زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد

زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد0%

زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد مؤلف:
الناشر: دار الغدير
تصنيف: النفوس الفاخرة
ISBN: 964-7165-32-3
الصفحات: 688

زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد

مؤلف: السيد محمد كاظم القزويني
الناشر: دار الغدير
تصنيف:

ISBN: 964-7165-32-3
الصفحات: 688
المشاهدات: 98939
تحميل: 6757

توضيحات:

زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 688 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 98939 / تحميل: 6757
الحجم الحجم الحجم
زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد

زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد

مؤلف:
الناشر: دار الغدير
ISBN: 964-7165-32-3
العربية

أهل دمشق : قبر السِت أمّ كلثوم.(١)

__________________

١ ـ رغم مُضيّ أكثر من ألف وثلاثمائة وستّين عاماً على تاريخ وفاة السيدة زينبعليها‌السلام إلا أن الوثائق التاريخيّة لتحديد مكان قبر هذه السيدة العظيمة بصورة قاطعة ، لا زالت ناقصة يبقى الأمل في العثور على قرائن تاريخيّة مؤيّدة لأحد القولين ـ الثاني أو الثالث ـ في السنوات القادمة ، إن شاء الله تعالى ، إلا أنّ لكلّ قول من الأقوال الثلاثة المذكورة قائلين يميلون إليه ، لا لشيء إلا لإطمئنانهم النِسبي بوثائق ذلك القول ، وكان السيد الوالد ( مؤلف هذا الكتاب ) يميل ـ بقوّة ـ إلى القول بأنّ قبرها في مصر ، وإنّني أتصوّر أنّه لو كان كتاب ( أخبار الزينبات ) للعُبيدلي يُطبَع قبل مئات السنين لكان أكثر المحققين يقولون بدفنها في مصر.

إلا أنّ هذا لا يعني ـ أيضاً ـ القطع واليقين بذلك ، حتى يلزم منه إهمال القبر الموجود في ضاحية دمشق بالشام. فالتوسّل إلى الله تعالى بالسيدة زينب وطلب الشفاعة منها لقضاء حوائج الدنيا والآخرة له دوره الكبير ، سواء كان عند القبر في سوريا أو في مصر ، خاصةً مع احتمال كون ذلك القبر مدفناً لبنت ثانية لأمير المؤمنينعليه‌السلام . وقد نَشَرت مجلة « أهل البيت » الصادرة من لبنان ، في تاريخ ١/صفر/١٤١٤ هـ مقالاً تحت عنوان : « ربع مليون زائر لمقام السيدة زينب في دمشق » ، ممّا يدلّ على أهمّية هذا المقام أيضاً.

ويُحكى أنّ هناك إعتقاداً عند المسلمين الشيعة في لبنان أن المرأة التي لم تُرزَق النسل والذريّة تَحضر عند قبر السيدة زينب في دمشق ، في ليلة أو يوم أربعين الإمام الحسينعليه‌السلام وتتوسّل إلى الله تعالى بجاه السيدة زينبعليها‌السلام ليتفضّل عليها بنعمة الولد ، وترى النتائج المطلوبة بسرعة!!

المحقق

٦٠١

وهنا أكثر من سؤال يتبادر إلى الذهن حول هذا القول :

السؤال الأول : إنّ التاريخ لم يَذكر مجاعةً وقعت في المدينة المنوّرة!! ففي أيّ سنة كانت تلك المجاعة؟

وكم دامت حتى اضطرّ آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الهجرة إلى الشام؟

السؤال الثاني : إذا كانت وفاة السيدة زينبعليها‌السلام في السنة الثانية والستّين ـ كما ذكره بعض المؤرّخين ـ فلماذا لم تكن في المدينة المنوّرة حينما حدثت مجزرة « واقعة الحَرّة »؟

إذ لا يوجد لها ـ ولا لزوجها عبد الله بن جعفر ـ أيّ إسم أو أثَر ، فهل وقعت المجاعة قبل واقعة الحَرّة أم بعدها؟!

هذه أسئلة وتساؤلات متعدّدة لا جواب لها سوى الإحتمالات ، والظنّ الذي لا يُغني عن الحقّ شيئاً.

هذا وقد حاول بعض المعاصرين في كتاب سمّاه « مرقد العقيلة » أن يُثبت مدفنها في دمشق لا القاهرة ، واستدلّ بأدلّة وتَشَبّث ببعض الأقوال ، ولكنّها لا تَفي بالغَرض ، لأنّ الأدلّة غير قاطعة ، والأقوال غير كافية للإحتجاج والإستدلال ، وكما يُقال : « غير جامعة وغير مانعة ».

