة الإماميّة، ومن جملة كلامه.

فأقام أمير المؤمنينعليه‌السلام ومن معه من شيعته في منازلهم، بما عهد إليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فوجّهوا إلى منزله فهجموا عليه، وأحرقوا بابه، واستخرجوه منه كرها، وضغطوا سيّدة النساءعليها‌السلام بالباب، حتى أسقطت محسنا، وأخذوه بالبيعة فامتنع، فقال: « لا أفعل » فقالوا: نقتلك، فقال: « إن تقتلوني فإنّي عبد الله وأخو رسوله » وبسطوا يده فقبضها وعسر عليهم فتحها، فمسحوا عليها وهي مضمومة.

ثمّ لقي أمير المؤمنينعليه‌السلام بعد هذا أحد القوم، فناشده الله وذكّره بأيّام الله، وقال له: « هل لك أن أجمع بينك وبين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى يأمرك وينهاك » فخرجا إلى قبا. إلى آخر القصّة.

قال: وهمّوا بقتل أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وتواصوا وتواعدوا بذلك، وأن يتولّى قتله خالد بن الوليد - إلى أن قال - وكان الموعد في قتله أنّه يسلّم إمامهم، فيقوم خالد إليه بسيفه، فأحسّوا بأسه، فقال الإمام قبل أن يسلّم: لا يفعلنّ خالد ما أمرته به، ثم كان من أقاصيصهم ما رواه الناس(١) .

ثم ساق حالاته، وبعض معاجزه، ووفاته، ونصّه على ابنه أبي محمّدعليه‌السلام ، وهكذا إلى صاحب الزمان صلوات الله عليه، وذكر في حال كلّ

__________________

(١) إثبات الوصية: ١٢٣ و ١٢٤.

١٢٣

إمام ولادته، وسيرته، ومعاجزه، ووفاته، على أحسن نظم وترتيب.

ومن طريف ما رواه في حال أبي جعفر الثانيعليه‌السلام قوله: وروي أنّهعليه‌السلام كان يتكلّم في المهد.

وروي عن زكريا بن آدم قال: إنّي لعند الرضاعليه‌السلام ، إذ جيء بأبي جعفرعليه‌السلام وسنّه نحو أربع سنين، فضرب بيده الأرض، ورفع رأسه إلى السماء فأطال الفكر، فقال له الرضاعليه‌السلام : « بنفسي أنت فيم تفكّر طويلا ( منذ قعدت )(١) .

فقال: فيما صنع بأمّي فاطمةعليها‌السلام ، أما والله لأخرجنّهما، ثم لأحرقنّهما، ثم لاذرينّهما، ثم لأنسفنّهما في اليمّ نسفا، فاستدناه وقبّل بين عينيه، ثم قال: أنت لها - يعني الإمامة - »(٢) .

وذكر في أحوال الحجّةعليه‌السلام النصوص على الأئمّة الاثني عشر، وقال في آخرها وهو آخر الكتاب: فلمّا أفضى الأمر إلى أبي محمدعليه‌السلام ، كان يكلّم شيعته الخواصّ وغيرهم من وراء الستر، إلاّ في الأوقات التي يركب فيها إلى دار السلطان، وإنّ ذلك إنّما كان منه ومن أبيه قبله، مقدّمة لغيبة صاحب الزمانعليه‌السلام ، لتألف الشيعة ذلك ولا تنكر الغيبة، وتجري العادة بالاحتجاب والاستتار.

وفي تسع عشرة سنة من الوقت - أي وقت إمامته عجّل الله تعالى فرجه - توفّي المعتمد، وبويع لأحمد بن الموفّق - وهو المعتضد - وذلك في رجب سنة تسع وسبعين ومائتين، ثمّ ذكر الخلفاء إلى عصره، ثم قال: وللصاحبعليه‌السلام منذ ولد إلى هذا الوقت، وهو شهر ربيع الأوّل، سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة، خمس وسبعون سنة وثمانية أشهر(٣) ، أقام مع أبيه أبي محمد على

__________________

(١) في المخطوطة والحجرية: فقعد، وما أثبتناه في المتن نقلناه عن المصدر.

(٢) إثبات الوصية: ١٨٤.

(٣) في المصدر: ست وسبعون سنة وأحد عشر شهرا ونصف شهر.

١٢٤

السلام أربع سنين وثمانية أشهر، ومنها منفردا بالإمامة إحدى وسبعون سنة(١) ، وقد تركنا بياضا لمن يأتي بعد والسلام، وهو آخر الكتاب(٢) .

وقال في مروج الذهب: وفي أيّام عثمان اقتنى جماعة من الصحابة الضياع والدور، منهم الزبير بن العوام بنى داره بالبصرة، وهي المعروفة في هذا الوقت، وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة، تنزلها التجّار وأرباب الأموال(٣) . إلى آخره. ويعلم من هذا أنّه صنّف كتاب إثبات الوصيّة في خلال أيّام تأليفه المروج، ومنه يعلم فساد احتمال كونه منهم في أيام تأليفه، ورجوعه بعد ذلك بملاحظة الكتاب المذكور.

هذا وقال الثقة الجليل محمّد بن إبراهيم النعماني في كتاب الغيبة، في باب ما نزل من القرآن في القائمعليه‌السلام : أخبرنا علي بن الحسين المسعودي، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار القمّي، قال: حدثنا محمد بن حسان(٤) الرازي، قال: حدثنا محمد بن علي الكوفي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي نجران، عن القاسم، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عزّ وجلّ:( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ) (٥) هي في القائمعليه‌السلام وأصحابه(٦) .

__________________

(١) في المصدر: اثنتان وسبعون سنة وشهورا.

(٢) إثبات الوصية: ٢٣١.

(٣) مروج الذهب ٢: ٣٣٢.

(٤) في المخطوطة والحجرية: الحسن، والذي أثبتناه هو ما اتفقت عليه كتب الرجال، انظر على سبيل المثال لا الحصر: رجال النجاشي ٣٣٨ / ٩٠٣ وفهرست الشيخ ١٤٧ / ٦١٧ ورجال العلامة: ٢٥٥ / ٤٣ وتنقيح المقال ٣: ٩٩ / ١٠٥٢٨ وكذلك المصدر.

(٥) الحج: ٢٢: ٣٩.

(٦) الغيبة للنعماني: ٢٤١.

١٢٥

وروي عنه في الكتاب المذكور - بهذا السند إلى الكوفي - في الأبواب المختصة مضامين أخبارها بالإماميّة أخبارا كثيرة:

ففي باب ما جاء في الإمامة والوصيّة، وأنّهما من الله عزّ وجلّ باختياره وأمانته، لا باختيار خلقه، بالسند المذكور، عن الكوفي، بإسناده عن زيد الشحام، قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : أيّما أفضل الحسن أو الحسينعليهما‌السلام ؟ قال: « إنّ فضل أوّلنا يلحق فضل آخرنا، وفضل آخرنا يلحق فضل أوّلنا، فكلّ له فضل » قال، فقلت له: جعلت فداك وسّع عليّ في الجواب، فإنّي والله ما أسألك إلاّ مرتادا، فقالعليه‌السلام : « نحن من شجرة برأنا الله تعالى من طينة واحدة، فضلنا من الله، وعلمنا من عند الله، ونحن أمناء الله على خلقه، والدعاة إلى دينه، والحجّاب فيما بينه وبين خلقه، أزيدك يا زيد؟ قال: نعم، فقال: خلقنا واحد، وعلمنا واحد، وفضلنا واحد، وكلّنا واحد عند الله عزّ وجلّ، فقلت: أخبرني بعدّتكم؟ فقال: نحن اثنا عشر، هكذا حول عرش ربّنا عزّ وجلّ وفي مبتدإ خلقنا، أوّلنا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأوسطنا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآخرنا محمد(١) ».

وبالسند عن الكوفي، بإسناده عن أبي حمزة الثمالي، قال: كنت عند أبي جعفر محمد بن علي الباقرعليهما‌السلام ذات يوم، فلمّا تفرّق من كان عنده قال: « يا أبا حمزة من المحتوم الذي لا تبديل له عند الله قيام قائمنا، فمن شكّ فيما أقول لقي الله وهو به كافر وله جاحد، ثمّ قال: بأبي وأمّي المسمّى باسمي، والمكنّى بكنيتي، والسابع من بعدي، بأبي من يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا(٢) . » الخبر.

وقس على الخبر سائر ما رواه عنه فيه، وإن لم يصفه بالمسعودي في كثير

__________________

(١) الغيبة للنعماني: ٨٥ والحديث في باب: ما روي في أن الأئمة اثنا عشر إماما.

(٢) الغيبة للنعماني: ٨٦.

١٢٦

من المواضع، إلاّ أنّ اتّحاد السند، وتوصيفه به في بعض المواضع، كاف للمستأنس بالطريقة، في ثبوت كونه المقصود في جميع المواضع، وفي بعضها: حدّثنا محمد بن يحيى العطار بقم، ولا يناسب صدور هذا الكلام عن علي بن الحسين بن بابويه الساكن فيه كما لا يخفى، ومن هنا ظهر أنّ ما فعله في الرياض - في مقام جمع مشايخ النعماني من عدّ المسعودي منهم دون ابن بابويه - في محلّه(١) .

__________________

(١) رياض العلماء ٥: ١٣، ولم نقف في ترجمة النعماني على ذكر مشايخه في النسخة المطبوعة.

١٢٧

٢٥ - كتاب دعائم الإسلام:

تأليف نعمان بن محمد بن منصور بن أحمد بن حيوان، قاضي مصر.

قال في البحار: قد كان أكثر أهل عصرنا(١) يتوهّمون أنّه تأليف الصدوق -رحمه‌الله - وقد ظهر لنا أنّه تأليف أبي حنيفة النعمان بن محمد بن منصور، قاضي مصر في أيام الدولة الإسماعيليّة، وكان مالكيّا أولا، ثم اهتدى وصار إماميّا، وأخبار هذا الكتاب أكثرها موافقة لما في كتبنا المشهورة، لكن لم يرو عن الأئمّة بعد الصادقعليه‌السلام ، خوفا من الخلفاء الإسماعيليّة، وتحت ستر التقيّة أظهر الحقّ لمن نظر فيه متعمّقا، وأخباره تصلح للتأييد والتأكيد.

قال ابن خلّكان: هو أحد الفضلاء المشار إليهم، ذكره الأمير المختار المسبّحي في تأريخه، فقال: كان من العلم، والفقه، والدين، والنبل، على ما لا مزيد عليه، وله عدّة تصانيف، منها كتاب اختلاف أصول المذاهب، وغيره، انتهى(٢) .

