الإعتقادات

الإعتقادات28%

الإعتقادات مؤلف:
المحقق: عصام عبد السيد
الناشر: المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 128

الإعتقادات
  • البداية
  • السابق
  • 128 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 61530 / تحميل: 7315
الحجم الحجم الحجم
الإعتقادات

الإعتقادات

مؤلف:
الناشر: المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

[١]

باب في صفة اعتقاد الإمامية

في التوحيد(١)

قال الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه ـ الفقيه المصنّف لهذا الكتاب إعلم أنّ اعتقادنا في التوحيد أنّ الله تعالى واحد، أحد،

__________________

(١) انفردت ق بذكر سند لرواية الكتاب وهو:

حدثني أبو محمد الحسن بن أحمد بن محمد بن الهيثم العجلي المجاور، قال: حدثنا محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه الفقيه.

وحدثني أبو عبدالله الحسين بن علي بن موسى بن بابويه الفقيه القمي عن أخيه أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه الفقيه مصنف هذا الكتاب قال الشيخ أبو جعفر محمد بن عليرضي‌الله‌عنه : اعتقادنا في التوحيد ...

وأبو محمد الحسن بن أحمد العجلي ثقة، من وجوه الأصحاب، وأبوه وجدّه ثقتان وهم من أهل الري جاور في آخر عمره بالكوفة وله كتب منها كتاب الجامع وكتاب المثاني. راجع: رجال النجاشي / الترجمة ١٥١ ورجال ابن داود / الترجمة ٣٩٧ ورجال العلامة / الترجمة ٤٦.

وأمّا أبو عبدالله الحسين بن علي بن بابويه فهو ثقة أيضاً كثير الرواية، روى عن جماعة وأبيه إجازة وأخيه، له كتب، منها كتاب التوحيد ونفي التشبيه. راجع: رجال النجاشي / الترجمة ١٦٣.

رجال الطوسي / فيمن لم يرو عن الأئمّة ـعليهم‌السلام / الترجمة ٢٨ ورجال ابن داود / الترجمة ٤٨٨.

٢١

ليس كمثله شيء، قديم(١) لم يزال ولا يزال، سميع بصير، عليم، حكيم، حي، قيّوم، عزيز، قدوس، قادر، غني.

لا يوصف بجوهر، ولا جسم(٢) ولا صورة، ولا عرض، ولا خط(٣) ولا سطح، ولا ثقل(٤) ولا خفة، ولا سكون، ولا حركة، ولا مكان، ولا زمان.

وأنّه تعالى متعال عن جميع صفات خلقه، خارج من الحدّين: حدّ الإبطال وحد التشبيه.

وأنّه تعالى شيء لا كالأشياء، أحد، صمد لم يلد فيورث، ولم يولد فيشارك، ولم يكن له كف أحد(٥) ولا ند(٦) ولا ضد(٧) ولا شبه ولا صاحبة، ولا مثل، ولا نظير، ولا شريك. لا تدركه الأبصار والأوهام وهو يدركها، لا تأخذه سنة ولا نوم، وهو اللطيف الخبير(٨) خالق كل شيء، لا إله إلا هو له الخلق والأمر تبارك الله ربّ العالمين.

ومن قال بالتشبيه فهو مشرك. ومن نسب إلى الإمامية غير ما وصف في التوحيد فهو كاذب.

وكل خبر يخالف ما ذكرت في التوحيد فهو موضوع مخترع، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو باطل وإن وجد في كتاب علمائنا فهو مدلّس.

__________________

(١) ديم ليست في ق س.

(٢) في م، ق، س: بجسم.

(٣) في ر زيادة: ولا لون.

(٤) في م زيادة: له.

(٥) أحد ليست في ق، وعندئذ يكون ما بعدها منصوباً كما في النسخة.

(٦) في ر، س زيادة: له.

(٧) ولا ضد، أثبتناها من ج وفي ر: ولا ضد له، وخلت باقي النسخ منها.

(٨) العبارة: وهو يدركها اللطيف الخبير، ليست في ق، س.

٢٢

والأخبار التي يتوهّمها الجهّال تشبيهاً لله تعالى بخلقه، فمعانيها محمولة على ما في القرآن من نظائرها.

لأنّ في القرآن:( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ) (١) ومعنى الوجه: الدين و [ الدين هو ] الوجه الذي يؤتى الله منه، ويتوجّه به إليه.

وفي القرآن:( يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ ) (٢) والساق: وجه الأمر وشدّته.

وفي القرآن:( أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ ) (٣) والجنب: الطاعة.

وفي القرآن:( وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ) (٤) والروح هي روح مخلوقة جعل الله منها في آدم وعيسىعليهما‌السلام وإنمّا قال روحي كما قال بيتي وعبدي وجنّتي وناري وسمائي وأرضي.

وفي القرآن( بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ) (٥) يعني نعمة الدنيا ونعمة الآخرة.

وفي القرآن:( وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ ) (٦) والأيد: القوة ومنه قوله تعالى:( وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ ) (٧) يعني ذا القوة.

وفي القرآن:( يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ) (٨) يعني

__________________

(١) القصص ٢٨: ٨٨.

(٢) القلم ٦٨: ٤٢.

(٣) الزمر ٣٩: ٥٦.

(٤) الحجر ١٥: ٢٩.

(٥) المائدة ٥: ٦٤.

(٦) الذاريات ٥١: ٤٧.

(٧) ص ٣٨: ١٧.

(٨) ص ٣٨: ٧٥.

٢٣

بقدرتي وقوّتي.

وفي القرآن:( وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) (١) يعني ملكه، لا يملكها معه أحد.

وفي القرآن:( وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ) (٢) يعني بقدرته.

وفي القرآن:( وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ) (٣) يعني وجاء أمر ربّك وفي القرآن:( كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ ) (٤) يعني عن ثواب ربّهم.

وفي القرآن:( هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّـهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ ) (٥) أي عذاب الله(٦) .

وفي القرآن:( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) (٧) يعني مشرقة تنظر(٨) ثواب ربّها.

وفي القرآن:( وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ ) (٩) وغضب الله عقابه،

__________________

(١) (٢) الزمر ٣٩: ٦٧.

(٣) الفجر ٨٩: ٢٢.

(٤) المطفّفين ٨٣: ١٥.

(٥) البقرة ٢: ٢١٠.

(٦) العبارة في ر: أي يأتيهم عذاب الله. وفي ق: ومعناه هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله بالملائكة في ظلل. من الغمام. وفي س كما في ق بزيادة: والملائكة قد نزلت في قطعة من الغمام كما نزلت لعيسىعليه‌السلام بالمائدة.

(٧) القيامة ٧٥: ٢٢، ٢٣.

(٨) في م، س: تنظر، وفي هامش م: منتظرة.

(٩) طه: ٢٠: ٨١.

٢٤

ورضاه ثوابه.

وفي القرآن:( تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ) (١) أي تعلم غيبي ولا أعلم غيبك.

وفي القرآن:( وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّـهُ نَفْسَهُ ) (٢) يعني انتقامه.

وفي القرآن:( إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ) (٣) .

وفي القرآن:( هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ ) (٤) والصلاة من الله رحمة، ومن الملائكة(٥) تزكية، ومن الناس دعاء.

وفي القرآن:( وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّـهُ وَاللَّـهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) (٦) .

وفي القرآن:( يُخَادِعُونَ اللَّـهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ) (٧) .

وفي القرآن:( اللَّـهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ ) (٨) .

وفي القرآن:( سَخِرَ اللَّـهُ مِنْهُمْ ) (٩) .

وفي القرآن:( نَسُوا اللَّـهَ فَنَسِيَهُمْ ) (١٠) .

