الإعتقادات

الإعتقادات28%

الإعتقادات مؤلف:
المحقق: عصام عبد السيد
الناشر: المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 128

الإعتقادات
  • البداية
  • السابق
  • 128 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 61534 / تحميل: 7316
الحجم الحجم الحجم
الإعتقادات

الإعتقادات

مؤلف:
الناشر: المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

الحركات الرجعيّة

1

7

الجهميّة

قد عرفت أنّ المتّهمين بالقدرية كانوا دعاة الحرّية، لا نُفاة القضاء والقدر، بل كانوا قائلين بأنّه سبحانه تبارك وتعالى قدّر وقضى، ومع ذلك، لم يسلب الاختيار عن الإنسان، فخيّره بين الإيمان والكفر، بين الخير والشّر، فلو قدّر الخير فلعلم منه بأنّه يختار الخير عن اختيار، أو قدّر الشر فلعلم منه أنّ الفاعل يختار الشر كذلك، وهو نفس صميم الإسلام ولبّه، قال سبحانه: ( فَمَن شَاءَ فَلْيُوْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكُفُرْ ) (1) .

لكن ظهرت في القرن الثاني والثالث حركات رجعيّة استهدفت أركان الإسلام والعودة بالأُمّة إلى الأفكار الجاهلية الّتي سادت قبل الإسلام، من القول بالجبر والتجسيم، وإليك أبرز ممثّلي هذه الحركات الرجعية.

____________________

(1) الكهف: 29.

٨١

الجهميّة:

إنّ سمات الجهميّة، هي: القول بالجبر والتعطيل، أسّسها جهم بن صفوان السمرقندي (المتوفّى 128هـ).

قال الذهبي: جهم بن صفوان أبو محرز السمرقندي الضال المبتدع، رأس الجهميّة في زمان صغار التابعين، وما علِمْته روى شيئاً، لكنّه زرع شرّاً عظيماً.

وقال المقريزي: الجهميّة،أتباع جهم بن صفوان الترمذي، مولى راسب، وقُتل في آخر دولة بني أُميّة، وتتلخّص عقائده في الأُمور التالية:

1 - ينفي الصفات الإلهيّة كلّها، ويقول: لا يجوز أن يوصف الباري بصفة يوصف بها خَلْقه.

2 - إنّ الإنسان لا يقدر على شيء، ولا يوصف بالقدرة ولا بالاستطاعة.

3 - إنّ الجنّة والنّار يفنيان، وتنقطع حركات أهلهما.

4 - إنّ من عرف الله ولم ينطق بالإيمان لم يكفر؛ لأنّ العلم لا يزول بالصمت، وهو مؤمن مع ذلك.

وقد كفّره المعتزلة في نفي الاستطاعة، وكفّره أهل السنّة بنفي الصفات وخلق القرآن ونفي الرؤية.

5 - وانفرد بجواز الخروج على السلطان الجائر.

6 - وزعم أنّ علم الله حادث لا بصفة يوصف بها غيره. (1)

____________________

(1). الخطط المقريزيّة: 3/349، ولاحظ: ص351.

٨٢

أقول: الظاهر أنّ قاعدة مذهبه أمران:

الأوّل: الجبر ونفي الاستطاعة، فجهم بن صفوان رأس الجبر وأساسه، ويُطْلق على أتباعه الجبريّة الخالصة، في مقابل غير الخالص منها.

الثاني: تعطيل ذاته سبحانه، عن التوصيف بصفات الجلال والجمال، ومن هنا نجمت المعطّلة.

وأمّا غير هذين الأمرين فمشكوك جداً.

التطورات الّتي مرّ بها مفهوم الجهمي:

لمّا كان نفي الصفات عن الله والقول بخلق القرآن ونفي الرؤية ممّا نسب إلى منهج الجهم، صار لفظ الجهمي رمزاً لكلِّ من قال بأحد هذه الأُمور، وإن كان غير قائل بالجبر ونفي القدر؛ ولأجل ذلك ربّما تطلق الجهميّة ويراد بها المعتزلة أو القدريّة، يقول أحد بن حنبل:

والقرآن كلام الله ليس بمخلوق، فمن زعم أنّ القرآن مخلوق فهو جهمي كافر، ومن زعم أنّ القرآن كلام الله ووقف، ولم يقل مخلوق ولا غير مخلوق، فهو أخبث من الأوّل، ومن زعم أنّ ألفاظنا بالقرآن وتلاوتنا له مخلوقة، والقرآن كلام الله، فهو جهمي، ومن لم يكفّر هؤلاء القوم كلّهم فهو مثلهم. (1)

____________________

(1) السنّة: 49.

٨٣

الحركات الرجعيّة

2

8

المجسّمة

إنّ إقصاء العقل عن ساحة العقائد، والبرهان عن التفكير، ألحق أضراراً جسيمة بالمجتمع الإسلامي، حيث ظهرت فيه حركات هدّامة ترمي إلى تقويض الأُسس الدينية والأخلاقيّة.

ومن تلك الحركات المجسّمة؛ الّتي رفع لواءها مقاتل بن سليمان المجسم (1) (المتوفّى عام 150هـ)، ونشر أقاصيص الأحبار والرهبان في القرن الثالث، فهو وجهم بن صفوان، مع تشاطرهما في دفع الأُمّة الإسلامية إلى حافة الجاهلية،على طرفي نقيض في مسألة التنزيه والتشبيه.

____________________

(1) مقاتل بن سليمان بن بشر الأزدي بالولاء، البلخي، أبو الحسن، من المفسرين، أصله من بلخ، انتقل إلى البصرة ودخل بغداد وحدّث بها، وتوفّي بالبصرة، كان متروك الحديث، من كتبه (التفسير الكبير)، و(نوادر التفسير)، و(الرّد على القدريّة)، و(متشابه القرآن)، و(الناسخ والمنسوخ)، و(القراءات)، و(الوجوه والنظائر)، [الأعلام: 7/281].

٨٤

أمّا صفوان، فقد بالغ في التنزيه حتّى عطّل وصف ذاته بالصفات.

وأمّا مقاتل، فقد أفرط في التشبيه فصار مجسّماً، وقد نقل المفسرون آراء مقاتل في كتب التفاسير.

فليعرف القارئ مكانه في الوثاقة وتنزيه الربّ عن صفات الخلق.

قال ابن حبّان: كان يأخذ من اليهود والنصارى - في علم القرآن - الّذي يوافق كتبهم، وكان يشبّه الربّ بالمخلوقات، وكان يكذب في الحديث.

وقال أبو حنيفة: أفرط جهم في نفي التشبيه، حتّى قال إنّه تعالى ليس بشيء، وأفرط مقاتل في الإثبات حتى جعله مثل خلقه. (1)

____________________

(1) لاحظ: ميزان الاعتدال، 4/173. وراجع تاريخ بغداد، 13/166.

٨٥

الحركات الرجعية

3

9

الكرّاميّة

وهذه الفرقة منسوبة إلى محمد بن كرام السجستاني (المتوفّى عام 255هـ) شيخ الكرامية.

قال الذهبي: ساقط الحديث على بدعته، أكَثَر عن أحمد الجويباري، ومحمد بن تميم السعدي؛ وكانا كذّابين.

وقال ابن حبّان: خذل، حتّى التقط من المذاهب أردأها، ومن الأحاديث أوهاها... وجعل الإيمان قولاً بلا معرفة.

