العقائد الإسلامية الجزء ٤

العقائد الإسلامية7%

العقائد الإسلامية مؤلف:
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 523

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 523 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 198749 / تحميل: 8074
الحجم الحجم الحجم
العقائد الإسلامية

العقائد الإسلامية الجزء ٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

الملكين لهم، وإثبات عذاب القبر للمجرمين والكافرين...

وقال القرطبي: إن الايمان به مذهب أهل السنة، والذي عليه الجماعة من أهل الملة، ولم يفهم الصحابة الذين نزل القرآن بلسانهم ولغتهم من نبيهمعليه‌السلام غير ذلك وكذلك التابعون بعدهم، وذهب بعض المعتزلة الى موافقة أهل السنة على ذلك.

وذهب صالح قبة والصالحي وابن جرير الى أن الثواب والعقاب ينال الميت من غير حياة، وهذا مكابرة للعقول...

وقد تلخص من هذا: أن الروح تعاد الى الجسد ويحيا وقت المساءلة وأنه ينعم أو يعذب من ذلك الوقت الى يوم البعث، إما متقطعاً أو مستمراً على ما سبق.

وهل ذلك من بعد وقت المساءلة الى البعث للروح فقط؟ أو لها مع الجسم؟

يترتبان على أن الجسم هل يفنى أو يتفرق وكلا الأمرين جائز عقلا وفي الواقع منه قولان للمتكلمين ولم يرد في الشرع ما يمكن التمسك به في ذلك إلا قوله صلى الله عليه وسلم: ( كل ابن آدم يبلي إلا عجب الذنب ).

فحيث يكون الجسم أو بعضه باقياً فلا امتناع من قيام الحياة به، وحيث يعدم بالكلية يتعين القول بالروح فقط...

وبالجملة: كل أحد يعامل بعد موته كما كان يعامل في حياته ولهذا يجب الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته كما كان في حياته.

وقد روي عن أبي بكر الصديقرضي‌الله‌عنه قال: لا ينبغي رفع الصوت على نبي حياً ولا ميتاً.

وروي عن عائشةرضي‌الله‌عنها : أنها كانت تسمع صوت الوتد يوتد والمسمار يضرب في بعض الدور المطيفة بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فترسل اليهم: لا تؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم...

وعن عروة قال: وقع رجل في علي عند عمر بن الخطاب فقال له عمر بن الخطاب: قبحك الله لقد آذيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبره.

٤٠١

كتاب رفع المنارة لتخريج أحاديث التوسل والزيارة

للشيخ محمود سعيد ممدوح - نشر دار الإمام النووي - الأردن ١٤١٦

قال في ص ٥:

وبعد.. فإن مسألتي التوسل والزيارة من المسائل التي شغلت الناس كثيراً، وصنفت فيهما - خاصة مسألة التوسل - مصنفات متعددة، وحصل أخذ ورد وجدل، وتزيد! وتاجر بهما سماسرة الاختلاف بين المسلمين!

ومما زاد الطين بلة أن سبكهما المتشددون في مسائل الاعتقاد..!!

وقد حصل بسببهما الخوض في أعراض كثير من أئمة الدين، وتطاول في أعراض جماهير المسلمين. ومن أحاط علماً بما ذكرت علم كم صحب ذلك من النهي الشديد والتخويف والتهديد، وقد تلاحقت أقلام في ذلك كان من آخرها رسالة باسم ( الأخطاء الاساسية في توحيد الألوهية الواقعة في فتح الباري ) شنع فيها صاحبها على الحافظ ابن حجر لتجويزه التوسل، وقوله باستحباب الزيارة! وهذا غاية في الغلو والتعصب والجهل!

فياللعار والشنار: قاضي قضاة المسلمين وشيخ المحدثين وإمامهم، ومفخرة المسلمين، أحمد بن حجر العسقلانيرضي‌الله‌عنه يصنف - بدون حياء - رسالة تحوي هذا المعنى الذي لا يدل إلا على مبلغ انحراف مصنفها المسكين...

والغرض من هذا المصنف بعد بيان الحق في الأحاديث، هو أن الخلاف في مسألة التوسل هو خلاف في الفروع، ومثله لا يصح أن يشنع أخٌ به على أخيه أو يعيبه به، وأن من قال به - وهو التوسل بالأنبياء والأولياء - متمسكٌ بأدلة ثابتة ثبوت الجبال الرواسي وردها لا يجيء إلا من متعنتٍ أو مكابر.

وأما المقصود في مسألة الزيارة فهو إثبات إطباق فقهاء الأمة على استحباب أو وجوب زيارة المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بشد رحل أو بدونه، وأن من قال بتحريم الزيارة المستوجبة لشد الرحل قد ابتدع وخالف النصوص الصريحة وإطباق فقهاء مذهبه،

٤٠٢

فضلاً عن المذاهب الأخرى.

فأولى بأولي النهى ترك الشاذ من القول، والتسليم بالمعروف المشهور الذي أطبقت الأمة على العمل به، والله المستعان.

أما من تعود أن يقول: عنزة ولو طارت، أو يا داخل مصر مثلك كثير، فهو مكابرٌ أو متعنت فلا كلام لنا معه، فقد خالف صريح الدليل وخالف أعيان الأئمة...

وقال في ص ١٣:

وكون الوسيلة هي القربة لا خلاف بين المفسرين في ذلك، كما صرح به ابن كثير في تفسيره: ٣/٩٧ وقال ( الوسيلة هي ما يتوصل بها الى تحصيل المطلوب ). اهـ.

فقول بعضهم: إن التوسل هو اتخاذ واسطة بين العبد وربه، خطأٌ محض! فالتوسل ليس من هذا الباب قطعاً، فالمتوسل لم يدع إلا الله وحده، فالله وحده هو المعطي والمانع والنافع والضار، ولكنه اتخذ قربةً رجاء قبول دعاءه، والقربة في الدعاء مشروعة بالاتفاق.

وترد الوسيلة بمعنى المنزلة كما في الحديث الصحيح المشهور: سلوا الله لي الوسيلة.. الحديث...

والتوسل على نوعين: أحدهما ما اتفق عليه. وترك الخوض فيه صواب، لأنه تكرار وتحصيل حاصل.

ثانيهما: ما اختلف فيه، وهو السؤال بالنبي أو بالولي أو بالحق أو بالجاه أو بالحرمة أو بالذات، وما في معنى ذلك.

وهذا النوع لم ير المتبصر في أقوال السلف من قال بحرمته، أو أنه بدعةٌ ضلالةٌ، أو شدد فيه وجعله من موضوعات العقائد، كما نرى الآن.

لم يقع هذا إلا في القرن السابع وما بعده!

وقد نقل عن السلف توسلٌ من هذا القبيل...

٤٠٣

وقال في ص ١٥:

وقد أكثر ابن تيمية من بحث النوع الثاني من التوسل في مصنفاته قائلاً بمنعه، وقلده وردد صدى كلامه آخرون. ويحسن ذكر كلام ابن تيمية مع بيان ما فيه، واقتصاري على كلامه فقط هو الأولى، لأن من تشبث بكلامه لا يزيد عن كونه متشبعاً من موائده، دائراً في فلكه، والله المستعان:

كان ابن تيمية يرى منع التوسل بالأنبياء والملائكة والصالحين، وقال: التوسل حقيقته هو التوسل بالدعاء - دعاء الحي فقط - وذكر ذلك في مواضع من كتابه التوسل والوسيلة ص ١٦٩.

وقال ابن تيمية ص ٦٥ وهو الاعتراض الأول:

السؤال به ( أي بالمخلوق ) فهذا يجوزه طائفة من الناس، لكن ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك كله ضعيفٌ بل موضوع، وليس عنه حديث ثابتٌ قد يظن أن لهم فيه حجة، إلا حديث الأعمى ولا حجة لهم، فإنه صريح في أنه إنما توسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعته، وهو طلب من النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء، وقد أمره النبي أن يقول: اللهم شفعه في، ولهذا رد الله عليه بصره لما دعا له النبي، وكان ذلك مما يعد من آيات النبي صلى الله عليه وسلم، ولو توسل غيره من العميان الذين لم يدع لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالسؤال به لم تكن حالهم كحاله. اهـ.

قلت: قوله كله ضعيفٌ بل موضوع... سيأتي إن شاء الله تعالى الرد على هذا الكلام في تخريج الأحاديث، ففيها الصحيح والحسن والضعيف عند أئمة هذا الشان، ووفق قواعد الفن.

أما قوله: إلا حديث الأعمى لا حجة لهم فيه، فإنه صريحٌ في أنه انما توسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعته... وكلامه فيه نظرٌ ظاهر، لأن الناظر في حديث توسل الأعمى يجد فيه الآتي:

٤٠٤

١ - جاء الأعمى للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له: أدع الله أن يعافيني، فالأعمى طلب الدعاء.

٢ - فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً: إن شئت أخرت ذلك وهو خير، وإن شئت دعوت. فخيره رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين له أن الصبر أفضل.

٣ - ولكن لشدة حاجة الأعمى، التمس الدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم.

٤ - عند ذلك أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويصلي ركعتين.

٥ - وزاد على ذلك هذا الدعاء: اللهم إني أسالك وأتوجه اليك بنبيك محمد نبي الرحمة. يا محمد إني توجهت بك الى ربي في حاجتي فتقضى لي.

فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الدعاء، كما طلب الأعمى في أول الحديث ودعا الأعمى بهذا الدعاء كما علمه النبي صلى الله عليه وسلم.

٦ - فعلمه النبي صلى الله عليه وسلم دعاء هو توسلٌ به، وهو نصٌ في التوسل به صلى الله عليه وسلم، لا يحتمل أي تاويل، وكيف يحتمل غير التوسل به وفيه: أتوجه اليك بنبيك.. إني توجهت بك. ومن رأى غير ذلك فقد استعجم عليه الحديث.

وابتهج الألباني في توسله بكلام ابن تيمية فردده قائلاً ص ٧٢: وعلى هذا فالحادثة كلها تدور حول الدعاء كما هو ظاهر، وليس فيها ذكر شيء مما يزعمون. اهـ

قلت: هذه مصادرةٌ للنص وتعميةٌ على القارىَ!

كيف لا يكون كذلك والنبي صلى الله عليه وسلم علم الرجل دعاءً فيه السؤال بالنبي صلى الله عليه وسلم.

نعم، الحادثة تدور حول الدعاء، ولكن السؤال هنا ما هو الدعاء الذي دعا به النبي صلى الله عليه وسلم؟ وما هو الدعاء الذي علمه للرجل الأعمى؟

٤٠٥

لا يستطيع أي منصف إلا الاجابة بأن هذا الدعاء هو الذي فيه نصٌ بالتوسل به صلى الله عليه وسلم، فالأعمى جاء يطلب مطلق الدعاء برد بصره، وعلمه صلى الله عليه وسلم، وأمره بالتوسل به ليتحقق المطلوب.

