الإعتقادات

الإعتقادات42%

الإعتقادات مؤلف:
المحقق: عصام عبد السيد
الناشر: المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 128

الإعتقادات
  • البداية
  • السابق
  • 128 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 63542 / تحميل: 7725
الحجم الحجم الحجم
الإعتقادات

الإعتقادات

مؤلف:
الناشر: المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

تعالى إليه: « أفتحب أن أحييهم لك ؟ ». قال: « نعم ». فأحياهم الله وبعثهم معه.

فهؤلاء ماتوا ورجعوا إلى الدنيا، ثمّ ماتوا بآجالهم.

وقال تعالى:( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَـٰذِهِ اللَّـهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّـهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (١) .

فهذا مات مائة سنة ورجع إلى الدنيا وبقي فيها، ثم مات بأجله، وهو عزير(٢) .

وقال تعالى في قصة المختارين من قوم موسى لميقات ربّه:( ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (٣) .

وذلك أنّهم لما سمعوا كلام الله، قالوا: لا نصدّق به(٤) حتى نرى الله جهرة، فأخذتهم الصاعقة بظلمهم فماتوا، فقال موسىعليه‌السلام : « يا رب ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم ؟ ». فأحياهم الله له فرجعوا إلى الدنيا، فأكلوا وشربوا، ونكحوا النساء، وولد لهم الأولاد، ثمّ ماتوا بآجالهم.

وقال الله عزّوجلّ لعيسىعليه‌السلام :( وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِي ) (٥) .

فجميع الموتى الذين أحياهم عيسىعليه‌السلام بإذن الله رجعوا إلى الدنيا

__________________

(١) البقرة ٢: ٢٥٩.

(٢) في ر زيادة: وروي أنّه ارميا.

(٣) البقرة ٢: ٥٦.

(٤) أثبتناها من م.

(٥) المائدة ٥: ١١٠.

٦١

وبقوا فيها، ثمّ ماتوا بآجالهم.

وأصحاب الكهف( لَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا ) (١) .

ثمّ بعثهم الله فرجعوا إلى الدنيا ليتساءلوا بينهم، وقصّتهم معروفة.

فإن قال قائل: إنّ الله عزّوجلّ قال:( وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ ) (٢) .

قيل له: فإنّهم كانوا موتى، وقد قال الله تعالى:( قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَـٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَـٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ) (٣) . وإن قالوا كذلك فإنّهم كانوا موتى. ومثل هذا كثير.

وقد صحّ أنّ الرجعة كانت في الأُمم السالفة، وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « يكون في هذه الأمة مثل ما يكون في الأُمم السالفة، حذوا النعل بالنعل، والقذة بالقذة  »(٤) .

فيجب على هذا الأصل أن تكون في هذه الأُمّة رجعة.

وقد نقل مخالفونا أنه إذا خرج المهدي نزل عيسى بن مريم فيصلّي خلفه، ونزوله إلى الأرض رجوعه إلى الدنيا بعد موته(٥) لأن الله تعالى قال:( إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ) (٦) .

وقال:( وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا ) (٧) .

وقال تعالى:( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا ) (٨) .

__________________

(١) الكهف ١٨: ٢٥.

(٢) الكهف ١٨: ١٨.

(٣) يس ٣٦: ٥٢.

(٤) رواه مرسلاً المصنّف في كتاب الفقيه ١: ١٣٠ باب فرض الصلاة ح ٦٠٩.

(٥) في م: الموت.

(٦) آل عمران ٣: ٥٥.

(٧) الكهف ١٨: ٤٧.

(٨) النمل ٢٧: ٨٣.

٦٢

فاليوم الذي يحشر فيه الجميع(١) غير اليوم الذي يحشر فيه فوج.

وقال تعالى:( وَأَقْسَمُوا بِاللَّـهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّـهُ مَن يَمُوتُ بَلَىٰ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) (٢) يعني في الرجعة، وذلك أنّه يقول تعالى(٣) :( لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ ) (٤) والتبيين يكون في الدنيا لا في الآخرة.

وسأُجرّد في الرجعة كتاباً أُبيّن فيه كيفيتها والدلالة على صحّة كونها إن شاء الله.

والقول بالتناسخ باطل(٥) ومن دان بالتناسخ فهو كافر، لأنّ في التناسخ إبطال الجنّة والنار.

__________________

(١) في ق، س: الجمع.

(٢) النحل ١٦: ٣٨.

(٣) في ج، وهامش ر زيادة: بعد ذلك.

(٤) النحل ١٦: ٣٩.

(٥) العبارة في م: ونقول في التناسخ باطل.

٦٣

[١٩]

باب الإعتقاد في البعث بعد الموت

قال الشيخرضي‌الله‌عنه : اعتقادنا في البعث بعد الموت أنّه حق.

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « يا بني عبد المطلب، إنّ الرائد لا يكذب أهله. والذي بعثني بالحق نبيّاً، لتموتن كما تنامون، ولتبعثنّ كما تستيقظون، وما بعد الموت دار إلا جنّة أو نار ».

وخلق جميع الخلق وبعثهم على الله عزّوجلّ كخلق نفس واحدةٍ وبعثها(١) ، قال تعالى:( مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ) (٢) .

__________________

(١) ليست في م. والعبارة في ر: كخلق واحد وبعث نفس واحدة.

(٢) لقمان ٣١: ٢٨.

٦٤

[٢٠]

باب الإعتقاد في الحوض

قال الشيخرضي‌الله‌عنه : اعتقادنا في الحوض أنّه حق، وأنّ عرضه ما بين أيلة وصنعاء، وهو حوض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنّ فيه من الأباريق عدد نجوم السماء(١) وأنّ الوالي عليه يوم القيامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، يسقي منه أولياءهُ، ويذود عنه أعداءه، ومن شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً.

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ليختلجنّ قوم من أصحابي دوني وأنا على الحوض، فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأُنادي: يا ربّ، أصحابي. فيقال لي: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك »(٢) .

__________________

(١) في م: النجوم.

(٢) روى نحوه المصنّف في عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢: ٨٧ باب ما ذكر ما جاء عن الرضاعليه‌السلام من العلل ح ٣٣. وفي ر زيادة: « فأقول: سحقاً، سحقاً، لمن بدّل بعدي ». وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ليردنّ عليّ الحوض رجال ممّن صحبني، حتى إذا رأيتهم ورفعوا إليّ رؤوسهم اختلجوا، فأقولن: أي ربّ، أصحابي، أصحابي. فيقال لي: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ».

٦٥

[٢١]

باب الإعتقاد في الشفاعة

قال الشيخرحمه‌الله : اعتقادنا في الشفاعة أنّها لمن ارتضى الله دينه من أهل الكبائر والصغائر، فأما التائبون من الذنوب فغير محتاجين إلى الشفاعة.

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله الله شفاعتي »(١) .

وقالعليه‌السلام : « لا شفيع أنجح من التوبة »(٢) .

والشفاعة للأنبياء والأوصياء والمؤمنين والملائكة.

وفي المؤمنين من يشفع في مثل ربيعة ومضر، وأقل المؤمنين(٣) شفاعة من يشفع لثلاثين إنساناً.

والشفاعة لا تكون لأهل الشك والشرك، ولا هل الكفر والجحود، بل تكون للمذنبين من أهل التوحيد.

__________________

(١) رواه المصنّف مسنداً في أماليه: ١٦ المجلس الثاني ح ٤، وعيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ١٣٦ ح ٣٥.

(٢) رواه المصنّف في كتاب الفقيه ٣: ٣٧٦ باب معرفة الكبائر ح ١٧٧٩.

(٣) في ر زيادة: المحقّين.

٦٦

[٢٢]

باب الإعتقاد في الوعد والوعيد

قال الشيخرضي‌الله‌عنه : اعتقادنا في الوعد والوعيد أنّ من وعده الله على عمل ثواباً فهو منجزه له، ومن أوعده(١) على عمل عقاباً فهو فيه بالخيار، فإن عذّبه فبعدله، وإن عفا عنه فبفضله(٢) ، وما الله بظلّام للعبيد.

وقد قال تعالى:( إِنَّ اللَّـهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ) (٣) .

__________________

(١) في ر زيادة: الله.

(٢) العبارة في ر: وإن عفا فهو بفضله وكرمه.

(٣) النساء ٤: ٤٨.

٦٧

[٢٣]

باب الإعتقاد فيما يكتب على العبد

قال الشيخرضي‌الله‌عنه : اعتقادنا في ذلك أنّه ما من عبد إلا وله(١) ملكان موكلان به يكتبان عليه(٢) جميع أعماله.

ومن همّ بحسنة ولم يعملها كتب له حسنة، فإن عملها كتب له عشر حسنات، وإن همّ بسيّئة لم تكتب عليه(٣) حتى يعملها، فإن عملها(٤) كتب عليه سيئّة واحدة.

والملكان يكتبان على العبد كل شيء حتى النفخ في الرماد(٥) .

قال تعالى:( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ) (٦) .

ومرّ أمير المؤمنين عليعليه‌السلام برجل وهو يتكلّم بفضول الكلام، فقال:

« يا هذا، إنّك تملي على ملكيك كتاباً إلى ربّك، فتكلّم بما يعنيك، ودع ما لا

__________________

(١) له، ليست في ق، س.

