سيدة النساء فاطمة الزهراء (ع)

سيدة النساء فاطمة الزهراء (ع)0%

سيدة النساء فاطمة الزهراء (ع) مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
تصنيف: السيدة الزهراء سلام الله عليها
ISBN: 964-319-218-0
الصفحات: 245

سيدة النساء فاطمة الزهراء (ع)

مؤلف: علي موسى الكعبي
الناشر: مركز الرسالة
تصنيف:

ISBN: 964-319-218-0
الصفحات: 245
المشاهدات: 54460
تحميل: 8353

توضيحات:

سيدة النساء فاطمة الزهراء (ع)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 245 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 54460 / تحميل: 8353
الحجم الحجم الحجم
سيدة النساء فاطمة الزهراء (ع)

سيدة النساء فاطمة الزهراء (ع)

مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
ISBN: 964-319-218-0
العربية

للمؤمنين والمؤمنات وتسمّيهم ، وتكثر الدعاء لهم ، ولا تدعو لنفسها بشيء ، فقلت لها : يا أُمّاه ، لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت : يا بني ، الجار ثمّ الدار »(١) .

وكان للزهراءعليها‌السلام دور رائد في الدفاع عن قضايا الإسلام المصيرية بعد رحلة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى عالم الخلود ورضوان ربه ، فقد جهرت بالحق ودافعت عن الإمامة ، وخطبت في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خطبة بليغة أعادت إلى الأذهان الخطوط العريضة التي رسمها الإسلام لقيادة الاُمّة بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وحفظ الدعوة وتأصيل مفاهيمها ، وقد كادت خطبتها أن تؤتي أُكلها لولا تسلّط الظالمين وبطش الجبارين. وسنأتي على بعض فقرات هذه الخطبة في آخر هذا البحث.

وعلى رغم المأساة التي تعرضت لها الزهراءعليها‌السلام بعد وفاة أبيهاصلى‌الله‌عليه‌وآله فقد استطاعت أن تؤدي دورها في إلقاء الحجة على أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبيان الحقائق الناصعة التي طالما نوّه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بها في حياته.

جاء في خصال الشيخ الصدوق : أن فاطمة الزهراءعليها‌السلام لمّا منعت فدكاً وخاطبت الأنصار ، فقالوا : يا بنت محمد ، لو سمعنا هذا الكلام قبل بيعتنا لاَبي بكر ماعدلنا بعلي أحداً. فقالت : «وهل ترك أبي يوم غدير خمّ لاَحد عذراً »(٢) .

وعن الإمام الباقرعليه‌السلام : «أنّ عليّاً عليه‌السلام حمل فاطمة عليها‌السلام على حمارٍ وسار بها ليلاً إلى بيوت الأنصار يسألهم النصرة ، وتسألهم فاطمة عليها‌السلام الانتصار له ، فكانوا يقولون : يا بنت رسول الله ، قد مضت بيعتنا لهذا الرجل ، لو كان ابن عمك سبق

__________________

١) علل الشرائع / الشيخ الصدوق : ١٨١ / ١. ودلائل الإمامة : ١٥١ / ٦٥.

٢) الخصال : ١٧٣.

٨١

إلينا أبا بكر ما عدلنا به ، فقال علي عليه‌السلام أكنت أترك رسول الله ميتاً في بيته لا أُجهزه ، وأخرج إلى الناس أُنازعهم في سلطانه! وقالت فاطمة عليها‌السلام : ما صنع أبو الحسن إلاّ ما كان ينبغي له ، وصنعوا هم ما الله حسيبهم عليه »(١) .

__________________

١) الإمامة والسياسة / ابن قتيبة ١ : ١٢ مكتبة مصطفى بابي الحلبي ـ مصر. وشرح ابن أبي الحديد ٦ : ١٣.

٨٢

٨٣

الفصل الثاني

خصائصها الفذّة ومكارم أخلاقهاعليها‌السلام

إنّ حياة سيدة النساءعليها‌السلام تعدّ صفحة خالدة على طول التاريخ ، نقرأ فيها الذروة العليا من مبادىء العفاف والطهارة والاستقامة والعظمة ، ما لا يمكن لاَيّة أُنثى في صفحات الوجود أن تبلغه ، فهي غرس النبوة وشجرة الإمامة الباسقة التي نمت على أنغام كلمات الوحي من فم الصادق الأمين ، الذي كان يحنو عليها ويبذل الوسع في إعدادها لتكون ابنة الرسالة المثلى والقدوة الكبرى لنساء العالمين.

ولقد تجلّت تلك العناية النبوية في الخصائص الفريدة التي تحلّت بها الزهراءعليها‌السلام ، فكانت سيدة النساء وأفضلهن في العلم والأدب والفصاحة والبيان والخلق الرفيع والعبادة ومكارم الأخلاق.

قالت عائشة : ما رأيت قطّ أفضل من فاطمة غير أبيهاصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) .

ولم تنل فاطمةعليها‌السلام مرتبة السيادة السامية لاَنّها بنت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وحسب ، ولكن الله تعالى اختارها وفضّلها على نساء العالمين ، وأكرمها بما جاء على لسان الصادق الأمين الذي لا ينطق عن الهوى من الأحاديث الجمّة

__________________

١) المعجم الأوسط / الطبراني ٣ : ٣٤٩ / ٢٧٤٢. والإصابة ٤ : ٣٧٨ أخرجه عن المعجم الأوسط ، وقال : سنده صحيح على شرط الشيخين. ومجمع الزوائد ٩ : ٢٠١. وقال : رواه الطبراني في الأوسط وأبو يعلى ، ورجالهما رجال الصحيح. وإتحاف السائل : ٢٨.