وكان مالكيّ المذهب، ثم انتقل إلى مذهب الإماميّة.

وقال ابن زولاق في ترجمة ولده علي بن النعمان: وكان أبوه النعمان بن محمد القاضي في غاية الفضل، من أهل القرآن والعلم، بمعانيه، وعالما بوجوه الفقه، وعلم اختلاف الفقهاء، واللّغة والشعر الفحل، والمعرفة بأيّام الناس، مع عقل وإنصاف، وألّف لأهل البيت من الكتب آلاف أوراق، بأحسن تأليف، وأملح سجع، وعمل في المناقب والمثالب كتابا حسنا، وله ردود على المخالفين: له ردّ على أبي حنيفة، وعلى مالك والشافعي، وعلى ابن سريج، وكتاب اختلاف الفقهاء ينتصر فيه لأهل البيتعليهم‌السلام (٣) .

__________________

(١) كذا في المصدر والحجرية، وفي المخطوطة: أهلنا.

(٢) أي كلام المختار المسبّحي في تأريخه ( تاريخ مصر )

(٣) وفيات الأعيان ٥: ٤١٥.

١٢٨

أقول : ثمّ ذكر كثيرا من فضائله وأحواله، ونحوه ذكر اليافعي وغيره.

وقال ابن شهرآشوب في كتاب معالم العلماء: القاضي النعمان بن محمد ليس بإماميّ، وكتبه حسان، منها شرح الأخبار في فضائل الأئمّة الأطهارعليهم‌السلام ، ذكر المناقب إلى الصادقعليه‌السلام ، الاتّفاق والافتراق، المناقب والمثالب [ الإمامة ] أصول المذاهب، الدّولة، الإيضاح، انتهى ما في البحار(١) .

وقال العلامة الطباطبائي في رجاله: نعمان بن محمد بن منصور، قاضي مصر، وقد كان بدو أمره مالكيّا، ثم انتقل إلى مذهب الإماميّة، وصنّف على طريق الشيعة كتبا، منها كتاب دعائم الإسلام، وله فيه وفي غيره ردود على فقهاء العامّة، كأبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وغيرهم.

وذكر صاحب تأريخ مصر: عن القاضي نعمان: إنّه كان من العلم والفقه، والدين والنبل، على ما لا مزيد عليه.

وكتاب الدعائم كتاب حسن جيّد، يصدّق ما قيل فيه، إلاّ أنّه لم يرو فيه عمّن بعد الصادق من الأئمةعليهم‌السلام ، خوفا من الخلفاء الإسماعيليّة، حيث كان قاضيا منصوبا من قبلهم بمصر، لكنّه قد أبدى من وراء ستر التقيّة مذهبه، بما لا يخفى على اللبيب(٢) .

وقال العالم المتبحّر الجليل السيّد حسين القزويني، في المبحث الخامس - من كتاب جامع الشرائع - في شرح حال المشايخ، وهو كرسالة لطيفة قال: النعمان بن محمد عالم فاضل، له كتاب دعائم الإسلام.

قال في البحار - وساق بعض ما نقلناه - وقال(٣) : وأخباره صالحة

__________________

(١) بحار الأنوار ١: ٣٨، معالم العلماء: ١٢٦ / ٨٥٣

(٢) رجال السيد بحر العلوم ٤: ٥ - ١٤.

(٣) أي القزويني.

١٢٩

للتأييد والتأكيد، ولما اشتهر [ من ] الفتوى بين العلماء الثقات ولم يوجد له مستند منسوب إلى الأئمة الأطهارعليهم‌السلام (١) .

وقال المحقّق النحرير الكاظمي في المقابس، في ذكر القائلين بعدم نجاسة الماء القليل بالملاقاة: وذهب إليه من القدماء صاحب دعائم الإسلام، كما يظهر من كلامه في هذا الكتاب - وساق بعض ما رواه فيه وبيّنه وشرحه - ثمّ قال: وهذا الرجل كما يلوح في كتابه من أفاضل الشيعة، بل الإماميّة، وإن لم يرو في كتابه إلاّ عن الصادق ومن قبله من الأئمّةعليهم‌السلام ، وقد ظهر للعلاّمة المجلسيقدس‌سره أنّ اسمه أبو حنيفة النعمان بن محمد بن منصور، قاضي مصر(٢) ، وذكر بعض ما مرّ(٣) .

وقال: وما في معالم السّروي من نفي كونه إماميّا منظور فيه، وقد ذكر السروي أنّ له كتبا حسانا في الإمامة، وفضائل الأئمّةعليهم‌السلام ، وغيرها، وعدّ منها كتابا في المناقب الى الصادقعليه‌السلام ، ولعلّ الوجه في اقتصاره عليهعليه‌السلام ما سبق(٤) ، مع احتمال كون [ مراد ](٥) من نسبه من العامّة إلى الإماميّة أنّه من الشيعة، لكنّه خلاف الظاهر والله يعلم.

وأكثر الأخبار التي أوردها في الدعائم موافقة لما في كتب أصحابنا المشهورة، وقال في أوّله: إنّه اقتصر فيه على الثابت الصحيح ممّا جاء عن الأئمّة، من أهل بيت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، من جملة ما اختلف فيه الرّواة عنهم، وإنّه إنّما أسقط الأسانيد طلبا للاختصار، إلاّ أنّه مع ذلك خالف

__________________

(١) انتهى كلام القزويني والزيادة التي بين المعقوفتين أثبتناها لمقتضى السياق.

(٢) مقابس الأنوار: ٦٥ - ٦٦.

(٣) من كلام العلامة المجلسيرحمه‌الله .

(٤) أي كونه قاضي مصر في أيام الدولة الإسماعيلية.

(٥) ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

١٣٠

فيه الأصحاب في جملة من الأحكام المعلومة عندهم، بل بعض ضروريّات مذهبهم كحلّيّة المتعة، فربّما كان مخالفته لهم هنا، وبقاؤه على مذهب مالك من هذا الباب، ولعلّه لبعض ما ذكر، ولعدم اشتهاره بين الأصحاب، وعدم توثيقهم له، وعدم تصحيحهم لحديثه أو كتابه، لم يورد صاحب الوسائل شيئا من أخباره، ولم يعدّ الدعائم من الكتب التي يعتمد عليها.

وقال صاحب البحار: ( إنّ أخباره تصلح للتأييد والتأكيد ) مع أنّ أخبار كثير من الأصول والمصنّفات يعتمد عليها وإن كان مؤلّفوها فاسدي المذهب كابن فضّال وغيره، فليعرف ذلك(١) ، انتهى.

وفي أمل الآمل: نعمان بن أبي عبد الله محمد بن منصور بن أحمد بن حيوان، أحد الأئمّة الفضلاء المشار إليهم(٢) ، ثم ساق بعض ما مرّ عن ابن خلّكان.

وذكره الشهيد الثالث القاضي نور الله في مجالسه في عداد علمائنا الأعلام، ورواة أخبارنا الكرام(٣) .

ولنرجع الى توضيح بعض ما ذكره هؤلاء المشايخ العظام، بما فيه قوّة اعتبار كتاب دعائم الإسلام، ويتمّ ذلك برسم أمور:

الأوّل في قول المجلسيقدس‌سره : قد كان أكثر أهل عصرنا. آخره. والظاهر أنّ سبب التوهّم عدّ الشيخ في الفهرست من كتب الصدوق كتاب دعائم الإسلام(٤) ، فظنّوا أنّه الموجود بأيدينا، ويرتفع ذلك بعد كثرة الاشتراك في أسامي الكتب، وبعد طريقة الصدوق عن تأليف مثله، بأنّه يظهر من مواضع(٥) منه أنّه كان في مصر، و(٦) مختلطا مع المنصور بالله، والمهدي بالله

__________________

(١) مقابس الأنوار: ٦٦.

(٢) أمل الآمل ٢: ٣٣٥ / ١٠٣٤.

(٣) مجالس المؤمنين ١: ٥٣٨.

(٤) الفهرست: ١٥٧ / ٦٩٥.

(٥) لم ترد في المخطوطة.

(٦) في الحجرية زيادة: أنه كان.

١٣١

من ملوك الفاطميّين(١) ، فراجع.

الثاني في قوله، وقول الجماعة: إنّه لم يرو عن الأئمّة بعد الصادقعليهم‌السلام . إلى آخره، والأمر كما قالوا إلاّ أنّي رأيت فيه الرواية عن أبي جعفر الثانيعليه‌السلام ، وعن الرضاعليه‌السلام ، ففي كتاب الوصايا: عن ابن أبي عمير(٢) أنّه قال: كنت جالسا على باب أبي جعفرعليه‌السلام ، إذ أقبلت امرأة، فقالت: استأذن لي على أبي جعفرعليه‌السلام ، قيل لها: وما تريدين منه، قالت: أردت أن أسأله عن مسألة، قيل لها: هذا الحكم، فقيه أهل العراق فاسأليه، قالت: إنّ زوجي هلك وترك ألف درهم، وكان لي عليه من صداقي خمسمائة درهم ( فأخذت صداقي وأخذت ميراثي، ثمّ جاء رجل فقال: لي عليه ألف درهم )(٣) وكنت أعرف له ذلك فشهدت بها، فقال الحكم: اصبري حتى أتدبّر في مسألتك وأحسبها، وجعل يحسب، فخرج إليه أبو جعفرعليه‌السلام وهو على ذلك، فقال: « ما هذا الذي تحرّك به أصابعك يا حكم » فأخبره، فما أتمّ الكلام حتى قال أبو جعفرعليه‌السلام : « أقرّت له بثلثي ما في يديها، ولا ميراث لها حتى تقضيه(٤) ».

والمراد به أبو جعفر الثانيعليه‌السلام قطعا، لأنّ ابن أبي عمير لم يدرك الصادقعليه‌السلام فضلا عن الباقرعليه‌السلام ، بل أدرك الكاظم عليه

__________________

(١) دعائم الإسلام ١: ٥٤ - ٥٥.

(٢) روى القاضي النعمان في دعائمه الحديث المذكور عن الحكم بن عيينة، بدلا من ابن أبي عمير، ورواه الشيخ الكليني في الكافي ٧: ٢٤ حديث ١ و ١٦٧ حديث ١، والشيخ الطوسي في التهذيب ٩: ١٦٤ حديث ٦٧١، والاستبصار ٤: ١١٤ حديث ٤٣٦ كلها عن الحكم بن عتيبة، والشيخ الصدوق في الفقيه ٤: ١٦٦ حديث ٥٧٩ عن الحكم بن عيينة، فعليه يكون استنتاج المصنف ( قده ) من أن المقصود بأبي جعفر في هذه الرواية هو الجوادعليه‌السلام ، وليس الباقرعليه‌السلام لرواية ابن أبي عمير عنه فيه تأمل، فلاحظ.

