في الفكر الاجتماعي عند الإمام علي (عليه السلام)

في الفكر الاجتماعي عند الإمام علي (عليه السلام)0%

في الفكر الاجتماعي عند الإمام علي (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: شارع معلّم
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 390

في الفكر الاجتماعي عند الإمام علي (عليه السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: عبد الرضا الزبيدي
الناشر: شارع معلّم
تصنيف: الصفحات: 390
المشاهدات: 55577
تحميل: 8642

توضيحات:

في الفكر الاجتماعي عند الإمام علي (عليه السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 390 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 55577 / تحميل: 8642
الحجم الحجم الحجم
في الفكر الاجتماعي عند الإمام علي (عليه السلام)

في الفكر الاجتماعي عند الإمام علي (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: شارع معلّم
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

العلم في اللغة العربية هو ابن خلدون في مُقدّمته، وقد اعتبره بعضهم أوّل أُستاذ كَتب وبحث في موضوعاته في الشرق، كما أنّ الفيلسوف الفرنسي (كونت) أوّل من صاغ عنوان علم الاجتماع في الغرب عام 1839م وحدود موضوعه بدراسة الفرد من حيث تركيبه الفسيولوجي والعضوي وانفعالاته النفسيّة ومَلَكاته الذهنيّة باعتبار أنّه الوحدة التي يتألّف منها المجتمع، غير أنّ هذا الفصل من العهد العلوي - طبقات الهيئة الاجتماعية - يثبت لأبناء المشرقين أن غارس نواة هذا العلم وواضع سُننه المُطّردة هو الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وذلك بعد البعثة المحمديّة المشرّفة). (1)

الإسلام والاتّجاه الحقيقي للعلوم

عندما نتحدّث عن الفكر الاجتماعي عند علي (عليه السلام) لا يعني أنّنا اتخذنا منهجاً غربياً بأن ربطنا علم الاجتماع بالمنهج الإسلامي، بل نستطيع القول أنّ المناهج الاجتماعية ودراسة الظواهر الاجتماعية واستخلاص النتائج التخطيطيّة للحياة البشريّة نابعة من الإسلام كدين وكمنهاج بما أعطاه كتاب الله من قوانين تحكم هذا الكون الرَحب، وبمعرفتها يسهل التعامل العلمي مع المُحيط العام، وكذلك ما بَيّنت لنا السُنن التاريخيّة في الآيات القرآنيّة التي (... أكّدت وحثّت على الاستقراء والنَظر والتَدبّر في الحوادث التاريخية من أجل تكوين نظرة استقرائيّة، من أجل الخروج بنواميس وسُنن كونيّة للساحة التاريخية). (2)

( أَفَلَمْ يِسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الّذِينَ مِن

____________________

(1) الراعي والرعيّة - المصدر السابق - ص 82.

(2) الصدر - محمد باقر - المدرسة القرآنية ص 70.

٨١

قَبْلِهِمْ دَمّرَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا ) . (1)

ثُمّ إنّ العلوم والقوانين التي ظهرت إبّان عصر الانحطاط والتدهور الحضاري الذي ساد أوربّا في العصور الوسطى وما بعدها، وخلال عصر النهضة، وبداية التحوّلات والتطور الصناعي، وما رافق ذلك من تخلّف وتعنّت كنسي، ورفض لأي انبعاث علمي وتجديدي في الساحة البشريّة والكونيّة أدّت إلى تطوير الفكرة التجديدية الرافضة لتلك المواقف.

إنّ الدين يجب أن يقوم بالهداية والإشراف على هذه التحوّلات الفكريّة والصناعيّة، ويرشدها نحو الصالح الذي يرضاه الله، فالباري عزّ وجل لا يرضى أن يُرتكب ذلك الخطأ الفاحش بشأن المُجتمعات البشريّة والتطور العلمي، لأنّ الحقيقة هي أن العلماء الذين برزوا آنذاك استفادوا من اكتشافهم العِلل التي تتحكّم بقوانين الطبيعة، وهذا ما وضعه الله لنا، ولا يُنافي القدرة الإلهيّة وعظمة الخالق، حيث وضع الكون وما حواه وفق قوانين وسنن كونيّة خاصّة، وتوازن علمي في غاية الدِقّة، لا يُمكن أن يحدث أيّ خَلل في الحركة العامّة لهذه المجموعات الكونيّة كافة ( وَالشّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرّ لّهَا ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتّى‏ عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لاَ الشّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلاَ اللّيْلُ سَابِقُ النّهَارِ وَكُلّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) (2) .

