المناشدة والاحتجاج بحديث الغدير

المناشدة والاحتجاج بحديث الغدير 60%

المناشدة والاحتجاج بحديث الغدير مؤلف:
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 97

المناشدة والاحتجاج بحديث الغدير
  • البداية
  • السابق
  • 97 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 19137 / تحميل: 5262
الحجم الحجم الحجم
المناشدة والاحتجاج بحديث الغدير

المناشدة والاحتجاج بحديث الغدير

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

المـُناشدَة والاحتجاج

بحديث الغدير

تأليف: العلاَّمة الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

١

٢

المـُناشدَة والاحتجاج

بحديث الغدير الشريف

لم يفتأ هذا الحديث، مُنذ الصدر الأوَّل، وفي القرون الأُولى حتَّى القَرن الحاضر مِن الأصول المـُسلَّمة، يؤمن به القريب، ويرويه المـُناوِئ مِن غير نَكير في صدوره، وكان ينقطع المـُجادل إذا خصمه مُناظره بإنهاء القضيَّة إليه؛ ولذلك كثُر الحِجاج به، وتوفَّرت مُناشدته بين الصحابة والتابعين، وعلى العهد العلوي وقبله.

وإنَّ أوَّل حِجاج وقع بهذا الحديث، ما كان مِن أمير المؤمنين (عليه السلام) بمسجد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) بعد وفاته، ذكره سليم بن قيس الهلالي في كتابه المطبوع(١) ، مِن أراده فليُراجعه، ونحن نذكر ما وقع بعده مِن المـُناشدات:

١ - مُناشدة أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم الشورى سنة (٢٣ هـ) أو أوَّل (٢٤)

قال أخطب الخطباء الخوارزمي الحنفي في(المناقب) (٢) (ص ٢١٧): أخبرني الشيخ الإمام شهاب الدين، أفضل الحفَّاظ أبو النجيب سعد بن عبد الله بن الحسن الهمداني - المعروف بالمروزي - فيما كتب إليَّ مِن همدان، أخبرني الحافظ

____________________

(١) كتاب سليم بن قيس: ٢ / ٧٨٠ ح ٣٩.

(٢) المناقِب: ص ٣١٣ ج ٣١٤، وكلُّ ما بين المعقوفين في سلسلة السند منه.

٣

أبو علي الحسن بن أحمد بن الحسن [ الحدَّاد بأصبهان ] فيما أذِن لي في الرواية عنه، أخبرنا الشيخ الأديب أبو يعلى، عبد الرزَّاق بن عمر بن إبراهيم الطهراني، سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة، أخبرني الإمام الحافظ طراز المـُحدِّثين، أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه [ الأصبهاني ]. قال الشيخ الإمام شهاب الدين أبو النجيب، سعد بن عبد الله الهمداني، وأخبرنا بهذا الحديث عالياً الإمام الحافظ سليمان بن [ إبراهيم الأصفهاني في كتابه إليَّ، من أصبهان سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، عن أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه، حدَّثنا سليمان ] بن أحمد: حدَّثني علي بن سعيد الرازي، حدَّثني محمد بن حميد، حدَّثني زافر بن سليمان، حدَّثني الحارث بن محمَّد عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، قال: كنت على الباب يوم الشورى مع علي (عليه السلام) في البيت، وسمعته يقول لهم: (لأحتجَّن عليكم بما لا يستطيع عربيُّكم، ولا عجميُّكم تغيير ذلك. ثم قال: أُنشدكم الله أيها النفر جمعيا، أفيكم أحدٌ وحَّد الله قبلي؟ قالوا: لا.

قال: فأُنشدكم الله، هل منكم أحد له أخ مِثل جعفر الطيَّار في الجنَّة مع الملائكة؟ قالوا: اللَّهمَّ لا. قال: فأُنشدكم الله، هل فيكم أحد له عمٌّ كعمِّي حمزة أسد الله، وأسد رسوله، سيد الشهداء غيري؟) قالوا: اللَّهمَّ لا. قال: فأُنشدكم الله، هل فيكم أحدٌ له زوجة مِثل زوجتي فاطمة بنت محمد، سيدة نساء أهل الجنَّة، غيري؟

قالوا: اللَّهمَّ لا. قال: أُنشدكم بالله، هل فيكم أحد له سِبطان مِثل سِبطيَّ، الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة غيري؟ قالوا: اللَّهمَّ لا. قال:

فأُنشدكم بالله، هل فيكم أحد ناجى رسول الله مرَّات - قدَّم بين يدي نجواه صدقة - قبلي؟ قالوا: اللَّهمَّ لا. قال: فأُنشدكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم: (مَن كُنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللَّهمَّ وال مَن والاه، وعاد مَن عاداه، وانصر مَن نصره، لُيبلِّغ الشاهد الغائب)، غيري؟ قالوا: اللَّهمَّ لا.

وأخرجه الإمام الحموئي في(فرائد السِمطين) في الباب الثامن والخمسين(١) قال:

____________________

(١) فرائد السمطين: ١ / ٣١٩ ح ٢٥١.

٤

أخبرني الشيخ الإمام تاج الدين، علي بن أنجب بن عبد الله الخازن البغدادي - المعروف بابن الساعي -، قال: أنبأ الإمام برهان الدين، أبو المظفَّر ناصر بن أبي المكارم المطرزي الخوارزمي، قال: أنبأ أخطب خوارزم ضياء الدين، أبو المؤيَّد الموفَّق بن أحمد المكِّي إلى آخر السند بطريقيه المذكورين.

ورواه ابن حاتم الشامي في(الدرِّ النظيم) (١) مِن طريق الحافظ ابن مردويه، بسند آخر له، قال: حدَّث أبو المظفر، عبد الواحد بن حمد بن محمد ابن شيذه المـُقرئ، قال: حدَّثنا عبد الرزَّاق بن عمر الطهراني، قال: حدَّثنا أبو بكر أحمد بن موسى الحافظ - ابن مردويه - قال: حدَّثنا أبو بكر أحمد ابن محمد بن أبي دام(٢) ، قال: حدَّثنا المنذر بن محمد، قال: حدَّثني عمِّي، قال: حدَّثني أبي، عن أبان بن تغلب، عن عامر بن واثلة، قال: كنت على الباب يوم الشورى، وعليٌّ في البيت، فسمعته يقول باللفظ المذكور إلى أن قال: قال: (أُنشدكم بالله، أمنكم مَن نصَّبه رسول الله يوم غدير خُمٍّ للولاية غيري؟) قالوا: اللَّهمَّ لا.

وحديث الشورى هذا أخرجه الحافظ الكبير الدارقطني، ينقل عنه بعض فصوله ابن حجر في الصواعق(٣) ، قال (ص ٧٥): أخرج الدارقطني: أنَّ عليَّاً قال للستَّة الذين جعل عمر الأمر شورى بينهم كلاماً طويلاً، مِن جُملته: (أُنشدكم الله، هل فيكم أحد قال له رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم: يا علي، أنت قسيم الجنَّة والنار يوم القيامة، غيري؟) قالوا: اللَّهمَّ لا.

وقال (ص ٩٣): أخرج الدارقطني: أنَّ عليَّاً يوم الشورى احتجَّ على أهلها، فقال لهم:

____________________

(١) الدرُّ النظيم: ١ / ١١٦.  

(٢) كذا في النسخ، والصحيح: أبي دارم، هو ابن أبي دارم الكوفي، سمع منه التلعكبري سنة (٣٣٠)، وله منه إجازة. (المؤلِّف).

(٣) الصواعق المـُحرقة: ص ١٢٦.

٥

(أُنشدكم بالله، هل فيكم أحد أقرب إلى رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) في الرحم مِنِّي؟)(١) .

وأخرجه الحافظ الأكبر ابن عقدة، قال: حدَّثنا علي بن محمد بن حبيبة الكندي، قال: حدَّثنا حسن بن حسين، حدَّثنا أبو غيلان سعد بن طالب الشيباني، عن إسحاق، عن أبي الطفيل، قال: كنت في البيت يوم الشورى، وسمعت علياً يقول الحديث. ومنه المـُناشدة بحديث الغدير.

وقال الحافظ ابن عقدة أيضاً: حدَّثنا أحمد بن يحيى بن زكريا الأزدي الصوفي، قال: حدَّثنا عمرو بن حماد بن طلحة القناد، قال: حدَّثنا إسحاق بن إبراهيم الأزدي، عن معروف بن خربوذ، وزياد بن المنذر، وسعيد بن محمد الأسلمي، عن أبي الطفيل قال:

لمـَّا احتضر عمر بن الخطاب، جعلها - الخِلافة - شورى بين ستَّة: بين علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وطلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمان بن عوف (رضي الله عنهم)، وعبد الله بن عمر فيمَن يُشاور ولا يولَّى.

قال أبو الطفيل: فلمـَّا اجتمعوا، أجلسوني على الباب أرد عنهم الناس، فقال علي الحديث، وفيه المـُناشدة بحديث الغدير(٢) .

وأخرجه الحافظ العقيلي(٣) ، قال: حدَّثنا محمد بن أحمد الوراميني، حدَّثنا يحيى بن المغيرة الرازي، حدَّثنا زافر، عن رَجل، عن الحارث بن محمد، عن أبي الطفيل،

____________________

(١) الصواعق المـُحرِقة: ص ١٥٦.

(٢) نقله عن ابن عقدة شيخ الطائفة في أماليه: ص ٧ و ٢١٢ (ص ٣٣٢ ح ٦٦٧، ص ٥٥٤ ح ١١٦٩). (المؤلّف).

