مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة الجزء ٣

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة0%

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 307

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمد جواد الطبسي
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الصفحات: 307
المشاهدات: 125002
تحميل: 4970

توضيحات:

الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 307 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 125002 / تحميل: 4970
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة الجزء 3

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

لم نكفّ عنه!)، ولكنّي أريد أن تخبرني يا ابن عقيل، بماذا أتيت الى هذا البلد!؟

شتّت أمرهم، وفرّقت كلمتهم، ورميت بعضهم على بعض!

فقال مسلم بن عقيل: ليس لذلك أتيت هذا البلد، ولكنّكم أظهرتم المنكر، ودفنتم المعروف، وتأمّرتم على الناس من غير رضا، وحملتموهم على غير ما أمركم اللّه به، وعملتم فيهم بأعمال كسرى وقيصر، فأتيناهم لنأمر فيهم بالمعروف وننهاهم عن المنكر، وندعوهم إلى حكم الكتاب والسُنَّة، وكنّا أهل ذلك، ولم تزل الخلافة لنا منذ قُتل أميرالمؤمنين علي بن ابي طالب، ولاتزال الخلافة لنا، فإنّا قُهرنا عليها، لأنكم أوّل من خرج على إمام هدىً، وشقّ عصا المسلمين، وأخذ هذا الأمر غصباً، ونازع أهله بالظلم والعدوان! ولانعلم لنا ولكم مثلًا إلّا قول اللّه تبارك وتعالى: «وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون»(١)

.. فجعل ابن زياد يشتمُ عليّاً والحسن والحسينرضي‌الله‌عنهم !

فقال له مسلم: أنت وأبوك أحقّ بالشتيمة منهم! فاقض ما أنت قاض! فنحن أهل بيت موكول بنا البلاء!

فقال عبيداللّه بن زياد: إلحقوا به إلى أعلى القصر فاضربوا عنقه، وألحقوا رأسه جسده!(٢)

فقال مسلمرحمه‌الله : أما واللّه يا ابن زياد! لو كُنتَ من قريش أو كان بيني

____________________

= والإيحاء للنّاس بأنّ حكمهم النّاس من أمر اللّه - فلا يُعترض عليه! - هاهو ابن زياد لايقول ما صنعنا بجثّتك، بل يقول: ما صنع اللّه بجثتك!

(١) سورة الشعرأ: ٢٢٧.

(٢) وهنا قال مسلمعليه‌السلام - على رواية الطبري: «يا ابن الأشعث! أما واللّه لولا أنّك آمنتني ما استسلمتُ! قم بسيفك دوني فقد أخْفِرَتْ ذمّتك!» (تأريخ الطبري، ٣: ٢٩١).

١٦١

وبينك رحم أو قرابة لما قتلتني، ولكنّك ابن أبيك!

قال: فأدخله ابن زياد القصر، ثُمّ دعا رجلًا من أهل الشام قد كان مسلم بن عقيل ضربه على رأسه ضربة منكرة، فقال له: خُذ مسلماً واصعد به إلى أعلى القصر، واضرب عنقه بيدك ليكون ذلك أشفى لصدرك!».(١)

أوّل شهداء النهضة الحسينية من بني هاشم

«فأُصعد مسلم بن عقيلرحمه‌الله إلى أعلى القصر، وهو في ذلك يسبّح اللّه تعالى ويستغفره، وهو يقول: أللّهمّ احكم بيننا وبين قوم غرّونا وخذلونا.

فلم يزل كذلك حتى أُتي به الى أعلى القصر، وتقدّم ذلك الشاميّ فضرب عنقه!».(٢)

وفي رواية الطبري: «.. ثمّ قال ابن زياد: أين هذا الذي ضرب ابنُ عقيل رأسه بالسيف وعاتقه. فدُعي، فقال: إصعد فكن أنت الذي تضرب عنقه! فصُعد به وهو يكبّر ويستغفر ويصلّي على ملائكة اللّه ورسله، وهو يقول: أللّهم احكم بيننا وبين قوم غرّونا وكذبونا وأذلّونا. وأُشرف به على موضع الجزّارين(٣) اليوم فضربت عنقه، وأُتبع جسده رأسه!».(٤)

____________________

(١) الفتوح، ٥: ٩٧ - ١٠٣؛وانظر: مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي، ١: ٣٠٤ - ٣٠٦.

(٢) الفتوح، ٥: ١٠٣.

(٣) الإرشاد: ١٩٩: «على موضع الحذّائين».

(٤) تأريخ الطبري، ٣: ٢٩١.

١٦٢

وفخراً عند الموت!

«.. نزل الأحمريُّ بُكير بن حمران(١) الذي قتل مسلماً، فقال له ابن زياد: قتلته؟

قال: نعم.