٨٤

في بيان خصائصها ومكارم أخلاقهاعليها‌السلام ، كما أنّها أجهدت نفسها في مرضاة الله عزّ وجلّ واستحقّت شرف الحصول على هذه المرتبة بفضل زهدها وإخلاصها ويقينها وعبادتها وإنفاقها وجهادها وصبرها وتحملها في سبيل الله ، فكانت رمزاً وقدوة للمرأة في المجتمع الإسلامي.

ومن هنا حظيت بمناقب فذّة ومزايا عجيبة ، فكان زواجها بأمر الله تعالى ، وكانت من الخمسة أهل الكساء عترة النبي المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، وفرض مودتهم على جميع الخلق ، وأوجب التمسك بهم والاقتداء بهديهم بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، واختصها الله تعالى بقوله في آية المباهلة :( ونساءنا ونساءكم ) فتفرّدت بنيل ذلك الشرف من دون نساء الاُمّة ، وجعل الله تعالى في نسلها الذرية الطاهرة من آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وفي ذلك شرف لا يضاهى وفضل لا يدانى.

قال الشاعر :

تفـرّدت بالذكا والعلم واتخذت

مـن الخلائق والآداب ساميها

والله كمّل تكميلاً محاسنها الـ

ــزهرا فسافرها زاهٍ وخافيها

وإنّهـا فذّة بيـن النساء فـلا

بنت لحوّاء تدنو من معاليها(١)

وفي هذا الفصل سنورد بعض الأخبار الدالة على خصوصيتها بشرف المنزلة وتفرّدها بعلو الدرجة ، من خلال مبحثين :

الأول : في مناقب الزهراء عليها‌السلام وخصائصها.

الثاني : في مكارم أخلاقها.

__________________

١) من القصيدة العلوية / عبد المسيح الانطاكي : ٩٥.

٨٥

المبحث الأول : مناقب الزهراءعليها‌السلام وخصائصها :

١ ـ عصمتها من الأرجاس :

أخرج مسلم في الصحيح عن عائشة ، قالت : خرج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله غداةً وعليه مرط مرحّل من شعر أسود ، فجاء الحسن بن علي فأدخله ، ثم جاء الحسين فدخل معه ، ثم جاءت فاطمة فأدخلها ، ثم جاء عليّ فأدخله ، ثم قال :( إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ) (١) . وأخرج الترمذي وغيره عن أُم سلمة : أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جلّل على الحسن والحسين وعلي وفاطمة كساء ، وقال : «اللهمّ أهل بيتي وحامتي اذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ». قالت أُمّ سلمة : وأنا معهم يا رسول الله؟ فقال : «إنّكِ على خير »(٢) . ولا ريب أن إذهاب الرجس عن أهل البيت الذين عنوا بالخطاب يوجب عصمتهم.

٢ ـ فرض مودّتها :

روي أنه لمّا نزل قوله تعالى :( قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودة في القربى ) (٣) .

قيل : يا رسول الله ، من هم قرابتك الذين وجبت علينا مودّتهم؟

__________________

١) صحيح مسلم ٤ : ١٨٨٣ / ٢٤٢٤. وتفسير الرازي ٨ : ٨٠. والآية من سورة الأحزاب : ٣٣ / ٣٣.

٢) سنن الترمذي ٥ : ٣٥١ / ٣٢٠٥ و ٥ : ٦٦٣ / ٣٧٨٧ وص ٦٦٩ / ٣٨٧١. وروي حديث الكساء في مسند أحمد ٤ : ١٠٧ و ٦ : ٢٩٢ و ٣٠٤. ومصابيح السنة ٤ : ١٨٣. ومستدرك الحاكم ٢ : ٤١٦ و ٣ : ١٤٨. وتفسير الطبري ٢٢ : ٦ و ٧. وتاريخ بغداد ٩ : ١٢٦ و ١٠ : ٢٧٨. وأُسد الغابة ٢ : ١٢ و٤ : ٢٩. والمعجم الكبير / الطبراني ٩ : ٢٥ / ٨٢٩٥ ، ٢٣ : ٢٤٩ و ٢٨١ و ٣٢٧ و ٣٣٤ و ٣٣٣ و ٣٣٧ و ٣٩٦.

٣) سورة الشورى : ٢١ / ٢٣.

٨٦

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «عليّ وفاطمة وابناهما »(١) .

٣ ـ المباهلة بها :

أجمع المفسرون والمحدّثون وكتّاب السيرة أنّ فاطمة وبعلها وبنيهاعليهم‌السلام كانوا المعنيين في قوله تعالى :( فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ) (٢) الذي نزل على أثر مناظرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لوفد نصارى نجران؛ إذ دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاً وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام للمباهلة بهم ، وقال : «اللهمّ هؤلاء أهل بيتي »(٣) فـ (أبناءنا) الحسن والحسين و(نساءنا) فاطمة و(أنفسنا) رسول الله وعليعليهم‌السلام ، فكانت بضعة الرسول هي التي تفرّدت من بين نساء الاُمّة بشرف الاصطفاء الإلهي لهذه المنزلة العظيمة.

٤ ـ إنّها مع الحقّ أبداً :

عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لفاطمة : إنّ الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك (٤) . فإذا كان غضبها موافقاً لغضب الله في جميع

__________________

١) الكشاف / الزمخشري ٤ : ٢١٩. ومستدرك الحاكم ٣ : ١٧٢. وتفسير الرازي ٢٧ : ١٦٦.