٧ - ثم قال صلى الله عليه وسلم: اللهم شفعه في وشفعني في نفسي، أي تقبل شفاعته أي دعاءه في وتقبل دعائي في نفسي.

وهنا سؤال: أي دعاء هنا الذي يطلب قبوله؟ لا شك أن الاجابة عليه ترد بداهة في ذهن أي شخص، إنه الدعاء المذكور فيه التوسل به صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يحتاج لاعمال فكر أو إطالة نظر وتأمل، وهو واضحٌ وضوح الشمس في رابعة النهار.

ويمكن أن يقال: إن سؤال قبول الشفاعة هو توسل بدعائه صلى الله عليه وسلم، مع التوسل بذاته، وهذا منتهى ما يفهم من النص، والله أعلم.

٨ - فسبب رد بصر الأعمى هو توسله بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا ما فهمه الأئمة الحفاظ الذين أخرجوا الحديث في مصنفاتهم، فذكروا الحديث على أنه من الأدعية التي تقال عند الحاجات. فقال البيهقي في دلائل النبوة ٦/١٦٦ باب: ما جاء في تعليمه الضرير ما كان فيه شفاؤه حين لم يصبر، وما ظهر في ذلك من آثار النبوة. ا هـ.

ولا يخفى أن تعليمه للضرير هو الدعاء الذي فيه التوسل بالذوات، وعبارة البيهقي واضحة جداً. والبيهقي حافظٌ فقيه.

وهكذا ذكره النسائي، وابن السني في عمل اليوم والليلة، والترمذي في الدعوات، والطبراني في الدعاء، والحاكم في المستدرك، والمنذري في الترغيب والترهيب، والهيثمي في مجمع الزوائد في صلاة الحاجة ودعائها، والنووي في الأذكار على أنه من الأذكار التي تقال عند عروض الحاجات، وابن الجزري في العدة في باب صلاة الضر والحاجة ص ١٦١.

٤٠٦

وقال القاضي الشوكاني في تحفة الذاكرين ص ١٦٢: وفي هذا الحديث دليل على جواز التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم الى الله عز وجل، مع اعتقاد أن الفاعل هو الله سبحانه وتعالى، وأنه المعطي المانع، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. ا هـ.

واستقصاء الحفاظ الذين فهموا أن الحديث على عمومه، واستعمال الدعاء الوارد فيه الذي فيه التوسل به صلى الله عليه وسلم، يطول.

٩ - إن عثمان بن حنيفرضي‌الله‌عنه وهو راوي الحديث فهم من الحديث العموم، فقد وجه رجلاً يريد أن يدخل على عثمان بن عفانرضي‌الله‌عنه الى التوجه بالدعاء المذكور في الحديث الذي فيه التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم، إسناده صحيح سيأتي إن شاء الله تعالى.

وفهم الصحابي الجليل عثمان بن حنيفرضي‌الله‌عنه ، هو ما لا يستقيم فهم الحديث إلا به.

١٠ - إن رواية ابن أبي خيثمة للحديث من طريق حماد بن سلمة الحافظ الثقة فيها ( فإن كانت حاجة فافعل مثل ذلك ) وهي زيادة ثقة حافظ، فهي صحيحة مقبولة، كما هو معلوم ومقرر في علوم الحديث. وهذه الرواية تدل على العموم وطلب العمل بالحديث في الحياة وبعد الممات، الى قيام الساعة.

ثم قال ابن تيمية: ولو توسل غيره من العميان الذين لم يدع لهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالسؤال به لم تكن حالهم كحاله. اهـ.

وقال ابن تيمية في موضع آخر: وكذلك لو كان أعمى توسل به صلى الله عليه وسلم ولم يدع له الرسول صلى الله عليه وسلم بمنزلة ذلك الأعمى، لكان عميان الصحابة أو بعضهم يفعلون مثل ما فعل الأعمى، فعدولهم عن هذا الى هذا دليل على أن المشروع ما سألوه دون ما تركوه. ا هـ.

قلت: الجواب عليه سهلٌ ميسور، وكنت أود أن لا أرد هذا الايراد، لكنني رأيت

٤٠٧

جماعة أخذوا هذا الايراد ونسبوه لأنفسهم، وكان الصواب ألا يذكر لفساده، أو يذكر مع نسبته لقائله!

ومن الذين نسبوه لأنفسهم الألباني فإنه قال في توسله ص ٧٦:

لو كان السر في شفاء الأعمى أنه توسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم وقدره وحقه كما يفهم عامة المتأخرين، لكان المفروض أن يحصل هذا الشفاء لغيره من العميان الذين يتوسلون بجاهه صلى الله عليه وسلم، بل ويضمون اليه أحياناً جاه جميع الأنبياء المرسلين، وكل الأولياء والشهداء والصالحين، وجاه كل من له جاه عند الله من الملائكة والانس والجن أجمعين.

ولم نعلم ولا نظن أحداً قد علم حصول مثل هذا خلال هذه القرون الطويلة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم الى اليوم. اهـ.

وذكر نحو هذا الايراد صاحب التوصل الى حقيقة التوسل ص ٢٤٣، وكذا المتعالم صاحب هذه مفاهيمنا ص ٣٧

والجواب على هذا الايراد بالآتي:

١ - إجابة الدعاء ليست من شروط صحة الدعاء، وقد قال الله تعالى ( أدعوني أستجب لكم ) ونحن نرى بعض المسلمين يدعون فلا يستجاب لهم، وهذا الايراد يأتي على الدعاء كله، فانظر الى هذا الايراد أين ذهب بصاحبه؟

٢ - هذا الايراد يرد عليه احتمال أقوى منه وحاصله: أن عدم توسل عميان الصحابة وغيرهم احتمال فقط لا يؤيده دليل، وهم إما توسلوا فاستجيب لهم، أو تركوا رغبة في الأجر، أو توسلوا وادخر ذلك أجراً لهم، أو تعجلوا فما ستجيب لهم.

وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: قد دعوت فلم يستجب لي ) رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

وكم من داع متوسلاً لله بأسمائه وصفاته ولم يستجب له.

٤٠٨

ويلزم هؤلاء اشكال وهو أننا نرى من يدعو ويتوسل بأسماء الله وصفاته أو بعمله الصالح أو بدعاء رجل صالح ولم نر إجابة الدعاء. وهذا من تمام الحجة عليهم ونقض إيرادهم! فلا تلازم بين الدعاء والاجابة. والله أعلم بالصواب.

على أن قول الألباني: لا نعلم ولا نظن أحداً.. الخ. تهافتٌ وشهادةٌ على نفي لا ينخدع بها إلا مسلوب العقل.

تذنيب مفيد لكل لبيب:

بعد أن تبين لك دلالة الحديث الواضحة على التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم وأن المخالف متسنم بيتاً من بيوت العنكبوت.. تجد أن من هؤلاء المخالفين من لم يستطع تحت قوة الدليل إلا الاعتراف بجواز هذا التوسل، وأنه لا غبار عليه، فشكك في شبهاته وأسقط كلامه!!

إنه الألباني الذي قال في توسله ص ٧٧:

على أنني أقول: لو صح أن الأعمى إنما توسل بذاته صلى الله عليه وسلم فيكون حكماً خاصاً به صلى الله عليه وسلم، لا يشاركه فيه غيره من الأنبياء والصالحين، وإلحاقهم به مما لا يقبله النظر الصحيح، لأنه صلى الله عليه وسلم سيدهم وأفضلهم جميعاً، فيمكن أن يكون هذا مما خصه الله به عليهم ككثير مما يصح به الخبر، وباب الخصوصيات لا تدخل فيه القياسات، فمن رأى أن توسل الأعمى كان بذاته صلى الله عليه وسلم فعليه أن يقف عنده ولا يزيد عليه، كما نقل عن الإمام أحمد والشيخ العز بن عبد السلام رحمهما الله تعالى. هذا هو الذى يقتضيه البحث العلمي مع الانصاف والله الموفق للصواب ). اهـ

فقل لي بربك لماذا كان كل هذا المراء من أساسه، وترك الدليل الى التقليد؟

بيد أن عبارته فيها هنات لا تخفى، فقصره بالتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم فقط لا دليل عليه، وهو تخصيصٌ بدون مخصص، فالخصوصية لا تثبت إلا بدليل.

٤٠٩

وإذا كان الإمام أحمدرحمه‌الله يجوز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم، فلم ينقل عنه المنع من التوسل بغيره، ومن نقل عنه ذلك يكون قد افتأت عليه؟!

والحنابلة وهم أعرف بإمامهم لم يذهبوا الى القصر الذي ادعاه الألباني! فيقول ابن مفلح الحنبلي في الفروع ١/٥٩٥: ( ويجوز التوسل بصالح وقيل يستحب قال أحمد في منسكه الذي كتبه للمروزي إنه يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسله في دعائه، وجزم به في المستوعب وغيره ). اهـ.

وقال الشيخ الممدوح في ص ٣١:

وقال عمر بن حمزة: حدثنا سالم عن أبيه: ربما ذكرت قول الشاعر وأنا أنظر الى وجه النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي، فما ينزل حتى يجيش كل ميزاب:

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

ثمال اليتامـى عصمة للأرامل

وهو قول أبي طالب، والشاهد فيه قوله: ( يستسقى الغمام بوجهه ) فتمثل عبد الله بن عمررضي‌الله‌عنهما بقول أبي طالب، وتذكره له مع النظر للنبي صلى الله عليه وسلم، يدل على توسله بالنبي صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء، وهو نصٌ لا يحتمل غيره.

وقد أجاب الشيخ بشير السهسواني على هذا النص الصريح إجابة مندفعة فقال ص ٣٧٣: فإن قلت: لفظ ( يستسقى الغمام بوجهه ) يدل على أن التوسل بالذوات الفاضلة جائز؟

قلت: المكروه من التوسل هو أن يقال أسألك بحق فلان أو بحرمة فلان، وأما إحضار الصالحين في مقام الاستسقاء، أو طلب الدعاء منهم فهو ليس من المكروه في شيء، بل هو ثابت بالسنة الصحيحة. اهـ.

وقال في موضع آخر ص ٢٧٤: وإذا كان حضور الصحابة والتابعين وتابعي التابعين والضعفاء سبباً للنصر والفتح، فما ظنك بحضور سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم؟ اهـ.

٤١٠

ثم قال في ص ٢٧٥: فالمراد بوجهه في قول أبي طالب: ( يستسقى بوجهه ) ببركة حضور ذاته أو بدعائه. اهـ.