(٣) ما بين القوسين زيادة من الحجرية لم ترد في المخطوطة.

(٤) نسخة بدل: يقبضه ( مخطوط ). دعائم الإسلام ٢: ٣٦٠ / ١٣٠٩.

١٣٢

السلام ولم يرو عنه، وإنّما هو من أصحاب الرضا والجوادعليهما‌السلام ، وهو من مشاهير الرواة، بل الفقهاء العظام الذين لا يخفى عصرهم، وزمانهم وطبقتهم، على مثله من أهل العلم والفضل، وهذا ظاهر على الخبير المنصف.

وفي كتاب الوقوف: عن أبي جعفر محمد بن عليعليهما‌السلام ، أنّ بعض أصحابه كتب إليه: إنّ فلانا ابتاع ضيعة وجعل لك في الوقف الخمس(١) إلى آخر الخبر المروي في الكافي، والتهذيب، والفقيه، مسندا عن علي ابن مهزيار، قال: كتبت إلى أبي جعفرعليه‌السلام (٢) . إلى آخره، وعليّ من أصحاب الجواد والرضاعليهما‌السلام ، لم يدرك قبلهما من الأئمةعليهم‌السلام أحدا فلاحظ.

وفي كتاب الميراث: عن حذيفة بن منصور، قال: مات أخ لي وترك ابنته، فأمرت إسماعيل بن جابر أن يسأل أبا الحسن عليّا صلوات الله عليه عن ذلك، فسأله فقال: « المال كلّه لابنته »(٣) .

الثالث في تصريح الجماعة بأنّه أظهر الحقّ تحت أستار التقيّة لمن نظر فيه متعمّقا. وهو حقّ لا مرية فيه، بل لا يحتاج إلى التعمّق في النظر.

أمّا أولا : فلانّ الإسماعيليّة الخالصة كما صرّح به الشيخ الجليل الحسن ابن موسى النوبختي في كتاب الفرق، هم الذين أنكروا موت إسماعيل في حياة

__________________

(١) دعائم الإسلام ٢: ٣٤٤ / ١٢٩٠ كتاب العطايا، فصل: ذكر ما يجوز من الصدقة وما لا يجوز.

(٢) الكافي ٧: ٣٦ حديث ٣٠، والتهذيب ٩: ١٣٠ حديث ٥٥٧، والفقيه ٤: ١٧٨ حديث ٦٢٨.

(٣) لم نعثر على هذه الرواية في النسخة المطبوعة من الدعائم، ولم نعثر عليها في الكتب الحديثية ولعلها مذكورة في نسخته.

١٣٣

أبيه، وقالوا: كان ذلك على جهة التلبيس من أبيه على الناس، لأنّه خاف فغيّبه عنهم، وزعموا أنّ إسماعيل لا يموت حتى يملك الأرض يقوم بأمر الناس، وأنّه هو القائم(١) .

وأمّا الباطنيّة منهم فلهم ألقاب كثيرة، ومقالات شنيعة، وزعموا كما في الكتاب المذكور أنّ الله عزّ وجلّ بدا له في إمامة جعفرعليه‌السلام وإسماعيل، فصيّرها في محمد بن إسماعيل.

وزعموا أنّه حيّ لم يمت، وأنّه يبعث بالرسالة، وبشريعة جديدة ينسخ بها شريعة محمّد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّه من اولي العزم.

وأولو العزم عندهم سبعة: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمّد، وعلي - صلوات الله عليهما وآلهما - ومحمّد بن إسماعيل، على أنّ السموات سبع، وأنّ الأرضين سبع، وأنّ الإنسان بدنه سبع: يداه، ورجلاه، وظهره، وبطنه، وقلبه، وأنّ رأسه سبع: عيناه، وأذناه، ومنخراه وفمه، وفيه لسانه - كصدره الذي فيه قلبه - وأنّ الأئمّة كذلك، وقلبهم محمد بن إسماعيل، وأنّ الله تبارك وتعالى جعل له جنّة آدم، ومعناها عندهم الإباحة للمحارم، وجميع ما خلق في الدنيا، وهو قول الله عزّ وجلّ:( وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ ) (٢) : [ أي ](٣) موسى بن جعفر بن محمد، وولدهعليهم‌السلام من بعده من ادّعى الإمامة منهم.

وزعموا أنّه خاتم النبيّين الذي حكاه الله عزّ وجلّ في كتابه.

وزعموا أنّ جميع الأشياء التي فرضها الله عزّ وجلّ على عباده، وسنّها نبيّه

__________________

(١) فرق الشيعة: ٧٩.

(٢) البقرة ٢: ٣٥.

(٣) ما بين المعقوفتين أثبتناه من المصدر.

١٣٤

وأمر بها، لها ظاهر وباطن، وأنّ جميع ما استعبد الله به العباد في الظاهر من الكتاب والسنّة، فأمثال مضروبة، وتحتها معان هي بطونها، وعليها العمل، وفيها النجاة، وأنّ ما ظهر منها ففي استعمالها الهلاك والشقاء، وهي جزء من العذاب الأدنى، عذّب الله به قوما إذ لم يعرفوا الحقّ، ولم يقولوا به.

الى غير ذلك من مقالاتهم الشنيعة، التي نسبها إليهم في الكتاب المذكور(١) ، وغيره في تصانيفهم في هذا الباب.

وأنت خبير بأنّه ليس في كتاب الدعائم ذكر لإسماعيل، ولا لمحمد أصلا في موضع منه، حتى في مقام إثبات الإمامة، وردّ مقالات العامّة وأئمّتهم الأربعة، فكيف يرضى المنصف أن ينسب إليه هذا المذهب؟! ولا يذكر في كتابه اسم إمامه أو نبيّه، مع أنّ خلفاء عصره الذين كان هو في قاعدة سلطنتهم، ومنصوبا للقضاوة من قبلهم، المدّعين انتهاء نسبهم الى محمد بن إسماعيل، المستولين على بلاد المغاربة، ومصر الإسكندرية، وغيرها، كانوا في الباطن من الباطنية - كما صرّح به العالم الخبير البصير السيد المرتضى الرازي، في كتاب تبصرة العوام(٢) - وكان دعاتهم متفرّقين في البلاد، ومنهم الحسن الصبّاح المعروف في خلافة المستنصر منهم، ومع ذلك ليس فيه إشارة إلى هذا المذهب، وفي مواضع لا بدّ من الإشارة إليه لو كان ممّن يميل إليه.

وأمّا ثانيا : فلأنّه صرّح في كتابه بكفر الباطنيّة وضلالتهم، وخروجهم عن الدين، فإنّه قال في باب ذكر منازل الأئمّةعليهم‌السلام ، وتنزيههم ممّن وضعهم بغير مواضعهم، وتكفيرهم من ألحد فيهم ما لفظه.

أئمّة الهدى صلوات الله عليهم ورحمته وبركاته، خلق مكرّمون من خلق

__________________

(١) فرق الشيعة: ٨٤ - ٨٥.

(٢) تبصرة العوام: ١٨١.

١٣٥

الله جلّ جلاله، وعباد مصطفون من عباده، افترض طاعة كلّ إمام منهم على أهل عصره، وأوجب عليهم التسليم لأمره، وجعلهم هداة خلقه إليه، وأدلاّء عباده عليه، وقرن طاعتهم في كتابه بطاعته وطاعة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهم حجج الله على خلقه، وخلفاؤه في أرضه.

ليس كما زعم الضالّون المفترون بآلهة غير مربوبين، ولا بأنبياء مرسلين - إلى أن قال - ولمّا كان أولياء الله الأئمّة الطاهرين، حجج الله التي احتجّ بها على خلقه، وأبواب رحمته التي فتح لعباده، وأسباب النجاة التي سبّب لأوليائه وأهل طاعته، ومن لا يقبل العمل إلاّ بطاعتهم، ولا يجازى بالطاعة إلاّ من تولاّهم وصدّقهم، كان الشيطان أشدّ عداوة لأوليائهم وأهل طاعتهم، ليستزلّهم كما استزلّ أبويهم من قبلهم، فاستزلّ كثيرا منهم واستغواهم(١) ، واستهواهم، فصاروا إلى الحور بعد الكور(٢) ، والى الشقوة بعد السعادة، والى المعصية بعد الطاعة.

وقصد الشيطان كلّ امرئ منهم من حيث يجد السبيل اليه والى الإجلاب بخيله ورجله عليه، فمن كان منهم قصير العلم، متخلّف الفهم ممّن تابع هواه، استفزّه واستغواه، واستزلّه فمال إلى الجحد لهم والنفاق عليهم، والخروج عن طاعتهم والكفر بهم، والانسلاخ من معرفتهم.

ومن كان قد برع في العلم وبلغ حدود الفهم، فاستزلّه وخدعه ودخل إليه، من باب محبوبة، وموضع رغبته، ومكان طلبته، فبيّن(٣) له زخرف التأويل، ونمّق له قول الأباطيل، فأغراه بالفكرة في تعظيم شأنهم، ورفع

__________________

(١) ورد هنا في الحجرية والمصدر زيادة: وسول لهم.

(٢) في الدعاء: نعوذ بالله من الحور بعد الكور، أي نعوذ بالله من الرجوع إلى النقصان بعد الزيادة والتمام، انظر مجمع البحرين ٤: ٢٧٩.

(٣) نسخة بدل: فزين ( مخطوطة )، وكذا في المصدر.

١٣٦

مكانهم، وقرّب منه الوسائل، وأكّد له الدلائل على أنّهم آلهة غير مربوبين، أو أنبياء مرسلون، أمكنه من ذلك ما أمكنه فيه، وتهيأ له منه ما تجرّأ به عليه، ودخل إلى طبقة ثالثة من مدخل الشبهات، واستثقال الفرائض الواجبات، وأباح لهم المحارم، وسهّل عليهم العظائم، في رفض فرائض الدين، والخروج من جملة المسلمين، بفاسد أقام لهم من التأويل، ودلّهم عليه بأسوء دليل، فصاروا إلى الشّقوة والخسران، وانسخلوا من جملة الإيمان.

نسأل الله العصمة من الزّيغ، والخروج من الدنيا سالمين، غير ناكثين ولا مارقين، ولا مبدّلين، ولا مغضوب علينا ولا ضالّين(١) .