(٣) أبو جعفر محمد بن عمرو بن موسى، صاحب كتاب الضعفاء. قال الحافظ القطان: أبو جعفر ثِقة جليل القدر، عالم بالحديث مُقدَّم في الحفظ تُوفِّي (٣٢٢)، ترجمة الذهبي في التذكرة: ٣ / ٥٢ (٣ / ٨٣٣ رقم ٨١٤). (المـُؤلِّف).

٦

قال: كنت على الباب يوم الشورى(١) ، وذكر من الحديث جملة ضافية(٢) .

وقال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة(٣) (٢ / ٦١): نحن نذكر في هذا الموضع ما استفاض في الروايات، مِن مُناشدته أصحاب الشورى، وتعديده فضائله وخصائصه، التي بان بها منهم ومِن غيرهم، قد روى الناس ذلك فأكثروا، والذي صحَّ عندنا، أنَّه لم يكن الأمر كما روي مِن تلك التعديدات الطويلة، ولكنَّه قال لهم بعد أنْ بايع عبد الرحمان والحاضرون عثمان، وتلكَّأ هو عليه السلام عن البيعة: (إنَّ لنا حقَّا إنْ نُعطه نأخذه، وإنْ نَمنعه نركب أعجاز الإبل، وإنْ طال السُّرى ...)، في كلام قد ذكره أهل السيرة، وقد أوردنا بعضه فيما تقدَّم، ثمَّ قال لهم: (أُنشدكم الله، أفيكم أحد آخى رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) بينه وبين نفسه، حيث آخى بين بعض المسلمين وبعض، غيري؟ فقالوا: لا.

قال: أفيكم أحد قال له رسول الله: مَن كنت مولاه فهذا مولاه، غيري؟) فقالوا: لا.

وذكر شطراً منه ابن عبد البر في(الاستيعاب) (٤) (٣ / ٣٥) هامش الإصابة مُسنداً، قال: حدَّثنا عبد الوارث، حدَّثنا قاسم، حدَّثنا أحمد بن زهير، قال: حدَّثنا عمرو بن حماد القناد، قال: حدَّثنا إسحاق بن إبراهيم الأزدي عن معروف بن خربوذ، عن زياد بن المنذر، عن سعيد بن محمد الأزدي عن أبي الطفيل(٥)

____________________

(١) الضعفاء الكبير: ١ / ٢١١ ح ٢٥٨.

(٢) حكاه عن القيلي الذهبي في ميزانه: ١ / ٢٠٥ (١ / ٤٤١ رقم ١٦٣٤)، وابن حجر في لسانه: ٢ / ١٥٧ (٢ / ١٩٨ رقم ٢٢١٢). (المـُؤلِّف).

(٣) شرح نهج البلاغة: ٦ / ١٦٧ خُطبة ٧٣.

(٤) الاستيعاب: القسم الثالث / ١٠٩٨ رقم ١٨٥٥.

(٥) حديث مُناشدة يوم الشورى، أخرجه عِدَّة مِن الحفَّاظ بطرُق شتَّى، تنتهي إلى أبي ذر وأبي الطفيل، إلاَّ أنَّ منهم مِن أوعز إليه إيعازاً، كالبخاري في التاريخ الكبير: ٢ / ٣٨٢، ومنهم مِن اقتطع منه مَحلَّ حاجته، كالذهبي في كتاب الغدير، روى منه ما يَخصُّ حديث الغدير كما يأتي، ومنهم مَن رواه بطوله على اختلافٍ يسير في اللفظ، شأن سائر الأحاديث.

ومِمَّن أخرجه - عدا مَن تقدَّموا - =

٧

وقال الرازي في تفسيره(١) (٣ / ٤١٨) في قوله تعالى:(إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ...) الآية:

إنَّ علي بن أبي طالب، كان أعرف بتفسير القرآن مِن هؤلاء الروافض؛ فلو

____________________

= ابن جرير الطبري في كتابه في الغدير، رواه عنه الذهبي كما يأتي، ورواه الحافظ الطبراني بطوله، وعنه الخوارزمي في(المناقب) : ح ٣١٤، ورواه الحافظ الدارقطني، ومِن طريقه أخرجه الحافظ ابن عساكر في تاريخه: رقم ١١٤٠.

وأخرجه بطوله القاضي أبو عبد الله، الحسين بن هارون الضبي المـُتوفَّى سنة ٣٩٨ في المجلس ٦١ مِن(أماليه) : ق ١٤٠، الموجود بطوله في المجموع ٢٢ في المكتبة الظاهريَّة.

ومَن رواه، الحاكم النيسابوري في كتابه في(حديث الطير)، ومِن طريقه أخرجه الكنجي، في الباب المائة مِن(كفاية الطالب) : ص ٣٨٦، ورواه الحافظ ابن مردويه، ومِن طريقه أخرجه الخوارزمي في المناقب: ٣١٤.

وأخرجه أبو الحسن، علي بن عمر القزويني في(أماليه) الموجود في مجاميع الظاهريَّة، وأخرجه بطوله ابن المغازلي في كتاب(المناقب) : ح ١٥٥.

وأخرجه بطوله الحافظ ابن عساكر، في(تاريخ دمشق) في ترجمة أمير المؤمنين (عليه السلام) بعدَّة طرق بالأرقام ١١٤٠ و ١١٤١ و ١١٤٢ تنتهي إلى أبي الطفيل، كما أخرجه بطوله في تاريخه أيضا في ترجمة عثمان، ص ١٨٧ - ١٩٢ - طبعة المجمع السوري - وأخرجه الكنجي في(كفاية الطالب) ص ٣٨٦.

وأخرجه الذهبي في كتابه في الغدير، برقم ٣٧ مِن طريق الطبري، في كتاب الغدير، طرق الحديث: (مَن كنت مولاه)، مُقتصرا منه على ما يخصُّ حديث الغدير، فقال: حدَّثنا ابن جرير في كتاب غدير خُمٍّ، حدَّثني عيسى بن عبد الرحمان، أنبأنا عمرو بن حماد بن طلحة، حدَّثنا إسحاق بن إبراهيم الأزدي، عن معروف بن خربوذ، وزياد بن المنذر وسعيد بن محمد الأسدي، عن أبي الطفيل، قال: قال علي لعثمان، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمان، وابن عمر رضي الله عنهم أجمعين (أُنشدكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) يوم الغدير: (اللَّهمَّ وال مَن والاه، وعاد مَن عاداه غيري؟) قالوا: اللَّهمَّ لا.

وأورده السيوطي بطوله، عن أبي ذر في(جمع الجوامع) : ٢ / ١٦٥ - ١٦٦، وعن أبي الطفيل: ٢ / ١٦٦ - ١٦٧، وفي مُسند فاطمة: ص ٢١، والهندي في(كنز العمَّال) : ٥ / ٧١٧ - ٧٢٦ ح ١٤٢٤١ و ١٤٢٤٣. (الطباطبائي).

(١) التفسير الكبير: ١٢ / ٢٨.

٨

كانت هذه الآية دالَّة على إمامته؛ لاحتجَّ بها في مَحفل مِن المحافِل، وليس للقوم أنْ يقولوا: إنَّه تركه للتقيَّة؛ فإنَّهم ينقلون عنه أنه تمسَّك يوم الشورى بخبر الغدير، وخبر المـُباهلة، وجميع فضائله ومناقبه، ولم يتمسَّك البتَّة بهذه الآية في إثبات إمامته. انتهى.

وأنت تعلم أنَّ الرازي، في إسناد رواية الحِجاج بحديث الغدير وغيره إلى الروافض فحسب، مُندفع إلى ما يتحرَّاه بدافع العصبيَّة، فقد عرفت إسناد الخوارزمي الحنفي، عن مشايخه الأئمَّة الحفَّاظ، وهم عن مِثل أبي يعلى، وابن مردويه مِن حفَّاظ الحديث وأئمَّة النقل، كما أنَّا أوقفناك على تصريح ابن حجر، بإخراج الحافظ الدارقطني مِن غير غَمز فيه، وإخراج الحافظ ابن عقدة، والحافظ العقيلي، وسمعت كلمة ابن أبي الحديد، وحُكمه باستفاضة حديث الاحتجاج، وما صحَّ منه عنده.

ومِن ذلك كلِّه تعرف قيمة ما جنح إليه السيوطي في(اللآلي المصنوعة) (١) (١ / ١٨٧) مِن الحُكم بوضع الحديث، لمكان زافر، ورجل مجهول في إسناد العقيلي، وقد أوقفناك على أسانيدَ، ليس فيها زافر ولا مجهول، وهَبْ أنَّا غاضيناه على الضعف في زافر، فهل الضعف بمجرَّده يحدو إلى الحكم الباتِّ بالوضع، كما حسبه السيوطي في جميع الموارد مِن لآليه، خلاف ما ذهب إليه المؤلِّفون في الموضوعات غيره؟ لا، وإنَّما هو مِن ضُعف الرأي وقلَّة البصيرة، فإنَّ أقصى ما في رواية الضعفاء عدم الاحتجاج بها، وإنْ كان التأييد بها مِمَّا لا بأس به، على أنَّا نجد الحفَّاظ الثقات المـُتثبِّتين في النقل ربَّما أخرجوا عن الضعفاء، لتوفُّر قرائن الصحَّة المحفوفة بخصوص الرواية، أو بكتاب الرجل الخاصِّ عندهم؛ فيروونها لاعتقادهم بخروجها عن حُكم الضعيف العام؛ أو لاعتقادهم بالثقة في نقل الرجل، وإنْ كان غير مرضيٍّ في بقية أعماله.