قلت وبالله التوفيق: صرف السهسواني هذا التوسل الى التبرك بالذات أوالدعاء فيه نظر، أما الدعاء فظاهر أن كون المراد بيستسقى بوجهه ببركة حضوره فيمكن أن يكون كذلك إن كان التبرك والتوسل عنده مترادفان وهو الصواب، وهو ما صرح به البدر العيني فقال في عمدة القاري ٧/٣٠: معنى قول أبي طالب هذا في الحقيقة توسل الى الله عز وجل بنبيه، لأنه حضر استسقاء عبد المطلب والنبي صلى الله عليه وسلم معه، فيكون استسقاء الناس الغمام في ذلك الوقت ببركة وجهه الكريم. ا هـ.

وإن لم يكن، فلفظة ( يستسفى الغمام بوجهه ) هو عين التوسل، ولا بد من حمل النص على ظاهره، ولا يصرف إلا بدليل ولا صارف هنا. والله أعلم.

وللعلامة محمد بن علي الشوكاني كلمة في جواز التوسل بالأنبياء وغيرهم من الصالحين رد فيها على من منعه وفند إيراداته، فقالرحمه‌الله في كتابه ( الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد ) ما نصه:

أما التوسل الى الله سبحانه وتعالى بأحد من خلقه في مطلب يطلبه العبد من ربه، فقد قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام إنه لا يجوز التوسل الى الله تعالى إلا بالنبي صلى الله عليه وسلم إن صح الحديث فيه.

ولعله يشير الى الحديث الذي أخرجه النسائي في سننه، والترمذي وصححه، وابن ماجة، وغيرهم، أن أعمى أتى النبي...

وعندي أنه لا وجه لتخصيص جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم كما زعمه الشيخ عز الدين بن عبد السلام لأمرين: الإول، ما عرفناك به من إجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم. والثاني، أن التوسل الى الله بأهل الفضل والعلم هو في التحقيق توسل بأعمالهم الصالحة ومزاياهم الفاضلة، إذ لا يكون فاضلاً إلا بأعماله، فإذا قال القائل: اللهم إني أتوسل اليك بالعالم الفلاني فهو باعتبار ما قام به

٤١١

من العلم. وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم حكى عن الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة أن كل واحد منهم توسل...

فلو كان التوسل بالأعمال الفاضلة غير جائز، أو كان شركاً كما زعمه المتشددون في هذا الباب كابن عبد السلام ومن قال بقوله من أتباعه، لم تحصل الاجابة لهم ولا سكت النبي صلى الله عليه وسلم عن إنكار ما فعلوه بعد حكايته عنهم!

وبهذا تعلم أن ما يورده المانعون من التوسل بالأنبياء والصلحاء من نحو قوله تعالى ( ما نعبدهم إلا ليقربونا الى الله زلفى ) ونحو قوله تعالى ( فلا تدعوا مع الله أحداً )، ونحو قوله تعالى ( له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء ) ليس بوارد، بل هو من الاستدلال على محل النزاع بما هو أجنبي عنه... وهكذا الإستدلال على منع التوسل بقوله صلى الله عليه وسلم لما نزل قوله تعالى ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) يا فلان ابن فلان لا أملك لك من الله شيئاً، يا فلانة بنت فلان لا أملك لك من الله شيئاً، فإن هذا ليس فيها إلا التصريح بأنه صلى الله عليه وسلم لا يستطيع نفع من أراد الله ضره ولا ضر من أراد الله تعالى نفعه، وأنه لا يملك لأحد من قرابته فضلاً عن غيرهم شيئاً من الله. وهذا معلوم لكل مسلم، وليس فيه أنه لا يتوسل به الى الله، فإن ذلك هو طلب الأمر ممن له الأمر والنهي، وإنما أراد الطالب أن يقدم بين يدي طلبه ما يكون سبباً للاجابة ممن هو المنفرد بالعطاء والمنع وهو مالك يوم الدين. انتهى كلام الشوكانيرحمه‌الله .

وقال الآلوسي: أنا لا أرى بأساً في التوسل الى الله تعالى بجاه النبي صلى الله عليه وسلم عند الله تعالى حياً وميتاً، ويراد بالجاه معنى يرجع الى صفة من صفاته تعالى مثل أن يراد به المحبة التامة المستدعية عدم رده وقبول شفاعته، فيكون معنى قول القائل: إلَهي أتوسل اليك بجاه نبيك صلى الله تعالى عليه وسلم أن تقضي لي حاجتي، الَهي اجعل محبتك له وسيلة في قضاء حاجتي.

٤١٢

ولا فرق بين هذا وقولك: الَهي أتوسل اليك برحمتك أن تفعل كذا، إذ معناه أيضاً الَهي اجعل رحمتك وسيلة في فعل كذا. انتهى من جلاء العينين ص ٥٧٢.

وقال الممدوح في ص ٣٧:

التوسل ليس من مباحث الاعتقاد:

التوسل من موضوعات الفروع، لأن حقيقته اتخاذ وسيلة أي قربة الى الله تعالى. قال الله عز وجل ( يا أيها الذين امنوا اتقوا الله وابتغوا اليه الوسيلة ).

والتوسل على أنواع، وأمره يدور بين الجواز والندب والحرمة، وماكان أمره كذلك فهو من الاحكام الشرعية التي موضوعها علم الفقه.

وإقحام موضوعات الفقه في التوحيد والعقائد خطأ يجب مجانبته، حتى ينزل كل بحث منزلته.

وهذا الإمام أبو حنيفة يقول: ويكره أن يقول الرجل في دعائه: أسألك بمقعد العز من عرشك. اهـ ( الجامع الصغير للامام محمد ص ٣٩٥ مع النافع الكبير ) فعبر الإمام أبوحنيفةرحمه‌الله بقوله ( يكره ) فدار الأمر بين الكراهة التنزيهية أو التحريمية، كما قرره أصحابه في كتاب ( الكراهية ) أو الحظر والاباحة من مصنفاتهم الفقهية.

والسادة الفقهاء يذكرون التوسل في باب الاستسقاء، وعند زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم.

أما سلك بحث التوسل في العقائد وجعله وسيلة من وسائل الشرك، فبدعةٌ قد حلت بالمسلمين، ومسلكٌ قد زرع العداوة بينهم، ونفخ في بوق الخلاف بين الأخ وأخيه، والأب وابنه!

ومن قلب النظر في عشرات الكتب والرسائل التي يصنفها بعض المعاصرين التي تتحدث عن ( منهج أهل السنة والجماعة ) و( وأصول أهل السنة ) و( عقيدة الفرقة الناجية ) أو ( العقيدة الصحيحة ) و( مجمل أصول أهل السنة والجماعة ) و

٤١٣

(خصائص ومميزات )... لرأى الهول والجهل معاً ووقف على أنواع من التشدد كادت أن تأتي على الأخضر واليابس.

وينبغي على العقلاء كشف أوضار وأخطار هؤلاء الجهلة، ومن على شاكلتهم من المتاجرين بالخلاف بين المسلمين.

وإن المرء لا يعجب ممن يأخذ بأحد الرأيين، ولكنه لا ينقضي عجبه ممن يتبع أحد هذين الرأيين، ثم يجعل ما اتبعه هو الحق الذي يجب المصير اليه ويجعل من اختيار الآخرين للرأي الآخر برهان كونهم مبتدعة يجب مفارقتهم ويجب..ويجب!

فقل لي بربك أي عالم من علماء الأمة يقر هذا المسلك المتخلف العجيب! ولطالما اتهم كثير من عباد الله الصالحين بالابتداع وغيره، وعند المحقاقة تجد الحق معهم والجهل مع غيرهم، فالى الله المشتكى مما اليه أمر المسلمين.

وقال الممدوح في ص ٤١:

ولا بأس أن ألفت نظر القارئ الكريم لنوع من رسائل التهويل والتضليل والتعدي على المسلمين، وما أكثرها.

من هذه الرسائل رسالة باسم ( وقفات مع كتاب للدعاة فقط ) يعيب المؤلف فيها على صاحب كتاب ( للدعاة فقط ) مسائل منها قول الإمام حسن البنارحمه‌الله : ( والدعاء إذا قرن بالتوسل الى الله تعالى بأحد من خلقه خلاف فرعي في كيفية الدعاء، وليس من مسائل العقيدة ). اهـ ص ٢٥.

وهذا حق لا مرية فيه، ومنكره منكر للمحسوس ومكابر في الضروريات، ولأن صاحب الرسالة المذكورة وقف على بعض الرسائل التي ترشح بالتهويل والتضليل وتعميق الخلاف بين المسلمين، جرى المسكين في فلك هذه الرسائل فأبرق لمن يفتيه وفق مراده، فأفاده بعضهم بقوله المضحك المبكي ( هو صالح الفوزان ):

التوسل في الدعاء بذوات الصالحين أو حقهم أو جاههم يعتبر أمراً مبتدعاً ووسيلةً من وسائل الشرك، والخلاف فيه يعتبر خلافاً في مسائل العقيدة لا في

٤١٤

مسائل الفروع، لأن الدعاء فيه أعظم أنواع العبادة، ولا يجوز فيه إلا ما ورد في الكتاب والسنة... الخ ص ٣١ - ٣٢.

قلت: لا يخفى أن الأحاديث والآثار الصحيحة والحسنة ترد قوله، ولو استحضر هذا المجيب حديثاً واحداً منها، وليكن حديث توسل الأعمى بالنبي صلى الله عليه وسلم واستعمال عثمان بن حنيف له، وزيادة حماد بن سلمة الصحيحة، وكان مع استحضاره منصفاً وترك تقليد غيره، لأعرض عما تفوه به، فإن أبى ترك التقليد فأولى به تقليد إمامه في توسله بالنبي صلى الله عليه وسلم، وجماعة من السلف، كما نقله ابن تيمية في التوسل والوسيلة ص ٦٥، ٩٨!

فاذا كان أحمد وجماعة من السلف لا يعرفون الشرك ووسائله، وعرفه هذا المستدرك عليهم، فليكن ماعرفه هو سب السلف وأئمة الدين ورميهم بالعظائم لا غير.

نعم الدعاء من أعظم أنواع العبادة، كلمةُ حقٍ أريد بها باطل، لكن المتوسل لا يدعو إلا الله جل وعز، ولكنه اتباعاً لقول بقول الله تعالى ( وابتغوا اليه الوسيلة ) توسل في دعائه. وهذه الوسيلة مختلفٌ في بعض أنواعها منها ما يجوز، ومنها ما لا يجوز.

فالأمر فيه خلاف، ومحل هذا الخلاف موضوع علم الفقه، أما علم العقيدة أو التوحيد فيتكلم في الالَهيات والنبويات والسمعيات، فلا معنى لادخال بحث التوسل في العقيدة، وبونٌ كبير بين العالمين!