٢) سورة آل عمران : ٣ / ٦١.

٣) راجع : صحيح مسلم ٤ : ١٨٧١. وسنن الترمذي ٥ : ٢٢٥ / ٢٩٩٩. ومصابيح السنة : ٤ : ١٨٣ / ٤٧٩٥. وتفسير الرازي ٨ / ٨١. وتفسير الزمخشري ١ : ٣٦٨. وتفسير القرطبي ٤ : ١٠٤. والكامل في التاريخ ٢ : ٢٩٣. ومسند أحمد ا : ١٨٥. ومستدرك الحاكم ٣ : ١٥٠. والدر المنثور / السيوطي ٢ : ٢٣٢ ـ دار الفكر.

٤) المعجم الكبير ٢٢ : ٤٠١ / ١٠٠١. ومستدرك الحاكم ٣ : ١٥٤ وقال : هذا صحيح الاسناد ولم يخرجاه. واُسد الغابة ٥ : ٥٢٢. وذخائر العقبى : ٣٩. ومقتل الحسينعليه‌السلام / الخوارزمي ١ : ٥٢. ومجمع الزوائد ٩ : ٢٠٣ ، وقال : رواه الطبراني وإسناده حسن. والصواعق المحرقة : ١٧٥ ـ باب ١١ ـ فصل ١ ـ المقصد ٣. وصحيفة الإمام الرضاعليه‌السلام ٩٠ / ٢٣. وعيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢ :

٨٧

الأحوال وكذلك رضاها ، فهذا يعني أن رضاها وغضبها يوافق الموازين الشرعية في جميع الأحوال ، وأنها لا تعدوالحق في حالتي الغضب والرضا ، وفي ذلك دليل ساطع على عصمتهاعليها‌السلام يضاف لما تقدّم في آية التطهير.

٥ ـ بضعة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وشجنة منه :

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّما ابنتي فاطمة بضعة مني ، يريبني ما أرابها ، ويؤذيني ما آذاها »(١) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «فاطمة بضعة مني ، فمن أغضبها أغضبني »(٢) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّما فاطمة شجنة مني ، يبسطني ما يبسطها ، ويقبضني ما يقبضها »(٣) .

هذه الأحاديث وغيرها التي وردت بألفاظ مختلفة ومعانٍ متقاربة ، فيها دليل آخر على عصمة فاطمةعليها‌السلام ، ذلك لاَنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله معصوم عن الذنب والخطأ والهوى ، ولا يرضى أو يغضب إلاّ لرضا الله سبحانه وغضبه ، وعليه

__________________

٤٦ / ٧٦. ومعاني الأخبار : ٣٠٢ / ٢. وأمالي المفيد : ٩٤ / ٤. وإتحاف السائل / المناوي : ٦٥ وقال : رواه الطبراني باسناد حسن.

١) المعجم الكبير ٢٢ : ٤٠٤ / ١٠١٠ و ١٠١١. وسنن البيهقي ٧ : ٦٤ و ١٠ : ٢٠١. ومشكاة المصابيح / التبريزي ٣ : ١٧٣٢. وفيض القدير ٤ : ٢٤١. وحيلة الأولياء ٢ : ٤٠. والصواعق المحرقة : ١٩٠. والاصابة ٤ : ٣٧٨. ومصابيح السنة ٤ : ٨٥. ورواه ابن شاهين في فضائل فاطمةعليها‌السلام : ٤٢ / ٢١. والكنجي في كفاية الطالب : ٣٦٥ ولفطه : «إنما فاطمة بضعة مني ، يؤذيني ما آذاها ، ويغضبني ما أغضبها ».

٢) المعجم الكبير ٢٢ : ٤٠٤ / ١٠١٢. وصحيح البخاري ـ كتاب المناقب ٥ : ٩٢ / ٢٠٩. ومصابيح السنة ٤ : ١٨٥ / ٤٧٩٩. وإتحاف السائل ٥٧. والجامع الصغير ٢ : ٢٠٨.

٣) المعجم الكبير ٢٢ : ٤٠٤ / ١٠١٤ ، وفيه : «يغضبني ما أغضبها ، ويبسطني ما يبسطها ». ومستدرك الحاكم ٣ : ١٥٤. وقال : هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه. ومجمع الزوائد ٩ : ٢٠٣. وإتحاف السائل : ٥٨.

٨٨

فلا يمكن القول بأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله يغضب لغضب بضعته ، إلاّ إذا قلنا بعصمتها عن الذنب والخطأ.

وقد استدلّ أعلام الإمامية بهذا الحديث على عصمة فاطمةعليها‌السلام ، قال الشيخ المفيدرحمه‌الله : (فلولا أنّ فاطمةعليها‌السلام كانت معصومة من الخطأ ، مبرّأة من الزلل ، لجاز منها وقوع مايجب أذاها به بالأدب والعقوبة ، ولو وجب ذلك لوجب أذاها ، ولو جاز وجوب أذاها ، لجاز أذى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والأذى لله عزّ وجل ، فلمّا بطل ذلك ، دلّ على أنّها كانت معصومة )(١) .

وقال السيد المرتضىرحمه‌الله : (هذا يدلّ على عصمتها؛ لاَنّها لو كانت ممن يقارف الذنوب ، لم يكن من يؤذيها مؤذياً لهصلى‌الله‌عليه‌وآله على كلّ حال ، بل كان متى فعل المستحقّ من ذمّها وإقامة الحدّ عليها ـ إن كان الفعل يقتضيه ـ ساراً لهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومطيعاً )(٢) .

