مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة الجزء ٣

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة0%

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 307

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمد جواد الطبسي
الناشر: سپهر أنديشه
تصنيف: الصفحات: 307
المشاهدات: 124975
تحميل: 4970

توضيحات:

الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 307 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 124975 / تحميل: 4970
الحجم الحجم الحجم
مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة

مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة الجزء 3

مؤلف:
الناشر: سپهر أنديشه
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

المعتمرين والحجّاج الذين كانوا قد احتفوا بالإمامعليه‌السلام في مكّة حفاوة عظيمة وكانوا يأتونه ويسمعون كلامه ويأخذون عنه، لكنّ هذا أيضاً لايُستفاد منه أنّ للإمامعليه‌السلام شيعة كثيرين يعملون داخل الجهاز الأموي الحاكم في مكّة.

ب- قوله: «أنّ بني هاشم فيما بعدُ اتهموا يزيد بأنّه هو الذي دسّ إليه الرجال حتّى يخرج!».

والإشتباه في هذا القول هو في عدم التفريق بين أن يكون يزيد قد دسَّ الرجال لإخراج الإمامعليه‌السلام ، وبين أن يكون يزيد قد دسَّ الرجال لاغتيال الإمامعليه‌السلام أو لإلقاء القبض عليه في مكّة فاضطرّ الإمامعليه‌السلام الى الخروج، والتأريخ يؤكّد أنّ يزيد كان قد أراد اختطاف الإمامعليه‌السلام أو اغتياله في مكّة فاضطرَّ الإمامعليه‌السلام إلى الخروج،(١) لا كما توهّم الدكتور عبدالمنعم ماجد، ثمَّ إنّ بني هاشم في تقريعهم يزيد على ما فعله بالإمامعليه‌السلام أكّدوا على أنّ يزيد دسَّ الرجال لاغتيال الإمام عليه السلام لا لإخراجه، هذا ابن عباسرضي‌الله‌عنه مثلًا يقول في رسالة منه إلى يزيد: «وما أنسَ من الأشياء فلستُ بناسٍ إطّرادك الحسين بن عليّ من حرم رسول اللّه إلى حرم اللّه، ودسّك إليه الرجال تغتاله، فاشخصته من حرم اللّه الى الكوفة، فخرج منها خائفاً يترقّب، وقد كان أعزّ أهل البطحاء بالبطحاء قديماً، وأعزّ أهلها بها حديثاً، وأطوع أهل الحرمين بالحرمين لو تبّوأ بها مقاماً واستحلَّ بها قتالًا، ولكن كره أن يكون هو الذي يستحلّ حرمة البيت وحرمة رسول اللّه، فأكبر من ذلك مالم تكبر حيث دسست إليه الرجال فيها ليُقاتل في الحرم ...».(٢)

____________________

(١) راجع: مثلاً اللهوف: ٢٧؛ وتأريخ اليعقوبي، ٢: ٢٤٨ - ٢٤٨؛ وتذكرة الخواص: ٢٤٨ والخصائص الحسينيّة: ٣٢/طبعة تبريز؛ ومقتل الحسينعليه‌السلام للمقرّم: ١٦٥ والمنتخب للطريحي: ٢٤٣؛ والإرشاد: ٢٠١.

(٢) تأريخ اليعقوبي، ٢: ٢٤٨ - ٢٥٠.

٤١

رسائل أموية إلى ابن زياد!

في كيان الحزب الأموي هناك تيّاران مختلفان في صدد نوع الموقف الذي يجب أن يتّخذه الأمويون في مواجهة الإمام الحسينعليه‌السلام ، التيّار الأوّل يتزعّمه معاوية بن أبي سفيان، ويرى هذا التيّار أنّ المواجهة العلنيفة مع الإمام الحسينعليه‌السلام ليست في صالح الحكم الأموي، فلابدّ من تحاشي مثل هذه المواجهة معهعليه‌السلام ، ويرى هذا التيّار أنّ المتاركة بين الإمامعليه‌السلام وبين بني أميّة هي أفضل ما يوافق مصلحة الحكم الأموي، حتّى يأتي على الإمامعليه‌السلام ريب المنون فيخلو لبني أميّة وجه الساحة السياسية بعد موت ابن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويرى هذا التيّار أنّه إذا كان لابدّ من مواجهة مع الامامعليه‌السلام فينبغي أن تكون مواجهة سريّة غير مكشوفة، يتمّ التخلّص فيها من وجود الإمامعليه‌السلام بنفس الطريقة التي تمّ التخلّص فيها من أخيه الإمام الحسنعليه‌السلام أو بما يماثلها، حتّى لايُستفزَّ الرأي العام في الأمّة- بموتهعليه‌السلام - ضدّ الحكم الأموي.

ويتبنّى هذا الرأي دهاة الأمويين وحلماؤهم وذوو النظر البعيد منهم، ومن هؤلاء مثلًا الوليد بن عتبة بن أبي سفيان.(١)

أما التيّار الآخر فيتزعمه يزيد بن معاوية، وينضمّ إليه جميع قصيرو النظر والتفكير وأهل الحمق والخرق من بني أميّة، أمثال مروان بن الحكم،(٢) وعمرو بن سعيد الأشدق.

____________________

(١) راجع: الجزء الأوّل: (الإمام الحسينعليه‌السلام في المدينة المنوّرة): ٣٦١ - ٣٦٥، عنوان: شخصية الوليد بن عتبة.