(٢) أثبتناها من م.

(٣) أثبتناها من م.

(٤) في ج زيادة: أجّل سبع ساعات، فإن تاب قبلها لم تكتب عليه، وإن لم يتب.

(٥) في م: الرمال.

(٦) الانفطار ٨٢: ١٠ ـ ١٢.

٦٨

يعنيك »(١) .

وقالعليه‌السلام : « لا يزال الرجل المسلم يكتب محسناً ما دام ساكتاً، فإذا تكلّم كتب إمّا محسناً أو مسيئاً »(٢) .

وموضع الملكين من ابن آدم الترقوتان(٣) . صاحب اليمين يكتب الحسنات، وصاحب الشمال يكتب السيئات. وملكا النهار يكتبان عمل العبد بالنهار، وملكا الليل يكتبان عمل الليل.

[٢٤]

باب الإعتقاد في العدل

قال الشيخ أبو جعفررضي‌الله‌عنه : اعتقادنا أنّ الله تبارك وتعالى أمرنا بالعدل، وعاملنا بما هو فوقه، وهو التفضّل، وذلك أنه عزّوجلّ يقول:( مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ) (٤) .

والعدل(٥) هو أن يثيب على الحسنة، ويعاقب على السيّئة.

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا يدخل الجنّة رجل(٦) برحمة الله عزّوجلّ ».

__________________

(١) رواه مسنداً المصنّف في الأمالي: ٣٦ المجلس التاسع ح ٤.

(٢) رواه مسنداً المصنّف في ثواب الأعمال: ٢١٢ باب ثواب الصمت ح ٣، والخصال: ١٥ باب الواحد ح ٥٣.

(٣) في ق، س: النمرقان، وفي بحار الأنوار ٥: ٣٢٧: الشدقان.

(٤) الأنعام ٦: ١٦٠.

(٥) من هنا إلى نهاية الباب ليس في ق، س. والعبارة في ر، ج: والعدل هو أن يثيب على الحسنة الحسنة، ويعاقب على السيئة السيئة.

(٦) في ر، ج زيادة: « بعمله ».

٦٩

[٢٥]

باب الإعتقاد في الأعراف

قال الشيخرضي‌الله‌عنه : اعتقادنا في الأعراف أنّه سور بين الجنّة والنار، عليه رجال يعرفون كلاً بسيماهم(١) والرجال هم النبيّ وأوصياؤهعليهم‌السلام لا يدخل الجنّة إلا من عرفهم وعرفوه، ولا يدخل النار إلا من أنكرهم وأنكروه.

وعند الأعراف المرجون لأمر الله، إمّا يعذّبهم، وإمّا يتوب عليهم.

[٢٦]

باب الإعتقاد في الصراط

قال الشيخرضي‌الله‌عنه : اعتقادنا في الصراط أنّه حق، وأنّه جسر جهنّم، وأنّ عليه ممرّ جميع الخلق.

قال تعالى:( وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا ) (٢) .

والصراط في وجه آخر اسم حجج الله، فمن عرفهم في الدنيا وأطاعهم أعطاه الله جوازاً على الصراط الذي هو جسر جهنّم يوم القيامة(٣) .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي: « يا علي إذا كان يوم القيامة أقعد أنا وأنت وجبرئيل على الصراط، فلا يجوز على الصراط إلا من كانت معه براءة بولايتك »(٤) .

__________________

(١) إشارة إلى الآية ٤٦ من سورة الأعراف.

(٢) مريم ١٩: ٧١.

(٣) في م، ر زيادة: ويوم / يوم الحسرة والندامة.

(٤) وفي م: بولايتكم وفي المطبوعة: براة.

٧٠

[٢٧]

باب الإعتقاد في العقبات التي على طريق المحشر

قال الشيخرضي‌الله‌عنه : اعتقادنا في ذلك أنّ هذه العقبات أسم كل عقبة منها على حدة اسم فرض(١) ، أو أمر، أو نهي.

فمتى انتهى الإنسان إلى عقبة اسمها فرض، وكان قد قصّر في ذلك الفرض، حبس عندها وطولب بحق الله فيها.

فإن خرج منه بعمل صالح قدّمه(٢) أو برحمة تداركه، نجا منها إلى عقبة أخرى. فلا يزال يدفع من عقبة إلى عقبة، ويحبس عند كل عقبة، فيسأل عمّا قصّر فيه من معنى اسمها.

فإن سلم من جميعها انتهى إلى دار البقاء، فحيي حياة لا موت فيها أبداً، وسعد سعادة لا شقاوة معها أبداً، وسكن(٣) جوار الله مع أنبيائه وحججه والصديقين والشهداء والصالحين من عباده.

__________________

(١) العبارة في م: وأمّا العقبات التي على طريق المحشر فاسمها على حدة اسم فرض وفي هامشها: اعتقادنا في ذلك أن هذه العقبات اسم كل عقبة منها اسم فرض ومتن ق، س كهامش م بزيادة: اسمها، بعد: اسم كل عقبة منها. بينما أثبتت عبارة: فاسمها على حدة، بعد عنوان الباب. وما أثبتناه من ر.

(٢) في ر: قد عمله.

(٣) في ر: ويسكن في.

٧١

وإن حبس على عقبة فطولب بحق قصر فيه، فلم ينجه عمل صالح قدّمه، ولا أدركته من الله عزّوجلّ رحمة، زلت قدمه عن العقبة فهوى في(١) جهنم نعوذ بالله منها.

وهذه العقبات كلها على الصراط.

اسم عقبة منها: الولاية، يوقف جميع الخلائق عندها فيسألون عن ولاية أمير المؤمنين والأئمّة من بعدهعليهم‌السلام فمن أتى بها نجا وجاز(٢) ، ومن لم يأت بها بقي فهوى(٣) ، وذلك قوله تعالى:( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ ) (٤) .

واسم عقبة منها: المرصاد، وذلك قوله تعالى(٥) :( إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ) (٦) .

ويقول تعالى:( وعزّتي وجلالي لا يجوز بي ظلم ظالم) .

واسم عقبة منها: الرحم.

واسم عقبة منها: الأمانة.

واسم عقبة منها: الصلاة.

وباسم كل فرض أو أمر أو نهي عقبة يحبس عندها العبد فيسأل.

__________________

(١) في ر ج زيادة: نار.

(٢) في م، ق: جاوز.

(٣) في م، س: فبقي يهوي.

(٤) الصافّات ٣٧: ٢٤.

(٥) في ق، س: وهو قول الله عزوجل.

(٦) الفجر ٨٩: ١٤.

٧٢

[٢٨]

باب الإعتقاد في الحساب والميزان(١)

قال الشيخرضي‌الله‌عنه : اعتقادنا فيهما أنّهما حق(٢) .

منه ما يتولّاه الله تعالى، ومنه ما يتولّاه حججه. فحساب الأنبياء والرسل(٣) والأئمّةعليهم‌السلام يتولّاه الله عزّوجلّ، ويتولّى كل نبيّ حساب أوصيائه، ويتولّى الأوصياء حساب الأُمم.

والله تعالى هو الشهيد على الأنبياء والرسل، وهم الشهداء على الأوصياء، والأئمّة شهداء على الناس(٤) .

وذلك قوله عزّوجلّ:( لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ) (٥) .

وقوله عزّوجلّ:( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ شَهِيدًا ) (٦) .

__________________

(١) في ق، وهوامش النسخ: الموازين.

(٢) العبارة في ق، وهامش ر: اعتقادنا في الحساب أنّه حق.

(٣) ليست في ق، س وفي م غير واضحة.

(٤) العبارة في م: وهم الشهداء على الأُمم.

(٥) البقرة ٢: ١٤٣.

(٦) النساء ٤: ٤١.

٧٣

وقال عزّوجلّ:( أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ ) (١) .

والشاهد أمير المؤمنين.

وقال عزّوجلّ:( إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم ) (٢) .

وسئل الصادقعليه‌السلام : عن قول الله:( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ) قال: « الموازين الأنبياء والأوصياء »(٣) .

ومن الخلق من يدخل الجنّة بغير حساب.

فأمّا السؤال فهو واقع على جميع الخلق، لقوله تعالى:( فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ) (٤) يعني عن الدين.

وأمّا الذنب(٥) فلا يسأل عنه(٦) إلا من يحاسب.

قال تعالى:( فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ ) (٧) يعني من شيعة النبيّ والأئمّةعليهم‌السلام (٨) دون غيرهم، كما ورد في التفسير(٩) .

وكل محاسب معذّب ولو بطول الوقوف.

ولا ينجو من النار، ولا يدخل الجنّة أحد بعمله(١٠) ، إلا برحمة الله

__________________

(١) هود ١١: ١٧.

(٢) الغاشية ٨٨: ٢٥، ٢٦.

(٣) رواه مسنداً المصنّف في معاني الأخبار: ٣١: باب معنى الموازين ح ١. والآية الكريمة في سورة الأنبياء ٢١: ٤٧.

(٤) الأعراف ٧: ٦.

(٥) في بحار الأنوار ٧: ٢٥١: وأمّا غير الدين.

(٦) أثبتناها من م.

(٧) الرحمن ٥٥: ٣٩.

(٨) في ر زيادة: خاصّة.

(٩) رواه مسنداً المصنّف في فضائل الشيعة: ٧٦ ح ٤٣.