قال: فما كان يقول وأنتم تصعدون به؟

قال: كان يكبّر ويسبّح ويستغفر! فلما أدنيته لأقتله قال: أللّهم أحكم بيننا وبين قوم كذّبونا وغرّونا وخذلونا وقتلونا! فقلتُ له: أُدنُ منّي، الحمد للّه الذي أقادني منك! فضربته ضربة لم تُغنِ شيئاً! فقال: أما ترى في خَدْش تُخدشنيه وفاءً من دمك أيها العبد!؟

فقال ابن زياد: وفخراً عن الموت؟؟

قال: ثمّ ضربته الثانية فقتلته.».(٢)

وكم من آية للّه أعرض عنها ابن زياد!!

قال ابن أعثم الكوفي: «ثُمَّ نزل الشاميّ إلى عبيداللّه بن زياد وهو مدهوش!

فقال له ابن زياد: ما شأنُك!؟ أقتلته؟

قال: نعم، أصلح اللّه الأمير! إلّا أنّه عرض لي عارض، فأناله فزعٌ مرهوب!

فقال: ما الذي عرض لك!؟

قال: رأيتُ ساعة قتلتُه رجلًا حذاي، أسود كثير السواد، كريه المنظر، وهو عاضٌّ على إصبعيه- أو قال: شفتيه- ففزعتُ منه فزعاً لم أفزع قطّ مثله!

____________________

(١) في الأخبار الطوال: ٢٤١ أنّ الذي تولّى قتل مسلمعليه‌السلام أحمر بن بُكير.

(٢) تأريخ الطبري، ٣: ٢٩١.

١٦٣

فتبسّم ابن زياد وقال له: لعلّك دُهشت!؟ وهذه عادة لم تعتدها قبل ذلك!!».(١)

مقتل هاني بن عروةرضي‌الله‌عنه

«قال: ثمّ أمر عبيداللّه بن زياد بهانيء بن عروة أن يُخرج فيُلحق بمسلم بن عقيل، فقال محمّد بن الأشعث: أصلح اللّه الأمير، إنك قد عرفت شرفه في عشيرته، وقد عرف قومه أنّي وأسماء بن خارجة جئنا به إليك فأُنشدك اللّه أيها الأمير (إلّا) وهبته لي، فإني أخاف عداوة أهل بيته! فإنّهم سادات أهل الكوفة وأكثرهم عدداً!

قال: فزبره ابن زياد! ثمّ أمر بهانيء بن عروة فأُخرج إلى السوق إلى موضع يُباع فيه الغنم، وهو مكتوف.

قال: وعلم أنه مقتول فجعل يقول: وامذحجاه! واعشيرتاه!

ثمّ أخرج يده من الكتاف وقال: أما من شيء فأدفع به عن نفسي!؟(٢)

قال: فصكّوه، ثمّ اوثقوه كتافاً، فقالوا: أُمددْ عنقك!

فقال: لا واللّه، ما كنتُ الذي أعينكم على نفسي.(٣)

____________________

(١) تأمّل كيف يبلغ الشلل النفسي والوهن والذُلّ مبلغاً فظيعاً في أهل الكوفة عامة وفي مذحج خاصة، فهاهو سيد الكوفة و كبيرها يخرج به الى السوق ليقتل بمرأى من الناس و مذحج تملأ الكوفة و سككها و هو يستغيث بها! و لا تأخذ أحداً منهم الغيرة والحمية والدين فينبرى لإنقاذه! تُرى اين اختفت مذحج تلك الساعة وهي عدد الحصى!؟

(٢) في مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي: ١: ٣٠٧ «ثمّ أخرج من الكتاف يده للمدافعة وقال: أما من عصا أو سكين أو حجر أو عظم يجاحش به الرجل عن نفسه!؟».

(٣) وفي تاريخ الطبري، ٣: ٢٩١ «ثمّ قيل له: أمدد عنقك! فقال: ما أنا بها مُجْدٍ سخيُّ وما أنا بمعينكم على نفسي!».

١٦٤

فتقدّم إليه غلام لعبيداللّه بن زياد يُقال له رشيد،(١) فضربه بالسيف فلم يصنع شيئاً!

فقال هانيء: إلى اللّه المعاد، أللّهم إلى رحمتك ورضوانك، أللهم اجعل هذا اليوم كفارة لذنوبي! فإنّي إنما تعصّبت لابن بنت نبيّكصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فتقدّم رشيد وضربه ضربة أخرى فقتلهرحمه‌الله .».(٢)

سحل الشهيدَيْن في الشوارع والسوق!

ثمّ قام جلاوزة ابن زياد لعنهم اللّه بسحل الجثتين الزكيتين في الشوارع وفي السوق، فقد روى الطبري أنّ عبداللّه بن سليم، والمذري بن المشمل، الأسديين أخبرا الإمام الحسينعليه‌السلام في منطقة زرود عن لسان الأسديّ الذي كان يحمل خبر مقتل مسلمعليه‌السلام أنّه «لم يخرج من الكوفة حتّى قُتل مسلم بن عقيل وهانيء بن عروة، وحتّى رآهما يُجرّان في السوق بأرجلهما ..».(٣)

صلبُ الشهدَينْ منكّسَين!