(٢) في مشورة مروان بن الحكم على الوليد بن عتبة بحبس الإمامعليه‌السلام وبقتله إن لم يبايع دليل على انتماء مروان لهذا التيّار، وعلى نوع طريقة تفكير هذا التيّار.

٤٢

ويرى هذا التيّار أنّه لابدّ من المبادرة إلى التخلص من الإمام الحسينعليه‌السلام إذا ما أعلن عن رفضه البيعة وعن قيامه ضد الحكم الأموي، سواء من خلال مواجهة سرّية أو علنية!

وكان معاوية يعلم بوجود هذا التيار الآخر داخل الحزب الأمويّ، ويعرف أشخاصه، وقد حذّر الإمامعليه‌السلام من بطش هذا التيّار وهدّده به في رسالته التي بعث بها إلى الإمامعليه‌السلام على أثر حادثة استيلاء الإمامعليه‌السلام على حمولة القافلة القادمة إلى معاوية من اليمن، فقد ورد في هذه الرسالة قوله: «.. ولكنّي قد ظننت يا ابن أخي أنّ في رأسك نزوة! وبودّي أن يكون ذلك في زماني فأعرف لك قدرك! وأتجاوز عن ذلك! ولكنّي واللّه أتخوّف أن تُبتلى بمن لاينظرك فواق ناقة!».(١)

فلما مات معاوية وسيطر التيّار الأرعن على دفّة الحكم الأموي، وبعد أن أصرَّ الإمامعليه‌السلام على رفض البيعة ليزيد، وخرج إلى العراق فعلًا- ولم يتمكّن الأمويون من خطفه أو اغتياله في المدينة أو في مكّة- اضطرب الأمويون عامة ودهاتهم خاصة اضطراباً شديداً خوفاً من نتائج المواجهة العلنية مع الإمامعليه‌السلام ، ومن مصاديق هذا الإضطراب الرسالة التي بعثها الوليد بن عتبة بن أبي سفيان إلى عبيداللّه بن زياد، والتي كان نصّها: «بسم اللّه الرحمن الرحيم. من الوليد بن عتبة إلى عبيداللّه بن زياد: أمّا بعدُ، فإنّ الحسين بن عليّ قد توجّه نحو العراق، وهو ابن فاطمة، وفاطمة ابنة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فاحذر يا ابن زياد أن تبعث إليه رسولًا فتفتح على نفسك ما لاتختار من الخاص والعام. والسلام».(٢)

هذه الرسالة كاشفة تماماً عن طريقة التفكير التي يتبنّاها التيّار الأوّل داخل

____________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ١٨: ٣٢٧.

(٢) الفتوح: ٥: ١٢١ - ١٢٢.

٤٣

الحزب الأموي (طريقة تفكير معاوية)، فالوليد لايذكّر ابن زياد بجلالة منزلة الحسين بن فاطمة بنت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليخوّفه من عذاب اللّه في الآخرة، بل يحذّره ويخوّفه من انقلاب الرأي العام والخاص ضدّ الحكم الأموي!! ولا شيء عن عذاب الآخرة!!

وجدير بالذكر أنّ التيّار الأموي الآخر لايعبأ بطريقة تفكير تيّار معاوية والوليد بن عتبة! ولذا ورد في ذيل خبر هذه الرسالة: «قال: فلم يلتفت عبيداللّه بن زياد إلى الكتاب».(١)

وروى ابن عساكر أن مروان كتب إلى عبيداللّه بن زياد: «أمّا بعدُ: فإنّ الحسين بن عليّ قد توجّه إليك، وهو الحسين بن فاطمة، وفاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وباللّه ما أحدٌ يسلّمه اللّه أحبّ إلينا من الحسين! فإيّاك أن تهيج على نفسك مالا يسدّه شيء، ولاتنساه العامة ولاتدع ذكره، والسلام.».(٢)

وقال الشيخ محمد باقر المحمودي في حاشية الصفحة التي فيها هذا الخبر: «وكلّ من ألم بشيء من سيرة مروان يعلم يقيناً أنّ هذا الكلام والكتاب لايلائم نفسيّات مروان ونزعاته وماكان يجيش في قلبه من بغض أهل البيت، وتمنّيه استئصالهم واجتثاثهم عن وجه الأرض، فإن كان لهذا الكتاب أصل وواقعيّة فالمظنون أنّه للوليد بن عتبة بن أبي سفيان، كما نقله عنه الخوارزمي في أوّل الفصل ١١ من مقتله: ج ٢: ص ٢٢١، ونقله أيضاً ابن أعثم الكوفي في كتاب الفتوح».(٣)

____________________

(١) الفتوح: ٥: ١٢٢.

(٢) تاريخ ابن عساكر / ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام / تحقيق المحمودي: ٢٢٩، حديث رقم ٢٥٦.

(٣) المصدر السابق.