راجع صحيحي البخاري، ومسلم، وبقيَّة الصحاح، والمسانيد تجدها مُفعَمة بالرواية عن الخوارج والنواصب، وهل ذلك إلا للمزعمة التي ذكرناها؟

____________________

(١) اللآلي المصنوعة: ١ / ٣٦١ - ٣٦٣.

٩

على أنَّ زافرا وثَّقه أحمد(١) ، وابن معين، وقال أبو داود: ثِقة كان رجلاً صالحاً، وقال أبو حاتم(٢) : محلَّه الصدق(٣) .

وقلَّد السيوطي في طعنه هذا الذهبي في(ميزانه) (٤) ؛ حيث رأى الحديث مُنكراً غير صحيح، وجاء بعده ابن حجر، وقلَّده في(لسانه) (٥) ، واتَّهم زافراً بوضعه، وقد عرف الذهبي، وابن حجر مَن عرفهما بالميزان الذي فيه ألفُ عين، وباللسان الذي لا يبارحه الطعن لأغراض مُستهدفة، وهلمـَّ إلى تلخيص الذهبي مُستدرك الحاكم؛ تجده طعاناً في الصحاح مِمَّا روي في فضائل آل الله، وما الحُجَّة فيه إلا عداؤه المـُحتدم، وتحيُّزه إلى مَن عداهم، وحذا حذوه ابن حجر في تأليفه.

٢ - مُناشدة أمير المؤمنين (عليه السلام) أيَّام عثمان بن عفَّان

روى شيخ الإسلام، أبو إسحاق إبراهيم بن سعد الدين بن حمويه - المـُترجَم (ص ١٢٣) - بإسناده في(فرائد السمطين) (٦) في السمط الأوَّل، في الباب الثامن والخمسين عن التابعي الكبير سليم بن قيس الهلالي، قال:

رأيت علياً - صلوات الله عليه - في مسجد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) في خلافة عثمان، وجماعة يتحدَّثون، ويتذاكرون العلم والفقه، فذكروا قريشا، وفضلها، وسوابقها، وهجرتها، وما قال فيها رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) مِن الفضل، مِثل قوله (صلَّى الله عليه وآله وسلم): (الأئمَّة مِن

____________________

(١) العِلل ومعرفة الرجال: ٢ / ٣٨١ رقم ٢٦٩٩.

(٢) الجرح والتعديل: ٣ / ٦٢٤ رقم ٢٨٢٥.

(٣) راجع تهذيب التهذيب: ٣ / ٣٠٤ (٣ / ٢٦٢). (المـُؤلِّف).

(٤) ميزان الاعتدال: ١ / ٤٤١ رقم ١٦٤٣.

(٥) لسان الميزان: ٢ / ١٩٨ - ١٩٩ رقم ٢٢١٢.

(٦) فرائد السمطين: ١ / ٣١٢ ح ٢٥٠.

١٠

قريش)، وقوله: (الناس تَبَعٌ لقريش)، (وقريش أئمة العرب ...) إلى أنْ قال - بعد ذكر مُفاخرة كُلِّ حيٍّ برجال قومه -:

وفي الحَلَقة أكثر مِن مائتي رَجُل،فيهم علي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمان بن عوف، وطلحة، والزبير، والمقداد، وهاشم بن عتبة، وابن عمر، والحسن، والحسين، وابن عباس، ومحمد بن أبي بكر، وعبد الله بن جعفر.

ومِن الأنصار أُبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو أيوب الأنصاري، وأبو الهيثم ابن التيهان، ومحمد بن سلمة، وقيس بن سعد بن عبادة، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وزيد بن أرقم، وعبد الله بن أبي أوفى، وأبو ليلى، ومعه ابنه عبد الرحمان قاعداً بجنبه، غلام صبيح الوجه أمرد، فجاء أبو الحسن البصري، ومعه الحسن البصري، غلام أمرد صبيح الوجه مُعتدل القامة، قال: فجعلت أنظر إليه وإلى عبد الرحمان بن أبي ليلى، فلا أدري أيُّهما أجمل، غير أنَّ الحسن أعظمهما وأطولهما، فأكثر القوم، وذلك مِن بُكرة إلى حين الزوال، وعثمان في داره لا يعلم بشيءٍ مِمَّا هم فيه، وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) ساكت، لا ينطق، ولا أحد مِن أهل بيته، فأقبل القوم عليه، فقالوا: يا أبا الحسن ما يمنعك أنْ تتكلَّم؟

فقال: (ما مِن الحيَّين إلاَّ وقد ذكر فَضلاً، وقال حقَّا، فأنا أسألكم يا مَعشر قريش والأنصار، بمَن أعطاكم الله هذا الفضل بأنفسكم، وعشائركم، وأهل بيوتاتكم، أم بغيركم؟.

قالوا: بَلْ أعطانا الله، ومَنَّ به علينا بمحمد (صلَّى الله عليه وآله وسلم) وعشيرته، لا بأنفسنا وعشائرنا، ولا بأهل بيوتاتنا.

قال: صدقتم يا مَعشر قريش والأنصار، ألستم تعلمون أنَّ الذي نِلتم مِن خير الدنيا والآخرة، مِنَّا أهل البيت خاصَّة دون غيرهم؟ وأنَّ ابن عمي رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) قال: (وإنِّي وأهل بيتي، كُنَّا نوراً يسعى بين يدي الله تعالى، قبل أنْ يَخلُق الله عزَّ وجلَّ

١١

آدم (عليه السلام) بأربعة عشر ألف سنة، فلمـَّا خلق الله تعالى آدم (عليه السلام)، وضع ذلك النور في صُلبه، وأهبطه إلى الأرض، ثُمَّ حمله في السفينة في صُلب نوح (عليه السلام)، ثمَّ قذف به في النار في صُلب إبراهيم (عليه السلام)، ثمَّ لم يزل الله عزَّ وجلَّ ينقلنا في الأصلاب الكريمة إلى الأرحام الطاهرة مِن الآباء والأمَّهات، لم يُلُقَ واحدٌ منهم على سفاح قط؟).

فقال أهل السابقة والقِدمة(١) ، وأهل بدر، وأهل أُحِد: نعم قد سمعنا مِن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم).

ثمَّ قال: أُنشدكم الله، إنَّ الله عزَّ وجلَّ فضَّل في كتابه السابق على المسبوق في غير آية، وإنِّي لم يَسبقني إلى الله عزَّ وجلَّ وإلى رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) أحد مِن أهل الأُمَّة؟.

قالوا: اللَّهمَّ نعم.

قال: فأُنشدكم الله، أتعلمون حيث نزلت(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ...) (٢) ،(وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) (٣) سُئل عنها رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) فقال: أنزلها الله (تعالى ذكره) في الأنبياء وأوصيائهم، فأنا أفضل أنبياء الله ورسله، وعليُّ بن أبي طالب وصيِّي أفضل الأوصياء؟.

ثم قالوا: اللَّهمَّ نعم.

قال: فأُنشدكم الله، أتعلمون حيث نزلت(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (٤) ، وحيث نزلت(إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ ...) (٥) ، وحيث نزلت( وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ...) (٦) ، قال الناس: يا رسول الله، أخاصَّة في

____________________

(١) أي السابقة في الأمر.

(٢) التوبة: ١٠٠.

(٣) الواقعة: ١٠ - ١١.

(٤) النساء: ٥٩.

(٥) المائدة: ٥٥.

(٦) التوبة: ١٦.

١٢

بعض المؤمنين، أم عامَّة لجميعهم؟ فأمر الله عزَّ وجلَّ نبيه (صلَّى الله عليه وآله وسلم) أنْ يُعلِمَهم وِلاة أمرهم، وأنْ يُفسِّر لهم مِن الولاية ما فسَّر لهم مِن صلاتهم وزكاتهم وحَجِّهم، بنصبي للناس بغدير خُمٍّ، ثمَّ خَطب، وقال:

أيُّها الناس، إنَّ الله أرسلني برسالة ضاق بها صدري، وظننت أنَّ الناس مُكذبيَّ، فأوعدني لأُبلِّغها أو لَيُعذِّبني.

ثمَّ أمر، فنودي بالصلاة جامعة، ثمَّ خطب، فقال:

أيُّها الناس، أتعلمون أنَّ الله عزَّ وجلَّ مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم مِن أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال:

قُمْ يا عليُّ، فقُمت، فقال: (من كنت مولاه، فعليٌّ مولاه، اللَّهمَّ والي مَن والاه، وعاد مَن عاداه.

فقام سلمان، فقال: يا رسول الله، وِلاء كماذا؟ فقال: ولاءٌ كولاي، مَن كنت أولى به مِن نفسه؛ فعليٌّ أولى به مِن نفسه.

فأنزل الله - تعالى ذكره -:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ...) (١) الآية.

فكبَّر رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) وقال: الله أكبر، تمام نبوَّتي وتمام دين الله ولاية علي بعدي.

فقام أبو بكر وعمر، فقالا: يا رسول الله، هؤلاء الآيات خاصَّة في علي (عليه السلام)؟ قال: بلى فيه وفي أوصيائي إلى يوم القيامة. قالا: يا رسول الله بيِّنهم لنا. قال: عليٌّ أخي، ووزيري، ووارثي، ووصيِّي، وخليفتي في أُمَّتي، ووليِّ كلِّ مؤمن بعدي، ثمَّ ابني الحسن، ثمَّ الحسين، ثمَّ تسعة مِن ولد ابني الحسين، واحد بعد واحد، القرآن معهم، وهم مع القرآن، لا يُفارقونه ولا يُفارقهم، حتَّى يردوا عليَّ الحوض).

