سيدة النساء فاطمة الزهراء (ع)

سيدة النساء فاطمة الزهراء (ع)0%

سيدة النساء فاطمة الزهراء (ع) مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
تصنيف: السيدة الزهراء سلام الله عليها
ISBN: 964-319-218-0
الصفحات: 245

سيدة النساء فاطمة الزهراء (ع)

مؤلف: علي موسى الكعبي
الناشر: مركز الرسالة
تصنيف:

ISBN: 964-319-218-0
الصفحات: 245
المشاهدات: 54476
تحميل: 8353

توضيحات:

سيدة النساء فاطمة الزهراء (ع)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 245 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 54476 / تحميل: 8353
الحجم الحجم الحجم
سيدة النساء فاطمة الزهراء (ع)

سيدة النساء فاطمة الزهراء (ع)

مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
ISBN: 964-319-218-0
العربية

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله صلاته رفع صوته ، ثم دعا عليهم(١) .

وروى مسلم والبخاري في الصحيح عن عبدالله ، قال : بينما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ساجد وحوله ناس من قريش ، إذ جاء عُقبة بن أبي مُعيط بسَلَى جزور ، فقذفه على ظهر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فلم يرفع رأسه حتى جاءت فاطمة فأخذته عن ظهره ، ودعت على من صنع ذلك ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «اللهمَّ عليك الملأ من قريش؛ أبا جهل بن هشام ، وعتبة بن ربيعة ، وعقبة بن أبي معيط ، وشيبة بن ربيعة ، وأُميّة بن خلف ـ أو أُبي بن خلف ـ » قال عبدالله : فلقد رأيتهم قُتِلوا يوم بدر ، فاُلقوا في القليب(٢) .

وروى البيهقي بالاسناد عن ابن عباس عن فاطمةعليها‌السلام قالت : «اجتمع مشركو قريش في الحجر ، فقالوا : إذا مرّ محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله عليهم ضربه كل واحد منّا ضربة ، فسَمِعته (فاطمة) فدخلت على أبيها صلى‌الله‌عليه‌وآله فذكرت ذلك له ، فقال : يا بنية اسكني ، ثم خرج فدخل عليهم المسجد ، فرفعوا رؤوسهم ثم نكسوا ، فأخذ قبضةً من تراب فرمى بها نحوهم ثم قال : شاهت الوجوه ، فما أصاب رجلاً منهم إلاّ قتل يوم بدر كافرا »(٣) .

وهذه النصوص تكشف لنا عن أداء الزهراءعليها‌السلام لدورها الرسالي في الوقوف إلى جنب أبيهاصلى‌الله‌عليه‌وآله منذ مطلع الدعوة ، والذبّ عنه وحمايته

__________________

١) صحيح مسلم ٣ : ١٤١٨ / ١٠٧ ، كتاب الجهاد والسير ـ دار الفكر ـ بيروت. ودلائل النبوة / البيهقي ٢ : ٢٧٩ ، دار الكتب العلمية.

٢) صحيح مسلم ٣ : ١٤١٩/ ١٠٨ ، كتاب الجهاد والسير. وصحيح البخاري ٤ : ٢٢٠/ ٢٦ ، كتاب الجزية والموادعة ، باب طرح جيف المشركين في البئر ، عالم الكتب ـ بيروت. ودلائل النبوة / البيهقي ٢ : ٢٧٨.

٣) دلائل النبوة/ البيهقي ٢ : ٢٧٦. ومجمع الزوائد ٨ : ٢٢٨. ومسند فاطمة الزهراءعليها‌السلام / السيوطي : ١١٨.

٢١

ونصرة دعوته ، في مواقع تنكص فيها الشجعان عن المواجهة وتتردّد فيها الرجال عن المنازلة ، هذا على الرغم من صغر سنها.

ومن هنا نعلم أن فاطمةعليها‌السلام بعد فقد أُمّها لم تكن تلك اليتيمة التي تشكّل عبئاً على أبيها ، بل وقفت موقف العالمة بظروف أبيهاصلى‌الله‌عليه‌وآله الداركة لخطر الرسالة التي يدعو لها ، وما يحيط به من شدائد وأهوال وعداوات ، فصارت ربّة بيته التي تكفيه التفكير بمشاغل البيت ، ووقفت إلى جنبه موقف المرأة البطلة المكافحة والمضحية براحتها ورفاهيتها ، وليس ثمّة كلمة تعبّر عن تقديرهصلى‌الله‌عليه‌وآله لما لقي من ابنته الصغيرة في مواقفها المختلفة ، أفضل من (أُمّ أبيها ) في أحد معاني هذه الكنية العظيمة.

وإذا كانت فاطمة الزهراءعليها‌السلام قد فُجعت بأمّها وهي بأمسّ الحاجة إليها ، فقد صارت أشدّ لصوقاً بأبيهاصلى‌الله‌عليه‌وآله لتنهل من سجايا نفسه الزكية ومكارم خلقه الرفيع ، وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يفيض عليها بحبّه وعطفه وشفقته ليعوضها عن شعورها بالحرمان من أُمّها.

وقد قيل : إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قد جعل فاطمةعليها‌السلام عند ابنة عمّه أمّ هانىء بنت أبي طالب بعد وفاة خديجةعليها‌السلام لرعايتها والقيام بشأنها ، أخرجه السيوطي في حديثٍ عن عبدالرزاق عن ابن جريج(١) .

ولعلَّ ذلك كان في بعض الأحيان التي ينشغل فيها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بأداء مهام الرسالة والقيام بأعباء الدعوة إلى الله تعالى.