«ثمّ أمر عبيداللّه بن زياد بمسلم بن عقيل وهانيء بن عروةرحمهما‌الله فصُلبا جميعاً منكّسَيْن، وعزم أن يوجّه برأسيهما إلى يزيد بن معاوية.».(٤)

«ولما صُلب مسلم بن عقيل، وهاني بن عروة، قال فيهما عبداللّه بن الزبير

____________________

(١) هو مولى لعبيداللّه بن زياد، تركيّ، وكان في معركة الخارز مع عبيداللّه بن زياد، فيصر به عبدالرحمن بن حصين المرادي، فقال النّاس: هذا قاتل هاني بن عروة! فقال ابن الحصين: قتلني اللّه إنْ لم أقتله أو أقتل دونه! فحمل عليه بالرمح فطعنه فقتله. (راجع: تأريخ الطبري، ٣: ٢٩١).

(٢) الفتوح، ٥: ١٠٤ - ١٠٥.

(٣) تأريخ الطبري، ٣: ٣٠٣؛ ومقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي، ١: ٣٢٧ - ٣٢٨.

(٤) الفتوح، ٥: ١٠٥.

١٦٥

الأسدي:

إذا كُنتِ لاتدرينَ ما الموت فانظري

إلى هانيءٍ بالسوق وابن عقيلِ

إلى بطلٍ قد هشّم السيف وجهه

وآخر يهوي من طمارِ قتيلِ

ترَيْ جسداً قد غيّر الموتُ لونه

ونضحُ دمٍ قد سال كُلَّ مسيلِ

فتىً كان أحيى من فتاة حييّةٍ

وأقطع من ذي شفرتين صقيلِ

وأشجع من ليثٍ بخفّان مُصحرٍ

وأجرأَ من ضارِ بغابةِ غيلِ

أصابهما أمر الأمير فأصبحا

أحاديثَ من يسري بكُلّ سبيلِ

أيركبُ أسماء(١) الهماليج آمناً

وقد طلبته مذحجٌ بذُخولِ

تطوف حواليه مُرادٌ وكُلُّهم

على رِقبَة من سائل ومسولِ

فإن أنتمُ لم تثأروا لأخيكمُ

فكونوا بغايا أُرضيت بقليلِ».(٢)

____________________

(١) أسماء: هو أسماء بن خارجة، والهماليج: جمع هملاج وهو من البراذين، ومشيها الهملجة، فارسيُّ مُعرّب، والهملجة: حسنُ سير الدابّة في سرعة.، (راجع: لسان العرب، ٢: ٣٩٣).

(٢) مقتل الحسينعليه‌السلام ، للخوارزمي، ١: ٣٠٨ ينقلها عن الفتوح لإبن أعثم، ويبدو أنّ هذه القصيدة في وقتها كانت من المنشورات السياسية الممنوعة التي يُعاقب الطغاة عليها، حتّى أختلف في قائلها فقد نسبها الدينوري الى عبدالرحمن بن الزبير الأسدي (الأخبار الطوال: ٢٤٢) واحتمل ابن الأثير أنها للفرزدق (الكامل في التاريخ، ٣: ٢٧٤) وكذلك الطبري في تأريخه، ٣: ٢٩٣، كما وردت هذه الأبيات في المصادر التأريخية بتفاوت ملحوظ.

١٦٦

انتقام ابن زياد من بقيّة الثّوار!

الثائر عبدالأعلى بن يزيد الكلبي

«ثمّ إنّ عبيداللّه بن زياد لما قتل مسلم بن عقيل وهانيء بن عروة دعا بعبدالأعلى الكلبي الذي كان أخذه كثير بن شهاب في بني فتيان، فأُتيَ به، فقال له:

أخبرني بأمرك!

فقال: أصلحك اللّه خرجت لأنظر ما يصنع الناس، فأخذني كثير بن شهاب!

فقال له: فعليك وعليك من الأيمان المغلّظة إن كان أخرجك إلّا ما زعمت!؟

فأبى أن يحلف! فقال عبيداللّه: انطلقوا بهذا إلى جبّانة السبع فاضربوا عنقه بها! فانطُلِقَ به فضُربَت عنقه.

الثائر عمارة ابن صلخب الأزدي

وأُخرج عمارة ابن صلخب الأزدي، وكان ممّن يريد أن يأتي مسلم بن عقيل بالنصرة لينصره، فأُتي به أيضاً عبيداللّه، فقال له: ممّن أنت!؟

قال: من الأزد.

قال: إنطلقوا به إلى قومه! فضُربت عنقه فيهم!».(١)

الثائر القائد عبيداللّه بن عمرو بن عزيز الكندي(٢)

«فارس شجاع من الشيعة في الكوفة، ومن أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام ،

____________________

(١) تأريخ الطبري، ٣: ٢٩٢.

(٢) وذكره أبوالفرج الأصبهاني باسم عبدالرحمن بن عزيز الكندي (مقاتل الطالبين: ٦٦)، وذكره الخوارزمي باسم عبداللّه الكندي (مقتل الحسينعليه‌السلام ، ١: ٢٩٧).