(١٠) في م، س: بعلمه.

٧٤

تعالى(١) .

والله تعالى يخاطب عباده من الأوّلين والآخرين بمجمل حساب عملهم مخاطبة واحدة، يسمع منها كل واحد قضيته دون غيرها، ويظن أنّه المخاطب دون غيره، ولا تشغله تعالى مخاطبة عن مخاطبة، ويفرغ من حساب الأوّلين والآخرين في مقدار(٢) ساعة من ساعات الدنيا.

ويخرج الله لكل إنسان كتابا يلقاه منشوراً، ينطق عليه بجميع أعماله، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها(٣) فيجعله الله حسيب نفسه(٤) والحاكم عليها، بأن يقال له:( اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ) (٥) .

ويختم الله تبارك وتعالى على أفواههم(٦) ، وتشهد أيديهم وأرجلهم وجميع جوارحهم بما كانوا يعملون(٧) ،( وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّـهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَـٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّـهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ ) (٨) .

وساُجرد كيفيّة وقوع الحساب في كتاب حقيقة المعاد.

__________________

(١) العبارة في ق: ولا يدخل الجنّة أحداً إلا بعمله وإلا برحمة الله تعالى.

(٢) في هامش م، ر زيادة: نصف.

(٣) في الفقرة هذه إشارة إلى الآية ١٣ من سورة الإسراء، والآية ٤٩ من سورة الكهف.

(٤) العبارة في م: فيجعل الله له محاسب نفسه، وفي البحار ٧: ٢٥١ و س: فيجعله الله حاسب نفسه.

(٥) الاسراء ١٧: ١٤.

(٦) في هامش ر: أفواه قوم.

(٧) في النسخ يكتمون، وما أثبتناه من هامش م، ر، وبلحاظ الآية ٦٥ من سورة يس، والآية ٢٠ من سورة فصّلت.

(٨) فصّلت ٤١: ٢١، ٢٢.

٧٥

[٢٩]

باب الإعتقاد في الجنّة والنار

قال الشيخ أبو جعفررحمه‌الله : اعتقادنا في الجنّة أنّها دار البقاء ودار السلامة(١) . لا موت فيها، ولا هرم، ولا سقم ولا مرض، ولا آفة، ولا زوال(٢) ، ولا زمانة، ولا غمّ، ولا همّ، ولا حاجة، ولا فقر.

وأنّها دار الغنى، والسعادة، ودار المقامة والكرامة، ولا يمس أهلها فيها نصب، ولا يمسّهم فيها لغوب(٣) لهم فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين، وهم فيها خالدون(٤) .

وأنّها دار أهلها جيران الله، وأولياؤه، وأحباؤه، وأهل كرامته. وهم أنواع(٥) مراتب:

منهم المتنعّمون بتقديس الله وتسبيحه وتكبيره في جملة ملائكته.

__________________

(١) في س: والسلامة، وفي هامش ر: دار السلام.

(٢) ليست في ق، س.

(٣) في م، س: لغوب. والعبارة إشارة إلى الآية ٣٥ من سورة فاطر.

(٤) إشارة إلى الآية ٧١ من سورة الزخرف.

(٥) في م زيادة: على والعبارة في ر قد تقرأ: وهم على مراتب.

٧٦

ومنهم المتنعّمون بأنواع المآكل والمشارب والفواكه والأرائك والحور العين، واستخدام الولدان المخلدين، والجلوس على النمارق والزرابي، ولباس السندس والحرير.

كل منهم إنّما يتلذّذ بما يشتهي ويريد(١) على حسب ما تعلّقت عليه(٢) همّته، ويعطى ما عبد(٣) الله من أجله.

وقال الصادقعليه‌السلام : « إنّ الناس يعبدون الله تعالى على ثلاثة أصناف: صنف منهم يعبدونه رجاء ثوابه، فتلك عبادة الحرصاء. وصنف منهم يعبدونه خوفا من ناره، فتلك عبادة العبيد. وصنف منهم يعبدونه حبّاً له، فتلك عبادة الكرام »(٤) .

واعتقادنا في النار أنّها دار الهوان، ودار الانتقام من أهل الكفر والعصيان، ولا يخلد فيها إلا أهل الكفر والشرك. وأمّا المذنبون من أهل التوحيد، فإنّهم يخرجون منها بالرحمة التي تدركهم، والشفاعة التي تنالهم.

وروي أنّه لا يصيب أحداً من أهل التوحيد ألم في النار إذا دخلوها، وإنّما تصيبهم الآلام عند الخروج منها، فتكون تلك الآلام جزاء بما كسبت أيديهم، وما

__________________

(١) في ق: ويزيد.

(٢) في ر: به.

(٣) أثبتناها من م، وفي النسخ: عند.

(٤) رواه مسنداً المصنّف في أماليه: ٤١ المجلس العاشر ح ٤، والخصال ١: ١٨٨ باب الثلاثة ح ٢٥٩. وفي م، ر: « ويعبدونه شوقاً إلى جنّته ورجاء ثوابه ». والحرصاء أثبتناها من ق، وفي س: الخدام، وفي م، ر: الخدام الحرصاء. وتمام الحديث في ج، وهامش ر، والمصدرين، هو: « وهو الآمن / وهم الأمناء، لقوله عزّوجلّ:( وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ) ». ( النمل ٢٧: الآية ٨٩ ).

٧٧

الله بظلام للعبيد.

وأهل النار هم المساكين(١) حقّاً،( لَا يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا ) (٢) و( لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا * إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا ) (٣) وإن استطعموا أطعموا من الزقوم، وإن استغاثوا( يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا ) (٤) .

وينادون من مكان بعيد(٥) :( رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا ) (٦) ،( رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ ) (٧) فيمسك الجواب عنهم أحيانا، ثم قيل لهم:( اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ ) (٨) ( وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ ) (٩) .

ورُوي(١٠) « أنّه يأمر الله تعالى برجال إلى النار، فيقول لمالك: قل للنار لا تحرقي لهم أقداماً، فقد كانوا يمشون بها إلى المساجد. ولا تحرقي لهم أيدياً، فقد كانوا يرفعونها إليّ بالدعاء. ولا تحرقي لهم ألسنة، فقد كانوا يكثرون تلاوة القرآن. ولا تحرقي لهم وجوها، فقد كانوا يسبغون الوضوء. فيقول مالك: يا أشقياء، فما كان حالكم ؟ فيقولون: كنا نعمل لغير الله، فقيل لهم: خذوا ثوابكم ممن عملتم

__________________

(١) في هامش ر: المشركون.

(٢) فاطر ٣٥: ٣٦.

(٣) النبأ ٧٨: ٢٤، ٢٥.

(٤) الكهف ١٨: ٢٩.

(٥) العبارة في ر: وينادون من كل مكان بعيد ويقولون.

(٦) فاطر ٣٥: ٣٧. والاستشهاد بهذه الآية الكريمة أثبتناه من.

(٧) (٨) المؤمنون ٢٣: ١٠٧، ١٠٨.

(٩) الزخرف ٤٣: ٧٧.

(١٠) في ر زيادة: بالأسانيد الصحيحة.

٧٨

له »(١) .

واعتقادنا في الجنّة والنار أنّهما مخلوقتان، وأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قد دخل الجنّة، ورأى النار حين عرج به.

واعتقادنا أنّه لا يخرج أحد من الدنيا حتى يرى مكانه من الجنّة أو من النار، وأن المؤمن لا يخرج من الدنيا حتى ترفع له الدنيا كأحسن ما رآها ويرى(٢) ، مكانه في الآخرة، ثم يخيّر فيختار الآخرة، فحينئذ تقبض روحه.

وفي العادة أن يقال(٣) : فلان يجود بنفسه، ولا يجود الإنسان بشيء إلا عن طيبة نفس، غير مقهور، ولا مجبور، ولا مكروه(٤) .

وأمّا جنّة آدم، فهي جنّة من جنان الدنيا، تطلع الشمس فيها وتغيب، وليست بجنّة الخلد، ولو كانت جنّة الخلد ما خرج منها أبداً.

واعتقادنا أنّ بالثواب يخلد أهل الجنّة في الجنّة(٥) وبالعقاب يخلد أهل النار في النار(٦) .

وما من أحد يدخل الجنّة حتى يعرض عليه مكانه من النار، فيقال له: هذا مكانك الذي لو عصيت الله لكنت فيه. وما من أحد يدخل النار حتى يعرض عليه مكانه من الجنّة، فيقال له: هذا مكانك الذي لو أطعت الله لكنت فيه.

__________________

(١) رواه مسنداً المصنّف في ثواب الأعمال: ٢٦٦ باب عقاب من عمل لغير الله، وعلل الشرائع: ٤٦٥ باب النوادر ح ١٨. وفي ق، س: « لتأخذوا ثوابكم ».

(٢) أثبتناها من م، ج. وفي النسخ: ويرفع.

(٣) في ق، س: نقول، وفي ر، ج: يقول الناس.

(٤) في ر وبحار الأنوار ٨: ٢٠٠: مكره.

(٥) في ر: بالجنّة، بدلاً عن: في الجنّة.

(٦) في ر: بالنار، بدلاً عن: في النار.