الهجرة :

بعد أن اتفقت كلمة قريش على قتل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وتعاهدت قبائلها على ذلك ، ولم يبق له في مكة ناصر ولا مكان يأوي إليه ، أُذن له بالهجرة إلى المدينة ، وتمت الهجرة بسلام على الرغم من ملاحقة قريش ومطاردتها له

__________________

١) مسند فاطمة الزهراءعليها‌السلام / السيوطي : ١١٩.

٢٢

وبذلها الجوائز السنية لكلِّ من يرشدها إلى مكانه أو يقبض عليه.

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل هجرته أمر عليّاًعليه‌السلام أن يبيت على فراشه وأوصاه بما أهمّه وأن يلتحق به مع الفواطم وهنّ : فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، وفاطمة بنت أسد ، وفاطمة بنت حمزة ، وفاطمة بنت الزبير بن عبدالمطلب (رضي الله عنهن) وكان عمر الزهراءعليها‌السلام عند الهجرة ثمان سنين.

وبعد أن نفّذ عليعليه‌السلام وصايا الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وسلّم وأدّى الودائع والأمانات لاَهلها ، هيّأ للفواطم الرواحل وأخرجهن من مكة في طريقه إلى يثرب ، وأشار على من بقي في مكة من المؤمنين أن يتسلّلوا ليلاً إلى ذي طوى حيث يسير الركب منها باتجاه المدينة ، وخرج هو في وضح النهار بالفواطم ، ومعه أيمن ابن أمّ أيمن وأبو واقد الليثي ، فجعل أبو واقد يجدّ السير مخافة أن تلحقهم قريش وتحول بينهم وبين إتمام مسيرة الهجرة ، فقال له عليعليه‌السلام : «ارفق بالنسوة يا أبا واقد ، وارتجز يقول :

ليس إلاّ الله فارفع ظنّكا

يكفيك ربّ الخلق ما أهمّكا»

ولما شارف ضجنان أدركه طلب قريش ، وكانوا ثمانية من فرسانهم ، فاستقبلهم أمير المؤمنينعليه‌السلام بسيفه وشدّ عليهم حتى فرّقهم عن ركب الفواطم ، وقتل منهم جناح مولى حرب بن أُميّة ، ولاذ الباقون بالفرار ، ومكث أمير المؤمنينعليه‌السلام في ضجنان قدر يومه وليلته ، ولحق به نفرٌ من المستضعفين من المؤمنين ، وفيهم أُمّ أيمن مولاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فظلَّ ليلته تلك هو والفواطم طوراً يصلّون وطوراً يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ، فلم يزالوا كذلك حتى طلع الفجر ، فصلّى عليعليه‌السلام بهم صلاة الفجر ، ثم سار لوجهه ، فجعل يجوب منزلاً بعد منزل لا يفتر عن ذكر الله ، والفواطم كذلك وغيرهنّ ممّن صحبهعليه‌السلام حتى قدموا المدينة ، وقد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم بقوله تعالى :( الذين يذكرون

٢٣

الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ) إلى قوله سبحانه :( فاستجاب لهم ربهم إنّي لا أُضيع عمل عاملٍ منكم من ذكر أو أنثى ) (١) الذكر : عليعليه‌السلام ، والاُنثى : الفواطم المتقدّم ذكرهنّ(٢) .

وعن ابن عباس : هاجرت فاطمة مع أمير المؤمنينعليهما‌السلام فقدمت المدينة ، فأنزلها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على أمّ أيوب الأنصاري ، وخطب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله النساء ، وتزوج سودة أول دخوله المدينة فنقل فاطمةعليها‌السلام إليها ، ثم تزوج أُمّ سلمة فقالت أُمّ سلمة : تزوجني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وفوّض أمر ابنته إليّ ، فكنت أدلّها وأؤدّبها ، وكانت والله آدب مني ، وأعرف بالأشياء كلّها ، وكيف لا تكون كذلك وهي سلالة الأنبياء(٣) .

المبحث الثاني : أسماؤها وألقابها وشمائلهاعليها‌السلام :

عرفت فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بجملة من الأسماء والألقاب ، وطبيعي أنّه كلّما كان الإنسان من ذوي المنزلة والمكانة تعددت أسماؤه.

قال الإمام الصادقعليه‌السلام : «لفاطمة عليها‌السلام تسعة أسماء عند الله عزَّ وجلَّ : فاطمة ، والصديقة ، والمباركة ، والطاهرة ، والزكية ، والراضية ، والمرضية ، والمحُدَّثة ،

__________________

١) سورة آل عمران : ٣/ ١٩١ ـ ١٩٥.

٢) أمالي الطوسي : ٤٦٣ ـ ٤٧٢/ ١٠٣١ ، طبع مؤسسة البعثة ـ قم ، مسنداً بعدة طرق عن عمار بن ياسر وأبي رافع مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهند بن أبي هالة ربيب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأخي الزهراءعليها‌السلام من أُمّها خديجة (رضي الله عنهم أجمعين ).

٣) دلائل الإمامة : ٨١/ ٢١.

٢٤

والزهراء »(١) .

وأضاف ابن شهر آشوب عن أبي جعفر القمي رضي الله عنه : البتول ، الحرّة ، السيدة ، العذراء ، مريم الكبرى ، الصديقة الكبرى(٢) . وفيما يلي نورد دلالات بعض هذه الأسماء والألقاب التي تشير إلى خصائصها الفريدة ومناقبها الفذّة ، وما اتسمت به من الصدق والبركة والطهارة والرضا والفضل العميم على سائر النساء.