١٦٧

وشهد مشاهده، وبايع لمسلم وكان يأخذ البيعة له، وأمر ابن زياد بقتله».(١)

وهو أحد القادة الأربعة الذين عقد لكلّ منهم مسلمعليه‌السلام راية، وعقد له مسلمعليه‌السلام على ربع كندة وربيعة وقال: سِرْ أمامي في الخيل.(٢)

الثائر القائد العبّاس بن جعدة الجدلي

«كان من الشيعة المخلصين في الولاء، وبايع مسلماً، وكان يأخذ البيعة للحسينعليه‌السلام ، ولما تخاذل الناس عن مسلم أمر ابن زياد بالقبض عليه وحبسه، ثمّ بعد شهادة مسلم قُتل شهيداً.».(٣)

وهو الذي عقد له مسلمعليه‌السلام على ربع المدينة.(٤)

الثائران القائدان المختار وعبداللّه بن الحارث

كان المختار (ره) وعبداللّه بن الحارث بن نوفل قد خرجا مع مسلم، خرج المختار براية خضراء، وخرج عبداللّه براية حمراء وعليه ثياب حمر.(٥)

ولكنّهما دخلا الكوفة بعد فوات الأمر وانتهاء الحصار وبعد قتل مسلمعليه‌السلام وهانيرضي‌الله‌عنه ،(٦) فلما عرفا ذلك، ركز المختار رايته على باب عمرو بن حُريث وقال: أردتُ أن أمنع عمراً! وأشير عليهما بالدخول تحت راية الأمان عند عمرو

____________________

(١) مستدركات علم رجال الحديث، ٥: ١٨٩، رقم ٩١٥٧.

(٢) راجع: تأريخ الطبري، ٣: ٢٨٦.

(٣) مستدركات علم رجال الحديث، ٤: ٣٤٢، رقم ٧٤١٤.

(٤) راجع: تأريخ الطبري، ٣: ٢٨٦.

(٥) راجع: تأريخ الطبري، ٣: ٢٩٣.

(٦) لأنّ المختار كان قد قدم، مع عبداللّه بن الحارث حسب الظاهر - من قرية نائية عن الكوفة تسمى خطوانية (راجع: مقتل الحسينعليه‌السلام للمقرّم: ١٥٧ - ١٥٨).

١٦٨

بن حُريث ففعلا، وشهد لهما ابن حريث باجتنابهما ابن عقيل! فأمر ابن زياد بحبسهما بعد أن شتم المختار واستعرض وجهه بالقضيب فشتر عينه (فذهبت عينه)،(١) وبقيا في السجن إلى أن قُتل الحسينعليه‌السلام !.(٢)

تقرير ابن زياد الأمنّي إلى يزيد!

«ثمّ إنّ عبيداللّه بن زياد لما قتل مسلماً وهانئاً بعث برؤوسهما مع هاني بن أبي حيّة الوادعي، والزبير بن الأروح التميمي، إلى يزيد بن معاوية وأمر كاتبه عمرو بن نافع أن يكتب إلى يزيد بن معاوية بما كان من مسلم وهانيء، فكتب إليه كتاباً أطال فيه- وكان أوّل من أطال في الكتب- فلما نظر فيه عبيداللّه بن زياد كرهه وقال ما هذا التطويل وهذه الفضول!؟ أُكتب:

أمّا بعدُ، فالحمدُ للّه الذي أخذ لأمير المؤمنين بحقّه، وكفاه مؤنة عدوّة، أُخبرُ أميرالمؤمنين أكرمه اللّه أنّ مسلم بن عقيل لجأ إلى دار هانيء بن عروة المرادي، وإني جعلتُ عليهما العيون، ودسستُ إليهما الرجال، وكِدْتُهما حتّى استخرجتهما! وأمكن اللّه منهما فقدّمتهما فضربتُ أعناقهما، وقد بعثتُ إليك برؤوسهما مع هاني بن أبي حيّة الهمداني، والزبير بن الأروح التميمي، وهما من أهل السمع والطاعة والنصيحة! فليسألهما أميرالمؤمنين عمّا أحبّ من أمرٍ فإنّ عندهما علماً وصدقاً وفهماً وورعاً! والسلام.».(٣)

____________________

(١) راجع: المعارف لابن قتيبة: ٢٥٣.

(٢) راجع: مقتل الحسينعليه‌السلام للمقرّم: ١٥٧ - ١٥٨.

(٣) تأريخ الطبري، ٣: ٢٩٢؛ والإرشاد: ٢٠٠ ويُلاحظُ المتأمّل في هذا النصّ كيف يُخفي عمّال الطغاة عن أسيادهم حقائق الأمور، ويهوّنون الأمور الكبيرة الخطيرة ليعظمواهم في أعين أسيادهم! من خلال التقارير المزيّفة والمأمورين الذين يحسنون أداء ما يُلقى إليهم من تعاليم ووصايا فيقومون بتمثيل أدوارهم الكاذبة على أحسن وجه!