٧٩

فيورث هؤلاء مكان هؤلاء، وهؤلاء مكان هؤلاء(١) وذلك قوله تعالى:( أُولَـٰئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) (٢) .

وأقل المؤمنين منزلة في الجنّة من له مثل(٣) ملك الدنيا عشر مرّات(٤) .

__________________

(١) وهؤلاء مكان هؤلاء، أثبتناها من م. وراجع تفسير القمي ٢: ٨٩.

(٢) المؤمنون ٢٣: ١٠، ١١.

(٣) في م: فيها، وفي ر قد تقرأ: فيها مثل.

(٤) في ر زيادة نصّها:

واعتقادنا أنّه لا يخرج أحد من الدنيا حتى يرى ويعلم ويتيقّن أي المنزلتين يصير إليهما، إلى الجنّة أم إلى النار، أعدو الله أم وليّ الله.

فإن كان ولياً لله، فتحت له أبواب الجنّة، وشرعت له طرقها، وكشف الله عن بصره عند خروج روحه من جسده ما أعد الله له فيها، قد فرغ من كل شغل، ووضع عنه كل ثقل.

وإن كان عدوا لله، فتحت له أبواب النار، وشرعت طرقها، وكشف الله عزّوجلّ عن بصره ما أعد الله له فيها، فاستقبل كل مكروه، وترك كل سرور.

وكل هذا يكون عند الموت، وعندكم يكون بيقين [ كذا، ولعلها: يقين ] وتصديق هذا في كتاب الله عزّوجلّ على لسان نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله ( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) ( النحل ١٦: ٣٢ ).

ويقول( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلَىٰ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ) ( النحل ١٦: ٢٨، ٢٩ ).

٨٠

لم يؤجر وإن نقص منه أثم ما دارت عليه السبابة والوسطى والإبهام من قصاص

_________________________________________

الوجه وهو لفظة « ما » إن جوزنا الحال عن الخبر ، أو حال عن الضمير المجرور العائد إلى الموصول على تقدير أن تكون لفظة عليه موجودة في النسخ ، ولفظة « من » فيه ابتدائية ، وإلى الذقن مثل من القصاص على جميع التقادير.

ولفظة « من » في قولهعليه‌السلام « وما جرت عليه الإصبعان من الوجه » بيان « لما ». ولفظة مستديرا إما حال من الوجه ، أو عن ضمير عليه ، أو عن الموصول إن جوزناه ، وإما صفة مفعول مطلق محذوف ، ويحتمل أن يكون تميزا عن نسبة جملة « جرت » إلى فاعلها ، أي ما جرت الإصبعان عليه بالاستدارة ، مثله في قولهم ( لله درة فارسا ) ، وجملة « ما جرت » وقع تأكيد السابقة بأن تكون لفظة من في قوله « من قصاص » ابتدائية لتحديد الوجه على ما هو الظاهر من الكلام ، أو يكون تأسيسا ، ولفظة من ابتدائية للغسل على ما قيل ، وضمائر « منه » و « عليه » في كلامه كلها راجعة إلى الوجه.

تبصرة

اعلم أن المسؤول في كلام زرارة ، هو أبو جعفر محمد بن علي الباقر صلوات الله عليه كما صرح به الصدوق في الفقيه وغيره من أصحابنا ، وقال الشهيد في الذكرى ، وفي الفقيه قال زرارة لأبي جعفرعليه‌السلام أخبرني عن حد الوجه الحديث بعينه ، وهو دليل على أن المضمر ، هناك هو الباقرعليه‌السلام كما رواه ابن الجنيد ، والشيخ في الخلاف أسنده عن حريز عن أحدهماعليهما‌السلام وتبعه في المعتبر انتهى.

ولا يستر عليك أن في كل نسخ التهذيب والكافي التي عندنا عبارة الحديث « ما دارت السبابة والوسطى والإبهام » وفي بعض نسخ هذا الكتاب بزيادة لفظة « عليه » لكن في كل نسخ الفقيه « ما دارت عليه الوسطى والإبهام » بدون

٨١

الرأس إلى الذقن وما جرت عليه الإصبعان من الوجه مستديرا فهو من الوجه وما سوى ذلك فليس من الوجه قلت الصدغ ليس من الوجه قال لا.

_________________________________________

لفظة السبابة ولعله الصواب لأن زيادة السبابة ليست فيها فائدة ظاهرا ، ويمكن أن يتكلف بأن يقال : يمكن أن يكون المراد التخيير بين ما دارت عليه السبابة والوسطى والإبهام ، أو يكون مما دارت عليه الثلاثة الحد الطولي والعرضي ، فالطولي ما دارت عليه السبابة والإبهام ، لأن ما بين القصاص إلى الذقن بقدره غالبا ، والعرضي ما دارت عليه الوسطى ، والإبهام ، وحينئذ يكون قولهعليه‌السلام « من قصاص شعر الرأس إلى الذقن » تماما للحدين معا ، ويمكن توجيهات أخر غير ما ذكر كما لا يخفى على المتأمل ، والله أعلم بحقيقة المراد.

ثم اعلم أن قولهعليه‌السلام « لا ينبغي لأحد أن يزيد عليه » مع قوله « إن زاد عليه لم يؤجر » يحتمل معان :

أحدهما : أن يكون المراد من لا ينبغي الكراهة ، كما هو الظاهر من إطلاقه في الأخبار مع قرينة ـ إن زاد عليه لم يؤجر ـ لأن التعبير بهذه العبارة غالبا في المستحبات والمكروهات باعتبار أنه أتى بالمأمور به مع زيادة لغو ، أو يحمل على أنه ليس فعله الزيادة لقصد كونه مأمورا به ، وإلا لكان تشريعا حراما إما الفعل أو القصد ، على ما فصله الأصحاب في زبرهم.

وثانيها : أن يكون المراد منه الحرمة ويحمل على إن فعله الزيادة بقصد كونه مأمورا به ، فيكون تشريعا حراما ، وعلى هذا يكون هذا مؤيدا لحرمة الفعل أيضا مع القصد.

وثالثها : أن يكون المراد أعم من الحرمة والكراهة باعتبار الفردين اللذين ذكرا.

وكذا قولهعليه‌السلام « إن نقص عنه أثم » يحتمل وجوها :

الأول : أن يكون الإثم والعقاب باعتبار الاكتفاء بذلك الوضوء الذي ترك

٨٢

_________________________________________

فيه المأمور به لكون وضوئه وصلاته باطلين واكتفى بهما فيأثم ويعاقب على تركهما.

والثاني : أن يكون باعتبار أن هذا الوضوء والصلاة تشريع حرام ، فيأثم على فعلهما وإن لم يكتف بهما. هذا إذا اعتقد وقصد شرعيته ، وهذا أيضا كسابقه فلا تغفل.

والثالث : أن يكون أعم منهما فتأمل.

فائدة

اعلم أنه لا خلاف بين علماء الإسلام في وجوب غسل الوجه في الوضوء ، وكذا لا خلاف بينهم سوى الزهري في أن ما يجب غسله في الوضوء من الوجه ليس خارجا عن المسافة التي هي من قصاص شعر الرأس إلى طرف الذقن طولا ومن وتد الأذن إلى وتد الأذن عرضا ، لكنهم اختلفوا في حده ، فمنهم من حده بأنه من قصاص شعر الرأس إلى الذقن طولا ، وما دارت عليه الإبهام والوسطى عرضا ، وهذا هو المشهور بين الأصحاب بل كاد أن يكون إجماعا.

وادعى العلامة في المنتهى ، والمحقق في المعتبر ، أنه مذهب أهل البيتعليهم‌السلام ، ثم قال العلامة : وبه قال مالك ، وقال الشافعي ، وأبو حنيفة ، وأحمد : ما بين العذار والأذن من الوجه ، وذهب الزهري إلى أن الأذنين من الوجه يغسلان معه ، وقال الشعبي ، والحسن البصري ، وإسحاق يغسل ما أقبل ويمسح ما أدبر ، ثم اختلف الشافعي وأبو حنيفة فقال الشافعي : المستحب استئناف ماء جديد لهما ، وقال أبو حنيفة يمسحهما بماء الرؤوس ، واتفق أهل العلم على أن مسحهما غير واجب إلا ما يحكى عن إسحاق بن راهويه من إيجاب مسحهما ، وقال أيضا ونقل شارح الطحاوي ، عن أبي يوسف ، أنه روي عنه إذا نبتت اللحية زال العذار عن حد الوجه. وقال بعض الحنابلة الصدغان من الوجه انتهى كلامه أعلى الله مقامه.

٨٣

_________________________________________

ومن جملة ما استدل على المذهب المشهور بين الأصحاب هذه الرواية ، لكنهم اختلفوا في معنى هذا الخبر ، فمعناه على ما فهمه أكثر الأصحاب أن قولهعليه‌السلام : « ما دارت عليه الإبهام والوسطى » بيان لعرض الوجه وقولهعليه‌السلام « من قصاص شعر الرأس إلى الذقن » لطوله وقولهعليه‌السلام : « وما جرت عليه الإصبعان » تأكيد لبيان العرض ، وحملها المحقق البهائي طاب ثراه على معنى آخر ، وادعى في بعض حواشيه أن هذا يستفاد من كلام بعض أصحابنا المتقدمين ، فإنهم حددوا الوجه بما حواه الإبهام والوسطى ولم يخصوا ذلك بالعرض كما فعل المتأخرون ، ونقل في المختلف مثله عن ابن الجنيد ، والمعنى الذي حمل عليه الخبر هو أن كلا من طول الوجه وعرضه ما اشتمل عليه الإبهام والوسطى ، بمعنى أن الخط الواصل من القصاص إلى طرف الذقن وهو مقدار الإصبعين غالبا إذا فرض ثبات وسطه وأدير على نفسه فيحصل شبه دائرة فذلك القدر هو الذي يجب غسله.

