مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل الجزء ١١

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل20%

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 399

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧
  • البداية
  • السابق
  • 399 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 132028 / تحميل: 5300
الحجم الحجم الحجم
مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل الجزء ١١

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

ودونكم مردا، ولتكن مقاتلتكم من وجه واحد واثنين، واجعلوا رقباءكم في صياصي(٤) الجبال وبأعلى الاشراف وبمناكب الأنهار، يريئون لكم، لئلا يأتيكم عدوكم من مكان مخافة أو أمن، وإذا نزلتم فانزلوا جمعيا وإذا رحلتم فارحلوا جميعا، وإذا غشيكم الليل فنزلتم فحفوا عسكركم بالرماح والترسة(٥) ، واجعلوا رماتكم يلون ترستكم، كيلا تصاب لكم غرة ولا تلقى لكم غفلة، واحرس عسكرك بنفسك، وإياك أن ترقد أو تصبح إلا غرارا(٦) أو مضمضة(٧) ، ثم ليكن ذلك شأنك ودأبك حتى تنتهي إلى عدوك، وعليك بالتأني في حزبك(٨) وإياك والعجلة إلا أن تمكنك فرصة، وإياك أن تقاتل إلا أن يبدؤوك أو يأتيك أمري، والسلام عليك ورحمة الله ).

١٥ -( باب حكم المحاربة بالقاء السم والنار، وارسال الماء، ورمي المنجنيق، وحكم من يقتل بذلك من المسلمين)

[١٢٣٨٢] ١ - الجعفريات: أخبرنا عبد الله، أخبرنا محمد، حدثني موسى قال: حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه، عن عليعليهم‌السلام : ( أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، نهى أن يلقى السم في بلاد المشركين ).

__________________

(٤) الصياصي: الحصون ( لسان العرب ج ٧ ص ٥٢ - صيص ).

(٥) الترسة: جمع ترس، وهو من أدوات الحرب التي كانوا يحتمون بها من ضربات السيوف ( مجمع البحرين ج ٤ ص ٥٦ ).

(٦) الغرار: النوم القليل، وقيل: هو القليل من النوم وغيره ( لسان العرب ج ٥ ص ١٧ ( غرر ) ).

(٧) مضمضة: في حديث عليعليه‌السلام ( ولا تذوقوا النوم إلا غرارا أو مضمضة ) كما جعل للنوم ذوقا أمرهم أن لا ينالوا منه إلا بألسنتهم ولا يسيغوه فشبهه بالمضمضة بالماء والقائه من الفم من غير ابتلاع ( لسان العرب ج ٧ ص ٢٣٤ ).

(٨) في المصدر: حربك.

الباب ١٥

١ - الجعفريات ص ٨٠.

٤١

[١٢٣٨٣] ٢ - دعائم الاسلام: عن عليعليه‌السلام ، أنه قال: ( يقتل المشركون بكل ما أمكن قتلهم به، من حديد أو حجارة أو ماء أو نار أو غير ذلك، فذكر أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نصب المنجنيق على أهل الطائف، وقالعليه‌السلام : إن كان معهم في الحصن قوم من المسلمين، فاقفوهم معهم ولا يتعمدهم(١) بالرمي، وارموا المشركين وانذروا المسلمين(٢) - إن كانوا أقيموا مكرهين - ونكبوا عنهم ما قدرتم، فإن أصبتم منهم أحدا ففيه الدية ).

١٦ -( باب كراهة تبييت العدو، واستحباب الشروع في القتال عند الزوال)

[١٢٣٨٤] ١ - دعائم الاسلام: عن عليعليه‌السلام ، أنه كان يستحب أن يبدأ بالقتال بعد زوال الشمس، وبعد أن يصلي الظهر.

١٧ -( باب أنه لا يجوز أن يقتل من أهل الحرب، المرأة ولا المقعد ولا الأعمى ولا الشيخ الفاني ولا المجنون ولا الولدان، إلا أن يقاتلوا، ولا تؤخذ منهم الجزية)

[١٢٣٨٥] ١ - الجعفريات: أخبرنا عبد الله، أخبرنا محمد، حدثني موسى قال: حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه، عن عليعليهم‌السلام ، قال: ( قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تقتلوا في الحرب إلا من جرت عليه

__________________

٢ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٣٧٦.

(١) في المصدر: فلا تتعمدوا إليهم.

(٢) وفيه زيادة: ليتقوا.

الباب ١٦

١ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٣٧١.

الباب ١٧

١ - الجعفريات ص ٧٩.

٤٢

المواسي ).

وتقدم عن الدعائم، قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في وصيته: ( ولا تقتلوا وليدا ولا شيخا كبيرا ولا امرأة )(١) .

[١٢٣٨٦] ٢ - عوالي اللآلي: وفي الحديث أن سعد بن معاذ حكم في بني قريضة، بقتل مقاتليهم وسبي ذراريهم، وأمر بكشف مؤتزرهم فمن أنبت فهو من المقاتلة، ومن لم ينبت فهو من الذاري، وصوبه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

١٨ -( باب جواز إعطاء الأمان ووجوب الوفاء، وإن كان المعطى له من أدنى المسلمين ولو عبدا، وكذا من دخل بشبهة الأمان)

[١٢٣٨٧] ١ - نهج البلاغة: في عهد أمير المؤمنينعليه‌السلام للأشتر: ( لا تدفعن صلحا دعاك إليه عدو(١) لله فيه رضى، فإن في الصلح دعة لجنودك، ورواحة من همومك، وأمنا لبلادك، ولكن الحذر كل الحذر من عدوك بعد صلحه، فإن العدو ربما قارب ليتغفل، فخذ بالحزم واتهم في ذلك حسن الظن، وإن عقدت بينك وبين عدوك عقدة أو ألبسته منك ذمة، فحط عهدك بالوفاء وارع ذمتك بالأمانة، واجعل نفسك جنة دون ما أعطيت، فإنه ليس من فرائض الله سبحانه شئ الناس عليه أشد اجتماعا - مع تفريق أهوائهم وتشتيت آرائهم - من تعظيم الوفاء بالعهود، وقد لزم ذلك المشركون فيما بينهم دون المسلمين، لما استوبلوا(٢) عن(٣) عواقب الغدر،

__________________

(١) تقدم في الباب ١٤ الحديث ١ عن الدعائم ج ١ ص ٣٦٩.

٢ - عوالي اللآلي ج ١ ص ٢٢١ ح ٩٧.

الباب ١٨

١ - نهج البلاغة ج ٣ ص ١١٧ ح ٥٣.

(١) في المصدر: عدوك.

(٢) استوبلوا المدينة، أي استوخموها ولم توافق أبدانهم. والوبيل: الذي لا يستمرأ ( لسان العرب ج ١١ ص ٧٢٠ ).

(٣) في المصدر: من.

٤٣

فلا تغدرن بذمتك ولا تخيسن(٤) بعهدك، ولا تختلن عدوك، فإنه لا يجترئ على الله إلا جاهل شقي، وقد جعل الله عهده وذمته أمنا أفضاه بين العباد برحمته، وحريما يسكنون إلى منعته، ويستفيضون إلى جواره فلا إدغال(٥) ولا مدالسة ولا خداع فيه، ولا تعقد عقدا يجوز فيه العلل، ولا تعولن على لحن قول بعد التأكيد والتوثقة، ولا يدعوك ضيق أمر لزمك فيه عهد الله إلى ( طلب )(٦) انفساخه بغير الحق، فإن صبرك على ضيق ( أمر )(٧) ترجو انفراجه وفضل عاقبته، خير من غدر تخاف تبعته وإن تحيط بك ( فيه من الله طلبته، لا تستقبل )(٨) فيها دنياك ولا آخرتك ).

ورواه الحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول(٩) وفيه: ( لا تدفعن صلحا دعاك إليه عدوك فيه رضى، فإن في الصلح دعة لجنودك، وراحة من همومك، وأمنا لبلادك، ولكن الحذر كل الحذر من مقاربة عدوك في طلب الصلح، فإن العدو ربما قارب ليتغفل، فخذ بالحزم وتحصين(١٠) كل مخوف تؤتى منه، وبالله الثقة في جميع الأمور، وإن لجت(١١) بينك وبين عدوك قضية عقدت له بها صلحا أو ألبسته منك ذمة ) إلى آخره.

[١٢٣٨٨] ٢ - دعائم الاسلام: عن عليعليه‌السلام ، أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عهد إليه عهدا، وكان مما عهد فيه: ( ولا تدفعن صلحا

__________________

(٤) خاس فلان بوعده، يخيس إذا أخلف وخاس بعهده إذا غدر ونكت ( لسان العرب ج ٦ ص ٧٥ ).

(٥) إدغال: في الحديث: اتخذوا دين الله دغلا أي يخدعون الناس، وأصل الدغل، الشجر الملتف الذي يكمن أهل الفساد به ( لسان العرب ج ١١ ص ٢٤٥ ).

(٦) أثبتناه من المصدر.

(٧) أثبتناه من المصدر.

(٨) ما بين القوسين في المصدر: من الله فيه طلبه فلا تستقيل.

(٩) تحف العقول ص ٩٧.

(١٠) وفيه: تحصن.

(١١) لجت: قد لجت القضية بيني وبينك: أي وجبت ( لسان العرب ج ٢ ص ٣٥٥ ).