__________________

(١) المائدة ٥: ١١٦.

(٢) آل عمران ٣: ٢٨.

(٣) الأحزاب ٣٣: ٥٦.

(٤) الأحزاب ٣٣: ٤٣.

(٥) في ر، ج، زيادة: استغفار و.

(٦) آل عمران ٣: ٥٤.

(٧) النساء ٤: ١٤٢.

(٨) البقرة ٢: ١٥.

(٩) التوبة ٩: ٧٩.

(١٠) التوبة ٩: ٦٧.

٢٥

ومعنى ذلك كلّه(١) أنّه عزّوجلّ يجازيهم جزاء المكر، وجزاء المخادعة، وجزاء الاستهزاء، وجزاء السخرية، وجزاء النسيان، وهو أن ينسيهم أنفسهم، كما قال عزّوجلّ:( وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّـهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ) (٢) لأنه عزّوجلّ في الحقيقة لا يمكر، ولا يخادع، ولا يستهزئ، ولا يسخر، ولا ينسى(٣) تعالى الله عزّ وجلّ عن ذلك علوّاً كبيراً(٤) .

وليس يرد في الأخبار التي يشنع بها أهل الخلاف والالحاد إلا مثل هذه الألفاظ ومعانيها معاني ألفاظ القرآن(٥) .

__________________

(١) ليست في ق س.

(٢) الحشر ٥٩: ١٩.

(٣) في م: لا يمكر، أو يخادع، أو يستهزئ، أو يسخر، أو ينسى، وفي ق: لا يمكر، ويخادع، ويستهزئ، ويسخر وينسى.

(٤) الفقرة في م كما يلي: ومعنى ذلك كلّه أنّه فعل مثل فعلهم من المكر والكيد والاستهزاء، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.

(٥) عبارة: وليس يرد ألفاظ القرآن، ليست في ق، س.

٢٦

[٢]

باب الإعتقاد في صفات الذات وصفات الأفعال

قال الشيخ أبو جعفررحمه‌الله : كل ما وصفنا الله تعالى به من صفات ذاته، فإنّما(١) نريد بكل صفة منها نفي ضدّها عنه تعالى.

ونقول: لم يزل الله تعالى سميعاً، بصيراً، عليماً، حكيماً، قادراً، عزيزاً، حياً، قيّوماً، واحداً، قديماً. وهذه صفات ذاته(٢) .

ولا نقول: إنّه تعالى لم يزل خلاقاً(٣) فاعلاً، شائياً، مريداً، راضياً، ساخطاً، رازقاً، وهاباً، متكلماً، لأنّ هذه صفات أفعاله وهي محدثة لا يجوز أن يقال: لم يزل الله تعالى موصوفاً بها.

__________________

(١) في م فإنّا.

(٢) في م صفات الذات، وفي ق: الصفات ذاته.

(٣) في هامش م، ر: خالقاً.

٢٧

[٣]

باب الإعتقاد في التكليف

قال الشيخ ـ أبو جعفر ـ رحمة الله عليه ـ اعتقادنا في التكليف هو أنّ الله تعالى لم يكلّف عباده إلا دون ما يطيقون، كما قال الله في القرآن( لَا يُكَلِّفُ اللَّـهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ) (١) والوسع دون الطاقة.

وقال الصادقعليه‌السلام : « والله تعالى ما كلّف العباد إلا دون ما يطيقون، لأنّه كلّفهم في كل يوم وليلة خمس صلوات، وكلّفهم في السنة صيام ثلاثين يوماً، وكلّفهم في كل مائتي درهم خمسة دراهم، وكلّفهم حجة واحدة، وهم يطيقون أكثر من ذلك »(٢) (٣) .

__________________

(١) البقرة ٢: ٢٨٦.

(٢) روى نحوه البرقي في المحاسن: ٢٩٦ باب الاستطاعة والاجبار من كتاب مصابيح الظلم ـ ح ٤٦٥.

(٣) في ر، س: « ما مكلف الله العباد ». وفي ج: « وكلفهم في العمر حجة واحدة ». وعبارة: من العبادات الشرعية والعقلية، أثبتت في ر في موضعين: بعد « ما يطيقون » وبعد « وهم يطيقون أكثر من ذلك »، وفي س أثبتت في الموضع الأول، وفي م أثبتت في الموضع الثاني، بينما خلت منها ق، ج، وبحار الأنوار ٥: ٣٠٥. والمحاسن: وآثرنا عدم تثبيتها في المتن، لأنها تبدو من إضافات المحشين التي تُفحم غفلة في المتون أحياناً.

٢٨

[٤]

باب الإعتقاد في افعال العباد

قال الشيخ أبو جعفر ـ رحمة الله عليه ـ: اعتقادنا في أفعال العباد أنّها مخلوقة خلق تقدير لا خلق تكوين، ومعنى ذلك أنّه لم يزل الله عالماً بمقاديرها.(١)

[٥]

باب الإعتقاد في نفي الجبر والتفويض

قال الشيخ أبو جعفر ـ رحمة الله عليه ـ: اعتقادنا في ذلك قول الصادقعليه‌السلام : « لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين ».

فقيل له: وما أمر بين أمرين ؟

قال: « ذلك مثل رجل رايته على معصية فنهيته، فلم ينته فتركته ففعل تلك المعصية، فليس حيث لا يقبل منك فتركته كنت أنت الذي أمرته بالمعصية »(٢) .

__________________

(١) العبارة في م: وذلك أنّه تعالى لم يزل عالماً بمقاديرها.

(٢) رواه مسنداً المصنّف في التوحيد: ٣٦٢ باب نفي الجبر والتفويض ح ٨، والكليني في الكافي ١: ١٢٢ باب الجبر والقدر ح ١٣.

٢٩

[٦]

باب الإعتقاد في الإرادة والمشيئة

قال الشيخ أبو جعفر ـ رحمة الله عليه ـ: اعتقادنا في ذلك قول الصادقعليه‌السلام : « شاء الله وأراد ولم يحب ولم يرض، شاء أن لا يكون شيء إلا بعلمه، وأراد مثل ذلك، ولم يحب أن يقال له ثالث ثلاثة، ولم يرض لعباده الكفر ».(١) .

قال الله تعالى:( إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ) (٢) .

وقال تعالى:( وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّـهُ ) (٣) .

وقال:( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ) (٤) .

وقال عزّوجلّ:( وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّـهِ ) (٥) .

كما قال تعالى:( وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّـهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلًا ) (٦) .

__________________

(١) رواه مسنداً المصنّف في التوحيد: ٣٣٩ / باب المشيئة والإرادة ح ٩ والكليني في الكافي ١: ١١٧ / باب المشيئة والإرادة ح ٥. وفي ر، س: ولم يرض أن يكون شيئاً إلا بعلمه.

(٢) القصص ٢٨: ٥٦.

(٣) الإنسان: ٧٦: ٣٠.

(٤) (٥) يونس ١٠: ٩٩، ١٠٠.

(٦) آل عمران ٣: ١٤٥.

٣٠

وكما قال عزّوجلّ:( يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ ) (١) .

وقال تعالى:( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ) (٢) .

وقال جلّ جلاله:( وَلَوْ شَاءَ اللَّـهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ) (٣) .

وقال تعالى:( وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا ) (٤) .

وقال عزّوجلّ:( فَمَن يُرِدِ اللَّـهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ) (٥) .

وقال الله تعالى:( يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ ) (٦) .

وقال تعالى:( يُرِيدُ اللَّـهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ ) (٧) .

وقال:( يُرِيدُ اللَّـهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ) (٨) .

وقال تعالى:( يُرِيدُ اللَّـهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) (٩) .

وقال عزّوجلّ:( وَاللَّـهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ

__________________

(١) آل عمران ٣: ١٥٤.