وقال الممدوح في ص ٤٧:

وإذا كان صاحب رسالة ( وقفات مع كتاب للدعاة فقط ) قد اعتمد على غيره، فإن أبا بكر الجزائري قد اعتمد على نفسه، فزاد الطين بلة، وكفر قسطاً وافراً من المسلمين فقال ما نصه:

إن دعاء الصالحين والاستغاثة بهم والتوسل بجاههم لم يكن في دين الله تعالى قربةً ولا عملاً صالحاً فيتوسل به أبداً، وإنما كان شركاً في عبادة الله محرماً

٤١٥

يخرج فاعله من الدين ويوجب له الخلود في جهنم. انتهى بحروفه من كتابه عقيدة المؤمن ص ١٤٤.

والصحيح أن المؤمن لا يعتقد ذلك في إخوانه المؤمنين الذين يعتقدون ألا مؤثر إلا الله عز وجل، وغاية عملهم أنهم علموا منزلة النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه فتوسلوا به واتبعوا الأدلة الصحيحة، وقد تأسوا في ذلك بالصحابة رضوان الله عليهم. وقد أخطأ أبو بكر الجزائري فكفَّر عباد الله الصالحين، وهذا التكفير الجزاف لا ارتباط له بكتاب أو سنة، ولا بما عليه السواد الأعظم، ولم يقل ذو عقل ودين بمقولته الفاسدة إلا من كان على رأي الخوارج!! نسأل الله العافية.

وللاسف قد طبع كتابه مرات، وليتأمل القارىَ المنصف كم من المسلمين فتنوا بهذا الباطل! والله المستعان.

وقال الممدوح في ح ص ٤٨:

وإذا كان أبوبكر الجزائري قد تفوه بالتكفير، فهناك آخر هو محمد صالح العثيمين الذي أصر على اعتبار التوسل من مباحث الاعتقاد واستدل على مقولته بما لم يصرح به مسلم فقال:

وبالنسبة للتوسل فهو داخل في العقيدة لأن المتوسل يعتقد أن لهذه الوسيلة تأثيراً في حصول مطلوبه ودفع مكروهه، فهو في الحقيقة من مسائل العقيدة، لأن الانسان لا يتوسل بشيء إلا وهو يعتقد أن له تأثيراً فيما يريد. اهـ

من فتاوى ابن عثيمين ٣/١٠٠ كما نقله عنه جامع ( فتاوى مهمه لعموم الأمة ).

قلت: أثبت العرش ثم انقش، فمن الذي أطلعك على ما في صدور المتوسلين حتى تصرح بهذه المقولة الشنيعة.

إن ما قاله منافٍ للاعتقاد تماماً، فكل مسلم يعتقد اعتقاداً جازماً أن الله جل وعز هو النافع وهو الضار، وأن المؤثر الحقيقي هو الله، وأنه وحده مسبب الأسباب، فلا

٤١٦

فاعل إلا الله، ولا خالق سواه، واليه يرجع الأمر كله. وغاية ما في المتوسل أن يقول: اللهم إني أسالك أو أتوسل اليك بنبيك صلى الله عليه وسلم، مثلاً.

فالمتوسل سأل الله تعالى ولم يسأل سواه، ولم ينسب الى المتوسل به تأثيراً أو فعلاً أو خلقاً، وإنما أثبت له القربة والمنزلة عند الله تعالى، وتلك المنزلة ثابتةٌ له في الدنيا والآخرة، واليه نذهب يوم القيامة طلباً للشفاعة.

ومن اعتقد أن إخوانه المسلمين يعتقدون أن المتوسل به له تأثير، فيكون قد كفَّرَهم، ووضع نفسه مقام العارف بما في الصدور!

وهذه فتاوى يضحك بها هؤلاء على البسطاء ليوضحوا لهم أن المتوسلين من جلدةٌ أخرى! وكلام العثيمين ينسحب الى التوسل كله. والحق يقال: إنه كلام لا علاقة له بالعلم، وكم من حوادث وفتن تتبع هذه الفتاوى، وكم من جاهلٍ كفَّر أبويه أو أهل خطته بسبب اغتراره بمثل هذه الفتاوى، ولو تمهل المفتي وفكر قليلاً لأدرك سخف مقولته.

والعجب أنه أطلق وماقيَّد، فهل للعمل الصالح المتوسل به تأثيراً بذاته. ومحالٌ أن الصحابة اعتقدوا هذا الاعتقاد في النبي صلى الله عليه وسلم، والعباس ويزيد عندما توسلوا بهم، ومحالٌ أن يعتقد السلف، ومنهم الإمام أحمد الذين توسلوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ( كما صرح به ابن تيمية في التوسل والوسيلة ص ٩٨ ) هذا الاعتقاد الفاسد.

والحنابلة يجوزون أو يستحبون التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم كما صرح امامهم ابن قدامة بذلك في المغني، فهل يراهم يعتقدون مثل هذا الاعتقاد؟ !!

إن من الآفات المردية التسرع في رمي العباد بالعظائم.

والحاصل أن ماقاله العثيمين لا يصلح دليلا على ما ادعى، بل هو مما يدوم ضرره، لأن آثاره نراها دارجة تفرق بين المسلمين! نسأل الله لنا جميعاً الهداية والتوفيق، ولو حسن الشيخ الظن باخوانه المسلمين لكان له موقف آخر.

٤١٧

كتاب ( حقيقة التوسل والوسيلة على ضوء الكتاب والسنة )

تأليف موسى محمد علي - الناشر دار التراث العربي بمصر - طبعة ثانية - ١٤١٠

قال في صفحة ٢٧ وما بعدها:

والوسيلة ما يتقرب به الى الغير. والجمع الوسل، والوسائل، والتوسيل والتوسل واحد، يقال: وسل فلان الى ربه وسيلة، وتوسل اليه بوسيلة، إذا اقترب اليه بعمل.

وهي أيضاً: كل ما جعله الله سبباً في القربى عنده، ووصلة الى قضاء الحوائج منه، والمدار فيها على أن يكون للوسيلة قدر وحرمة عند المتوسل اليه.

ولفظ الوسيلة عامٌ في الآيتين، فهو شاملٌ للتوسل بالذوات الفاضلة من الأنبياء والصالحين، في الحياة وبعد الممات، وبإتيان الأعمال الصالحة على الوجه المأثور به... أخرج الطبراني في معجمه الكبير والأوسط بسند رجاله رجال الصحيح، وابن حبان والحاكم عن أنس أنه قال: لما ماتت فاطمة بنت أسد أم عليرضي‌الله‌عنهما ، دخل عليها رسول الله.. الحديث، وفي آخره: أنه لما فرغ من حفر لحدها دخل رسول الله فاضطجع فيه وقال: الله الذي يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، إغفر لأمي فاطمة بنت أسد، ولقنها حجتها، ووسع عليها مدخلها، بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي فانك أرحم الراحمين.

ففي هذا الحديث الثابت، توسله عليه الصلاة والسلام الى ربه بذاته، التي هي أرفع الذوات قدراً، وبإخوانه من النبيين وجلهم موتى، عليهم جميعاً الصلاة والسلام .

فالتوسل بسيدنا رسول الله، والتوسل بسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والتوسل بالصالحين من عباد الله سبحانه، والاستغاثة بهم جميعاً، على النحو الذي عليه الأمة، من اعتقاد أنهم عبادٌ مكرمون مقبولو الشفاعة، عند الله تعالى بفضله، هو مما أجمعت عليه الأمة، ودل عليه الكتاب، ونطقت به صحاح السنة، وأقوال العلماء.

٤١٨

وجواز التوسل وحسنه يعد بحق من الأمور المعلومة لكل ذي دين، المعروفة من فعل الأنبياء والمرسلين، وسير السلف الصالحين والعلماء العوام من المسلمين.

وحسبك من انكار المنكر للاستعانة والتوسل، أنه قولٌ لم يقله عالم قبله، وقد وقفت له على كلام طويل في ذلك، رأيت أن أميل عنه ولا أتتبعه بالنقض والابطال، فإن دأب القاصدين لايضاح الدين وإرشاد المسلمين، تقريب المعنى الى أفهامهم، وتحقيق مرادهم وبيان حكمه وأحكامه.

وعلى أي حال من الأحوال، ومهما بلغ قول المنكر من الانكار، فإن التوسل بالنبي جائزٌ في كل حال، قبل خلقه، وبعد خلفه، في مدة حياته في الدنيا، وبعد موته في مدة البرزخ، وبعد البعث في عرصات القيامة، والجنة.

وهو على ثلاثة أنواع:

١ - النوع الأول: أن التوسل به بمعنى أن طالب الحاجة يسأل الله تعالى به، أو بجاهه أو ببركته. وله ثلاث حالات:

أما الحالة الأولى: قبل خلقه فيدل على ذلك آثار عن الأنبياء الماضين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، اقتصرنا منها على بعض ما تبين لنا صحته، وهو ما رواه الحاكم أبو عبد الله في المستدرك على الصحيحين، وعبد الرزاق في مصنفه، وابن أبي شيبة في مسنده: عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عباسرضي‌الله‌عنهما قال: أوحى الله الى عيسى يا عيسى آمن بمحمد، وأمر من أدركه من أمتك أن يؤمنوا به، فلولا محمد ما خلقت آدم، ولولاه ما خلقت الجنة والنار، ولقد خلقت العرش على الماء فاضطرب فكتبت عليه: لا الَه إلا الله محمد رسول الله، فسكن.

وأما ما ورد من توسل نوح، وابراهيم، وغيرهما من الأنبياءعليهم‌السلام ، فذكره المفسرون، واكتفينا عنه بهذا الحديث لجودته وتصحيح الحاكم له.

ولا فرق في هذا المعنى بين أن يعبر عنه بلفظ التوسل، أو الاستعانة، أو التشفع أو التجوه. ولسنا في ذلك سائلين غير الله تعالى، ولا داعين إلا إياه، ويكون ذكر

٤١٩

المحبوب أو التعظيم سبباً في ذلك للاجابة، كما في الأدعية الصحيحة المأثورة: أسألك بكل اسم لك، وأسألك بأسمائك الحسنى، وأسألك بأنك أنت الله، وأعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك...

أما عن التوسل بدعاء الرسول وشفاعته، فيدل عليه قوله تعالى: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله، واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيما.

وفي الحديث الصحيح عن أنس بن مالكرضي‌الله‌عنه ، أن رجلاً دخل يوم الجمعة من باب كان وجاه المنبر ورسول الله قائمٌ يخطب، فاستقبل رسول الله قائماً، قال: يا رسول الله، هلكت المواشي، وانقطعت السبل فادع الله أن يغيثنا. قال: فرفع رسول الله يديه فقال: اللهم اسقنا، اللهم اسقنا...

فالنبي أقر هذا الأعرابي على التوسل به، وسعى في تحقيق ما توسل اليه...