٢ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٣٦٧.

٤٤

دعاك إليه عدوك فإن في الصلح دعة للجنود، ورخاء للهموم، وأمنا للبلاد، فإن أمكنتك القدرة والفرصة من عدوك، فانبذ عهده إليه، واستعن بالله عليه، وكن أشد ما تكون لعدوك حذرا عندما يدعوك إلى الصلح، فإن ذلك ربما يكون مكرا وخديعة، وإذا عاهدت فحط عهدك بالوفاء، وارع ذمتك بالأمانة والصدق ) الخ(١) .

[١٢٣٨٩] ٣ - وعن أمير المؤمنين ( صلوات الله عليه )، أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: ( ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم ).

[١٢٣٩٠] ٤ - وعنهعليه‌السلام أنه قال: ( خطب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في مسجد الخيف، فقال: رحم الله امرءا مقالتي فوعاها، وبلغها إلى من ليسمعها، فرب حامل فقه وليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ( وقال )(١) : ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، والنصيحة لائمة المسلمين، وللزوم لجماعتهم، فإن دعوتهم محيطة من ورائهم، والمسلمون إخوة تكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، فإذا أمن أحد من المسلمين أحدا من المشركين، لم يجب أن تخفر ذمته(٢) ).

[١٢٣٩١] ٥ - وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنه قال: ( إذا أومأ أحد من

__________________

(١) ورد في هامش الحجرية ما لفظه ( نسب في الدعائم عهدهعليه‌السلام إلى الأشتر، إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنه عهد إليه - عليعليه‌السلام -  وفرقه على أبواب مخصوصة ) ( منه قده ). علما أن عهد الإمامعليه‌السلام إلى مالك الأشتر الموجود في نهج البلاغة يختلف عن العهد المذكور في الدعائم مع تشابه في بعض الفقرات.

٣ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٣٧٨.

٤ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٣٧٨.

(١) أثبتناه من المصدر.

(٢) ورد في هامش الحجرية ما نصه: قوله: ( لم يجب أن تخفر ذمته ) هكذا كان الأصل ولعل الصحيح يجب أن لا يخفر، كما يظهر بالتأمل.

٥ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٣٧٨.

٤٥

المسلمين، أو أشار بالأمان إلى أحد من المشركين، فنزل على ذلك فهو في أمان ).

[١٢٣٩٢] ٦ - وعن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه قال: ( الأمان جائز بأي لسان كان ).

[١٢٣٩٣] ٧ - ابن الشيخ الطوسي في أماليه: عن أبيه، عن المفيد، عن أبي بكر الجعابي، عن أحمد بن محمد بن عقدة، عن محمد بن إسماعيل، عن عم أبيه الحسين بن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنينعليهم‌السلام قال: ( أوفوا بعهد من عاهدتم ).

[١٢٣٩٤] ٨ - الجعفريات: أخبرنا عبد الله، أخبرنا محمد، حدثني موسى قال: حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه، عن عليعليهم‌السلام قال: ( إذا أومأ(١) أحد من المسلمين إلى أحد من أهل الحرب(٢) فهو أمان ).

ورواه السيد فضل الله الراوندي في نوادره: بإسناده عن موسى بن جعفر، عن آبائهعليهم‌السلام ، مثله(٣) .

[١٢٣٩٥] ٩ وبهذا الاسناد عن عليعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ليس للعبد من الغنيمة شئ، إلا من خرثي(١) المتاع، وأمانه جائز، وأمان المرأة إذا هي أعطت القوم الأمان ).

__________________

٦ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٣٧٨.

٧ - أمالي الطوسي ج ١ ص ٢١١.

٨ - الجعفريات ص ٨١.

(١) في المصدر: رمى.

(٢) في المصدر زيادة: بحبل.

(٣) نوادر الراوندي ص ٣٢.

٩ - الجعفريات ص ٨١

(١) في الطبعة الحجرية ( تجفى )، وفى المصدر ( يخفى )، والظاهر ما أثبتناه هو الصواب، وقد وردت الكلمة في الحديث ٦ من الباب ٣٩، والخرثي: متاع البيت أو ردئ المتاع ( النهاية ج ٢ ص ١٩ ).

٤٦

١٩ -( باب تحريم الغدر والقتال مع الغادر)

[١٢٣٩٦] ١ - دعائم الاسلام: عن عليعليه‌السلام ، أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال له فيما عهد إليه: ( وإياك والغدر بعهد الله والاخفار لذمته، فإن الله جعل عهده وذمته أمانا أمضاه بين العباد برحمته، والصبر على ضيق ترجو انفراجه، خير من غدر تخاف ( أوزاره وتبعاته )(١) وسوء عاقبته ).

[١٢٣٩٧] ٢ - نهج البلاغة: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ( الوفاء توأم الصدق، ولا أعلم جنة أوفى منه، وما يغدر من علم كيف المرجع، ولقد أصبحنا في زمان قد اتخذ أكثر أهله الغدر كيسا، ونسبهم أهل الجهل فيه إلى حسن الحيلة، ما لهم قاتلهم الله! قد يرى الحول القلب وجه الحيلة ودونه مانع من أمر الله ونهيه، فيدعها رأي عين بعد القدرة عليها، وينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدين ).

وقالعليه‌السلام (١) : ( الوفاء لأهل الغدر غدر عند الله، والغدر بأهل(٢) الغدر وفاء عند الله ).

[١٢٣٩٨] ٣ - الصدوق في الخصال: عن الحسن بن عبد الله العسكري، عن محمد بن موسى بن الوليد، عن يحيى بن حاتم، عن يزيد بن هارون، عن شعبة، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن عبد الله بن مسعود،

__________________

الباب ١٩

١ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٣٦٨.

(١) في المصدر: تبعه نقمته.

٢ - نهج البلاغة ج ١ ص ٨٨ رقم ٤٠.

(١) نهج البلاغة ج ٣ ص ٢١٠ رقم ٢٥٩.

(٢) في الحجرية: لأهل، وما أثبتناه من المصدر.

٣ - الخصال ج ١ ص ٢٥٤ ح ١٢٩.

٤٧

عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: ( أربع من كن فيه فهو منافق - إلى أن قال - وإذا عاهد غدر ).

[١٢٣٩٩] ٤ - الآمدي في الغرر: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: ( أسرع الأشياء عقوبة، رجل عاهدته على أمر، وكان من نيتك الوفاء به، ومن )(١) نيته الغدر بك ).

٢٠ -( باب أنه يحرم أن يقاتل في الأشهر الحرم من يرى لها حرمة، ويجوز أن يقاتل من لا يرى لها حرمة)

[١٢٤٠٠] ١ - العياشي في تفسيره: عن العلاء بن الفضيل قال: سألته عن المشركين، أيبتدئ بهم المسلمون بالقتال في الشهر الحرام؟ فقال: ( إذا كان المشركون ابتدؤوهم باستحلالهم ورأي المسلمون أنهم يظهرون عليهم فيه، وذلك قوله:( الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص ) (١) .

[١٢٤٠١] ٢ - علي بن إبراهيم في تفسيره: الأشهر الحرم: رجب مفرد، وذو القعدة وذو الحجة ومحرم متصله، حرم الله فيها القتال، ويضاعف فيها الذنوب وكذلك الحسنات.

[١٢٤٠٢] ٣ - وقال في قوله تعالى:( يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل ) (١) الآية: فإنه كان سبب نزولها، لما هاجر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المدينة، بعث السرايا إلى الطرقات التي تدخل مكة تتعرض لعير قريش،

__________________

٤ - الغرر ج ١ ص ١٩٥ ح ٣٥١.

(١) في المصدر: له وفى.

الباب ٢٠

١ - تفسير العياشي ج ١ ص ٨٦ ح ٢١٥.

(١) البقرة: ٢ ١٩٤.

٢ - تفسير القمي ج ١ ص ٦٧.

٣ - تفسير القمي ج ١ ص ٧١.

(١) البقرة ٢: ٢١٧.

٤٨

حتى بعث عبد الله بن جحش في نفر من أصحابه إلى نخلة - وهي بستان بني عامر - ليأخذوا عير قريش ( حين )(٢) أقبلت من الطائف، عليها الزبيب والادم والطعام، فوافوها وقد نزلت العير وفيهم عمرو بن الحضرمي - إلى أن قال - فحمل عليهم عبد الله بن جحش، وقتل ابن الحضرمي وأفلت أصحابه، وأخذوا العير بما فيها وساقوها إلى المدينة، وكان ذلك في أول يوم من رجب من الأشهر الحرم، فعزلوا العير وما كان عليها لم ينالوا منها شيئا، فكتبت قريش إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنك استحللت الشهر الحرام، وسفكت فيه الدم وأخذت المال، وكثر القول في هذا، وجاء أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا: يا رسول الله، أيحل القتل في الشهر الحرام؟ فأنزل الله:( ويسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله ) (٣) الآية.

قال: القتال في الشهر الحرام عظيم الخبر.

٢١ -( باب حكم الأسارى في القتل، ومن عجز منهم عن المشي)

[١٢٤٠٣] ١ - دعائم الاسلام: روينا عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنه قال: ( أسر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم بدر أسارى، وأخذ الفداء منهم، فالامام مخير إذا أظفره الله بالمشركين، بين(١) أن يقتل المقاتلة، أو يأسرهم ويجعلهم في الغنائم ويضرب عليهم السهام، ومن رآى المن عليه منهم من عليه، ومن رأى أن يفادى به فادى به، إذا رأى فيما يفعله من ذلك كله الصلاح المسلمين ).