حكاية موضوعة :

لقد اقترن حديث البضعة المتقدم بحكاية موضوعة لا تتناسب مع جلالة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقدسية أهل بيتهعليهم‌السلام ، افتعلها أعداؤهم للنيل منهم والحطّ من منزلتهم العظيمة في نفوس المسلمين بغضاً وحسداً لما آتاهم الله تعالى من فضله الكريم ، وفيما يلي نورد بعض ألفاظ تلك الحكاية الموضوعة والمتناقضة.

روى البخاري ومسلم باسنادهما عن المسور بن مخرمة ، قال : إنّ علياًعليه‌السلام خطب بنت أبي جهل ، فسمعت بذلك فاطمة ، فأتت رسول

__________________

١) الفصول المختارة : ٥٦ ـ دار الأضواء.

٢) الشافي / السيد المرتضى ٤ : ٩٥ ـ مؤسسة الصادق ـ طهران. وتلخيص الشافي / الطوسي ٣ : ١٢٣. وشرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد ١٦ : ٢٧٢.

٨٩

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت : «يزعم قومك أنك لا تغضب لبناتك ، وهذا علي ناكح بنت أبي جهل ». فقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فسمعته حيث تشهّد يقول : «أما بعد ، أنكحت أبا العاص بن الربيع ، فحدثني وصدقني ، وأنّ فاطمة بضعة مني ، وإنّي أكره أن يسوءها (١) ، والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله عند رجلٍ واحد » فترك عليّ الخطبة(٢) .

وفي حديث آخر عنه ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ فاطمة منيّ ، وإنّي أتخوف أن تفتن في دينها » ، قال : ثم ذكر صهراً له من بني عبد شمس ـ يعني أبا العاص ـ فأثنى عليه في مصاهرته إياه فأحسن ، قال : «حدثني فصدقني ، ووعدني فأوفى لي ، وإنّي لست أُحرم حلالاً ولا أُحلّ حراماً ، ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله أبداً » ) .

رأي أهل البيتعليهم‌السلام :

وقد أنكر أهل البيتعليهم‌السلام أصل هذه الحكاية ، ونسبوها إلى وضع أعدائهم ، ومن ذلك ما رواه الشيخ الصدوقرحمه‌الله بالاسناد عن علقمة ، عن الصادقعليه‌السلام ـ في حديث ـ قال علقمة : يا بن رسول الله ، إنّ الناس ينسبوننا إلى عظائم الاُمور ، وقد ضاقت صدورنا.

فقالعليه‌السلام : «يا علقمة ، إنّ رضا الناس لا يملك ، وألسنتهم لا تضبط ، فكيف تسلمون ممّا لم يسلم منه أنبياء الله ورسله وحججه عليهم‌السلام .. . وما قالوا في الأوصياء أكثر من ذلك ألم ينسبوا سيد الأوصياء عليه‌السلام إلى أنّه أراد أن يتزوّج

__________________

١) في صحيح مسلم : يفتنوها.

٢) صحيح البخاري ٥ : ٩٥ / ٢٢٢ ـ كتاب المناقب. وصحيح مسلم ٤ : ١٩٠٣ / ٩٦ ـ كتاب فضائل الصحابة.

٣) صحيح البخاري ٤ : ١٨٥ / ١٩ ـ كتاب الجهاد والسير. وصحيح مسلم ٤ : ١٩٠٣ / ٩٥ ـ كتاب فضائل الصحابة.

٩٠

ابنة أبي جهل على فاطمة عليها‌السلام ، وأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله شكاه على المنبر إلى المسلمين ، فقال : إنّ عليّاً يريد أن يتزوج ابنة عدوّ الله على ابنة نبي الله ، ألا إنّ فاطمة بضعة منّي ، فمن أذاها فقد آذاني ، ومن سرّها فقد سرّني ، ومن غاظها فقد غاظني »(١) .

وذكر الإمام الصادقعليه‌السلام في حديث آخر قصة هذا الحديث ، مبيّناً كيفية وضعه واختلاقه ، كونه سعاية من أحد الأشقياء المبغضين لاَهل البيتعليهم‌السلام ليؤذي فاطمةعليها‌السلام ويوقع بزعمه بين الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليعليه‌السلام ، وقد رواه الشيخ الصدوق مسنداً في (العلل)(٢) .

آراء أعلام الطائفة وغيرهم :

وأثبت كثير من أعلام الطائفة وغيرهم بطلان هذه الحكاية من وجوه عديدة ، ومخالفتها لصحيح النقل وقطعي السُنّة وحكم العقل وثوابت العلاقة الالهية بين النبي ووصيه وبضعته الزهراء (صلوات الله عليهم أجمعين) ، وفيما يلي نذكر بعض ما جاء عنهم :

أولاً : قال السيد المرتضىرحمه‌الله : هذا خبر باطل موضوع ذكره الكرابيسي(٣) » طاعناً به على أمير المؤمنين « صلوات الله عليه » ، ومعارضاً

__________________

١) أمالي الصدوق : ١٦٥ / ١٦٣ المجلس ٢٢.

٢) علل الشرائع ١ : ١٨٥ ـ باب ١٤٨ / ٢.

٣) هو أبو علي الحسين بن علي بن يزيد الكرابيسي ، المتوفى سنة ٢٤٨ هـ ، من أصحاب الشافعي والرواة عنه ، ويقال إنه من جملة مشايخ البخاري صاحب الصحيح. قال الأزدي : ساقط لا يراجع إلى قوله ، وقال ابن حبان : كان ممن يحسن الفقه والحديث ، ولكن أفسده قلّة عقله.