وقال في الحبل المتين : وذلك لأن الجار والمجرور في قولهعليه‌السلام « من قصاص شعر الرأس » إما متعلق بقوله دارت ، أو صفة مصدر محذوف والمعنى أن الدوران يبتدئ من القصاص منهيا إلى الذقن ، وإما حال من الموصول الواقع خبرا عن الوجه وهو لفظة « ما » إن جوزنا الحال عن الخبر ، والمعنى أن الوجه هو القدر الذي دارت عليه الإصبعان حال كونه من القصاص إلى الذقن ، فإذا وضع طرف الوسطى مثلا على قصاص الناصية وطرف الإبهام على آخر الذقن ، ثم أثبت وسط انفراجهما ودار طرف الوسطى مثلا على الجانب الأيسر إلى أسفل ودار طرف الإبهام على الجانب الأيمن إلى فوق تمت الدائرة المستفادة من قولهعليه‌السلام مستديرا وتحقق ما نطق به قولهعليه‌السلام : « ما جرت عليه الإصبعان مستديرا » فهو من الوجه انتهى كلامه أعلى الله مقامه.

أقول : وأنت خبير بأنه وإن دقق في إبداء هذا الوجه لكن الظاهر أن

٨٤

_________________________________________

حمل الرواية عليه بعيد جدا كما لا يخفى ، وما استدل به على عدم صحة توجيه القوم فسيجيء تفصيل القول فيه إن شاء الله تعالى.

ثم اعلم أن أصحابنا رضوان الله عليهم بعد اتفاقهم ظاهرا في تحديد الوجه بأنه من قصاص شعر الرأس إلى الذقن طولا وما جرت عليه الإبهام والوسطى عرضا ، اختلفوا فيه اختلافا كثيرا فمن ذلك ما اختلفوا في أن الصدغ هل هو من الوجه الذي أمر الله عز وجل بغسله أم لا ، ذهب أصحابنا إلى أنه ليس من الوجه ولا يجب غسله ، إلا الراوندي على ما نقل عنه في الذكرى حيث قال : وظاهر الراوندي في الأحكام غسل الصدغين والرواية تنفيه ، انتهى. وكذا العامة إلا بعض الحنابلة على ما نقلنا عنهم من المنتهى.

وقال شيخنا البهائي : بعد ما نقلنا عنه وبهذا يظهر أن كلا من طول الوجه وعرضه قطر من أقطار تلك الدائرة من غير تفاوت ، ويتضح خروج النزعتين والصدغين عن الوجه وعدم دخولها في التحديد المذكور فإن أغلب الناس إذا طبق انفراج الإصبعين على ما بين قصاص الناصية إلى طرف ذقنه ، وأدارهما على ما قلناه ، ليحصل شبه دائرة وقعت النزعتان والصدغان خارجة عنها ، وكذلك يقع العذاران ومواضع التحذيف كما يشهد به الاستقراء والتتبع ، وأما العارضان فيقع بعضها داخلها والبعض خارجا عنها فيغسل ما دخل ويترك ما خرج على ما يستفاد من الرواية ، وحينئذ يستقيم التحديد المذكور فيها ، ويسلم عن القصور ، ولا يدخل فيه ما هو خارج ولا يخرج ما هو داخل فتأمل انتهى.

وقال طاب ثراه ، قبل ذلك : والذي استفاده الأصحاب رضوان الله عليهم من هذه الرواية أن الحد الطولي من القصاص إلى طرف الذقن ، والحد العرضي ما حواه الإبهام والوسطى ، وهذا التحديد يقتضي بظاهره دخول النزعتين والصدغين والعارضين وموضع التحذيف في الوجه وخروج العذارين ، لكن النزعتان وإن

٨٥

_________________________________________

كانتا تحت القصاص فهما خارجان عن الوجه عند علمائنا ولذلك اعتبروا قصاص الناصية وما على سمته من الجانبين في عرض الرأس ، وأما الصدغان فهما وإن كانا تحت الخط العرضي المار بقصاص الناصية ويحويهما الإصبعان غالبا إلا أنهما خرجا بالنص.

وأما العارضان فقد قطع العلامة في المنتهى بخروجهما وشيخنا الشهيد في الذكرى بدخولهما وربما يستدل بالدخول بشمول الإصبعين لهما وأما مواضع التحذيف فقد أدخلها بعضهم لاشتمال الإصبعين عليها غالبا ووقوعها تحت ما يسامت قصاص الناصية وأخرجها آخرون لنبات الشعر عليها متصلا بشعر الرأس وبه قطع العلامة في التذكرة.

وأما العذاران فقد أدخلهما بعض المتأخرين وقطع المحقق والعلامة بخروجهما ، للأصل ولعدم اشتمال الإصبعين عليهما غالبا وعدم المواجهة بهما ، وإذا تقرر هذا ظهر لك أن ما فهمه الأصحاب رضي الله عنهم من هذه الرواية يقتضي خروج بعض الأجزاء عن حد الوجه مع دخوله في التحديد الذي عينهعليه‌السلام فيها ودخول البعض فيه مع خروجه عن التحديد المذكور ، وكيف يصدر مثل هذا التحديد الظاهر القصور الموجب لهذا الاختلاف عن الإمامعليه‌السلام فلا بد من إمعان النظر في هذا المقام انتهى كلامه أعلى الله مقامه.

وأقول : أما عدم دخول الصدغ في القدر الواجب غسله فلم نعرف فيه خلافا ، سوى ما ذكره الشهيد في الذكرى ، من أن ظاهر الراوندي في الأحكام غسل الصدغين ويدل عليه صريحا الرواية المتقدمة ، ودخوله تحت التحديد المذكور لشمول الإصبعين له غالبا ليس بظاهر بعد ورود النص بخروجه ، وقد قيل : إن التحديد المذكور إنما يعتبر في وسط التدوير من الوجه خاصة مع أن في شمول الإصبعين له أيضا تأمل وكذا في دخوله في الوجه ، وهذا من جملة ما

٨٦

_________________________________________

ذكره المحقق البهائي أنه داخل في التحديد وخارج عن الحد وقد عرفت الحال فيه مع أن الوجه الذي ذكره أيضا قريب مما ذكره القوم في هذا المعنى ، إذ على ذلك الوجه أيضا يدخل بعض الصدغ فيما يدار عليه الإصبعان.

ثم إنك قد عرفت فيما سبق أن الصدغ قد يطلق ويراد به كل ما بين العين والأذن ، وقد يطلق ويراد به الموضع الذي عليه الشعر ، وهو ما فوق العذار ، ويمكن أن يحمل الصدغ الذي وقع في كلام زرارة وكلامهعليه‌السلام على المعنى الثاني وحينئذ لا يحتاج إلى القيل والقال لأن الإصبعين لا يحويهما ولا بعضا منهما على جميع التقادير قطعا ويصير مطابقا لما عرفه العلامة والشهيد نور الله مرقدهما به ، والصدغ الذي في كلام الراوندي على البعض الذي لا شعر عليه ويشملهما الإصبعان لئلا يكون مخالفا للرواية وإجماع الأصحاب ، ويمكن أن يكون الصدغ الذي وقع في الرواية بالمعنى الأول ويكون نفيهعليه‌السلام رفعا للإيجاب الكلي أي ليس كل الصدغ من الوجه بل بعضه خارج وبعضه داخل والأول أظهر والله تعالى يعلم.

ومن ذلك ما اختلفوا في أن العذار هل هو من الوجه الذي أمر الله عز وجل بغسله أم لا ، فالظاهر من كلام الشيخ في المبسوط والخلاف وكذا من كلام ابن الجنيد دخوله في الوجه ، ويلوح أيضا من كلام ابن أبي عقيل على ما نقل الشهيد (ره) في الذكرى عنهم ، وكذا ذهب العلامة إلى الخروج في المنتهى حيث قال : لا يجب غسل ما خرج عما حددناه ولا يستحب كالعذار ، وكذا في جملة من كتبه بل ظاهر كلامه في التذكرة دعوى الإجماع منا عليه ، وكذا المحقق في المعتبر ، وبهذا يشعر أيضا كلام الشيخ (ره) في التهذيب وكذا الشهيد في الدروس حيث قال : وليس الصدغ والعذاران منه وإن غسلها كان أحوط.

والتحقيق ، أنه لا نزاع بينهم في الحقيقة بل القائلون بالدخول إنما

٨٧

_________________________________________

يريدون به دخول بعض منه مما يشمله الإصبعان والقائلون بالخروج يريدون خروج البعض الأخر كما يشعر به تتبع كلماتهم ، وبالجملة ما يقتضيه الدليل ظاهرا هذا التفصيل للرواية السابقة فمن ذهب إلى خلافه إما بإدخال القدر الخارج مما بين الإصبعين ، أو بإخراج القدر الداخل فلا يعتد بقوله ، أما الثاني فظاهر لمنافاته للرواية بل للاية أيضا لأن الوجه إنما يشمله ظاهرا وأما الأول فلمنافاته للرواية.