__________________

(٢) أثبتناه من المصدر.

(٣) البقرة ٢: ٢١٧.

الباب ٢١

١ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٣٧٧.

(١) في الطبعة الحجرية ( من )، وما أثبتناه من المصدر.

٤٩

[١٢٤٠٤] ٢ - وعن عليعليه‌السلام ، أنه أتي بأسير يوم صفين فقال: لا تقتلني يا أمير المؤمنين، فقال: ( أفيك خير أتبايع؟ ) قال: نعم، قال للذي جاء به: ( لك سلاحه، وخل سبيله )، وأتاه عمار بأسير فقتله.

[١٢٤٠٥] ٣ - وعنهعليه‌السلام أنه قال: ( قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم بدر: من استطعتم أن تأسروه(١) من بني عبد المطلب فلا تقتلوه، فإنهم إنما أخرجوا كرها ).

[١٢٤٠٦] ٤ - نصر بن مزاحم في كتاب صفين: عن عمر بن سعد، عن ( نمير بن وعلة )(١) ، عن الشعبي قال: لما أسر عليعليه‌السلام الأسرى يوم صفين فخلى سبيلهم أتوا معاوية، وقد كان عمرو بن العاص يقول لاسرى أسرهم معاوية: اقتلهم، فما شعروا إلا بأسراهم قد خلى سبيلهم عليعليه‌السلام ، فقال معاوية: يا عمرو لو أطعناك في هؤلاء الأسرى لوقعنا في قبيح من الامر، ألا ترى قد خلى سبيل أسرانا، فأمر بتخلية من في يديه من أسرى عليعليه‌السلام ، وقد كان عليعليه‌السلام إذا أخذ أسيرا من أهل الشام خلى سبيله، إلا أن يكون قد قتل من أصحابه أحدا فيقتله به، فإذا خلى سبيله فإن عاد الثانية قتله ولم يخل سبيله الخبر.

__________________

٢ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٣٩٣.

٣ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٣٧٦.

(١) في الطبعة الحجرية ( تأسروا )، وما أثبتناه من المصدر.

٤ - وقعه صفين ص ٥١٨.

(١) في الطبعة الحجرية ( غير بن عله )، وما أثبتناه من المصدر، وقد جاء في هامشه: ( ذكره في لسان الميزان مصحفا برسم: نمير بن دعلة ).

٥٠

٢٢ -( باب أن من كان له فئة من أهل البغي وجب أن يتبع مدبرهم ويجهز على جريهم ويقتل أسيرهم، ومن لم يكن له فئة لم يفعل ذلك بهم)

[١٢٤٠٧] ١ - دعائم الاسلام: وإذا انهزم أهل البغي وكانت لهم فئة يلجؤون إليها، طلبوا وأجهز على جرحاهم واتبعوا وقتلوا، ما أمكن اتباعهم وقتلهم، وكذلك سار أمير المؤمنينعليه‌السلام في أصحاب صفين، لان معاوية كان وراءهم، وإذا لم يكن لهم فئة لم ( يطلبوا )(١) ولم يجهز على جرحاهم، لأنهم إذا ولوا تفرقوا، وكذلك روينا عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنه سار في أهل الجمل، لما قتل طلحة والزبير، وقبض على عائشة، وانهزم أصحاب الجمل، نادى مناديه: لا تجهزوا على جريح، ولا تتبعوا مدبرا، ومن ألقى سلاحه فهو آمن، ثم دعا ببغلة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الشهباء فركبها، ثم قال: ( تعال يا فلان وتعال يا فلان ) ) حتى جمع(٢) إليه زهاء ستين شيخا كلهم من همدان، قد شكوا(٣) الأترسة وتقلدوا السيوف ولبسوا المغافر، فسار وهم حوله حتى انتهى إلى دار عظيمة فاستفتح ففتح له، فإذا هو بنساء يبكين بفناء الدار، فلما نظرن إليه صحن صيحة واحدة وقلن: هذا قاتل الأحبة، فلم يقل لهن شيئا، وسأل عن حجرة عائشة، ففتح له بابها ودخل، وسمع منهما كلام شبيه بالمعاذير، لا والله وبلى والله، ثم إنهعليه‌السلام خرج فنظر إلى امرأة(٤) فقال لها:

__________________

الباب ٢٢

١ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٣٩٤.

(١) في المصدر: يتبعوا بالقتل.

(٢) وفيه: اجتمع.

(٣) وفيه: تنكبوا.

(٤) في المصدر زيادة: طواله أدماء تمشى في الدار.

٥١

( إلي يا صفية ) ( فأتته مسرعة )(٥) فقال: ( ألا تبعدين هؤلاء ( الكليبات )(٦) ، يزعمن أني قاتل الأحبة، لو كنت قاتل الأحبة لقتلت من في هذه الحجرة ومن في هذه ومن في هذه ) وأومأعليه‌السلام بيده إلى ثلاث حجر، ( فذهبت إليهن )(٧) فما بقيت في الدار صائحة إلا سكتت ولا قائمة إلا قعدت، قال الأصبغ وهو صاحب الحديث: وكان في إحدى الحجرات عائشة ومن معها من خاصتها، وفي الأخرى مروان بن الحكم وشباب من قريش، وفي الأخرى عبد الله بن الزبير وأهله، فقيل للأصبغ: فهلا بسطتم أيديكم على هؤلاء(٨) ، أليس هؤلاء كانوا أصحاب القرحة، فلم استبقيتموهم؟ قال(٩) : قد ضربنا بأيدينا إلى قوائم سيوفنا، وحددنا أبصارنا نحوه لكي يأمرنا فيهم بأمر، فما فعل وواسعهم عفوا.

[١٢٤٠٨] ٢ - الشيخ المفيدرضي‌الله‌عنه في كتاب الكافئة في إبطال توبة الخاطئة: عن أبي مخنف لوط بن يحيى، عن عبد الله بن عاصم، عن محمد بن بشير الهمداني قال: ورد كتاب أمير المؤمنينعليه‌السلام مع عمر بن سلمة الأرحبي إلى أهل الكوفة، فكبر الناس تكبيرة سمعها عامة الناس واجتمعوا لها في المسجد، ونودي الصلاة جمعا فلم يتخلف أحد، وقرئ الكتاب فكان فيه: ( بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله أمير المؤمنين إلى قرظة بن كعب ومن قبله من المسلمين، سلام عليكم، فإني أحمد إليكم، الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فإنا لقينا القوم الناكثين  - إلى أن قالعليه‌السلام - فلما هزمهم الله، أمرت أن لا يتبع مدبر، ولا يجاز(١) على جريح، ولا يكشف عورة، ولا يهتك ستر، ولا يدخل دار إلا

__________________

(٥) في المصدر: قالت: لبيك يا أمير المؤمنين.

(٦) وفيه: الكلبات عنى.

(٧) ليس في المصدر.

(٨) في المصدر زيادة: فقتلتموهم.

(٩) وفيه: قال الأصبغ.

٢ - الكافئة في أبطال توبة الخاطئة:

(١) أجاز عليه: قتله ونفذ فيه أمره ( لسان العرب ج ٥ ص ٣٢٧ ).

٥٢

بإذن، وآمنت الناس ) الخبر.

[١٢٤٠٩] ٣ - وفي أماليه: عن علي بن خالد المراغي، عن الحسن بن علي، عن جعفر بن محمد بن مروان، عن أبيه، عن إسحاق بن يزيد، عن خالد بن مختار، عن الأعمش، عن حبة العرني، قال في حديث: فلما كان يوم الجمل وبرز الناس بعضهم لبعض - إلى أن قال - فولى الناس منهزمين، فنادى منادي أمير المؤمنينعليه‌السلام : لا تجيزوا على جريح، ولا تتبعوا مدبرا، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن ألقى سلاحه فهو آمن.

[١٢٤١٠] ٤ - وعن أبي بكر محمد بن عمر الجعابي، عن ابن عقدة، عن عبد الله بن مستورد، عن محمد بن ميسر(١) عن إسحاق بن رزين(٢) ، عن محمد بن الفضل بن عطا مولى مزينة قال: حدثني جعفر بن محمد، عن أبيهعليهما‌السلام ، عن محمد بن عليعليه‌السلام ابن الحنفية قال: كان اللواء معي يوم الجمل - إلى أن قال - ثم أمر مناديه فنادى: لا يدفف(٣) على جريح، ولا يتبع مدبر، ومن أغلق بابه فهو آمن.

[١٢٤١١] ٥ - محمد بن إبراهيم النعماني في كتاب الغيبة: عن محمد بن همام، عن أحمد بن مابنداذ، عن أحمد بن هليل، عن ابن أبي عمير، عن أبي المغرا، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : ( لما التقى أمير المؤمنينعليه‌السلام وأهل البصرة، نشر الراية - رأيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - فتزلزلت أقدامهم، فما اصفرت الشمس حتى قالوا: امنا يا ابن أبي طالب، فعند ذلك قال: ( لا تقتلوا الاسراء، ولا تجهزوا على(١) جريح،

__________________

٣ - أمالي المفيد ص ٥٨.

٤ - أمالي المفيد ص ٢٤.

(١) في المصدر: منير.