والباري عزّ وجل دعا الإنسان إلى مُمارسة التفكّر العلمي لاكتشاف القوانين المُتلازمة في هذا الجانب، والاستفادة ممّا سَخّره الله (سبحانه وتعالى) لنا لخدمة الإنسانيّة، هذا هو نظر الإسلام بإيجاز، والإسلام لا ينظر إلى التقدّم العلمي نظرة رافضة، إلاّ ما يَضرّ بحياة البشريّة ويُدمّر مسيرتها ويسحق مبادئها

____________________

(1) سورة محمد: الآية 10.

(2) سورة يس: الآية 38 - 40.

٨٢

الخُلُقيّة، بحيث يُسخّر الخَلق لخدمة الأغراض المُدمّرة، عند ذلك يرفض الدين هذا التوجّه، وإلاّ لامحظورات ولاممنوعات على التفكير العلمي السليم في الإسلام الذي يدعم بالتشجيع والدفع المعنوي العلماء ليبرزوا في مجالاتهم حتى يُحقّقوا الانجازات للبشريّة جمعاء.

(فالإسلام يرى أنّ لكّل موضوع يتعلّق بالحياة الإنسانيّة صفة ذاتيّة ووصفاً ذاتياً...، فكل موضوع في الحياة الإنسانيّة: إمّا أن يكون خيراً ونافعا بذاته ويُحقّق وجوده مصلحة، وإمّا أن يكون شرّاً وضرراً بذاته، يجرّ وجوده مفسدة...، وهدف الشريعة هو (جلب المصالح ودرء المفاسد) (1) .

إذن؛ الدين الإسلامي يتّجه بالإنسان نحو الاكتشافات العلمية التي فيها مصلحة عامّة للبشرية، في حين أنّ الكنيسة لم تستوعب هذا التحرّك العلمي الواسع كما هو في الإسلام، بل اعتبرت كلّ حَدَث علمي جديد هو ضدّ الله والدين، ووضعت نفسها وسط العقيدة المحرّفة واضفاء القدسية، وسعيهم - أي رجال الكنيسة - إلى أن تكون السلطة الروحيّة والزمنيّة في أيديهم، وذلك ما يعبّر عنه بـ (الثيوقراطيّة)، حيث يقودون المجتمع بدون نظام معلوم أو قانون إلهيّ حقيقي يسيرون عليه، وليس لهم هدفٌ سوى استدامة الحالة الجاهلة لدى المجتمع، ثُمّ جعل أمر المُلوك والأمراء وسياستهم في قبضة الكنيسة لتُسيّرهم وِفق طموحاتهم وتطلّعاتهم الدنيويّة، بحيث أصبح من الصعب عليها بعد ذلك تقبُّل كلّ فكر جديد أو تطوّر علمي يكون الخلاص فيه من تلك التعاليم الزائفة، وما يبغونه بقاء التعاليم الموضوعة والتي لا تخدم إلاّ أهدافهم ومصالحهم الذاتية، فلم تقر ولم تعترف بأيّ شيء من تلك التحولات؛ فأدّى ذلك إلى انحرافات فكريّة

____________________

(1) مؤسسة البلاغ - الفكر الإسلامي - ج2، ص37.

٨٣

كبيرة، وظهور نظريات اجتماعية واقتصادية وسياسية وغيرها مناهضة - إن لم تكن مُحاربة - لأصل الدين والاعتقادات الإلهيّة، بل أكثر من ذلك، اعتبرت الدين عقبة كأداء أمام التطور الحضاري والتقدّم العلمي، وأقنعت الكثير من الجموع الغاضبة من الكنيسة وتصرّفاتها بذلك. فترشّحت لنا نظريّات بعضها أشبه بالخيال، والبعض يبحث عن معانٍٍ ومسمّيات جديدة لها، وهذا غير موجود أصلاً في الدين الإسلامي الحنيف بوجود كتابه العظيم القرآن الكريم: ( إِنّا نَحْنُ نَزّلْنَا الذّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (1) .

وحينما نتحدّث عن العلوم بتسمياتها الجديدة لا نريد من ذلك أن نطوّع الفكر الإسلامي للانتهال من تلك العلوم، إنّما نوضّح الحقائق الخافية والدامغة والتي أُخفيَت عن العالم وحُمّلت من البغض والتشويه ما لا يسعه عقل أنسان أبداً، فحينما نتكلّم عن المعالم العامّة للفكر نعني بذلك بحثنا عن مصادر العلوم ومنابعها الأصليّة لنوضح ذلك للآخرين.