١٦٩

«فكتب إليه يزيد: أمّا بعدُ، فإنّك لم تعدُ أن كُنتَ كما أحبُّ! عملتَ عمل الحازم، وصُلتَ صولة الشجاع الرابط الجأش! فقد أغنيتَ وكفيت، وصدّقتَ ظنّي بك ورأيي فيك، وقد دعوت رسوليْك فسألتهما وناجيتهما، فوجدتهما في رأيهما وفضلهما كما ذكرتَ! فاستوصِ بهما خيراً، وإنّه قد بلغني أنّ الحسين بن عليّ قد توجّه نحو العراق، فضع المناظر والمسالح، واحترس على الظنّ! وخذ على التهمة! غير ألّا تقتل إلّا من قاتلك! واكتب إليَّ في كلّ ما يحدث من الخبر، والسلام عليك ورحمة اللّه.».(١)

وذكر ابن شهرآشوب أنّ يزيد لعنه اللّه نصب الرأسين الشريفين في درب من دمشق.(٢)

وروى اليعقوبي أنّ يزيد كان قد كتب الى ابن زياد يأمره بقتل الإمام الحسينعليه‌السلام ، قال اليعقوبي: «وأقبل الحسين من مكّة يريد العراق، وكان يزيد قد ولّى عبيداللّه بن زياد العراق، وكتب إليه: قد بلغني أنّ أهل الكوفة قد كتبوا إلى الحسين في القدوم عليهم، وأنه قد خرج من مكّة متوجّهاً نحوهم، وقد بُلي به بلدك من بين البلدان، وأيّامك من بين الأيّام، فإن قتلته وإلّا رجعت إلى نسبك وإلى أبيك عُبيد! فاحذر أن يفوتك!».(٣)

____________________

(١) تأريخ الطبري، ٣: ٢٩٣؛ والإرشاد: ٢٠٠.

(٢) مناقب آل أبي طالب، ٤: ٩٣.

(٣) تأريخ اليعقوبي، ٢: ١٥٥؛ وانظر: العقد الفريد، ٥: ١٣٠؛ ومثير الأحزان: ٤٠؛ وأنساب الأشراف، ٣: ٣٧١.

١٧٠

إغلاق ورصد المناطق والمنافذ الحدودية الكوفية!

قال الشيخ المفيد (ره): «ولما بلغ عبيداللّه إقبال الحسين من مكّة إلى الكوفة بعث الحصين بن نمير صاحب شُرطه حتّى نزل القادسية، ونظّم ما بين القادسية إلى خفّان، وما بين القادسية إلى القطقطانيّة، وقال للنّاس هذا الحسين يُريد العراق!»،(١) «وكان عبيداللّه بن زياد أمر فأخذ ما بين واقصة إلى طريق الشام إلى طريق البصرة! فلا يدعون أحداً يلج ولا أحداً يخرج!».(٢)

وقال الدينوري: «ثُمَّ إنّ ابن زياد وجَّه الحصين بن نُمير- وكان على شُرطه- في أربعة آلاف فارس من أهل الكوفة!، وأمره أن يُقيم بالقادسيّة إلى القطقطانة، فيمنع من أراد النفوذ من ناحية الكوفة الى الحجاز، إلّا من كان حاجّاً أو معتمراً، ومن لايُتّهمُ بممالاة الحسين!».(٣)

وفي أنساب الأشراف: «حتى نزل القادسية ونظّم الخيل بينها وبين خفّان، وبينها وبين القطقطانة إلى لعلع».(٤)

____________________

(١) الإرشاد: ٢٠٢؛ والقادسية: موضع بين الكوفة وعذيب (في محافظة الديوانية)، وخفّان: موضع فوق الكوفة قرب القادسية، والقطقطانة: موضع فوق القادسية في طريق من يريد الشام من الكوفة، وواقصة: منزل بطريق مكّة، بعد القرعاء نحو مكّة.. ويقال لها واقصة الحزون، وهي دون زُبالة بمرحلتين، وإنّما قيل واقصة الحزون لأنّ الحزون (الأراضي المرتفعة) أحاطت بها من كل جانب.

(٢) الإرشاد: ٢٠٤.

(٣) الأخبار الطوال: ٢٤٣.

(٤) أنساب الأشراف، ٣: ٣٧٧ - ٣٧٨ وفيه «الحصين بن تميم»، ولعلع: جبل فوق الكوفة، وقيل: منزل بين البصرة والكوفة.

١٧١

تعبئة الكوفة، وتجميد الثغور، استعداداً لقتال الإمامعليه‌السلام

ثمَّ إنّ ابن زياد بالغ في إشاعة الرعب والخوف في أوساط أهل الكوفة، من خلال إجراءات إرهابية عديدة، تمهيداً لتعبئتهم وتوجيههم إلى قتال الإمام الحسينعليه‌السلام ، لعلمه بأنّ جُلّ أهل الكوفة يكرهون(١) التوجّه لقتالهعليه‌السلام ، «فقد كان يحكم بالموت على كلّ من يتخلّف أو يرتدع عن الخوض في المعركة».(٢)

كما جمَّد الثغور ووجّه عساكرها الى قتال الإمام الحسينعليه‌السلام ، فقد روى ابن عساكر «عن شهاب بن خراش، عن رجل من قومه: كنتُ في الجيش الذي بعثهم ابن زياد إلى حسين، وكانوا أربعة آلاف يريدون الديلم، فصرفهم عبيداللّه الى حسين ..».(٣)

____________________

(١) قال الدينوري: «وكان ابن زياد إذا وجّه الرجل الى قتال الحسين في الجمع الكثير، يصلون الى كربلاء ولم يبق منهم إلاّ القليل، كانوا يكرهون قتال الحسين، فيرتدعون ويتخلّفون، فبعث ابن زياد سويد بن عبدالرحمن المنقري في خيل الى الكوفة، وأمره أن يطوف بها، فمن وجده قد تخلّف أتاه به» (الأخبار الطوال: ٢٥٤).