(٢) وفيه: وزير.

(٣) أدفف على الجريح: أجهز عليه وأتمم قتله ( لسان العرب ج ٩ ص ١٠٥ ).

٥ - غيبه النعماني ص ٣٠٧.

(١) ليس في المصدر.

٥٣

ولا تتبعوا موليا، ومن القى سلاحه فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن ).

[١٢٤١٢] ٦ - وعن علي بن الحسين قال: حدثني محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن حسان(١) الرازي، عن محمد بن علي الكوفي، عن عبد الرحمن بن أبي هاشم، عن أبي خديجة، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، أنه قال: ( إن علياعليه‌السلام قال: كان لي أن اقتل المولى وأجهز على الجريح، ولكن تركت ذلك للعاقبة من أصحابي إن خرجوا(٢) لم يقتلوا، والقائمعليه‌السلام ( له )(٣) أن يقتل المولي ويجهز على الجريح ).

[١٢٤١٣] ٧ - فرات بن إبراهيم الكوفي في تفسيره: عن عبيد بن كثير، بإسناده عن الأصبغ بن نباتة قال: لما هزمنا أهل البصرة، جاء علي بن أبي طالبعليه‌السلام حتى أسند إلى حائط من حيطان البصرة، ثم ذكر دخولهعليه‌السلام في دار كانت فيها عائشة وجماعة مجروحون، إلى أن قال الراوي للأصبغ: يا أبا القاسم هؤلاء أصحاب القرحة، هلا ملتم عليهم بحد(١) السيوف؟ قال: يا ابن أخي، أمير المؤمنين كان أعلم منك وسعهم أمانه، إنا لما هزمنا القوم نادى مناديه: لا يدفف على جريح، ولا يتبع مدبر، ومن ألقى سلاحه فهو آمن، سنة يستن بها بعد يومكم هذا الخبر.

__________________

٦ - غيبه النعماني ص ٢٣١.

(١) في الطبعة الحجرية ( الحسن ) وما أثبتناه من المصدر، كما تكرر كثيرا هذا السند في الغيبة ص ٢٣٣ ح ١٨ وص ٢٣٦ ح ٢٥ وص ٢٣٧ ح ٢٦ وص ٢٤١ ح ٣٨ و ص ٢٨٩ ح ٦ وص ١١٥ ح ١١ وص ٨٦ ح ١٧ وغيرها، انظر أيضا جامع الرواه ج ٢ ص ١٥٧.

(٢) في المصدر: جرحوا.

(٣) أثبتناه من المصدر.

٧ - تفسير فرات الكوفي ص ٢٩.

(١) في المصدر: بهذه.

٥٤

[١٢٤١٤] ٨ - نصر بن مزاحم في كتاب صفين: عن عمر بن سعد، عن نمير بن وعلة(١) ، عن الشعبي قال: لما أسر عليعليه‌السلام أسرى يوم صفين  - إلى أن قال - وكان لا يجيز على الجرحى، ولا على من أدبر بصفين لمكان معاوية.

[١٢٤١٥] ٩ - وعن عمر بن سعد بإسناده قال: كان من أهل الشام بصفين رجل يقال له الأصبغ بن ضرار، وكان يكون طليعة ومسلحة(١) فندب له عليعليه‌السلام الأشتر، فأخذه أسيرا من غير أن يقاتل، وكان عليعليه‌السلام ينهى عن قتل الأسير الكاف، فجاء به ليلا وشد وثاقه وألقاه مع أضيافه ينتظر به الصباح، وكان الأصبغ شاعرا مفوها ( فأيقن بالقتل )(٢) ، ونام أصحابه فرفع صوته وأسمع الأشتر أبياتا يذكر فيها حاله ويستعطفه، فغدا به الأشتر عليعليه‌السلام فقال: يا أمير المؤمنين هذا رجل من المسلحة لقيته بالأمس، والله لو علمت أن قتله الحق قتلته، وقد بات عندنا الليلة وحركنا، فإن كان فيه القتل فاقبله وإن غضبنا فيه، وإن كنت فيه بالخيار فهبه لنا، قال: ( هو لك يا مالك، فإذا أصبت أسير أهل القبلة فلا تقتله فإن أسير أهل القبلة لا يفادى ولا يقتل ) فرجع به الأشتر إلى منزله وقال: لك ما أخذنا منك(٣) وليس لك عندنا غيره.

[١٢٤١٦] ١٠ - القاضي نعمان المصري صاحب الدعائم في شرح الاخبار: عن سلام قال: شهدت يوم الجمل - إلى أن قال - وانهزم أهل البصرة، نادى

__________________

٨ - كتاب صفين ص ٥١٨.

(١) راجع ص ٥٠ ح ٤ هامش ١.

٩ - كتاب صفين ص ٤٦٦.

(١) في المصدر زيادة: لمعاوية.

(٢) ما بين القوسين ليس في المصدر.

(٣) في الطبعة الحجرية ( معك )، وما أثبتناه من المصدر.

١٠ - شرح الاخبار.

٥٥

منادي عليعليه‌السلام : لا تتبعوا مدبرا، ولا من ألقى سلاحه، ولا تجهزوا على جريح، فإن القوم قد ولوا وليس لهم فئة يلجؤون إليها، جرت السنة بذلك في قتال أهل البغي.

٢٣ -( باب حكم سبي أهل البغي وغنائمهم)

[١٢٤١٧] ١ - دعائم الاسلام: روينا عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنه لما هزم أهل الجمل، جمع كل ما أصابه في عسكرهم مما أجبلوا به عليه، فخمسه وقسم أربعة أخماسه على أصحابه ومضى، فلما صار إلى البصرة قال أصحابه: يا أمير المؤمنين اقسم بيننا ذراريهم وأموالهم، قال: ( ليس لكم ذلك ) قالوا: وكيف أحللت لنا دماءهم ولم تحلل لنا سبي ذراريهم؟ قال: ( حاربنا الرجال فقتلناهم فأما النساء ( والذراري )(١) فلا سبيل لنا عليهن، لأنهن مسلمات وفي دار هجرة فليس لكم عليهن من سبيل، ( وما أجلبوا به )(٢) واستعانوا به على حربكم وضمه عسكرهم وحواه فهو لكم، وما كان في دورهم فهو ميراث على فرائض الله، ( لذراريهم )(٣) وعلى نسائهم العدة، وليس لكم عليهن ولا على الذراري من سبيل ) فراجعوه في ذلك، فلما أكثروا عليه قال: ( هاتوا سهامكم فاضربوا على عائشة أيكم يأخذها وهي رأس الامر!؟ ) فقالوا: نستغفر الله، قال: ( فأنا استغفر الله ) فسكتوا ولم يتعرض(٤) لما كان في دورهم و ( لا )(٥) لنسائهم ولا لذراريهم.

[١٢٤١٨] ٢ - وعنهعليه‌السلام أنه قال: ( ما أجلب به أهل البغي من مال

__________________

الباب ٢٣

١ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٣٩٥.

(١) أثبتناه من المصدر.

(٢) في المصدر: فأما ما أجلبوا عليكم به لذراريهم.

(٣) أثبتناه من المصدر.

(٤) وفيه: يعرض.

(٥) أثبتناه من المصدر.

٢ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٣٩٦.

٥٦

وسلاح وكراع(١) ومتاع وحيوان وعبد وأمة وقليل وكثير، فهو فئ يخمس ويقسم كما تقسم غنائم المشركين ).

[١٢٤١٩] ٣ - وعن عليعليه‌السلام ، أنه سأله عمار حين دخل البصرة فقال: يا أمير المؤمنين، بأي شئ تسير في هؤلاء؟ قال: ( بالمن والعفو، كما سار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في أهل مكة ).

[١٢٤٢٠] ٤ - وعن أبي جعفرعليه‌السلام أنه قال: ( سار عليعليه‌السلام بالمن والعفو في عدوه من أجل شيعته، ( لأنه )(١) كان يعلم أنه سيظهر عليهم عدوهم من بعده، فأحب أن يقتدي من جاء من بعده به، فيسير في شيعته بسيرته، ولا يجاوز فعله فيرى الناس أنه تعدى وظلم ).

[١٢٤٢١] ٥ - وفي شرح الاخبار لصاحب الدعائم: عن موسى بن طلحة بن عبيد الله، وكان فيمن أسر يوم الجمل وحبس مع من حبس من الأسارى بالبصرة، فقال: كنت في سجن عليعليه‌السلام بالبصرة، حتى سمعت المنادي ينادي، أين موسى بن طلحة بن عبيد الله؟ قال: فاسترجعت واسترجع أهل السجن، وقالوا: يقتلك، فأخرجني إليه، فلما وقفت بين يديه قال لي: ( يا موسى ) قلت: لبيك يا أمير المؤمنين، قال: ( قل استغفر الله ) قلت: استغفر الله وأتوب إليه، ثلاث مرات، فقال لمن كان معي من رسله: ( خلوا عنه ) وقال لي: ( اذهب حيث شئت، وما وجدت لك في عسكرنا من سلاح أو كراع فخذه، واتق الله فيما تستقبله من أمرك، واجلس في بيتك ) فشكرت وانصرفت، وكان عليعليه‌السلام قد أغنم

__________________

(١) الكراع: السلاح، وقيل: هو اسم يجمع الخيل والسلاح ( لسان العرب ج ٨ ص ٣٠٧.