ثم ذكر قصّة الغلاة في عصر أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وإحراقه إيّاهم بالنار، ثم قال: وكان في أعصار الأئمّة من ولدهعليهم‌السلام من مثل ذلك، ما يطول الخبر بذكرهم، كالمغيرة بن سعيد وكان من أصحاب أبي جعفر محمد بن عليعليهما‌السلام ودعاته، فاستزلّه الشيطان - إلى أن قال -: واستحلّ المغيرة وأصحابه المحارم كلّها وأباحوها، وعطّلوا الشرائع وتركوها، وانسلخوا من الإسلام جملة، وبانوا من جميع شيعة الحقّ، وأتباع الأئمّةعليهم‌السلام ، وأشهر أبو جعفرعليه‌السلام لعنهم، والبراءة منهم.

ثمّ كان أبو الخطّاب في عصر جعفر بن محمدعليهما‌السلام من أجلّ دعاته، ثمّ أصابه ما أصاب المغيرة فكفر وادّعى أيضا النبوّة، وزعم أنّ جعفراعليه‌السلام إلها، تعالى الله عزّ وجلّ عن قوله، واستحلّ المحارم كلّها، ورخّص لأصحابه فيها، وكانوا كلّما ثقل عليهم أداء فرض أتوه، فقالوا: يا أبا الخطّاب خفّف عنّا، فيأمرهم بتركه، حتى تركوا جميع الفرائض، واستحلّوا جميع المحارم، وأباح لهم أن يشهد بعضهم لبعض بالزور، وقال: من عرف الإمام حلّ له كلّ شيء كان حرم عليه، فبلغ أمره جعفر بن محمد عليهما

__________________

(١) دعائم الإسلام ١: ٤٥ - ٤٧.

١٣٧

السلام، فلم يقدر عليه بأكثر من أن لعنه وتبرّأ منه، وجمع أصحابه فعرّفهم ذلك، وكتب إلى البلدان بالبراءة منه وباللعنة عليه، وعظم أمره على أبي عبد اللهعليه‌السلام ، واستفظعه واستهاله.

ثمّ ساق بعض الأخبار في ذلك، قال: وروينا عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه كتب إلى بعض أوليائه، وقد كتب إليه بحال قوم قبله، ممّن انتحل الدعوة: تعدّوا الحدود، واستحلّوا المحارم، واطّرحوا الظاهر.

فكتب إليه أبو عبد الله جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، بعد أن وصف حال القوم: « وذكرت أنّه بلغك أنّهم يزعمون أنّ الصلاة، والزكاة، وصوم شهر رمضان، والحجّ والعمرة، والمسجد الحرام، والبيت الحرام، والمشاعر، والشهر الحرام، إنّما هو رجل، والاغتسال من الجنابة رجل، وكلّ فريضة فرضها الله تبارك وتعالى على عباده هو رجل، وإنّهم ذكروا أنّ من عرف ذلك الرجل فقد اكتفى بعلمه من غير عمل، وقد صلّى، وأدّى الزكاة، وصام وحجّ البيت واعتمر، واغتسل من الجنابة وتطهّر، وعظّم حرمات الله والشّهر الحرام، والمسجد الحرام، وأنّهم زعموا أنّ من عرف ذلك وثبت في قلبه، جاز له أن يتهاون، وليس عليه أن يجتهد، وأنّ من عرف ذلك الرجل فقد قبلت منه هذه الحدود لوقتها، وإن هو لم يعملها.

وأنّه بلغك أنّهم يزعمون أنّ الفواحش التي نهى الله تعالى. عنها الخمر، والميسر، والزنا، والربا، والميتة، والدم، ولحم الخنزير أشخاص، وذكروا أنّ الله عزّ وجلّ إنّما حرّم من نكاح الأمّهات، والبنات، والأخوات، والعمّات، والخالات، وما حرّم على المؤمنين من النساء، إنّما عنى بذلك نساء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما سوى ذلك فمباح، وبلغك أنّهم يترادفون نكاح المرأة الواحدة، ويتشاهدون بعضهم لبعض بالزور، ويزعمون أنّ لهذا ظهرا وبطنا يعرفونه، وأنّ الباطن هو الذي يطالبون به، وبه أمروا.

وكتبت تسألني عن ذلك، وعن حالهم وما يقولون، فأخبرك أنّه من كان

١٣٨

يدين الله بهذه الصفة التي كتبت تسأل عنها، فهو عندي مشرك بيّن الشرك، ولا يسع لأحد أن يشكّ فيه »(١) . إلى آخر الخبر الشريف الطويل، الذي رواه سعد بن عبد الله في بصائره، ومحمّد بن الحسن الصفار في أواخر بصائر الدرجات، وفيهما: إنّ الذي كتب إليهعليه‌السلام هو المفضل بن عمر(٢) ، ولا يخفى أنّ صاحب هذه المقالات الشنيعة هو أبو الخطاب وأصحابه.

وقال الشيخ المقدّم الحسن بن موسى النوبختي في كتاب المقالات: فأمّا الإسماعيلية فهم الخطابيّة، أصحاب أبي الخطاب محمّد بن أبي زينب الأسدي الأجدع، وقد دخلت منهم فرقة في فرقة محمّد بن إسماعيل، وأقرّوا بموت إسماعيل بن جعفرعليه‌السلام في حياة أبيه، وهم الذين خرجوا في حياة أبي عبد الله جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، فحاربوا عيسى بن موسى بن علي بن عبد الله بن العباس، فبلغه عنهم أنّهم أظهروا الإباحات، ثم ساق قصّة مقاتلتهم وهلاكهم(٣) .

ثمّ أنّ الظاهر من كتب المقالات أنّ الإسماعيليّة كلّهم منكرون للشرائع، تاركون للفرائض، مستبيحون للمحارم، ولذا يذكرون - إذا بلغوا إلى شرح حالهم - أنّهم لقّبوا بسبعة ألقاب، منها الباطنيّة بالمعنى الذي أشرنا إليه، صرّح بذلك السيد المرتضى الرازي في تبصرة العوام، وغيره.

ووافقنا على ذلك السيد الفاضل المعاصررحمه‌الله في الروضات، في ترجمة جلال الرومي حيث قال: الإسماعيليّة وإن كانوا في ظاهر دعاويهم الكاذبة، من جملة فرق الشيعة المنكرين لخلافة غير أمير المؤمنينعليه‌السلام ، إلاّ أنّ الغالب عليهم الإلحاد، والزندقة، والمروق عن الدين، والخروج عن

__________________

(١) دعائم الإسلام ١: ٤٨ - ٥٢.

(٢) بصائر الدرجات: ٥٤٦، ومختصر بصائر الدرجات: ٧٨.

(٣) فرق الشيعة: ٨٠ - ٨١.

١٣٩

دائرة الموحّدين، والملّيّين، وأتباع النبيّين، انتهى(١) .

ولعلّه لذلك لم يتعرّض شيخ الطائفةرحمه‌الله في كتاب الغيبة لإبطال مذهبهم، كما تعرّض لإبطال مذهب الكيسانيّة، والناوسيّة، والواقفيّة، والفطحيّة، وغيرها، لظهور فساد مذهبهم عند جميع فرق المسلمين.

ومن ذلك كلّه ظهر أنّ نسبة هذا العالم الجليل، صاحب هذا المؤلّف الشريف إلى هذا المذهب السخيف، افتراء عظيم.

وأمّا ثالثا : فلأنّ لأرباب هذا المذهب ودعاته قواعد واصطلاحات ورموزا وإشارات، لا أثر لها في هذا الكتاب، ولا إشارة فيه إليها، فعندهم أنّه لا بدّ في كلّ عصر من سبعة، بهم يقتدون، وبهم يؤمنون، وبهم يهتدون، وهم متفاوتون في الرتب: إمام يؤدي عن الله وهو غاية الأدلّة إلى دين الله. وحجّة يؤدّي عن الإمام يحمل علمه. وذو مصّة يمصّ العلم من الحجّة أي يأخذه منه، فهذه ثلاثة. وأبواب وهم الدعاة: فداع أكبر هو رابعهم، يرفع درجات المؤمنين. وداع مأذون يأخذ العهود على الطالبين من أهل الظاهر، فيدخلهم في ذمّة الإمام، ويفتح لهم باب العلم والمعرفة وهو خامسهم. ومكلّب قد ارتفعت درجته في الدين، ولكن لم يؤذن له في الدعوة، بل في الاحتجاج على الناس، فهو يحتجّ ويرغّب إلى الداعي، ككلب الصائد، حتى إذا احتجّ على أحد من أهل الظاهر، وكسر عليه مذهبه بحيث رغب عنه، وطلب الحقّ، أدّاه المكلّب إلى الداعي المأذون ليأخذ عليه العهود، وإنّما سمّي مكلّبا لأنّ مثله مثل الجارح يحبس الصيد على الصائد، على ما قاله تعالى:( وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ ) (٢) وهو سادسهم. ومؤمن يتبع الداعي، وهو الذي أخذ عليه العهد، وآمن وأيقن بالعهد، ودخل في ذمّة الإمام وحزبه وهو سابعهم.

__________________

(١) روضات الجنات ٨: ٧١.

(٢) المائدة: ٥: ٤.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

الكبائر ».

[١٣٢٦٣] ٢١ - دعائم الاسلام: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنه قال: « من الكبائر [ الشرك بالله و ](١) قتل المؤمن متعمدا، والفرار يوم الزحف(٢) ، وأكل الربا بعد البينة، وأكل مال اليتيم ظلما، والتعرب بعد الهجرة، ورمي المحصنات الغافلات المؤمنات ».

[١٣٢٦٤] ٢٢ - الشيخ أبو الفتوح الرازي في تفسيره: عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال: « أكبر الكبائر أن تجعل لله ندا، وهو خلقكم، ثم إن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك، ثم إن تزني بحليلة جارك ».

[١٣٢٦٥] ٢٣ - عوالي اللآلي: روي أن رجلا من الصحابة سأله فقال: يا رسول الله، ما الكبائر؟ قال: « هن تسع أعظمهن الشرك بالله، وقتل النفس بغير حق، وفرار من الزحف، والسحر، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، وقذف المحصنة، وعقوق الوالدين المسلمين، واستحلال البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتا - ثم قال - من لم يعمل هذه الكبائر، ويقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويقيم على ذلك، الا رافق محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ».

[١٣٢٦٦] ٢٤ - وروي في حديث آخر: « إن الكبائر أحد عشر، أربع في الرأس: الشرك بالله عز وجل، وقذف المحصنة، واليمين الفاجرة، وشهادة الزور، وثلاث في البطن: أكل مال الربا، وشرب الخمر، وأكل مال اليتيم، وواحدة في الرجل، وهي الفرار من الزحف، وواحدة في الفرج، وهي الزني، وواحدة في اليدين وهي قتل النفس، وواحة في جميع البدن وهي

__________________

٢١ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٥٧ ح ١٦١١.