ونقل ابن أبي حاتم عن الخولاني قال : إنّ أحمد بن حنبل رمى الكرابيسي بالجهمية ، وعن مسلم بن قاسم في (الصلة ) ، قال : كان الكرابيسي غير ثقة في الرواية.

٩١

بذكره لبعض ما يذكره شيعته من الأخبار في أعدائه ، وهيهات أن يشتبه الحق بالباطل ، ولو لم يكن في ضعفه إلاّ رواية الكرابيسي له واعتماده عليه ، وهو من العداوة لاَهل البيتعليهم‌السلام والمناصبة لهم والازراء على فضائلهم ومآثرهم على ما هو مشهور ، لكفى.

على أنّ هذا الخبر قد تضمّن ما يشهد ببطلانه ويقضي بكذبه ، من حيث ادعي فيه أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ذمّ هذا الفعل وخطب بانكاره على المنابر ، ومعلوم أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام لو كان فعل ذلك على ما حكي ، لما كان فاعلاً لمحظور في الشريعة؛ لاَنّ نكاح الأربع على لسان نبينا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله مباح ، والمباح لا ينكره الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ويصرّح بذمّه ، وبأنّه متأذٍ به ، وقد رفعه الله عن هذه المنزلة ، وأعلاه عن كل منقصة ومذمّة ، ولو كانصلى‌الله‌عليه‌وآله نافراً من الجمع بين بنته وبين غيرها بالطباع التي تنفر من الحسن والقبيح ، لما جاز أن ينكره بلسانه ، ثمّ ما جاز أن يبالغ في الانكار ، ويعلن به على المنابر وفوق رؤوس الأشهاد ، ولو بلغ من إيلامه لقلبه كل مبلغ ، فما اختص به من الحلم والكظم ، ووصفه الله به من جميل الأخلاق وكريم الآداب ، ينافي ذلك ويحيله ويمنع من إضافته إليه وتصديقه عليه ، وأكثر ما يفعله مثلهصلى‌الله‌عليه‌وآله في هذا الأمر ، إذا ثقل عليه ، أن يعاتب سرّاً ، ويتكلم في العدول عنه خفياً ، على وجه جميل ،

__________________

وقال ابن النديم : كان الكرابيسي من المجبرة وله من الكتب كتاب الإمامة ، فيه غمز على عليعليه‌السلام .

وروى الخطيب بالاسناد عن أبي البختري قال : سمعت الكرابيسي يقول : ما خصّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله علياً بفضيلة إلا وقد شركه فيها فلان وفلان وجليبيب ، قال : فرأيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في النوم ، فسمعته يقول : كذب ، ما هو كهم ، ولا محله كمحلهم ، ولا منزلته كمنزلتهم. راجع تاريخ بغداد ٨ : ٦٦. وميزان الاعتدال ١ : ٥٤٤. ولسان الميزان ٢ : ٣٠٣. وأنساب السمعاني ٥ : ٤٢. وفهرست ابن النديم : ٢٧٠.

٩٢

وبقول لطيف

فو الله إنّ الطعن على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بما تضمّنه هذا الخبر الخبيث أعظم من الطعن على أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وما صنع هذا الخبر إلاّ ملحد قاصد للطعن عليهما ، أو ناصب معاند لا يبالي أن يشفي غيظه بما يرجع على أصوله بالقدح والهدم.

على أنّ لا خلاف بين أهل النقل أنّ الله تعالى هو الذي اختار أمير المؤمنينعليه‌السلام لنكاح سيدة النساء (صلوات الله وسلامه عليها ) وأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ردّ منها جلّة أصحابه وقد خطبوها ، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّي لم أزوّج فاطمة علياً حتى زوجها الله إياه في سمائه » ونحن نعلم أنّ الله سبحانه لايختار لها من بين الخلائق من يغيرها ويؤذيها ويغمّها ، فإنّ ذلك من أدلّ دليل على كذب الراوي لهذا الخبر.

وبعد فإنّ الشيء إنما يحمل على نضائره ، ويلحق بأمثاله ، وقد علم كلّ من سمع الأخبار أنّه لم يعهد من أمير المؤمنينعليه‌السلام خلاف على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ولا كان قطّ بحيث يكره ، على اختلاف الأحوال وتقلّب الأزمان وطول الصحبة ، ولا عاتبهصلى‌الله‌عليه‌وآله على شيءٍ من أفعاله ، مع أنّ أحداً من أصحابه لم يخل من عتاب على هفوة ونكير ، لاَجل زلّة ، فكيف خرق بهذا الفعل عادته ، وفارق سجيّته وسنته ، لولا تخرّص الأعداء وتعدّيهم(١) .

ثانياً : ذكر ابن أبي الحديد هذا الخبر ضمن الأحاديث الموضوعة في ذمّ علي أمير المؤمنينعليه‌السلام من قبل المنحرفين عنه ، حيث نقل عن شيخه أبي جعفر الأسكافي أنه قال : إنّ معاوية وضع قوماً من الصحابة وقوماً من

__________________

١) تنزيه الأنبياء / السيد المرتضى : ١٦٧ ـ ١٦٩ ، منشورات الرضي ـ قم ، ونقله الشيخ الطوسي في تلخيص الشافي ٢ : ٢٧٦ ـ ٢٧٩ ، منشورات عزيزي ـ قم.

