زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد

زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد0%

زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد مؤلف:
الناشر: دار الغدير
تصنيف: النفوس الفاخرة
ISBN: 964-7165-32-3
الصفحات: 688

زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد

مؤلف: السيد محمد كاظم القزويني
الناشر: دار الغدير
تصنيف:

ISBN: 964-7165-32-3
الصفحات: 688
المشاهدات: 98931
تحميل: 6757

توضيحات:

زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 688 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 98931 / تحميل: 6757
الحجم الحجم الحجم
زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد

زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد

مؤلف:
الناشر: دار الغدير
ISBN: 964-7165-32-3
العربية

حماتنا ، وهتك عنا سدولنا.

وفعلت فعلتك التي فعلت ، وما فريت إلا جلدك ، وما جزرت إلا لحمك ، وسترد على رسول الله بما تحملت من دم ذريته ، وانتهكت من حرمته ، وسفكت من دماء عترته ولحمته ، حيث يجمع به شملهم ، ويلم به شعثهم ، وينتقم من ظالمهم ، ويأخذ لهم بحقهم من أعدائهم ، فلا يستفزنك الفرح بقتلهم ، «ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً ، بل أحياء عند ربهم يرزقون ، فرحين بما آتاهم الله من فضله ».(١)

وحسبك بالله ولياً وحاكماً ، وبرسول الله خصماً ، وبجبرائيل ظهيرا.

وسيعلم من بوأك ومكنك من رقاب المسلمين أن «بئس للظالمين بدلاً » وأيكم شر مكاناً وأضل سبيلا.

وما استصغاري قدرك ، ولا استعظامي تقريعك توهماً لانتجاع الخطاب فيك ، بعد أن تركت

__________________

١ ـ سورة آل عمران ، الآية ١٦٩ ـ ١٧٠.

٤٠١

عيون المسلمين ـ به ـ عبرى ، وصدورهم ـ عند ذكره ـ حرى.

فتلك قلوب قاسية ، ونفوس طاغية ، وأجسام محشوة بسخط الله ، ولعنة الرسول ، قد عشش فيها الشيطان وفرخ ، ومن هناك مثلك ما درج(١) .

فالعجب كل العجب لقتل الأتقياء ، وأسباط الأنبياء ، وسليل الأوصياء ، بأيدي الطلقاء الخبيثة ، ونسل العهرة الفجرة!!

تنطف أكفهم من دمائنا ، وتتحلب أفواههم من لحومنا.

تلك الجثث الزاكية على الجبوب الضاحية ، تنتابها العواسل ، وتعفرها أمهات الفواعل.(٢)

فلئن اتخذتنا مغنماً ، لتجد بنا ـ وشيكاً ـ مغرماً ، حين لا تجد إلا ما قدمت يداك ، وما الله بظلام للعبيد.

__________________

١ ـ وفي نسخة : ما درج ونهض.

٢ ـ وفي نسخة : الفراعل.

٤٠٢

فإلى الله المشتكى والمعول ، وإليه الملجأ والمؤمل.

ثم كد كيدك ، واجهد جهدك.

فوالله الذي شرفنا بالوحي والكتاب ، والنبوة والإنتخاب(١) ، لا تدرك أمدنا ، ولا تبلغ غايتنا ، ولا تمحو ذكرنا ، ولا يرحض عنك عارها.

وهل رأيك إلا فند؟ وأيامك إلا عدد؟ وجمعك إلا بدد؟

يوم ينادي المنادي : ألا : لعن الله الظالم العادي.

والحمد لله الذي حكم لأوليائه بالسعادة ، وختم لأصفيائه بالشهادة ، ببلوغ الإرادة ، ونقلهم إلى الرحمة والرأفة ، والرضوان والمغفرة.

ولم يشق ـ بهم ـ غيرك ، ولا ابتلي ـ بهم ـ سواك.

ونسأله أن يكمل لهم الأجر ، ويجزل لهم الثواب والذخر ، ونسأله حسن الخلافة ، وجميل الإنابة ، إنه رحيم ودود ».

__________________

١ ـ وفي نسخة : والإنتجاب.

٤٠٣

فقال يزيد ـ مجيباً لها ـ :

يـا صيحة تحمد مـن صوائح

ما أهون الموت(١) على النوائح(٢)

 __________________

١ ـ وفي نسخة : ما أهون النوح على النوائح.