٤٤

وكذلك روى ابن كثير في تأريخه(١) أنّ هذه الرسالة من مروان إلى ابن زياد، وقال الشيخ المحقّق باقر شريف القرشي معلّقاً على ذلك: «واشتبه ابن كثير فزعم أنّ مروان كتب لابن زياد ينصحه بعدم التعرّض للحسين، ويحذّره من مغبّة الأمر، ورسالته التي بعثها إليه تضارع رسالة الوليد السابقة مع بعض الزيادات عليها إنّ من المقطوع به أنّ هذه الرسالة ليست من مروان فإنّه لم يفكّر بأيّ خير يعود للأمّة، ولم يفعل في حياته أيّ مصلحة للمسلمين، يُضاف إلى ذلك مواقفه العدائية للعترة الطاهرة وبالأخص للإمام الحسين، فهو الذي أشار على حاكم المدينة بقتله، وحينما بلغه مقتل الإمام أظهر الفرح والسرور! فكيف يوصي ابن زياد برعايته والحفاظ عليه!؟».(٢)

نعم، إنّ مروان بن الحكم وهو من أعلام التيّار الأموي الأرعن الذين تتلظّى قلوبهم حنقاً على أهل البيت وبغضاً لهم، لايمكن أن تصدر عنه مثل هذه الرسالة- وإن كانت هذه الرسالة لاتفيض إلّا بالخوف من هياج الرأى العام ضد الأمويين!- ذلك لأنّ أفراد التيّار الأموي الأرعن تشابهت قلوبهم وتماثلت أقلامهم فيما كتبوا به من تهديد لابن زياد: في أنّه إنْ لم يقتل الإمامعليه‌السلام يعُدْ إلى أصله الحقيقي عبداً لبني ثقيف! فهذا عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق وهو من طغاة بني أميّة الرعناء يكتب الى ابن زياد- بعد خروج الإمام الحسينعليه‌السلام من مكّة- قائلًا: «أمّا بعدُ: فقد توجّه إليك الحسين، وفي مثلها تعتق أو تكون عبداً تسترقّ كما تسترقّ العبيد!»،»

وكأنّه يستلّ ذات المعاني من قلب سيّده يزيد بن معاوية الذي كتب إلى ابن زياد

____________________

(١) البداية والنهاية: ٨: ١٦٥.

(٢) حياة الإمام الحسين بن عليعليهما‌السلام : ٣: ٥٨.

(٣) تاريخ ابن عساكر / ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام / تحقيق المحمودي: ٢٩٩ حديث رقم ٢٥٦.

٤٥

قائلًا: «قد بلغني أنّ أهل الكوفة قد كتبوا إلى الحسين في القدوم عليهم، وأنّه قد خرج من مكّة متوجّهاً نحوهم، وقد بُلي به بلدك من بين البلدان، وأيّأمك من بين الأيّام، فإنْ قتلته وإلّا رجعت إلى نسبك وإلى أبيك عُبيد،(١) فاحذر أن يفوتك!».(٢)

____________________

(١) الجد الحقيقي لعبيد الله بن زياد بن عبيد (وعبيد كان غلاماً لثقيف).

(٢) تأريخ اليعقوبي: ٢: ١٥٥.

٤٦

الفصل الثاني: حركة أحداث الكوفة أيام مسلم بن عقيلعليه‌السلام

٤٧

٤٨

الفصل الثاني:

حركة أحداث الكوفة أيام مسلم بن عقيلعليه‌السلام

في البدء:

ينبغي التذكير بأنّ عمدة المتون التأريخية التي ذكرت يوم خروج وقيام مسلم بن عقيلعليه‌السلام في الكوفة هي:

١)- «وكان خروج مسلم بن عقيل رحمة اللّه عليه بالكوفة يوم الثلاثاء لثمانٍ مضين من ذي الحجّة سنة ستين، وقتله يوم الأربعاء لتسع خلون منه، يوم عرفة.».(١)

٢)- «وكان مخرج ابن عقيل بالكوفة لثمان ليالٍ مضين من ذي الحجّة سنة ستين، وقيل لتسع مضين منه».(٢)

٣)- «وكان قتل مسلم لثمانٍ مضين من ذي الحجّة بعد رحيل الحسين من مكة بيوم، وقيل يوم رحيله ..».(٣)

٤)- «ويُقال يوم الأربعاء لسبع مضين سنة ٦٠ من يوم عرفة بعد مخرج الحسين من مكّة مُقبلًا إلى الكوفة بيوم.».(٤)

٥)- «وكان قتل مسلم بن عقيل يوم الثلاثاء لثلاث خلون من ذي الحجّة سنة

____________________

(١) تأريخ الطبري، ٣: ٢٩٣؛ والإرشاد: ٢٠٠؛ وانظر: مروج الذهب، ٣: ٧٠.

(٢) الكامل في التأريخ، ٣: ٢٧٥.

(٣) تذكرة الخواص: ٢١٩.

(٤) تأريخ الطبري، ٣: ٢٩٣.

٤٩

ستّين، وهي السنة التي مات فيها معاوية، وخرج الحسين بن عليّعليه‌السلام من مكّة في ذلك اليوم.».(١)

مناقشة هذه المتون:

إنَّ المشهور وهو الصحيح(٢) أنَّ الإمام الحسينعليه‌السلام كان قد خرج من مكّة الى العراق يوم الثلاثاء، يوم الثامن من ذي الحجّة سنة ستين، وعليه فإنّ القول الخامس الأخير وهو قول الدينوري في «الأخبار الطوال» لايُعتدُّ به، ولايستقيم إلّا إذا كانت ثمان بدلًا من ثلاث، أي أنَّ ثلاثاً وقعت تصحيفاً لثمانٍ، وهو أمرٌ ممكن الوقوع.