فقالوا كلُّهم: اللَّهمَّ نعم، قد سمعنا ذلك، وشهِدنا كما قلت.

وقال بعضهم: قد حفظنا جُلَّ ما قلت، ولم نحفظ كُلَّه! وهؤلاء الذين حفظوا أخيارنا وأفاضلنا.

____________________

(١) المائدة: ٣.

١٣

فقال علي (عليه السلام): صدقتم، ليس كلَّ الناس يستوون في الحِفظ، أنشد الله عزَّ وجلَّ مِن حِفظ ذلك مِن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) لمـَّا قام فأخبر به.

فقام زيد بن أرقم، والبرَّاء بن عازب، وسلمان، وأبو ذر، والمقداد، وعمار، فقالوا: نشهد لقد حفِظنا قول رسول الله، وهو قائم على المِنبر، وأنت إلى جنبه، وهو يقول:

(أيُّها الناس، إن الله عزَّ وجل أمرني أنْ أنصُب لكم إمامكم، والقائم فيكم بعدي، ووصيِّي، وخليفتي، والذي فرض الله عزَّ وجلَّ على المؤمنين في كتابه طاعته، فقرن بطاعته طاعتي، وأمركم بولايته، وإنِّي راجعت ربِّي، خشية طعن أهل النِّفاق وتكذيبهم، فأوعدني لأُبلغها أو لَيُعذِّبني.

يا أيُّها الناس، إنَّ الله أمركم في كتابه بالصلاة، فقد بيَّنتها لكم، والزكاة والصوم والحج، فبيَّنتها لكم، وفسَّرتها، وأمركم بالولاية، وإنِّي أُشهدكم أنَّها لهذا خاصة، - ووضع يده على عليِّ بن أبي طالب - ثمَّ لابنيه بعده، ثمَّ للأوصياء مِن بعدهم مِن وِلْدِهم، لا يُفارقون القرآن، ولا يُفارقهم القرآن، حتَّى يردوا عليَّ حوضي.

أيَّها الناس، قد بيَّنت لكم مَفزعكم بعدي، وإمامكم ووليَّكم وهاديكم، وهو أخي، عليُّ بن أبي طالب، وهو فيكم بمنزلتي فيكم، فقلِّدوه دينكم، وأطيعوه في جميع أموركم؛ فإنَّ عنده جميع ما علَّمني الله مِن علمه وحكمته؛ فسلوه وتعلَّموا منه، ومِن أوصيائه بعده، ولا تُعلِّموهم، ولا تَتقدَّموهم، ولا تَخلَّفوا عنهم؛ فإنَّهم مع الحقِّ والحقُّ معهم، لا يُزايلونه ولا يُزايلهم، ثمَّ جلسوا). الحديث.

هذا لفظ الحموئي، وفي كتاب سليم(١) نفسه اختلاف يسير وزيادات. ويأتيك كلامنا حول سليم وكتابه.

____________________

(١) كتاب سليم بن قيس: ٢ / ٦٣٦ ح ١١.

١٤

٣ - مُناشدة أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم الرحبة سنة (٣٥) (١)

إنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) لمـَّا بلغه اتِّهام الناس له، فيما كان يرويه مِن تقديم رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) إيَّاه على غيره، ونوزع في خلافته، حضر في مُجتمع الناس بالرحبة في الكوفة، واستنشدهم بحديث الغدير، ردَّاً على مَن نازعه فيها، وقد بلغ الاهتمام بهذه المـُناشدة إلى أنْ رواها غير يَسير مِن التابعين، وتظافرت إليها الأسانيد في كتب العلماء، ونحن وقفنا على رواية أربعة صحابيِّين، وأربعة عشر تابعيَّاً(٢) ، فإلى المـُلتقى:

١ - أبو سليمان المؤذِّن - المـُترجَم (ص ٦٢) -:

قال ابن أبي الحديد في(شرح نهج البلاغة) (٣) (١ / ٣٦٢) روى أبو إسرائيل(٤) ، عن الحكم(٥) ، عن أبي سليمان المؤذِّن - هذا سند أحمد الآتي -:

أنَّ عليَّاً (عليه السلام) نشد الناس: (مَن سمع رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) يقول: مَن كنت مولاه فعلي مولاه؟)، فشهد له قوم، وأمسك زيد بن أرقم، - فلم يشهد، وكان يعلمها! - فدعا علي (عليه السلام) عليه بذهاب البصر فعَمي، فكان يحدِّث الناس بالحديث بعد ما كَفَّ بصره.

ويأتي بطرق أُخرى عنه، عن زيد بن أرقم، ولعلَّ هذا مِن ذلك، وفيه سَقط(٦) .

____________________

(١) وقع النصُّ بها في حديث أبي الطفيل الآتي، وفي رواية يعلى بن مرَّة: أنَّ عليا لمـَّا قَدِم الكوفة، نشد الناس، ومعلوم أنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قَدِمها سنة (٣٥). (المؤلِّف).

(٢) كثير مِن طرق هذه المـُناشدة صحيح رجاله ثقات. (المؤلِّف).

(٣) شرح نهج البلاغة: ٤ / ٧٤ خطبة ٥٦.

(٤) إسماعيل بن خليفة الملاتي المـُتوفَّى (١٦٩)، وثَّقه الحافظ الهيثمي في مجمعه، وصحَّح حديثه. (المـُؤلِّف).

(٥) هو ابن عتيبة الثقة، المـُترجَم (ص ٦٣). (المؤلِّف).

(٦) بَلْ السقط مُتيقَّن، فالطرق والمصادر الكثيرة الآتية في زيد بن أرقم، فيها كلها عن أبي سلمان، عن زيد بن أرقم، فما ورد عند ابن أبي الحديد، وعند الذهبي في كتابه الغدير، برقم ١٤ مِمَّا ليس فيه عن زيد بن أرقم يُحمَل على السقط.

ويدلُّ عليه أنَّ الذهبي رواه عن الغيلانيَّات، ورواية الغيلانيَّات، عن أبي سلمان، عن زيد بن أرقم.

والصواب في كنيته المؤذِّن أبو سلمان، كما هو في المصادر الرجاليَّة، وورد في الطرق والأسانيد

الطباطبائي.

١٥

٢ - أبو القاسم أصبغ بن نباتة - المـُترجَم (ص ٦٢) -:

روى ابن الأثير في أُسد الغابة(١) (٣ / ٣٠٧ و ٥ / ٢٠٥)، عن الحافظ ابن عقدة، عن محمد بن إسماعيل بن إسحاق الراشدي، حدَّثنا محمد بن خلف النميري، حدَّثنا علي بن الحسن العبدي، عن الأصبغ قال:

نشد عليٌّ الناس في الرحبة: (مَن سمع النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلم) يوم غدير خُمٍّ ما قال إلاَّ قام، ولا يقوم إلاَّ مَن سمع رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) يقول).

فقام بِضعة عشر رَجُلاً، فيهم أبو أيوب الأنصاري، وأبو عمرة بن عمرو بن محصن، وأبو زينب - بن عوف الأنصاري -، وسهل بن حنيف، وخزيمة بن ثابت، وعبد الله بن ثابت الأنصاري، وحبشي بن جنادة السلولي، وعبيد بن عازب الأنصاري، والنعمان بن عجلان الأنصاري، وثابت بن وديعة الأنصاري، وأبو فضالة الأنصاري، وعبد الرحمان بن عبد ربّ الأنصاري، فقالوا:

نشهد أنَّا سمعنا رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) يقول: (ألا مَن كنتُ مولاه فعلي مولاه، اللَّهمَّ والِ مَن والاه، وعاد مَن عاداه، وأحبَّ مَن أحبَّه وأبغض مَن أبغضه، وأعن مَن أعانه).

وفي أُسد الغابة(٢) عن الأصبغ بن نباتة: قال:

____________________

(١) أُسد الغابة: ٣ / ٤٦٩ رقم ٣٣٤١.

(٢) المـَصدر السابق: ٦ / ١٣٠ رقم ٥٩٢٦.

١٦

نشد عليٌّ الناس: (مَن سمع رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) يقول يوم غدير خُمٍّ ما قال إلاَّ قام).

فقام بِضعة عشر، فيهم أبو أيوب الأنصاري، وأبو زينب، فقالوا: نشهد أنَّا سمعنا رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم)، وأخذ بيدك يوم غدير خُمٍّ، فرفعها، فقال:

(ألستم تشهدون أنَّي بلَّغت ونصحت؟ [ قالوا: نشهد أنَّك قد بلغت ونصحت.](١) قال: ألا إنَّ الله عزَّ وجلَّ وليِّي، وأنا ولي المؤمنين، فمَن كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه، اللَّهمَّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه، وأحبَّ مَن أحبَّه، وأعِن مَن أعانه، وأبغض مَن أبغضه). أخرجه أبو موسى.