(٢) حياة الإمام الحسين بن عليعليهما‌السلام ، ٢: ٤١٥ نقلاً عن كتاب الدولة الأموية في الشام، ص ٥٦.

(٣) تأريخ دمشق، ١٤: ٢١٥؛ وتاريخ ابن عساكر (ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام ، تحقيق المحمودي): ٣٠٥، رقم ٢٦٤.

١٧٢

الفصل الثالث: وقايع منازل الطريق بين مكّة وكربلاء

١٧٣

_

١٧٤

الفصل الثالث

وقايع منازل الطريق بين مكّة وكربلاء

فشلت محاولة والي مكّة آنذاك عمرو بن سعيد الأشدق لإرجاع الامام الحسينعليه‌السلام إلى مكّة بالقوّة، حيث أبى الإمامعليه‌السلام الرجوع وتدافع الفريقان (رجال الركب الحسيني وجند الأشدق) واضطربوا بالسياط، فتراجع الأشدق عن قرار المنع بعد أن خشي من تفاقم الأمر عليه!

وجدَّ الركب الحسيني في المسير نحو العراق، وكان قد مرَّ في طريقه من مكّة حتّى وصوله الى كربلاء بمواقع ومنازل عديدة، بقي الإمام الحسينعليه‌السلام في بعضها يوماً وليلة، ولبث في بعضها الآخر يوماً، ولم يبق في بعض آخر إلّا ساعات قليلة، وتوقف في بعض آخر لأداء الصلاة فقط، ومرّ على بعضها مرور الكرام بلاتوقف، وأهمُّ هذه المواقع والمنازل على الترتيب هي:

١)- بستان بني عامر (أو ابن عامر)(١)

روي أنّ الشاعر الفرزدق(٢) كان قد لقي الإمام الحسينعليه‌السلام قبل خروج الركب

____________________

(١) ذكر ياقوت الحموي أنّ الناس غلطوا فقالوا بستان ابن عامر وبستان بني عامر، وإنّما هو بستان ابن معمر.. وهو مجتمع النخلتين النخلة اليمانية والنخلة الشامية، وهما واديان، وبستان ابن معمر هو الذي يُعرف ببطن نخلة.. (راجع: معجم البلدان، ١: ٤١٤).

(٢) هو أبوفراس، همّام بن غالب التميمي الحنظلي، يُعدُّ في الإصطلاح الرجالي من أصحاب أميرالمؤمنين والحسين والسجّادعليهما‌السلام ، وهو مادح مولانا السجّادعليه‌السلام بقصيدة جليلة كريمة مشهورة، في موقف شجاع قبال الطاغية الأمويّ هشام بن عبدالملك، تكشف أبياتها عن حسن =

١٧٥

الحسيني من الحرم إلى أرض الحلّ، فقد ورد عن لسان الفرزدق أنه قال:

«حججتُ بأمّي في سنة ستين، فبينا أنا أسوق بعيرها حين دخلت الحرم إذ لقيتُ الحسين بن عليّعليهما‌السلام خارجاً من مكّة مع أسيافه وأتراسه فقلتُ: لمن هذا القطار؟

فقيل: للحسين بن عليّعليهما‌السلام .

فأتيته فسلّمت عليه وقلت له: أعطاك اللّه سؤلك، وأمّلك فيما تحبُّ، بأبي أنت وأمّي يا ابن رسول اللّه، ما أعجلك عن الحجّ!؟

فقال: لولم أعجل لأُخذتُ!(١)

ثم قال لي: من أنت؟

قلتُ: امرؤ من العرب!

فلا واللّه ما فتّشني عن أكثر من ذلك ..

____________________

= عقيدته بأهل البيت: وعن حبّه لهم، ومن أبياتها:

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته

والبيت يعرفه والحلّ والحرمُ

هذا ابن خير عبادِ الله كلّهم

هذا التقيُّ النقيّ الطاهر العلم

إذا رأته قريشٌ قال قائلها

إلى مكارم هذا ينتهي الكرمُ

هذا ابن فاطمة إن كنتَ جاهله

بجدّه أنبياء الله قد ختموا

(راجع: معجم رجال الحديث، ١٣: ٢٥٦، رقم ٩٣١٥ / ومستدركات علم رجال الحديث، ٦: ١٩٦، رقم ١١٥١٧).