١ ـ فاطمة :

تقدّم في ولادتهاعليها‌السلام أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد سمّاها فاطمة بأمر الله تعالى ، وهذا الاسم مشتق من الفطم بمعنى القطع ، يقال : فطمت الاُمّ صبيها ، وفطمت الرجل عن عادته ، والفاعل منه فاطم وفاطمة.

وسبب التسمية هو أن الله تعالى فطمها وفطم ذريتها ومحبيها عن النار على ما جاء في الحديث الشريف ، فجعلها سبحانه سيدة نساء أهل الجنة ، وجعل من ذريتها الحسن والحسينعليهما‌السلام سيدي شباب أهل الجنّة ، وجعل محبتها منجية من النار ، لاَنّها محبّة لقيم العفاف ومبادىء الشرف ، وتعلّق بمكارم الأخلاق التي تتحلّى بها سيدة النساءعليها‌السلام .

روى جابر بن عبدالله وابن عباس عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : «إنّما سميت ابنتي فاطمة ، لاَنّ الله عزَّ وجلَّ فطمها وفطم محبيها عن النار »(٣) .

__________________

١) أمالي الصدوق : ٦٨٨/ ٩٤٥. وعلل الشرائع ١ : ١٧٨/ ٣.

٢) المناقب ٣ : ٣٥٧ ، دار الأضواء.

٣) الفردوس / الديلمي ١ : ٣٤٦ / ١٣٨٥ ، دار الكتب العلمية. والمناقب / ابن المغازلي : ٦٥ / ٩٢.

٢٥

وقال أمير المؤمنين عليعليه‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّي سميت ابنتي فاطمة لاَنّ الله فطمها وذريتها من النار »(١) .

ومحبة الزهراءعليها‌السلام المنجية من النار لابدّ أن تقترن بحبّ خصال الخير وعقائد الحقّ التي كان ينطوي عليها قلبها الطاهر ، مع الانقطاع عن كل مايمتّ إلى الشرّ بصلة من الظلم والبغي والعدوان.

وواضح بأن (فاطمة) على صيغة (فاعل) ولكنها وردت في الحديثين الشريفين بمعنى صيغة (مفعول)؛ لكونها (مفطومة). ولهذا نظائر في القرآن الكريم ولغة العرب ، قال تعالى :( عيشة راضية ) (٢) قيل : أي مرضية ، وقوله تعالى :( ماء دافق ) (٣) قيل : أي مدفوق. وكقولهم : سرّ كاتم ، أي مكتوم وغيرها كثير.

ولكن هذا الاسم الشريف (فاطمة) جاء في حديث آخر على صيغة (فاعل) تعبيراً عن وصفه ولم يصرف إلى معنى (مفعول).

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «سمّيت فاطمة لاَنّها فطمت شيعتها من النار ، وفُطم أعداؤها عن حبّها »(٤) .

__________________

٩٢. وإسعاف الراغبين / الصبّان : ١١٨ ، دار الكتب العلمية. ومسند فاطمة الزهراءعليها‌السلام / السيوطي : ٥٠ ـ ٥١. ومقتل الحسينعليه‌السلام / الخوارزمي : ٥١. وعيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢ : ٤٦ / ١٧٤. وعلل الشرائع ١ : ١٧٨ / ١. وأمالي الطوسي : ٢٩٤ / ٥٧١. ومناقب ابن شهرآشوب ٣ : ٣٢٩. وكشف الغمة ١ : ٤٦٣.

١) أمالي الطوسي : ٥٧٠ / ١١٧٩. وذخائر العقبى : ٢٦.

٢) سورة الطارق : ٨٦/ ٦.

٣) سورة الحاقة : ٦٩/ ٢١.

٤) معاني الأخبار / الشيخ الصدوق : ٣٩٦ / ٥٣ ، طبع جماعة المدرسين ـ قم.

٢٦

٢ ـ الزهراء :

ويستفاد من جملة الأحاديث والأخبار أنّ فاطمةعليها‌السلام عرفت بالزهراء لجمال هيئتها والنور الساطع في غرّتها ، فهي مزهرة كالشمس الضاحية ، ومشرقة كالقمر المنير.

وسُئل الإمام الصادقعليه‌السلام عن فاطمةعليها‌السلام لِمَ سمّيت الزهراء؟ فقالعليه‌السلام : «لاَنّها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لاَهل السماء ، كما يزهر نور الكواكب لاَهل الأرض »(١) .

وسأل أبو هاشم الجعفري رضي الله عنه صاحب العسكرعليه‌السلام لِمَ سميت فاطمةعليها‌السلام الزهراء؟ فقال : «كان وجهها يزهر لاَمير المؤمنين عليه‌السلام من أول النهار كالشمس الضاحية ، وعند الزوال كالقمر المنير ، وعند غروب الشمس كالكوكب الدرّي »(٢) .

قال ابن الأثير : الزهراء : تأنيث الأزهر ، وهو النيّر المُشرق من الألوان ، ويراد به إشراق نور إيمانها ، وإضاءته على إيمان غيرها(٣) .

وقال المناوي : سميت بالزهراء لاَنها زهرة المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله (٤) .

وارتجزت بعض أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في زفاف الزهراءعليها‌السلام قائلة :

__________________

١) معاني الأخبار / الشيخ الصدوق : ٦٤ / ١٥. وعلل الشرائع / الشيخ الصدوق ١ : ١٨١ / ٣.

ودلائل الإمامة : ١٤٩ / ٥٩. وبحار الانوار ٤٣ : ١٢ / ٦.

٢) المناقب / ابن شهرآشوب ٣ : ٣٣٠. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٦.