٢ ـ كتاب « الإحتجاج » للطبرسي ، طبع لبنان عام ١٤٠٣ هـ ، ج ٢ ص ٣٠٧ ـ ٣١٠.

٤٠٤

٤٠٥

شرح خطبة السيدة زينب

في مجلس يزيد

قبل أن نبدأ بشرح بعض كلمات هذه الخطبة نجلب إنتباه القارئ الكريم إلى هذا التمهيد :

تدبر قليلاً لتتصور أجواء ذلك المجلس الرهيب ، ثم معجزة السيدة زينب الكبرى في موقفها الجريئ!

بالله عليك! أما تتعجب من سيدة أسيرة تخاطب ذلك الطاغوت بذلك الخطاب؟

وتتحداه تحدياً لا تنقضي عجائبه؟

ولا تهاب الحرس المسلح الذي ينفذ الأوامر بكل سرعة وبدون أي تأمل أو تعقل؟!

٤٠٦

وأعجب من ذلك سكوت يزيد أمام ذلك الموقف مع قدرته وإمكاناته؟

وكأنه عاجز لا يستطيع أن يقول شيئاً أو يفعل شيئاً!

أليس من العجيب أن يزيد ـ وهو طاغوت زمانه ، وفرعون عصره ـ لم يستطع أو لم يتجرأ على أن يرد على السيدة زينب كلامها ، بل يشعر بالعجز والضعف عن مقاومة السيدة زينب ، ويكتفي بقراءة قول الشاعر :

« يا صيحة تحمد من صوائح »!

فما معنى هذا البيت في هذا المقام؟!

وما المناسبة بين هذا البيت وبين كلمات خطبة السيدة زينب؟

فهل كانت حرفة السيدة زينب النياحة حتى ينطبق عليها قول يزيد : « ما أهون النوح على النوائح »؟

وما يدرينا مدى ندم يزيد بن معاوية من مضاعفات جرائمه التي ارتكبها؟ وخاصة تسيير آل رسول الله من العراق إلى الشام.

فإنه ـ بالقطع واليقين ـ ما كان يتصور أن سيدة أسيرة سوف تغمسه في بحار الخزي والعار ،

٤٠٧

فلا يستطيع يزيد أن يغسل عن نفسه تلك الوصمات إلى يوم القيامة.

وتكشف الغطاء عن هوية يزيد ، وترفع الستار عن ماهيته وأصله ، وحسبه ونسبه ، وسوابقه ولواحقه ، وتخاطبه بكل تحقير ، وتقرع كلماتها مسامع يزيد ، وكأنها مطرقة كهربائية ، ترتج منها جميع أعصابه ، فيعجز عن كل مقاومة!!

والآن إليك شرحاً موجزاً لبعض كلمات هذه الخطبة الحماسية الملتهبة :

« الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على جدي سيد المرسلين »

إفتتحت كلامها بحمد الله رب العالمين ، ثم الصلاة على جدها : سيد المرسلين ، فهي ـ بهذه الجملة ـ عرفت نفسها للحاضرين أنها حفيدة رسول الله سيد المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى يعرف الحاضرون أن هذه العائلة المسبية الأسيرة هي من ذراري رسول الله ، لا من بلاد الكفر والشرك. ثم قرأت السيدة هذه الآية :

« صدق الله سبحانه ، كذلك يقول : «ثم كان عاقبة الذين أساؤا السوئى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها

٤٠٨

يستهزؤون »(١) ».

وما أروع الإستشهاد بها ، وخاصةً في مقدمة خطبتها!!

وعاقبة كل شيء : آخره ، أي : ثم كان آخر أمر الذين أساؤا إلى نفوسهم ـ بالكفر بالله وتكذيب رسله ، وارتكاب معاصيه ـ السوئى ، أي : الصفة التي تسوء صاحبها إذا أدركته ، وهي عذاب النار.

«أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزؤون » أي : بسبب تراكم الذنوب والمعاصي في ملف أعمالهم حصل منهم التكذيب بآيات الله والحقائق الثابتة ، وظهر منهم الإستهزاء بها وبالمقدسات الدينية.

وهيعليها‌السلام تشير بكلامها ـ هذا ـ إلى تلك الأبيات التي قالها يزيد :

« لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء ولا وحي نزل

ومعنى هذا البيت من الشهر : أن بني هاشم ـ والمقصود من بني هاشم : هو رسول الله ـ لعب بالملك بإسم النبوة والرسالة ، والحال أنه لم ينزل عليه وحي من السماء ، ولا جاؤه خبر من عند الله تعالى.