إذن؛ فسعينا للتعريف بأنّ مباني أغلب هذه العلوم هي من منبع أصيل، وهو الإسلام وسيرة نبيّنا (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وكذلك ما تركه لنا إمامنا عليّ (عليه السلام) من أثر علميّ خالد في نهج البلاغة، ومن قراءتنا لهذا الكتاب القيّم وجدت أنّ عُلماء الغرب قد أخذوا الكثير بشأن علم الاجتماع والسياسة وغيرها من هذا الفكر الجبّار، وصاغوها بصيغهم الخاصّة وأعطوها تلك التسميات، وصاحب العِلم هو ابن أبي طالب (عليه السلام)، فهو رائد الفكر الاجتماعي، وواضع أُسسه التطبيقيّة والعمليّة، ولا خلاف في ذلك من خلال ما بحثته في هذه الدارسة التي سأطرحها فيما بعد، فالغرض أنّنا لا نقرن الفكر الإسلامي في الاجتماع بالنظريّات الحديثة، والهدف هو

____________________

(1) سورة الحجر: الآية 9.

٨٤

الحصول على منهج جديد في هذا المجال، فمعالم النظريّة الاجتماعية الإسلامية موجوة بالأصل، وعلم الاجتماع بتعريفه الحالي والكامل نابع من فكر علي (عليه السلام)، والإسلام غنيّ بكل المناهج والطُرق والأساليب المُتّخذة والمعمول بها في الحياة العامّة، إنّما العلّة تَكمن في الفهم الصحيح والسير على النهج الأصيل والابتعاد عن الطرق الملتوية والأساليب التي لا تُجدي نفعاً، والبحث عن برنامج عمل واضح لطرح نظرية اجتماعيّة مُستوحاة من الشريعة الغرّاء وفق مفاهيم جديدة ومُعاصرة تحفظ المبادئ وتبتعد عن الانحراف، فمتن العلوم الاجتماعية موجود في عُمق الفكر الإسلامي، وما نحتاجه هو الإبراز والتوضيح بالصورة المناسبة التي تبتعد عن المصطلحات العقيمة والألفاظ الرنّانة والتمثّل بالمُفكّرين المعاصرين والقدماء من الغربيّين، ووضع منهج خاصّ في العمل بالعلوم الاجتماعية، سيكون من أوضح المناهج وأكثرها مُلاءمةً لحياة المجتمعات وأكثر موضوعيّة، ولا يهمّنا ما كُتب وما قيل عن مناهجهم العلميّة في هذا (الشأن، إلاّ ما صلح منها للإنسانية)، تلك التي نقضت نفسها بنفسها في كثير من المواقف، بل بعضها غير صالح للأخذ به وفشلت في المجالات التطبيقية، في حين ما سنعرضه من منهج علي (عليه السلام) في إدارة البلاد وقيادة المجتمع ونَظم مسيرة حركة الأفراد وعلاقاتهم فيما بينهم، كلّ مراحل الدراسات التطبيقية قد تمّت في فكر علي (عليه السلام)، والتي أعطتنا النتائج الكاملة بدون نقص للعمل وفقها مع بيان العلل والأسباب عند كلّ نقطة من ذلك المنج وتوضيحها، بحيث لا يمكن أن توضع نظريّة اجتماعيّة إسلامية معاصرة دون التبحّر في فكر سيّد الموحّدين، ففكره المنهال الواسع للعقول الذي يُعطي الحياة السعيدة للمجتمع.

٨٥

٨٦

الباب الثّاني

السلطة والمجتمع

٨٧

٨٨

الفصل الأوّل

الحقوق وأثرها في التماسك الاجتماعي

٨٩

٩٠

إنّ الدولة أو السلطة الزمنيّة - كما يُعبَّر عنها - لها دور كبير في بناء المجتمع، وتحديد طبيعة مسيرته بالصورة التي تؤمن بها، سواءً كانت ذات أيدلوجيا مُحدّدة كانت تعتمد أو تتخذ منهجاً هامشيّاً غير واضح الأهداف والمعالم، أو أنّها مُجرّد سيطرة راعي على رعيّته، وقد وضع كثير من الفلاسفة نظريّاتهم في هذا الأمر، وذاك هوبز مثلاً يرى (أنّ الدولة تكوين صناعيّ بمقتضى تعاقد إرادي) بمعنى أنّ المجتمع لم ينشأ تلقائيّاً، وإنّما إرادة الناس هي السبب في وجود المُجتمع، ومسؤوليّة الملك والحكومة إنّما هي توفير الفرصة لإشباع غرائز الأنانيّة لدى الأفراد في المجتمع، وبالتالي فإنّ على هؤلاء الأفراد الالتزام بالقوانين التي تصدرها الحكومة. (1)

هذه واحدة من النظريّات في السلطة والمُجتمع التي حدّدت مسؤوليّة السلطة في إطار إشباع غريزة الأنانيّة لدى الأفراد (2) ، ثُمّ إنّ من واجب الأفراد الالتزام بالقوانين الصادرة من السلطة.