وقال ابن حزم: قال ابن كرام: الإيمان قول باللسان، وإن اعتقد الكفر بقلبه، فهو مؤمن. ومن بِدَع الكرّاميّة قولهم في المعبود تعالى إنّه جسم لا كالأجسام، وقد سقت أخبار ابن كرّام في تاريخي الكبير، وله أتباع ومؤيّدون، وقد سجن في نيسابور لأجل بدعته ثمانية أعوام، ثُمَّ أُخرج وسار

٨٦

إلى بيت المقدس، ومات بالشام سنة 255هـ. (1)

إنّ للكرّامية نظريات في موضوعات أُخر، ذكرها البغدادي، وقد بلغت جُرأتهم في باب النبوّة حتّى قال بعضهم: إنّ النبي أخطأ في تبليغ قوله[ تعالى]: ( وَمَنَاةَ الثّالِثَةَ الْأُخْرَى ) ، حتّى قال بعده: (تلك الغرانيق العلى، وان شفاعتها لترتجى). (2)

مع أنّ قصة الغرانيق أُقصوصة ابتدعها قوم من أهل الضلالة، وقد أوضحنا حالها في كتابنا (سيد المرسلين (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم».

ونكتفي بهذا النزر في بيان عقائدهم، وكلّها وليد إقصاء العقل والمنطق عن ساحة العقائد، والاكتفاء بالروايات مع ما فيها من أباطيل وترّهات وضعها الأعداء واختلقتها الأهواء، فهي من أسوأ الحركات الرجعيّة الظاهرة في أواسط القرن الثالث.

____________________

(1) ميزان الاعتدال: 4/21.

(2) الفرق بين الفِرق: 222.

٨٧

الحركات الرّجعيّة

4

10

الظاهرية

وهذا المذهب منسوب إلى داود بن علي الأصفهاني الظاهري (200 - 270هـ).

وقد أسّس مذهباً في الفروع، فالمصدر الأصلي في الفقه عنده هو النصوص، بلا رأي في حكم من أحكام الشرع، فهم يأخذون بالنصوص وحدها، فإذا لم يكن بالنص، أخذوا بالإباحة الأصليّة.

ما هو السبب لظهور هذا المذهب؟

إنّ إقصاء العقل عن ساحة العقائد يستلزم طرده عن ساحة الفقه بوجه أولى، لأنّ أساسه هو التعبُّد بالنصوص، وعدم الإفتاء بشيء لا يوجد له أصل في الكتاب والسنّة، لكن الجمود على حرفيّة النصوص شيء، والتعبّد بالنصوص وعدم الإفتاء في مورد لا يوجد فيه أصل ودلالة في المصدرين الرئيسيّين شيء آخر،

٨٨

فالظاهرية على الأوّل، والفقهاء على الثاني، ولأجل إيضاح الحال نأتي بمثالين:

1 - إنّ الشكّل الأوّل من الأشكال الأربعة ضروري الإنتاج، من غير فرق بين الأُمور التكوينيّة أو الأحكام الشرعيّة؛ فكما أنّ الحكم بحدوث العالم نتيجة حتمية لقولنا: العالم متغيّر وكلّ متغيّر حادث، فهكذا الحكم بحرمة كلّ مسكر، نتيجة قطعيّة لقولنا: الفقاع مسكر، وكل مسكر حرام، فالفقاع حرام؛ لكنّ الظاهري يقبل المقدّمتين، ولكن لا يفتي بالنتيجة؛ بحجة أنّها غير مذكورة في النصوص.

2 - ما يسمّيه الفقهاء بلحن الخطاب، وإن كان شيئاً غير مذكور في نفس الخطاب، لكنّه من اللوازم البيّنة له، بحيث يتبادر إلى الذّهن من سماعه، فإذا خاطبنا سبحانه بقوله: ( فَلَا تَقُل لَهُمَا أُفٍ ) (1) ، يتوجّه الذهن إلى حرمة ضربهما وشتمهما بطريق أولى، ولكن الفقيه الظاهري يأبى عن الأخذ به بحجّة كونه غير منصوص.

قال سبحانه: ( قُل لِلّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِن يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنّتُ الْأَوّلِينَ ) (2) .

فالموضوع للحكم (مغفرة ما سلف عند الانتهاء)؛ وإن كان هو الكافر، لكن الذهن السليم يتبادر إلى فهم شيء آخر، لازم لهذا الحكم بالضرورة، وهو تعميم الحكم إلى المسلم أيضاً بوجه آكد، ولكنّ الظاهري يتركه؛ بحجة أنّه غير مذكور في النص.

____________________

(1) الإسراء: 23.

(2) الأنفال: 38.

٨٩

وهذا النوع من الجمود يجعل النصوص غير كافلة لاستخراج الفروع الكثيرة، وتصبح الشريعة ناقصة من حيث التشريع والتقنين، وغير صالحة لجميع الأجيال والعصور، وفاقدة للمرونة اللازمة الّتي عليها أساس خاتميّة نبوّة نبيّناً محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وكتابه وسنّته.

ثمَّ إنّ الاكتفاء بظاهر الشريعة؛ وأخذ الأحكام من ظواهر النصوص؛ له تفسيران: أحدهما صحيح جداً، والآخر باطل، فإن أُريد منه نفي الظنون؛ الّتي لم يدلّ على صحة الاحتجاج بها دليل، فهو نفس نص الكتاب العزيز، قال سبحانه: ( قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ ) (1) ، فالشيعة الإماميّة، وبفضل النصوص الوافرة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) المتّصلة اسنادها إلى الرسول الأكرم (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، استطاعت أن تستخرج أحكام الحوادث والموضوعات الكثيرة منها، وامتنعت عن العمل بالقياس والاستحسان وغيرهما من الأدلّة الظنية؛ الّتي لم يقم الدليل القطعي على صحّة الاحتجاج بها، بل قام الدليل على حرمة العمل على بعضها، كالقياس، وقد ورد في نصوص أئمتهم (عليهم السلام): «إنّ السنّة إذا قيست مُحق الدين» (2) .

وإن أُريد بها لوازم الخطاب؛ أي ما يكون في نظر العقلاء، كالمذكور أخذاً بقولهم: (الكناية أبلغ من التصريح)، ويكون التفكيك بينهما أمراً غير صحيح، فليس ذلك عملاً بغير المنصوص. نعم ليس عملاً بالظاهر الحرفي، ولكنّه عمل بها بما يفهمه المخاطبون بها.

____________________

(1) يونس: 59.

(2) الوسائل: 18، الباب 6 من أبواب صفات القاضي، الحديث 10.

٩٠

أُفول نجمه:

إنّ هذا المذهب لأجل حرفيته قد أفل نجمه بسرعة.

نعم قد تبعه فقيه آخر باسم ابن حزم (384 - 458هـ)، وأعاد هذا المذهب إلى الساحة، وألّف حوله كتباً ورسائل، وخدمه بالتآليف التالية:

1 - الإحكام في أُصول الأحكام: بيّن فيه أُصول المذهب الظاهري.

2 - النُّبَذ: وهو خلاصة ذلك الكتاب.

3 - المحلّى: وهو كتاب كبير نشر في عشرة أجزاء، جمع أحاديث الأحكام وفقه علماء الأمصار، طبع في بيروت بتحقيق أحمد محمد شاكر، وله آراء شاذة - كبطلان الاجتهاد في استخراج الأحكام الفقهية، وجواز مس المصحف للمجنب، وقاتل الإمام عليّ كان مجتهداً - ذكرناها في موسوعتنا. (1)

وقد ذكرنا هذا المذهب، مع أنّه فقهي؛ لأجل اشتراكه مع ما سبق في الرجعيّة، وإقصاء العقل عن ساحة الاجتهاد الفقهي.

____________________

(1) بحوث في الملل والنحل: 3/141 - 146.