٣ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٣٩٤.

٤ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٣٩٤.

(١) ليس في المصدر.

٥ - شرح الاخبار.

٥٧

أصحابه ما أجلب به أهل البصرة إلى قتاله - أجلبوا به يعني اتوا به في عسكرهم - ولم يعرض لشئ غير ذلك لورثتهم، وخمس ما أغنمه مما أجلبوا به عليه، فجرت أيضا بذلك السنة.

[١٢٤٢٢] ٦ - وعن إسماعيل بن موسى، بإسناده عن أبي البختري قال: لما انتهى عليعليه‌السلام إلى البصرة خرج أهلها - إلى أن قال - فقاتلوهم وظهروا عليهم وولوا منهزمين، فأمر عليعليه‌السلام مناديا ينادي: لا تطعنوا في غير مقبل، ولا تطلبوا مدبرا، ولا تجهزوا على جريح، ومن ألقى سلاحه فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، وما كان بالعسكر فهو لكم مغنم، وما كان في الدور فهو ميراث يقسم بينهم على فرائض الله عز وجل، فقام إليه قوم من أصحابه فقالوا: يا أمير المؤمنين من أين أحللت لنا دماءهم وأموالهم وحرمت علينا نساءهم؟ فقال: ( لان القوم على الفطرة، وكان لهم ولاء قبل الفرقة، وكان نكاحهم لرشده ) فلم يمرضهم ذلك من كلامهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال لهم: ( هذه السيرة في أهل القبلة فأنكرتموها، فانظروا أيكم يأخذ عائشة في سهمه!؟ ) فرضوا بما قال، فاعترفوا صوابه وسلموا الامر.

[١٢٤٢٣] ٧ - الشيخ المفيد في كتاب الكافئة في إبطال توبة الخاطئة: عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفرعليه‌السلام في حديث: ( أن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قال لعبد الله بن وهب الراسبي، لما قال في شأن أصحاب الجمل: إنهم الباغون الظالمون الكافرون المشركون، قال: أبطلت يا بن السوداء، ليس القوم كما تقول، لو كانوا مشركين سبينا أو غنمنا أموالهم، وما ناكحناهم ولا وارثناهم ).

[١٢٤٢٤] ٨ - كتاب درست بن أبي منصور: عن الوليد بن صبيح قال: سأل المعلى بن خنيس أبا عبد اللهعليه‌السلام ، فقال: جعلت فداك، حدثني

__________________

٦ - شرح الاخبار:

٧ - الكافئة:

٨ - كتاب درست بن أبي منصور ص ١٦٤.

٥٨

عن القائمعليه‌السلام إذا قام يسير بخلاف سيرة عليعليه‌السلام ، قال: فقال له: ( نعم ) قال: فأعظم ذلك معلى، وقال: جعلت فداك، مم ذاك؟ قال: فقال: ( لان علياعليه‌السلام سار بالناس سيرة وهو يعلم أن عدوه سيظهر على وليه من بعده، وأن القائمعليه‌السلام إذا قام ليس إلا السيف، فعودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، وافعلوا(١) فإنه إذا كان ذاك لم تحل مناكحتهم ولا موارثتهم ).

[١٢٤٢٥] ٩ - الحسين بن حمدان الحضيني في الهداية: عن محمد بن علي، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام - في حديث طويل، في قصة أهل النهروان، إلى أن قال -: ( قال(١) لهم عليعليه‌السلام : فأخبروني ماذا أنكرتم علي؟(٢) قالوا: أنكرنا أشياء يحل لنا قتلك بواحدة منها - إلى أن قالوا - وأما ثانيها: إنك حكمت يوم الجمل فيهم بحكم خالفته بصفين، قلت لنا يوم الجمل: لا تقتلوهم مولين ولا مدبرين ولا نياما ولا ايقاظا، ولا تجهزوا على جريح، ومن ألقى سلاحه فهو آمن، ومن أغلق بابه فلا سبيل عليه، وأحللت لنا سبي الكراع والسلاح، وحرمت علينا سبي الذراري، وقلت له بصفين: اقتلوهم ( مولين و )(٣) مدبرين ونياما وايقاظا، وأجهزوا على كل جريح، ومن ألقى سلاحه فاقتلوه، ومن أغلق بابه فاقتلوه، وأحللت لنا سبي الكراع والسلاح والذراري، فما العلة فيها اختلف فيه الحكمان؟ إن يكن هذا حلالا فهذا حلال، وإن يكن هذا حراما فهذا حرام - إلى أن قال - ثم قالعليه‌السلام : ( وأما(٤) حكمي يوم الجمل بما خالفته يوم صفين، فإن

__________________

(١) في المصدر هكذا: وافعلوا ولا فعلوا.

٩ - الهداية ص ٢٣ أ.

(١) نفس المصدر ص ٢٤ أ.

(٢) في المصدر زيادة: والقتال بغير السؤال والجواب لكم وأنتم المقتولون.

(٣) أثبتناه من المصدر.

(٤) نفس المصدر ص ٢٥ أ.

٥٩

أهل الجمل أخذت عليهم بيعتي فنكثوها وخرجوا من حرم الله وحرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى البصرة، ولا إمام لهم ولا دار حرب تجمعهم، فإنما أخرجوا عائشة زوجة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله معهم لكراهتها لبيعتي، وقد خبرها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأن خروجها علي(٥) بغي وعدوان، من أجل قوله عز وجل:( يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين ) (٦) وما من أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله واحدة أتت بفاحشة غيرها، فإن فاحشتها كانت عظيمة، أولها خلافها فيها أمرها الله في قوله عز وجل:( وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) (٧) فإن تبرجها أعظم من خروجها وطلحة والزبير إلى الحج، فوالله ما أرادوا حجة ولا عمرة، ومسيرها من مكة إلى البصرة، واشعالها حربا قتل فيه طلحة والزبير وخمسة وعشرون ألفا من المسلمين، وقد علمتم أن الله عز وجل يقول:( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها ) (٨) إلى آخر الآية، فقلت لكم لما أظهرنا الله عليهم ما قلته، لأنه لم تكن لهم دار حرب تجمعهم، ولا إمام يداوي جريحهم ويعيدهم إلى قتالكم مرة أخرى، وأحللت لكم الكراع والسلاح(٩) وحرمت(١٠) الذراري، فأيكم يأخذ عائشة زوجة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في سهمه؟ ) قالوا: صدقت والله في جوابك، وأصبت وأخطأنا، والحجة لك، قال لهم: ( وأما قولي بصفين: اقتلوهم مولين ومدبرين ونياما وايقاظا، وأجهزوا على كل جريح، ومن ألقى سلاحه فاقتلوه، ومن أغلق بابه فاقتلوه، وأحللت لكم سبي الكراع والسلاح وسبي الذراري،

__________________

(٥) في المصدر زيادة: خروج.

(٦) الأحزاب ٣٣: ٣٠.

(٧) الأحزاب ٣٣: ٣٣.

(٨) النساء ٤: ٩٣.

(٩) في المصدر زيادة: لأنه به قدروا على قتالكم ولو كنت أحللت الكراع والسلاح.

(١٠) في المصدر: وسبي.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

الحركات الرجعيّة

1

7

الجهميّة

قد عرفت أنّ المتّهمين بالقدرية كانوا دعاة الحرّية، لا نُفاة القضاء والقدر، بل كانوا قائلين بأنّه سبحانه تبارك وتعالى قدّر وقضى، ومع ذلك، لم يسلب الاختيار عن الإنسان، فخيّره بين الإيمان والكفر، بين الخير والشّر، فلو قدّر الخير فلعلم منه بأنّه يختار الخير عن اختيار، أو قدّر الشر فلعلم منه أنّ الفاعل يختار الشر كذلك، وهو نفس صميم الإسلام ولبّه، قال سبحانه: ( فَمَن شَاءَ فَلْيُوْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكُفُرْ ) (1) .

لكن ظهرت في القرن الثاني والثالث حركات رجعيّة استهدفت أركان الإسلام والعودة بالأُمّة إلى الأفكار الجاهلية الّتي سادت قبل الإسلام، من القول بالجبر والتجسيم، وإليك أبرز ممثّلي هذه الحركات الرجعية.

____________________

(1) الكهف: 29.

٨١

الجهميّة:

إنّ سمات الجهميّة، هي: القول بالجبر والتعطيل، أسّسها جهم بن صفوان السمرقندي (المتوفّى 128هـ).

قال الذهبي: جهم بن صفوان أبو محرز السمرقندي الضال المبتدع، رأس الجهميّة في زمان صغار التابعين، وما علِمْته روى شيئاً، لكنّه زرع شرّاً عظيماً.

وقال المقريزي: الجهميّة،أتباع جهم بن صفوان الترمذي، مولى راسب، وقُتل في آخر دولة بني أُميّة، وتتلخّص عقائده في الأُمور التالية:

1 - ينفي الصفات الإلهيّة كلّها، ويقول: لا يجوز أن يوصف الباري بصفة يوصف بها خَلْقه.

2 - إنّ الإنسان لا يقدر على شيء، ولا يوصف بالقدرة ولا بالاستطاعة.

3 - إنّ الجنّة والنّار يفنيان، وتنقطع حركات أهلهما.

4 - إنّ من عرف الله ولم ينطق بالإيمان لم يكفر؛ لأنّ العلم لا يزول بالصمت، وهو مؤمن مع ذلك.