٣) منال الطالب / ابن الأثير : ٥٠٨ ـ القاهرة.

٤) اتحاف السائل / المناوي : ٢٤ ، مكتبة القرآن ـ القاهرة.

٢٧

فـاطمة خير نسـاء البشـر

ومن لها وجـه كـوجه القمر

فضلّك الله على كـلِّ الورى

بفضل من خصّ بآي الزمر(١)

وقال الشاعر :

أضاءت بها الأكوان والأرض والسما

قديماً وفـي الدنيا وفـي النشأة الاُخرى

ومازال فـي الأدوار يشرق نورهـا

ومـن أجل ذاك النور سميت الزهرا(٢)

وقال آخر :

شعّت فلا الشمس تحكيها ولا القمر

زهـراء من نورها الأكوان تزدهر(٣)

٣ ـ البتول :

البتل في اللغة : القطع ، وهو يرادف الفطم من حيث المعنى ، وقد عرفت الزهراءعليها‌السلام بهذا الاسم لتفرّدها عن سائر نساء العالمين بخصائص تميزت بها ، كما تدل عليه الأحاديث وأقوال أهل اللغة.

أما في الأحاديث : فقد ورد عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال : «إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله سُئِلَ ما البتول؟ فإنّا سمعناك يا رسول الله تقول : إنّ مريم بتول وفاطمة بتول.

__________________

١) المناقب / ابن شهر آشوب ٣ : ٣٥٥.

٢) من قصيدة للشيخ علي الجشي في ديوانه ١ : ٧٦ ، مطبعة النجف ١٣٨٣ هـ.

٣) من قصيدة للسيد محمد جمال الهاشمي في ديوانه (مع النبي وآلهعليهم‌السلام ) : ٣٤ ، الطبعة الاُولى.

٢٨

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : البتول التي لم تر حمرةً قط ـ أي لم تحض ـفإنّ الحيض مكروه في بنات الأنبياء »(١) ، وتنزيهها عن الحيض باعتباره أذىً يشير إلى علوّ مقامها وإلى خصوصية تفردت بها عن سواها ، لاَنّها من أهل البيت الذين طهرهم ربهم من الرجس تطهيراً ، وهو أمر غير مستبعد لكثرة المؤيدات له في الأحاديث والآثار.

منها : ما رواه أبو بصير عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : «حرّم الله النساء على علي عليه‌السلام ما دامت فاطمة عليها‌السلام حية » قال : قلت : كيف؟ قال : «لاَنّها طاهرة لا تحيض »(٢) .

ومنها : ما أخرجه الطبراني وغيره بالاسناد عن عائشة أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «إنّ فاطمة ليست كنساء الآدميين ولا تعتلّ كما يعتللن »(٣) .

ومنها : ما أخرجه النسائي والخطيب والمحب الطبري بالاسناد عن ابن عباس رضي الله عنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ ابنتي فاطمة حوراء آدمية ، لم تحض ولم تطمث »(٤) .

ومنها : ما رواه ابن المغازلي وغيره بالاسناد عن أسماء بنت عميس ، قالت : شهدتُ فاطمةعليها‌السلام وقد ولدت بعض ولدها فلم يُرَ لها دم ، فقال

__________________

١) معاني الأخبار : ٦٤ / ١٧. وعلل الشرائع : ١٨١ / ١. ومناقب ابن شهرآشوب ٣ : ٣٣٠. ودلائل الإمامة : ١٤٩ / ٦٧.

٢) تهذيب الأحكام / الطوسي ٧ : ٤٧٥ / ١١٦. ومناقب ابن شهرآشوب ٣ : ٣٣٠.

٣) المعجم الكبير / الطبراني ٢٢ : ٤٠٠ / ١٠٠٠. واعلام الورى / الطبرسي ١ : ٢٩١. ومناقب ابن شهرآشوب ٣ : ٣٣٠. ومقتل الحسينعليه‌السلام / الخوارزمي : ٦٤.

٤) تاريخ بغداد ١٢ : ٣٣١. وذخائر العقبى : ٢٦. ومسند فاطمة الزهراءعليها‌السلام / السيوطي : ٥٠.

٢٩

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : «يا أسماء ، إنّ فاطمة خلقت حورية في صورة إنسية »(١) . وفي رواية : أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لها : «أما علمت أن ابنتي طاهرة مطهرة لا يرى لها دم في طمث ولا ولادة »(٢) .

وأمّا أهل اللغة : فقد أضافوا عدة دلالات اُخرى تحكي عن منزلة الزهراءعليها‌السلام التي لا يدانيها أحد من نساء الاُمّة ، وفيما يلي بعضها.

قال الزبيدي : روي عن الزمخشري ، أنّه قال : لقبت فاطمة بنت سيد المرسلينعليها‌السلام بالبتول تشبيهاً بمريمعليها‌السلام في المنزلة عند الله تعالى.

وقال ثعلب : لانقطاعها عن نساء زمانها وعن نساء الاُمّة فضلاً وديناً وحسباً وعفافاً ، وهي سيدة نساء العالمين ، وأُمّ أولادهصلى‌الله‌عليه‌وآله ورضي الله عنها وعنهم.

وقيل : البتول من النساء : المنقطعة عن الدنيا إلى الله تعالى ، وبه لقّبت فاطمة أيضاً (رضي الله عنها)(٣) .

وقال الجزري بنحو قول ثعلب ، وأضاف في آخره : وقيل : لانقطاعها عن الدنيا إلى الله(٤) .