وممّا يُضعّف القول الثاني : أنّه حينما أرادوا تجديد بناء حرم السيدة زينبعليها‌السلام الموجود في ناحية

٦٠٢

دمشق ـ قبل حوالي أربعين سنة ـ وحَفَروا الأرض لبناء الأُسُس والأعمدة ووصلوا إلى القبر الشريف ، ووجدوا عليه صخرة رُخام هذه صورتها :

٦٠٣

فإنّ صحّت هذه الكتابة فالقبر الموجود في ناحية دمشق قبرٌ لسيدة من بنات الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام واسمها : زينب الصغرى ، وهذا يدلّ على مدى إهتمام الإمامعليه‌السلام بهذا الإسم حيث اختاره لأكثر من بنت واحدة من بناته.

يُضاف إلى ذلك أنّنا نجد في بطون كتب التاريخ وصف السيدة زينب بـ « الكبرى » للفرق بينها وبين أختها.

وفي مجال دراسة القول الثاني هناك كلام طويل للسيد محسن الأمين في مناقشته لهذا القول ، ونحن نذكره ـ هنا ـ تتميماً للدراسة الموضوعيّة.

وليس معنى نقلنا لكلامه هو تأييدنا له في قوله ، بل إنّ هذا يعني أنّنا نضع المعلومات أمام الباحث ، ليكون على بصيرة أكثر من النقاط التي يُمكن أن تنفعه في إستكشافه لمحور البحث ، مع التنبيه المُسبَق ـ مِنّا ـ على إستغرابنا من كلامه! ومن لهجته في التعبير عند الكتابة حول هذا الموضوع!!

وإليك نصّ كلامه :

« وفيما أُلحِقَ برسالة ( نُزهة أهل الحَرَمين في عمارة المشهدين ) في النجف وكربلاء ، المطبوعة بالهند ، نقلاً عن رسالة

٦٠٤

( تحيّة أهل القبور بالمأثور ) عند ذكر قبور أولاد الأئمةعليهم‌السلام ما لفظه :

ومنهم : زينب الكبرى بنت أمير المؤمنينعليه‌السلام وكُنيَتها أم كلثوم ، قبرها في قرب زوجها عبد الله بن جعفر الطيار خارج دمشق الشام معروف ، جاءت مع زوجها عبد الله بن جعفر أيام عبد الملك بن مروان إلى الشام سنة المَجاعة ، ليقوم عبد الله بن جعفر في ما كان له من القرى والمزارع خارج الشام ، حتى تنقضي المجاعة ، فماتت زينب هناك ودُفنت في بعض تلك القُرى ، هذا هو التحقيق في وجه دفنها هناك ، وغيره غلط لا أصل له ، فاغتنم فقد وَهَمَ في ذلك جماعة فخبطوا العشواء ».

وفي هذا الكلام من خبط العشواء مواضع :

أولاً : إنّ زينب الكبرى لم يقل أحد من المؤرّخين أنها تُكنّى بأمّ كلثوم ، فقد ذكرها المسعودي والمفيد وابن طلحة وغيرهم ولم يقل أحد منهـم أنّهـا تكنّـى أم كلثـوم(١) ، بل كلّهم سمّوها : زينب الكبرى وجعلوها مقابل أمّ كلثوم الكبرى ، وما استظهرناه من أنّها تُكنّى أمّ كلثوم ظهر لنا ـ أخيراً ـ فساده.

__________________

١ ـ كلام عجيب وادّعاء غريب ، تشهد الوثائق التاريخيّة الكثيرة على خلافه!

المحقق

٦٠٥

ثانياً : قوله : « قبرها في قرب زوجها عبد الله بن جعفر » ليس بصواب ولم يقله أحد ، فقبر عبد الله بن جعفر بالحجاز ، ففي « عمدة الطالب » و « الإستيعاب » و « أُسد الغابة » و « الإصابة » وغيرها : أنّه مات بالمدينة ودُفن بالبقيع. وزاد في « عُمدة الطالب » القول بأنّه مات بالأبواء ودُفن بالأبواء ، ولا يوجد قرب القبر المنسوب إليها بالرواية قبر يُنسب لعبد الله بن جعفر.