وقد كفّره المعتزلة في نفي الاستطاعة، وكفّره أهل السنّة بنفي الصفات وخلق القرآن ونفي الرؤية.

5 - وانفرد بجواز الخروج على السلطان الجائر.

6 - وزعم أنّ علم الله حادث لا بصفة يوصف بها غيره. (1)

____________________

(1). الخطط المقريزيّة: 3/349، ولاحظ: ص351.

٨٢

أقول: الظاهر أنّ قاعدة مذهبه أمران:

الأوّل: الجبر ونفي الاستطاعة، فجهم بن صفوان رأس الجبر وأساسه، ويُطْلق على أتباعه الجبريّة الخالصة، في مقابل غير الخالص منها.

الثاني: تعطيل ذاته سبحانه، عن التوصيف بصفات الجلال والجمال، ومن هنا نجمت المعطّلة.

وأمّا غير هذين الأمرين فمشكوك جداً.

التطورات الّتي مرّ بها مفهوم الجهمي:

لمّا كان نفي الصفات عن الله والقول بخلق القرآن ونفي الرؤية ممّا نسب إلى منهج الجهم، صار لفظ الجهمي رمزاً لكلِّ من قال بأحد هذه الأُمور، وإن كان غير قائل بالجبر ونفي القدر؛ ولأجل ذلك ربّما تطلق الجهميّة ويراد بها المعتزلة أو القدريّة، يقول أحد بن حنبل:

والقرآن كلام الله ليس بمخلوق، فمن زعم أنّ القرآن مخلوق فهو جهمي كافر، ومن زعم أنّ القرآن كلام الله ووقف، ولم يقل مخلوق ولا غير مخلوق، فهو أخبث من الأوّل، ومن زعم أنّ ألفاظنا بالقرآن وتلاوتنا له مخلوقة، والقرآن كلام الله، فهو جهمي، ومن لم يكفّر هؤلاء القوم كلّهم فهو مثلهم. (1)

____________________

(1) السنّة: 49.

٨٣

الحركات الرجعيّة

2

8

المجسّمة

إنّ إقصاء العقل عن ساحة العقائد، والبرهان عن التفكير، ألحق أضراراً جسيمة بالمجتمع الإسلامي، حيث ظهرت فيه حركات هدّامة ترمي إلى تقويض الأُسس الدينية والأخلاقيّة.

ومن تلك الحركات المجسّمة؛ الّتي رفع لواءها مقاتل بن سليمان المجسم (1) (المتوفّى عام 150هـ)، ونشر أقاصيص الأحبار والرهبان في القرن الثالث، فهو وجهم بن صفوان، مع تشاطرهما في دفع الأُمّة الإسلامية إلى حافة الجاهلية،على طرفي نقيض في مسألة التنزيه والتشبيه.

____________________

(1) مقاتل بن سليمان بن بشر الأزدي بالولاء، البلخي، أبو الحسن، من المفسرين، أصله من بلخ، انتقل إلى البصرة ودخل بغداد وحدّث بها، وتوفّي بالبصرة، كان متروك الحديث، من كتبه (التفسير الكبير)، و(نوادر التفسير)، و(الرّد على القدريّة)، و(متشابه القرآن)، و(الناسخ والمنسوخ)، و(القراءات)، و(الوجوه والنظائر)، [الأعلام: 7/281].

٨٤

أمّا صفوان، فقد بالغ في التنزيه حتّى عطّل وصف ذاته بالصفات.

وأمّا مقاتل، فقد أفرط في التشبيه فصار مجسّماً، وقد نقل المفسرون آراء مقاتل في كتب التفاسير.

فليعرف القارئ مكانه في الوثاقة وتنزيه الربّ عن صفات الخلق.

قال ابن حبّان: كان يأخذ من اليهود والنصارى - في علم القرآن - الّذي يوافق كتبهم، وكان يشبّه الربّ بالمخلوقات، وكان يكذب في الحديث.

وقال أبو حنيفة: أفرط جهم في نفي التشبيه، حتّى قال إنّه تعالى ليس بشيء، وأفرط مقاتل في الإثبات حتى جعله مثل خلقه. (1)

____________________

(1) لاحظ: ميزان الاعتدال، 4/173. وراجع تاريخ بغداد، 13/166.

٨٥

الحركات الرجعية

3

9

الكرّاميّة

وهذه الفرقة منسوبة إلى محمد بن كرام السجستاني (المتوفّى عام 255هـ) شيخ الكرامية.

قال الذهبي: ساقط الحديث على بدعته، أكَثَر عن أحمد الجويباري، ومحمد بن تميم السعدي؛ وكانا كذّابين.

وقال ابن حبّان: خذل، حتّى التقط من المذاهب أردأها، ومن الأحاديث أوهاها... وجعل الإيمان قولاً بلا معرفة.

وقال ابن حزم: قال ابن كرام: الإيمان قول باللسان، وإن اعتقد الكفر بقلبه، فهو مؤمن. ومن بِدَع الكرّاميّة قولهم في المعبود تعالى إنّه جسم لا كالأجسام، وقد سقت أخبار ابن كرّام في تاريخي الكبير، وله أتباع ومؤيّدون، وقد سجن في نيسابور لأجل بدعته ثمانية أعوام، ثُمَّ أُخرج وسار

٨٦

إلى بيت المقدس، ومات بالشام سنة 255هـ. (1)

إنّ للكرّامية نظريات في موضوعات أُخر، ذكرها البغدادي، وقد بلغت جُرأتهم في باب النبوّة حتّى قال بعضهم: إنّ النبي أخطأ في تبليغ قوله[ تعالى]: ( وَمَنَاةَ الثّالِثَةَ الْأُخْرَى ) ، حتّى قال بعده: (تلك الغرانيق العلى، وان شفاعتها لترتجى). (2)

مع أنّ قصة الغرانيق أُقصوصة ابتدعها قوم من أهل الضلالة، وقد أوضحنا حالها في كتابنا (سيد المرسلين (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم».

ونكتفي بهذا النزر في بيان عقائدهم، وكلّها وليد إقصاء العقل والمنطق عن ساحة العقائد، والاكتفاء بالروايات مع ما فيها من أباطيل وترّهات وضعها الأعداء واختلقتها الأهواء، فهي من أسوأ الحركات الرجعيّة الظاهرة في أواسط القرن الثالث.

____________________

(1) ميزان الاعتدال: 4/21.

(2) الفرق بين الفِرق: 222.

٨٧

الحركات الرّجعيّة

4

10

الظاهرية

وهذا المذهب منسوب إلى داود بن علي الأصفهاني الظاهري (200 - 270هـ).

وقد أسّس مذهباً في الفروع، فالمصدر الأصلي في الفقه عنده هو النصوص، بلا رأي في حكم من أحكام الشرع، فهم يأخذون بالنصوص وحدها، فإذا لم يكن بالنص، أخذوا بالإباحة الأصليّة.

ما هو السبب لظهور هذا المذهب؟

إنّ إقصاء العقل عن ساحة العقائد يستلزم طرده عن ساحة الفقه بوجه أولى، لأنّ أساسه هو التعبُّد بالنصوص، وعدم الإفتاء بشيء لا يوجد له أصل في الكتاب والسنّة، لكن الجمود على حرفيّة النصوص شيء، والتعبّد بالنصوص وعدم الإفتاء في مورد لا يوجد فيه أصل ودلالة في المصدرين الرئيسيّين شيء آخر،

٨٨

فالظاهرية على الأوّل، والفقهاء على الثاني، ولأجل إيضاح الحال نأتي بمثالين:

1 - إنّ الشكّل الأوّل من الأشكال الأربعة ضروري الإنتاج، من غير فرق بين الأُمور التكوينيّة أو الأحكام الشرعيّة؛ فكما أنّ الحكم بحدوث العالم نتيجة حتمية لقولنا: العالم متغيّر وكلّ متغيّر حادث، فهكذا الحكم بحرمة كلّ مسكر، نتيجة قطعيّة لقولنا: الفقاع مسكر، وكل مسكر حرام، فالفقاع حرام؛ لكنّ الظاهري يقبل المقدّمتين، ولكن لا يفتي بالنتيجة؛ بحجة أنّها غير مذكورة في النصوص.

2 - ما يسمّيه الفقهاء بلحن الخطاب، وإن كان شيئاً غير مذكور في نفس الخطاب، لكنّه من اللوازم البيّنة له، بحيث يتبادر إلى الذّهن من سماعه، فإذا خاطبنا سبحانه بقوله: ( فَلَا تَقُل لَهُمَا أُفٍ ) (1) ، يتوجّه الذهن إلى حرمة ضربهما وشتمهما بطريق أولى، ولكن الفقيه الظاهري يأبى عن الأخذ به بحجّة كونه غير منصوص.

قال سبحانه: ( قُل لِلّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِن يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنّتُ الْأَوّلِينَ ) (2) .

فالموضوع للحكم (مغفرة ما سلف عند الانتهاء)؛ وإن كان هو الكافر، لكن الذهن السليم يتبادر إلى فهم شيء آخر، لازم لهذا الحكم بالضرورة، وهو تعميم الحكم إلى المسلم أيضاً بوجه آكد، ولكنّ الظاهري يتركه؛ بحجة أنّه غير مذكور في النص.

____________________

(1) الإسراء: 23.