وقد «وُلِدَ الفرزدق في خلافة عمر، فتوبع بالشِعر لما ترعرع ففاق الأقران، وأدخله أبوه على عليٍّ رضي الله عنه فقال: علّمه القرآن!.. مات سنة عشر ومائة وقد قارب المائة، وقيل: عاش مائة وثلاثين سنة، ولم يثبت.. وكان سيّداً جواداً فاضلاً وجيهاً.» (راجع: لسان الميزان، ٦: ١٩٩).

(١) يشير الإمامعليه‌السلام بذلك إلى خطّة يزيد لاختطافه أو اغتياله في مكة المكرّمة.

١٧٦

ثم قال لي: أخبرني عن الناس خلفك؟

فقلتُ: الخبيرَ سألتَ، قلوب الناس معك وأسيافهم عليك(١) والقضاء ينزل من السماء، واللّه يفعل ما يشاء!

فقال: صدقت، للّه الأمر، وكلّ يوم هو في شأن! إن ينزل القضاء بما نحبّ ونرضى فنحمد اللّه على نعمائه وهو المستعان على أداء الشكر، وإن حال القضاء دون الرجاء فلم يبعد من كان الحقّ نيّته والتقوى سريرته.

فقلت له: أجل، بلّغك اللّه ما تحبّ، وكفاك ماتحذر.

وسألته عن أشياء من نذور ومناسك، فأخبرني بها، وحرّك راحلته، وقال:

السلام عليك. ثمّ افترقنا!».(٢)

ويبدو أنّ مكان هذا اللقاء هو بستان بني عامر الذي ذكره سبط ابن الجوزي في نقله خبر لقاء الفرزدق مع الإمامعليه‌السلام حيث قال: «فلما وصل بستان بني عامر

____________________

(٣٩٣) قلوب الناس معك وأسيافهم عليك، أشهر تعبير معروف عن حالة الشلل النفسي وحالة إزدواج الشخصية في أهل الكوفة خاصة وفي الأمّة عامة، بل هو تعبير عن الحالة القصوى لهذا المرض: أن يقتل الإنسان من يحبّ بسيف من يكره!

(٣٩٤) الإرشاد: ٢٠١ / ولنا هنا وقفة تساؤل وتأمّل مع هذا الشاعر الذي عبّر بصدق وجرأة وشجاعة عن حبّه لأهل البيتعليهم‌السلام وحسن عقيدته بهم في موقفه المشرّف بمدح السجّادعليه‌السلام أمام الطاغية الأموي هشام، وعبّر هنا في لقائه مع الإمام الحسينعليه‌السلام عن وعيه السياسي والإجتماعي الرفيع بقوله «الخبير سألت، قلوب الناس معك واسيافهم عليك!»، لماذا ترك الإمامعليه‌السلام وفارقه!؟ ألم يرتفع به وعيه الرفيع إلى إدراك ضرورة نصرة الإمامعليه‌السلام والإلتحاق بركبه نحو الفوز بالشهادة!؟ أم لم يكن يتوقّع في ذلك الوقت المبكّر أن يجري على الإمام الحسينعليه‌السلام ما جرى عليه بالفعل!؟ أم أنّ كُلَّ ما عند الفرزدق تفضيل لأهل البيتعليهم‌السلام على سواهم، وعاطفة نحوهم، ولكن دون مستوى التضحية والإستشهاد معهم وفي سبيلهم!؟

١٧٧

لقي الفرزدق الشاعر، وكان يوم التروية، فقال له: إلى أين يا ابن رسول اللّه، ما أعجلك عن الموسم!؟

قال: لولم أعجل لأُخذتُ أخذاً! فأخبرني يا فرزدق عمّا ورائك؟

فقال: تركتُ الناس بالعراق قلوبهم معك وسيوفهم مع بني أميّة، فاتّقِ اللّه في نفسك وارجع!(١)

فقال له: يا فرزدق، إنّ هؤلاء قوم لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد في الأرض، وأبطلوا الحدود، وشربوا الخمور، واستأثروا في أموال الفقراء والمساكين، وأنا أولى من قام بنصرة دين اللّه وإعزاز شرعه والجهاد في سبيله لتكون كلمة اللّه هي العليا.

فأعرض عنه الفرزدق وسار!(٢) ».(٣)

فـ «بستان ابن عامر هو أوّل منزل مرَّ به الحسينعليه‌السلام ».(٤)

____________________

(١) و(٢) المعروف عن الفرزدق حبّه لأهل البيتعليهم‌السلام وحسن عقيدته بهم، من هنا يصعب على المتأمّل القبول بإمكان إساءته الأدب في مخاطبة الإمامعليه‌السلام فيقول له: إتّقِ الله في نفسك وارجع!، أو يُعرض عن الإمامعليه‌السلام فيسير عنه بدون تحيّة وتوديع!

(٣) تذكرة الخواص: ٢١٧ - ٢١٨.