(٢) الأنعام ٦: ١١٢.

(٣) الأنعام ٦: ١٠٧.

(٤) السجدة ٣٢: ١٣.

(٥) الأنعام ٦: ١٢٥.

(٦) النساء ٤: ٢٦.

(٧) آل عمران ٣: ١٧٦.

(٨) النساء ٤: ٢٨.

(٩) البقرة ٢: ١٨٥.

٣١

أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ) (١) .

وقال:( وَمَا اللَّـهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ ) (٢) .

فهذا اعتقادنا في الإرادة والمشيئة ومخالفونا يشنّعون علينا في ذلك ويقولون:

إنّا نقول إنّ الله تعالى أراد المعاصي وأراد قتل الحسين بن عليعليهما‌السلام وليس هكذا نقول.

ولكنّا نقول: إنّ الله تعالى أراد أن يكون معصية العاصين خلاف طاعة المطيعين.

واردا أن تكون المعاصي غير منسوبة إليه من جهة الفعل، وأراد أن يكون موصوفاً بالعلم بها قبل كونها.

ونقول: أراد الله أن يكون قتل الحسين معصية خلاف الطاعة(٣) .

ونقول: أراد الله أن يكون قتله(٤) منهياً عنه غير مأمور به.

ونقول: أراد الله تعالى أن يكون قتله مستقبحاً غير مستحسن.

ونقول: أراد الله تعالى أن يكون قتله سخطاً لله غير رضىً.

ونقول أراد الله ألا يمنع من قتله بالجبر والقدرة(٥) كما منع منه بالنهي(٦) .

__________________

(١) النساء ٤: ٢٧.

(٢) غافر ٤٠: ٣١.

(٣) العبارة في ق: على معصية له خلاف الطاعة، وفي ر: معصية له ...

(٤) في م: القتل.

(٥) في هامش م، ر: والقهر.

(٦) في ق زيادة: والقول لا ندفع القتل عنهعليه‌السلام كما دفع ...، والسقط واضح فيها. وفي ج: والقول، ولو منع منه بالجبر والقدرة كما منع منه بالنهي والقول لا ندفع القتل عنهعليه‌السلام كما اندفع. وكأن الإضافة هنا لتدارك السقط في ق.

٣٢

ونقول: أراد الله أن لا يدفع القتل عنهعليه‌السلام كما دفع الحرق عن إبراهيم، حين قال تعالى للنار التي أُلقي فيها:( يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ ) (١) .

ونقول: لم يزل الله تعالى عالماً بأنّ الحسين سيقتل(٢) ويدرك بقتله سعادة الأبد، ويشقى قاتله شقاوة الأبد.

ونقول: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.

هذا اعتقادنا في الإرادة والمشيئة دون ما نسبه(٣) إلينا أهل الخلاف والمشنّعون علينا من أهل الإلحاد.

__________________

(١) الأنبياء ٢١: ٦٩.

(٢) في هامش ر: بالجبر، وفي ج زيادة: جبراً.

(٣) في ر، ج: ينسبه.

٣٣

[٧]

باب الإعتقاد في القضاء والقدر

قال الشيخ أبو جعفر ـ رحمة الله عليه ـ: اعتقادنا في ذلك قول الصادقعليه‌السلام لزرارة حين سأله فقال: ما تقول ـ يا سيدي(١) ـ في القضاء والقدر ؟ قال: « أقول إن الله تعالى إذا جمع العباد يوم القيامة سألهم عمّا قضى عليهم »(٢) .

والكلام في القدر منهي عنه، كما قال أمير المؤمنينعليه‌السلام لرجل قد سأله عن القدر، فقال: « بحر عميق فلا تلجه ».

ثم سأله ثانية فقال: « طريق مظلم فلا تسلكه »، ثم سأله ثالثة فقال: « سرّ الله فلا تتكلّفه )(٣) .

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام في القدر: « ألا إنّ القدر سرّ من سرّ الله »، وستر من ستر الله، وحرز من حرز الله، مرفوع في حجاب الله، مطوي عن خلق الله، مختوم

__________________

(١) أثبتناها من ر.

(٢) رواه مسنداً المصنّف في التوحيد: ٣٦٥ / باب القضاء والقدر ج ٢.

(٣) المصدر السابق، ح ٣ وفي ق، س: سر الله فلا تتكلمه، وفي هامش ر: تكشفه، وفي التوحيد تكلفه.

٣٤

بخاتم الله، سابق في علم الله، وضع الله عن العباد علمه(١) ورفعه فوق شهاداتهم، لأنّهم لا ينالونه بحقيقته الربّانية، ولا بقدرته الصمدانية ولا بعظمته النورانيّة، ولا بعزته الوحدانية(٢) لأنه بحر زاخر مواج خالص لله تعالى، عمقه ما بين السماء والأرض، عرضه ما بين المشرق والمغرب، أسود كالليل الدامس، كثير الحيات والحيتان، يعلو مرّة ويسفل أُخرى، في قعره شمس تضيء لا ينبغي أن يطلّع إليها إلا الواحد الفرد، فمن تطلّع عليها(٣) فقد ضاد الله في حكمه، ونازعه في سلطانه، وكشف عن سره وستره، وباء بغضب من الله، ومأواه جهنم وبئس المصير »(٤) .

وروي أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام عدل من عند حائط مائل إلى مكان آخر، فقيل له: يا أمير المؤمنين، تفر من قضاء الله ؟ فقالعليه‌السلام : « أفر من قضاء الله إلى قدر الله »(٥) .

وسئل الصادقعليه‌السلام عن الرقى، هل تدفع من القدر شيئاً ؟ فقال: « هي من القدر »(٦) .

__________________

(١) العبارة في ر: « وضع العباد عن علمه » وفي باقي النسخ والتوحيد: « وضع الله العباد عن علمه »، وفي هامش التوحيد: هكذا في كل النسخ إلا ج ففيها: « ومنع الله العباد عن علمه » وما أثبتناه هي عبارة البحار ٥: ٩٧ كما أوردها عن كتابنا هذا.

(٢) العبارة في ق، ر: « لأنّه لا ينالونه بحقيقته الربّانية، ولا بقدرة / بقدر الصمدانية، ولا بعظمة / بالعظمة النورانية، ولا بعزّة الوحدانية ».

(٣) كذا في النسخ، وفي التوحيد: « إليها » والظاهر أنّها الأنسب.

(٤) رواه مسنداً المصنّف في التوحيد: ٣٨٣ باب القضاء والقدر ح ٣٢.

(٥) رواه مسنداً المصنّف في التوحيد: ٣٦٩ باب القضاء والقدر ح ٨.

(٦) المصدر السابق، ص ٣٨٢ ح ٢٩.

٣٥

[٨]

باب الإعتقاد في الفطرة والهداية

قال الشيخ أبو جعفررحمه‌الله : اعتقادنا في ذلك أنّ الله تعالى فطر جميع الخلق على التوحيد، وذلك قوله تعالى:( فِطْرَتَ اللَّـهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ) (١) .

وقال الصادقعليه‌السلام في قول الله تعالى:( وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ ) قال: « حتى يعرفهم ما يرضيه وما يسخطه ».

وقال في قوله تعالى:( فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ) قال: « بيّن لها ما تأتي وما تترك ».

وقال في قوله تعالى:( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ) قال « عرفناه إمّا آخذاً وإمّا تاركاً ».

وفي قوله تعالى:( وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَىٰ عَلَى الْهُدَىٰ ) قال: « وهم يعرفون »(٢) .

__________________

(١) الروم ٣٠: ٣٠.