٩١

11

المعتزلة

المعتزلة بين المدارس الكلاميّة المختلفة؛ مدرسة فكريّة عقليّة أعطت للعقل القسط الأوفر، ومن المؤسف أنّ هوى العصبية، بل يد الخيانة، لعبت بكثير من مخلّفاتهم الفكريّة، فأطاحت به فأضاعتها بالخرق والتمزيق، فلم يبق فيما بأيدينا من آثارهم إلاّ الشيء القليل، وأكثرها يرجع إلى كتب عبد الجبار المعتزلي (المتوفّى عام 415هـ)، ولأجل ذلك فقد اعتمد في تحرير هذا المذهب غير واحد من الباحثين على كتب خصومهم كالأشاعرة، ومن المعلوم أنّ الاعتماد على كتاب الخصم لا يُورث يقيناً.

وقد اهتمّ المستشرقون في العصور الأخيرة بدراسة مذهب الاعتزال، ولقد أُعجبوا بمنهج الاعتزال في حرّية الإنسان وأفعاله، وصار ذلك سبباً لرجوع المعتزلة إلى الساحة من قبل المفكّرين الإسلاميّين، ولذلك نُشرت في هذه الآونة الأخيرة كتباً حول المعتزلة.

ومؤسّس المذهب هو واصل بن عطاء تلميذ الحسن البصري، نقل الشهرستاني أنّه دخل شخص على الحسن البصري، فقال: يا إمام الدين!، لقد ظهرت في زماننا جماعة يكفّرون أصحاب الكبائر، والكبيرة عندهم تُخرج به

٩٢

عن الملّة، وهم وعيديّة الخوارج، وجماعة يُرجئون أصحاب الكبائر، ويقولون لا تضر مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة، وهم مرجئة الأُمّة، فكيف تحكم لنا في ذلك اعتقاداً؟

فتفكّر الحسن في ذلك، وقبل أن يجيب، قال واصل بن عطاء: أنا لا أقول إنّ صاحب الكبيرة مؤمن مطلقاً، ولا كافر مطلقاً، بل هو في منزلة بين المنزلتين، لا مؤمن ولا كافر، ثُمّ قام واعتزل إلى اسطوانة المسجد؛ يقرّر ما أجاب به على جماعة من أصحاب الحسن، فقال الحسن: اعتزل عنّا واصل، فسمّي هو وأصحابه: معتزلة. (1)

سائر ألقاب المعتزلة:

إنّ للمعتزلة ألقاباً أُخر:

1 - العدليّة: لقولهم بعدل الله سبحانه وحكمته.

2 - الموحّدة: لقولهم لا قديم مع الله، وينفون قدم القرآن.

3 - أهل الحق: لأنّهم يعتبرون أنفسهم أهل الحق.

4 - القدريّة: يُعبَّر عن المعتزلة في الكتب الكلاميّة بالقدريّة، والمعتزلة يطلقونها على خصومهم، وذلك لما رُوي عن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «أنّ القدريّة مجوس هذه الأُمّة». فلو قلنا بأنّ القدريّة منسوبة إلى القدر؛ عِدْل القضاء، فتنطبق على

____________________

(1) الملل والنحل: 1/62.

٩٣

خُصَماء المعتزلة؛ القائلين بالقدر السالب للاختيار. ولو قلنا بأنّها منسوبة إلى القدرة؛ أي القائلين بتأثير قدرة الإنسان في فعله واختياره وتمكّنه في إيجاده، فتنطبق - على زعم الخُصَماء - على المعتزلة؛ لقولهم بتأثير قدرة الإنسان في فعله. وقد طال الكلام بين المتكلّمين في تفسير الحديث وذِكْر كلِّ طائفة وجهاً لانطباقه على خصمها. (1)

5 - الثنويّة: ولعلّ وجهه ما يتراءى من بعضهم من نسبة الخير إلى الله والشر إلى العبد.

6 - الوعيدية: لقولهم إنّ الله صادق في وعده، كما هو صادق في وعيده، وإنّه لا يغفر الذنوب إلاّ بعد التوبة، فلو مات بدونها يكون معذّباً قطعاً ويخلَّد في النار.

7 - المعطّلة: لتعطيل ذاته سبحانه عن الصفات الذاتية، ولكن هذا اللقب أُلصق بالجهميّة، وأمّا المعتزلة فلهم في الصفات مذهبان:

أ - القول بالنيابة، أي خلو الذات عن الصفات، ولكن تنوب الذّات مكان الصفات في الآثار المطلوبة منها، وقد اشتهر قولهم: (خُذ الغايات واترك المبادئ)، وهذا مخالف لكتاب الله والسنّة والعقل. فإنّ النقل يدلّ بوضوح على اتّصافه سبحانه بالصفات الكماليّة، وأمّا العقل، فحدِّث عنه ولا حرج؛ لأنّ الكمال يساوق الوجود، وكلّما كان الوجود أعلى وأشرف، تكون الكمالات فيه آكد.

____________________

(1) كشف المراد: 195، شرح المقاصد للتفتازاني: 2/143.

٩٤

ب - عينيّة الصفات مع الذّات واشتمالها على حقائقها، من دون أن يكون ذات وصفة، بل الذّات بلغت في الكمال إلى درجة صار نفس العلم قدرة.

8 - الجهميّة، وهذا اللّقب منحه أحمد بن حنبل لهم، فكل ما يقول: قالت الجهميّة، أو يصف القائل بأنّه جهميّ؛ يُريد به المعتزلة، لِمَا وجد من موافقتهم الجهميّة في بعض المسائل.

9 - المفنية.

10 - اللّفظيّة.

وهذان اللّقبان ذكرهما المقريزي وقال: إنّهم يوصفون بالمفنية، لما نسب إلى أبي الهذيل من فناء حركات أهل الجنة والنار؛ واللفظية لقولهم: ألفاظ القرآن مخلوقة. (1)

الأُصول الخمسة عند المعتزلة:

اشتهرت المعتزلة بأُصول خمسة، فمن دان بها فهو معتزلي، ومن نقص منها أو زاد عليها فليس منهم، وتلك الأُصول المرتبة حسب أهميتها عبارة عن: التوحيد، العدل، الوعد والوعيد، المنزلة بين المنزلتين، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

فمن دان بها، ثُمَّ خالف بقية المعتزلة في تفاصيلها، لم يخرج بذلك عنهم.

وإليك تفصيل هذه الأُصول بنحو موجز:

____________________

(1) الخطط المقريزيّة: 4/169.

٩٥

إيعاز إلى الأُصول الخمسة

وقبل كلّ شيء نطرح هذه الأُصول على وجه الإجمال، حتّى يُعلم ماذا يريد منها المعتزلة، ثُمَّ نأخذ بشرحها واحداً بعد احد؛ فنقول:

1 - التوحيد: ويراد منه العلم بأنّ الله واحد، لا يشاركه غيره فيما يستحقُّ من الصفات نفياً وإثباتاً على الحدّ الّذي يستحقّه. والتوحيد عندهم رمز لتنزيهه سبحانه عن شوائب الإمكان ووهم المثليّة وغيرهما ممّا يجب تنزيه ساحته عنه، كالتجسيم والتشبيه وإمكان الرؤية وطروء الحوادث عليه. غير أنّ المهمّ في هذا الأصل؛ هو الوقوف على كيفيّة جريان صفاته عليه سبحانه، ونفي الرؤية، وغيرهما يقع في الدّرجة الثانية من الأهمية في هذا الأصل؛ لأنّ كثيراً منها لم يختلف المسلمون فيه، إلاّ القليل منهم.