وما يقال : إن الوجه إنما يصدق عليه فإخراجه بالرواية مشكل لأنه من باب تخصيص الكتاب بالخبر ، وأيضا التكليف اليقيني لا بد فيه من البراءة اليقينية.

ففيه : أولا : أن ظهور صدق الوجه على القدر الزائد ممنوع بل غاية الأمر الاحتمال والرواية مبينة ، وهذا مما لا مجال للتوقف في صحته ولو سلم الظهور أيضا فنقول الظاهر إن تخصيص الكتاب بالخبر جائز وما ذكروا في عدم جوازه مدخول ، وموضعه في الأصول ، والقول بأن التكليف اليقيني لا بد له من البراءة اليقينية ولا بد في امتثاله من الإتيان بالأفراد المشكوكة أيضا حتى يخرج عن العهدة بيقين ، مما يعسر إثباته بل القدر الثابت أن الإتيان بالقدر اليقيني أو الظني كاف في الامتثال.

وما يقال أيضا إن غسله واجب من باب المقدمة ، وإن العارض يجب غسله مع اتصاله به وعدم مفصل يقف الغسل عليه دون العذار فيجب غسله أيضا ـ فضعفه ظاهر لكن الاحتياط في غسله بل في غسل الصدغ أيضا وهذا أيضا من جملة ما ذكره الشيخ البهائي (ره) أنه خارج عن التحديد وداخل في الحد عند بعض المتأخرين.

وأنت خبير بما فيه بل نقول يظهر من كتب اللغة ومن الأصحاب رضوان الله عليهم إن العذار هو الشعر المتصل بالإذن كما أنه في الدابة موضع السير

٨٨

_________________________________________

الذي هو متصل بإذنه ولا ريب في أن هذا الموضع لا يحويهما الإصبعان على جميع التقادير كما لاحظناه مرارا من أكثر الناس الذين خلقتهم مستوية ، وما يحويهما من بعض الشعرات التي هي محاذية لشحمتي الأذن مما يلي الخد فظاهر أنها ليست من العذار كما لا يخفى على المتأمل في كلام القوم.

ومن ذلك ما اختلفوا في العارض هل هو من الوجه الذي أمر الله عز وجل بغسله أم لا فذهب الشهيد طاب ثراه في الذكرى ، والدروس إلى أنه من الوجه قطعا ، وكذا الشهيد الثانيقدس‌سره بل ظاهر كلامه دعوى الإجماع عليه ، وذهب العلامة في المنتهى إلى عدم وجوب غسله ولا استحبابه من غير ذكر خلاف فيه ، وقال في النهاية والعارض وهو ما ينحط عن القدر المحاذي للأذن لا يجب غسل ما ما خرج عن حد الإصبعين منهما لخروجهما عن اسم الوجه والظاهر أن مرادهرحمه‌الله مما ذكر في المنتهى ذلك والكلام في هذه المسألة أيضا كالكلام في سابقتها من أن الظاهر فيها أيضا التفصيل السابق.

قولهعليه‌السلام « وما جرت عليه الإصبعان من الوجه » ومن ذلك النزعتان هل هما من الوجه أم لا فقد صرح اللغويون بأنهما من الرأس ، والظاهر أنه لا خلاف بينهم في ذلك وأكثر علمائنا أيضا قد صرحوا بذلك ، مثل العلامة في المنتهى ، والشهيد (ره) في الذكرى حيث قال : لا يجب غسل النزعتين وهما البياضان المكتنفان للناصية أعلى الجبين كما لا يجب غسل الناصية ولأن القصاص غالبا في حد التسطيح الذي ينفصل به الوجه عن الرأس لأن ميل الرأس إلى التدوير والنزعتان والناصية في محل التدوير.

وكذا في الدروس حيث قال : ولا يجب غسل النزعتين وهما البياضان المكتنفان للناصية في أعلى الجبين. وقال السيد المحقق صاحب المدارك : أما النزعتان ، وهما البياضان المحيطان بالناصية فلا يجب غسلهما كما لا يجب غسل

٨٩

_________________________________________

الناصية وكذا غيرهم من الأصحاب والظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في ذلك حيث إنهم لم ينقلوا الخلاف فيها كما لا ينقلوا الإجماع ، بل الظاهر أن المسلمين متفقون في ذلك حيث لم ينقل الخلاف من أحد منهم والله تعالى يعلم وخلفاؤه.

ومن ذلك ما اختلفوا في مواضع التحذيف فالظاهر من كلام السيد المدقق صاحب المدارك وجوب غسله وكونه من الوجه حيث قال : ويستفاد من تحديد الوجه من أعلاه بمنابت شعر الرأس وجوب غسل مواضع التحذيف فالأحوط أنها من الوجه لاشتمال الإصبعين على طرفها غالبا ولوقوعها في التسطيح والمواجهة.

وذهب العلامة (ره) في المنتهى إلى العدم وكذا في التذكرة حيث قال : إنه ليس من الوجه لنبات الشعر عليه فهو من الرأس ، وللشافعي وجهان ، أحدهما أنه من الوجه ولذلك تعتاد النساء إزالة الشعر عنه وبه سمي موضع التحذيف والأولى أن لا يحذفه من حيث دخوله في التسطيح والتحديد ، وكونه منبت الشعر ليس بضائر لعدم القطع بأنه مما يعد من شعر الرأس لكن لما كان يشك في كونه شعر الرأس وقد علمت أن القدر المشكوك لا دليل على وجوب الإتيان به في التكاليف اليقينية ، فالظاهر ههنا أيضا عدم الوجوب ، لكن الأولى الأخذ بالاحتياط التام وعدم ترك غسله خروجا عن الخلاف.

ومن ذلك البياضان الواقعان بين الأذن والعذار فلا خلاف بين أصحابنا في عدم الدخول ولا يشملها الإصبعان قطعا ولا يحصل بهما المواجهة ، فلا وجوب فيه ، ولا احتياط ، وممن صرح بذلك السيد المدقق صاحب المدارك ، والعلامة (ره) في المنتهى ، والتذكرة حيث قال : لا يجب غسل ما بين الأذنين والعذار من البياض عندنا ، وبه قال مالك لأنه ليس من الوجه ، وقال الشافعي يجب على الأمرد ، والملتحي ، وقال أبو يوسف يجب على الأمرد خاصة ، انتهى.

٩٠

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ومحمد بن الحسين ، عن صفوان ، عن العلاء ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهماعليهما‌السلام قال سألته عن الرجل يتوضأ أيبطن لحيته قال لا.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن عبد الله بن محمد بن عيسى ، عن أبيه ، عن ابن المغيرة

_________________________________________

تتمة

اعلم أن لهذا الخبر على ما نقل في الفقيه تتمة وهو قوله « قال زرارة قلت له أرأيت ما أحاط به الشعر فقال : كلما أحاط الله به من الشعر فليس على العباد أن يطلبوه ولا يبحثوا عنه ، ولكن يجري عليه الماء » انتهى ، وأقول : إذا قلت لشخص أرأيت زيدا؟ فتارة تقصد بهذا الكلام معناه الظاهري وهو السؤال عن أنه رآه أو لم يره ، والجواب حاله كذا وكذا ، وهذا المعنى هو المراد هنا فكأنه قال أخبرني عن حكم ما أحاط به الشعر متعلق بأحاط به الشعر هل يغسل أم لا على ما ذكره الشيخ البهائي ويقال بحثت عن الشيء وأبحثت عنه على ما ذكره الجوهري ، والجار والمجرور في قولهعليه‌السلام « وهو من الشعر » متعلق ـ بأحاط ـ والجملة صلة للموصول ، و « من » هنا إما تبعيضية بتأويل البعض حتى يكون فاعلا للفعل ، أو ابتدائية ، والفاعل حينئذ هو الله سبحانه ، ويمكن أن يكون بيانية لما والفاعل ضمير « له » والضمير المجرور للوجه والمعنى أخبرني عما أحاط الشعر به ، وستر بشرة الوجه هل يجب غسله بالتخليل ، وإجراء الماء على باطن الشعر أم لا ، فقالعليه‌السلام كل جزء من أجزاء الوجه ، أحاط بأي نوع من أنواع الإحاطة أي الشعر كان من شعر اللحية ، والعنفقة ، والسبال ، والحاجبين ، والأهداب ، والخدين فليس يلزم على العباد مطالبة ما تحت الشعر من البشرة ولا البحث والتفتيش عنه ولكن يجري على ظاهر الشعر الماء.

الحديث الثاني : صحيح.

٩١

عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا تضربوا وجوهكم بالماء ضربا إذا توضأتم ولكن شنوا الماء شنا.

٤ ـ علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن إسماعيل بن مهران قال كتبت إلى الرضاعليه‌السلام أسأله عن حد الوجه فكتب من أول الشعر إلى آخر الوجه وكذلك الجبينين.