أمّا القول الرابع: «ويُقال يوم الأربعاء لسبع مضين سنة ستين من يوم عرفة بعد مخرج الحسين من مكّة مقبلًا الى الكوفة بيوم.» فهو فضلًا عن غموض دلالته، شاذٌ في نفسه على ظاهره،(٣) ولايستقيم معناه إلّا إذا كانت (في) بدلًا مِن (من)، و (لتسعٍ) بدلًا من (لسبعٍ)، فيكون على النحو التالي: ويقال يوم الأربعاء لتسعٍ

____________________

(١) الأخبار الطوال، ٢٤٢ - ٢٤٣.

(٢) فضلاً عن الشهرة التأريخية، فإنّ أقوى الأدلّة على هذا هو قول الإمام الحسينعليه‌السلام في رسالته الثانية إلى أهل الكوفة: «.. وقد شخصت إليكم من مكّة يوم الثلاثاء لثمانٍ مضين من ذي الحجّة يوم التروية...» (تأريخ الطبري، ٣: ٣٠١)، وهناك روايتان عن الإمام الصادقعليه‌السلام أخبر فيهما أنّ الإمام الحسينعليه‌السلام خرج من مكّة يوم التروية (راجع: الكافي، ٤: ٥٣٥ رقم ٤، والتهذيب، ٥: ٤٣٦، رقم ١٦٢؛ والإستبصار، ٢: ٣٢٧، رقم ١١٦٠).

(٣) ذلك لأنّ ظاهر معنى سبعة ايّام مضين حساباً من يوم عرفة هو أنّ المراد بذلك اليوم: اليوم الخامس عشر، وإذا كان يوم عرفة في تلك السنة يوم الأربعاء، فلن يكون هذا اليوم المراد يوم أربعاء كما ورد في النص. وإذا كان الحساب ممّا بعد عرفة، فيوم الأربعاء هذا يكون هو اليوم السادس عشر. والقول بهذا شاذُّ غريب على كلا الإحتمالين، فتأمّل!

٥٠

مضين سنة ستين في يوم عرفة، بعد مخرج الحسين من مكّة مقبلًا إلى الكوفة بيوم.

ومثل هذا التصحيف ممكن وكثير الوقوع ..

أمّا القول الثالث فيؤاخذ على مبناه بأنّ خروج الإمامعليه‌السلام كان يوم السابع من ذي الحجّة، وهو خلاف المشهور الصحيح.

فلا يبقى من هذه الأقوال بعد هذا إلّا مالا يُعارض المشهور الصحيح وهو أنّ خروج الإمامعليه‌السلام من مكّة الى العراق كان في يوم التروية يوم الثامن من ذي الحجّة سنة ستين للهجرة.

وعلى هذا يكون خروج مسلم بن عقيلعليه‌السلام في الكوفة يوم الثلاثاء يوم التروية، يوم الثامن من ذي الحجّة سنة ستين، ويكون يوم مقتله يوم الأربعاء لتسع مضين منه، أي يوم عرفة، وهو الأقوى.

أو كان خروجه يوم التاسع من ذي الحجّة بتلك السنة،(١) فيكون مقتلهعليه‌السلام في اليوم العاشر منه، أي يوم عيد الأضحى، وهو الأضعف.(٢)

إشارة:

بقي أن نشير هنا إلى مسألة مهمّة أخرى في هذا الصدد، وهي أنّ الطبري قد

____________________

(١) كما ذهب إلى هذا أيضاً - على نحو الإحتمال - مع ذكر القول الأول المسعودي حيث أضاف: «وقيل: يوم الأربعاء يوم عرفة لتسع مضين من ذي الحجّة سنة ستين» (مروج الذهب، ٣: ٧٠)، وكذلك ابن الأثير حيث قال: «وقيل: لتسع مضين منه» (الكامل في التأريخ، ٣: ٢٧٥).

(٢) ودليل ذلك أننا لم نعثر على أيّه إشارة تأريخية تفيد أنّ اليوم الذي قُتل فيه مسلمعليه‌السلام كان يوم عيد.

٥١

روى نصّاً صريحاً مفاده أنّ أهم وقائع حركة أحداث الكوفة أيّام تواجد مسلم بن عقيلعليه‌السلام فيها: من تفكير السلطة الأموية المركزية في الشام بعزل النعمان بن بشير عن ولاية الكوفة، وتعيين عبيد اللّه بن زياد بدلًا منه، ثمّ ما جرى بعد ذلك إلى يوم مقتل مسلمعليه‌السلام ، كلّ تلك الأحداث كانت قد وقعت بعد خروج الإمامعليه‌السلام من مكّة، أي وهو في الطريق إلى العراق، يقول الطبري في قصّة استشارة يزيد سرجون النصراني فيمن يستعمل على الكوفة بدلًا من النعمان: «دعا يزيد بن معاوية سرجون مولى معاوية، فقال: ما رأيك؟ فإنّ حسيناً قد توجّه نحو الكوفة، ومسلم بن عقيل بالكوفة يبايع للحسين، وقد بلغني عن النعمان ضعفٌ وقولٌ سيّء- وأقرأه كتبهم- فما ترى؟ من أستعمل على الكوفة؟ ...».(١)

وهذا النصّ بعبارة «فإنّ حسيناً قد توجّه نحو الكوفة» شاذٌ إذ لم ترد هذه العبارة في أيّ مصدرٍ تأريخيّ آخر تعرّض لقصة هذه الإستشارة بين يزيد وسرجون،(٢) هذا فضلًا عن كون رواية الطبري هذه مرسلة عن عوانة بن الحكم الذي كان عثمانيَّ الهوى، وكان يضع الأخبار لبني أميّة كما يقرّر ذلك العسقلانيّ في لسان الميزان،(٣) وفضلًا عن أنّ الطبري نفسه قد روى قصّة هذه الإستشارة أيضاً بسند عن عمّار الدهني عن أبي جعفر، وليس فيها هذه العبارة أو ما

____________________

(١) تأريخ الطبري، ٣: ٢٨٠.