ورواه ابن حجر العسقلاني في(الإصابة) (٢ / ٤٠٨) مِن طريق ابن عقدة، عن الأصبغ قال:

لمـَّا نشد عليٌّ الناس في الرحبة: [ مَن سمع النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلم) يقول يوم غدير خُمٍّ ما قال إلاَّ قام، ولا يقوم إلاَّ مَن سمع ](٢) ، فقام بِضعة عشر رجُلاً، منهم: أبو أيوب، وأبو زينب، وعبد الرحمان بن عبد ربّ، فقالوا: نشهد أنَّا سمعنا رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) يقول وأخذ بيدك يوم غدير خُمٍّ فرفعها فقال: (ألستم تشهدون أنِّي قد بلَّغت؟) قالوا: نشهد.

قال: (فمَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه).

ورواه في الإصابة (٤ / ٨٠)، وقال: قال أبو موسى: ذكره أبو العباس بن عقدة، في كتاب الموالاة مِن طريق علي بن الحسن العبدي، عن سعد - وهو الإسكاف - عن الأصبغ ابن نباتة، قال:

نشد عليُّ الناس في الرحبة: (مَن سمع رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) يقول يوم غدير خُمٍّ ما قال، إلا قام)، فقام بِضعة عشر رجُلاً، منهم أبو أيوب، وأبو زينب بن عوف، فقالوا:

____________________

(١) ما بين المعقوفين أثبتناه مِن المصدر.

(٢) ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

١٧

نشهد أنَّا سمعنا رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) يقول، وأخذ بيدك يوم غدير خُمٍّ فرفعها، فقال: (ألستم تشهدون أنِّي قد بلَّغت؟) قالوا: نشهد. قال: (فمَن كنت مولاه فعلي مولاه).(١) .

٣ - حبة بن جوين العرني، أبو قدامة البجلي، الصحابي: المـُتوفَّى (٧٦، ٧٩).

روى الحافظ ابن المغازلي الشافعي في(المناقب) (٢) ، عن أبي طالب محمد بن أحمد بن عثمان، عن أبي عيسى الحافظ، يرفعه إلى حبة العرني، يذكر يوم الغدير واستنشاد عليٍّ به، فقال: فقام اثنا عشر رَجُلاً مِن أهل بدر، منهم: زيد بن أرقم فقالوا: نشهد أنَّا سمعنا رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) يقول يوم غدير خُمٍّ: (مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه). الحديث.

ومرَّ (ص ٢٤) عن الدولابي، بإسناده عن أبي قدامة، قال: نشد الناس عليٌّ في الرحبة، فقام بِضعة عشر رَجُلاً، فيهم رجل عليه جُبَّة، عليها إزار حضرميَّة، فشهدوا الحديث.(٣) .

٤ - زاذان بن عمر - المـُترجَم (ص ٦٤) -:

أخرج أحمد إمام الحنابلة، في(مُسنده) (٤) (١ / ٨٤) قال: حدَّثنا ابن نمير، حدَّثنا

____________________

(١) وأخرجه عنه الذهبي، في كتابه في الغدير: برقم ١٢٣، وهو قبل آخر الكتاب بحديث قال:

أنبأ أحمد بن أبي الخير، عن عبد الغني بن سرور الحافظ ...، عن الأصبغ بن نباتة، قال: نشد عليٌّ الناس في الرحبة (الطباطبائي).

(٢) مناقب علي بن أبي طالب (عليه السلام): ص ٢٠ ح ٢٧.

(٣) ومِمَّن أخرج حديث المـُناشدة، عن حبة بن جوين العرني الحافظ الطبراني في (المعجم الكبير): ح ٥٠٥٨، والدارقطني في (العلل): ٣ / ٢٢٥ سؤال ٣٧٥ وفي ص ٢٢٦ أيضا.

وأخرجه ابن عدي في الكامل: ص ٢٢٢٢ في ترجمة محمد بن سلمة بن كهيل، بإسناده عنه، عن أبيه، عن حبة.

ولا يضرُّنا تضعيف القوم لبعض هؤلاء، فقد قال الذهبي في تاريخ الإسلام، في ترجمة أمير المؤمنين (عليه السلام)، بعد إيراد حديث الغدير، والمـُناشدة بعدَّة طرق، قال في ص ٦٣٢: وله طُرق أُخرى ساقها الحافظ ابن عساكر في ترجمة عليٍّ يُصدِّق بعضها. (الطباطبائي).

(٤) مُسند أحمد: ١ / ١٣٥ ح ٦٤٢.

١٨

عبد الملك، عن أبي عبد الرحيم الكندي، عن زادان بن عمر، قال:

سمعت عليَّاً في الرحبة، وهو ينشد الناس مَن شهد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) يوم غدير خُمٍّ، وهو يقول ما قال:

فقام ثلاثة عشر رَجُلاً، فشهدوا أنَّهم سمعوا رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) وهو يقول: (مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه).

ورواه عن زادان(١) الحافظ الهيثمي في(مجمع الزوائد) (٩ / ١٠٧) مِن طريق أحمد باللفظ المذكور، وأبو الفرج ابن الجوزي في(صفة الصفوة) (١ / ١٢١)، وأبو سالم محمد بن طلحة الشافعي في(مطالب السؤول) (ص ٥٤) - المطبوع سنة (١٣٠٢) -، وابن كثير الشامي في(البداية والنهاية) (٥ / ٢١٠، ٧ / ٣٤٨) مِن طريق أحمد، وسبط ابن الجوزي في(تذكرته) (ص ١٧)، والسيوطي في(جمع الجوامع) ، نقلا عن أحمد، وابن أبي عاصم في(السُّنَّة) ، كما في(كنز العمَّال) (٦ / ٤٠٧).(٢) .

____________________

(١) صفة الصفوة: ١ / ٣١٣، مطالب السؤول: ص ١٦، البداية والنهاية: ٥ / ٢٢٩ حوادث سنة ١٠ هـ و ٧ / ٣٨٥ حوادث سنة ٤٠ هـ، تذكرة خواصِّ الأُمَّة: ص ٢٨ باب ٢، جامع الأحاديث: ١٦ / ٢٧١ ح ٧٩٢٥، كتاب السُّنَّة: ص ٥٩٣ ح ١٣٧٢ باب ٢٠٢، كنز العمَّال: ١٣ / ١٧٠ ح ٣٦٥١٤.

(٢) زادان بن عمر:

صوابه: زادان أبو عمر، وهو ثِقة مِن رجال مسلم، والأربعة، والبخاري في الأدب المفرد، تُوفِّي سنة ٨٢.

راجع تهذيب الكمال: ٩ / ٢٦٣، تاريخ الإسلام: ٦ / ٦٢.

ومِمَّن أخرج عنه حديث المـُناشَدة، أحمد بن حنبل في مناقب علي: ح ١١٥، وفي فضائل الصحابة: ح ٩٩١، وقال مُحقِّقه: إسناده صحيح.

وابن عساكر في تاريخه: رقم ٥٢٤، وابن سيِّد الكلِّ في الأنباء المـُستطابة: ص ٦٠، والذهبي في كتابه في الغدير: ح ٤٥ و ٤٦.

والسيوطي في مُسند علي: ح ١٤٤، وفي جمع الجوامع، والمـُتَّقي في كنز العمَّال: ١٣ / ١٧٠ والشوكاني في دُرِّ السحابة: ص ٢١١. (الطباطبائي).

١٩

٥ - زرِّ بن حبش الأسدي - المـُترجَم (ص ٦٤) -:

قال الحافظ أبو عبد الله الزرقاني المالكي، في(شرح المواهب) (٧ / ١٣): أخرج ابن عقدة، عن زرِّ بن حبش قال:

قال علي: (مَن ها هنا مِن أصحاب محمد؟) فقام اثنا عشر رَجُلاً، فشهدوا أنَّهم سمعوا رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) يقول: (مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه)(١) .

٦ - زياد بن أبي زياد - المـُترجَم (ص ٦٤) -:

أخرج أحمد بن حنبل في(مسنده) (٢) (١ / ٨٨) قال: حدَّثنا محمد بن عبد الله، حدَّثنا الربيع - يعني ابن أبي صالح الأسلمي - حدَّثنا زياد بن أبي زياد:

سمعت علي بن أبي طالب (عليه السلام) يَنشد الناس فقال: (أَنشد الله رَجُلاً مسلماً، سمع رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) يقول يوم غدير خُمٍّ ما قال). قال: فقام اثنا عشر بدريَّاً، فشهدوا.

ورواه الحافظ الهيثمي في (مجمع الزوائد) (٩ / ١٠٦) مِن طريق أحمد، وقال: رجاله ثقات، وابن كثير في(البداية) (٣) (٧ / ٣٤٨) عن أحمد، والحافظ مُحبُّ الدين الطبري في(الرياض النضرة) (٤) (٢ / ١٧٠)(وذخائر العقبى) (ص ٦٧).(٥)

٧ - زيد بن أرقم الأنصاري، الصحابي:

أخرج أحمد(٦) ، عن أسود بن عامر، عن أبي إسرائيل، عن الحكم، عن أبي

____________________

(١) ومِمَّن روى حديث المـُناشدة، عن زر بن حبيش أبو موسى المديني، في أسماء الصحابة، وعنه ابن الأثير في أُسد الغابة: ١ / ٤٤١، وابن حجر في الإصابة: ١ / ٣٠٥، وعطاء الله بن فضل الله الهروي في الأربعين حديثا: ح ١٣، والسيوطي في قطف الأزهار المـُتناثرة: ص ٢٧٨. (الطباطبائي).

(٢) مُسند أحمد: ١ / ١٤٢ ح ٦٧٢.

(٣) البداية والنهاية: ٧ / ٣٨٤ حوادث سنة ٤٠ هـ.