__________________

١ ـ سورة الروم ، الآية ١٠.

٤٠٩

فتراه ينكر النبوة والقرآن والوحي!!

وهل الكفر والزندقة إلا هذا؟!

ثم إن بعض الناس ـ بسبب أفكارهم المحدودة ـ يتصورون ـ خطأ ـ أن الإنتصار في الحرب يعتبر دليلاً على أنهم على حق ، وعلى قربهم من عند الله تعالى ، فتستولي عليهم نشوة الإنتصار والظفر ، ويشملهم الكبرياء والتجبر بسبب التغلب على خصومهم ؛

ولكن السيدة زينب الكبرىعليها‌السلام فندت هذه الفكرة الزائفة ، وخاطبت الطاغية يزيد باسمه الصريح ، ولم تخاطبه بكلمة : « أيها الخليفة » أو « يا أمير المؤمنين » وأمثالهما من كلمات الإحترام.

نعم ، خاطبته باسمه ، وكأنها تصرح بعدم إعترافها بخلافة ذلك الرجس ، فقالت :

«أظننت ـ يا يزيد ـ حين أخذت علينا أقطار الأرض وضيقت علينا آفاق السماء ، فاصبحنا لك في أسار ، نساق إليك سوقاً في قطار ، وأنت علينا ذو اقتدار ، أن بنا من الله هوانا ، وعليك منه كرامة وامتنانا »؟!

تصف السيدة زينب حالها ، وأحوال من معها من العائلة المكرمة ، أنهم كانوا في أشد الضيق ، كالإنسان

٤١٠

الذي أخذوا عليه ، أي : منعوه وحاصروه من جميع الجوانب والجهات ، بحيث لا يستطيع الخروج والتخلص من الأزمة.

وبعد هذا التضييق والتشديد ، والمنع والحبس« أصبحنا نساق » مثل الأسارى الذين يأتون بهم من بلاد الكفر عند فتحها.

« سوقاً في قطار » يقال ـ ولا مناقشة في الأمثال ـ : « قطار الإبل » أي : عدد من الإبل على نسق واحد وفي طابور طويل ، وقد قرأنا أن جميع أفراد العائلة ومعهم الإمام زين العابدين والسيدة زينبعليهما‌السلام كانوا مربوطين ومكتفين بحبل واحد!

« وأنت علينا ذو اقتدار » أي : نحن في حالة الضعف وأنت في حالة القدرة.

« أن بنا من الله هواناً ، وعليك منه كرامة وامتناناً »؟!

أي : أظننت ـ لما رأيتنا مغلوبين ، ووجدت الغلبة والظفر لنفسك ـ أن ليس لنا جاه ومنزلة عند الله ، لأننا مغلوبون؟!! وظننت أن لك عند الله جاهاً وكرامة لأنك غلبتنا وظفرت بنا ، وقتلت رجالنا ، وسبيت نساءنا؟!!

٤١١

« و » ظننت : «أن ذلك لعظم خطرك »

أي : لعلو منزلتك.

« وجلالة قدرك » عند الله تعالى؟!

وعلى أساس هذا الظن الخاطئ الذي « لا يغني من الحق شيئاً » و « إن بعض الظن إثم » ، إستولت عليك نشوةً الإنتصار.

« فشمخت بانفك » يقال : شمخ بأنفه : أي رفع أنفه عزاً وتكبراً.

« ونظرت في عطفك » العطف ـ بكسر العين ـ : جانب البدن ، والإنسان المعجب بنفسه ينظر إلى جسمه وإلى ملابسه بنوع من الأنانية وحب الذات والغرور.

« تضرب أصدريك فرحاً » الأسدران : عرقان تحت الصدغين ، وضرب أصدريه : أي : حرك رأسه ـ بكيفية خاصة ـ تدل على شدة الفرح والإعجاب بالنفس إزاء ما حققه من إنتصار موهوم.

« وتنفض مذرويك مرحاً »

يقال : جاء فلان ينفض مذرويه. إذا جاء باغياً يهدد

٤١٢

الآخرين.

هذا ما ذكره اللغويون ، ولكن الظاهر أن معنى « ينفض مذرويه » أي يهز إليتيه ، وهو نوع من حركات الرقص عند المطربين حينما تأخذهم حالة الطرب والخفة.

« حين رأيت الدنيا لك مستوسقة »

أي : مجتمعة.