الحالة الثانية: التوسل به بذلك النوع، بعد خلقه، في مدة حياته، فمن ذلك ما رواه أبو عيسى الترمذي في جامعه في كتاب الدعوات: عن عثمان بن حنيف أن رجلا ضرير البصر أتى النبي فقال: ادع الله أن يعافيني...

والحالة الثالثة: أن يتوسل به بعد موته، لما رواه الطبراني في معجمه الكبير: عن عثمان بن حنيف أن رجلاً كان يختلف الى عثمان بن عفان في حاجة له فكان عثمان لا يلتفت اليه، ولا ينظر في حاجته، فلقي ابن حنيف فشكا ذلك اليه فقال له عثمان بن حنيف: إيت الميضأة فتوضأ، ثم إيت المسجد فصل فيه ركعتين، ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه اليك بنبينا محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك الى ربك فيقضي حاجتي، وتذكر حاجتك...

والإحتجاج بهذا الأثر فهم عثمان بن حنيفرضي‌الله‌عنه ومن حضره ممن هم أعلم بالله ورسوله.

٢ - النوع الثاني: التوسل به بمعنى طلب الدعاء منه، وذلك في أحوال:

الحالة الأولى: في حياته وهذا متواتر...

٤٢٠

ولا يصح أن يقول مانع التوسل: أنا لا أمنع التوسل والتشفع لما قدمتم من الآثار والأدلة وإنما أمنع إطلاق التوجه والاستغاثة، لأن فيهما إبهام وهو أن المتوجه به، والمستغاث به أعلى من المتوجه عليه والمستغاث عليه.

وهذا لا يعتقده مسلم، ولا يدل لفظ التوجه والاستغاثة عليه، فإن التوجه من الجاه والوجاهة، ومعناه: علو القدر والمنزلة.

وقد يتوسل بذي جاه الى من هو أعلى جاهاً منه.

الحالة الثانية: بعد موته في عرصات القيامة بالشفاعة منه، وذلك مما قام الاجماع عليه وتواترت الأخبار به.

الحالة الثالثة: المتوسطة في مدة البرزخ، ولا مانع من ذلك، فإن دعاء النبي لربه تعالى في هذه الحالة غير ممتنع، وقد وردت الأخبار على ما ذكرنا من قبل، ونذكر طرفاً منه باثبات علمه بسؤال من يسأله، فلا مانع من أن يسأل به الاستسقاء كما كان يسأله في الدنيا.

٣ - النوع الثالث: من التوسل أن يطلب منه ذلك الأمر المقصود، بمعنى أنه ( ص ) قادر على التسبب فيه بسؤاله ربه وشفاعته اليه، فيعود الى النوع الثاني في المعنى، وإن كانت العبارة مختلفة، ومن هذا قول القائل للنبي: أسألك مرافقتك في الجنة، فقال له ( ص ): أعني على نفسك بكثرة السجود.

والآثار في ذلك كثيرة، ولا يقصد الناس بسؤالهم ذلك إلا كون النبي ( ص ) سبباً وشافعاً، وليس المراد نسبة النبي الى الخلق والاستقلال بالأفعال، فإن هذا لا يقصده مسلم. فصرف الكلام اليه ومنعه من باب التلبيس في الدين والتشويش على عوام الموحدين!!

وأما الاستغاثة فهي طلب الغوث. وتارة يطلب الغوث من خالقه وهو الله تعالى وحده، كقوله تعالى: إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم.

٤٢١

وتارة يطلب ممن يصح إسناده اليه، على سبيل الكسب، ومن هذا النوع الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم في هذين القسمين فيصح أن يقال: استغثت بالنبي، وأستغيث بالنبي، بمعنى واحد، وهو طلب الغوث منه بالدعاء ونحوه على النوعين السابقين في التوسل من غير فرق، وذلك في حياته وبعد موته، ويقول: استغثت الله، وأستغيث الله، بمعنى طلب خلق الغوث منه.

فالله تعالى مستغاثٌ، والغوث منه خلقاً وايجاداً، والنبي صلى الله عليه وسلم مستغاثٌ، والغوث منه تسبباً وكسباً.

وقد تكون الاستغاثة بالنبي على وجه آخر، وهو أن يقول: استغثت بالنبي كما يقول: سألت الله بالنبي، فيرجع الى النوع الأول من أنواع التوسل، ويصح قبل وجوده وبعد وجوده.

والحاصل أن مذهب أهل السنة والجماعة صحة التوسل، وجوازه بالنبي صلى الله عليه وسلم، في حياته وبعد وفاته، وكذا بغيره من الأنبياء والمرسلين، والأولياء الصالحين، كما دلت عليه الأحاديث السابقة.

ومعاشر أهل السنة لا يعتقدون خلقاً ولا إيجاداً، ولا إعداماً إلا لله تعالى وحده لا شريك له. فلا فرق في التوسل بالنبي وغيره من الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين. وكذلك بالأولياء والصالحين، لا فرق بين كونهم أحياء أو أمواتاً، لأنهم لا يخلقون شيئاً، وإنما يتبرك بهم لكونهم أحباء الله تعالى، والخلق والايجاد لله وحده لا شريك له.

وقال في صفحة ١٠٠ وما بعدها:

شبهة إنكار التوسل والاستغاثة والرد عليها:

من شبهات الخصم التي يدلس فيها ويموه بها:

١ - الانكار على المتوسلين والمستغيثين، وتكفيرهم وعدهم مشركين، كعباد الأوثان، بل وجعلهم أسوأ حالاً منهم، واتهامهم أنهم يعتقدون التأثير لغير الله تعالى.

٤٢٢

٢ - الانكار على المستغيثين بالموتى.

٣ - انكار زيارة قبور الأنبياء والصالحين، وبالأخص سيد المرسلين والاستغاثة به صلى الله عليه وسلم، الى رب العالمين.

٤ - إنكار الصلاة في المساجد التي بها قبور، وعد ذلك من الشرك، ولا ذريعة الى الشرك.

٥ - إنكار وصول ثواب قراءة القرآن والدعاء والاستغفار للموتى. وغير ذلك مما اعتبره الخصم من أنواع الشرك.

ولتفنيد شبهات الخصم سالفة الذكر هذه، فقد أفردنا لكل شبهة فصلاً مستقلاً تناولنا فيه الرد عليها.

أما الشبهة الأولى فقد استقصينا كلام الخصم، فوجدناه مفتتحاً إظهار دعوة مخالفة لأهل الأرض والسماء وهو عارفٌ بضعف حاله، فإن تكفيره لمن خالف بدعته من جميع المسلمين، ونسبتهم الى الشرك الأكبر، واتخاذه هذا الاتهام ذريعةً لتكفيرهم لا دليل له عليه.

هذه الذريعة التي اتخذها هي قوله: إن المشركين السابقين كانوا مشركين في الألوهية فقط، وأما مشركو المسلمين فنعني بهم من أشركوا في الألوهية والربوبية. وقال أيضاً: إن الكفار في زمن رسول الله لا يشركون دائماً، بل تارة يشركون، وتارة يوحدون، ويتركون دعاء الأنبياء والصالحين، وذلك أنهم إذا كانوا في السراء دعوهم واعتقدوا بهم، وإذا أصابهم الضر والشدائد تركوهم وأخلصوا لله الدين، وعرفوا أن الأنبياء والصالحين لا يملكون ضراً ولا نفعاً.

قال الخصم هذا، وحمل تأويل جميع الآيات القرآنية التي نزلت في المشركين على الموحدين من أمة محمد وتمسك بها في تكفيرهم!!

مجمل القول في رد هذه الشبهة: أن التوسل والتشفع والاستغاثة كلها بمعنى

٤٢٣

واحد، وليس لها في قلوب المؤمنين معنى إلا التبرك بذكر أحباب الله تعالى، لما ثبت أن الله يرحم العباد بسببهم، سواء أكانوا أحياءً أم أمواتاً. فالمؤثر والموجد حقيقة هو الله تعالى، وهؤلاء سببٌ عادي في ذلك، لا تأثير لهم، وذلك مثل السبب العادي فإنه لا تأثير له.

فالمسلم الموحد متى صدر منه إسناد الشيء لغير من هو له، يجب حمله على المجاز العقلي، وإسلامه وتوحيده قرينة على ذلك، كما نص على ذلك علماء المعاني في كتبهم، وأجمعوا عليه.

وأما منع التوسل مطلقاً فلا وجه له مع ثبوته في الأحاديث الصحيحة، ومع صدوره من النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، وسلف الأمة وخلفها.

والمنكرون للتوسل، والمانعون منه، منهم من يجعله حراماً، ومنهم من يجعله كفراً وإشراكاً! وكل ذلك باطل، لأنه يؤدي الى اجتماع معظم الأمة على الحرام والاشراك، لأن من تتبع كلام الصحابة والعلماء من السلف والخلف يجد التوسل صادراً منهم، بل ومن كل مؤمن في أوقات كثيرة، واجتماع أكثرهم على الحرام أو الإشراك لا يجوز، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: لا تجتمع أمتي على ضلالة.

كما أن المنع من التوسل والاستغاثة بالكلية مصادمٌ للأحاديث الصحيحة، ولفعل السلف والخلف، فعليك باتباع الجمهور والسواد الأعظم. يقول سبحانه وتعالى: ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم، وساءت مصيرا.

يقول رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): عليكم بالسواد الأعظم فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.

هؤلاء المنكرون للتوسل والزيارة، فارقوا الجماعة والسواد الأعظم، وعمدوا الى آيات كثيرة من آيات القرآن التي نزلت في المشركين، فحملوها على المؤمنين الذين

٤٢٤

تقع منهم الزيارة والتوسل، وتوصلوا بذلك الى تكفير أكثر الأمة من العلماء والصلحاء والعباد والزهاد وعوام الخلق، والحق على خلاف ما يقولون ويزعمون.

أما تخيلهم أن منع التوسل والزيارة من المحافظة على التوحيد، وأن فعل ذلك مما يؤدي الى الشرك، فهو تخيلٌ فاسدٌ باطل. فالتوسل والزيارة إذا فعل كل منهما مع المحافظة على آداب الشريعة الغراء لا يؤدي الى محذور ألبتة.

والقائل بمنع ذلك سداً للذريعة متقول على الله، وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وكأن هؤلاء المانعين للتوسل والزيارة يعتقدون أنه لا يجوز تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم، فحيثما صدر من أحد تعظيم له حكموا على فاعله بالكفر والاشراك وليس الأمر كما يقولون، فإن الله تعالى عظم النبي في القرآن الكريم بأعلى أنواع التعظيم، فيجب علينا أن نعظم من عظمه الله تعالى وأمر بتعظيمه.