(٤) الرياض النضرة: ٣ / ١١٤.

(٥) ومِمَّن أخرجه عن زياد، الحافظ ابن عساكر في تاريخه: رقم ٥٣٢، والحافظ الضياء في المـُختارة: ٢ / ٨٠ ح ٤٥٨، والشوكاني في دُرِّ السحابة: ص ٢١١. (الطباطبائي).

(٦) مُسند أحمد: ٦ / ٥١٠ ح ٢٢٦٣٣. وفيه: فقام ستَّة عشر رَجُلاً فشهدوا.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

في هذا القِسم يخرج القارئ بحصيلة معرفيّة معطاءة عن أُولئك الرادة الذين تربّوا في كنَف عليّ، وتخرّجوا من مدرسته، وفى الوقت ذاته تتكشّف له معالم الحُكم العلَوي وما كان يعانيه من قلّة الطاقات الرياديّة الملتزمة الرشيدة، وما يكابده الحكم من نقص في القوى الفاعلة المطيعة المسؤولة. وهذا الواقع يُسهم إلى حدٍّ في الإفصاح عن السِرّ الكامن وراء بعض النواقص التي بدَت في الحُكم العلَوي، ويُعين القارئ على إدراك ذلك، كما تمنحه معطيات هذا القسم موقعاً أفضل للتوفّر على تحليل واقعي لحكومة الإمام.

من الجليّ أنّ أصحاب الإمام لم يكونوا على مستوىً واحد، كما لم يكن عمّاله كذلك. لقد كانت ضرورات الحكم ومتطلّبات الإدارة العامّة تُملي على الإمام أنْ يلجأ أحياناً إلى استعمال أُناس ثابتين في العقيدة بيدَ أنّهم غير منضبطين في العمل. لكن الإمام لم يكن يغفل لحظة عن تنبيه هؤلاء وتحذيرهم المرّة تِلْو الأُخرى، كما لم يُطق مطلقاً انحرافاتهم وما يصدر عنهم، واضطراب سلوكهم مع الناس.

إنّ عليّاً الذي أمضى عُمراً مديداً يضرب بسيفه دفاعاً عن الحقّ، وعليّاً الذي اختار الصمت سنَوات طويلة من أجل الحقّ ( وفي العين قذى، وفي الحلْق شجا)، عليٌّ هذا لا يُطيق المداهنة - وحاشاه - في تنفيذ الحقّ، ولا يعرف المجاملة في إحقاقه، ولا يتحمّل المساومة أبداً.

تتضاعف أهميّة هذا القسم من الموسوعة، وهو حريّ بالقراءة أكثر، ونحن نبصر - فيه - مواقف الإمام من الأصحاب والعمّال مملوءة دروساً

٤١

وعِبراً.

ومع القسم السادس عشر يشرف الكتاب على نهايته؛ ليكون القارئ قد خرج من الموسوعة بسَيلٍ متدفّق من المعرفة، وبفيض من التحاليل والرؤى والأفكار والأخبار، تستحوذ عليها جميعاً شخصيّة الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام).

خصائص الموسوعة

انتهى للتوّ استعراض وجيز قدّمناه لأقسام (الموسوعة) الستّة عشر دون خوض لِما احتوَته فصولها من تفاصيل، وما ضمّته من مداخل صغيرة كانت أمْ كبيرة، وقد آنَ الأوان للحديث عمّا تحظى به من خصائص.

بَيد أنّا نعتقد أنّ السبيل إلى معرفة خصائص الموسوعة - وربّما ما تحمله من مزايا ونقاط بارزة - يُملي علينا أنْ نُلقي نظرة إلى ما كُتب عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى الآن؛ كي تتّضح من جهة ضرورات التعاطي مع هذه المجموعة، وتستبين من جهة أُخرى نقاط قوّتها، وما قد تكون حقّقته من مكاسب ومعطيات على هذا الصعيد.

غزارة المدوّنات وكثرتها عن الإمام

يحظى الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بشخصيّة هي في المدى الأقصى من الجاذبيّة، ومن ثَمّ فتَملّي سيرة هذا العظيم، والتطلّع إلى حياته العبِقة الفوّاحة هو ممّا لا يختصّ باتّجاه دون آخر. فها هم الجميع من كافّة

٤٢

الاتّجاهات والأفكار يكتبون عن الإمام، وها هي ذي شخصيّته المتوهّجة تجذب كلّ المسالك والميول، وتستقطب لدائرتها كافّة القرائح والأقلام.

هكذا تمثّلت واحدة من خصائص عليّ بن أبي طالب بغزارة ما كُتب عنه، وكثافة التآليف التي أطلّت على حياته وسيرته، وتناولت بالبحث إمامته وخلافته، واندفعت تُعنى بحِكَمه وتعاليمه، وبآثاره ومآثره.

فتاريخ الإسلام بدون اسم عليّ بن أبي طالب ومن دون مآثره وبطولاته التي بلغت أعلى ذروة، هو تاريخ أجوف مشوّه، وكتلة هامدة بلا حراك ولا روح، وهو بعد ذلك لا يمتّ إلى حقيقة التاريخ الإسلامي بصِلة.

فها هي ذي قمَم تاريخ صدْر الإسلام تتضوّع باسم عليّ، وتفوح بذِكراه، وها هو ذا ظلُّه يمتدّ ويطول فلا يغيب عن واقعة قطّ.

وما خطّته الأقلام عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) يفوق الحصر عَدّاً، فهذا رصْدٌ واحد قدّم خمسة آلاف عنوان كتاب بعضها في عدّة مجلّدات، دون أنْ يستوفي الجميع.

تصنيف الكتابات

ما جادت به القرائح والأقلام عن عليّ بن أبي طالب يقع في جهات متعدّدة، ويمتدّ محتواه على مواضيع مختلفة. مع ذلك يمكن تصنيف الحصيلة في رؤوس العناوين التالية:

أ - تاريخ حياة الإمام.

٤٣

ب - خلافة الإمام.

ج - خصائص الإمام وفضائله.

د - مواضيع لها صلة بالإمام أو تدور حوله مثل الغدير، وآية التطهير، والولاية، وما إلى ذلك.

هـ - تفسير الآيات النازلة بشأن الإمام.

و - أقضية الإمام.

ز - أدعية الإمام.

ح - الأحاديث والنصوص النبويّة عن الإمام.

ط - كلام الإمام، ولهذا صِيَغ مختلفة كالأحاديث ذات الصيغة البلاغيّة، والأخرى رُتّبت على أساس الحروف الهجائيّة.

ى - الشروح: وتشمل شرح خطبة واحدة، أو كتاب واحد أو رسالة واحدة، وإلى غير ذلك من الصيَغ.

ك - ما جادت به القرائح والأقلام نَظْماً ونثراً عن فضائل الإمام ومناقبه ومراثيه.

ل - كرامات الإمام ومعاجزه في حياته وبعد استشهاده.

يفصح هذا التصنيف بموضوعاته المختلفة أنّ الأقلام قد تبارت متحدّثة عن الإمام عليّ (عليه السلام) من زوايا مختلفة، كلّ واحد يعزف على حياته وآثار عظمته من بُعده الخاص.

٤٤

أمّا وقد اتّضح ذلك على وجه الإجمال، تعالوا ننعطف إلى خصائص هذه (الموسوعة) وما قد تحظى به من مزايا، نُجملها من خلال العناوين التالية:

1 - الشمول ومبدأ الانتخاب

في الوقت الذي حرصت (الموسوعة) على تجنّب التكرار (1) ، والإحالة إلى النصوص المتشابهة، فقد سعَت إلى الجمع بين الشمول والاختصار معاً، متحاشية الزوائد والفضول، من خلال التأكيد على مبدأ الانتخاب.

لقد انطلقت (الموسوعة) تجمع النصوص والأحاديث والنقول من مصادر الفريقين، مع التركيز على ما له مساس بالإمام أمير المؤمنين (عليه السلام).

هكذا تطمئنّ نفس الباحث الذي يراجع هذه المجموعة إلى أنّه قد اطّلع على حصيلة ما جادت به الأقلام حيال الإمام عليّ (عليه السلام)، كما ينفتح أمامه الطريق ممهّداً لاختيار الموضوع أو المواضيع التي يصبو إلى دراستها، عِبر الكثافة المعلوماتيّة التي يوفّرها له حشد كبير من المصادر والهوامش والإيضاحات التي جاء ذكرها في الهوامش.

2 - الاستناد الواسع إلي مصادر الفريقَين

حقّقت (الموسوعة) لأوّل مرّة أوسع عمليّة استعراض لمصادر الفريقين

____________________

(1) باستثناء النصوص التي يقع بينها اختلاف أساسي، أو أنْ يكون النصّ المكرّر حاوياً لنقطة مهمّة، أو متضمّناً فكرة جديرة بالذكر.

٤٥

التاريخيّة والحديثيّة، حيث استنطقت ما حوَته صفحاتها من ذِكر لمختلف جوانب شخصيّة الإمام عليّ (عليه السلام).

بِلُغة الأرقام، لم تبلغ هذه (الموسوعة) نهايتها، ولم تكتسب هذه الصيغة إلاّ بعد مراجعة ما ينوف على الأربعمِئة وخمسين كتاباً أربَت مجلّداتها على الألفَين، منها مئتا كتاب من مصادر الشيعة، ومئتان وخمسون كتاباً من مصادر أهل السنّة.