(١) أثبتنا من المصدر.

(٢) في المصدر زيادة: إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة.

٢٢ - عوالي أبي الفتوح الرازي ح ٣ ص ٢٧٦.

٢٣ - عوالي اللآلي ج ١ ص ٨٨ ح ٢١.

٢٤ - عوالي اللآلي ج ١ ص ٨٨ ح ٢٢.

٣٦١

عقوق الوالدين ».

[١٣٢٦٧] ٢٥ - السيد فضل الله الراوندي في نوادره: بإسناده عن موسى بن جعفر، عن آبائه، عن عليعليهم‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الكبائر أربع، الا شراك بالله، والقنوط من رحمة الله، ( واليأس من روح الله )(١) ، والأمن [ من ](٢) مكر الله ».

٤٧ -( باب في صحة التوبة من الكبائر)

[١٣٢٦٨] ١ - العياشي في تفسيره: عن قتيبة الأعشى قال: سألت الصادقعليه‌السلام ، في قوله تعالى:( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) (١) قال: « دخل في الاستثناء كل شئ ».

وفي رواية أخرى، عنه (عليه‌السلام (: « دخل الكبائر في الاستثناء »(٢) .

[١٣٢٦٩] ٢ - وعن أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: « رحم الله عبدا لم يرض نفسه أن يكون إبليس نظيرا له في دينه، وفي كتاب الله نجاة من الردى، وبصيرة من العمى، ودليل إلى الهدى، وشفاء لما في الصدور، فيما أمركم الله به من الاستغفار مع التوبة، قال الله:( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ) (١) وقال:( ومن

__________________

٢٥ - نوادر الراوندي ص ١٦.

(١) ليس في المصدر.

(٢) أثبتنا من المصدر.

الباب ٤٧

١ - تفسير العياشي ج ١ ص ٢٤٦ ح ١٥١.

(١) النساء ٤: ٤٨.

(٢) تفسير العياشي ج ١ ص ٢٤٦ ح ١٥٢.

٢ - تفسير العياشي ج ١ ص ١٩٨ ح ١٤٣.

(١) آل عمران ٣: ١٣٥.

٣٦٢

يعمل سوء أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما ) (٢) فهذا ما أمر الله به من الاستغفار واشترط معه التوبة(٣) والاقلاع عما حرم الله، فإنه يقول:( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) (٤) وهذه الآية تدل على أن الاستغفار لا يرفعه إلى الله إلا العمل الصالح والتوبة(٥) ».

[١٣٢٧٠] ٣ - وعن ابن سنان، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سألته عن المؤمن يقتل المؤمن متعمدا له توبة، قال: « إن كان قتله لايمانه فلا توبة له، وإن كان قتله لغضب، أو بسبب شئ من أمور الدنيا، فإن توبته أن يقاد منه » الخبر، وفي هذا المعنى أخبار كثيرة يأتي في محله.

[١٣٢٧١] ٤ - الصدوق في الأمالي: عن محمد بن إبراهيم بن إسحاق، عن أحمد بن محمد الهمداني، عن أحمد بن صالح بن سعد التميمي، عن موسى بن داود، عن الوليد بن هشام، عن هشام بن حسان، عن الحسن بن أبي الحسن البصري، عن عبد الرحمن بن غنم الدوستي(١) قال: دخل معاذ بن جبل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله باكيا، فسلم فردعليه‌السلام ، ثم قال: « ما يبكيك يا معاذ؟ » فقال: يا رسول الله، إن بالباب شابا طري الجسد نقي اللون حسن الصورة، يبكي على شبابه بكاء الثكلى على ولدها، يريد الدخول عليك، فقال النبي ( صلى الله عليه

__________________

(٢) النساء ٤:١١٠.

(٣) في المصدر: بالتوبة.

(٤) فاطر ٣٥: ١٠.

(٥) في نسخة « فإن العمل الصالح التوبة ».

٣ - تفسير العياشي ج ١ ص ٢٦٧ ح ٢٣٩.

٤ - أمالي الصدوق ص ٤٥.

(١) كذا في الحجرية، وفي المصدر « الدرسي » وفي أسد الغابة ج ٣ ص ٣١٨ عبد الرحمن بن غنم الأشعري وهكذا في تهذيب التهذيب ج ٦ ص ٢٥٠، وراجع ترجمة معاذ بن جبل أيضا في أسد الغابة ج ٤ ص ٣٧٨ وترجمة الحسن بن أبي الحسن البصري في تهذيب التهذيب ج ٢ ص ٢٦٣ ح ٤٨٨.

٣٦٣

وآله ): « ادخل علي الشباب يا معاذ: فادخله عليه، فسلم فردعليه‌السلام ، ثم قال: « ما يبكيك يا شاب؟ » قال: كيف لا أبكي وقد ركبت ذنوبا لو أخذني الله عز وجل ببعضها أدخلني نار جهنم؟ ولا أراني إلا سيأخذني بها ولا يغفر لي أبدا، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « هل أشركت بالله شيئا؟ » قال: أعوذ بالله أن أشرك بربي شيئا، قال: « أقتلت النفس التي حرم الله؟ » قال: لا، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « يغفر الله لك ذنوبك وإن كانت مثل الجبال الرواسي » قال الشاب: فإنها أعظم من الجبال الرواسي، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « يغفر الله لك ذنوبك وإن كانت مثل الأرضين السبع، وبحارها ورمالها وأشجارها وما فيها من الخلق » ( قال الشاب: فإنها أعظم من الأرضين السبع، وبحارها ورمالها وأشجارها وما فيها من الخلق )(٢) فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « يغفر الله لك ذنوبك، وإن كانت مثل السماوات ونجومها، ومثل العرش والكرسي » قال: فإنها أعظم من ذلك، قال: فنظر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إليه كهيئة الغضبان، ثم قال: « ويحك يا شاب، ذنوبك أعظم أم ربك!؟ » فخر الشاب على وجهه وهو يقول: سبحان ربي، ما شئ أعظم من ربي، ربي أعظم يا نبي الله من كل عظيم، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « فهل يغفر لك الذنب العظيم إلا الرب العظيم!؟ » الخبر.

[١٣٢٧٢] ٥ - وفي الخصال: عن محمد بن ماجيلويه، عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن علي بن الحسين الرقي، عن عبد الله بن جبلة، عن الحسن بن عبد الله، عن آبائه، عن جده الحسن بن عليعليهما‌السلام - في حديث طويل - إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال في جواب نفر من اليهود، سألوه عن مسائل: « وأما شفاعتي، ففي

__________________

(٢) ما بين القوسين ليس في المصدر.

٥ - الخصال ص ٣٥٥.

٣٦٤

أصحاب الكبائر، ما خلا أهل الشرك والظلم ».

[١٣٢٧٣] ٦ - أبو علي في أماله: عن أبيه الشيخ الطوسي، عن هلال بن محمد الحفار، عن إسماعيل بن علي الدعبلي، عن محمد بن إبراهيم(١) بن كثير، قال: دخلنا على أبي نؤاس الحسن بن هانئ، نعوده في مرضه الذي مات فيه، فقال له عيسى بن موسى الهاشمي: يا أبا علي، أنت في آخر يوم من أيام الدنيا، وأول يوم من أيام الآخرة، وبينك وبين الله هنات(٢) ، فتب إلى الله عز وجل، قال أبو نؤاس: سندوني، فلما استوى جالسا قال: إياي تخوف(٣) بالله، حدثني حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لكل نبي شفاعة، وأنا خبأت شفاعتي لأهل الكبائر(٤) » افترى لا أكون منهم؟

[١٣٢٧٤] ٧ - علي بن إبراهيم في تفسيره: في قوله تعالى:( ومن يقتل مؤمنا متعمدا ) (١) الآية، قال: ومن قتل مؤمنا على دينه لم تقبل توبته، ومن قتل نبيا أو وصي نبي فلا توبة له، لأنه لا يكون مثله فيقاد به، وقد يكون الرجل بين المشركين واليهود والنصارى، يقتل رجلا من المسلمين على أنه مسلم، فإذا دخل في الاسلام(٢) يجب ما كان قبله أي - يمحو - لان أعظم الذنوب عند اله هو الشرك بالله، فإذا قبلت توبته في الشرك، قبلت في ما سواه، فأما قول الصادقعليه‌السلام : « ليست له توبة » فإنه عنى من قتل

__________________

٦ - أمالي الطوسي ج ١ ص ٣٨٩.

(١) كان في الحجرية إسماعيل وما أثبتنا من المصدر ومعاجم الرجال راجع لسان الميزان ج ٥ ص ٢٣ ح ٨٨ و ج ٧ ص ١١٥ ح ١٢٥٨.

(٢) هنات. جمع هنة وهي السيئة والفساد والشر. ( لسان العرب ج ١٥ ص ٣٦٦ ).

(٣) في الطبعة الحجرية « تخوفني »، والظاهر ما أثبتنا هو الصواب.

(٤) في المصدر زيادة: من أمتي يوم القيامة.

٧ - تفسير القمي ج ١ ص ١٤٨.

(١) النساء ٤: ٩٣.

(٢) في المصدر زيادة: محاه الله عنه لقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الاسلام.

٣٦٥

نبيا أو وصيا فليست له توبة، لأنه لا يقاد أحد بالأنبياء إلا الأنبياء، وبالأوصياء إلا الأوصياء، والأنبياء والأوصياء لا يقتل بعضهم بعضا، وغير النبي والوصي(٣) فيقاد به، وقاتل النبي والوصي(٤) فيقاد به، وقاتل النبي والوصي لا يوفق للتوبة.

[١٣٢٧٥] ٨ - ثقة الاسلام، عن محمد بن علي بن معمر، عن محمد بن علي بن عكاية، عن الحسين بن النضر الفهري، عن أبي عمرو الأوزاعي، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: « قال أمير المؤمنينعليه‌السلام ، في خطبة طويلة، ولا شفيع أنجح من التوبة ».

[١٣٢٧٦] ٩ - القطب الراوندي في لب اللباب: مرسلا قال: « أوحى الله إلى داود: لو أن عبدا من عبادي عمل حشو الدنيا ذنوبا، ثم ندم حلبة شاة واستغفرني مرة واحدة، فعلمت من قلبه أن لا يعود إليها، ألقيها عنه أسرع من هبوط القطر من السماء إلى الأرض ».

٤٨ -( باب تحريم الاصرار بالذنب، ووجوب المبادرة بالتوبة والاستغفار)

[١٣٢٧٧] ١ - الجعفريات: بإسناده عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أربعة من علامة الشقاء: جمود العينين(١) وشدة الحرص في طلب الدنيا، والاصرار على الذنب ».