أمّا (جون لوك)، فيرى (... أنّ حالة الطبيعة لم تكن أبداً حالة حرب وصراع وأنانية، بل كانت حالة يعيش فيها الإنسان حُرّاً، ويتصرّف على أساس عقلي، وكان من شأنه أن يُخفّف من آثار الحريّة المُطلقة، وليس معنى ذلك أنّ

____________________

(1) التفكير الاجتماعي - نشأته وتطوّره ص 236.

(2) وضّحنا في فصول أُخرى هذه المناهج بصورة أكثر تفصيلا.

٩١

حالة الطبيعة تخلو من المتاعب والأنانيّة والصراع، بسبب فساد بعض الأفراد، ولخلوّها من أسباب الاستقرار الثلاثة التي حدّدها (لوك) على النحو التالي:

الف - قانون مُستقرّ واضح.

ب - قاضٍ عادل يحكم بين الأفراد.

جـ - قوّة تنفيذ تستطيع تنفيذ القانون.

ومن هنا فإنّ (لوك) يعترف بحالة الفطرة كحقيقة تاريخيّة، ولكنّه ينظر إليها من منظور اجتماعي...، وقال: إنّ الأفراد فيها مُتساوون في الحقوق والواجبات بالطبيعة، باعتبارهم أفراداً في مجتمع طبيعي أسبق من المجتمع المدني أو السياسي، عاشوا في رحابه مُنذ نعومة أظفارهم، وكان رأي لوك أنّ الحياة التي تزداد تشابكاً يوما بعد يوم لم تكن لتسير هكذا، وإنّما كان من الضروري الاتفاق على شخصٍ ما لكي يتولّى تنفيذ القانون الطبيعي دون تحيُّزٍ لزيدٍ أو لعمرو، ومِن هنا اتّجه التفكير إلى إيجاد سلطة عُليا وظيفتها إقامة العدل بين الناس، وتنظيم حريّتهم التي يتمتّعون بها مُنذ عهد الفطرة، وبذلك اصطلحوا على إبرام عقد بينهم وبين شخصٍ ما). (1)

إنّ لوك أقرب في رأية ونقاطه التي حدّدها إلى الموضوعيّة من غيره، ولكن هذه النظريات التي أتعب الفلاسفة أنفسهم في استخراجها لم تكن متكاملة المضمون واضحة الأهداف مناسبة للتطبيق العملي، إنّما هي أفكار مبتورة، وتصوّرات جاء بعضها غير موضوعي أساساً، فهي في أحيان كثيرة أشبه ما تكون بالأماني الفارغة.

وبقيت المجتمعات في حالة من الغثيان من عُقم تلك الافكار وابتعادها عن واقع الأمر.

____________________

(1) المصدر السابق ص236.

٩٢

أثر الحاكم في النظام الاجتماعي

من العوامل المؤثّرة في طبيعة تشكيل النظام الاجتماعي وتوالد أو تراكم الظواهر الاجتماعية هو ماهيّة الحُكم والحاكم في المجتمع، إذا ما علمنا أن السلطة لها - أيّ سلطة - تتبنّى مبادئ ومناهج مُعينة في السياسة والثقافة والتربية، فإمّا أن تكون هذه المبادئ وضعيّة من صُنع الإنسان نفسه أو إلهيّة.

ففي الأنظمة الوضعيّة يَحلّ حُكم الإنسان محلّ حُكم الله تعالى، وتضحى أطروحة الإنسان في التربية والثقافة بديلة عن التشريع الإلهي المعصوم.

(والأمر في الإسلام على العكس من هذه الفكرة تماماً، ففي (نهج البلاغة) مثلا، مع أنّه كتاب معرفة الله وتوحيده، ومع أنّه يتكلّم في كلّ مكان عن الله وعن حقوقه على العباد، لم يسكت هذا الكتاب المقدّس عن حقوق الناس الحقّة والواقعيّة، وعن مكانتهم المُحترمة المُمتازة أمام حُكّامهم، وعن أنّ الحاكم في الواقع ليس إلاّ حارساً مؤتمناً على حقوق الناس، بل أكّد على ذلك كثيراً.