(٢) لقد روى الشيخ المفيد (ره) نفس هذه الرواية، وليس فيها هذه العبارة، بل فيها: «ما رأيك؟ إنّ حسيناً أنفذ إلى الكوفة مسلم بن عقيل يبايع له..»، (راجع: الإرشاد: ٢٠٦).

(٣) «عوانة بن الحكم بن عوانة بن عيّاض الأخباري المشهور الكوفي، يقال كان أبوه عبداً خيّاطاً وأمّه أمةً، وهو كثير الرواية عن التابعين، قلّ أن روى حديثاً مسنداً، وقد روي عن عبداللّه بن المعتز عن الحسين بن عليل العنزي، عن عوانة بن الحكم أنّه كان عثمانياً، فكان يضع الأخبار لبني أميّة، مات سنة ١٥٨ هـ » (لسان الميزان، ٤: ٤٤٩ / دار الكتب العلمية، بيروت).

٥٢

بمفادها،(١) بل روى ما يعارض هذه العبارة كمثل قوله «كان مخرج مسلم بن عقيل بالكوفة يوم الثلاثاء لثمان ليالٍ مضين من ذي الحجّة سنة ستين ..»(٢) أي في نفس اليوم الذي خرج فيه الإمامعليه‌السلام من مكّة، ومعنى هذا أنّ جُلّ وقايع أيّام مسلمعليه‌السلام في الكوفة قد وقعت والإمامعليه‌السلام في مكّة، ومنها واقعة عزل النعمان عن الكوفة وتنصيب ابن زياد على العراق.

إذن لايمكن التعويل على عبارة رواية الطبري الشاذة، المعارضة للمشهور الثابت وهو: أنّ عزل النعمان عن ولاية الكوفة وتعيين ابن زياد مكانه كان قد تمّ والإمام الحسينعليه‌السلام لم يزل في مكّة لم يرحل عنها.

وهناك أيضاً نصٌّ لابن عبد البرّ في كتابه العقد الفريد ربّما أوهم البعضَ كذلك أنَّ عزل النعمان عن ولاية الكوفة وتعيين ابن زياد بدلًا منه كان قد حصل والإمامعليه‌السلام في الطريق إلى العراق، يقول ابن عبدالبرّ: «فكتب يزيد إلى عبيد اللّه بن زياد وهو واليه على العراق أنه قد بلغني أنّ حسيناً سار الى الكوفة، وقد ابتلي به زمانك بين الأزمان، وبلدك بين البلدان، وابتليت من بين العمّال، وعنده تُعتق أو تعود عبداً.».(٣)

ومنشأ هذا الوهم من تصوّر أنّ هذا الكتاب هو الكتاب الأوّل الذي كتبه يزيد إلى ابن زياد، أي كتابه الذي أمره فيه بالتوجّه سريعاً من البصرة إلى الكوفة، والأمر ليس كذلك، إذ إنّ هذا الأخير هو كتاب آخر غير الأوّل، بدليل عبارة «وهو واليه على العراق»، أي كان يومذاك والياً على الكوفة والبصرة معاً قبل هذا الكتاب، لأنّ

____________________

(١) راجع: تأريخ الطبري: ٣: ٢٧٥.

(٢) تأريخ الطبري، ٣: ٢٩٣.

(٣) العقد الفريد، ٥: ١٣٠، وانظر: مثير الأحزان، ٤٠ - ٤١؛ وأنساب الأشراف، ٣: ٣٧١.

٥٣

الولاية على العراق لاتُطلق على الولاية على البصرة فقط، وقد روى اليعقوبي أيضاً نفس نصّ نفس هذا الكتاب بعبارة واضحة كاشفة بصورة أفضل عن أنّ هذا الكتاب غير الكتاب الأوّل، يقول اليعقوبي: «وأقبل الحسين من مكّة يريد العراق، وكان يزيد قد ولّى عبيداللّه بن زياد العراق، وكتب إليه: قد بلغني أنّ أهل الكوفة قد كتبوا إلى الحسين في القدوم عليهم، وأنّه قد خرج من مكّة متوجّهاً نحوهم، وقد بُلي به بلدك من بين البلدان، وأيّامك من بين الأيّام، فإنْ قتلته وإلّا رجعت إلى نسبك وإلى أبيك عُبيد، فاحذر أن يفوتك!»،(١) وواضح من هذا النصّ أنّ ابن زياد كان قد صار والياً على الكوفة والبصرة معاً قبل خروج الإمامعليه‌السلام من مكّة، وأنّ يزيد كتب إلى ابن زياد هذا الكتاب بعدما ولّاه الكوفة أيضاً، لا أنّ هذا الكتاب كان كتاب التولية، فتأمّل!.