(٢) رواه مسنداً المصنّف في التوحيد: ١١ ٤ باب التعريف والبيان والحجة ح ٤، والكليني في الكافي ١: ١٢٤ باب البيان والتعريف ولزوم الحجة ح ٣.

والآيات الكريمة على التوالي في التوبة ٩: ١١٥، الشمس ٩١: ٨، الإنسان ٧٦: ٣، فصلت ٤١: ١٧.

وصيغة تفسير الآية الثانية في م هي: ( يبيّن لها ما أتى وما ترك ).

وصدر تفسير الآية الأخيرة في المصدرين هو: ( عرفناهم فاستحبّوا العمى على الهدى وهم ).

٣٦

وسئل الصادقعليه‌السلام عن قول الله عزّوجلّ:( وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ) قال: « نجد الخير ونجد الشر »(١) .

وقالعليه‌السلام : ( ما حجب الله علمه عن العباد فهو، موضوع عنهم )(٢) .

وقالعليه‌السلام : « إنّ الله احتجّ على الناس بما آتاهم وعرفهم »(٣) .

__________________

(١) رواه مسنداً المصنّف في التوحيد: ٤١١ باب التعريف والبيان والحجة ح ٥، والكليني في الكافي ١: ١٢٤ باب البيان والتعريف ح ٤.

و الآية الكريمة في سورة البلد ٩٠: ١٠.

(٢) رواه مسنداً المصنّف في التوحيد: ٤١٣ باب التعريف والبيان ح ٩، والكليني في الكافي ١: ١٢٥ باب حجج الله على خلقه ح ٣.

(٣) رواه مسنداً المصنّف في التوحيد: ٤١٠ باب التعريف والبيان والحجة ح ٢، والكليني في الكافي ١: ١٢٤ باب البيان والتعريف ولزوم الحجة ح ١.

٣٧

[٩]

باب الإعتقاد في الاستطاعة

قال الشيخرحمه‌الله : اعتقادنا في ذلك ما قاله موسى بن جعفرعليه‌السلام حين قيل له: أيكون العبد مستطيعا ؟

قال: « نعم، بعد أربع خصال: أن يكون مخلّى السرب(١) ، صحيح الجسم، سليم الجوارح، له سبب وارد من الله تعالى. فإذا تمّت هذه فهو مستطيع ».

فقيل له: مثل أي شيء ؟

قال: « يكون الرجل مخلّى السِّرب صحيح الجسم سليم الجوارح لا يقدر أن يزني إلا أن يرى امرأةً، فإذا وجد المرأة فأمّا أن يعصم فيمتنع كما امتنع يوسف، وأمّا أن يخلّى بينه وبينها فيزني فهو زان، ولم يطع الله باكراه، ولم يعص بغلبة »(٢) .

وسئل الصادقعليه‌السلام عن قول الله تعالى:( وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ ) قالعليه‌السلام : « مستطيعون يستطيعون الأخذ بما أُمروا به،

__________________

(١) السِّرب: الطريق مجمع البحرين ٢: ٨٢ مادة سرب.

(٢) رواه مسنداً المصنّف في التوحيد: ٣٤٨ باب الاستطاعة ح ٧ عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام والكليني في الكافي ١: ١٢٢ باب الاستطاعة ح ١.

٣٨

والترك لما نهوا عنه، وبذلك ابتلوا »(١) .

قال أبو جعفرعليه‌السلام : « في التوراة مكتوب: يا موسى، إنّي خلقتك واصطفيتك وقوّيتك، وأمرتك بطاعتي، ونهيتك عن معصيتي، فإن أطعتني أعنتك على طاعتي، وإن عصيتني لم أعنك على معصيتي، ولي المنّة عليك في طاعتك لي، ولي الحجة عليك في معصيتك لي »(٢) .

__________________

(١) رواه مسنداً المصنّف في التوحيد: ٣٤٩ باب الاستطاعة ح ٩. وتنفرد نسخة م بصيغة للحديث كالتالي: « لأخذ ما أُمروا به، وترك ما نهوا ».

والآية الكريمة في سورة القلم ٦٨: ٤٣.

(٢) رواه مسنداً المصنّف في التوحيد: ٤٠٦ باب الأمر والنهي ح ٢، وفي أماليه: ٢٥٤ المجلس الحادي والخمسون ح ٣. وفي م: ( في التوراة مسطور ).

٣٩

[١٠]

باب الإعتقاد في البداء

قال الشيخ أبو جعفر ـ رحمة الله عليه ـ: إنّ اليهود قالوا إنّ الله قد فرغ من الأمر.

قلنا: بل هو تعالى كل يوم هو في شأن، لا يشغله شأن عن شأن، يحيي ويميت(١) ، ويخلق ويرزق، ويفعل ما يشاء.

وقلنا: يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أُمّ الكتاب، وإنّه لا يمحوا إلا ما كان ولا يثبت إلا ما لم يكن.

وهذا ليس ببداء، كما قالت اليهود وأتباعهم(٢) فنسبتنا اليهود في ذلك إلى القول بالبداء، وتابعهم على ذلك من خالفنا من أهل الأهواء المختلفة(٣) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « ما بعث الله نبيّاً قط حتى يأخذ عليه الاقرار بالعبودية، وخلع الأنداد، وإنّ الله تعالى يؤخّر ما يشاء ويقدّم ما يشاء »(٤) .

__________________

(١) العبارة: لا يشغله شأن ويميت، ليست في ق، س. وفي ر: يحيي ويميت.

(٢) السطر بأكمله ليس في ق، س.

(٣) في م زيادة: من المخالفين.

(٤) رواه مسنداً المصنّف في التوحيد: ٣٣٣ باب البداء ح ٣، والكليني في الكافي ١: ١١٤ باب البداء ح ٣. وفي كلا المصدرين: ( يقدّم ما يشاء ويؤخّر ما يشاء ).

٤٠

ونسخ الشرايع والأحكام بشريعة نبينا محمد (ص) من ذلك، ونسخ الكتب بالقرآن من ذلك.

وقال الصادقعليه‌السلام : « من زعم أنّ الله بدا ( له ) في شيء اليوم لم يعلمه أمس فابرؤا منه »(١) .

وقالعليه‌السلام : « من زعم أنّ الله بدا له في شيء بداء ندامة، فهو عندنا كافر بالله العظيم ».

وأمّا قول الصادقعليه‌السلام : « ما بدا لله في شيء كما بدا له في ابني إسماعيل » فإنه يقول: ما ظهر لله سبحانه أمر في شيء كما ظهر له في ابني إسماعيل، « إذ اخترمه قبلي، ليعلم أنّه ليس بإمام بعدي »(٢) .

__________________

(١) رواه مسنداً المصنّف في كمال الدين: ٦٩ باب اعتراض الزيدية على الإمامية. وفي ق، س، ر: « من زعم أنّه يريد الله عزّوجلّ في شيء » وما أثبتناه في المتن من م وهامش ر. وفي م: « أنا بريء » بدلا عن « فابرؤوا ».

(٢) رواه مسنداً المصنّف في التوحيد: ٣٣٦ باب البداء ح ١٠.

٤١

[١١]

باب الاعتقاد

في التناهي عن الجدل والمراء في الله عزّوجلّ وفي دينه

قال الشيخ أبو جعفر ـ رحمة الله عليه ـ: الجدل في الله تعالى منهي عنه، لأنّه يؤدي إلى ما لا يليق به.

وسئل الصادقعليه‌السلام عن قول الله عزّوجلّ:( وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الْمُنتَهَىٰ ) قال: « إذا انتهى الكلام إلى الله تعالى فأمسكوا »(١) .