الفصل الثاني شبهة إنكار الاستغاثة بالموتى والرد عليها:

كثر الخوض، واشتد الجدال، وحدث الانكار، ضد الاستغاثة بالموتى، ومنع النداء لهم، ظناً من المنكرين أن سائر الموتى من الأنبياء والمرسلين والأولياء الصالحين، وعامة المؤمنين لمجرد انتقالهم من دار الحياة الدنيا، صاروا تراباً لا بقاء لهم في قبورهم، لا يسمعون ولا يدركون. بيد أن الحق على خلاف ما يزعمون، والصواب على غير ما يعتقدون.

والسنة الشريفة ترد عليهم زعمهم في صراحة قوية، وتبطل قولهم فيما جاء بها من أحاديث صحيحة.

أخرج البخاري ومسلم، وأصحاب السنن، من حديث ابن عمر قال: اطلع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل القليب فقال: هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً...

وقال الله تعالى: ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون. فإذا ثبت هذا في الشهداء وهم من سائر الأمة في كل زمان، فلا شك أن الأنبياء من باب أولى.

٤٢٥

وفي الحديث الصحيح: ما من أحد يسلم عليَّ إلا رد الله عليّ روحي حتى أردعليه‌السلام ، فظاهره يقتضي أن روحه الشريفة تفارق جسده الشريف وأنها بالسلام ترد...

يؤيد ذلك ما صح عنه صلى الله عليه وسلم من قوله: حياتي خير لكم، تحدثون ويحدث لكم، ووفاتي خير لكم تعرض على أعمالكم، ما رأيت من خير حمدت الله وما رأيت من شر استغفرت لكم. وفي هذا الباب آثار كثيرة.

وأما شبهتهم في المنع من النداء لهم فقالوا: إن النداء والخطاب للجمادات، والغائبين، والأموات، من الشرك الذي يباح به الدم والمال، ولا حجة لهم في ذلك، فإن الأحاديث الصحيحة صريحةٌ في بطلان قولهم هذا.

إنهم زعموا أن النداء للأموات والغائبين والجمادات يسمى دعاء، وأن الدعاء عبادة، بل هو مخ العبادة. وحملوا كثيراً من الآيات القرآنية التي نزلت في المشركين على الموحدين، وقد تقدم ذكر كثير من تلك الآيات ورد زعمهم فيها.

وهذا كله منهم تلبيسٌ في الدين، فإنه وإن كان النداء قد يسمى دعاء كما في قوله تعالى: لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً. لكن ليس كل نداء عبادة ولو كان كل نداء عبادة لشمل ذلك نداء الأحياء والأموات، فيكون كل نداء ممنوعاً مطلقاً، وليس الأمر كذلك، وإنما النداء الذي يكون عبادة هو نداء من يعتقدون ألوهيته واستحقاقه العبادة فيرغبون اليه ويخضعون بين يديه.

الذي يوقع في الاشراك هو اعتقاد ألوهية غير الله تعالى، وأما مجرد النداء لمن لا يعتقدون ألوهيته ولا تأثيره فإنه ليس عبادة...

٤٢٦

الفصل السادس

سيد مكي يقود ثورة فكرية على الفكر الوهابي!

لأول مرة في تاريخ المملكة العربية السعودية، يسمح للرأي المخالف لأفكار الشيخ محمد عبد الوهاب وابن تيمية، أن يعبر عن نفسه!

فقد ظهرت خيوط ذلك في عدد من الصحف والكتب، وبرزت أسماء جريئة تنقد الفكر الوهابي.. ولكن رائد الثورة الفكرية على الفكر التيمي السائد.. هو السيد محمد علوي المالكي.

وقد اخترنا هذا الفصل من مواد النقاش الذي جرى في أوائل شهر حزيران وشهر تموز سنة ١٩٩٩، على شبكة الساحة العربية، في ( الانترنيت ) وتضمن رداً وبدلاً بين معارضين ومؤيدين للمالكي.

وقد اقتصرنا من مواده الكثيرة على نماذج لأنها كثيرة لا يتسع لها الكتاب:

طلب أحدهم تعريفاً بالمالكي، فكتب أحد مؤيديه المدعو أبو صالح، تعريفاً به فقال:

ترددت كثيراً قبل البدء بكتابة هذه الأسطر لسببين:

١ - عدم أهلية الفقير وقلة بضاعته.

٤٢٧

٢ - حفاظاً على حرمة السيد أن تناله ألسنة الرعاع.

لكن حينما رأيت أن تلك الأفواه لم تتوان في قذف ما بداخلها من عفن، لم أجد بداً من إجابة الأخ السائل الذي أحب معرفة شيء عن السيد محمد بن علوي بن عباس المالكي، وها أنا أقدم للاخوة بعضاً مما ذكره السيد في بعض كتبه، وشيئاً مما أعرفه عنه.

هو: السيد محمد الحسن بن علوي بن عباس بن عبد العزيز المالكي مذهباً الحسني الإدريسي نسباً ( تجد بقية نسبه الى سيدنا الحسن بن عليرضي‌الله‌عنهما في كتاب أنساب قحطان وعدنان )

ولادته ونشأته:

ولد بمكة في بيت علماء، فأبوه عالم ومحدث وجده عالم ومحدث، وكذا حال كثير من عائلته. والسيد يروي كثيراً من الكتب وخاصة الحديث عن أبيه عن جده.

فنشأته كانت بمكة المكرمة وتعلم في حلقات العلم بالمسجد الحرام وفي مدرسة الفلاح ومدرسة تحفيظ القرآن الكريم.

أكمل دراسته الجامعية بالأزهر الشريف حتى حصل على شهادة الدكتوراه به.

رحلاته:

رحل في طلب العلم الي مصر والمغرب والهند وباكستان وبلاد الشام، واستفاد كثيراً من هذه الرحلات من جمع للمخطوطات ولقاء الرجال ومعرفة الآثار وزيارة المشاهد وكتابة الفوائد، فسبحان المتفضل على عباده.

شيء من علمه:

بدأ بالتدريس وهو دون البلوغ بأمر والده المرحوم السيد علوي المالكي حيث كان يدرس الطلبة كل كتاب يتمه على والده.

جمع الأسانيد على المحدثين والفقهاء في شتى بقاع العالم الإسلامي حتى

٤٢٨

تحصل له أكثر من ٢٠٠ شيخ، يسر الله طبع الجزء المفرد بهم.

قرأ القراءات السبع على شيخ القراء بمدينة حمص بالشام الشيخ عبد العزيز عيون السود ( أنظر اسمه في آخر مصحف الشام ) وأجازه بها.

ولعل البعض يذكر أن السيد كان أحد أعضاء ( أو رئيساً - إن لم تخني الذاكرة ) للجنة التحكيم في مسابقة القرآن الكريم بمكة المكرمة حتى عهد قريب. وبعد ذلك اعتذر هو لشدة انشغاله. أخبرني بذلك مشافهة أحد القائمين على المسابقة.

تعين مدرساً رسمياً في كلية الشريعة بمكة سنة ١٣٩٠ هـ.

بعد وفاة والده بثلاثة أيام اجتمع علماء مكة في دار السيد علوي وكلفوه بالتدريس في مقام والده في المسجد الحرام.

قام بالقاء كثير من المحاضرات في المذياع والتلفاز السعودي، وخاصة عن السيرة النبوية.

قدم استقالته من الجامعة وتفرغ للتأليف والدعوة الى الله محتسباً لوجه الله في مكة المكرمة وخارجها. ولا يزال حفظه الله على ذلك.

شارك في عدة مؤتمرات إسلامية عالمية قدم بحوثاً طبع أكثرها.

قام بعدة رحلات شخصية ورسمية زار فيها كثيراً من بلاد المسلمين، ألقى فيها جملة من المحاضرات والدروس نفع الله بها آمين.

من مؤلفات السيد:

دراسات حول الموطأ

فضل الموطأ وعناية الأمة الاسلامية به

دراسة مقارنة عن روايات موطأ الإمام مالك

شبهات حول الموطأ وردها

إمام دار الهجرة مالك بن أنس

٤٢٩

وألف كتباً عديدة في مصطلح الحديث:

أسماء الرجال، التصوف، علم الأسانيد، الاثبات، القواعد الأساسية في علم مصطلح الحديث، القواعد الأساسية في علوم القرآن، القواعد الأساسية في أصول الفقه. ( وهذه الثلاثة نفع الله بها توفر على طالب العلم كثيراً من الوقت والجهد )

زبدة الاتقان في علوم القرآن

العقود اللؤلؤية في الأسانيد العلوية

اتحاف ذوي الهمم العلية برفع أسانيد والدي السنية

الطالع السعيد المنتخب من المسلسلات والأسانيد

كتب عن آثار مكة

كتاب في رحاب البيت الحرام

صنف في الشمائل المحمدية كتاب: الانسان الكامل.

وتاريخ الحوادث النبوية

وله كتب عديمة النظر في بابها ككتاب:

وهو بالأفق الأعلى

وشفاء الفؤاد بزيارة خيرالعباد

والزيارة النبوية بين الشرعية والبدعية

ورسالة عن أدلة مشروعية المولد النبوي

وككتاب مفاهيم يجب أن تصحح..

والذي ارتضاه السواد الأعظم من الأمة، وقرظ له كبار علماء الأمة، والذي لا يستغني عنه باحث عن الحق، ولا منصف لاخوانه الذين يخالفوه في بعض الفرعيات.

قام بالتحقيق والتعليق على المرفوع من رواية ابن القاسم للموطأ

علق على المولد النبوي للحافظ ابن البديع

٤٣٠

علق علي المولد النبوي للحافظ الملا علي القاري، ونشره لأول مرة.

وغير ذلك كثير مما يقارب المئة ١٠٠ مؤلف، منها الذي ظهر ومنها الذي لم يظهر يسر الله طبعها والنفع بها آمين.

شيوخ السيد:

بإمكانك أن تتعرف من خلال معرفة مشايخ السيد الذين يروي عنهم بالاسناد على جانب من شخصيته حفظه الله وبارك في علمه ثم - إن يسر الله - سأنقل كتب الحديث التي يرويها السيد بإسناده المتصل مما هو مدون لدي وأرويه عن السيد حفظه الله.