٩٣

التابعين على رواية أخبار قبيحة في عليعليه‌السلام تقتضي الطعن فيه والبراءة منه ، وجعل لهم على ذلك جعلاً يرغب في مثله ، فاختلقوا ما أرضاه ، منهم : أبو هريرة ، وعمرو بن العاص ، والمغيرة بن شعبة ، ومن التابعين عروة ابن الزبير ، وأما أبو هريرة فروى الحديث الذي معناه أنّ علياًعليه‌السلام خطب ابنة أبي جهل في حياة رسول الله والحديث مشهور في رواية الكرابيسي.

قال ابن أبي الحديد : وعندي أنّ هذا الخبر ـ لو صحّ ـ لم يكن على أمير المؤمنينعليه‌السلام فيه غضاضة ولا قدح؛ لاَنّ الاُمّة مجمعة على أنه لو نكح ابنة أبي جهل مضافاً إلى نكاح فاطمةعليها‌السلام لجاز؛ لاَنّه داخل تحت عموم الآية المبيحة للنساء الأربع ، فابنة أبي جهل المشار إليها كانت مسلمة؛ لاَنّ هذه القصة كانت بعد فتح مكة وإسلام أهلها طوعاً وكرهاً ، ورواة الخبر موافقون على ذلك(١) .

ثالثاً : وأتمّ ما جاء في ردّ هذا الخبر الباطل بالأدلة القطعية ، هو ما حققه السيد علي الميلاني في دراسته الخاصة بخطبة عليعليه‌السلام لابنة أبي جهل ، حيث ذكر أولاً أغلب مظانّ الخبر ومتونه ، وناقش في طرقه وأسانيده وأحوال رواته على ضوء كلمات أعلام الجرح والتعديل ، فأسقط طرقه المرسلة ، ففي رواته من لم يلق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يدركه ، كسويد بن غفلة وعروة بن الزبير وعامر الشعبي ، كما أسقط طرقه الضعيفة بالمدلسين والوضاعين والضعفاء كعبيد الله بن تمام ، وزكريا بن أبي زائدة ، ويزيد بن هارون وغيرهم.

ثم بين أنّ سنده المتصل والمعتمد في كتب الصحاح ، هو خبر المسور ابن مخرمة ، قد وقع فيه المعاندون لاَهل البيتعليهم‌السلام ممن كانوا يناصبونهم

__________________

١) شرح نهج البلاغة ٤ : ٦٤.

٩٤

العداء ، أمثال الزهري الذي يعدّ من أشهر المنحرفين عن علي وأهل بيتهعليهم‌السلام ، فقد كان يجالس عروة بن الزبير وينالان من أمير المؤمنينعليه‌السلام (١) فضلاً عن أنّه من عمال بني أُمية ومشيّدي سلطانهم ، وفيه أيضاً ابن أبي مليكة ، وهو قاضي عبدالله بن الزبير ومؤذّنه.

أما راوي الخبر وهو المسور بن مخرمة ، فكان أيضاً من مبغضي أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وهو من أعوان عبدالله بن الزبير ، وكان الأخير لا يقطع دونه أمراً ، وقُتِل المسور معه في رمي الكعبة بالمنجنيق ، وتولّى ابن الزبير غسله ، فضلاً عن أنه كان إذا ذكر معاوية صلّى عليه ، وكانت الخوارج تغشاه وتعظّمه ، وأمثال هؤلاء لا تقبل روايتهم مطلقاً ولا كرامة ، فكيف لو كانت في القدح بأمير المؤمنينعليه‌السلام .

ومن جانب آخر أنّ المسور بن مخرمة قد ولد بعد الهجرة بسنتين ، وتوفّي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وعمره ثمان سنين ، فإن كان سمعه بعد الفتح ، فإن عمره عند الحادثة ست أو سبع سنين ، مما يزيد الأمر وضوحاً في اختلاق الخبر.

أمّا من حيث متن الخبر وألفاظه ودلالاته ، فقد ناقشها على ضوء القواعد المقررة في علم الحديث ، وما ذكره المحققون من شرّاح الأخبار ، فكشف عن تناقض ألفاظه بشكل يتعذّر معه الجمع بينها(٢) ، كما بيّن الاختلاف في معاني تلك الألفاظ وتحيّر شُرّاح الخبر واضطراب كلماتهم في بيانها ،

__________________

١) شرح نهج البلاغة ٤ : ١٠٢.

٢) راجع في هذه الحكاية صحيح البخاري ٧ : ٦٥ / ١٥٩. وصحيح مسلم ٤ : ١٩٠٢ / ٢٤٤٩. وسنن الترمذي ٥ : ٦٩٨ / ٣٨٦٩. ومستدرك الحاكم ٣ : ١٥٨. ومسند أحمد ٤ : ٥ و ٣٢٦ و ٣٢٨. والمصنف / ابن أبي شيبة ١٢ : ١٢٨. وفتح الباري ٦ : ١٦١ و ٧ : ٦٨ و ٨ : ١٥٢ و ٩ : ٢٦٨ ـ ٢٧٠. وكنز العمال ١٣ : ٦٧٧. ومجمع الزوائد ٩ : ٢٠٣. وإتحاف السائل : ٥٨ ـ ٥٩. وشرح ابن أبي الحديد ٤ : ٦٥ لترى مدى الاختلاف والتفاوت في ألفاظها والتناقض في مدلولها.

٩٥

وعدم توفقهم إلى تقديم وجه معقول للجمع بين دلالاتها المختلفة مع شدة حرصهم وتمحّلهم في ذلك ، وعليه لمّا كانت الحال هذه والقضية واحدة دلّ هذا على تهافت الخبر وتناقضه ، وحمق واضعه وسخف المروجين له وانحرافهم.