ثمّ لكي ترتاد بالباحثين صوب آفاق معرفيّة ممتدّة، وحتى تفتح لهم السبيل واسعاً للدراسة والتحليل، فقد أحالت في هوامشها إلى ما يناهز الثلاثين ألف موضع من مصادر الفريقين، ويكفي هذا وحده للكشف عن المدى الأقصى الذي بلَغَه البحث.

3 - وثاقة المصادر

في تدوين هذه الموسوعة عمَدْنا في البدء إلى جمع المعطيات على جذاذات (بطاقات) مستقلّة من المصادر مباشرة، مع الاستعانة بأنظمة الحاسوب الآلي وأقراص الخزن باللُغَتين الفارسيّة والعربيّة على قدر ما تسمح به الإمكانات، ثمّ جمعنا النصوص المتشابهة حيال الموضوع الواحد، وسعَينا بعدئذ إلى انتخاب أكثر هذه النصوص وثاقة، وفرْز ما هو أقدمها وأكثرها شمولاً.

لقد حرصنا على أنْ تأتي النصوص المنتخبة من أوثق الكتب الحديثيّة والتاريخيّة وأهمّها. لكن ينبغي أنْ نسجّل أنّ وثاقة النصوص والنقول في

٤٦

البحث التاريخي تختلف اختلافاً بيّناً عمّا هي عليه في النصوص والنقول الفقهيّة، فمِن الواضح أنّ ذلك التمحيص الذي ينصبّ على سند الرواية الفقهيّة، لا يجرى بنفسه على البحوث التاريخيّة.

فما يستدعيه البحث التاريخي أكثر، هو طبيعة النصّ (الوثيقة) ومدى ثباته وسلامته، وهذه غاية يبلغها الباحث باستخدام قرائن متعدّدة.

في رؤيتنا أنّ النصّ أو النقل الموثّق - فقهيّاً كان أم تاريخيّاً - هو الذي يكون موثوقاً يبعث على الاطمئنان، حتى لو لم يحظَ بسند ثابت وصحيح. نسجّل ذلك رغم انتباهنا لأهميّة السند الصحيح والموثّق في إيجاد الاطمئنان.

وينبغي أنْ نُضيف أيضاً إلى أنّ الوثوق السنَدي في النصوص التي تستند إلي المصادر الحديثيّة والتاريخيّة للفريقين (الشيعة والسنّة)، لا يمكن أنْ يكون مِلاكاً كاملاً وتامّاً؛ إذ من الواضح أنّ لكلّ فريق رؤيته الخاصّة في تعيين (الثقة) و(غير الثقة)، كما له مساره الخاصّ ونهْجه الذي يميّزه في الأصول الرجاليّة.

الكلمة الأخيرة على هذا الصعيد تتّجه إلى طبيعة المِلاك الذي انتخبناه، ففي عمليّة جمع النصوص وفرزها عمدنا بالإضافة إلى ما بذلناه من جهد في توثيق المصدر والاهتمام بالسند، إلى مسألة نقد النصّ؛ كي يكون هو الملاك الأهمّ في عملنا. وفي هذا الاتّجاه سعينا إلى بلوغ ضرب من الاطمئنان، من خلال تأييد مضمون النصّ بالقرائن النقليّة والعقليّة، كي يتحوّل ذلك إلى أساس نطمئنّ إليه في ثبات النصّ.

٤٧

على هذا لم نلجأ إلى الأحاديث المنكرة، حتى لو كان لها أسانيد صحيحة. وإذا ما اضطرّتنا مواضع خاصّة لذِكر نصّ غير معتبر؛ فإنّنا نعطف ذلك بإيضاح ملابسات الموضوع.

4 - التحليل والتصنيف

يلتقي الباحثون على صفحات هذه الموسوعة، والمتشوّفون إلى سيرة عليّ (عليه السلام) ومعارفه مع سبعة آلاف نصّ تاريخي وحديثي تدور كلّها حول الإمام.

لقد سعى هذا المشروع إلى أنْ يقدّم عِبر الأقسام والفصول مجموعة من التحليلات والنظريّات التي تتناسب مع المادّة، وأنْ يخرج من خلال تقويم النصوص بإلماعات مهمّة في مضمار التاريخ والحديث.

إنّ القارئ سيواجه على هذا الصعيد نقولاً مكثّفة تصحب فقه الحديث، نأمل أنْ تأتي نافعة مفيدة.

5 - رعاية متطلّبات العصْر وفاعليّة المحتوى

ليست (موسوعة الإمام عليّ) كتاباً تاريخيّاً محضاً يُعنى بالنصوص والوثائق التاريخيّة، التي ترتبط بحياة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، كما لم نكن نهدف أنْ نقدّم ترجمة صِرفة نزيد بها رقماً جديداً على التراجم الكثيرة الموجودة، بل أمعنّا النظر إلى الواقع المُعاش، وركّزنا على المتطلّبات المعاصرة ونحن ننتخب العناوين ونملأ النصوص التي جاءت تحتها.

٤٨

وحرصنا على أنْ تأتي هذه (الموسوعة) مجموعة متكاملة موحية، تهَب الدروس، وتبثّ العِبَر من حولها، وتلامس حاجات العالم الإسلامي، وتؤثّر في عقول الباحثين، وتُعين الشباب، وتمنح أُولئك الذين يرغبون أنْ تكون لهم في سيرة عليّ (عليه السلام) أُسوة في واقع الحياة، تمنحهم المثال المنشود.

كما أردنا لـ (الموسوعة) من خلال سيرة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أنْ تفتح أمام البصر الإنساني مغالق الطريق، وأن تُعين في تذليل العُقَد الفكريّة والعقيديّة والسياسيّة.

على أنّ أكثر أقسام هذا المشروع نفعاً وتأثيراً هي تلك التي أضاءت النهج العلَوي، وأسفرت عن مرتكزاته في مختلف مجالات إدارة الاجتماع السياسي، وتسيير الحُكم والتعامل مع المجتمع. فهذه الأقسام هي في صميم حاجة قادة البلدان الإسلاميّة، بالأخصّ العاملين في نطاق نظام الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران.

فهذه الأقسام جسّدت على منصّة الواقع الحياةَ السياسيّة والاجتماعيّة للإمام، وأومأت ببَنان لا تخطِّئه عين إلى الواقع الحقيقي لكفاءة ذلك السياسي الواقعي، الذي ليس له مأرب من تنفيذ السياسة غير الحقّ.

فـ (الموسوعة) إذاً ليست صفحات في بطون الكتُب، بل هي من الحاضر في الجوهر، ومن الواقع اليومي في الصميم. من هذه الزاوية هي

٤٩

خليقة بالقراءة والتفكير والتأمّل، وجديرة بالعمل.

6 - الإبداع في التدوين والتنظيم

لقد صُمّمت مطالب (الموسوعة) وموضوعاتها في إطار هيكليّة هندسيّة خاصّة، بحيث يكون بمقدور الباحث أنْ يكون في صميم السياق العام للكتاب بمجرّد إلقاء نظرة عابرة، وبشيء من التأمّل يعثر على ما يريد.

فقد اختيرت العناوين بحيث تُسفِر عن محتوى الأقسام والفصول، وتستوعب جميع النصوص الموجودة. بَيد أنّ الأهمّ من ذلك أنّها حرصت على أنْ تجيء تلك العناوين حول السيرة العلَويّة البنّاءة، وهي تعبّر عن مثالٍ يُحتذى، وتعكس أسوة يمكن الاقتداء بها.

بهذا جاءت العناوين واقعيّة وليست انتزاعيّة محضة، كما لم تأتِ مغلقة مبهمة.

7 - إيضاحات الهوامش ومزايا أخرى

لكي يستغني الباحث الذي يراود هذه (الموسوعة) عن العودة إلى المصادر الأخرى في المسائل الفرعيّة، وحتّى يشقّ طريقه إلى مبتغاه بيُسر؛ جاءت إيضاحات الهوامش تضمّ ترجمة للأشخاص، وتعريفاً بالأماكن وبياناً للنقاط الغامضة التي تكتنف النصوص، مع شرح موجز للمفردات الصعبة. وقد تمّ تعزيز ذلك كلّه بخرائط مؤدّية تعكس الأمكنة والمواقع التاريخيّة بدقّة، عكَف على تصميمها متخصّصون.

٥٠

8 - أدب التكريم

عند نقل النصوص، إذا ما كانت تلك النصوص مسندة إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) يُذكَر الاسم مع النقل، وعند ذِكر النبي يُشفع بصيغة (صلّى الله عليه وآله)، في حين يشفع ذِكر كلّ واحد من أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) بصيغة (عليهم السلام) تكريماً لهذه الأسماء المقدّسة والذوات المعصومة، حتى لو لم تحوِ النصوص في مصادرها الأصليّة هذا التكريم.

أمّا إذا كانت النصوص عن غير النبي (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام)، فعندئذٍ نكتفي بذِكر المصدر فقط في بدْء النصّ.

9 - أخلاقيّة الكتابة

حرصت (الموسوعة) على أنْ تلتزم في كتاباتها الأدب العلمي بدقّة، وتراعي أُصول البحث في مداها الأقصى.

إنّ من يتأمّل تاريخ الإسلام بعُمق، ويرمي ببصره تلقاء مصنّفات مختلف علماء النِحَل في دائرة الثقافة الإسلاميّة، يلمس كم احتوى ميراث أولئك - قدماء ومحدّثين - من ظُلمٍ للتشيّع، وأيَّ حَيفٍ أصاب قمّته العلياء الشاهقة!.