__________________

(٣)، (٤) في المصدر زيادة: لا يكون مثل النبي والوصي.

٨ - الكافي ج ٨ ص ١٩.

٩ - لب اللباب: مخطوط.

الباب ٤٨

١ - الجعفريات ص ١٦٨.

(١) في المصدر زيادة: وقسوة القلب.

٣٦٦

[١٣٢٧٨] ٢ - العياشي في تفسيره: عن جابر، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، في قول الله تعالى:( ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ) (١) قال: « الاصرار أن يذنب العبد ولا يستغفر، ولا يحدث نفسه بالتوبة، فذلك الاصرار ».

[١٣٢٧٩] ٣ - المفيد في الإختصاص: عن أبي عبد اللهعليه‌السلام : « أنه روي أن للمنافق أربع من علامات النفاق: قساوة القلب، وجمود العين، والاصرار على الذنب، والحرص على الدنيا ».

[١٣٢٨٠] ٤ - القاضي أبو عبد الله محمد بن سلامة القضاعي في كتاب الشهاب: عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال: « لا كبيرة مع استغفار، ولا صغيرة مع إصرار ».

[١٣٢٨١] ٥ - القطب الراوندي في لب اللباب: عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: « أربعة في الذنب شر من الذنب: الاستحقار، والافتخار، والاستبشار، والاصرار ».

[١٣٢٨٢] ٦ - ثقة الاسلام في الكافي: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن فضال، عن حفص المؤذن، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، أنه قال في رسالته إلى أصحابه: « وإياكم والاصرار على شئ مما حرم الله في ظهر القرآن وبطنه، وقد قال الله:( ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ) (١) يعني المؤمنين قبلكم، إذا نسوا شيئا مما اشترط في كتابه، عرفوا أنهم قد

__________________

٢ - تفسير العياشي ج ١ ص ١٩٨ ح ١٤٤.

(١) آل عمران ٣: ١٣٥.

٣ - الاختصاص ص ٢٨.

٤ - شهاب الاخبار ص ١٠٦ ح ٥٧٥.

٥ - لب اللباب: مخطوط.

٦ - الكافي ج ٨ ص ١٠ ح ١.

(١) آل عمران ٣: ١٣٥.

٣٦٧

عصوا الله في تركهم ذلك الشئ، فاستغفروا ولم يعودوا إلى تركه، وذلك معنى قول الله:( ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ) (٢) ». الخبر.

[١٣٢٨٣] ٧ - الآمدي في الغرر: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنه قال: « أعظم الذنوب ذنب أصر عليه صاحبه ».

وقالعليه‌السلام : « عجبت لمن علم شدة انتقام الله وهو مقيم على الاصرار »(١) .

وقالعليه‌السلام : « الاصرار أعظم حوبة(٣) ».

وقالعليه‌السلام : « الاصرار يجلب النقمة »(٤) .

وقالعليه‌السلام : « المعاودة للذنب(٥) اصرار »(٦) .

وقالعليه‌السلام : « إياك والاصرار، فإنه من أكبر الكبائر وأعظم الجرائم، إياك والمجاهرة بالفجور، فإنها من أشد المآثم »(٧) .

وقالعليه‌السلام : « أعظم الذنوب عند الله ذنب أصر عليه عامله »(٨) .

وقالعليه‌السلام : « من اصر على ذنبه اجترأ على(٩) ربه »(١٠) .

__________________

(٢) آل عمران ٣: ١٣٥.

٧ - الغرر ج ١ ص ٢٠٣ ح ٤٤٠.

(١) الغرر ج ٢ ص ٤٩٤ ح ١٢.

(٢) الغرر ج ١ ص ٥٦ ح ١٥٣٢.

(٣) الحوبة: الاثم والذنب ( لسان العرب ج ١ ص ٣٤٠ ).

(٤) الغرر ج ١ ص ٣٦ ح ١١١٢.

(٥) في المصدر: إلى الذنب.

(٦) الغرر ج ١ ص ٤٢ ح ١٢٥٧.

(٧) الغرر ج ١ ص ١٥١ ح ٤٨، ٤٩.

(٨) الغرر ج ١ ص ١٩٢ ح ٢٠٩.

(٩) في المصدر زيادة: سخط.

(١٠) الغرر ج ٢ ص ٦٨١ ح ١١٠٢.

٣٦٨

٤٩ -( باب جملة مما ينبغي تركه من الخصال المحرمة والمكروهة)

[١٣٢٨٤] ١ - الجعفريات: بإسناده عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام ، أنه قال: « وأركان الكفر أربعة: الرغبة، والرهبة، والغضب، والشهوة ».

[١٣٢٨٥] ٢ - وبهذا الاسناد: عن عليعليه‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ثلاثة يطفين نور العبد: من قطع ود أبيه، أو خضب شيبته بسواد، أو وضع بصره في الحجرات من غير أن يؤذن له ».

[١٣٢٨٦] ٣ - وبهذا الاسناد قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ثلاثة لا ينظر الله إليهم: المنان بالفعل، وعاق والديه، ومدمن الخمر ».

[١٣٢٨٧] ٤ - وبهذا الاسناد: عن عليعليه‌السلام ، قال: « ثلاث موبقات: نكث البيعة، وترك السنة، وفراق الجماعة ».

[١٣٢٨٨] ٥ - وبهذا الاسناد: عنهعليه‌السلام ، قال: « ثلاث من شرار الخلق: شيخ جهول، وغني ظالم، وفقير فخور ».

[١٣٢٨٩] ٦ - وبهذا الاسناد: عنهعليه‌السلام ، قال: « تسعة أشياء من تسعة ( أنفس، هن منهم أقبح من غيرهم )(١) ضيق الذرع من الملوك،

__________________

الباب ٤٩

١ - الجعفريات ص ٢٣٢.

٢ - الجعفريات ص ١٩١.

٣ - الجعفريات ص ١٨٧.

٤ - الجعفريات ص ٢٣١.

٥ - الجعفريات ص ٢٣٩.

٦ - الجعفريات ص ٢٣٤.

(١) ما بين القوسين في المصدر: أنفسهن منهن أقبح من غيرهن.

٣٦٩

والبخل من الأغنياء، وسرعة الغضب من العلماء، والصبا من الكهول، والقطيعة ( من الرؤوس )(٢) ، والكذب من القضاة، والزمانة من الأطباء، والبذاء من النساء، والبطش من ذوي السلطان ».

[١٣٢٩٠] ٧ - السيد فضل الله الراوندي في نوادره: بإسناده عن موسى بن جعفر، عن آبائهعليهم‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - في حديث -: بئس القوم قوم لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر، ( بئس القوم قوم يقذفون الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر )(١) ، بئس القوم قوم لا يقومون لله تعالى بالقسط، بئس القوم قوم يقتلون الذين يأمرون بالقسط في الناس، بئس القوم قوم يكون الطلاق عندهم أوثق من عهد الله تعالى، بئس القوم قوم جعلوا طاعة إمامهم دون طاعة الله، بئس القوم قوم يختارون الدنيا على الدين، بئس القوم قوم يستحلون المحارم والشهوات والشبهات » الخبر.

[١٣٢٩١] ٨ - وبهذا الاسناد: عن عليعليه‌السلام ، قال: « خطبنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - إلى أن قال - قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : بئس العبد عبد له وجهان، يقبل بوجه ويدير بوجه، إن أوتي أخوه المسلم خيرا حسده، وإن ابتلي خذله، بئس العبد عبد أوله نطفة ثم يعود جيفة، ثم لا يدري ما يفعل به فيما بين ذلك، بئس العبد عبد خلق للعبادة فألهته العاجلة عن الأجلة، فاز بالرغبة العاجلة وشقي بالعاقبة، بئس العبد عبد تجبر واختال ونسي الكبير المتعال، بئس العبد عبد عا وبغى ونسي الجبار الأعلى، بئس العبد عبد له هوى يضله ونفس تذله، بئس العبد عبد له طمع يقوده إلى طبع ».

__________________

(٢) ليس في المصدر.

٧ - نوادر الراوندي ص ٢٦.

(١) ما بين القوسين ليس في المصدر.

٨ - نوادر الراوندي ص ٢٢.

٣٧٠

[١٣٢٩٢] ٩ - السيد علي بن طاووس في فلاح السائل: بإسناده عن الشيخ هارون بن موسى التلعكبري، عن ابن عقدة، عن محمد بن مسلم بن جهان(١) ، عن عبد العزيز، عن الحسن بن علي، عن سنان، عن عبد الواحد، عن رجل، عن معاذ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال في حديث: « يا معاذ فاقطع لسانك عن إخوانك، وعن حملة القرآن، ولتكن ذنوبك عليك ولا تحملها على إخوانك، ولا تزك نفسك بتذميم إخوانك(٢) ، ولا تراء بعملك، ولا تدخل من الدنيا في الآخرة، ولا تفحش في مجلسك لكيلا يحذروك بسوء خلقك، ولا تناج مع رجل وعندك آخر، ولا تتعظم على الناس فتنقطع عنك خيرات الدنيا، ولا تمزق الناس فتمزقك كلاب النار(٣) ، قال الله تعالى:( والناشطات نشطا ) (٤) أتدري ما الناشطات؟ كلاب أهل النار تنشط(٥) العظم واللحم » قلت: من يطيق هذه الخصال؟ قال: « يا معاذ، أما أنه يسير على من يسر الله عليه » الخبر.

ورواه ابن فهد في عدة الداعي: نقلا عن أبي محمد جعفر بن أحمد بن علي القمي، في كتابه المنبئ عن زهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بإسناده عن عبد الواحد، عمن حدثه، عن معاذ، مثله(٦) .

[١٣٢٩٣] ١٠ - الآمدي في الغرر: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنه قال: « ينبغي للعاقل أن يحترس من سكر المال، وسكر القدرة، وسكر العلم، وسكر المدح، وسكر الشباب، فإن لكل ذلك رياحا خبيثة، تسلب العقل وتستخف الوقار ».

__________________

٩ - فلاح السائل ص ١٢٤.

(١) في المصدر: جبهان.

(٢) وفيه زيادة: ولا ترفع نفسك بوضع إخوانك.

(٣) في المصدر: أهل النار.

(٤) النازعات ٧٩: ٢.

(٥) النشط: العض أو الانتزاع، بسرعة ( لسان العرب ) ج ٧ ص ٤١٤ ).

(٦) عدة الداعي ص ٢٢٩.

١٠ - الغرر ج ٢ ص ٨٦٢ ح ٢٧.