« والأمور لديك متسقة »

أي : منتظمة ، بمعنى : أنك رأيت الأمور على ما تحب وترضى ، وعلى ما يرام بالنسبة إليك ، فكل شيء يجري كما تريد.

« وحين صفى لك ملكنا ، وخلص لك سلطاننا »

أي : ومن أسباب فرحك ، وقيامك بالحركات الطائشة التي تدل على شدة سرورك ، أنك رأيت من نفسك ملكاً وسلطاناً قد نجح في خطته التي رسمها لإبادة منافسه ، وأسر نسائه.

لكن إعلم أيها المغرور : أن هذه القدرة والمكانة التي اغتصبتها ـ وهي الخلافة ـ هي لنا أساساً ، لأن يزيد

٤١٣

كان يحكم بإسم خلافة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ومن الواضح أن خلافة رسول الله لها موارد خاصة ، وأن خلفاء رسول الله أفراد معينون ، منصوص عليهم بالخلافة ، وهم : الإمام علي بن أبي طالب ، والأئمة الأحد عشر من ولدهعليهم‌السلام ، ولكن الآن صارت تلك القدرة والسلطة بيد يزيد!!

بعد هذه المقدمة والتمهيد قالت :

« فمهلاً مهلاً »

يقال ـ للمسرع في مشيه ، أو المتفرد برأيه ـ : مهلاً. أو : على مهلك ، أي : أمهل ، ولا تسرع ، أي : ليس الأمر كما تعتقد أو كما تظن ، أو : ليس هذا الإسراع في العمل صحيحاً منك فلا تعجل حتى نبين لك حقيقةً الأمر.

« لا تطش جهلاً » طاش فلان : أخذه الغرور وفقد إتزانه ، فصار غير ناضج في تصرفاته.

أي : يا يزيد! لا تطش بسبب جهلك بالحقائق ، وخلطك بين المفاهيم والقيم ، والإغترار بالظواهر.

٤١٤

« أنسيت قول الله ( عزوجل ) : «ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم ، إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين »؟!!(١)

نملي : أي نطيل لهم المدة والمجال ، أو نطيل أعمارهم ونجعل الساحة مفتوحة أمامهم « خير لأنفسهم » ، بل : إنما نطيل أعمارهم ومدة سلطتهم وحكومتهم لتكون عاقبة أمرهم هي إزدياد الإثم والمعاصي في ملف أعمالهم ، ولهم عذاب مهين ، أي : يجزيهم ـ في جهنم ، تعذيباً ممزوجاً مع الإهانة والتحقير.

ثم خاطبته وذكرته بأصله السافل ، ونسبه المخزي ، فقالت :

« أمن العدل يا بن الطلقاء »

وهذه الكلمة إشارة إلى ما حدث يوم فتح مكة ، فإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لما فتح مكة ـ وصارت تحت سلطته ـ كان بإمكانه أن يقتلهم لما صدرت منهم من مواقف عدائية وحروب طاحنة ومتتالية ضد النبي الكريم ـ بالذات ـ وضد المسلمين بصورة عامة ، لكنه رغم كل

__________________

١ ـ سورة آل عمران ، الآية ١٧٨.

٤١٥

ذلك إلتفت إليهم وقال لهم :

« يا معاشر قريش! ما ترون أني فاعل بكم؟ »

قالوا : « خيراً ، أخ كريم ، وابن أخ كريم »

فقال لهم : « إذهبوا فأنتم الطلقاء »(١)

وكان فيهم : معاوية وأبو سفيان.

ويزيد هو ابن معاوية ، وحفيد أبي سفيان ، ويطلق عليه ( ابن الطلقاء ) إذ قد يستعمل ضمير الجمع في مورد التثنية.

أما معنى كلمة « يابن الطلقاء » فالطلقاء ـ جمع طليق ـ : وهو الأسير الذي أطلق عنه إساره ، وخلي سبيله.

إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فتح مكة ، فصارت البلدة ومن فيها تحت سلطته وقدرته ، وكان بإمكانه أن ينتقم منهم أشد إنتقام ، وخاصة من أبي سفيان الذي كان يؤجج نار الفتن ، ويثير الناس ضد رسول الله ، ويقود الجيوش والعساكر لمحاربة النبي والمسلمين ، كما حدث ذلك يوم بدر وأحد ، وحنين

__________________

١ ـ السيرة النبوية ، لإبن هشام ، طبع لبنان عام ١٩٧٥ م ، ج ٤ ص ٤١ ، وبحار الأنوار للشيخ المجلسي ج ٢١ ص ١٠٦.