وكان الصادقعليه‌السلام يقول: « يا بن آدم، لو أكل قلبك طائر ما أشبعه، وبصرك لو وضع عليه خرق أبرة لغطّاه، تريد أن تعرف بهما ملكوت السموات والأرض: إن كنت صادقاً فهذه الشمس خلقاً من خلق الله، إن قدرت أن تملأ عينك منها فهو كما تقول »(٢) .

والجدل في جميع(٣) أُمور الدين منهي عنه.

__________________

(١) رواه مسنداً المصنّف في التوحيد: ٤٥٦ باب النهي عن الكلام والمراء ح ٩، والكليني في الكافي ١: ٧٢ باب النهي عن الكلام في الكيفيّة ح ٢. والآية الكريمة في سورة النجم ٥٣: ٤٢.

(٢) المصدرين السابقين، الأوّل ص ٤٥٥ ح ٥، والثاني ص ٧٣ ح ٨.

(٣) ليست في م، س.

٤٢

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : « من طلب الدين بالجدل تزندق ».

وقال الصادقعليه‌السلام : « يهلك أصحاب الكلام وينجو المسلّمون، إنّ المسلّمين هم النجباء »(١) .

فأمّا الاحتجاج على المخالفين(٢) بقول الأئمّة أو بمعاني كلامهم لمن يحسن الكلام فمطلق، وعلى من لا يحسن فمحظور محرم.

وقال الصادقعليه‌السلام : « حاجّوا الناس بكلامي، فإن حاجوكم كنت أنا المحجوج لا أنتم ».

وروي عنهعليه‌السلام أنّه قال: « كلام في حق خير من سكوت على باطل ».

وروي أن أبا هذيل العلاف قال لهشام بن الحكم: أُناظرك على أنّك إن غلبتني رجعت إلى مذهبك، وإن غلبتك رجعت إلى مذهبي.

فقال هشام: ما أنصفتني ! بل أُناظرك على أني إن غلبتك رجعت إلى مذهبي، وإن غلبتني رجعت إلى إمامي.

__________________

(١) رواه مسنداً المصنّف في التوحيد: ٤٥٨ باب النهي عن الكلام والمراء ح ٢٢.

(٢) في ر، ح زيادة: بقول الله تعالى وبقول رسوله و.

٤٣

[١٢]

باب الإعتقاد في اللوح والقلم

قال الشيخ أبو جعفررضي‌الله‌عنه : اعتقادنا في اللوح والقلم أنّهما ملكان.

[١٣]

باب الإعتقاد في الكرسي

قال أبو جعفررحمه‌الله : اعتقادنا في الكرسي أنّه وعاء جميع الخلق من(١) العرش والسَّموات والأرض، وكل شيء خلق الله تعالى في الكرسي.

وفي وجه آخر(٢) هو العلم.

وقد سئل الصادقعليه‌السلام عن قوله تعالى:( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ) ؟

قال: « علمه »(٣) .

__________________

(١) في ق، س: و.

(٢) في م زيادة: الكرسي.

(٣) رواه مسنداً المصنّف في التوحيد: ٣٢٧ باب معنى( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ) ح ١.

والآية الكريمة من سورة البقرة ٢: ٢٥٥.

٤٤

[١٤]

باب الإعتقاد في العرش

قال الشيخ أبو جعفررحمه‌الله : اعتقادنا في العرض أنه جملة جميع الخلق.

والعرض في وجه آخر هو العلم.

وسئل الصادقعليه‌السلام عن قوله تعالى:( الرَّحْمَـٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ ) ؟

فقال: « استوى من كل شيء، فليس شيء أقرب إليه من شيء »(١) .

فأمّا العرش الذي هو جملة جميع الخلق فحملته ثمانية من الملائكة، لكل واحد منهم ثمانية أعين، كل عين طباق الدنيا:

واحد منهم على صورة بني آدم، فهو يسترزق الله تعالى لولد آدم. واحد منهم(٢) على صورة الثور، يسترزق الله للبهائم كلّها، وواحد منهم على صورة الأسد، يسترزق الله تعالى للسباع، وواحد منهم على صورة الديك، فهو يسترزق الله للطيور.

فهم اليوم هؤلاء الأربعة، فإذا كان يوم القيامة صاروا ثمانية.

__________________

(١) رواه مسنداً المصنّف في التوحيد: ٣١٥ باب معنى( الرَّحْمَـٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ ) ح ١، والكليني في الكافي: ١: ٩٩ باب الحركة والانتقال ح ٦. والآية الكريمة في سورة طه ٢٠: ٥.

(٢) في م. والآخر، بدلاً عن: واحد منهم، وكذا في الموضعين الآتيين.

٤٥

وأمّا العرش الذي هو العلم، فحملته أربعة من الأوّلين، وأربعة من الآخرين.

فأمّا الأربعة من الأوّلين: فنوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى. وأمّا الأربعة من الآخرين: فمحمد، وعلي، والحسن، والحسين، صلّى الله عليهم هكذا روي بالأسانيد الصحيحة عن الأئمّةعليهم‌السلام في العرش وحملته.

وإنّما صار هؤلاء حملة العرش الذي هو العلم(١) لأنّ الأنبياء الذين كانوا قبل نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله كانوا على شرائع الأربعة(٢) : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى، ومن قبل هؤلاء(٣) صارت العلوم إليهم، وكذلك صار العلم من بعد محمد وعلي والحسن والحسينعليهم‌السلام إلى من بعد الحسين من الأئمّة ـعليهم‌السلام .

__________________

(١) العبارة في ق، س: وإنّما صار هؤلاء حملة العلم.

(٢) في ر زيادة: من الأولّين.

(٣) في ر زيادة: الأربعة.

٤٦

[١٥]

باب الإعتقاد في النفوس والأرواح

قال الشيخ أبو جعفررحمه‌الله : اعتقادنا في النفوس أنّها هي الأرواح التي بها الحياة، وأنّها الخلق الأوّل، لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ أوّل ما أبدع الله سبحانه وتعالى هي النفوس المقدسة المطهرة(١) ، فأنطقها بتوحيده، ثم خلق بعد ذلك سائر خلقه ».

واعتقادنا فيها أنّها خلقت للبقاء ولم تخلق للفناء، لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما خلقتم للفناء بل خلقتم للبقاء، وإنّما تنقلون من دار إلى دار ».

وأنّها في الأرض غريبة، وفي الأبدان مسجونة.

واعتقدنا فيها أنّها إذا فارقت الأبدان فهي باقية، منها منعمّة، ومنها معذّبة، إلى أن يردها الله تعالى بقدرته إلى أبدانها.

وقال عيسى بن مريم للحواريين: « بحق أقول لكم، أنّه لا يصعد إلى السماء إلا ما نزل منها ».

وقال تعالى:( وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ) (٢) فما

__________________

(١) ف س: مقدسة مطهرة.

(٢) الأعراف ٧: ١٧٦.

٤٧

لم يرفع منها إلى الملكوت بقي يهوى في الهاوية، وذلك لأنّ الجنّة درجات والنار دركات.

وقال تعالى:( تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ ) (١) .

وقال تعالى:( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ ) (٢) .

وقال تعالى:( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) (٣) .

وقال تعالى:( وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَـٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ ) (٤) .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « الأرواح جنود مجنّدة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف »(٥) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « إنّ الله تعالى آخى بين الأرواح في الأظلة قبل أن يخلق الأبدان بألفي عام، فلو قد قام قائمنا أهل البيت لورث الأخ الذي آخى بينهما في الأظلة، ولم يرث(٦) الأخ من الولادة ».

وقالعليه‌السلام : « إنّ الأرواح لتلتقي في الهواء فتعارف فتساءل، فإذا أقبل

__________________

(١) المعارج ٧٠: ٤.

(٢) القمر ٥٤: ٥٤ و ٥٥.