ثمّ خرج أخيراً بعدة نتائج على صعيد استقراء سند الحديث ودلالته ، منها تناقض مدلول الخبر مع قطعي السُنّة وواقع الحال ، وعدم تناسبه وشأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته (صلوات الله عليهم) من عدّة وجوه ، ومنها أن الخبر موضوع من قبل آل الزبير المعروفين بعدائهم السافر لاَهل البيتعليهم‌السلام ، فقد كان من رواته عبدالله بن الزبير ، وهو الذي قال فيه أمير المؤمنينعليه‌السلام : «ما زال الزبير رجلاً منّا أهل البيت حتى نشأ ابنه المشؤوم عبدالله »(١) .

قال ابن أبي الحديد : كان عبدالله بن الزبير يبغض عليّاً وينتقصه ، وينال من عرضه(٢) ..وقال أيضاً : كان عبدالله بن الزبير من المنحرفين عن علي المبغضين له وكان سبّاباً فاحشاً ، يبغض بني هاشم ، ويلعن ويسبّ علي ابن أبي طالب(٣) .

ومنهم أخوه عروة بن الزبير وجماعة من المحيطين بآل الزبير من أعوانهم وأنصارهم ممن قدّمنا ذكرهم آنفاً(٤) .

ثم إنّه لابدّ من الاشارة إلى أنّ حديث البضعة مخرّج من طرق صحيحة دون ذكر لهذه الحكاية المختلقة ، كما قدّمناه أولاً ، ممّا يدلّ على أن لواضعي

__________________

١) نهج البلاغة / صبحي الصالح : ٥٥٥ / ٤٥٣.

٢) شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٦١.

٣) شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٧٩.

٤) خطبة عليعليه‌السلام ابنة أبي جهل / السيد علي الميلاني : ٥ ـ ٨٠ ـ مركز الغدير ـ قم.

٩٦

هذا الخبر الزائف مقترناً بحديث البضعة المتّفق عليه ، أغراضاً خبيثة وباطلة ، تستهدف الطعن في النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته المعصومينعليهم‌السلام ، وصرف الانظار عن اُولئك الذين أغضبوا فاطمةعليها‌السلام بعد وفاة أبيهاصلى‌الله‌عليه‌وآله وظلموها حقّها واغتصبوا نحلتها ، وهجموا على دارها واسقطوا محسنها ، فآذوا بذلك قلب المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يحفظوه في ذريته( والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم ) (١) فودّعت فاطمةعليها‌السلام الحياة وهي غضبى عليهم ، فباءوا بغضب من الله تعالى ورسوله ، واستحقوا شديد العقاب.

ولقد صفّق أعداء أهل البيتعليهم‌السلام لهذا الخبر الباطل ، وأبانوا عن أغراضهم المريضة التي لا تنطلي على ذي حجى ، منذ عهد شاعر البلاط العباسي ابن أبي حفصة وحتى شرّاح الحديث المتأخرين مروراً بابن تيمية(٢) مجدّد مذاهب النصب والعداء لآل المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فهذا ابن أبي حفصة يقول في قصيدته التي يمدح بها الرشيد ويبالغ في ذمّ أمير المؤمنينعليه‌السلام والنيل من ولد فاطمةعليها‌السلام :

علي أبوكـم كـان أفضل منكم

أباهُ ذوو الشورى وكانوا ذوي الفضلِ

وسـاء رسـول الله إذ ساء بنته

بخطبتـه بنت اللعيـن أبي جهلِ(٣)

فردّ عليه كثير من أعلام الشعراء ، منهم السيد مهدي بحرالعلومرحمه‌الله في قصيدة طويلة منها :

وقد جاء تحريم النكاح لحيدرٍ

علـى فاطـم فذا الـرواة له تملي

__________________

١) سورة التوبة : ٩ / ٦١.

٢) راجع : منهاج السنة ٢ : ١٧٠.

٣) راجع القصيدة في شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٦٥.

٩٧

فإن كـان حقّاً فالوصيّ أحـقّ من

تجنّب محظـوراً مـن القول والفعل

وإن لـم يكـن حقاً وكان محلّلاً

له كلّ مـا قـد حلّ مـن ذاك للكل

فما كانت الزهراء ليسخطها الذي

بـه الله راضٍ حـاكم فيـه بـالعدل

ولا كان خير الخلق مـن لا يهيجه

سوى غضب لله يغضب من جهلِ(١)

وقال بعض شرّاح الحديث : أصحّ ما تحمل عليه هذه القصة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حرّم على علي أن يجمع بين ابنته وبين ابنة أبي جهل؛ لاَنّه علّل بأن ذلك يؤذيه ، وأذيته حرام بالاتفاق(٢) .

وليت شعري هل إنّ عليّاًعليه‌السلام ما كان يعلم بتلك الحرمة وهو باب مدينة العلم؟! أو إنّه يعلم بها فارتكب محرماً؟! وقد أبى الله تعالى إلاّ أن يطهّر أهل هذا البيت ويعصمهم من كلِّ رجس وذنب.

صورة أُخرى للخبر :

وروي هذا الخبر بصورة اُخرى في مصادر العامة ، قال السيوطي : أخرج الشيخان عن المسور بن مخرمة ، قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول وهو على المنبر : «إنّ بني هشام بن المغيرة استأذنوني في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب ، فلا آذن ، ثم لا آذن ، إلاّ أن يريد ابن أبي طالب أن يطلّق ابنتي وينكح ابنتهم ، وإنّي لست أحرّم حلالاً ، ولا أُحلّل حراماً ، ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبنت عدو الله أبداً ».