إنّ الإمام الحاكم - في نهج البلاغة - حارس أمين على حقوق الناس ومسؤول أمامهم، وإن كان لا بدّ من أن يكون أحدهما للآخر، فالحاكم هو الذي جعل فى هذا الكتاب المقدّس للناس لا أن يكون الناس للحاكم). (1)

(وفي الدُرّ المنصور، بأسانيده عن علي (عليه السلام) أنّه قال: (حقٌّ على الإمام أن يحكم بما أنزل الله، وأن يؤدّي الأمانة، فإذا فعل ذلك، فحقٌّ على الناس أن يسمعوا له وأن يطيعوا وان يُجيبوا إذا دُعوا)، فالمُلاحظ هو أنّ القرآن الكريم يرى الحاكم

____________________

(1) مُطهري - الشيخ مُرتضى - في رحاب نهج البلاغة ص 103 - ترجمة هادي اليوسفي، دار التعارف 1400 - 1980.

٩٣

حارساً أميناً على المُجتمع، وإنّ الحكومة العادلة إنّما هي أمانة على عاتق الحاكم يجب أن يؤدّيها إلى الأُمّة، وأنّ أمير المؤمنين والأئمة المعصومين من وُلده (عليهم السلام) إنّما أخذوا عن القرآن ما قالوه بهذا الصدد). (1)

هذه بعض الصور أو الحقائق الإيجابيّة، ونقيضها الجانب السلبي في الطرف الآخر، فالمجتمعات إذا ما وضعت في طريقها السليم المستقيم مع إيمان الحاكم بأنّه خادم الشريعة وراعي جوانب التطبيق وإدارة الأمر ضمن ما حصل عليه من صلاحيات حدّدها القرآن والسُنّة النبويّة الطاهرة، فإنّه سيكون حتماً أثر ذلك إيجابيّاً بصورة كبيرة للنظام الاجتماعي.

لكنّ الصورة تتماسك أمامنا، وتنتظم أطرافها ليأخذها بعضها بتلابيب البعض، إذا ما أمعنّا النظر في التصوّر الذي يُقدّمه الإمام علي (عليه السلام) للسلطة والمجتمع، حيث إنّ الإمام (عليه السلام) أعطى صورة واقعيّة حيّة للعلاقة بين السلطة والمجتمع أولاً، ثُمّ بين الأفراد أنفسهم الذين يُكوّنون المُجتمع أولاً، ثُمّ وضّح حقوق الناس على السلطة، وحقوق الأفراد على المجتمع داخل النسيج الاجتماعي، وحقوق السلطة على المجتمع، في أفضل ما وضع وأجمل ما طرح، وبه تتحقّق سعادة المجتمع وتقدّمه ورقيّه.

فقد دخل الإمام (عليه السلام) في أدقّ التفاصيل في العلاقات العامّة، ثُمّ أعطى السُبل الصحيحة والمُناسبة لتفادي حالات السقوط والانهيار. وقد أشار إلى القوى التي تُبعّد عن الفساد والخلل الذي ربما يحدث في أيّ وقت، ثُمّ ربط الهياكل المُكوّنة لهذه العلائق وطبيعتها، وحدّد الطُرق الواجب اتّخاذها كمنهج عملي وعلمي لتسيير دورة الحياة اليوميّة، فلم يترك شيئاً ويأخذ آخر، إنّما توجّه (عليه السلام)

____________________

(1) نفس المصدر السابق ص105.

٩٤

إلى كلّ جوانب الحياة فأعطى، وما أرقى ما أعطى.

ففي إحدى خُطبه الرائعة يطرح الإمام علي (عليه السلام) جانباً من علم الاجتماع بفروعه المُتعدّدة، وبالأخص السياسي والأخلاقي، بالإضافة إلى المعاني الأُخرى التي تهدي المجتمعات إلى التعاون وفرز كلّ السلبيّات التي تتناقض مع الأهداف العُليا التي أرادها الله تعالى للإنسانيّة، فقد قال (عليه السلام): (أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِي عَلَيْكُمْ حَقّاً بِوِلايَةِ أَمْرِكُمْ.

وَلَكُمْ عَلَيَّ مِنَ الْحَقِّ مِثْلُ الَّذِي لِي عَلَيْكُمْ، فَالْحَقُّ أَوْسَعُ الأَشْيَاءِ فِي التَّوَاصُفِ (1) وَأَضْيَقُهَا فِي التَّنَاصُفِ، لا يَجْرِي لأَحَدٍ إِلاَّ جَرَى عَلَيْهِ، وَلا يَجْرِي عَلَيْهِ إِلاَّ جَرَى لَهُ، وَلَوْ كَانَ لأَحَدٍ أَنْ يَجْرِيَ لَهُ وَلا يَجْرِيَ عَلَيْهِ، لَكَانَ ذَلِكَ خَالِصاً لِلَّهِ سُبْحَانَهُ دُونَ خَلْقِهِ؛ لِقُدْرَتِهِ عَلَى عِبَادِهِ وَلِعَدْلِهِ فِي كُلِّ مَا جَرَتْ عَلَيْهِ صُرُوفُ قَضَائِهِ، وَلَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ حَقَّهُ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يُطِيعُوهُ، وَجَعَلَ جَزَاءَهُمْ عَلَيْهِ مُضَاعَفَةَ الثَّوَابِ؛ تَفَضُّلاً مِنْهُ وَتَوَسُّعاً بِمَا هُوَ مِنَ الْمَزِيدِ أَهْلُهُ) (2) . وحديثه (عليه السلام) مُنصبٌّ في وصف وتحليل وإثبات الحقوق المفروضة على الإنسان اتجاه خالقه من خلال إبراز الحقّ وإطاعة أمره والسير على عدله، وبيان الأحديّة والكمال الخالص لله، والقدرة المطلقة التي يجب أن يفهمها الإنسان بالهدى والفكر الناصح.