٣٧١

[١٣٢٩٤] ١١ - أبو محمد الفضل بن شاذان في كتاب الغيبة: حدثنا عبد الرحمن بن أبي نجرانرضي‌الله‌عنه ، قال: حدثنا عاصم بن حميد قال: حدثنا أبو حمزة الثمالي، عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن العباس قال: حججنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حجة الوداع، فأخذ بحلقه باب الكعبة وأقبل بوجهه علينا، فقال: « معاشر الناس، ألا أخبركم بأشراط الساعة؟؟ قالوا: بلى، يا رسول الله، قال، من أشراط الساعة: إضاعة الصلوات، واتباع الشهوات، والميل مع الأهواء، وتعظيم المال، وبيع الدين بالدنيا، فعندها يذوب قلب المؤمن في جوفه كما يذوب الملح في الماء، مما يرى من المنكر، فلا يستطيع أن يغيره، فعندها يليهم أمراء جورة، ووزراء فسقة، وعرفاء ظلمة، وأمناء خونة، فيكون عندهم المنكر معروفا، والمعروف منكرا، ويؤتمن الخائن في ذلك الزمان، ويصدق الكاذب، ويكذب الصادق، وتتأمر النساء، وتشاور الإماء، ويعلو الصبيان على المنابر، ويكون الكذب عندهم ظرافة، فلعنة الله على الكاذب وإن كان مازحا، وأداء الزكاة أشد التعب عليهم خسرانا ومغرما عظيما، ويحقر الرجل والديه ويسبهما، ويبرأ [ من ](١) صديقه، ويجالس عدوه، وتشارك الرجل(٢) زوجها في التجارة، ويكتفي الرجال بالرجال والنساء بالنساء، ويغار على الغلمان كما يغار على الجارية في بيت أهلها، وتشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال، وتركبن ذوات الفروج على السروج، وتزخرف المساجد كما تزخرف البيع والكنائس، وتحلى المصاحف، وتطول المنارات، وتكثر الصفوف، ويقل الاخلاص، ويؤمهم قوم يميلون إلى الدنيا، ويحبون الرئاسة الباطلة، فعندها قلوب المؤمنين متباغضة، وألسنتهم مختلفة، وتحلى ذكور أمتي بالذهب، ويلبسون الحرير والديباج وجلود السمور(٣) ، ويتعاملون بالرشوة

__________________

١١ - كتاب الغيبة:

(١) أثبتنا لاستقامة المتن.

(٢) كذا، والظاهر أن المقصود: المرأة.

(٣) السمور: دابة تعمل من جلودها فراء غالية الأثمان وهو أسود الوبر. ( لسان العرب ( سمر ) ج ٤ ص ٣٨٠ ).

٣٧٢

والربا، ويضعون الدين ويرفعون الدنيا، ويكثر الطلاق والفراق، والشك والنفاق، ولن يضروا الله شيئا، وتظهر الكوبة(٤) والقينات والمعازف، والميل إلى أصحاب الطنابير والدفوف والمزامير، وسائر آلات اللهو، ألا ومن أعان أحدا منهم بشئ من الدينار والدرهم والألبسة والأطعمة وغيرها، فكأنما زنى مع أمه سبعين مرة في جوف الكعبة، فعندها يليهم أشرار أمتي، وتنتهك المحارم، وتكتسب(٥) المآثم، وتسلط الأشرار على الأخيار، ويتباهون في اللباس، ويستحسنون أصحاب الملاهي والزانيات، فيكون المطر قيظا، ويغيظ الكرام غيظا، ويفشوا الكذب، وتظهر الحاجة، وتفشو الفاقة، فعندها يكون أقوام يتعلمون القرآن لغير الله، فيتخذونه مزامير، ويكون أقوام يتفقهون لغير الله، ويكثر أولاد الزنى، ويتغنون بالقرآن، فعليهم من أمتي لعنة الله، وينكرون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى يكون المؤمن في ذلك الزمان أذل من الأمة، ويظهر قراؤهم وأئمتهم فيما بينهم التلاوم والعداوة، فأولئك يدعون في ملكوت السماوات والأرض الأرجاس والأنجاس، وعندها يخشى الغني من الفقير أن يسأله، ويسأل الناس في محافلهم فلا يضع أحد في يده شيئا، وعندها يتكلم من لم يكن متعلما، فعندها ترفع البركة، ويمطرون في غير أوان المطر، وإذا دخل الرجل السوق فلا يرى أهله إلا ذاما لربهم، هذا يقول: لم أبع، وهذا يقول: لم أربح شيئا، فعندها يملكهم قوم، إن تكلموا قتلوهم، وإن سكتوا استباحوهم، يسفكون دماءهم، ويملؤون قلوبهم رعبا، فلا يراهم أحد إلا خائفين مرعوبين، فعندها يأتي قوم من المشرق وقوم من المغرب، فالويل لضعفاء أمتي منهم، والويل لهم من الله، لا يرحمون صغيرا، ولا يوقرون كبيرا، ولا يتجافون عن شئ، جثتهم جثة الآدميين، وقلوبهم قلوب الشياطين،

__________________

(٤) الكوبة: الطبل والشطرنج والنرد وأمثالها من آلات اللهو ( مجمع البحرين ( كوب ) ج ٢ ص ١٦٤ ).

(٥) في نسخة: « وتكتب ».

٣٧٣

فلم يلبثوا هناك إلا قليلا، حتى تخور(٦) الأرض خورة، حتى يظن كل قوم أنها خارت في ناحيتهم، فيمكثون ما شاء الله، ثم يمكثون في مكثهم، فتلقي لهم الأرض أفلاذ كبدها، قال: ذهبا وفضة، ثم أومأ بيده إلى الأساطين، قال: فمثل هذا، فيومئذ لا ينفع ذهب ولا فضة، ثم تطلع الشمس من مغربها، معاشر الناس، إني راحل عن قريب ومنطلق إلى المغيب، فأودعكم وأوصيكم بوصية فاحفظوها، إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبدا، معاشر الناس إني منذر وعلي هاد، والعاقبة للمتقين، والحمد لله رب العالمين ».

[١٣٢٩٥] ١٢ - كتاب عاصم بن حميد الحناط: عن أبي حمزة، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: « صعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المنبر، فقال ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم(١) : شيخ زان، وملك جبار، ومقل مختال، ».

[١٣٢٩٦] ١٣ - كتاب حسين بن عثمان: عن الحسين بن مختار، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: « إن الله عز وجل يبغض الغني الظلوم، والشيخ الفاجر، والصعلوك المختال(١) ، قال: ثم قال: أتدري ما الصعلوك المختال(٢) ؟ » قال: قلت: القليل المال، قال: « لا، ولكنه الغني الذي لا يتقرب إلى الله بشئ من ماله ».

[١٣٢٩٧] ١٤ - الشهيدرحمه‌الله في الدرة الباهرة: عن الصادقعليه‌السلام ،

__________________

(٦) أرض خوارة: لينة سهلة، والخور: الضعف، يقال: ريح خوار، إذا كان مهتزا ( لسان العرب ج ٤ ص ٢٦٢ )، فالمراد اهتزاز الأرض وما أشبه من الحوادث العظيمة.

١٢ - أصل عاصم بن حميد الحناط ص ٢٧.

(١) في المصدر زيادة: ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم.

١٣ - كتاب حسين بن عثمان ص ١٠٩.

(١) في المصدر: المحتال.

(٢) في المصدر: المحتال.

١٤ - الدرة الباهرة ص ٣٤.

٣٧٤

قال: « يهلك الله ستا لست: الأمراء بالجور، والعرب بالعصبية، والدهاقين بالكبر، والتجار بالخيانة، وأهل الرساتيق بالجهالة، والفقهاء بالحسد ».

ورواه المفيد في الإختصاص: عنهعليه‌السلام ، مثله(١) .

[١٣٢٩٨] ١٥ - جعفر بن أحمد القمي في كتاب الغايات: عن رسول الله ( لى الله عليه وآله )، أنه قال: « شر الناس من سافر وحده، ومنع رفده، وأكل زاده وضرب عبده، ونزل وحده، ثم قال: يا علي، ألا أنبئك بشر من هذا؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: من يبغض الناس ويبغضونه، ثم قال: ألا أخبرك بشر منه؟ قلت: بلى، قال: من لا يرجى خيره، ولا يؤمن شره ».

[١٣٢٩٩] ١٦ - جامع الأخبار: عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال: « يأتي على الناس زمان، وجوههم وجوه الآدميين، وقلوبهم قلوب الشياطين، كأمثال الذئاب الضواري، سفاكون للدماء، لا يتناهون عن منكر فعلوه، إن تابعتهم ارتابوك، وإن حدثتهم كذبوك، وإن تواريت عنهم اغتابوك، السنة فيهم بدعة، والبدعة فيهم سنة، والحليم بينهم غادر، والغادر بينهم حليم، والمؤمن بينهم مستضعف، والفاسق فيما بينهم مشرف، صبيانهم عارم(١) ، ونساؤهم شاطر(٢) ، وشيخهم لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، الالتجاء إليهم خزي، والاعتذار(٣) بهم ذل، وطلب ما في أيديهم فقر، فعند ذلك يحرمهم الله قطر السماء في أوانه،

__________________

(١) الاختصاص ص ٢٣٤.

١٥ - الغايات ص ٩١.

١٦ - جامع الأخبار ص ١٥٠.

(١) العارم: الخبيث الشرير ( لسان العرب ج ١٢ ص ٣٩٥ ).

(٢) الشاطر: الذي أعي أهله خبثا. ( مجمع البحرين ج ٣ ص ٣٤٦ ).

(٣) في المصدر: الاعتزاز.

٣٧٥

وينزله في غير أوانه، ويسلط عليهم شرارهم، فيسومونهم سوء العذاب، ويذبحون أبناءهم، ويستحيون [ نساءهم ](٤) ، فيدعوا خيارهم، فلا يستجاب لهم ».

[١٣٣٠٠] ١٧ - وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال: « سيأتي على الناس زمان، بطونهم آلهتهم، ونساؤهم قبلتهم، ودنانيرهم دينهم، وشرفهم متاعهم، ولا يبقى من الايمان إلا اسمه، ومن الاسلام إلا رسمه، ومن القرآن إلا درسه، مساجدهم معمورة من البناء، وقلوبهم خراب عن الهدى، علماؤهم أشر خلق الله على وجه الأرض، حينئذ زمان ابتلاهم الله بأربع خصال: جور من السلطان، وقحط من الزمان، وظلم من الولاة والحكام، فتعجب الصحابة وقالوا: يا رسول الله أيعبدون الأصنام؟ قال: نعم، كل درهم عندهم صنم ».