وفي رواية : «فإنّما فاطمة بضعة مني ، يريبني مارابها ، ويؤذيني ما آذاها ،

__________________

١) نقلها السيد جعفر بحر العلوم في تحفة العالم ١ : ٢٤١ ـ ٢٥٠ ، طهران ، وهي تقع في ٣٠٠ بيت. وراجع هامش تلخيص الشافي ٢ : ٢٧٨.

٢) راجع : فتح الباري ٩ : ٢٦٨.

٩٨

وأنا أتخوف أن تُفتَن في دينها »(١) .

وعلى تقدير صحة هذا الخبر ، فليس فيه أدنى قدح في أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ولو تأذّت الزهراءعليها‌السلام فإنّما كان ذلك بسبب بني هشام بن المغيرة الذين استأذنوا في نكاح ابنتهم لاَغراض في أنفسهم؛ لاَنّهم كانوا أشدّ الناس عداوةً لاَهل البيتعليهم‌السلام ، فقد روي عن أبي سعيد : أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «أشدّ قومنا لنا بغضاً بنو أُميّة ، وبنو المغيرة ، وبنو مخزوم »(٢) .

ولعلّ المسألة لا تعدو كونها استئذان بني هشام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في هذا الأمر ، فأسخطه ذلك ولم يأذن لهم ، فتوهّم البعض أنه كان ذلك الاستئذان بسبب الخطبة لها من عليعليه‌السلام ، ثم أضاف إليه بعض المغرضين والمبغضين أشياء اُخرى ، ويؤيد ذلك حديث الإمام الصادقعليه‌السلام الذي أشرنا إليه بعد ذكر الصورة الاُولى من الخبر(٣) .

وأخيراً نُذكّر بما مرّ من أقوال أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وهي القول الفصل في ذلك ، كقولهعليه‌السلام : «والله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمرٍ حتّى قبضها الله عزَّوجلّ »(٤) .

٦ ـ سيدة نساء العالمين :

عن عائشة قالت ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «يا فاطمة ، ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين ، وسيدة نساء هذه الاُمّة ، وسيدة نساء المؤمنين »(٥) .

__________________

١) الثغور الباسمة : ٣٦. وصحيح البخاري ٧ : ٦٥ / ١٥٩ ـ كتاب النكاح. وصحيح مسلم ٤ : ١٩٠٢ / ٩٣. وسنن الترمذي ٥ : ٦٩٨.

٢) كنز العمال ١١ : ١٦٩ / ٣١٠٧٤.

٣) راجع : علل الشرائع / الصدوق ١ : ١٨٥ ـ باب ١٤٨ / ٢.

٤) كشف الغمة / الاربلي ١ : ٣٦٣. ومناقب الخوارزمي : ٢٤٧.

٥) مستدرك الحاكم ٣ : ١٥٦ وقال : هذا إسناد صحيح ولم يخرجاه هكذا ، إتحاف السائل : ٧١.

٩٩

وعن جابر بن عبدالله ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «حسبك من النساء أربع سيدات نساء العالمين : فاطمة بنت محمد ، وخديجة بنت خويلد ، وآسية بنت مزاحم ، ومريم بنت عمران »(١) .

وعن ابن عباس : قيل لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا رسول الله ، أهي سيدة نساء عالمها؟ فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ذاك لمريم بنت عمران ، فأمّا ابنتي فاطمة ، فهي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين »(٢) .

وعن المفضل ، قال : قلت لاَبي عبداللهعليه‌السلام : أخبرني عن قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في فاطمة : «إنّها سيدة نساء العالمين » أهي سيدة نساء عالمها؟ فقالعليه‌السلام : «ذاك لمريم ، كانت سيدة نساء عالمها ، وفاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين »(٣) .

٧ ـ سيدة نساء أهل الجنة :

عن حذيفة رضي الله عنه ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ هذا ملك نزل ، لم ينزل الأرض قطّ قبل هذه الليلة ، استأذن ربّه أن يسلّم عليّ ويبشّرني بأنّ فاطمة

__________________

١) الإصابة ٤ : ٣٧٨. وتهذيب التهذيب ١٢ : ٤٤١. والبداية والنهاية ٢ : ٥٥. وروي عن أنس بلفظ « حسبك من نساء العالمين أربع » في المعجم الكبير ٢٢ : ٤٠٢ / ١٠٠٣. والبداية والنهاية ٢ : ٥٥. ومصابيح السنة ٤ : ٢٠٢ / ٤٨٥٠. ومسند أحمد ٣ : ١٣٥. ومستدرك الحاكم ٣ : ١٥٧ و ١٥٨. وسنن الترمذي ٥ : ٧٠٣ / ٣٨٧٨ ـ كتاب المناقب. وروي عن أنس أيضاً بلفظ «خير نساء العالمين » في المعجم الكبير ٢٢ : ٤٠٢ / ١٠٠٤. وتاريخ بغداد ٧ : ١٨٤ و ٩ : ٤٠٤. وتفسير الطبري ٣ : ١٨٠. واُسد الغابة ٥ : ٤٣٧. وتهذيب التهذيب ١٢ : ٤٤١. والاستيعاب ٤ : ٣٧٧. والبداية والنهاية ٢ : ٥٥.

٢) أمالي الصدوق : ٥٧٥ / ٧٨٧.

٣) معاني الأخبار : ١٠٧ / ١.

١٠٠