إنّ الإمام (عليه السلام) أكّد أنّ المسؤوليّة الأعظم هي على ولي الأمر الذي هو مسؤول أمام الله تعالى عن أُمةٍ يلي أمرها بتطبيق الحقّ، والعدالة والسير بهم على

____________________

(1) (أي: يتّسع القول في وصفه باللسان حتى إذا وجب على الواصف شيء منه تضايق في أدائه ولم ينتصف من نفسه كما ينتصف لها).

(2) الخطيب - السيّد عبد الزهراء الحسيني - مصادر نهج البلاغة وأسانيده - ج3 ص113 - الطبعة الرابعة - بيروت.

٩٥

طريق الهداية، والابتعاد عن الغيّ والجبروت والطغيان، وهي أمانة في عُنقه، كما قال (عليه السلام) في رسالة له إلى رفاعة بن شدّاد البجلي، قاضيه على الأهواز: (واعلم يارفاعة أنّ هذه الإمارة أمانةٌ، فمَن جعلها خيانةً فعليه لعنة الله إلى يوم القيامة، ومَن استعمل خائناً فإنّ محمداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بريءٌ منه في الدنيا والآخرة) (1) .

كما جعل الله له الحقّ في أن يُطيعه عباده في أوامره ونواهيه ليثبت لهم مضاعفة الثواب والعطاء الجزيل، وهذا يعتبر تفضّل من الباري عزّ وجل على عباده، وتوسعةً منه كما يُعتبّر في الوقت نفسه تمنناً ورحمة منه جلّت قدرته، وعطاء مضاف ومضاعفاً من الخالق لعباده.

(ثُمّ جَعَلَ سُبْحَانَهُ مِنْ حُقُوقِهِ حُقُوقاً افْتَرَضَهَا لِبَعْضِ النَّاسِ عَلَى بَعْضٍ، فَجَعَلَهَا تَتَكَافَأُ فِي وُجُوهِهَا وَيُوجِبُ بَعْضُهَا بَعْضاً، وَلا يُسْتَوْجَبُ بَعْضُهَا إِلاَّ بِبَعْضٍ).

إنّ الإمام علي (عليه السلام) جعل كلّ الأُمور التي يعيش بها الخلق من سلوك وتعامل وتبادل وتناصح، بل العلاقات العامّة والصيغ المُتبادلة في العمل وفق ما أراده الله تعالى؛ لأنّ الباري عزّ وجل أوجب هذه لتلك بموجب قانون إلهي، وهو التساوي في وجوه الحقّ المفروض على الناس، بحيث جعل فيها التناسق والنظام والتلازم وبدونها لا يصلح شيء في المسيرة الإنسانيّة، وكذلك هذا الوجوب لا يكون بعضه إلاّ ببعض، ثُمّ بيّن (عليه السلام) ذلك بصورة اوضح (وَأَعْظَمُ مَا افْتَرَضَ سُبْحَانَهُ مِنْ تِلْكَ الْحُقُوقِ حَقُّ الْوَالِي عَلَى الرَّعِيَّةِ وَحَقُّ الرَّعِيَّةِ عَلَى الْوَالِي، فَرِيضَةٌ فَرَضَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِكُلٍّ عَلَى كُلٍّ، فَجَعَلَهَا نِظَاماً لأُلْفَتِهِمْ وَعِزّاً لِدِينِهِمْ.

____________________

(1) المحمودي - الشيخ محمد باقر - نهج السعادة ومستدرك نهج البلاغة المجلد 4 و5 - ص130.

٩٦

فَلَيْسَتْ تَصْلُحُ الرَّعِيَّةُ إِلاَّ بِصَلاَحِ الْوُلاةِ، وَلاَ تَصْلُحُ الْوُلاةُ إِلاَّ بِاسْتِقَامَةِ الرَّعِيَّةِ.