كما يدرك الصدود الذي أحاط إمام المجاهدين، وما نزل بصَحْبه الأبرار الذين أخلصوا له الولاء، سَواء عن طريق كتمان الحقائق، أمْ من خلال قلب وقائع التاريخ.

هذه أُمور جليّة لم تخفَ على أحد، يعرفها جميع باحثي التاريخ

٥١

الإسلامي، كما نعرفها نحن أيضاً، وقد تبدّت أمامنا بأبعاد مهولة عند كتابة (الموسوعة).

بَيد أنّ ذلك كلّه لم يجرّنا إلى موقف مماثل عند تدوين (الموسوعة) لا بدءاً، وتأسيساً، ولا بصيغة الردّ بالمِثل. فها هي ذي التحليلات والإيضاحات ووجْهات النظر والمداخل نقيّة لم يشبْها لَوث، وها هو ذا القلم عفّ ولم يهبط قطّ إلى الشتيمة ولُغة التجريح والكلام النابي وكَيْل التُهَم والمطاعن.

وفي الحقيقة جعلنا المشروع يفي بجميع أجزائه في ظلال (الأدب العلَوي)، هذا الأدب الذي يأخذ مثاله الرفيع ممّا علّمه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) صاحبَيه حِجْر بن عَدِي وعمرو بن الحمق. فهذان الحواريّان يتوقّدان عزماً، ويفيضان رسوخاً، وهما مملوءان حماساً وغيرة، فأنّى لهما أنْ يصبرا على أباطيل العدوّ وزُخرفه، وما صار يستجيشه من ضوضاء هائجة؟.

لقد راحا يُدَمدِمان بألسنتهما ضدَّ العدوّ، فما كان من أمير المؤمنين (عليه السلام) إلاّ أنْ علّمهما أدَب المواجهة، فقال لهما بعد أنْ ذكّرهما بأنّهم على الحقّ وأنْ عدوّهم على الباطل:

(كرهتُ لكم أنْ تكونوا لعّانين، تشتمون وتتبرّؤون، ولكن لو وصَفتم مساوئ أعمالِهم فقلتم: مِن سيرتهم كذا وكذا، ومِن عملهم كذا وكذا، كان

٥٢

أصوَب في القول، وأبلغ في العُذر) (1) .

واضح إذن أنّ ذِكر شخص وفِعاله وتحليل سلوكه، أو تسليط أضواء كاشفة على ما يلفّ فِعال بعض مَن تنكَّب عن الحقّ والصواب، وما صدر عنه من سلوك شائن - لا يمكن أنْ يُعدّ إساءة نابية، بل هو من الوعي التاريخي والدفاع عن الحقّ بالصميم. ومن ثَمّ إذا ما احتوت (الموسوعة) شيئاً من هذا، فهو تعبير عن واقع لا أنّه ينمّ عن إساءة جارحة.

ومع ذاك سعَينا أنْ ننظر إلى المسائل برؤية الأُسلوب التحليلي والبحث العلمي، وليس من خلال العناد والتعصّب الأعمى المقيت. ومِن ثَمّ لم يتمّ التوهين بمقدّسات أيّ نِحلة، ولم نطعن بشخصٍ قطّ.

على هذا نأمل أنْ تجيء (الموسوعة) خطوة على طريق التقريب بين المذاهب، وأنْ يكون شخوص (الأدَب العلَوي)، وتبلوره فيها سبباً لانتفاع الجميع، ويهيّئ الأجواء لوحدة كلمة المؤمنين.

شُكر وتقدير

حيث شارف هذا المدخل على نهايته، ولمّا يُمسِك القلم بعدُ نبتهل - مرّة أُخرى - إلى الله سبحانه ضارعِين بقلوب مفعمة، بالشكر والثناء على ما أنعم به من تيسير كريم وفضلٍ جسيم، وما امتنّ به من توفيق عظيم

____________________

(1) وقعة صفّين: 103.

٥٣

لهذه الخدمة العَلَويّة الجليلة.

كما نوجّه شكرنا وثناءنا إلى كلّ جهدٍ كريم شارك في هذا المشروع في إطار مختلف المجاميع، وكان له سهم في التأليف والتحقيق والتخريج، وفي الطباعة والتصحيح والتدقيق، ونخصّ بالذِكر الباحثَين الكريمَين الجليلين السيّد محمّد كاظم الطباطبائى والسيّد محمود الطباطبائى نژاد ، اللذَين بذَلا جهوداً مخلصة مشكورة في تدوين هذه المجموعة، وكانا معنا رفيقَي درب في هذه الرحلة الممتدّة من عام 1413 هـ. كما نشكر الأستاذ الفاضل الشيخ محمّد علي مهدوي راد الذي أعاننا على تهيئة البيانات والتحليلات.

وأتقدّم بشكري الخالص وثنائي الجزيل أيضاً إلى مسؤول قسم تدوين الموسوعة في مركز دراسات دار الحديث المحقّق العزيز الشيخ عبد الهادي المسعودي، الذي بذل جهداً محموداً في تنظيم الصيغة الأخيرة وإعداد العمل وإنجازه في الموعد المقرّر.

إلهي..

اجعلنا في حزب عليّ (عليه السلام) الذي هو حزب رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، واكتبنا في المفلحين الفائزين.

واجعلنا في صفّ جنودك المحبّين لك الوالهين بك، وفي عِداد حُماة دينك، المنافحين عن نقاء الفكر الإسلامي، وصُن ألسنتنا وأقلامنا من الزلَل، وأقِلْها من العثرات والباطل، واجعل ما نكتب ونقول خدمةً لغايات

٥٤

الحُكم العلَويّ، وأرضاً صلبة توطئ إلى الحكومة العالميّة لوليّ الله الأعظم الإمام المهدي (عليه السلام).

وآخِر دعوانا أنْ الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطاهرين.

محمد محمّدي الرَّيشَهري

ربيع الثاني 1421 هـ

٥٥

٥٦

القسم الأوّل

أُسرة الإمام عليّ

وفيه فصول:

الفصل الأوّل: الولادة

الفصل الثاني: النشأة

الفصل الثالث: الزواج

الفصل الرابع: الأولاد

٥٧

٥٨

الفصل الأوّل

الولادة

1 / 1

النَسَب

إنّ أُرومة الناس دليلٌ على شخصيّتهم وفكرهم وثقافتهم. فأُولوا النزاهة والصلاح والعقل والحكمة ينحدرون - في الغالب - من أُسَر كريمة طيّبة مهذّبة، وذووا السوء والقبح والشرّ غالباً هم ممّن نشأ في أحضان غير سليمة، وانحدر من أُصول لئيمة. ويتجلّى القسم الأوّل في الأنبياء - الذين هم عِلْية وجوه التاريخ، وقِمم الشرف والكرامة والعزّة - ومَنْ تفرّع من دوحاتهم، ورسخت جذوره في بيوتاتهم الرفيعة.

وكانت لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) جذور ضاربة في سلالة طاهرة كريمة، هي سلالة إبراهيم (عليه السلام)، فهو كرسول الله (صلّى الله عليه وآله) في ذلك، وإبراهيم (عليه السلام) هو بطل التوحيد، الراغب إلى الله، المُغرم بحبّه، وهو الواضع سنّة الحجّ، رمز العبودية ومقارعة الشِرك. وهكذا فالحديث عن جُدود النبي (صلّى الله عليه وآله) حديث عن جدود

٥٩

عليّ (عليه السلام)، والكلام عن سلالته (صلّى الله عليه وآله) هو بعينه الكلام عن سلالة أخيه ووصيّه (عليه السلام)، قال (صلّى الله عليه وآله) في أسلافه:

(إنّ الله اصطفى من وِلد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من وِلد إسماعيل بني كِنانة، واصطفى من بني كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم) (1) .

وهكذا فبنو هاشم هم صفوةٌ اختيرت من بين صفوة الأُسَر، ورسول الله (صلّى الله عليه وآله) وعليّ (عليه السلام) هما صفوة هذه الصفوة، قال الإمام (عليه السلام) واصفاً سلالة النبيّ (صلّى الله عليه وآله):

(أُسرَتُه خير الأُسَر، وشجَرته خير الشجَر؛ نَبَتت في حرَم، وبَسَقت في كَرَم، لها فروعٌ طِوال، وثمَرٌ لا يُنال) (2) .

وهذا الثناء - بحقّ - هو ثناء على سلالته (عليه السلام) أيضاً، حيث قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله):

(أنا وعليّ من شجرة واحدة) (3) .

وقال: (لحمُه لحمي، ودمُه دمي) (4) .

وعلى هذا يكون بيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وبيت عليّ هو بيت النبوّة، وأُرومتهما أُرومة النور والكرامة، وهما المصطَفَيان من نَسل إبراهيم وبني هاشم، مع خصائص ومزايا سامقة: كالطهارة، والفصاحة، والسماحة، والشجاعة، والذكاء، والحياء، والعفّة، والحِلم، والصبر وأمثالها (5) . ناهيك عن منزلتهما المرموقة

____________________

(1) سنن الترمذي: 5 / 583 / 3605، كفاية الطالب: 410.

(2) نهج البلاغة: الخطبة 94 والخطبة 161 نحوه وراجع الخطبة 96.

(3) و (4) راجع: القسم التاسع / عليّ عن لسان النبي / الخِلْقة / أنا وعليّ من نور واحد.

(5) راجع: كتاب (أهل البيت في الكتاب والسنّة) / جوامع خصائصهم.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97