ثالثاً : مجيؤها مع زوجها عبد الله بن جعفر إلى الشام سنة المجاعة لم نرَهُ في كلام أحد من المؤرّخين ، مع مزيد التفتيش والتنقيب. وإن كان ذُكرَ في كلام أحد من أهل الأعصار الأخيرة فهو حدس واستنباط كالحَدس ، والإستنباط من صاحب ( التحيّة ). فإنّ هؤلاء لَمّا توهّموا أنّ القبر الموجود في قرية راوية خارج دمشق منسوب إلى زينب الكبرى ، وأنّ ذلك أمرٌ مفروغ منه ـ مع عدم ذكر أحد من المؤرّخين لذلك ـ استنبطوا لتصحيحه وجوهاً بالحدس والتخمين لا تَستند إلى مستند ، فبعض قال : « إنّ يزيد ( عليه اللعنة ) طلبها من المدينة فعظم ذلك عليها ، فقال لها ابن أخيها زين العابدينعليه‌السلام : « إنّك لا تَصلين دمشق » فماتَت قبل دخولها. وكأنّه هو الذي عَدّه صاحب ( التحيّة ) غلطاً لا أصل له ووقع في مثله ، وعَدّه غنيمةً وهو ليس بها ، وعَدّ غيره خبط العشواء وهو منه. فاغتَنِم فقد وَهَمَ كلّ من زَعَم أنّ القبر الذي في قرية راوية منسوب إلى زينب الكبرى ، وسبب هذا التوهّم : أنّ مَن سمع أنّ

٦٠٦

في راوية قبراً يُنسَب إلى السيدة زينب سَبَقَ إلى ذهنه زينب الكبرى ، لتبادر الذهن إلى الفرد الأكمل ، فلمّا لم يجد أثراً يدلّ على ذلك لجأ إلى استنباط العِلَل العليلة. ونظير هذا أنّ في مصر قبراً ومشهداً يُقال له : « مشهد السيدة زينب » ، وهي زينب بنت يحيى ، وتأتي ترجمتها ، والناس يتوهّمون أنّه قبر السيدة زينب الكبرى بنت أمير المؤمنينعليه‌السلام ولا سَبَبَ له إلا تبادر الذهن إلى الفرد الأكمل.

وإذا كان بعض الناس إختلقَ سبباً لمجيء زينب الكبرى إلى الشام ووفاتها فيها ، فماذا يختلِقون لمجيئها إلى مصر؟! وما الذي أتى بها إليها؟

لكن بعض المؤلفين من غيرنا رأيتُ له كتاباً مطبوعاً بمصر ـ غاب عنّي الآن إسمه ـ ذكر لذلك توجيهاً « بأنّه يجوز أن تكون نُقلت إلى مصر بوجهٍ خفي على الناس ». مع أنّ زينب التي هي بمصر هي زينب بنت يحيى حَسَنيّة أو حُسَينيّة كما يأتي ، وحال زينب التي برواية حالُها.

رابعاً : لم يَذكر مؤرّخ أنّ عبد الله بن جعفر كان له قُرى ومزارع خارج الشام حتى يأتي إليها ويقوم بأمرها ، وإنّما كان يَفِدُ على معاوية فيُجيزُه ، فلا يَطول أمر تلك الجوائز في يده حتّى يُنفِقَها بما عُرِف عنه من الجود المُفرط. فمِن أينَ جاءته هذه القُرى والمزارع؟ وفي أيّ كتابٍ ذُكرت مِن كُتُب

٦٠٧

التواريخ؟!

خامساً : إن كان عبد الله بن جعفر له قرى ومزارع خارج الشام ـ كما صَوّرته المُخيّلة ـ فما الذي يَدعوه للإتيان بزوجته زينب معه؟! وهي التي أُتيَ بها إلى الشام أسيرةً بزيّ السبايا وبصورة فظيعة ، وأُدخلت على يزيد مع ابن أخيها زين العابدين وباقي أهل بيتها بهيأةٍ مُشجية؟!

فهل من المتصوّر أن تَرغَب في دخول الشام ورؤيتها مرّةً ثانية وقد جرى عليها بالشام ما جرى؟!

وإن كان الداعي للإتيان بها معه هو المجاعة بالحجاز فكان يُمكنه أن يَحمل غلات مزارعه ـ الموهومة ـ إلى الحجاز أو يبيعها بالشام ويأتي بثمنها إلى الحجاز ما يُقوّتها به ، فجاء بها إلى الشام لإحراز قوتها ، فهو ممّا لا يقبله عاقل ، فابن جعفر لم يكن مُعدَماً إلى هذا الحدّ ، مع أنّه يتكلّف من نفقة إحضارها وإحضار أهله أكثر من نفقة قوتها ، فما كان ليُحضرها وحدها إلى الشام ويترك باقي عياله بالحجاز جياعاً!!