_________________________________________

قولهعليه‌السلام : « أيبطن » بتشديد الطاء ، والمراد يدخل الماء إلى باطن لحيته أي إلى ما تحتها مما هو مستور بشعرها ، وقال في النهاية : بطنت بك الحمى أي أثرت في باطنك ، يقال : بطنه الداء يبطنه ، ويدل على عدم وجوب التخليل مطلقا وربما يخص بالكثيف فيجب تخليل الخفيف وهو أحوط ، وإن كان الأظهر عدم الوجوب تفصيله في كتب الأصحاب.

الحديث الثالث : مجهول أو ضعيف.

وفي النهاية : فيه « إذا حم أحدكم فليشن عليه الماء » أي فليرشه رشا متفرقا.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور.

قوله : « أسأله » الظاهر أنه حال من فاعل كتبت ، ويحتمل أن يكون استئنافا بتقدير سؤال ، ويحتمل أن يكون عطف بيان عن جملة كتبت على قول من جوزه في الجملة ، كما قيل في قوله تعالى «فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ » وابن هشام منع منه ، وأن يكون بدلا من كتبت كما في قوله تعالى «وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ » أو يقدر فيها لام كي وإن كان تقدير الحرف بعيدا فتدبر.

قولهعليه‌السلام « وكذلك الجبينين » الظاهر الجبينان ولعله على الحكاية ويحتمل أن يكون المراد أن الجبينين أيضا داخلان في حد الوجه ، أو من جهة الجبينين أيضا الابتداء من الشعر ، والانتهاء إلى آخر الوجه فيكون المراد من أول

٩٢

٥ ـ محمد بن الحسن وغيره ، عن سهل بن زياد ، عن علي بن الحكم ، عن الهيثم بن عروة التميمي قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله عز وجل : «فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ » فقلت هكذا ومسحت من ظهر كفي إلى المرفق فقال ليس هكذا تنزيلها إنما هي فاغسلوا وجوهكم وأيديكم من المرافق ثم أمر يده من مرفقه إلى أصابعه.

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أخيه إسحاق بن إبراهيم ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال فرض الله على النساء في الوضوء للصلاة أن يبتدئن بباطن أذرعهن وفي الرجال بظاهر الذراع.

٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي نجران ، عن عاصم بن حميد ، عن

_________________________________________

الشعر في الأول من الجبهة.

الحديث الخامس : ضعيف على المشهور.

قولهعليه‌السلام « هكذا تنزيلها » أي مفادها ومعناها بأن يكون المراد بلفظة « إلى » من ، أو المعنى أن « إلى » في الآية غاية للمغسول لا الغسل فلا يفهم الابتداء من الآية ، وظهر من السنة أن الابتداء من المرفق ، فالمعنى أنه لا ينافي الابتداء من المرفق لا أنه يفيده ، وفيه بعد ، والظاهر أنه كان في قراءتهمعليهم‌السلام هكذا.

الحديث السادس : مجهول.

وقال والد شيخنا البهائي رحمهما الله : تضمن هذا الحديث بدأة كل من الرجل والمرأة ولم يذكر أنهما في الغسلة الثانية يبتدئان بغير ذلك أو بمثله والموجود في كلام المتأخرين الأول ومستندهم غير واضح وقال الشيخ البهائي (ره) : ثم لا يخفى أن الحديث دال على الوجوب وحمله على الاستحباب بعيد جدا.

الحديث السابع : حسن.

وقال بعض الأصحاب : إن المراد ما بقي من المرفق إن لم يقطع منه ،

٩٣

محمد بن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال سألته عن الأقطع اليد والرجل قال يغسلهما.

٨ ـ وعنه ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن رفاعة ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي ، عن رفاعة قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الأقطع قال يغسل ما قطع منه.

٩ ـ محمد بن يحيى ، عن العمركي ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفرعليه‌السلام قال سألته عن رجل قطعت يده من المرفق كيف يتوضأ قال يغسل

_________________________________________

وبعضهم وإن قطع منه أيضا ، وابن الجنيد ما بقي من العضد ، والذي أفاده الوالد العلامةرحمه‌الله أن السؤال عن حكم الأقطع اليد والرجل ، وأنه كيف يصنع بهما ، فأجابعليه‌السلام بأنه يغسلهما من التغسيل لأنهما عضوان مشتملان على العظم ، ولا يخفى لطفه ودقته ، ويؤيد ما أفادهرحمه‌الله أنه يحتاج غيره إلى تكلف في نسبة الغسل إلى الرجل إما تغليب أو غيره ، فلا تغفل.

الحديث الثامن : صحيح.

وحمل الوالدرحمه‌الله بهذا الخبر ألصق ، وفيه أظهر وأبين كما لا يخفى.

الحديث التاسع : صحيح.

قولهعليه‌السلام : « من عضده » على مذهب ابن الجنيد « من » بيانية ، وعلى غيره تبعيضية ، لأن بعضا من المرفق من العضد ، قال الشيخ البهائي (ره) : المراد بما بقي طرف عظم العضد المتصل بطرف الذراع ، وهو يدل على أن وجوب غسل المرفق بالأصالة لا من باب المقدمة ، وقال المحقق التستري (ره) كان المراد غسل ما بقي إلى المرفق لا أنه قطع المرفق فيغسل ما فوقه.

وجملة القول في ذلك ، أنه لا يخلو أن يكون قطع اليد ، أما من تحت المرفق فيجب غسل الباقي إجماعا ، أو من فوقه فيسقط الغسل ، ونقل عليه في المنتهى

٩٤

ما بقي من عضده.

١٠ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن ابن بكير ، عن زرارة قال سألت أبا جعفرعليه‌السلام أن أناسا يقولون إن بطن الأذنين من الوجه وظهرهما من الرأس فقال ليس عليهما غسل ولا مسح.

(باب)

(مسح الرأس والقدمين)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن شاذان بن الخليل النيسابوري ، عن معمر بن عمر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال يجزئ من المسح على الرأس موضع ثلاث أصابع وكذلك الرجل.

_________________________________________

الإجماع ، وظاهر هذا الخبر يدل على ما هو ظاهر ابن الجنيد ، كما أومأنا إليه من أنه يغسل ما بقي من عضده أو من نفس المفصل ، فمن قال بوجوب غسل المرفق أصالة قال بوجوب غسل رأس العضد ، ومن قال إنه من باب المقدمة أسقط الغسل

الحديث العاشر : موثق كالصحيح.

باب مسح الرأس والقدمين

الحديث الأول : مجهول.

قولهعليه‌السلام : « موضع ثلاث أصابع » أي في العرض أو الطول ، وظاهره وجوب المسح بثلاث أصابع ، ونسب القول به إلى الشيخ في الخلاف ، والمرتضى في المصباح ، والصدوق في الفقيه ، والمشهور الاجتزاء بالمسمى ، ومنهم من حده بالإصبع ، ويمكن حمل هذا الخبر على الإجزاء في الفضل ، وإن كان دلالته بمفهوم اللقب وهو ضعيف لكن يفهم من الإجزاء ذلك عرفا ، والقائلون بثلاث أصابع ، الظاهر أنهم يقولون به في عرض الرأس ومن الطول يكتفون بالتحريك ليصدق المسح ، وإن كان ثلاث أصابع في الطول والعرض كان أحوط.

٩٥

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي أيوب ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال الأذنان ليسا من الوجه ولا من الرأس قال وذكر المسح فقال امسح على مقدم رأسك وامسح على القدمين وابدأ بالشق الأيمن.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن شاذان بن الخليل ، عن يونس ، عن حماد ، عن الحسين قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام رجل توضأ وهو معتم فثقل عليه نزع العمامة لمكان البرد فقال ليدخل إصبعه.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة قال قلت لأبي جعفرعليه‌السلام ألا تخبرني من أين علمت وقلت إن المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين فضحك ثم قال يا زرارة قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونزل به الكتاب من الله لأن الله عز وجل يقول «فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ » فعرفنا أن الوجه كله ينبغي أن يغسل ثم قال «وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ » ثم فصل بين الكلام فقال «وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ » فعرفنا حين قال «بِرُؤُسِكُمْ » أن

_________________________________________

الحديث الثاني : حسن.

ويدل على وجوب تقديم الرجل اليمنى على اليسرى كما ذهب إليه جماعة من الأصحاب بناء على أن الأمر للوجوب.

الحديث الثالث : مجهول.

الحديث الرابع : كالصحيح.

قولهعليه‌السلام : « من أين علمت » قرأه مشايخنا بضم التاء وفتحها إما على قراءة الضم فمعناه ـ أنه أخبرني بمستند علمي بذلك ودليل قولي به فإني جازم بالمدعى غير عالم بدليله ـ وإما على قراءة الفتح فمعناه ـ أخبرني عن مستند علمك وقولك من كتاب الله وسنته نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي تستدل به على العامة المنكرين حتى استدل أنا عليهم لأن مباحثة ، زرارة مع العامة كثيرة كما يظهر من الأخبار وإلا.

٩٦

المسح ببعض الرأس لمكان الباء ثم وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه فقال «وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ » فعرفنا حين وصلها بالرأس أن المسح على بعضها ثم فسر ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للناس فضيعوه ثم قال : «فَلَمْ تَجِدُوا ماءً

_________________________________________

فإن زرارة لا يحتاج إلى دليل بعد سماعه منهعليه‌السلام لأنه معلوم عنده أن قولهعليه‌السلام قول الله عز وجل لإمامته وعصمته ، فلا يرد ما ذكر بأن هذا ينبئ عن سوء أدبه وقلة احترامه للإمامعليه‌السلام ، وهو قدح عظيم في شأنه لما قلنا فتدبر.