____________________

(١) تأريخ اليعقوبي، ٢: ١٥٥.

٥٤

استعراض أهمّ وقايع أيّام الإعداد للثورة(١)

خرج مسلم بن عقيلعليه‌السلام (٢) من مكّة المكرّمة سفيراً للإمام الحسينعليه‌السلام إلى أهل الكوفة في منتصف شهر رمضان سنة ستين للهجرة، ودخل الكوفة في اليوم الخامس من شهر شوّال من نفس السنة،(٣) وكان الإمامعليه‌السلام قد سرّح معه قيس بن مسّهر الصيداويرضي‌الله‌عنه ، وعمارة بن عبيد اللّه السلولي (ره)، وعبداللّه

____________________

(١) على ضوء ما قدّمناه فإنّ جميع أيّام مسلم بن عقيلعليه‌السلام في الكوفة - عدا اليوم الأخير أو اليومين الأخيرين منها - تقع في إطار الأيام التي كان فيها الإمامعليه‌السلام بمكّة، فدراستها حسب تقسيمنا لمقاطع هذه الدراسة (مع الركب الحسيني من المدينة الى المدينة) تكون من مختصّات الجزء الثاني، وقد تعرّض مؤلّف الجزء الثاني إلى سفارة مسلمعليه‌السلام ووقايع أحداث الكوفة أثناءها - ما قبل القيام - من خلال ثلاث زوايا: حركة الإمامعليه‌السلام ، وحركة النظام الأموي في مواجهة حركتهعليه‌السلام ، وحركة الأمّة إزاء قيام الإمامعليه‌السلام . لكنّ وقوع دراسة اليوم الأخير - أو اليومين الأخيرين - في إطار مباحث الجزء الثالث فرض على مؤلّف هذا الجزء أنّ يتعرّض أيضاً إلى وقائع الكوفة - نعني في أيام مسلمعليه‌السلام بها - منذ بدايتها إلى نهايتها، حتّى يستوفي حقّ دراسة اليوم الأخير أو اليومين الأخيرين تمام الإستيفاء، وقد شكّل ما أتى به مؤلّف هذا الكتاب تكميلاً ضرورياً ومهمّاً جدّاً لما أتى به مؤلّف الجزء الثاني، إلاّ أنّ هناك مشتركات كثيرة وواسعة بين البحثين، ولذا فقد استقرّ الرأي - من أجل عدم تكرار وإعادة عناوين وتفصيلات ما ورد في الجزء الثاني من تلك المباحث المشتركة - على أن تُستعرض هنا أهمّ تلك المباحث ملخّصة، ومطعّمة بكلّ استدراك مهمّ فات الجزء الثاني أن يحتويه، ووفّق الجزء الثالث إلى الإتيان به، ليتشكّل من مجموع هذا الإستعراض تمهيد مناسب لما سوف يأتي من مباحث تفصيلات وقائع قيام مسلمعليه‌السلام ومقتله في هذا الكتاب (المركز).

(٢) مرّت بنا في الجزء الثاني من هذه الدراسة ترجمة مفصلة وافية لسيّدنا مسلمعليه‌السلام ، فراجعها في الفصل الأوّل منه في الصفحات: ٤٢ - ٦٠.

(٣) راجع: مروج الذهب، ٣: ٥٥.

٥٥

وعبدالرحمن ابنا شدّاد الأرحبيرضي‌الله‌عنه .(١) وقيل: بعث معه أيضاً عبداللّه بن يقطررضي‌الله‌عنه .(٢)

وقد أوصى الإمامعليه‌السلام مسلم بن عقيلعليه‌السلام أن ينزل عند أوثق أهل الكوفة قائلًا: «فإذا دخلتها فانزل عند أوثق أهلها»،(٣) وقد روي أنّه نزل عند مسلم بن عوسجةرضي‌الله‌عنه ،(٤) كما روي أنه نزل عند هاني بن عروةرضي‌الله‌عنه ابتداءً،(٥) لكنّ الأشهر هو أنّ مسلماًعليه‌السلام نزل في دار المختار بن أبي عبيد الثقفي (ره) ابتداءً ثمّ تحوّل منها بعد ذلك إلى دار هانيرضي‌الله‌عنه .(٦)

وكان الإمام الحسينعليه‌السلام قد جعل مبادرته وإسراعه في القدوم على أهل الكوفة منوطاً بما إذا كتب إليه مسلمعليه‌السلام بأنّ حقيقة حالهم على مثل ما قدمت به رسلهم وكتبهم، إذ كتبعليه‌السلام في رسالته الأولى إليهم: «... فإنْ كتب إليَّ أنّه قد اجتمع رأي ملأكم وذوي الحجى والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم وقرأتُ في كتبكم فإنّي اقدم إليكم وشيكاً إن شاء اللّه ...».(٧)

____________________

(١) راجع: الإرشاد:١٨٦؛ وتأريخ الطبري، ٣: ٢٧٧ / وقد مرّت تراجم هؤلاء الأعلام الثلاثة في الجزء الثاني: ص ٦٩ - ٧٣ وص ٤٢ وص ٤٢ - ٤٤ على التوالي.

(٢) راجع: إبصار العين: ٩٤؛ وقد مرّت ترجمة ابن يقطر في الجزء الثاني أيضاً: ص ١٧٠.