(٣) آل عمران ٣: ١٦٩، ١٧٠.

(٤) البقرة ٢: ١٥٤.

(٥) رواه مسنداً المصنّف في علل الشرائع ١: ٨٤ عن الصادقعليه‌السلام .

(٦) كذا في النسخ وموضع من البحار ٦١: ٧٨، وفي موضع آخر ٦: ٢٤٩ يورّث.

٤٨

روح من الأرض قالت الأرواح: دعوه(١) فقد أفلت من هول عظيم، ثم سألوه ما فعل فلان وما فعل فلان، فكلّما قال قد بقي رجوه أن يلحق بهم، وكلّما قال قد مات قالوا هوى هوى »(٢) .

وقال تعالى:( وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ ) (٣) .

وقال تعالى:( وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ ) (٤) .

ومثل الدنيا وصاحبها(٥) كمثل البحر والملاح والسفينة.

وقال لقمانعليه‌السلام لابنه: « يا بني، إن الدنيا بحر عميق وقد هلك فيها عالم كثير، فاجعل سفينتك فيها الإيمان بالله، واجعل زادك فيها تقوى الله، واجعل شراعها التوكّل على الله. فإن نجوت فبرحمة الله، وإن هلكت فبذنوبك »(٦) .

وأشد ساعات ابن آدم ثلاث ساعات(٧) : يوم يولد، ويوم يموت، يوم يبعث حيّاً.

ولقد سلّم الله تعالى على يحيى في هذه الساعات، فقال الله تعالى:( وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ) (٨) .

__________________

(١) العبارة في النسخ: « فإذا أقبل روح من الأرض فدعوه » وما أثبتناه من ج وهامش ر.

(٢) نحوه رواه مرسلاً المصنّف في الفقيه ١: ١٢٣ ح ٥٩٣، ورواه مسنداً الكليني في الكافي ٣: ٢٤٤ باب في أرواح المؤمنين.

(٣) طه ٢٠: ٨١.

(٤) القارعة ١٠١: ٨ ـ ١١.

(٥) ليست في ق، س.

(٦) رواه مرسلاً المصنّف في كتابه الفقيه ٢: ١٨٥ باب الزاد في السفر ح ٨٣٣. وفي ر، وهامش م: « واجعل شراعك فيها التوكّل ». وفي ق، ر: « وإن هلكت فبذنوبك لا من الله ».

(٧) العبارة في ق، س: وأشد ساعاته.

(٨) مريم ١٩: ١٥.

٤٩

وقد سلّم فيها(١) عيسى على نفسه فقال( وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ) (٢) والاعتقاد في الروح أنه ليس من جنس البدن، وأنه خلق آخر، لقوله تعالى:( ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّـهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ) (٣) .

واعتقادنا في الأنبياء والرسل والأئمةعليهم‌السلام إنّ فيهم خمسة أرواح: روح القدس، وروح الإيمان، وروح القوّة، وروح الشهوة، وروح المدرج.

وفي المؤمنين أربعة أرواح: روح الايمان، وروح القوّة، وروح الشهوة، وروح المدرج.

وفي الكافرين والبهائم ثلاثة أرواح: روح القوّة، روح الشهوة، وروح المدرج.

وأمّا قوله تعالى:( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) (٤) فإنّه خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل، كان مع رسول الله والأئمةعليهم‌السلام (٥) ومع الملائكة، وهو من الملكوت.

وأنا أُصنّف في هذا المعنى كتاباً أشرح فيه معاني هذه الجمل إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) أثبتناها م، ج.

(٢) مريم ١٩: ٣٣.

(٣) المؤمنون ٢٣: ١٤.

(٤) الاسراء ١٧: ٨٥.

(٥) والأئمةعليهم‌السلام ، ليست في ق، س، وقد أثبتت في هامش م، ر مذيّلة بإشارة غير واضحة إن كانت تعني بدلاً عن الملائكة أو إضافة إليها. مع ملاحظة أنّ أحاديث الباب في الكافي ١: ٢١٥، والمنقول عن كتابنا في بحار الأنوار ٦١: ٧٩، أثبتا الأئمّة فقط.

٥٠

[١٦]

باب الإعتقاد في الموت

قيل لأمير المؤمنين عليعليه‌السلام صف لنا الموت ؟.

فقالعليه‌السلام : ( على الخبير سقطتم )، هو أحد ثلاثة أُمور يرد عليه:

إمّا بشارة بنعيم الأبد، وإمّا بشارة بعذاب الأبد، وإمّا بتحزين(١) وتهويل وأمر مبهم(٢) لا يدري من أي الفرق هو.

أمّا وليّنا والمطيع لأمرنا فهو المبشّر بنعيم الأبد.

وأمّا عدونا والمخالف لأمرنا، فهو المبشّر بعذاب الأبد.

وأمّا المبهم أمره الذي لا يدري ما حاله، فهو المؤمن المسرف على نفسه لا يدري ما يؤول حاله(٣) يأتيه الخبر مبهما مخوفاً(٤) ثم لن يسويه الله بأعدائنا، ويخرجه من النار بشفاعتنا.

فاعلموا(٥) وأطعيوا ولا تتّكلوا(٦) ولا تستصغروا عقوبة الله، فإنّ من

__________________

(١) في ق: بتخويف.

(٢) « وأمر مبهم » أثبتناها من م.

(٣) « لا يدري ما يؤول حاله » أثبتناها من م.

(٤) العبارة في النسخ مضطربة، فهي ما بين: « الخير / الخبر، مبهماً / منهما » ولكنها تتفق في: « محرفا » وما أثبتناه من ج ومعاني الأخبار.

(٥) في هامش س: ( فاعقلوا ) وفي بعض النسخ: « فاعتملوا ».

(٦) في ر: ( تتكلموا )، وتقرأ في بقية النسخ: « تنكلوا ».

٥١

المسرفين من لا يلحقه شفاعتنا إلا بعد عذاب ثلاثمائة ألف سنة »(١) .

وسئل الحسن بن عليعليهما‌السلام ، ما الموت الذي جهلوه ؟

فقال ـعليه‌السلام : « أعظم سرور يرد على المؤمنين إذ نقلوا عن دار النكد إلى نعيم الأبد، وأعظم ثبور يرد على الكافرين إذ نقلوا عن جنّتهم إلى نار لا تبيد ولا تنفد »(٢) .

ولما اشتد الأمر بالحسين بن علي بن أبي طالبعليهما‌السلام : نظر إليه من كان معه فإذا هو بخلافهم، لأنّهم إذا اشتد بهم الأمر تغيّرت ألوانهم، وارتعدت فرائصهم، ووجلت قلوبهم، ووجبت جنوبهم. وكان الحسينعليه‌السلام وبعض من معه من خواصّه(٣) تشرق ألوانهم، وتهدأ جوارحهم، وتسكن نفوسهم.

فقال بعضهم لبعض: أُنظروا إليه لا يبالي بالموت.

فقال لهم الحسينعليه‌السلام : « صبراً بني الكرام، فما الموت إلا قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضر(٤) إلى الجنان الواسعة والنعم(٥) الدائمة، فأيّكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر، وهؤلاء أعداؤكم كمن ينتقل من قصر إلى سجن وعذاب أليم: إنّ أبي حدثني عن رسول الله: إنّ الدنيا سجن المؤمن وجنًة الكافر.

والموت جسر(٦) هؤلاء إلى جنّاتهم، وجسر هؤلاء إلى جحيمهم، ما كَذبت ولا كُذِبْت »(٧) .

__________________

(١) رواه مسنداً المصنّف في معاني الأخبار: ٢٨٨ باب معنى الموت ح ٢.

(٢) المصدر السابق، ح ٣.