2 - العدل: إذا قيل إنّه تعالى عادل، فالمراد أنّ أفعاله كلّها حسنة، وأنّه لا يفعل القبيح، وأنّه لا يَخِلّ بما هو واجب عليه. وعلى ضوء هذا: لا يكذب في خبره، ولا يجور في حكمه، ولا يعذِّب أطفال المشركين بذنوب آبائهم، ولا يُظهر المعجزة على أيدي الكذّابين، ولا يكلِّف العباد وما لا يطيقون، وما لا يعلمون، بل يُقْدِرهم على ما كلّفهم، ويعلِّمهم صفة ما كلّفهم، ويدلّهم على ذلك، ويبيّن لهم ( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيّنَةٍ وَيَحْيَى‏ مَنْ حَيّ عَنْ بَيّنَةٍ ) (1) ، وأنّه إذا كلّف المكلّف وأتى بما كلّف على الوجه الّذي كُلِّف، فإنّه يثيبه لا محالة، وأنّه سبحانه إذا آلم وأسقم، فإنّما فعله لصلاحه ومنافعه، وإلاّ كان مخلاًّ بواجب...

3 - الوعد والوعيد: والمراد منه أنّ الله وعد المطيعين بالثواب، وتوعّد

____________________

(1) الأنفال: 42.

٩٦

العصاة بالعقاب، وأنّه يفعل ما وعد به وتوعّد عليه لا محالة. ولا يجوز الخُلف، لأنّه يستلزم الكذب. فإذا أخبر عن الفعل، ثُمَّ تركه، يكون كذباً. ولو أخبر عن العزم، فبما أنّه محال عليه، كان معناه الإخبار عن نفس الفعل، فيكون الخُلف كذباً. وعلى ضوء هذا الأصل، حكموا بتخليد مرتكب الكبائر في النار؛ إذا مات بلا توبة.

4 - المنزلة بين المنزلتين: وتلقّب بمسألة الأسماء والأحكام؛ وهي أنّ صاحب الكبيرة ليس بكافر كما عليه الخوارج، ولا منافق كما عليه الحسن البصري، ولا مؤمن كما عليه بعضهم، بل فاسق لا يحكم عليه بالكفر ولا بالإيمان.

5 - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: والمعروف: كلّ فعل عرف فاعله حسنه أو دلّ عليه، والمنكر: كلّ فعل عرف فاعله قبحه أو دلّ عليه. ولا خلاف بين المسلمين في وجوبهما؛ إنّما الخلاف في أنّه هل يُعلم عقلاً أو لا يُعلم إلاّ سمعاً؟، ذهب أبو عليّ (المتوفّى 303هـ) إلى أنّه يُعلم عقلاً وسمعاً، وأبو هاشم (المتوفّى 321هـ) إلى أنّه يُعلم سمعاً، ولوجوبه شروط تُذكر في محلّها، ومنها أن لا يؤدّي إلى مضرّة في ماله أو نفسه، إلاّ أن يكون في تحمّله لتلك المذلّة إعزاز للدّين.

قال القاضي: وعلى هذا يحمل ما كان من الحسين بن عليّ (عليهما السّلام)؛ لِمَا كان في صبره على ما صبر، إعزاز لدين الله عزّ وجلّ، ولهذا نباهي به سائر الأُمم، فنقول: لم يبق من ولْد الرّسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) إلاّ سبط واحد، فلم يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتّى قتل دون ذلك. (1)

____________________

(1) الأُصول الخمسة: 142، نقلاً عن، بحوث في الملل والنحل: 3/254 - 255.

٩٧

سبب الاقتصار على هذه الأُصول الخمسة:

هناك سؤال يطرح نفسه، وهو:

لماذا اقتصروا على هذه الأُصول، مع أنّ أمر النبوّة والمعاد أولى بأن يُعدَّ من الأُصول؟

وقد ذكروا في وجه ذلك أُموراً لا يُعتمد عليها، والحق أن يقال: إنّ الأُصول الخمسة الّتي يتبنّاها المعتزلة، مؤلّفة من أُمور تعدُّ من أُصول الدين كالتوحيد والعدل على وجه، ومن أُصول كلاميّة أنتجوها من البحث والنقاش، وأقحموها في الأُصول لغاية ردِّ الفرق المخالفة؛ الّتي لا توافقهم في هذه المسائل الكلامية.

وعند ذلك يستنتج القارئ أنّ ما اتّخذته المعتزلة من الأُصول، وجعلته في صدر آرائها، ليست إلاّ آراء كلاميّة لهذه الفرقة، تظاهروا بها للردّ على المجبّرة والمشبّهة والمرجئة والإماميّة وغيرهم من الفرق، على نحو لو لا تلكم الفِرَق لما سمعت من هذه الأُصول ذكراً.

أئمة المعتزلة:

المراد بأئمتهم؛ مشايخهم الكبار؛ الّذين نضج المذهب بأفكارهم وآرائهم، ووصل إلى القمة في الكمال.

نعم، في مقابل أئمة المذهب، أعلامهم الّذين كان لهم دور في تبيين هذا المنهج من دون أن يتركوا أثراً يستحق الذكر في الأُصول الخمسة، وها نحن نذكر من الطائفيتن نماذج:

٩٨

1. واصل بن عطاء (80 - 131هـ):

أبو حذيفة واصل بن عطاء، مؤسّس الاعتزال، المعروف بالغزّال، يقول ابن خلّكان: كان واصل أحد الأعاجيب، وذلك أنّه كان ألثغ، قبيح اللثغة في الرّاء، فكان يُخلِّص كلامه من الرّاء ولا يُفطن لذلك، لاقتداره على الكلام وسهولة ألفاظه، ففي ذلك يقول أبو الطروق؛ يمدحه بإطالة الخطب واجتنابه الراء على كثرة تردّدها في الكلام، حتّى كأنّها ليست فيه.

عـليم بـإبدال الحروف وقامع

لـكلّ خطيب يغلب الحقَّ باطلُه

وقال الآخر:

ويـجعل البرّ قمحاً في تصرّفه

وخالف الرّاء حتّى احتال للشعر

ولـم يطق مطراً والقول يعجله

فـعاذ بالغيث اشفاقاً من المطر

من آرائه ومصنّفاته:

إنّ واصل هو أوّل من أظهر المنزلة بين المنزلتين؛ لأنّ الناس كانوا في أسماء أهل الكبائر من أهل الصلاة على أقوال: كانت الخوارج تسمّيهم بالكفر والشرك، والمرجئة تسمّيهم بالإيمان، وكان الحسن وأصحابه يسمّونهم بالنفاق.

مؤلّفاته:

ذكر ابن النديم في (الفهرست)، وتبعه ابن خلّكان: إنّ لواصل التصانيف التالية:

٩٩

1 - كتاب أصناف المرجئة.

2 - كتاب التوبة.

3 - كتاب المنزلة المنزلتين.

4 - كتاب خطبه الّتي أخرج منها الرّاء.

5 - كتاب معاني القرآن.

6 - كتاب الخُطب في التوحيد والعدل.

ومن المحتمل أنّه قام بجمع خطب الإمام عليّ (عليه السّلام) في التوحيد والعدل فأفرده تأليفاً.

7 - كتاب ما جرى بينه وبين عمرو بن عبيد.

8 - كتاب السبيل إلى معرفة الحق.

9 - كتاب في الدعوة.

10 - كتاب طبقات أهل العلم والجهل. (1)

2. عمرو بن عبيد (80 - 143هـ):

وهو الإمام الثاني للمعتزلة بعد واصل بن عطاء، وكان من أعضاء حلقة الحسن البصري، مثل واصل، لكن التحق به بعد مناظرة جرت بينهما في مرتكب الكبيرة.

روى ابن المرتضى، عن الجاحظ، أنّه قال: صلَّى عمرو أربعين عاماً صلاة

____________________

(1) فهرست ابن النديم: 203، الفن الأوّل من المقالة الخامسة.

١٠٠

وقد فوّض الله تعالى إلى نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر دينه، فقال:( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (١) وقد فوض ذلك إلى الأئمّةعليهم‌السلام .