[١٣٣٠١] ١٨ - وقال رسول ( اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ): « سيأتي زمان على أمتي، يفرون من العلماء كما يفر الغنم عن الذئب، ابتلاهم الله تعالى بثلاثة أشياء الأول: يرفع البركة من أموالهم، والثاني: سلط الله عليهم سلطانا جائرا، والثالث: يخرجون من الدنيا بلا إيمان ».

[١٣٣٠٢] ١٩ - وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « يأتي زمان على أمتي، أمراؤهم يكونون على الجور، وعلماؤهم على الطمع، وعبادهم على الرياء، وتجارهم على أكل الربا، ونساؤهم على زينة الدنيا، وغلمانهم في التزويج، فعند ذلك كساد أمتي ككساد الأسواق، وليس فيها مستام، أمواتهم(١) آيسون في قبورهم من خيرهم، ولا يعيشون(٢) الأخيار فيهم، فإن في ذلك الزمان

__________________

(٤) أثبتناه من المصدر.

١٧ - جامع الأخبار ص ١٥١.

١٨ - جامع الأخبار ص ١٥١.

١٩ - جامع الأخبار ص ١٥٢.

(١) في المصدر: الأموات.

(٢) وفيه: يعينون.

٣٧٦

الهرب خير من القيام ».

[١٣٣٠٣] ٢٠ - وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « يأتي زمان على أمتي لا يعرفون العلماء إلا بثوب حسن، ولا يعرفون القرآن إلا بصوت حسن، ولا يعبدون الله إلا بشهر رمضان، فإذا كان ذلك سلط الله عليهم سلطنا لا علم له، ولا حلم له، ولا رحم له ».

[١٣٣٠٤] ٢١ - السيد هبة الله في المجموع الرائق: عن مجموعة لبعض القدماء فيها ست خطب من خطب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، كانت في خزانة كتب السيد علي بن طاووس وعليها خطه، منها الخطبة المعروفة باللؤلؤية: حدثنا الشيخ الإمام الزاهد العابد أبو الحسن علي بن عبد الله، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أبو يوسف يعقوب الحريمي قال: حدثنا أبو حبش الهروي قال: حدثنا عبيد الله بن عبد الرزاق، عن أبيه، عن جده، عن أبي سعيد الخدري، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: رقى أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام منبر البصرة خطيبا، فخطب خطبة بليغة، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: « يا أهل العراقين الكوفة والبصرة، أغنياؤكم بالشام وفقراؤكم بالبصرة » قال جابر: يا أمير المؤمنين، ومتى يكون ذلك؟ قال: « إذا ظهر في أمة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله في المشاجرة ستون خصلة  - إلى أن قال - إذا وقع الموت في الفقهاء والعلماء، وعمرت الأشرار والسفهاء، وضيعت أمة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله الصلوات، واتبعت الشهوات، وقلت الأمانات، وكثرت الخيانات، وشربوا القهوات، ولعبوا بالشامات، وناموا عن العتمات، وتفاكهوا بشتم الاباء والأمهات، ورفعوا الأصوات في المساجد بالخصومات، وجعلوها مجالس للتجارات، وغشوا في البضاعات، ولم يخشوا النقمات، وأكثروا من السيئات، وأقلوا من الحسنات، وعصوا رب السماوات، وصار مطرهم قيظا، وولدهم غيظا، وقبلت القضاة

__________________

٢٠ - جامع الأخبار ص ١٥٢.

٢١ - المجموع بالرائق:

٣٧٧

الرشاء، وأدت الحقوق النساء، وقل الحياء، وبرح الخفاء، وانكشف الغطاء، وأظلم الهواء، واسود الأفق، وخيفت الطرق، واشتد البأس، وانفسد الناس، وقربت الساعة، وشنئت(١) القناعة، وكثرت الأشرار، وقلت الأخيار، وانقطعت الاسفار، وظهرت الاسرار، وكثر اللواط، وجارت السلاطين، واستحوذت الشياطين، وضعف الدين، وأكلوا مال اليتيم، ونهروا المساكين، وصارت المداهنة في القضاة، والحروب في السلاطين، والسفاهة في سائر الناس، وتكافأ الرجال بالرجال والنساء بالنساء، وزخرفوا الجدارات، وعلوا على القصور، وشهدوا بالزور، وضاقت المكاسب، وعزت المطالب، واستصغروا العظائم، وعلت الفروج على السروج، فحينئذ تصير السنة كالشهر، والشهر كالأسبوع، والأسبوع كاليوم، واليوم كالساعة، والساعة لا قيمة لها » قال جابر قلت: ومتى يكون ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال: « إذا عمرت الزوراء - إلى أن قال - فحينئذ يظهر في آخر الزمان أقوام، وجوههم وجوه الآدميين وقلوبهم قلوب الشياطين، سفاكون الدماء أمثال الذئاب الضواري، إن تابعتهم عابوك، وإن غبت عنهم اغتابوك، فالحليم فيهم غاو، والغاوي فيهم حليم، والمؤمن فيهم مستضعف، والفاسق فيهم شريف، صبيهم عارم، وشابهم شاطر، وشيخهم منافق، لا يوقر صغيرهم كبيرهم، ولا يعود غنيهم فقيرهم، والالتجاء إليهم خزي، وطلب ما في أيديهم فقر، والعز بهم ذل، إخوان العلانية أعداء السريرة، فحينئذ يسلط الله عليهم أشرارهم، ويدعو خيارهم فلا يستجاب لهم دعاؤهم، فعند ذلك تأخذ السلاطين بالأقاويل، والقضاة بالبراطيل(٢) ، والفقهاء بما يحكمون بالتأويل، والصالحون يأكلون الدنيا بالدين » الخبر.

وهذه الخطبة طويلة معروفة، قد نقل بعض أجزائها ابن شهرآشوب في

__________________

(١) شنأ الشئ: كرهه وأبغضه. ( مجمع البحرين ( شنا ) ج ١ ص ٢٥٢ ).

(٢) البراطيل: جمع برطيل، وهو الرشوة. ( القاموس المحيط ج ٣ ص ٣٤٤ ).

٣٧٨

المناقب(٣) ، وبعضها الشيخ حسن سليمان الحلي في منتخب البصائر.

[١٣٣٠٥] ٢٢ - البحار، عن أعلام الدين للديلمي: قال: روت أم هانئ بنت أبي طالبعليه‌السلام [ عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ](١) أنه قالعليه‌السلام : « يأتي على الناس زمان إذا سمعت باسم رجل خير من أن تلقاه، فإذا رأيته لقيته خيرا من أن تجربه، ولو جربته أظهر لك أحوالا، دينهم دراهمهم، وهمهم بطونهم، وقبلتهم نساؤهم، يركعون للرغيف، ويسجدون للدرهم، حيارى سكارى، لا مسلمين ولا نصارى ».

[١٣٣٠٦] ٢٣ - القطب الراوندي في لب اللباب: وروي أن ملكا ينادي من الكعبة: من ترك فرائض الله خرج من أمان الله، وينادي مناد من بيت المقدس: ألا من كان قوته حراما رد الله عليه عمله، وينادي مناد من قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من ترك سنة هذا النبي برئ من شفاعته.

[١٣٣٠٧] ٢٤ - وفي قصص الأنبياء: بإسناده إلى الصدوق، عن علي بن أحمد، عن محمد بن جعفر الأسدي، عن سهل بن زياد، عن عبد العظيم الحسني، عن علي بن محمد العسكريعليهما‌السلام - في حديث في قصة نوح - قال: « وجاء إبليس إلى نوحعليه‌السلام فقال: إن لك عندي يدا عظيمة، فانتصحني فإني لا أخونك، ( فتأثم نوح [ من ](١) كلامه )(٢) ومساءلته، فأوحى الله إليه: أن كلمه وسله(٣) ، فإني سأنطقه بحجة عليه،

__________________

(٣) مناقب ابن شهرآشوب ج ٢ ص ٢٧٣.

٢٢ - البحار ج ٧٤ ص ١٦٦ عن أعلام الدين ص ٩٣.

(١) أثبتنا من البحار.

٢٣ - لب اللباب: مخطوط.

٢٤ - قصص الأنبياء ص ٦٤، وعنه في البحار ج ١١ ص ٢٣٩.

(١) أثبتنا من البحار.

(٢) في المصدر: فتألم نوح بكلامه.

(٣) ليس في المصدر.

٣٧٩

فقال نوح ( صلوات الله عليه ): تكلم، فقال إبليس: إذا وجدنا ابن آدم شحيحا، أو حريصا، أو حسودا، أو جبارا، أو عجولا، تلقفناه تلقف الكرة فإذا اجتمعت لنا هذه الأخلاق سميناه شيطانا مريدا » الخبر.

[١٣٣٠٨] ٢٥ - العلامة الأردبيلي في حديقة الشيعة: نقلا عن السيد المرتضى ابن الداعي الحسيني الرازي، بإسناده عن الشيخ المفيد، عن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، عن أبيه محمد بن الحسن، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن عبد الله، عن محمد بن عبد الجبار، عن الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام ، أنه قال لأبي هاشم الجعفري: « يا أبا هاشم، سيأتي زمان على الناس وجوههم ضاحكة مستبشرة، وقلوبهم مظلمة متكدرة(١) ، السنة فيهم بدعة، والبدعة فيهم سنة، المؤمن بينهم محقر، والفاسق بينهم موقر، أمراؤهم جاهلون جائرون، وعلماؤهم في أبواب الظلمة [ سائرون ](٢) ، أغنياؤهم يسرقون زاد الفقراء، وأصاغرهم يتقدمون على الكبراء، وكل جاهل عندهم خبير، وكل محيل عندهم فقير، لا يميزون بين المخلص والمرتاب، لا يعرفون الضأن من الذئاب، علماؤهم شرار خلق الله على وجه الأرض، لأنهم يميلون إلى الفلسفة والتصوف، وأيم الله إنهم من أهل العدول والتحرف، يبالغون في حب مخالفينا، ويضلون شيعتنا وموالينا، إن نالوا منصبا لم يشبعوا عن الرشاء، وإن خذوا عبدوا الله على الرياء، ألا إنهم قطاع طريق المؤمنين، والدعاة إلى نحلة الملحدين، فمن أدركهم فليحذرهم، وليصن دينه وإيمانه، ثم قال: يا أبا هاشم هذا ما حدثني أبي، عن آبائه جعفر بن محمدعليهم‌السلام ، وهو من أسرارنا، فاكمته إلا عن أهله ».

__________________

٢٥ - حديقة الشيعة ص ٥٩٢.

(١) في المصدر: منكدرة.

(٢) أثبتنا من المصدر.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399