(2) الأنفال: 38.

٨٩

وهذا النوع من الجمود يجعل النصوص غير كافلة لاستخراج الفروع الكثيرة، وتصبح الشريعة ناقصة من حيث التشريع والتقنين، وغير صالحة لجميع الأجيال والعصور، وفاقدة للمرونة اللازمة الّتي عليها أساس خاتميّة نبوّة نبيّناً محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وكتابه وسنّته.

ثمَّ إنّ الاكتفاء بظاهر الشريعة؛ وأخذ الأحكام من ظواهر النصوص؛ له تفسيران: أحدهما صحيح جداً، والآخر باطل، فإن أُريد منه نفي الظنون؛ الّتي لم يدلّ على صحة الاحتجاج بها دليل، فهو نفس نص الكتاب العزيز، قال سبحانه: ( قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ ) (1) ، فالشيعة الإماميّة، وبفضل النصوص الوافرة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) المتّصلة اسنادها إلى الرسول الأكرم (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، استطاعت أن تستخرج أحكام الحوادث والموضوعات الكثيرة منها، وامتنعت عن العمل بالقياس والاستحسان وغيرهما من الأدلّة الظنية؛ الّتي لم يقم الدليل القطعي على صحّة الاحتجاج بها، بل قام الدليل على حرمة العمل على بعضها، كالقياس، وقد ورد في نصوص أئمتهم (عليهم السلام): «إنّ السنّة إذا قيست مُحق الدين» (2) .

وإن أُريد بها لوازم الخطاب؛ أي ما يكون في نظر العقلاء، كالمذكور أخذاً بقولهم: (الكناية أبلغ من التصريح)، ويكون التفكيك بينهما أمراً غير صحيح، فليس ذلك عملاً بغير المنصوص. نعم ليس عملاً بالظاهر الحرفي، ولكنّه عمل بها بما يفهمه المخاطبون بها.

____________________

(1) يونس: 59.

(2) الوسائل: 18، الباب 6 من أبواب صفات القاضي، الحديث 10.

٩٠

أُفول نجمه:

إنّ هذا المذهب لأجل حرفيته قد أفل نجمه بسرعة.

نعم قد تبعه فقيه آخر باسم ابن حزم (384 - 458هـ)، وأعاد هذا المذهب إلى الساحة، وألّف حوله كتباً ورسائل، وخدمه بالتآليف التالية:

1 - الإحكام في أُصول الأحكام: بيّن فيه أُصول المذهب الظاهري.

2 - النُّبَذ: وهو خلاصة ذلك الكتاب.

3 - المحلّى: وهو كتاب كبير نشر في عشرة أجزاء، جمع أحاديث الأحكام وفقه علماء الأمصار، طبع في بيروت بتحقيق أحمد محمد شاكر، وله آراء شاذة - كبطلان الاجتهاد في استخراج الأحكام الفقهية، وجواز مس المصحف للمجنب، وقاتل الإمام عليّ كان مجتهداً - ذكرناها في موسوعتنا. (1)

وقد ذكرنا هذا المذهب، مع أنّه فقهي؛ لأجل اشتراكه مع ما سبق في الرجعيّة، وإقصاء العقل عن ساحة الاجتهاد الفقهي.

____________________

(1) بحوث في الملل والنحل: 3/141 - 146.

٩١

11

المعتزلة

المعتزلة بين المدارس الكلاميّة المختلفة؛ مدرسة فكريّة عقليّة أعطت للعقل القسط الأوفر، ومن المؤسف أنّ هوى العصبية، بل يد الخيانة، لعبت بكثير من مخلّفاتهم الفكريّة، فأطاحت به فأضاعتها بالخرق والتمزيق، فلم يبق فيما بأيدينا من آثارهم إلاّ الشيء القليل، وأكثرها يرجع إلى كتب عبد الجبار المعتزلي (المتوفّى عام 415هـ)، ولأجل ذلك فقد اعتمد في تحرير هذا المذهب غير واحد من الباحثين على كتب خصومهم كالأشاعرة، ومن المعلوم أنّ الاعتماد على كتاب الخصم لا يُورث يقيناً.

وقد اهتمّ المستشرقون في العصور الأخيرة بدراسة مذهب الاعتزال، ولقد أُعجبوا بمنهج الاعتزال في حرّية الإنسان وأفعاله، وصار ذلك سبباً لرجوع المعتزلة إلى الساحة من قبل المفكّرين الإسلاميّين، ولذلك نُشرت في هذه الآونة الأخيرة كتباً حول المعتزلة.

ومؤسّس المذهب هو واصل بن عطاء تلميذ الحسن البصري، نقل الشهرستاني أنّه دخل شخص على الحسن البصري، فقال: يا إمام الدين!، لقد ظهرت في زماننا جماعة يكفّرون أصحاب الكبائر، والكبيرة عندهم تُخرج به

٩٢

عن الملّة، وهم وعيديّة الخوارج، وجماعة يُرجئون أصحاب الكبائر، ويقولون لا تضر مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة، وهم مرجئة الأُمّة، فكيف تحكم لنا في ذلك اعتقاداً؟

فتفكّر الحسن في ذلك، وقبل أن يجيب، قال واصل بن عطاء: أنا لا أقول إنّ صاحب الكبيرة مؤمن مطلقاً، ولا كافر مطلقاً، بل هو في منزلة بين المنزلتين، لا مؤمن ولا كافر، ثُمّ قام واعتزل إلى اسطوانة المسجد؛ يقرّر ما أجاب به على جماعة من أصحاب الحسن، فقال الحسن: اعتزل عنّا واصل، فسمّي هو وأصحابه: معتزلة. (1)

سائر ألقاب المعتزلة:

إنّ للمعتزلة ألقاباً أُخر:

1 - العدليّة: لقولهم بعدل الله سبحانه وحكمته.

2 - الموحّدة: لقولهم لا قديم مع الله، وينفون قدم القرآن.

3 - أهل الحق: لأنّهم يعتبرون أنفسهم أهل الحق.

4 - القدريّة: يُعبَّر عن المعتزلة في الكتب الكلاميّة بالقدريّة، والمعتزلة يطلقونها على خصومهم، وذلك لما رُوي عن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «أنّ القدريّة مجوس هذه الأُمّة». فلو قلنا بأنّ القدريّة منسوبة إلى القدر؛ عِدْل القضاء، فتنطبق على

____________________

(1) الملل والنحل: 1/62.

٩٣

خُصَماء المعتزلة؛ القائلين بالقدر السالب للاختيار. ولو قلنا بأنّها منسوبة إلى القدرة؛ أي القائلين بتأثير قدرة الإنسان في فعله واختياره وتمكّنه في إيجاده، فتنطبق - على زعم الخُصَماء - على المعتزلة؛ لقولهم بتأثير قدرة الإنسان في فعله. وقد طال الكلام بين المتكلّمين في تفسير الحديث وذِكْر كلِّ طائفة وجهاً لانطباقه على خصمها. (1)

5 - الثنويّة: ولعلّ وجهه ما يتراءى من بعضهم من نسبة الخير إلى الله والشر إلى العبد.

6 - الوعيدية: لقولهم إنّ الله صادق في وعده، كما هو صادق في وعيده، وإنّه لا يغفر الذنوب إلاّ بعد التوبة، فلو مات بدونها يكون معذّباً قطعاً ويخلَّد في النار.

7 - المعطّلة: لتعطيل ذاته سبحانه عن الصفات الذاتية، ولكن هذا اللقب أُلصق بالجهميّة، وأمّا المعتزلة فلهم في الصفات مذهبان:

أ - القول بالنيابة، أي خلو الذات عن الصفات، ولكن تنوب الذّات مكان الصفات في الآثار المطلوبة منها، وقد اشتهر قولهم: (خُذ الغايات واترك المبادئ)، وهذا مخالف لكتاب الله والسنّة والعقل. فإنّ النقل يدلّ بوضوح على اتّصافه سبحانه بالصفات الكماليّة، وأمّا العقل، فحدِّث عنه ولا حرج؛ لأنّ الكمال يساوق الوجود، وكلّما كان الوجود أعلى وأشرف، تكون الكمالات فيه آكد.

____________________

(1) كشف المراد: 195، شرح المقاصد للتفتازاني: 2/143.

٩٤

ب - عينيّة الصفات مع الذّات واشتمالها على حقائقها، من دون أن يكون ذات وصفة، بل الذّات بلغت في الكمال إلى درجة صار نفس العلم قدرة.

8 - الجهميّة، وهذا اللّقب منحه أحمد بن حنبل لهم، فكل ما يقول: قالت الجهميّة، أو يصف القائل بأنّه جهميّ؛ يُريد به المعتزلة، لِمَا وجد من موافقتهم الجهميّة في بعض المسائل.

9 - المفنية.

10 - اللّفظيّة.

وهذان اللّقبان ذكرهما المقريزي وقال: إنّهم يوصفون بالمفنية، لما نسب إلى أبي الهذيل من فناء حركات أهل الجنة والنار؛ واللفظية لقولهم: ألفاظ القرآن مخلوقة. (1)

الأُصول الخمسة عند المعتزلة:

اشتهرت المعتزلة بأُصول خمسة، فمن دان بها فهو معتزلي، ومن نقص منها أو زاد عليها فليس منهم، وتلك الأُصول المرتبة حسب أهميتها عبارة عن: التوحيد، العدل، الوعد والوعيد، المنزلة بين المنزلتين، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

فمن دان بها، ثُمَّ خالف بقية المعتزلة في تفاصيلها، لم يخرج بذلك عنهم.