وقال به أيضاً أحمد بن يحيى على ما نقله عنه ابن منظور. وأضاف ابن منظور : امرأة متبتلة الخلق : أي منقطعة الخلق عن النساء ، لها عليهنّ فضل. وقيل : التامة الخلق. وقيل : تبتيل خلقها : انفراد كلّ شيء منها بحسنه ، لا

__________________

١) المناقب / ابن المغازلي : ٣٦٩ / ٤١٦. وكشف الغمة ١ : ٤٦٣. ودلائل الامامة : ١٤٨ / ٥٦.

٢) ذخائر العقبى : ٤٤.

٣) تاج العروس / الزبيدي ٧ : ٣٣٠ ـ بتل ـ.

٤) النهاية ١ : ٩٤ ـ بتل ـ.

٣٠

يتكل بعضه على بعض(١) .

وعن الهروي في (الغريبين) ، قال : سميت فاطمةعليها‌السلام بتولاً؛ لاَنّها بتلت عن النظير(٢) .

٤ ـ المُحَدَّثة :

المُحَدَّث : من تكلّمه الملائكة بلا نبوّة ولا رؤية صورة ، أو يُلهم له ويلقى في روعه شيء من العلم على وجه الالهام والمكاشفة من المبدأ الأعلى ، أو ينكت له في قلبه من حقائق تخفى على غيره(٣) .

وهذه كرامة يكرم الله بها من شاء من صالح عباده ، ومنزلة جليلة من منازل الأولياء ، حضيت بها الزهراء بنت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على ما جاء في كثير من الروايات ، منها ما روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال : «إنّما سميت فاطمة عليها‌السلام محدّثة ، لاَنّ الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران ، فتقول : يافاطمة ، إنّ الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين. يا فاطمة ، اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين ، فتحدّثهم ويحدّثونها. فقالت لهم ذات ليلة : أليست المفضّلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟ فقالوا : إنّ مريم كانت سيدة نساء عالمها ، وإنّ الله عزَّ وجلَّ جعلك سيدة نساء عالمك وعالمها ، وسيدة نساء الأولين والآخرين »(٤) .

وقد اتضح من التعريف المتقدم أنّ المحدَّث غير النبي ، وأنّه ليس كلّ

__________________

١) لسان العرب ١١ : ٤٣ ـ بتل ـ.

٢) المناقب / ابن شهر آشوب ٣ : ٣٣٠.

٣) الغدير / الأميني ٥ : ٤٢ ، دار الكتب الإسلامية ـ طهران.

٤) علل الشرائع ١ : ١٨٢ / ١. ودلائل الإمامة : ٨٠ / ٢٠. وبحار الأنوار ٤٣ : ٧٨ / ٦٥.

٣١

محدّث نبي ، ولكن قد يتصور البعض أنّ الملائكة لا تحدّث إلاّ الأنبياء ، وهو تصور غير صحيح ومنافٍ للكتاب الكريم والسُنّة المطهّرة ، فمريم بنت عمرانعليها‌السلام كانت محدثة ولم تكن نبية ، قال تعالى :( وإذ قالت الملائكة يا مريم إنّ الله اصطفاك وطهّرك ) (١) وأُمّ موسى كانت محدثة ولم تكن نبية ، قال تعالى :( وأوحينا إلى أُمّ موسى أن ارضعيه ) (٢) وقال سبحانه مخاطباً موسىعليه‌السلام :( إذ أوحينا إلى أُمّك ما يوحى ) (٣) وسارة امرأة نبي الله إبراهيمعليه‌السلام قد بشرتها الملائكة بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب(٤) ، ولم تكن نبية ، ونفي النبوة عن النساء المتقدمات وعن غيرهن ثابت بقوله تعالى :( وما أرسلنا قبلك إلاّ رجالاً نوحي إليهم ) (٥) ولم يقل نساءً ، وعليه فالمُحدَّثون ليسوا برُسل ولا أنبياء ، وقد كانت الملائكة تحدّثهم ، والزهراءعليها‌السلام كانت مُحدَّثة ولم تكن نبية ، كما يحلو للبعض أن يقوله ويقذف به الفرقة الناجية(٦) .

٥ ـ الصدّيقة :

وهي صيغة مبالغة في الصدق والتصديق ، وقد عرفت الزهراءعليها‌السلام بالصديقة ، والصديقة الكبرى ، أي كانت كثيرة التصديق لما جاء به أبوهاصلى‌الله‌عليه‌وآله وقويّة الإيمان به ، كما انّها كانت صادقة في جميع أقوالها

__________________

١) سورة آل عمران : ٣ / ٤٢.

٢) سورة القصص : ٢٨ / ٧.

٣) سورة طه : ٢٠ / ٣٨.

٤) راجع الآيات من ٧١ ـ ٧٣ من سورة هود.

٥) سورة الأنبياء : ٢١ / ٧.

٦) أمثال عبدالله القصيمي في كتابه « الصراع بين الإسلام والوثنية ».

٣٢

بأفعالها(١) .

روى الشيخ الكليني باسناده عن علي بن جعفر ، عن أخيه أبي الحسنعليه‌السلام ، قال : «إنّ فاطمة عليها‌السلام صديقة شهيدة »(٢) .

وأخرج المحبُّ الطبري في (الرياض النضرة) أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال للاِمام عليعليه‌السلام : «أوتيت ثلاثاً لم يؤتهنّ أحد ولا أنا : أوتيتَ صهراً (٣) مثلي ، ولم أوت أنا مثلك ، وأوتيت زوجة صديقة مثل ابنتي ولم أُوت مثلها زوجة ، وأوتيت الحسن والحسين من صلبك ولم أوت من صلبي مثلهما ، ولكنكم مني وأنا منكم »(٤) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله للاِمام عليعليه‌السلام : «يا علي ، إني قد أوصيت فاطمة ابنتي بأشياء ، وأمرتها أن تلقيها إليك فأنفذها ، فهي الصادقة الصدوقة »(٥) .