(٣) الفتوح، ٥: ٣٦؛ ومقتل الخوارزمي، ١: ١٩٦.

(٤) راجع: تأريخ الطبري، ٣: ٢٧٥؛ وانظر: مروج الذهب، ٣: ٥٥؛ وقد مرّت ترجمة لمسلم بن عوسجةرضي‌الله‌عنه في الجزء الثاني: ص ٥٣.

(٥) راجع: سير أعلام النبلأ، ٣: ٢٩٩.

(٦) راجع: الإرشاد: ١٨٦؛ وتأريخ الطبري، ٣: ٢٧٩ وإبصار العين:٨٠؛ وقد مرّت ترجمة للمختار بن أبي عبيد الثقفي (ره) في الجزء الثاني: ص ٥٤ - ٥٥.

(٧) الإرشاد: ١٨٦؛ وتأريخ الطبري، ٣: ٢٧٨؛ والأخبار الطوال: ٢٣١.

٥٦

وفي رواية أخرى أنّ الإمامعليه‌السلام كتب إليهم في تلك الرسالة قائلًا: «فإنّ كنتم على ماقدمت به رسلكم وقرأتُ في كتبكم، فقوموا مع ابن عمّي وبايعوه ولاتخذلوه ...».(١)

ويُستفاد من هذا النصّ أنّ مهمّة مسلمعليه‌السلام في الكوفة لم تكن منحصرة في إطار إعداد وتعبئة أهل الكوفة حتّى يأتي إليهم الإمامعليه‌السلام فيقوموا معه ضد الحكم الأمويّ، وكتابة التقارير المتوالية إلى الإمامعليه‌السلام بحال أهل الكوفة والتحوّلات الجارية آنذاك، بل كان من صلاحية مسلمعليه‌السلام - في ظرف استثنائي- أن يبادر هو إلى القيام بأهل الكوفة ضدّ السلطة الأموية هناك ما رأى ذلك مناسباً حتّى قبل مجيء الإمامعليه‌السلام ، وهذا ما حصل بالفعل حينما أضطُرَّ مسلمعليه‌السلام - نتيجة الظروف الإستثنائية الطارئة بعد اعتقال هاني بن عروةرضي‌الله‌عنه - إلى أن يبادر إلى القيام يومذاك بمن معه.

البشرى بدرجة الشهادة!

وكان الإمامعليه‌السلام قد أشعر مسلماًعليه‌السلام بأنّ ختام أمره في هذا الطريق هو الفوز بدرجة الشهادة، إذ روي أنّهعليه‌السلام قال له وهو يودّعه في مكّة: «إنّي موجّهك إلى أهل الكوفة، وسيقضي اللّه من أمرك ما يحبّ ويرضى، وأنا أرجو أن أكون أنا وأنت في درجة الشهداء، فامضِ ببركة اللّه وعونه حتّى تدخل الكوفة، فإذا دخلتها فانزل عند أوثق أهلها، وادع الناس إلى طاعتي، فإنْ رأيتهم مجتمعين على بيعتي فعجّل عليَّ بالخبر حتّى أعمل على حساب ذلك إن شاء اللّه تعالى»، ثمّ عانقه الحسينعليه‌السلام وودّعه وبكيا جميعاً.(٢)

____________________

(١) الفتوح، ٥: ٣٥؛ ومقتل الخوارزمي، ١: ١٩٥ - ١٩٦.

(٢) الفتوح، ٥: ٣٦؛ ومقتل الخوارزمي، ١: ١٩٦.

٥٧

كتمان الأمر

وكان الإمامعليه‌السلام قد أوصى مسلماًعليه‌السلام أيضاً: «بالتقوى، وكتمان أمره، واللطف، فإنْ رأى الناس مجتمعين مستوسقين عجّل إليه بذلك ...».(١)

ولعلّ الإمامعليه‌السلام قد عنى ب «كتمان الأمر» الذي أوصى مسلماًعليه‌السلام به هو كتمان أمر سفارته مادام في الطريق حتّى يصل إلى الكوفة ..، والأُسلوب السرّي في تعبئة أهل الكوفة للنهضة، وكتمان أمر مكانه وزمان تحرّكاته، ومواقع مخازن أسلحته، وأشخاص قياداته ومعتمديه، وكلمة السرّ في وثبته، وغيره ذلك ممّا يكون من مصاديق كتمان الأمر.

وامتثالًا لهذه الوصيّة كان مسلمعليه‌السلام قد اعتمد الستر والرفق في تعبئة أهل الكوفة حتى يستكمل العدد والعدّة الكافيين لتأهيل الكوفة للقيام معه أو مع الإمامعليه‌السلام - إذا جاء الكوفة- بوجه السلطة الأمويّة.

يقول القاضي نعمان: «وكان مسلم بن عقيل رحمة اللّه عليه قد بايع له جماعة من أهل الكوفة في استتارهم!».»

ويقول الدينوري: «ولم يزل مسلم بن عقيل يأخذ البيعة من أهل الكوفة حتّى بايعه ثمانية عشر ألف رجل في ستر ورفق!».(٣)

ويقول الفتّال النيسابوري: «وجعلت الشيعة تختلف إلى مسلم بن عقيلرضي‌الله‌عنه حتى عُلِمَ بمكانه، فبلغ ذلك النعمان بن بشير وكان والياً على الكوفة ...».(٤)

____________________

(١) الإرشاد: ١٨٦.