(٣) في جميع النسخ والبحار ومعاني الأخبار: خصائصه، وما أثبتناه من ج.

(٤) في م: والضراء.

(٥) في م، س: والنعيم، وفي ر: والنعمة.

(٦) في ق: حشر، وكذا التي بعدها.

(٧) رواه المصنّف في معاني الأخبار: ٢٨٨ باب معنى الموت ح ٣.

٥٢

وقيل لعلي بن الحسين: ما الموت ؟

فقالعليه‌السلام : « للمؤمن كنزع ثياب وسخة قملة، وفكّ قيود وأغلال ثقيلة، والاستبدال بأفخر الثياب وأطيبها روائح، وأوطأ المراكب، وآنس المنازل.

وللكافر كخلع ثياب فاخرة، والنقل عن منازل أنيسة، والاستبدال(١) بأوسخ الثياب وأخشنها، وأوحش(٢) المنازل، وأعظم العذاب ».

وقيل لمحمد بن عليعليه‌السلام : ما الموت ؟

فقال: « هو النوم الذي يأتيكم في كل ليلة، إلا أنّه طويل مدّته(٣) لا ينتبه(٤) منه إلا يوم القيامة. فمنهم من رأى في منامه من أصناف الفرح ما لا يقادر قدره، ومنهم من رأى في نومه من أصناف الأهوال ما لا يقادر قدره، فكيف حال من فرح في الموت(٥) ووجل فيه ! هذا هو الموت فاستعدّوا له »(٦) .

وقيل للصادقعليه‌السلام : صف لنا الموت ؟

فقال: « هو للمؤمنين كأطيب ريح يشمّه فينعس(٧) لطيبه فينقطع(٨) التعب والألم كلّه عنه. وللكافر كلسع الأفاعي وكلدغ العقارب وأشد ».

قيل: فإنّ قوماً يقولون(٩) هو أشدّ من نشر بالمناشير، وقرض بالمقاريض،

__________________

(١) في م: والاستقبال.

(٢) في ر، وهامش م: أضيق.

(٣) في م، ر: المدة

(٤) في س: ينتبّه.

(٥) في ر: النوم.

(٦) رواه المصنّف في معاني الأخبار: ٢٨٩ باب معنى الموت ح ٥ مع اختلاف في بعض الجمل.

(٧) أثبتناها من ق وهامش م، وفي النسخ: « فينعش ».

(٨) أثبتناها من ر، وفي النسخ: « فيقطع ».

(٩) في ق، س، ر زيادة: إنّه.

٥٣

ورضخ بالحجارة، وتدوير قطب الأرحية في الأحداق ؟

فقال: « كذلك هو على بعض الكافرين والفاجرين، ألا ترون منهم من يعاين تلك الشدائد فذلك الذي هو أشدّ من هذا [ إلا من عذاب الآخرة فإنه أشد ] من عذاب الدنيا ».

قيل: فما لنا نرى كافراً يسهلٍ عليه النزع فينطفئ، وهو يتحدّث ويضحك ويتكلّم، وفي المؤمنين من يكون أيضاً كذلك، وفي المؤمنين والكافرين من يقاسي عند سكرات الموت هذه الشدائد ؟

قالعليه‌السلام : « ما كان من راحة هناك للمؤمنين فهو عاجل ثوابه، وما كان من شدّة فهو تمحيصه من ذنوبه، ليرد إلى الآخرة نقيّاً(١) نظيفاً مستحقاً لثواب الله ليس له مانع دونه. وما كان من سهولة هناك على الكافرين فليوفى(٢) أجر حسناته في الدنيا، ليرد الآخرة وليس له إلا ما يوجب عليه العذاب، وما كان من شدّة على الكافر هناك فهو ابتداء عقاب الله عند نفاد حسناته، ذلكم بأنّ الله عدل لا يجور »(٣) .

ودخل موس بن جعفرعليه‌السلام على رجل قد غرق في سكرات الموت وهو لا يجيب داعياً، فقالوا له: يا بن رسول الله، وددنا لو عرفنا كيف حال صاحبنا، وكيف يموت ؟ فقال: « إن الموت هو المصفاة: يصفي المؤمنين من ذنوبهم، فيكون آخر ألم يصيبهم كفّارة آخر وزر عليهم. ويصفي الكافرين من حسناتهم، فتكون آخر لذّة أو نعمة أو رحمة تلحقهم هو آخر ثواب حسنة تكون لهم. أما صاحبكم

__________________

(١) في ق: تقيّاً.

(٢) في م، س: فليتوفّى.

(٣) رواه مسنداً المصنّف في معاني الأخبار: ٢٨٧ باب معنى الموت ح ١، وعلل الشرائع: ٢٩٨ ح ٢، ومنهما ما أثبتناه بين المعقوفين.

٥٤

فقد نخل من الذنوب نخلاً(١) وصفي من الآثام تصفية، وخلص حتى نقى كما ينقى ثوب من الوسخ، وصلح لمعاشرتنا أهل البيت في(٢) دارنا دار الأبد »(٣) .

ومرض رجل من أصحاب الرضاعليه‌السلام فعاده، فقال: « كيف تجدك ؟ » فقالت: لقيت الموت بعدك، يريد به ما لقي من شدّة مرضه.

فقال: « كيف لقيته ؟ » فقال: أليماً شديداً.

فقال: « ما لقيته، ولكن لقيت ما ينذرك به، ويعرّفك بعض حاله. إنّما الناس رجلان: مستريح بالموت، ومستراح منه(٤) فجدّد الإيمان بالله(٥) وبالولاية تكن مستريحا ». ففعل الرجل ذلك(٦) والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

وقيل لمحمد بن علي بن موسىعليهم‌السلام : ما بال هؤلاء المسلمين يكرهون الموت ؟.

فقال: « لأنّهم جهلوه فكرهوه، ولو عرفوه وكانوا من أولياء الله حقّاً لأحبّوه، ولعلموا أنّ الآخرة خير لهم من الدنيا ».

ثمّ قال: « يا عبدالله، ما بال الصبي والمجنون يمتنع من الدواء المنقي لبدنه والنافي للألم عنه ؟ ». فقال: لجهلهم بنفع الدواء.

فقال: « والذي بعث محمداً بالحق نبيّاً، إنّ من قد استعد للموت حق الاستعداد فهو(٧) أنفع لهم من هذا الدواء لهذا المتعالج، أما إنّهم لو علموا ما

__________________

(١) العبارة في م: « فقد خلي منا الذنوب تخلية » وليس في ق، س: « نخلاً ».

(٢) في م، ق: « وفي ».

(٣) رواه مسنداً المصنّف في معاني الأخبار: ٢٨٩ باب معنى الموت ح ٦.

(٤) أثبتناها من هامش ر، وفي النسخ: « به ».

(٥) في ج، وهامش ر زيادة: وبالنبّوة.

(٦) رواه مسنداً المصنّف في معاني الأخبار: ٢٨٩ باب معنى الموت ح ٧.

(٧) أثبتناها من ج، وهامش ر، وفي النسخ: « إنّه ».

٥٥

يؤدي إليه الموت من النعم، لاستدعوه وأحبّوه أشد ممّا يستدعي العاقل الحازم الدواء، لدفع الآفات واجتلاب السلامات »(١) .

ودخل علي بن محمدعليهما‌السلام على مريض من أصحابه وهو يبكي ويجزع من الموت، فقال له: « يا عبدالله، تخاف من الموت لأنّك لا تعرفه، أرأيتك إذا اتسخت ثيابك وتقذرت، وتأذّيت بما عليك من الوسخ والقذرة، وأصابك قروح وجرب، وعلمت أنّ الغسل في حمام يزيل عنك ذلك كلَه، أما تريد أن تدخله فتغسل فيزول(٢) ذلك عنك، أو ما تكره أن لا تدخله فيبقى ذلك عليك ؟ قال: بلى يا ابن رسول الله.