وأخرج الحاكم وغيره عن عائشة : أنها إذا ذكرت فاطمة بنت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قالت : ما رأيت أحداً كان أصدق لهجةً منها إلاّ أن يكون الذي ولدها(٦) .

كناها :

كانتعليها‌السلام تُكَنى بأسماء أبنائهاعليهم‌السلام فهي أُمّ الحسن ، وأُمّ الحسين ، وأُمّ

__________________

١) مرآة العقول / العلاّمة المجلسي ٥ : ٣١٥ دار الكتب الإسلامية ـ طهران.

٢) الكافي ١ : ٤٥٨ / ٢.

٣) الصهر في اللغة : هو زوج بنت الرجل ، وأبو زوجة الرجل أيضاً. اُنظر لسان العرب ـ صهر ـ ٤ : ٤٧١.

٤) الرياض النضرة / المحب الطبري ٣ : ١٧٢ دار الكتب العلمية ـ بيروت.

٥) بحار الأنوار ٢٢ : ٤٩١ عن كتاب الطرف للسيد ابن طاووس.

٦) مستدرك الحاكم ٣ : ١٦٠ وصحّحه على شرط مسلم. والاستيعاب ٤ : ٣٧٧. وذخائر العقبى : ٤٤.

٣٣

المحسن ، وأُمّ الأئمة(١) .

وعن الإمام الصادق عن أبيهعليهما‌السلام : «أنّ فاطمة عليها‌السلام كانت تُكنى أُمّ أبيها »(٢) . وروي ذلك عن مصعب بن عبدالله الزبيري ، ومحمد بن علي المديني وابن الأثير(٣) .

أُمّ أبيها :

ومن الاوسمة الرفيعة الخالدة التي لم تمنح لبنت نبيّ قط غير الزهراءعليها‌السلام ما منحه أشرف الرسل والأنبياء لسيدة النساء : (أم أبيها) صلوات الله عليها.

إنّها كنية ما أجلّها وأعظمها! فهي تعبر عن عمق الارتباط الروحي الضخم بين المانح العظيم المقدس وبين الممنوحة الطاهرة المطهرة بحكم التنزيه من كل رجس ودنس.

نعم ، هذه الكنية جديرة بالتأمل والتدبر ، فهي هتاف ملأ الكون بصداه ، ونداء لكلِّ جيل يتدبر معناه ، وتنبيه للاُمّة بما ينبغي عليها من توقير البتول وحفظ مقامها الشامخ من قلب الرسول.

لقد تبوّأت الزهراءعليها‌السلام هذا المقام العظيم من قلب أبيهاصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لا لكونها ابنته ، وإنّما أراد الله عزَّ وجلّ لها ذلك المقام المحمود زيادة على مواقفها

__________________

١) مناقب ابن شهرآشوب ٣ : ٣٥٧. والهداية الكبرى / الخصيبي : ١٧٦ مؤسسة البلاغ ـ بيروت. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٦ / ١٥.

٢) مقاتل الطالبيين / أبي الفرج : ٢٩ ـ النجف الأشرف. والمناقب / ابن المغازلي : ٣٤٠ / ٣٩٢. والاستيعاب ٤ : ٣٨٠ عن الإمام الصادقعليه‌السلام . وبحار الأنوار ٤٣ : ١٩ / ١٩.

٣) المعجم الكبير ٢٢ : ٣٩٧ / ٩٨٥ و ٩٨٨. وأُسد الغابة ٥ : ٥٢٠. ومجمع الزوائد ٩ : ٢١١. واتحاف السائل : ٢٥.

٣٤

الفريدة والتي سنذكر طرقاً منها فنقول :

كانت الزهراءعليها‌السلام أحب الناس الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) ، وهي بهجة قلبه وبضعة منه ، يغضب لغضبها ، ويرضى لرضاها ، ويغضبه ما يغضبها ، ويبسطه ما يبسطها ، ويؤذيه ما يؤذيها ، ويسرّه ما يسرّها(٢) .

وكانت إذا دخلت على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قام إليها فقبّلها وأجلسها في مجلسه ، وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبلته وأجلسته في مجلسها(٣) .

وإذا أراد سفراً أو غزاة كانصلى‌الله‌عليه‌وآله آخر الناس عهداً بفاطمةعليها‌السلام ، وإذا قدم كانصلى‌الله‌عليه‌وآله أول الناس عهداً بفاطمةعليها‌السلام (٤) ، وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله لا ينام حتى يقبّل عرض وجهها ، ويدعو لها(٥) .

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يكثر من زيارتها وتعهدها ويقول لها : «فداك أبي وأُمّي »(٦) ويقبّل رأسها فيقول : «فداك أبوك »(٧) وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يعينها على الجاروش

__________________

١) المعجم الكبير ٢٢ : ٣٩٧ / ٩٨٦.

٢) راجع : صحيح مسلم ٤ : ١٩٠٣ / ٩٤. ومستدرك الحاكم ٣ : ١٥٤. ومسند أحمد ٤ : ٥ دار الفكر ـ بيروت.

٣) سنن الترمذي ٥ : ٧٠٠ / ٣٨٧٢ دار احياء التراث العربي ـ بيروت. وجامع الاُصول / الجزري ١٠ : ٨٦ دار احياء التراث العربي ـ بيروت. ومستدرك الحاكم ٤ : ٢٧٢.