فَإِذَا أَدَّتْ الرَّعِيَّةُ إلى الْوَالِي حَقَّهُ وَأَدَّى الْوَالِي إِلَيْهَا حَقَّهَا عَزَّ الْحَقُّ بَيْنَهُمْ وَقَامَتْ مَنَاهِجُ الدِّينِ وَاعْتَدَلَتْ مَعَالِمُ الْعَدْلِ وَجَرَتْ عَلَى أَذْلالِهَا السُّنَنُ (1) ؛ فَصَلَحَ بِذَلِكَ الزَّمَانُ، وَطُمِعَ فِي بَقَاءِ الدَّوْلَةِ، وَيَئِسَتْ مَطَامِعُ الأَعْدَاءِ). (2)

إنّ الحقوق التي فرضها الله تعالى على الجانبين كما ذكرها الإمام (عليه السلام) فيها الجوانب المُهمّة والدعائم الأساسيّة لثبات كيان المجتمع وحفظ مظاهره الإيجابيّة وصورة نظامه، هذا إذا شعر الوالى بأنّ الله قد فرض له حقوقاً على رعيّته، وكذلك حقوقاً للرعيّة على الوالي، وبحفظهما وعدم الإخلال بتوازنهما تكون (نظاماً لأُلفتهم)، وبهذه الأُلفة وهذا التعاون والمحبّة والصدق في نيّاتهم وضمان تسديد الحقوق إلى مُستحقّيها والالتزام اتجاه بعضهم البعض الآخر هي الضمان الحي للمسيرة الصالحة.

إذن؛ هذه الحقوق التي فرضها الله تعالى على الجانبين هي حقّ الوالي على الرعيّة وحق الرعيّة على الوالي. والمقصود بالحق الأوّل هو حقّ الدولة وقائدها، أي: السلطة القائمة على المجتمع.

فالإمام (عليه السلام) في نصّه يطرح هذا الموضوع شرطاً في نموّ الدولة ودوامها، ويضع هُنا واحداً من مفاتح تفسير التاريخ، في واحد من شروط نموّ الحضارات ودوامها.

____________________

(1) ورد في معنى (أذلالها) - بفتح الهمزة - أي: على مجاريها وطُرقها.

(2) مصادر نهج البلاغة - مصدر سابق - ص114.

٩٧

ويُمكن طرح الجوانب الإيجابية للعلاقة المُتبادلة بين الراعي والرعيّة كما يلي:

1 - إنّ هذه العلاقة الودّية والتي استوجبت على الطرفين حقوقاً مُتبادلة أصبحت نظاماً للأُلفة والمحبّة والوفاء.

2 - بهذا الود والحُب والتعايش العائلي داخل البلد والتوافق والانسجام ومُراعاة الضوابط التي حدّدها الباري عزّ وجل في العلاقة الحقوقيّة المتبادلة سيعزّ الدين ويرتفع شأنه.

3 - صلاح الوالي، فبصلاحه وأهليته كإنسان مؤمن وصادق وأمين غير خوّان ولا مُنافق يُدلّس على الناس أعماله أو يُخفي أمره وأسراره، فإنّه تصلح به الرعيّة، وإذا كان فاسداً مُفسداً عند ذاك تفسد الرعيّة؛ لأنّه لا صلاح للرعية اإلاّ بصلاح القدوة القائد.

كذلك إذا انحرف المُجتمع وانفردت به الشهوات والرغبات الأنانية والمطامح الشخصيّة - أي حُبّ الذات بكلّ معنى لها - تاركاً أمر الله وحقوقه، مبتعداً عن تعاليم دينه، مقدّماً مصلحته على الصالح العام، مُقرّاً بالصفات الذميمة والشريرة والرذيلة، بعيداً عن الاستقامة التي حدّدها القرآن؛ فإنّه سيفسد أمْر الولاة ولا يستقيم، وبالتالي تنهار العلاقة الإيجابيّة التي وضعت أُسسها سابقاً، ويُدمّر النسيج الاجتماعي المتراص مع الحاكم.

إذن؛ لا بدّ أن يؤدّي الناس حقّ الوالي ويؤدّي الوالي حقّ الناس؛ حتى يسود الحقّ بالعدالة والسمو في المجتمع بالالتزام المتبادل بالحقوق الواجب أداؤها على كلّ طرف إزاء الطرف الآخر.

وسيترتّب على ذلك:

1 - ارتفاع شأن الحقّ بينهم.

2 - التطبيق الكامل لمنهج الحق وطريق الدين الحنيف.

٩٨

3 - وضوح معالم العدل الذي يسود المجتمع.