وعلامة المفوضة والغلاة وأصنافهم نسبتهم(٢) مشايخ قم وعلماءهم إلى القول بالتقصير.

وعلامة الحلاجية من الغلاة دعوى التجلّي(٣) بالعبادة مع تدينّهم(٤) بترك الصلاة وجميع الفرائض، ودعوى المعرفة بأسماء الله العظمى، ودعوى اتباع الجنّ(٥) لهم، وأنّ الولي إذا خلص وعرف مذهبهم فهو عندهم أفضل من الأنبياءعليهم‌السلام .

ومن علاماتهم أيضاً دعوى علم الكيمياء ولا يعلمون منه(٦) إلا الدغل وتنفيق الشبه والرصاص على المسلمين(٧) .

__________________

(١) الحشر ٥٩: ٧.

(٢) في جميع النسخ زيادة: إلى، وهي في غير محلها.

(٣) في بعض النسخ: التحلّي.

(٤) أثبتناها من ج، وفي النسخ: دينهم.

(٥) في بعض النسخ: « ودعوى انطباع الحق » مكان « ودعوى اتباع الجنّ ».

(٦) في ر زيادة: شيئاً.

(٧) راجع البحار ٢٥ / ٣٤٢.

١٠١

[٣٨]

باب الإعتقاد في الظالمين

قال الشيخرحمه‌الله : اعتقادنا فيهم أنّهم ملعونون، والبراءة منهم واجبة.

قال الله تعالى:( وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ) (١) .

وقال الله تعالى:( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّـهِ كَذِبًا أُولَـٰئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَـٰؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّـهِ عَلَى الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ) (٢) .

قال ابن عباس في تفسير هذه الآية: إنّ سبيل الله في هذا الموضع علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

والأئمّة في كتاب الله تعالى إمامان(٣) : إمام هدى(٤) ، وإمام ضلالة.

قال الله تعالى:( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ) (٥) .

وقال الله تعالى:( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ * وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَـٰذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ ) (٦) .

__________________

(١) البقرة ٢: ٢٧٠.

(٢) هود ١١: ١٨ ـ ١٩.

(٣) العبارة في م، ج: علي بن أبي طالبعليه‌السلام والأئمّة، وفي كتاب الله تعالى إمامان.

(٤) أثبتناها من ج، وهامش ر، وبحار الأنوار ٢٧: ٦٠، وفي النسخ: عدل.

(٥) الأنبياء ٢١: ٧٣.

(٦) القصص ٢٨: ٤١، ٤٢.

١٠٢

ولما نزلت هذه الآية( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ) (١) . قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من ظلم عليّاً مقعدي هذا بعد وفاتي، فكأنّما جحد نبوتّي ونبوّة الأنبياء قبلي ».

ومن تولّى ظالماً فهو ظالم.

قال الله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) (٢) .

وقال تعالى:( وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) (٣) .

وقال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّـهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ ) (٤) .

وقال تعالى:( لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَـٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ ) (٥) .

وقال تعالى:( وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) (٦) .

والظلم وضع الشيء في غير موضعه، فمن ادّعى الإمامة وليس بإمام فهو ظالم ملعون، ومن وضع الإمامة في غير أهلها فهو ظالم ملعون.

__________________

(١) الأنفال ٨: ٢٥.

(٢) التوبة ٩: ٢٣.

(٣) المائدة ٥: ٥١.

(٤) الممتحنة ٦٠: ١٣.

(٥) المجادلة ٥٨: ٢٢.

(٦) هود ١١: ١١٣.

١٠٣

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسله: « من جحد عليّاً إمامته بعدي فقد جحد نبوّتي، ومن جحد نبوّتي فقد جحد الله ربوبيته »(١) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام : « يا علي، أنت المظلوم بعدي، من ظلمك فقد ظلمني، ومن أنصفك فقد أنصفني، ومن جحدك فقد جحدني، ومن والاك فقد والاني، ومن عاداك فقد عاداني، ومن أطاعك فقد أطاعني، ومن عصاك فقد عصاني ».

واعتقادنا فيمن جحد إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والأئمّة من بعدهعليهم‌السلام أنّه بمنزلة من جحد نبوّة جميع الأنبياء(٢) .

واعتقادنا فيمن أقر بأمير المؤمنين(٣) وأنكر واحداً من بعده من الأئمّة أنّه بمنزلة من أقر بجميع الأنبياء وأنكر نبوة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله (٤) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « المنكر لآخرنا كالمنكر لأوّلنا »(٥) .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « الأئمّة من بعدي اثنا عشر، أوّلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وآخرهم القائم، طاعتهم طاعتي، ومعصيتهم معصيتي، من أنكر واحداً منهم فقد أنكرني »(٦) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « من شك في كفر أعدائنا الظالمين لنا فهو كافر ».

__________________

(١) نحوه رواه مسنداً المصنّف في معاني الأخبار: ٣٧٢ باب معنى وفاء العباد ح ١.

(٢) العبارة في م: من جحد جميع الأنبياء، وفي س: من جحد نبوة الأنبياء. وفي م زيادة، وأنكر نبوّة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

(٣) في م، ق زيادة: وجحد.

(٤) العبارة في م: إنه بمنزلة من أنكر بجميع ( كذا ) الأنبياء.

(٥) الهداية: ٧.

(٦) كمال الدين ١: ٢٥٨ ح ٣.

١٠٤

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : « ما زلت مظلوماً منذ ولدتني اُمّي، حتى إنّ عقيلاً كان يصيبه الرمد فيقول: لا تذروني حتى تذروا عليّاً، فيذروني وما بي رمد ».

واعتقادنا فيمن قاتل عليّاًعليه‌السلام قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من قاتل عليّاً فقد قاتلني، ومن حارب عليّاً فقد حاربني، ومن حاربني فقد حارب الله ».

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام : « أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم »(١) .

وأمّا فاطمة صلوات الله عليها فاعتقادنا فيها أنّها سيدة نساء العالمين من الأوّلين والأخيرين، وأنّ الله يغضب لغضبها، ويرضى لرضاها(٢) ، وأنّها خرجت من الدنيا ساخطة على ظالميها وغاصبيها ومانعي إرثها(٣) .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ فاطمة بضعة منّي، من آذاها فقد آذاني، ومن غاظها فقد غاظني(٤) ، ومن سرّها فقد سرّني »(٥) .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ فاطمة بضعة منّي، وهي روحي الّتي بين جنبيّ، يسوؤني ما ساءها، ويسرّني ما سرّها »(٦) .

واعتقادنا في البراءة أنّها واجبة من الأوثان الأربعة ومن الأنداد الأربعة(٧)

__________________

(١) رواه مسنداً المصنّف في عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢: ٥٩ ح ٢٢٣، والطوسي في أماليه ١: ٣٤٥.

(٢) في م، ر: زيادة: « وإنّ الله فطمها وفطم من أحبّها من النار ».

(٣) العبارة في م، ر، ج: ومن نفى إرثها من أبيها.

(٤) في ر زيادة: ومن عصاها فقد عصاني.

(٥) (٦) راجع: أمالي الصدوق: ٣٩٣، معاني الأخبار: ٣٠٢، عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢: ٢٦، أمالي المفيد: ٢٥٩، أمالي الطوسي ٢: ٤١.

(٧) العبارة في م، ر: الأوثان الأربعة: يغوث ويعوق ونسر وهبل، والأنداد الأربعة ( وفي البحار ٧: ٦٠٣ والإناث الأربع ) اللات والعزى ومناة والشعرى، وممّن عبدهم.

١٠٥

ومن جميع أشياعهم وأتباعهم، وأنّهم شرّ خلق الله.

ولا يتم الإقرار بالله وبرسوله(١) وبالأئمّة إلا بالبراءة من أعدائهم.