٤) مستدرك الحاكم ١ : ٤٨٩ و ٣ : ١٦٥. ومقتل الحسينعليه‌السلام / الخوارزمي ١ : ٥٦. وذخائر العقبى : ٣٧. ومسند أحمد ٥ : ٢٧٥.

٥) مناقب ابن شهرآشوب ٣ : ٣٣٤. ومقتل الحسينعليه‌السلام / الخوارزمي ١ : ٦٦.

٦) مستدرك الحاكم ٣ : ١٥٦.

٧) مقتل الحسينعليه‌السلام / الخوارزمي ١ : ٦٦. وذخائر العقبى : ١٣٠.

٣٥

والرحى(١) .

وحينما استشهد حمزة بن عبدالمطلبعليه‌السلام في أُحد بكت فاطمة الزهراءعليها‌السلام فانهلت دموع المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله لبكائها(٢) ، وحينما ماتت رقية قعدت على شفير قبرها إلى جنب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهي تبكي ، فجعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يمسح الدموع عن عينيها بطرف ثوبه رحمةً لها(٣) .

أما تعامل الزهراءعليها‌السلام مع أبيهاصلى‌الله‌عليه‌وآله فقد كانت تهتم به اهتمام الاُمّ بولدها(٤) ، فمنذ أيام طفولتها كانت تدفع عنه أذى المشركين(٥) ، وتخفّف آلامه وتضمد جروحه(٦) ، وتمسح الدم عن وجهه في الحرب(٧) ، وإذا عاد من سفرٍ بادرت إلى استقباله واعتنقته وقبّلت بين عينيه ، وكانت تتأثر لحاله وتحنو عليه.

أخرج الطبراني والحاكم وغيرهما عن أبي ثعلبة الخشني ، قال : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا قدم من سفر ، صلّى في المسجد ركعتين ، ثمّ أتى فاطمة فتلقته على باب البيت ، فجعلت تلثم فاه وعينيه وتبكي ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ما يبكيك؟ » فقالت : «أراك شعثا ًنصباً ، قد أخلولقت ثيابك »فقال لها : «لا تبكي ، فإنّ الله قد بعث أباك بأمرٍ لا يبقى على وجه الأرض بيت ولا مدر ولا حجر ولا

__________________

١) بحار الأنوار / المجلسي ٤٣ : ٥٠ / ٤٧ عن ابن شاذان.

٢) شرح ابن أبي الحديد ١٥ : ١٧ دار احياء الكتب العربية.

٣) مسند أحمد١ : ٣٣٥. وتاريخ المدينة المنورة / ابن شبة ١ : ١٠٣ دار الفكر ـ بيروت.

٤) البدء والتاريخ / المقدسي ٥ : ٢٠ مكتبة الثقافة الدينية.

٥) صحيح مسلم ٣ : ١٤١٨ / ١٠٧ كتاب الجهاد والسير.

٦) صحيح مسلم ٣ : ١٤١٦ / ١٠١ كتاب الجهاد والسير.

٧) المغازي / الواقدي ١ : ٢٤٩ عالم الكتب ـ بيروت.

٣٦

وبر ولا شعر إلاّ أدخله الله به عزّاً أو ذلاً حتى يبلغ حيث بلغ الليل »(١) .

وكانت « سلام الله عليها » تؤثره بما عندها من طعام كالاُمّ المشفقة على ولدها ، فعن أنس ، قال : جاءت فاطمةعليها‌السلام بكسرة خبز لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : «ما هذه الكسرة؟ » قالت : «قرص خبزته ولم تطب نفسي حتى أتيتك بهذه الكسرة »(٢) .

وعن عبدالله بن الحسن قال : دخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على فاطمةعليها‌السلام فقدّمت إليه كسرة يابسة من خبز شعير ، فأفطر عليها ، ثم قال : «يابنية ، هذا أول خبزٍ أكل أبوك منذ ثلاثة أيام » ، فجعلت فاطمةعليها‌السلام تبكي ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يمسح وجهها بيده(٣) .

ولمّا اختار الله سبحانه لنبيه دار رضوانه ومأوى أصفيائه ، كانت الزهراءعليها‌السلام كالاُمّ التي فقدت وحيدها ، فما رؤيتعليها‌السلام ضاحكة قطّ منذ قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى قبضت(٤) ، ومازالت بعده معصبة الرأس ، ناحلة الجسم ، منهدّة الركن ، باكية العين ، محترقة القلب ، يغشى عليها ساعة بعد ساعة(٥) ، تشمّ قميصه فيغشى عليها(٦) ، وسمعت بلالاً يؤذّن حتى إذا بلغ :

__________________

١) المعجم الكبير ٢٢ : ٢٢٥ / ٥٩٥ و ٥٩٦. ومستدرك الحاكم ١ : ٤٨٨ و ٣ : ١٥٥. وحلية الأولياء / أبو نعيم ٣ : ٣٠ و ٦ : ١٢٣ دار الكتب العلمية. ومقتل الحسينعليه‌السلام / الخوارزمي ١ : ٦٣. وذخائر العقبى : ٣٧.

٢) مجمع الزوائد ١٠ : ٣١٢.

٣) مناقب ابن شهر آشوب ٣ : ٣٣٣. وبحار الأنوار ٤٣ : ٤٠.

٤) المعجم الكبير / الطبراني ٢٢ : ٣٩٨ / ٩٨٩ و ٩٩٠ و ٩٩٣ و ٩٩٤. والمناقب / ابن شهرآشوب ٣ : ٣٥٩. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٩٦.