قال: « فذلك الموت هو ذلك الحمّام، وهو آخر ما بقي عليك من تمحيص ذنوبك وتنقيتك من سيّئاتك، فإذا أنت وردت عليه وجاوزته، فقد نجوت من كل غمّ وهمّ وأذى ووصلت إلى سرور وفرح ». فسكن الرجل ونشط واستسلم وغمض عين نفسه ومضى لسبيله(٣) .

وسئل الحسن بن عليعليهما‌السلام عن الموت، ما هو ؟ فقال: « هو التصديق بما لا يكون. إنّ أبي حدّثني عن أبيه عن جدّه عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال: إنّ المؤمن إذا مات لم يكن ميّتاً، وإن الكافر هو الميّت، إنّ الله عزّوجلّ يقول:( يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ) يعني المؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن(٤) .

__________________

(١) رواه مسنداً المصنّف في معاني الأخبار: ٢٩٠ باب معنى الموت ح ٨.

(٢) ليست في ق، س.

(٣) رواه مسنداً المصنّف في معاني الأخبار: ٢٩٠ باب معنى الموت ح ٩.

(٤) رواه المصنّف في معاني الأخبار: ٢٩٠ باب معنى الموت ح ٩. والآية الكريمة من سورة يونس ١٠: ٣١.

٥٦

وجاء رجل إلي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال يا رسول الله، ما بالي لا أحبّ الموت ؟ قال:

« ألك مال ؟ ». قال: نعم قال « قدمته ؟ ». قال: لا. قال: « فمن ثم لا تحبّ الموت »(١) .

وقال رجل لأبي ذر ـ رحمة الله عليه ـ: ما لنا نكره الموت ؟ فقال: لأنّكم عمّرتم الدنيا وخرّبتم الآخرة، فتكرهون أن تنقلوا من عمران إلى خراب.

وقيل له: كيف ترى قدومنا على الله ؟ قال: أمّا المحسن فكالغائب يقدم على أهله، وأمّا المسيء فكالآبق يقدم على مولاه.

قيل: فيكف ترى حالنا عند الله ؟ فقال: اعرضوا أعمالكم على كتاب الله، يقول الله تعالى:( إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ) .

قال الرجل: فأين رحمة الله ؟ قال:( إِنَّ رَحْمَتَ اللَّـهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ) (٢) .

__________________

(١) رواه مسنداً في الخصال ١: ١٣ باب الواحد ح ٤٧.

(٢) النصوص المروية عن أبي ذر ـ رضوان الله عليه ـ رواها مسندة الكليني في الكافي ٢: ٣٣١ باب محاسبة العمل ح ٢٠. وفي هامش م، ر: فكالآبق يقدم على مولاه وهو منه خائف. والآيتان على التوالي في: الانفطار ٨٢: ١٣- ١٤، الأعراف ٧: ٥٦.

٥٧

[١٧]

باب الإعتقاد في المساءلة في القبر

قال الشيخرحمه‌الله : اعتقادنا في المساءلة في القبر أنّها حق لا بد منها، فمن أجاب بالصواب فاز بروح وريحان في قبره، وبجنّة نعيم في الآخرة، ومن لم يأت بالصواب فله نزل من حميم في قبره وتصلية جحيم في الآخرة.

وأكثر ما يكون عذاب القبر من النميمة، وسوء الخلق، والاستخفاف بالبول.

وأشد ما يكون عذاب القبر على المؤمن(١) مثل اختلاج العين أو شرطة حجام ويكون ذلك كفّارة لما بقي عليه من الذنوب التي(٢) لم تكفّرها الهموم والغموم والأمراض وشدة النزع عند الموت، فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كفن فاطمة بنت أسد في قميصه بعد ما فرغ النساء من غسلها، وحمل جنازتها على عاتقه فلم يزل تحت جنازتها حتى أوردها قبرها، ثم وضعها ودخل القبر واضطجع فيه، ثم قام فأخذها على يديه ووضعها في قبرها، ثمّ انكبّ عليها يناجيها طويلاً ويقول لها: ابنك ابنك، ثم خرج وسوّى عليها التراب، ثمّ انكبّ على قبرها، فسمعوه وهو يقول(٣) : ( اللّهم إنّي استودعتها(٤) إياك ) ثمّ انصرف.

__________________

(١) في هامش م، ر زيادة: المحق.

(٢) في ج زيادة: لا.

(٣) في ج، وهامش ر زيادة: « لا إله إلا الله ».

(٤) أثبتناها من م، وفي النسخ: « أودعتها ».

٥٨

فقال له المسلمون: يا رسول الله، إنّا رأيناك صنعت اليوم شيئاً لم تصنعه قبل اليوم ؟.

فقال: « اليوم فقدت برّ أبي طالب، إنّها كانت يكون عندها الشيء فتؤثرني به على نفسها وولدها. وإنّي ذكرت يوم القيامة يوماً وأنّ الناس يحشرون عراةً، فقالت: واسوأتاه، فضمنت لها أن يبعثها الله كاسيةً. وذكرت ضغطة القبر، فقالت: واضعفاه، فضمنت لها أن يكفيها الله ذلك. فكفّنتها بقميصي واضطجعت في قبرها لذلك، وانكببت عليها فلقّنتها ما تسأل عنه.

وإنّما سئلت عن ربّها فقالت الله، وسئلت عن نبيّها فأجابت(١) ، وسئلت عن وليّها وإمامها فارتجّ عليها، فقلت لها: ابنك، ابنك. فقالت(٢) ولدي وليي وإمامي، فانصرفا عنها وقالا: لا سبيل لنا عليك، نامي كما تنام العروس في خدرها. ثم إنّها ماتت موتة ثانية.

وتصديق ذلك في كتاب الله تعالى قوله:( رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ ) (٣) .

__________________

(١) العبارة في ر: فقالت: الله ربي، وسئلت عن نبيها فقالت محمد نبيي.

(٢) من هنا إلى نهاية الباب ليست في ق، س.

(٣) غافر ٤٠: ١١.

٥٩

[١٨]

باب الإعتقاد في الرجعة

قال الشيخرحمه‌الله : اعتقادنا في الرجعة أنها حق.

وقد قال تعالى:( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّـهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ) (١) .

كان هؤلاء سبعين ألف(٢) بيت، وكان يقع فيهم الطاعون كل سنة، فيخرج الأغنياء لقوّتهم، ويبقى الفقراء لضعفهم. فيقل(٣) الطاعون في الّذين يخرجون، ويكثر في الّذين يقيمون، فيقولون الّذين يقيمون: لو خرجنا لم أصابنا الطاعون، ويقول الّذين خرجوا: لو أقمنا لأصابنا كما أصابهم.

فأجمعوا على أن يخرجوا جميعاً من ديارهم إذا كان وقت الطاعون، فخرجوا بأجمعهم، فنزلوا على شط بحر، فلمّا وضعوا رحالهم ناداهم الله: موتوا، فماتوا جميعاً، فكنستهم المارة عن الطريق، فبقوا بذلك ما شاء الله.

ثم مرّ بهم نبي من أنبياء بني إسرائيل يقال له إرميا، فقال: « لو شئت يا رب لأحييتهم فيعمروا بلادك، ويلدوا عبادك، وعبدوك مع من يعبدك ». فأوحى الله

__________________

(١) البقرة ٢: ٢٤٣.

(٢) في بعض النسخ: ألف أهل البيت.

(٣) في ق، س: يقع، وفي م، ر: فيدفع، وما أثبتناه من هامش الأخيرتين.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128