٤١٦

والأحزاب ، وهكذا إبنه معاوية « الذي كان على دين أبيه » ، ولكن الرسول الكريم أطلقهما وخلى سبيلهما في من أطلقهم.

قال الله تعالى : «فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب ، حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق ، فإما مناً بعد وإما فداءً ، حتى تضع الحرب أوزارها »(١)

« فإما منا بعد » أي : إما أن تمنوا عليهم مناً بعد أن تأسروهم ، أي : تحسنوا إليهم فتطلبوا منهم دفع شيء من المال إزاء إطلاقكم سراحهم.

وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مخيراً بين ضرب أعناقهم وبين المن والفداء ، فاختار الرسول الكريم المن وأطلقهم بلا فداء ولا عوض.

والظاهر أن السيدة زينب تقصد من كلمة « يابن الطلقاء » واحداً من معنيين :

المعنى الأول : أن تذكر يزيد بأنه ابن الطليقين الذين أطلقهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مع أهل مكة ، وكأنهم عبيد ، فتكون الجملة تذكيراً له بسوء

__________________

١ ـ سورة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الآية ٤.

٤١٧

سوابقه المخزية وملف والده وجده!

والمعنى الثاني : أن تذكر يزيد بالإحسان الذي بذله رسول الله لأسلاف يزيد حيث أطلقهم ، فقالت : « أمن العدل » أي : هل هذا جزاء إحسان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مع أسلافك أن تتعامل مع حفيدات الرسول هذا التعامل السيئ؟!

ولعل السيدة زينب قصدت المعنيين معاً.

ومن الواضح أنها لا تقصد ـ من كلامها هذا ـ السؤال والإستفهام ، بل تقصد توبيخ يزيد على سلوكه القبيح ، ونفسيته المنحطة ، وتنكر عليه تعامله السيئ ، وتعلن له أنه بعيد ـ كل البعد ـ عن أوليات الفطرة البشرية ، وهي جزاء الإحسان بالإحسان!!

« تحذيرك حرائرك وإماءك »

يقال : خدر البنت : الزمها الخدر ، أي : أقامها وراء الستر.

الحرائر ـ جمع حرة ـ : نقيض الأمة.(١)

__________________

١ ـ لسان العرب لابن منظور.

٤١٨

« وسوقك بنات رسول الله سبايا »

السوق : يقال : ساق الماشية يسوقها سوقاً : حثها على السير من خلف(١) وذلك يعني : الحث على السير من الوراء مع عدم الإحترام.

اقول : لا يرجى من يزيد العدل والعدالة ، ولكنه لما ادعى الخلافة لنفسه ، كان المفروض والمتوقع منه أن يكون عادلاً.

ولهذا خاطبته السيدة زينب بقولها : أمن العدل أن تجعل جواريك والنساء الحرائر ـ الساكنات في قصرك ـ وراء الخدر ، وتسوق بنات الرسالة وعقائل النبوة ، ومخدرات الوحي سبايا؟

« قد هتكت ستورهن ، وأبديت وجوههن »

فبعد أن كن مخدرات مستورات ، لا يرى أحد لهن ظلاً ، وإذا بهن يرين أنفسهن أمام أنظار الرجال الأجانب ، وبعد أن كن محجبات وإذا بالأعداء قد سلبوهن ما كن يسترن به وجوههن من البراقع والمقانع!

__________________

١ ـ أقرب الموارد للشرتوني.

٤١٩

« تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد »

أي : يسوقهن الأعداء من كربلاء إلى الكوفة ، ومنها إلى الشام ، ويمرون بهن على البلاد التي في طريق الشام.

وحينما كان يمر موكبهن على البلاد والقرى والأرياف ، كان الناس ـ على اختلاف طبقاتهم ـ يخرجون للتفرج عليهن ، وأحياناً كانوا يصعدون على سطوح دورهم للتفرج عليهن ، ولهذا قالت السيدة :

« ويستشرفهن أهل المناقل ، ويتبرزن لأهل المناهل »

المناقل ـ جمع منقل ـ وهو الطريق إلى الجبل. والمناهل ـ جمع منهل ـ : وهو الماء الذي ينزل عنده والمقصود : المنازل التي في طريق المسافرين ، للتزود بالماء أو الإستراحة.

« ويتصفح وجوههن القريب والبعيد »

يتصفح : أي يتأمل وجوههن لينظر إلى ملامحهن!!

٤٢٠