4 - جريان السُنن الإلهيّة كما أرادها الله سبحانه وتعالى.

5 - رفاهيّة المجتمع وسعادته في الزمان الذي طُبّقت فيه أوامر الله تعالى.

6 - الرغبة والتمنّي لطول بقاء الدولة والدفاع عنها في الوقت العصيب.

7 - يأس العدو وردّه على نحره وطمر كلّ مطامعه.

هذه سبع نقاط إيجابيّة مُهمّة يحصل عليها المُجتمع والدولة معاً من خلال الوفاء بالواجب الإلهي المفروض على الطرفين، وإنّه ليس (عقداً اجتماعياً) كما وصفه (جان جاك روسو) أو غيره، إنّما سُنن صالحة معتمدة تامّة التطبيق ومضمونة النتائج لصلاح المجتمع والسلطة معاً.

والإمام (عليه السلام) لا يسكت عند هذا الحد، إنّما يتحول إلى الجانب السلبي من العلاقة بعد أن تحدّث عن الجانب الإيجابي المُثمر، وسنأتي إلى طرحها تباعاً إن شاء الله.

بقي لنا أن نتساءل: ما هي هذه الحقوق التي توفّر الأمن للعلاقة الإيجابيّة وتُعطي الطاقة الفاعلة للسير على طريق الحق والاستقامة، وإقامة العدل في المجتمع؟ لإنّه كما قلنا إنّ هدفنا هو اتباع منهجيّة أو إعطاء ملامح عامّة لنظرية اجتماعية إسلامية تسير عليها المجتمعات الإنسانية باتخاذها منهجاً سليماً للعمل به، فنعود ونسأل الإمام علي (عليه السلام) أن يُعطينا صورة لهذه الحقق وماهيّتها، فجاءنا الجواب بهذا الكلام البليغ:

(أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ لِي عَلَيْكُمْ حَقّاً، وَلَكُمْ عَلَيَّ حَقٌّ:

فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَيَّ: فَالنَّصِيحَةُ لَكُمْ، وَتَوْفِيرُ فَيْئِكُمْ عَلَيْكُمْ، وَتَعْلِيمُكُمْ كَيْلا تَجْهَلُوا، وَتَأْدِيبُكُمْ كَيْمَا تَعْلَمُوا.

وَأَمَّا حَقِّي عَلَيْكُمْ فَالْوَفَاءُ بِالْبَيْعَةِ، وَالنَّصِيحَةُ فِي الْمَشْهَدِ وَالْمَغِيبِ،

٩٩

وَالإِجَابَةُ حِينَ أَدْعُوكُمْ، وَالطَّاعَةُ حِينَ آمُرُكُمْ) (1) .

أربع نقاط رئيسيّة حدّدها الإمام (عليه السلام) في كلامه كحقوق للرعية على الوالي الشرعي، وأربعة أُخرى كحقوق للوالي على الرعيّة، وهذه الجُمل المُعبّرة تُعتبر بحق العناصر الأساسيّة في حفظ المجتمع وصيانته ونموّ الدولة واستمرارها، وقد عبّرت عن عمق المعاني والمفاهيم الإنسانية والأخلاقيّة ولنأتِ على هذه النقاط بشيء من التفصيل.

أولاً: حقوق الرعيّة على الوالي

أ - النّصيحة للأُمّة:

إنّ أيّ حاكم إذا كان صادقاً مُحباً لأُمّته فإنّه لا يفعل أمرا إلاّ ما يصلحها ويساعد على تقدّمها، فالنصيحة: هي أداء الأمانة التي أُلزِم بها الوالي أو الحاكم على أحسن ما تصدق به نفسه، وهي في نفس الوقت الوفاء للأُمّة بحيث يحميها من الشرور بقوّة إرادته وحِكمته وتدبير أمره، ولا يوقع بها في المواقف التي تحطّ من كرامتها وحريّتها وشرفها وعزّتها وسعادتها من أجل رغبة ذاتية أو سوء تدبير، وأن يُخلص لها ويصدقها.

ويقتبس الماوردي من أمير المؤمنين (عليه السلام) هذا البُعد، فيُحرّم على المَلك استعمال المكايد مع الرعيّة، ويُقصّر جوازها على العلاقة مع العدو، ويعتبر ذلك من أُصول العدل في السياسة. (ومطلب الماوردي مأخوذ من سياسة عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) في عدم حجب الأسرار عن الرعيّة) (2) .

____________________

(1) نهج البلاغة - تحقيق د. صبحي الصالح - ص79.

(2) العلوي - هادي - فصول من تاريخ الإسلام السياسي ص - 1995 قبرص شركة F-k-n المحدودة للنشر.

١٠٠