٥) مناقب ابن شهرآشوب ٣ : ٣٦٢. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٨١.

٦) مقتل الحسينعليه‌السلام / الخوارزمي ١ : ٧٧. وبحار الأنوار ٤٣ : ١٥٧ / ٦.

٣٧

أشهد أن محمداً رسول الله ، شهقت وسقطت لوجهها وغشي عليها حتى ظنّ بأنّهاعليها‌السلام قد فارقت الحياة(١) .

وكانت تقول :

إنّا فقدناك فقـد الأرض وابلهـا

واختلّ قومك فاشهدهم فقـد نكبوا

فسوف نبكيك ما عشنا وما بقيت

منّا العيـون بتهمالٍ له سكبُ(٢)

هذه هي بعض الموارد التي تحكي لنا طبيعة العلاقة بين الرسول المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأحبّ الناس إليه فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، ولو أتينا على جميع ما ورد في إكرامه لها وإلطافه بها وشفقته عليها ، لخرجنا عن شرط الاختصار في هذا البحث ، وعلى العموم كانتعليها‌السلام بمثابة الاُمّ لاَبيهاصلى‌الله‌عليه‌وآله فهو يعظّمها ويبرّها ويحنو عليها ، ويجد فيها كل ما يجد الولد في أُمّه من العطف والرقة والحنان والوفاء ، فما أجدرها إذن بتلك الكنية الرفيعة : أمّ أبيها !

فانظر إلى كرامة البنات وعزّتهن بالإسلام ، فالبنت التي كانت مصدر شؤمٍ وعارٍ في أعراف الجاهلية ، أصبحت في رحاب الإسلام أُمّاً للنبي الخاتم سيد البشرصلى‌الله‌عليه‌وآله .

قال الشاعر :

__________________

١) الفقيه / الشيخ الصدوق ١ : ١٩٤ / ٩٠٦ دار الكتب الاسلامية. وبحار الانوار ٤٣ : ١٥٧ / ٧.

٢) أمالي الشيخ المفيد : ٤١ / ٨ طبع جماعة المدرسين ـ قم. والبيتان من قصيدة مروية في عدة مصادر. راجع فاطمة الزهراء في ديوان الشعر العربي : ١٦ مؤسسة البعثة ـ قم.

٣٨

بضعـة مـن أبٍ عظيم يراهـا

نـور عينيه مشرقاً في رداءِ(١)

فهي أحلى في جفنه من لذيذ الـ

ـحُلمِ غِبّ الهجـود والإعيـاءِ

وهي قطبُ الحنان في صدر طه

واختصـار البنـات والأبنـاءِ

غيّب الموت مـن خديجة وجهاً

فإذا فـاطـم معيـن العـزاءِ

تحسب الكون بسمةً مـن أبيها

فهي أُمّ تذوب في الإرضاءِ(٢)

وشيء آخر يمكن استخلاصه من هذه الكنية التي تشرفت بها الزهراءعليها‌السلام وهو أن الاُمّ في اللغة بمعنى الأصل ، وفاطمةعليها‌السلام هي الفرع الفذّ النامي من الشجرة المحمدية الذي حافظ على بقاء الأصل وديمومته ، فأخرج للناس ثمار تلك الشجرة الباسقة.

عن عبدالرحمن بن عوف قال : سمعتُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «أنا الشجرة ، وفاطمة فرعها ، وعلي لقاحها ، والحسن والحسين ثمرها ، وشيعتنا ورقها ، وأصل الشجرة في جنة عدن ، وسائر ذلك في سائر الجنة »(٣) .

__________________

١) أي في حسن ونضارة.

٢) من قصيدة لبولس سلامة بعنوان عيد الغدير : ٨٠ الطبعة الرابعة ـ طهران.

٣) مستدرك الحاكم ٣ : ١٦٠. ومقتل الحسينعليه‌السلام / الخوارزمي : ٦١.

٣٩

وقد استلهم بعضهم هذا المعنى فأنشد :

كمـا الله سمّاها بفاطم إذ قضـى

بفطم محبيها مـن النار في الاُخرى

بأُمّ أبيهـا كنّيـت إذ بفـاطـم

بقى ذكره في الناس والملّة الغرّا(١)

حليتها وشمائلها :

كانت الزهراءعليها‌السلام تشبه أباهاصلى‌الله‌عليه‌وآله خلقاً وأخلاقاً ومنطقاً ، وقد وصفها الصحابة المعاصرون لها بأنّها كانت كأبيهاصلى‌الله‌عليه‌وآله في مشيته وجلسته وسمته وهديه ما تخطي منه شيئاً.

عن أنس بن مالك ، قال : لم يكن أحد أشبه برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من الحسن ابن علي وفاطمةعليهما‌السلام (٢) .

وعن عائشة ، قالت : ما رأيت أحداً أشبه سمتاً ودلاًّ وهدياً وحديثاً برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في قيامه وقعوده من فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) .

وقالت : أقبلت فاطمة تمشي كأنّ مشيتها مشية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٤) .

وعن جابر بن عبدالله ، قال : ما رأيت فاطمة تمشي إلاّ ذكرت رسول

__________________

١) البيتان للشيخ علي الجشي من ديوانه ١ : ٧٦ مطبعة النجف ١٣٨٣ هـ.

٢) مسند أحمد ٣ : ١٦٤.

٣) سنن الترمذي ٥ : ٧٠٠ / ٣٨٧٢. وجامع الاُصول ١٠ : ٨٦. ومستدرك الحاكم ٤ : ٢٧٢.

٤) مسند أحمد ٦ : ٢٨٢.

٤٠