وأبدأ بأخص مشايخ السيد محمد بن علوي بن عباس المالكي:

السيد علوي بن عباس المالكي الحسني - ت ١٣٩١

الشيخ محمد يحيى بن الشيخ أمان - ت ١٣٨٧

الشيخ محمد العربي التباني - ت ١٣٩٠

الشيخ حسن بن سعيد يماني - ت ١٣٩١

الشيخ محمد الحافظ التيجاني شيخ الحديث بمصر - ت ١٣٩٨

الشيخ حسن بن محمد المشاط - ت ١٣٩٩

الشيخ محمد نور سيف بن هلال المكي - ت ١٤٠٣

الشيخ عبد الله بن سعيد اللحجي - ت ١٤١٠

الشيخ محمد يس الفاداني - ت ١٤١٠ وما أدراك من هو: مسند مكة وشيخ دار العلوم الدينية بهارحمه‌الله حدث في مجلس واحد عن ٢٠٠ شيخ مبتدئاً بمشرق العالم الاسلامي ومنتهياً بمغربه! حدثني بذلك شيخي القارئ الثقة الذي أروي عنه وعن السيد، كلاهما عن الشيخ الفاداني الشيخ عبدالله أحمد دردوم - ت ١٤٠٧

الشيخ الفقيه شيخ العلماء حسنين بن محمد مخلوف مفتي مصر - ت ١٤١١

٤٣١

الشيخ محمد ابراهيم أبو العيون شيخ الخلوتية بمصر ت؟

وهؤلاء أكثر الذين لازمهم السيد وأخذ عنهم واستفاد منهم.

والتقى السيد بنخبة عديمة النظر من العلماء العارفين من سادتنا آل البيت النبوي وأخذ عن فحولهم واقتبس منهم الشيء الكثير، وعلى رأسهم السادة من آل باعلوي وما أدراك من آل باعلوي، نفعنا الله بهم من أعلي الناس علماً وتقوىً وأشدهم تواضعاً وحياء لو جهلتهم لجهلت مجداً من أعرق الأمجاد لهذه الأمة المحمدية، استقر غالبيتهم في بلاد حضرموت، ومنها انطلقوا للدعوة الى الله في أرجاء الأرض.

أصحاب مبدأ في حياتهم يمثلون أهل السنة والجماعة، أشاعرة العقيدة متبعون لمذهب سيدنا الإمام الشافعي، يعيشون لاحياء علوم الدين على وجه الأرض.

ولو أنصف المؤرخون لسطروا أثرهم بماء الذهب في فاتحة أي كتاب تاريخ للمسلمين! هل تدري لماذا؟ لأنهم بتوفيق الله غيروا خريطة العالم الاسلامي، فقد أدخلوا الإسلام لأكبر كثافة إسلامية على وجه الأرض ( أكثر من ٥٠% من مجموع المسلمين ) وهذا في آسيا وإفريقيا، وهي أماكن لم تصلها جيوش المسلمين!

جملة من أئمة الدين الذين يروي عنهم

السيد محمد علوي المالكي:

الشيخ المحدث محمد زكريا الكاندهلوي شيخ الحديث بالهند

الشيخ المحدث حبيب الرحمن الأعظمي شيخ الحديث

الشيخ المحدث محمد يوسف البنوري بكراتشي

الشيخ محمد شفيع مفتي باكستان

الشيخ محمد أسعد العبجي مفتي الشافعية بحلب

السيد حسن بن أحمد بن عبد الباري الأهدل اليماني منصب المراوعة

السيد المسند العارف بالله مكي بن محمد بن جعفر الكتاني الدمشقي

الشيخ الفقيه شيخ العلماء حسنين بن محمد مخلوف مفتي مصر

٤٣٢

الشيخ المحدث أمين بن محمود خطاب السبكي المصري

الشيخ المعمر محمد عبدالله عربي المصري المعروف بالعقوري وهو تلميذالشيخ الباجوري.

ويروي عن الأمير الصغير مباشرة بلا واسطة، فسنده في غاية العلو. انتهى.

**

بداية ظهور ثورة الفكرية

نشر أحدهم في الشبكة المذكورة بيان هيئة كبار العلماء بالضال محمد علوي المالكي، ونص قرارها المرقم ٨٦ في ١١/١١/١٤٠١ هـ في الدورة السادسة عشرة المنعقدة بالطائف في شوال عام ١٤٠٠ هـ:

نظر مجلس هيئة كبار العلماء فيما عرضه سماحة الرئيس العام لادارات البحوث العلمية والافتاء والدعوة والارشاد، مما بلغه من أن لمحمد علوي مالكي نشاطاً كبيراً متزايداً في نشر البدع والخرافات، والدعوة الى الضلال والوثنية، وأنه يؤلف الكتب ويتصل بالناس، ويقوم بالأسفار من أجل تلك الأمور، واطلع على كتابه الذخائر المحمدية، وكتابه الصلوات المأثورة، وكتابه أدعية وصلوات، كما استمع الى الرسالة الواردة الى سماحة الرئيس العام لادارات البحوث العلمية والافتاء والدعوة والارشاد، من مصر، وكان مما تضمنته:

( وقد ظهر في الأيام الأخيرة طريقة صوفية في شكلها لكنها في مضمونها من أضل ما عرفناه من الطرق القائمة الآن، وإن كانت ملة الكفر واحدة. هذه الطريقة تسمي ( العصبة الهاشمية والسدنة العلوية والساسة الحسنية الحسينية ) ويقودها رجلٌ من صعيد مصر يسميه أتباعه ( الإمام العربي ) وهو يعتزل الناس في صومعة له ويمرون عليه صفوفاً ويسلمون عليه، ويحدثونه ويمنحهم البركات، ويكشف لهم المخبوء بالنسبة لكل واحد، وهذا كله من وراء ستار، فهم يسمعون صوته ولا يرون

٤٣٣

شكله، اللهم إلا الخاصة من أحبابه وأصحابه، فهم المسموح لهم بالدخول عليه، وعددهم قليل جداً، وهو لا يحضر مع الناس الجمع، ولا الجماعات، ولا يصلي في المسجد الذي بناه بجوار صومعته، ويعتقد أتباعه أنه يصلي الفرائض كلها في الكعبة المشرفة جماعة خلف النبي صلى الله عليه وسلم.

ويعتقدون كذلك أنه من البقية الباقية من نسل الأئمة المعصومين، وأن المهدي سيخرج بأمره، وقد أنشأ لطريقته فروعاً في بعض مدن مصر، يجتمع روادها فيها على موائد الأكل والشرب والتدخين، ويأمرون مريديهم بحلق اللحي، وعدم حضور الجماعة في المساجد، وذلك تمهيداً لاسقاط الصلاة نفسها، ويخشى أنهم امتداد لحركة باطنية جديدة، فإن هناك وجه شبه بينهم وبين خصائص الباطنية، فإنهم بالاضافة الى ما سبق محظور على أتباعهم إذاعة أسرارهم والسؤال عن أي شيء يرونه من شيوخهم، كذلك الإسم الذي سموا به حركتهم والشعار الذي اتخذوه لها هو ( فاطمة علي الحسن الحسين ) ومما يؤيد هذا الظن أنهم يجاورون الضاحية التي دفن فيها ( أغا خان ) زعيم الاسماعيلية حيث لا تنقطع أتباع الاسماعيلية عن زيارة قبره، والإتصال بالناس هناك، وقد دفن أغا خان في مصر لهذه الغاية، وقد ازداد أمر هؤلاء في نظرنا خطورة حين علمنا أن لهم اتصالات ببعض أفراد السعودية، وقد هيأت لبعض أتباعهم فرص عمل في المملكة عن طريق هؤلاء الأفراد الذين لم نتعرف على أسمائهم بعد، نظراً للسرية التي يحيطون بها حركتهم، ونحن في سبيل ذلك إن شاء الله.

ولكن الذي وقفنا عليه وعرفناه يقيناً لا يقبل الشك أن الشيخ ( محمد بن عباس المالكي المكي الحسني ) يتصل بهم اتصالاً مباشراً ويزور شيخهم المحتجب ويدخل عليه ويختلي به ويخرج من عنده بعد ذلك طائفاً بأتباعه في البلاد، متحدثاً معهم محاضراً فيهم خطيباً بينهم، كأنه نائب عن الشيخ المزعوم، ثم يختم زيارته بالتوجه الى ضريح أبي الحسن الشاذلي الشيخ الصوفي المعروف، المدفون في

٤٣٤

أقصى بلاد مصر، ومعه بطانةٌ من دهاقنة التصوف في مصر، وهو ينشر بينهم مؤلفاته التي اطلعنا على بعضها فاستوقفنا منها كتابه المسمى ( الذخائر المحمدية ) وتحت يدي الآن نسخة منه بل الجزء الأول، وهو يقع في ٣٥٤ صفحة من الحجم الكبير ذيالطباعة الفاخرة، وطبع بمطبعة حسان بالقاهرة، ولا يوزع عن طريق دار نشر وإنما يوزع بصفة شخصية، وبلا ثمن. والذي يقرأ هذا الكتاب يجد المؤلف هداه الله قد أورد فيه كل المعتقدات الباطلة في رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن بطريق ملتوٍ فيه من المكر والدهاء ما فيه، حتى لا يؤخذ على المؤلف خطأ شخصي، فهو يذيع تلك العقائد ويشيعها عن طريق النقل من بعض الكتب التي أساءت الى الإسلام في عقيدته وشريعته، والتي وصلت برسول الله صلى الله عليه وسلم الى درجة من الغلو، ما قال بها كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، بل ورد بشأنها النهي الصريح عن مثل هذا الزيغ والزيف والضلال )

ثم ذكر أمثلة مما جاء في الكتاب من الضلال وختم رسالته بقوله ( نحن إنما نهتم بتعقب مثل هذه الأخطاء والخطايا من أجل أن ننبه الى خطورتها وخطرها من باب نصح المسلمين وإرشادهم وتحذيرهم مما يخشى منه على العقيدة الصحيحة والايمان الحق.

وإنما نكتب لكم به كذلك لتتصرفوا حياله بما فيه الخير للاسلام والمسلمين، فكما أن مصر مستهدفة من أعداء الإسلام بحكم عددها وعدتها وإجماعها من حيث الأصل على السنة، فإن السعودية مستهدفة بنفس القدر إن لم يكن أكثر بحكم موقعها من قلوب المسلمين، وبحكم عقيدتها القائمة على حماية جناب التوحيد، وعلى توجيه الناس الى السنة الصحيحة، واهتمامها بنشر هذه العقيدة في كل مكان.

فلا أقل من أن ننبه الى بعض مواطن الخطر لتعملوا على درئه ما استطعتم، والظن بكم بل الاعتقاد فيكم سيكون في محله إن شاء الله، فإن الأمر جد خطير كما رأيتم، من بعض فقرات الكتاب. أهـ ).

٤٣٥

وقد تبين للمجلس صحة ما ذكر من كون محمد علوي داعية سوء ويعمل على نشر الضلال والبدع وأن كتبه مملوءة بالخرافات والدعوة الى الشرك والوثنية.

ورأى أن يعمل على إصلاح حاله وتوبته من أقواله، وأن يبذل له النصح ويبين له الحق، واستحسن أن يحضر المذكور لدى سماحة الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد، رئيس المجلس الأعلى للقضاء، وسماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبد الله بن باز، الرئيس العام لادارات البحوث العلمية والافتاء والدعوة والارشاد، ومعالي الشيخ سليمان بن عبيد، الرئيس العام لشئون الحرمين الشريفين، لمواجهته بما صدر منه من العبارات الالحادية والصوفية، وإسماعه الكتاب الوارد من مصر ومعرفة جوابه عن ذلك، وما لديه حول ما ورد في كتبه.