واعتقادنا في قتلة(٢) الأنبياء وقتلة الأئمّة أنّهم كفار مشركون مخلدون في أسفل درك من النار.

ومن اعتقد فيهم غير ما ذكرناه فليس عندنا من دين الله في شيء(٣) .

__________________

(١) في ق، س: وبرسله.

(٢) في م: قاتل، وكذا التي بعدها.

(٣) في ق، ر زيادة: والله أعلم.

١٠٦

[٣٩]

باب الإعتقاد في التقيّة

قال الشيخرحمه‌الله : اعتقادنا في التقية أنّها واجبة، من تركها كان بمنزلة من ترك الصلاة(١) .

وقيل للصادقعليه‌السلام : يا ابن رسول الله، إنّا نرى في المسجد رجلاً يعلن بسب أعدائكم ويسمّيهم. فقال: « ما له ـ لعنه الله ـ يعرض بنا ».

وقال الله تعالى:( وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ فَيَسُبُّوا اللَّـهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ) (٢) .

قال الصادقعليه‌السلام في تفسير هذه الآية: « لا تسبّوهم فإنّهم(٣) يسبون عليكم »(٤) .

وقالعليه‌السلام : « من سبّ ولي الله فقد سبّ الله ».

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي: « من سبّك ـ يا علي ـ فقد سبّني، ومن سبّني فقد

__________________

(١) العبارة في م: كان كمن ترك الصلاة.

(٢) الأنعام ٦: ١٠٨.

(٣) أثبتناها من ر، وهامش م. وفي بعض النسخ: فُلانَهم فيسبّوا عليكم.

(٤) في م زيادة: فلما نزلت الآية، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا تسبّوا علياً، فإنّ ذاته ممسوس بذات الله ».

١٠٧

سبّ الله تعالى(١) .

والتقيّة واجبة لا يجوز رفعها إلى أن يخرج القائمعليه‌السلام ، فمن تركها قبل خروجه فقد خرج عن دين الله ودين الإمامية(٢) وخالف الله ورسوله والأئمّة.

وسئل الصادق عن قول الله عزّوجلّ:( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ ) قال: « أعلمكم بالتقية »(٣) .

وقد أطلق الله تبارك وتعالى إظهار موالاة الكافرين في حال التقية.

وقال تعالى( لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّـهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ) (٤) .

وقال:( لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) (٥) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « إني لأسمع الرجل في المسجد وهو يشتمني، فأستتر منه بالسارية كي لا يراني »(٦) .

__________________

(١) راجع عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢: ٦٧ ح ٣٠٨، أمالي الصدوق: ٨٧ ح ٢. وفي م زيادة ومن سبّ الله كبّه الله على منخريه يوم القيامة.

(٢) في ق، ر: الأئمّة.

(٣) رواه مسنداً الطوسي في أماليه ٢: ٢٧٤. والآية الكريمة في سورة الحجرات ٤٩: ١٣. وفي ق، ر: « أعلمكم ».

(٤) آل عمران ٣: ٢٨.

(٥) الممتحنة ٦٠: ٨ ـ ٩.

(٦) رواه مسنداً البرقي في المحاسن: ٢٦٠ كتاب مصابيح الظلم ح ٣١٤.

١٠٨

وقالعليه‌السلام : « خالطوا الناس بالبرّانية، وخالفوهم بالجوّانية، ما دامت الامرة صبيانيّة »(١) .

وقالعليه‌السلام : « الرياء مع المؤمن شرك، ومع المنافق في داره عبادة »(٢) .

قال عليعليه‌السلام : « من صلّى معهم في الصف الأوّل، فكأنّما صلّى مع رسول الله في الصف الأوّل »(٣) .

وقالعليه‌السلام : « عودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، وصلّوا في مساجدهم »(٤) .

وقالعليه‌السلام : « كونوا لنا زيناً، ولا تكونوا علينا شينا »(٥) .

وقالعليه‌السلام : « رحم الله عبداً حببّنا إلى الناس، ولم يبغّضنا إليهم »(٦) .

وذكر القصَّاصون عند الصادق، فقالعليه‌السلام : « لعنهم الله يشنعون علينا ».

وسئلعليه‌السلام عن القُصَّاص، أيحل الاستماع لهم ؟ فقال: « لا ».

وقالعليه‌السلام : « من أصغى إلى ناطق فقد عبده، فإن كان الناطق عن الله فقد عبدالله وإن كان الناطق عن إبليس فقد عبد إبليس »(٧) .

وسئل الصادقعليه‌السلام عن قول عزّوجلّ:( الشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ) (٨) قال:

__________________

(١) رواه مسنداً الكليني في الكافي ٢: ١٧٥ باب التقية ح ٢٠.

(٢) الهداية: ١٠.

(٣) الفقيه ١: ٢٥٠ باب الجماعة وفضلها ح ١١٢٦.

(٤) (٦) راجع: الكافي ٢: ١٧٤ ح ١، أمالي الطوسي ٢: ٥٥، فضائل الشيعة: ١٠٢ ح ٣٩.

(٧) رواه مسنداً المصنّف في عيون أخبار الرضا ١: ٣٠٤ ح ٦٣، الكليني في الكافي ٦: ٤٣٤ ح ٢٤.

(٨) الشعراء ٢٦: ٢٢٤.

١٠٩

« هم القُصَّاص ».

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من أتى ذا بدعة فوقّره فقد سعى في هدم الاسلام »(١) .

واعتقادنا فيمن خالفنا في شيء(٢) من اُمور الدين كاعتقادنا فيمن خالفنا في جميع اُمور الدين.

[٤٠]

باب الإعتقاد في آباء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله (٣)

قال الشيخرضي‌الله‌عنه : اعتقادنا في آباء النبيّ(٤) أنّهم مسلمون من آدم إلى أبيه عبدالله، وأنّ أبا طالب كان مسلماً، واُمّه آمنة بنت وهب كانت مسلمة.

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لن آدم ».

ورُوي أن عبد المطلب كان حجة وأبا طالب كان وصيّه(٥) .

__________________

(١) الفقيه ٣: ٣٧٥ باب معرفة الكبائر ح ١٧٧١.

(٢) في ر، ح زيادة: واحد.

(٣) (٤) في ر زيادة: وعليعليه‌السلام .

(٥) ق، س: وروي أنّ عبد المطلب كانت حجة أبا طالب ووصيه، وفي ر: إن عبدالله كانت حجة وما أثبتناه من ج وبحار الأنوار ١٥: ١١٧.

١١٠

[٤١]

باب الإعتقاد في العَلويّة

قال الشيخرضي‌الله‌عنه : اعتقادنا في العلوية أنّهم(١) آل رسول الله، وأنّ مودّتهم واجبة، لأنّها أجر النبوّة(٢) .

قال عزّوجلّ:( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) (٣) .

والصدقة عليهم محرّمة، لأنّها أوساخ(٤) أيدي الناس وطهارة لهم، إلا صدقتهم لإمائهم وعبيدهم، وصدقة بعضهم على بعض.

وأمّا الزكاة فإنّها تحل لهم اليوم(٥) عوضاً عن الخمس، لأنّهم قد منعوا منه.

واعتقادنا في المسيء منهم أنّ عليه ضعف العقاب، وفي المحسن منهم أنّ له ضعف الثواب.

وبعضهم أكفاء بعض، لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حين نظر إلى بنين وبنات علي وجعفر ابني [ أبي ] طالب: « بناتنا كبنينا، وبنونا كبناتنا »(٦) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « من خالف دين الله، وتولى أعداء الله، أو عادى أولياء الله، فالبراءة منه واجبة، كائناً من كان، من أي قبيلة كان ».

__________________

(١) في ر زيادة: من.