(٢) شرح الأخبار، ٣: ١٤٣.

(٣) الأخبار الطوال: ٢٣٥.

(٤) روضة الواعظين: ١٧٣.

٥٨

اجتماع الشيعة الأوّل مع مسلمعليه‌السلام

يقول الطبري: «ثمّ أقبل مسلم حتى دخل الكوفة، فنزل دار المختار بن أبي عبيد، وهي التي تُدعى اليوم دار مسلم بن المسيّب، وأقبلت الشيعة تختلف إليه، فلما اجتمعت إليه جماعة منهم قرأ عليهم كتاب حسين، فأخذوا يبكون ...».(١)

وفي هذا الإجتماع الأوّل برزت ظاهرة ثابتة من ظواهر المجتمع الكوفي، وهي ظاهرة وجود القلّة من المؤمنين الصادقين المتحرّرين من أسر «الشلل النفسي» ومرض «الإزدواجية» و «حبّ الدنيا وكراهية الموت»، فعلى كثرة من حضر هذا الإجتماع ممّن هو محسوب على التشيّع لم يقم إلّا ثلاثة (هم من أعاظم شهداء الطفّرضي‌الله‌عنه ، أظهروا لمسلمعليه‌السلام استعدادهم التّام لامتثال أمره والتضحية في هذا السبيل!

يواصل الطبري روايته قائلًا: «... فقام عابس بن أبي شبيب الشاكري، فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال: أمّا بعدُ، فإنّي لا أخبرك عن الناس! ولا أعلم ما في أنفسهم! وما أغرّك منهم!، واللّه أحدّثك عمّا أنا موطّنٌ نفسي عليه، واللّه لأجيبنّكم إذا دعوتم، ولأقاتلنّ معكم عدوّكم، ولأضربن بسيفي دونكم حتّى ألقى اللّه، لا أريد بذلك إلّا ما عند اللّه!. فقام حبيب بن مظاهر الفقعسي فقال: رحمك اللّه، قد قضيت ما في نفسك بواجزٍ من قولك! ثم قال: وأنا واللّه الذي لا إله إلّا هو على مثل ما هذا عليه!. ثمّ قال الحنفي مثل ذلك!.».(٢)

____________________

(١) تأريخ الطبري، ٣: ٢٧٩.

(٢) تأريخ الطبري، ٣: ٢٧٩؛ وقد مضت ترجمة الشهيد عابس الشاكريرضي‌الله‌عنه في الجزء الثاني: ص ٣٨٢ - ٣٨٤، وترجمة مقتضبة للشهيد سعيد بن عبداللّه الحنفيرضي‌الله‌عنه في ص ٤١، وترجمة مقتضية لحبيب بن مظاهررضي‌الله‌عنه في ص ٣٣٣.

٥٩

وفي هذا الإجتماع كانت هناك أيضاً ظاهرة أخرى، تواجدت في هذا الإجتماع متخفيّة على استحياء، وإن كانت هي أكبر وأوضح ظواهر المجتمع الكوفي، وهي ظاهرة وجود الكثرة الكاثرة التي تحبّ الحقّ وتكره أن تموت من أجله! ظاهرة «الوهن» و «الشلل النفسي»، التي أدّت بالنتجة إلى أن استحوذ الشيطان على جُلّ أولئك القوم، فقتلوا ابن بنت نبيّهمعليه‌السلام !

يقول الحجّاج بن عليّ- الذي يروي عن محمّد بن بشر الهمداني، شاهد العيان الذي روى قصة هذا الإجتماع-: «فقلتُ لمحمّد بن بشر: هل كان منك أنت قول؟ فقال: إنّي كُنتُ لأحبُّ أنْ يُعزَّ اللّه أصحابي بالظفر، وما كنتُ أحبُّ أنْ أُقتل! وكرهتُ أنْ أكذب!».(١)

توالي اجتماعات الشيعة مع مسلمعليه‌السلام

وقد تتابعت اجتماعات جماهير الشيعة في الكوفة مع مسلمعليه‌السلام ، وكان يقرأ عليهم كتاب الإمامعليه‌السلام إليهم، فيبكون ويقولون: «واللّه لنضربنَّ بين يديه بسيوفنا حتّى نموت جميعاً!».(٢)

رسالة مسلمعليه‌السلام إلى الإمامعليه‌السلام

وأخذ عدد الذين يبايعون مسلماًعليه‌السلام من أهل الكوفة يتزايد يوما بعد يوم، فلما بلغ هذا العدد ثمانية عشر ألفاً(٣) كتب مسلمعليه‌السلام إلى الإمامعليه‌السلام بذلك، وبعث

____________________

(١) تأريخ الطبري، ٣: ٢٧٩.

(٢) تذكرة الخواص: ٢٢١؛ وروضة الواعظين: ١٧٤.

(٣) إنَّ أقلّ عدد للمبايعين ذكرته المصادر التأريخية هو إثنا عشر ألفاً (مناقب آل أبي طالب، ٤: ٩١ وتاريخ الطبري، ٣: ٢٧٥؛ ومروج الذهب، ٣: ٥٥ وغيرهم)، وأمّا ثمانية عشر ألفاً فعليه أكثر المؤرّخين (اللهوف: ١٦، وروضة الواعظين: ١٧٣ والأخبار الطوال: ٢٣٥ وتأريخ الطبري: =

٦٠