وقد حصل هذا الاجتماع المذكور في المجلس الأعلى للقضاء يوم الخميس الموافق ١٧ /١٠/ ١٤٠٠ هـ.

وأعد محضر بذلك الاجتماع تضمن إجابته بشأن تلك الكتب، وما سأله عنه المشايخ مما جاء فيها. وجاء في المحضر الذي وقع فيه أن كتاب الذخائر المحمدية وكتاب الصلوات المأثورة له. أما كتاب أدعية وصلوات فليس له، وأما الرجل الصوفي الذي في مصر فقد قال إنه زاره ومئات من أمثاله في الصعيد، ولكنه ليس من أتباعه ويبرأ الى الله من طريقته، وأنه لم يلق محاضرات في مصر، وأنه أنكر عليه وعلى أتباعه، وقد ذكر للمشايخ أنه له وجهة نظر في بعض المسائل، أما الأمور الشركية فيقول إنه نقلها عن غيره، وأنها خطأ فاته التنبيه عليه.

ولما استمع المجلس الى المحضر المذكور وتأكد من كون الكتابين له، وعلم اعترافه بأنه جمع فيها تلك الأمور المنكرة، ناقش أمره وما يتخذ بشأنه، ورأى أنه ينبغي جمع الأمور الشركية والبدعية التي في كتابه الذخائر المحمدية مما قال فيها أنه خطأ فاته التنبيه عليه، وتطبق على المحضر، ويكتب رجوعه عنها ويطلب منه التوقيع عليه، ثم ينشر في الصحف ويذاع بصوته في الاذاعة والتلفزيون، فإن

٤٣٦

استجاب لذلك وإلا رفع لولاة الأمور لمنعه من جميع نشاطاته في المسجد الحرام، ومن الاذاعة والتلفزيون، وفي الصحافة، كما يمنع من السفر الى الخارج، حتى لا ينشر باطله في العالم الاسلامي، ويكون سبباً في فتنة الفئام من المسلمين.

وقد قامت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء بقراءة كتابيه المذكورين اللذين اعترف أنها له ومن إعداده وتأليفه، وجمع الأمور الشركية والبدعية التي فيها وإعداد ما ينبغي أن يوجه له، ويطلب منه أن يذيعه بصوته، وبعث له عن طريق معالي الرئيس العام لشئون الحرمين الشريفين بكتاب سماحة الرئيس العام رقم ٢٧٨٨ وتاريخ ١٢/ ١١/١٤٠٠ هـ، فامتنع عن تنفيذ ما رآه المجلس، وكتب رسالة ضمنها رأيه، ووردت الى سماحة الرئيس العام لادارات البحوث العلمية والافتاء والدعوة والارشاد مشفوعةً بكتاب معالي الرئيس العام لشئون الحرمين الشريفين، رقم ٢٠٥٣/١٩ وتاريخ ٢٦/١٢/١٤٠٠ هـ.

وجاء في كتاب معاليه أنه اجتمع بالمذكور مرتين، وعرض عليه خطاب سماحة الشيخ عبد العزيز، وما كتبه المشائخ، ولكنه أبدى تمنعاً عما اقترحوه، وأنه حاول اقناعه ولم يقبل، وكتب إجابة عما طلب منه مضمونها التصريح بعدم الموافقة على إعلان توبته.

وفي الدورة السابعة عشرة المنعقدة في شهر رجب عام ١٤٠١ هـ. في مدينة الرياض، نظر المجلس في الموضوع وناقش الموقف الذي اتخذه حيال ما طلب منه ورأى أن يحاط ولاة الأمور بحاله والخطوات التي اتخذت لدفع ضرره وكف أذاه عن المسلمين، وأعدت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء بياناً يشتمل على جملة من الأمور الشركية والبدعية الموجودة في كتابه الذخائر المحمدية منها:

١ - نقل في ص ٢٦٥ من الأبيات التي جاء فيها:

ولما رأيت الدهر قد حارب الورى

جعلـت لنفسي نعـل سيده حصنا

تحصنت منه فـي بديع مـثـالها

بسـورٍ منيعٍ نلت فـي ظله الأمنا

٤٣٧

٢ - نقل قصيدة للبكري في الصفحتين ١٥٨ - ١٥٩ تتضمن أنواعاً من الشرك الأكبر وفيها إعراض عن الله عز وجل قال فيها:

ما أرسل الرحمن أو يرسل

مـن رحمة تصعد أو تنزلُ

فــي ملكوت الله أو ملكه

من كل ما يختص أو يشمل

إلا وطـَه المصطفى عبده

نـبـيـه مـختاره المرسل

واسـطـة فيها وأصل لها

يـعـلـم هذا كل من يعقل

فلذ به مـن كل ما تشتكي

فـهـو شـفـيع دائماً يقبل

ولذ به مـن كل ما ترتجي

فـإنه الـمـرجـع والموئل

وناده إن أزمةٌ أنـشـبـت

أظفارها واسـتحكم المعضل

يـا أكـرم الخلق على ربه

وخـيـر من فيهم به يسأل

كم مسني الكرب وكم مرةً

فرجت كـربـاً بعضه يذهل

فـبالذي خصك بين الورى

بـرتـبـةٍ عنها العلا تنزل

عـجل بإذهاب الذي أشتكي

فإن توقفت فـمـن ذا أسأل

٣ - ذكر في ص ٢٥: أن ليلة مولده صلى الله عليه وسلم أفضل من ليلة القدر. وهذا خطأ واضح، فليلة القدر أفضل الليالي بلا شك.

٤ - ذكر في الصفحات الثالثة والأربعين والرابعة والأربعين والخامسة والأربعين قصيدةً لابن حجر الهيثمي فيها إثبات حياة النبي صلى الله عليه وسلم على الاطلاق، وأنه يصلي الصلوات الخمس ويتطهر، ويجوز أن يحج ويصوم، ولا يستحيل ذلك عليه وتعرض عليه الأعمال.

ونقل عن الهيثمي استجارته بالرسول صلى الله عليه وسلم وأقره على ذلك، والاستجارة بغير الله نوعٌ من الشرك الأكبر.

٥ - أورد في ص ٥٢ - ما نصه: من استغرق في محبة الأنبياء والصالحين حمله

٤٣٨

ذلك على الإذن في تقبيل قبورهم والتمسح بها، وتمريغ الخد عليها. ونسب أشياء من ذلك الى بعض الصحابة، وأقر ذلك ولم ينكره، مع أن تلك الأمور من البدع ووسائل الشرك الأكبر، ونسبتها الى بعض الصحابة باطلة.

٦ - ذكر في ص ٦٠: أن زيارة قبره الشريف صلى الله عليه وسلم من كمال الحج، وأن زيارته عند الصوفية فرضٌ، وأن الهجرة الى قبره عندهم كالهجرة اليه حيا. وأقر ذلك ولم ينكره.

٧ - ذكر عشر كرامات لزائر قبر النبي صلى الله عليه وسلم كلها رجم بالغيب وقول على الله بلا علم.

٨ - دعا الى الاستجارة به صلى الله عليه وسلم والاستشفاع به عند زيارته فقال ما نصه ( ويتأكد بتجديد التوبة في هذا الموقف الشريف وسؤال الله تعالى أن يجعلها لديه نصوحاً، والاستشفاع به صلى الله عليه وسلم في قبولها والاكثار من الاستغفار والتضرع بتلاوة الآية المذكورة، وأن يقول بعدها وقد ظلمت نفسي ظلما كثيراً، وأتيت بجهلي وغفلتي أمراً كبيراً، وقد وفدت عليك زائراً وبك مستجيراً.

ص ١٠٠: ومعلوم أن الاستشفاع والاستجارة به بعد وفاته صلى الله عليه وسلم من أنواع الشرك الأكبر.

٩ - ذكر في ص ١٠ - شعراً يقال مع الدعاء عند زيارة قبره صلى الله عليه وسلم ومنه:

هذا نزيلك أضحى لا ملاذ له

إلا جنابك يا سؤلي ويا أملي

ومنه:

ضيف ضعيف غـريب قد أناخ بكم

ويستجيـر بكم يـا سـادة العـرب

يا مكرم الضيف يـاعون الزمان ويا

غوث الفقير ومرمى القصد والطلب

ونقل عن بعضهم في ص ١٠٢ شعراً تحت عنوان فضائل نبوية قرآنية:

٤٣٩

أترضى مع الجاه المنيع ضياعنا

و نحن الـى أعتاب بابك ننسب

أفضهـا علينـا نفحـة نبويـة

تلـم شتـات المسلميـن وترأب

وهذه الأبيات الخمسة من الشرك الأكبر والعياذ بالله.

١٠ - نقل في ص ٥٤: بيتاً من الهمزية هو:

ليته خصني بـرؤية وجـه

زال عن كل من رآه العناء

وهذا كذبٌ وباطلٌ، وقد رآه في حياته عليه الصلاة والسلام أقوامْ كثيرون، فما زال عنهم عناؤهم ولا كفرهم.

١١ - نقل في ص ١٥٧ غلوا في نعال الرسول صلى الله عليه وسلم في البيتين التاليين:

علـى رأس هذا الكـون نعـل محمد

سمـت فجميع الخلق تـحت ظلالـه

لـدي الطـور مـوسي نـودي اخلع

وأحمد الى العرش لم يؤمر بخلع نعاله

١٢ - ذكر في ص ١٦٦ قصيدة شركية للشيخ عمر الباقي الخلوتي منها:

يا ملاذ الورى وخير عيان

ورجـاء لكـل دان قصي

لك وجهي وجهت يا أبيض

الوجه فوجه اليه وجه الولي

١٣ - نقل في كتابه الذخائر المحمدية ص ٢٨٤ عن ابن القيم من كتابه جلاء الأفهام ما يوهم أن الطريق الى الله والى جنته محصور في اتباع أهل البيت يعني أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وتصرف في كلام ابن القيم فلم ينقله على حقيقته، لأن ابن القيم في كتابه المذكور تكلم على ابراهيم الخليل وآله من الأنبياء، وذكر أن الله سبحانه بعث جميع الأنبياء بعد ابراهيم من ذريته، وجعل الطريق اليه مسدوداً إلا من طريقهم، ومنهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. فترك الشيخ محمد علوي مالكي نقل أصل كلام ابن القيمرحمه‌الله وتصرف فيه، فنقل ما يوهم القراء أن المراد أهل بيت النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يخفي أن هذا الرأي هو مذهب الرافضة الاثني عشرية، وأنهم يرون أن الأحاديث الواردة من غير طريق أهل البيت لا يحتج بها ولا يعمل

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523