وإليك تفصيل هذه الأُصول بنحو موجز:

____________________

(1) الخطط المقريزيّة: 4/169.

٩٥

إيعاز إلى الأُصول الخمسة

وقبل كلّ شيء نطرح هذه الأُصول على وجه الإجمال، حتّى يُعلم ماذا يريد منها المعتزلة، ثُمَّ نأخذ بشرحها واحداً بعد احد؛ فنقول:

1 - التوحيد: ويراد منه العلم بأنّ الله واحد، لا يشاركه غيره فيما يستحقُّ من الصفات نفياً وإثباتاً على الحدّ الّذي يستحقّه. والتوحيد عندهم رمز لتنزيهه سبحانه عن شوائب الإمكان ووهم المثليّة وغيرهما ممّا يجب تنزيه ساحته عنه، كالتجسيم والتشبيه وإمكان الرؤية وطروء الحوادث عليه. غير أنّ المهمّ في هذا الأصل؛ هو الوقوف على كيفيّة جريان صفاته عليه سبحانه، ونفي الرؤية، وغيرهما يقع في الدّرجة الثانية من الأهمية في هذا الأصل؛ لأنّ كثيراً منها لم يختلف المسلمون فيه، إلاّ القليل منهم.

2 - العدل: إذا قيل إنّه تعالى عادل، فالمراد أنّ أفعاله كلّها حسنة، وأنّه لا يفعل القبيح، وأنّه لا يَخِلّ بما هو واجب عليه. وعلى ضوء هذا: لا يكذب في خبره، ولا يجور في حكمه، ولا يعذِّب أطفال المشركين بذنوب آبائهم، ولا يُظهر المعجزة على أيدي الكذّابين، ولا يكلِّف العباد وما لا يطيقون، وما لا يعلمون، بل يُقْدِرهم على ما كلّفهم، ويعلِّمهم صفة ما كلّفهم، ويدلّهم على ذلك، ويبيّن لهم ( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيّنَةٍ وَيَحْيَى‏ مَنْ حَيّ عَنْ بَيّنَةٍ ) (1) ، وأنّه إذا كلّف المكلّف وأتى بما كلّف على الوجه الّذي كُلِّف، فإنّه يثيبه لا محالة، وأنّه سبحانه إذا آلم وأسقم، فإنّما فعله لصلاحه ومنافعه، وإلاّ كان مخلاًّ بواجب...

3 - الوعد والوعيد: والمراد منه أنّ الله وعد المطيعين بالثواب، وتوعّد

____________________

(1) الأنفال: 42.

٩٦

العصاة بالعقاب، وأنّه يفعل ما وعد به وتوعّد عليه لا محالة. ولا يجوز الخُلف، لأنّه يستلزم الكذب. فإذا أخبر عن الفعل، ثُمَّ تركه، يكون كذباً. ولو أخبر عن العزم، فبما أنّه محال عليه، كان معناه الإخبار عن نفس الفعل، فيكون الخُلف كذباً. وعلى ضوء هذا الأصل، حكموا بتخليد مرتكب الكبائر في النار؛ إذا مات بلا توبة.

4 - المنزلة بين المنزلتين: وتلقّب بمسألة الأسماء والأحكام؛ وهي أنّ صاحب الكبيرة ليس بكافر كما عليه الخوارج، ولا منافق كما عليه الحسن البصري، ولا مؤمن كما عليه بعضهم، بل فاسق لا يحكم عليه بالكفر ولا بالإيمان.

5 - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: والمعروف: كلّ فعل عرف فاعله حسنه أو دلّ عليه، والمنكر: كلّ فعل عرف فاعله قبحه أو دلّ عليه. ولا خلاف بين المسلمين في وجوبهما؛ إنّما الخلاف في أنّه هل يُعلم عقلاً أو لا يُعلم إلاّ سمعاً؟، ذهب أبو عليّ (المتوفّى 303هـ) إلى أنّه يُعلم عقلاً وسمعاً، وأبو هاشم (المتوفّى 321هـ) إلى أنّه يُعلم سمعاً، ولوجوبه شروط تُذكر في محلّها، ومنها أن لا يؤدّي إلى مضرّة في ماله أو نفسه، إلاّ أن يكون في تحمّله لتلك المذلّة إعزاز للدّين.

قال القاضي: وعلى هذا يحمل ما كان من الحسين بن عليّ (عليهما السّلام)؛ لِمَا كان في صبره على ما صبر، إعزاز لدين الله عزّ وجلّ، ولهذا نباهي به سائر الأُمم، فنقول: لم يبق من ولْد الرّسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) إلاّ سبط واحد، فلم يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتّى قتل دون ذلك. (1)

____________________

(1) الأُصول الخمسة: 142، نقلاً عن، بحوث في الملل والنحل: 3/254 - 255.

٩٧

سبب الاقتصار على هذه الأُصول الخمسة:

هناك سؤال يطرح نفسه، وهو:

لماذا اقتصروا على هذه الأُصول، مع أنّ أمر النبوّة والمعاد أولى بأن يُعدَّ من الأُصول؟

وقد ذكروا في وجه ذلك أُموراً لا يُعتمد عليها، والحق أن يقال: إنّ الأُصول الخمسة الّتي يتبنّاها المعتزلة، مؤلّفة من أُمور تعدُّ من أُصول الدين كالتوحيد والعدل على وجه، ومن أُصول كلاميّة أنتجوها من البحث والنقاش، وأقحموها في الأُصول لغاية ردِّ الفرق المخالفة؛ الّتي لا توافقهم في هذه المسائل الكلامية.

وعند ذلك يستنتج القارئ أنّ ما اتّخذته المعتزلة من الأُصول، وجعلته في صدر آرائها، ليست إلاّ آراء كلاميّة لهذه الفرقة، تظاهروا بها للردّ على المجبّرة والمشبّهة والمرجئة والإماميّة وغيرهم من الفرق، على نحو لو لا تلكم الفِرَق لما سمعت من هذه الأُصول ذكراً.

أئمة المعتزلة:

المراد بأئمتهم؛ مشايخهم الكبار؛ الّذين نضج المذهب بأفكارهم وآرائهم، ووصل إلى القمة في الكمال.

نعم، في مقابل أئمة المذهب، أعلامهم الّذين كان لهم دور في تبيين هذا المنهج من دون أن يتركوا أثراً يستحق الذكر في الأُصول الخمسة، وها نحن نذكر من الطائفيتن نماذج:

٩٨

1. واصل بن عطاء (80 - 131هـ):

أبو حذيفة واصل بن عطاء، مؤسّس الاعتزال، المعروف بالغزّال، يقول ابن خلّكان: كان واصل أحد الأعاجيب، وذلك أنّه كان ألثغ، قبيح اللثغة في الرّاء، فكان يُخلِّص كلامه من الرّاء ولا يُفطن لذلك، لاقتداره على الكلام وسهولة ألفاظه، ففي ذلك يقول أبو الطروق؛ يمدحه بإطالة الخطب واجتنابه الراء على كثرة تردّدها في الكلام، حتّى كأنّها ليست فيه.

عـليم بـإبدال الحروف وقامع

لـكلّ خطيب يغلب الحقَّ باطلُه

وقال الآخر:

ويـجعل البرّ قمحاً في تصرّفه

وخالف الرّاء حتّى احتال للشعر

ولـم يطق مطراً والقول يعجله

فـعاذ بالغيث اشفاقاً من المطر

من آرائه ومصنّفاته:

إنّ واصل هو أوّل من أظهر المنزلة بين المنزلتين؛ لأنّ الناس كانوا في أسماء أهل الكبائر من أهل الصلاة على أقوال: كانت الخوارج تسمّيهم بالكفر والشرك، والمرجئة تسمّيهم بالإيمان، وكان الحسن وأصحابه يسمّونهم بالنفاق.

مؤلّفاته:

ذكر ابن النديم في (الفهرست)، وتبعه ابن خلّكان: إنّ لواصل التصانيف التالية:

٩٩

1 - كتاب أصناف المرجئة.

2 - كتاب التوبة.

3 - كتاب المنزلة المنزلتين.

4 - كتاب خطبه الّتي أخرج منها الرّاء.

5 - كتاب معاني القرآن.

6 - كتاب الخُطب في التوحيد والعدل.

ومن المحتمل أنّه قام بجمع خطب الإمام عليّ (عليه السّلام) في التوحيد والعدل فأفرده تأليفاً.

7 - كتاب ما جرى بينه وبين عمرو بن عبيد.

8 - كتاب السبيل إلى معرفة الحق.

9 - كتاب في الدعوة.

10 - كتاب طبقات أهل العلم والجهل. (1)

2. عمرو بن عبيد (80 - 143هـ):

وهو الإمام الثاني للمعتزلة بعد واصل بن عطاء، وكان من أعضاء حلقة الحسن البصري، مثل واصل، لكن التحق به بعد مناظرة جرت بينهما في مرتكب الكبيرة.

روى ابن المرتضى، عن الجاحظ، أنّه قال: صلَّى عمرو أربعين عاماً صلاة

____________________

(1) فهرست ابن النديم: 203، الفن الأوّل من المقالة الخامسة.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399