(٤) خطب الإمام الحسينعليه‌السلام على طريق الشهادة، ١: ١٣٢ / ونقل مؤلّفه لبيب بيضون قصيدة للخطيب السيد علي بن الحسين الهاشمي النجفي يذكر فيها منازل طريق الإمامعليه‌السلام إلى كربلأ، أوّلها:

سار الحسين تاركاً أمَّ القُرى

ينحو العراق بميامين الورى

وقد أتى بسيره منازلاً

حصباؤها قد فاخرت شهب السما

فالمنزل الأوّل بستان ابن عا

مرٍ، وللتنعيم مسرعاً أتى

١٧٨

٢)- التنعيم

وهو موضع في حلّ مكّة، على فرسخين من مكّة (١٢ كم)، وقيل على أربعة، وسمّي بذلك لأن جبلًا عن يمينه يُقال له نعيم، وآخر عن شماله يُقال له ناعم، والوادي نعمان، ومن موضع التنعيم يُحرم المكيّون بالعمرة.(١)

قال البلاذري: «ولقي الحسين بالتنعيم عيراً قد أُقبل بها من اليمن، بعث بها بجير بن ريسان الحميري إلى يزيد بن معاوية، وكان عامله على اليمن، وعلى العير وِرسٌ وحُلل، ورسله فيها ينطلقون إلى يزيد، فأخذها الحسين فانطلق بها معه، وقال لأصحاب الإبل: لا أُكرهكم، من أحبَّ أن يمضي معنا الى العراق وفيناه كِراه وأحسنّا صحبته، ومن أحبَّ أن يفارقنا من مكاننا هذا أعطيناه من الكراء على قدر ماقطع من الأرض. فأوفى من فارقه حقّه بالتنعيم، وأعطى من مضى معه وكساهم ..».(٢)

لكنّ الشيخ المفيد (ره) روى قصة هذه العير هكذا: «وسار حتّى أتى التنعيم، فلقي عيراً قد أقبلت من اليمن، فاستأجر من أهلها جمالًا لرحله وأصحابه، وقال لأصحابها: من أحبَّ أن ينطلق معنا إلى العراق وفيناه كرائه وأحسنّا صحبته، ومن أحبّ أن يفارقنا في بعض الطريق أعطيناه كراه على قدر ما قطع من الطريق. فمضى معه قوم وامتنع آخرون.».(٣)

____________________

(١) راجع: معجم البلدان، ٢: ٤٩ / وكذلك: خطب الإمام الحسينعليه‌السلام على طريق الشهادة، ١: ١٣٢.

(٢) أنساب الأشراف، ٣: ٣٧٥ - ٣٧٦ / وقال في آخر الخبر: «فيقال إنه لم يبلغ كربلاء منهم إلاّ ثلاثة نفر، فزادهم عشرة دنانير عشرة دنانير، وأعطاهم جملاً جملاً، وصرفهم!»، وانظر: اللهوف: ٣٠ وفيه: «بحير» بدلاً من «بجير».

(٣) الإرشاد: ٢٠٢؛ وانظر: تأريخ الطبري، ٣: ٢٩٦.

١٧٩

هل صادر الإمامعليه‌السلام الوِرسَ والحُلَل فعلًا؟

قال المحقّق القرشي: «وقد أنقذ الإمامعليه‌السلام هذه الأموال من أن تُنفق على موائد الخمور، وتدعيم الظُلم، والإساءة إلى الناس، وقد تقدّم أنّ الإمامعليه‌السلام قام بنفس هذه العملية أيّام معاوية.(١) وقد ذهب آية اللّه المغفور له السيّد مهدي آل بحر العلوم الى عدم صحة ذلك، فإنّ مقام الإمامعليه‌السلام أسمى وأرفع من الإقدام على مثل هذه الأمور،(٢) والذي نراه أنّه لامانع من ذلك إطلاقاً، فإنّ الإمام كان يرى الحكم القائم في أيّام معاوية ويزيد غير شرعي، ويرى أنّ أموال المسلمين تُنفق على فساد الأخلاق ونشر العبث والمجون، فكان من الضروري إنقاذها لتنفق على الفقراء والمحتاجين، وأيّ مانع شرعي أو اجتماعي من ذلك؟».(٣)

ولقد علّق السيد ابن طاووس (ره) في ضمن خبر قصة هذه العير قائلًا: «فأخذَ الهديّة لأنّ حُكم أمور المسلمين إليه.».(٤)

ويقوّي القول بأنّ الإمامعليه‌السلام قد استولى على هذه الهدايا الموجّهة إلى يزيد، أنّ هناك روايات عديدة تتحدث عن ورس قد انتُهب من مخيم الإمام الحسينعليه‌السلام بعد مقتله.(٥)

هل التقى الإمام الحسين ابن عمر في التنعيم؟

نقل لنا التأريخ خبر آخر لقاءٍ لعبداللّه بن عمر مع الإمام الحسينعليه‌السلام بعد

____________________

(١) راجع: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ١٨: ٣٢٧ والجزء الأوّل من هذه الدراسة ص ٢٣٠.

(٢) رجال بحر العلوم، ٤: ٤٧.

(٣) حياة الإمام الحسين بن عليعليهما‌السلام ، ٣: ٥٩.

(٤) اللهوف: ٣٠.

(٥) مقتل الحسينعليه‌السلام للمقرّم: ٢٩٥؛ وراجع: الأخبار الطوال: ٢٥٨.

١٨٠