(٢) في ح: الرسالة.

(٣) الشورى ٤٢: ٢٣.

(٤) في ر، ج زيادة: ما في.

(٥) أثبتناها من ر.

(٦) رواه مرسلاً المصنّف في الفقيه ٣: ٢٤٩ باب الأكفاء ح ١١٨٤. وفي بعض النسخ: بناتنا لبنينا وبنونا لبناتنا.

١١١

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام لابنه محمد بن الحنفية: « تواضعك في شرفك أشرف لك من شرف آبائك ».

وقال الصادقعليه‌السلام : « ولايتي لأمير المؤمنينعليه‌السلام أحبّ إليّ من ولادتي منه ».

وسئل الصادقعليه‌السلام عن آل محمد، فقال: « آل محمد من حرم على رسول الله نكاحه »(١) .

وقال الله عزّوجلّ:( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ) (٢) .

وسئل الصادقعليه‌السلام عن قول الله عزّوجلّ:( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّـهِ ) فقال: « الظالم لنفسه منّا من لا يعرف حق الإمام، والمقتصد العارف بحق الإمام، والسابق بالخيرات بإذن الله هو الإمام »(٣) .

وسأل إسماعيل أباه الصادقعليه‌السلام ، فقال: ما حال المذنبين منّا ؟

فقالعليه‌السلام : « ليس بأمانيّكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سُوءاً يجز به »(٤) .

وقال أبو جعفر الباقرعليه‌السلام في حديث طويل: « ليس بين الله وبين أحد قرابة، أحبّ الخلق إلى الله أتقاهم له وأعملهم بطاعته. والله ما يتقرّب إلى الله عزّوجلّ ثناؤه إلا بالطاعة، ما معناه براءة من النار، ولا على الله لأحد من حجّة. من

__________________

(١) رواه مسنداً المصنّف في معاني الأخبار: ٩٣ باب معنى الآل ح ١.

(٢) الحديد ٥٧: ٢٦.

(٣) رواه مسنداً المصنّف في معاني الأخبار: ١٠٤ باب معنى الظالم لنفسه ح ٢. والآية الكريمة في سورة فاطر ٣٥: ٣٢.

(٤) رواه مسنداً المصنّف في عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢: ٢٣٤ ح ٥. والآية الكريمة في سورة النساء ٤: ١٢٣.

١١٢

كان لله مطيعاً فهو لنا وليّ، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدّو. لا تنال ولايتنا إلا بالورع والعمل »(١) .

وقال نوحعليه‌السلام :( رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ ) (٢) .

وسئل الصادقعليه‌السلام عن قوله تعالى:( وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّـهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ ) قال: « من زعم أنه إمام وليس بإمام » قيل: وإن كان علوياً فاطميّاً ؟ قال: « وإن كان علوياً فاطمياً »(٣) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « ليس بينكم وبين من خالفكم إلا المِطْمَر ». قيل:

فأي شيء المِطْمَر ؟ قال: « الذي تسمونه التُّرّ، فمن خالفكم وجازه فابرؤوا منه وإن كان علويا فاطميّا »(٤) .

وقال الصادقعليه‌السلام لأصحابه(٥) في ابنه عبدالله: « إنه ليس على شيء ممّا أنتم عليه، وإنّي أبرأ منه، بريء الله منه ».

__________________

(١) رواه مسنداً المصنّف في أماليه: ٤٩٩ المجلس الحادي والتسعين ح ٣، والكليني في الكافي ٢: ٦٠ باب الطاعة والتقوى ح ٣.

(٢) هود ١١: ٤٥ ـ ٤٧.

(٣) رواه مسنداً المصنّف في ثواب الأعمال: ٢٥٤ باب عقاب من ادّعى الإمامة ح ١. والآية الكريمة في سورة الزمر ٣٩: ٦٠.

(٤) رواه مسنداً المصنّف في معاني الأخبار: ٢١٢. وفي النسخ كافة: ( المضمر ) بدل « المطمر »، و « البراءة » بدل « التُّرَّ » وهو تصحيف بيّن. والمِطْمَر ـ بكسر الميم الأولى وفتح الثانية ـ الخيط الذي يقوم عليه البناء، ويسمى التُّرَّ أيضاً. مجمع البحرين ٣: ٣٧٧، النهاية لابن الأثير ٣: ١٣٨.

(٥) أثبتناها من ر، ج.

١١٣

[٤٢]

باب الإعتقاد في الأخبار المفسرة والمجملة

قال الشيخرضي‌الله‌عنه : اعتقادنا في الحديث المفسّر أنّه يحكم على المجمل، كما قال الصادقعليه‌السلام .

[٤٣]

باب الإعتقاد في الحظر والإباحة

قال الشيخرضي‌الله‌عنه : اعتقادنا في ذلك أنّ الأشياء كلّها مطلقة حتى يرد في شيء منها نهي.

١١٤

[٤٤]

باب الإعتقاد في الأخبار الواردة في الطب

قال الشيخ أبو جعفررضي‌الله‌عنه : اعتقادنا في الأخبار الواردة في الطب أنّها على وجوه:

منها: ما قيل على هواء مكّة والمدينة، فلا يجوز استعماله في سائر الأهوية.

ومنها: ما أخبر به العالمعليه‌السلام على ما عرف من طبع السائل ولم يتعد موضعه، إذ كان أعرف بطبعه منه.

ومنها: ما دلّسه المخالفون في الكتب لتقبيح صورة المذهب عند الناس.

ومنها: ما وقع فيه سهو من ناقله(١) .

ومنها: ما حفظ بعضه ونسي بعضه.

وما روي في العسل أنّه شفاء من كل داء(٢) فهو صحيح، ومعناه أنّه شفاء من كل داء بارد.

وما روي في الاستنجاء بالماء البارد لصاحب البواسير(٣) فإنّ ذلك إذا كان

__________________

(١) العبارة بأكملها ليست في م، ق، س، وأثبتناها من ج وبحار الأنوار ٦٢: ٦٤، وقد تقرأ في ر ـ إ ذ كتبت في الهامش ـ: ما وقع وهم فيه وسهو من ناقله.

(٢) رواه مسنداً المصنّف في الخصال ٢: ٦٢٣ باب حديث الأربعمائة ح ١٠.

(٣) المصدر السابق ص ٦١٢.

١١٥

بواسيره من حرارة.

وما روي في الباذنجان من الشفاء(١) فإنّه في وقت إدراك الرطب لمن يأكل الرطب، دون غيره من سائر الأوقات(٢) .

وأمّا أدوية العلل الصحيحة عن الأئمّةعليهم‌السلام فهي آيات القرآن وسوره والأدعية على حسب ما وردت به الآثار(٣) بالأسانيد القوية والطرق الصحيحة.

وقال الصادقعليه‌السلام : « كان فيما مضى يسمّى الطبيب: المعالج، فقال موسىعليه‌السلام : يا رب، ممّن الداء ؟ فقال: منّي يا موسى. قال: يا رب، فممّن الدواء ؟ فقال: منّي. قال: فما يصنع الناس بالمعالج ؟ فقال: يطيب أنفسهم بذلك، فسمّي الطبيب لذلك(٤) .

وأصل الطب التداوي.

وكان داودعليه‌السلام تنبت في محرابه في كل يوم حشيشة، فتقول: خذني فإني أصلح لكذا وكذا، فرأى آخر عمره حشيشة نبتت في محرابه، فقال لها: ما اسمك، فقالت: أنا الخروبية(٥) فقال داودعليه‌السلام : خرب المحراب، فلم ينبت فيه شيء بعد ذلك ».

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من لم تشفه( الحمد لله ) فلا شفاه الله تعالى »(٦) .

__________________

(١) المحاسن: ٥٢٥ باب الباذنجان ح ٧٥٥.