وضحكهعليه‌السلام إما أن يكون من تقرير زرارة المطلب الذي لا خدشة فيه بالعبارة التي يفهم منها سوء الأدب لعدم علمه بآداب الكلام ، أو للتعجب منه أو من العامة بأنهم إلى الان لم يفهموا كلام الله تعالى مع ظهوره في التبعيض ، أو من تعصبهم مع الظهور والفهم أو من تبهيمهعليه‌السلام فيما بعد بقوله يا زرارة إلخ.

وقولهعليه‌السلام « ونزل به الكتاب » إلخ يحتمل أن يكون تأسيسا وأن يكون بيانا وتفسيرا لقوله قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فعلى الأول يكون معناه بينه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله أو بفعله ونزل به الكتاب من الله عز وجل لأن الله. ، وعلى الثاني يكون ما قاله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هو الآية التي نزلت في الكتاب ، ويكون قول الله وقوله واحدا فيكون ما نزل به الكتاب بيانا له والأول أظهر كما لا يخفى.

وقوله « فعرفنا أن الوجه كله ينبغي أن يغسل » لأن الوجه حقيقة في الجميع ، والأصل في الإطلاق الحقيقة ، ولأن البعض لو كان مرادا لقيد به لأنه في معرض البيان. وقولهعليه‌السلام ثم قال «وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ » أي وكذا عرفنا أن اليد إلى المرفق كله ينبغي أن يغسل بنحو ما مر ، أو لتحديدها بالغاية وقولهعليه‌السلام « ثم فصل بين الكلامين. » معناه ثم غاير بين الكلامين بإدخال الباء في الثاني دون الأول ، أو بتغيير الحكم لأن الحكم في الأول الغسل وغيره في الثاني حيث قال «وَامْسَحُوا. » أو الأعم.

٩٧

فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ » فلما وضع الوضوء إن لم تجدوا الماء أثبت بعض الغسل مسحا لأنه قال «بِوُجُوهِكُمْ » ثم وصل بها «وَأَيْدِيَكُمْ » ثم قال «مِنْهُ » أي من ذلك التيمم لأنه علم أن ذلك أجمع لم يجر

_________________________________________

وقولهعليه‌السلام « فعرفنا حين قال «بِرُؤُسِكُمْ » » أي عرفنا من زيادة الباء هنا وعدمه في الأول أو من مطلق الزيادة مع قطع النظر عن الأول ، كما ذكره الشيخ (ره) أن المسح ببعض الرأس لمكان الباء ، ووجوده وهذا ظاهر لمجيء الباء للتبعيض مطلقا ، وفي هذا الموضع كما أشار إليه والدي العلامة.

وقولهعليه‌السلام « ثم وصل. » أي ثم عطف الرجلين على الرأس بدون تغيير بفصل في الحكم والأسلوب كما عطف اليدين على الوجه ، فكما أن المعطوف في الجملة الأولى وهو الأيدي في حكم المعطوف عليه وهو الوجوه في أنهما ينبغي أن يغسلا بأجمعهما ، فكذلك المعطوف في الجملة الثانية وهو الرجلين في حكم المعطوف عليه وهو الرؤوس في تبعيض مسحهما باعتبار كونهما مدخولين لباء التبعيض ثم فسر ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قولا وفعلا فضيعوا حكمه بمخالفته أو فصنعوه كما في بعض النسخ ، بأن يكون استدلالا منهعليه‌السلام بفعل الصحابة أيضا في زمانهصلى‌الله‌عليه‌وآله كما نقل عنهم ، وعلى هذه النسخة يكون حكم التضييع مرادا لدلالة المقام عليه.

ثم قال عز وجل «فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا » واقصدوا «صَعِيداً طَيِّباً » أي طاهرا أو خالصا وقولهعليه‌السلام « فلما أن وضع الوضوء. » الظاهر أن المراد بالوضوء هنا معناه اللغوي أعم من الوضوء والغسل الشرعي بقرينة المقام ، أي لما أسقط الله عز وجل تكليف الوضوء ، والغسل عمن لم يجد الماء أثبت مسح بعض من بعض مواضع الغسل التي هي الوجه واليدين للتخفيف ، لأنه قال بوجوهكم بلفظة الباء التبعيضية ثم وصل بها وأيديكم بالعطف الذي يقتضي تساوي الحكمين.

وأما قولهعليه‌السلام « منه » أي من ذلك التيمم « لأنه علم. » الظاهر منه

٩٨

على الوجه لأنه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكف ولا يعلق ببعضها ثم قال «ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ » في الدين «مِنْ حَرَجٍ » والحرج الضيق.

_________________________________________

أنهعليه‌السلام جعل لفظة من في الآية تبعيضية ، وجعل الضمير راجعا إلى التيمم المستفاد من قوله تعالى «فَتَيَمَّمُوا » بمعنى المتيمم به أي الصعيد ، وإلى كون « من » هنا تبعيضية ذهب صاحب الكشاف ، وادعى أنه الحق وأنه لا يفهم أحد من العرب من قول القائل مسحت برأسي من الدهن ، ومن الماء ، ومن التراب إلا معنى التبعيض وقال الإذعان للحق أحق من المراء ، وبه خالف إمامه أبا حنيفة في عدم اشتراط العلوق في التيمم ، واختار اشتراطه فيه ، وكذا قال كثير من أصحابنا رضوان الله عليهم.

وحينئذ فالظاهر أن قولهعليه‌السلام « لأنه علم. » تعليل لقوله « قال » والمراد والله تعالى يعلم أنه إنما اعتبر سبحانه كون التيمم ببعض الصعيد العالق بالكف أو ببعض الصعيد المضروب عليه على الوجه وهذا أظهر ما يمكن أن يفسر عبارة الخبر به على ما يشهد به الفطرة السليمة.

وإلى هذا مال وذهب المدقق المحقق النحرير شيخنا حسين بن عبد الصمد في شرح الرسالة على ما نقل عنه ولده الجليل النبيل ، وحينئذ يدل ظاهرا على اشتراط العلوق على ما ذهب إليه ابن الجنيد من علمائنا ، وبعض من العامة وتلقاه الشيخان الجليلان المذكوران بالقبول فظهر أن ما قاله شيخنا الشهيد في الذكرى ـ من أن فيه إشارة إلى أن العلوق غير معتبر محل كلام كما سيجيء.

ويحتمل بعيدا على تقدير كون من تبعيضية أن يكون قولهعليه‌السلام « لأنه علم » تعليلا لقوله « أثبت بعض الغسل مسحا » أي جعل بعض المغسول ممسوحا حيث قال « بوجوهكم » بالباء التبعيضية لأنه تعالى علم أن التراب الذي يعلق على اليد لا يجري على كل الوجه واليدين ، لأنه يعلق ببعض اليد دون بعضه ، وبه فسر

٩٩

_________________________________________

بعض مشايخنا هذه العبارة ، ويحتمل أن يكون تعليلا لقوله قال بوجوهكم وهو قريب من سابقه.

وقال شيخنا البهائي في الحبل المتين بعد تفسير الخبر بالتوجيهين الأخيرين : ولا يجوز أن يجعل تعليلا لقولهعليه‌السلام « أي من ذلك التيمم » سواء أريد بالتيمم معناه المصدري ، أو المتيمم به ، أما على الأول فظاهر ، وكذا على الثاني إذا جعلت كلمة « من » ابتدائية ، وأما إذا جعلت تبعيضية فلان المراد إما. بعض الصعيد المضروب عليه ، أو بعضه العالق بالكف ، وعلى التقديرين لا يستقيم التعليل بعلم الله أن ذلك بأجمعه لا يجري على الوجه ثم تعليل ذلك بأنه يعلق منه ببعض الكف ولا يعلق منه ببعضها فعليك بالتأمل الصادق انتهى كلامه أعلى الله مقامه.

وأنت خبير بأنه على تقدير كون من تبعيضية والضمير للتيمم بمعنى المتيمم به ، يستقيم لعبارة غاية الاستقامة ، بل هو الظاهر من العبارة ، وبه صرح شيخنا المحقق حسين بن عبد الصمد على ما ذكرناه ، فقوله لا يستقيم التعليل ـ لا يستقيم ، لكنه ره تنبه لذلك ورجع في كتاب مشرق الشمسين إلى ما ذكرنا أولا فتنبه هذا.

ثم إن جعل « من » تبعيضية في الآية هو أحد الوجوه المذكورة فيها ، وذهب جماعة إلى أنهما فيها لابتداء الغاية كالعلامة في المنتهى ، والشهيد في الذكرى ، حيث ذهبا إلى عدم اشتراط العلوق لوجوه أقواها استحباب النفض وحينئذ يكون الضمير في قوله تعالى «مِنْهُ » راجعا إما إلى الصعيد ، أو إلى الضرب عليه المفهوم من قوله تعالى «فَتَيَمَّمُوا » ويكون المعنى أن المسح بالوجوه والأيدي يبتدئ من الصعيد أو من الضرب عليه.

قال في الذكرى : بعد ذكر عدم اشتراط العلوق وأدلته فإن احتج ابن الجنيد

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128