(٢) في س: الآفات.

(٣) في هامش ر: الأخبار.

(٤) رواه مسنداً المصنّف في علل الشرائع: ٥٢٥ ح ١، والكليني في الكافي ٨: ٨٨ ح ٥٢. وفي ق، ر: فسمي الطبيب طبيباً لذلك.

(٥) في بعض النسخ: الخرنوبة.

(٦) نحوه رواه مسنداً الكليني في الكافي ٢: ٤٥٨ باب فضل القرآن ح ٢٢.

١١٦

[٤٥]

باب الإعتقاد في الحديثين المختلفين

قال الشيخ أبو جعفررضي‌الله‌عنه : اعتقادنا في الأخبار الصحيحة عن الأئمّةعليهم‌السلام أنّها موافقة لكتاب الله تبارك وتعالى، متّفقة المعاني غير مختلفة، لأنّها مأخوذة من طريق(١) الوحي عن الله تعالى، ولو كانت من عند غير الله تعالى لكانت مختلفة. ولا يكون اختلاف ظواهر الأخبار إلا لعلل مختلفة.

مثل ما جاء في كفّارة الظهار عتق رقبة.

وجاء في خبر آخر صيام شهرين متتابعين.

وجاء في خبر آخر إطعام ستين مسكيناً.

وكلّها صحيحة، فالصيام لمن لم يجد العتق، والإطعام لمن لم يستطع الصيام.

وقد رُوي(٢) أنّه يتصدق بما يطيق، وذلك محمول على من لم يقدر على الإطعام.

ومنها ما يقوم كلّ واحد منها مقام الآخر، مثل ما جاء في كفّارة اليمين

__________________

(١) في ق زيادة غير.

(٢) في هامش ر: قيل.

١١٧

( إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ) (١) فإذا ورد في كفّارة اليمين ثلاثة أخبار أحدها بالإطعام وثانيها بالكسوة، وثالثها بتحرير رقبة(٢) كان ذلك عند الجهال مختلفاً، وليس بمختلف، بل كلّ واحد من هذه الكفّارات تقوم مقام الاُخرى.

وفي الأخبار ما ورد للتقيّة.

وروي عن سليم بن قيس الهلالي أنّه قال: قلت لأمير المؤمنينعليه‌السلام :

إنّي سمعت من سلمان ومقداد وأبي ذر شيئاً من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله غير ما في أيدي الناس، ثمّ سمعت منك تصديق ما سمعت منهم، ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن، ومن الأحاديث عن النبيّ أنتم تخالفونهم فيها وتزعمون أنّ ذلك كلّه باطل، أفترى الناس يكذبون على رسول الله متعمّدين ويفسّرون القرآن بآرائهم ؟.

قال: فقال عليعليه‌السلام : « قد سألت فافهم الجواب: إنّ ما في أيدي الناس: حقّ وباطل، وصدق وكذب، وناسخ ومنسوخ، وخاص وعام، ومحكم ومتشابه، وحفظ ووهم.

وقد كُذب على رسول الله على عهده حتى قام خطيباً فقال: أيّها الناس، قد كثرت الكذابة عليَّ(٣) فمن كذب عليَّ متعمداً فليتبوّأ مقعده من النار، ثمّ كذب عليه من بعد.

وإنّما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس:

رجل منافق مظهر للإيمان متصنّع بالاسلام، لا يتأثم ولا يتحرّج(٤)

__________________

(١) المائدة ٥: ٨٩.

(٢) العبارة: فإذا ورد بتحرير رقبة، ليست في ق، س.

(٣) العبارة في م: « قد كثر الكذب عليّ ».

(٤) العبارة في ق، س، ر: لم يأثم ولم / لا يخرج / يجزع.

١١٨

أن يكذب على رسول الله متعمّداً. فلو علم الناس أنّه منافق كذاب لم يقبلوا منه ولم يصدّقوه، ولكنّهم قالوا: هذا صحب(١) رسول الله ورآه وسمع منه، فأخذوا عنه وهم لا يعرفون حاله. وقد أخبر الله تعالى عن المنافقين بما أخبر، ووصفهم بما وصفهم، فقال:( وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ) (٢) ثمّ تفرقوا بعده، فتقربوا(٣) إلى أئمّة الضلالة والدعاة إلى النار بالزور والكذب والبهتان، فولّوهم الأعمال، وأكلوا بهم الدنيا، وحملوهم على رقاب الناس، وإنّما الناس مع الملوك والدنيا إلا من عصم(٤) الله. فهذا أحد الأربعة.

ورجل آخر سمع من رسول الله(٥) شيئاً لم يحفظه على وجهه ووهم فيه، ولم يتعمّد كذباً، فهو في يده يقول به ويعمل به ويرويه، ويقول: أنا سمعته من رسول الله(٦) . فلو علم المسلمون أنه وهم لم يقبلوه، ولو علم هو أنّه وهم لرفضه.

ورجل ثالث سمع من رسول الله شيئاً أمر به، ثمّ نهى عنه وهو لا يعلم، أو سمعه ينهى عن شيء، ثمّ أمر به وهو لا يعلم، فحفظ منسوخه ولم يحفظ الناسخ. فلو علم أنّه منسوخ لرفضه، ولو علم المسلمون إذ سمعوه أنّه منسوخ لرفضوه.

ورجل رابع لم يكذب على رسول الله، مبغض للكذب خوفاً من الله وتعظيماً لرسول الله، لم يسه(٧) بل حفظ ما سمع على وجهه، فجاء به كما سمع، لم يزد ولم

__________________

(١) في م: صاحب.

(٢) المنافقون ٦٣: ٤.

(٣) أثبتناها من ج، وهامش م، وفي النسخ: فتفرّقوا.

(٤) في م، ر: عصمه.

(٥) أثبتناها من ر، وفي النسخ: وسمع رجل آخر من رسول الله.

(٦) في م: أنا سمعت رسول الله.

(٧) في م: ينسه، وفي ر: يتشبه به، وفي هامشها: يشتبه به.

١١٩

ينقص، وعلم الناسخ والمنسوخ، فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ.

وإن أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مثل القرآن(١) ، ناسخ ومنسوخ، وخاص وعام، ومحكم ومتشابه. وقد كان يكون من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الكلام له وجهان: كلام عام وكلام خاص، مثل القرآن، قال الله تعالى:( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (٢) فاشتبه على من لم يعرف ما عني الله ورسوله، وليس كل أصحاب رسول الله يسألونه ويستفهمونه، لأن فيهم قوما كانوا يسألونه ولا يستفهمونه، لأنّ الله تعالى نهاهم عن السؤال، حيث يقول:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّـهُ عَنْهَا وَاللَّـهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ * قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ ) (٣) .

فامتنعوا من السؤال حتى إن كانوا يحبون أن يجيء الأعرابي والبدوي فيسأل وهم يسمعون.

وكنت أدخل على رسول الله في كل ليلة دخلة، وأخلو به في كل يوم خلوة، يجيبني عمّا أسأل، وأدور به حيثما دار، وقد علم أصحاب رسول الله أنّه لم يكن يصنع ذلك بأحد غيري، وربّما كان ذلك في بيتي.

وكنت إذا دخلت عليه في بعض منازله خلا بي(٤) وأقام نساءه، فلم يبق غيري وغيره، وإذا أتاني هو للخلوة وأقام من في بيتي لم يقم عنا فاطمة ولا أحد ابناي(٥) .

__________________

(١) في م زيادة: كذلك.

(٢) الحشر ٥٩: ٧.

(٣) المائدة ٥: ١٠١، ١٠٢.

(٤) في م، ر: أخلاني.

(٥) في بعض النسخ: ولا أحدا من أبنائي.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128