سادساً : لم يُتَحقّق أنّ صاحبة القبر الذي في راوية تُسمّى زينب لو لم يُتحقّق عدمه ، فضلاً عن أن تكون زينب الكبرى ، وإنّما هي مشهورة بأمّ كلثوم ».(١) إنتهى كلامه.

__________________

١ ـ أعيان الشيعة ، للسيد محسن الأمين ، ج ٧ ص ١٤٠.

٦٠٨

دراسة القول الثالث :

نُذكّر أنّه كان القول الثالث : هو أنّ مرقد السيدة زينب الكبرىعليها‌السلام في مصر.

وقد كان هذا القول ـ ولا يزال ـ إحدى الإحتمالات لِمَكان المرقد الشريف ، وله أدلّته والأفراد القائلون به.

لكنّ بعد إكتشاف وانتشار كتاب « أخبار الزينبات » ـ للعُبيدلي ـ صار هذا القول أقوى الإحتمالات الثلاثة لمكان قبر السيدة زينب الكبرى ، لقوّة الأُسُس المَبنيّة عليها هذا القول ، وإليك بعض التوضيح لهذا الكلام :

لقد ذكر العُبيدلي أخباراً وتصريحات كثيرة ومهمّة حول رحلة السيدة زينبعليها‌السلام إلى مصر ، وذلك في كتابه « أخبار الزينبات ».

لكن بقيَ هذا الكتاب ـ طيلة هذه القرون ـ في زوايا الخمول والنسيان ، وفي أروقة المكتبات في رفوف الكتُب المخطوطة التي يظلِّلُ عليها غبار الجهل والإهمال.

وقد أمر بطبعه بصورة مستقلّة ـ ولاول مرّة ـ المرحوم آية الله السيد شهاب الدين المرعشي النجفيرحمه‌الله في مدينة قم عام ١٤٠١ هـ ، مع تعليقات مفيدة جداً. فقال ـ في مقدّمته على هذا الكتاب ـ ما خلاصته :

٦٠٩

من هو العُبيدلي؟

وما هو كتاب « أخبار الزينبات »؟

الجواب : هو العلامة الجليل ، الشريف الطاهر ، المُحَدّث المُفَسّر ، النَسّابة ، الثِقَة الأمين ، أبو الحسين : يحيى العُبيدلي المَدَني ، العقيقي الأعرجي ، بن الحسن بن جعفر الحُجّة بن عبيد الله الأعرج ، ابن الحسين الأصغر ، ابن الإمام السجاد زين العابدين علي بن الحسينعليه‌السلام .

وُلدَ العُبيدلي سنة ٢١٤ هـ في المدينة المنوّرة ، وتوفّي سنة ٢٧٧ في مكّة المكرّمة. وهو يُعتَبَر من علمائنا بالمدينة المنوّرة ، وساداتها الشرفاء الكُرماء في القرن الثالث الهجري.

وقد روى عنه النجاشي المتوفّى سنة ٤٥٠ هـ ، والحافظ أحمد بن محمد بن سعيد ابن عقدة الهمداني ، المتوفّى عام ٣٣٣ ، والشيخ المفيد ، والشيخ الصدوق في كتابه : « مَن لا يحضره الفقيه » ، والشيخ الطوسي ، وابن شهر آشوب ، والعلامة الحلّي في « تذكرة الفقهاء » وغيرهم من علماء الرجال.

كتاب أخبار الزينبات

يُعتبرُ كتاب « أخبار الزينبات » مِن أهمّ كتب التراجم والرجال ، ومِن الوثائق القويّة ، وأقدم المصادر في هذا

٦١٠

الشأن ، وقد اشتملَ على فوائد لم توجَد في غيره.

وإليك بعض المعلومات حول النسخة المخطوطة لهذا الكتاب :

وُجدَ هذا الكتاب في مدينة حَلَب ، قد كُتبَ بتاريخ سنة ٦٧٦ هـ بخط الحاج محمد بلتاجي الطائفي ، المجاور للحرم النبوي الشريف ، والكتاب منقول عن أصلٍ مؤرّخ بتاريخ سنة ٤٨٣ هـ ، وبخط السيد محمد الحسيني الواسطي الأصل.

مقتطفات من ( أخبار الزينبات )

ونحن نذكر بعض المقتطفات من هذا الكتاب الثمين ، وهي تُشَكّل الأدلّة على قوّة القول الثالث :

« زينب الكبرى بنت علي بن أبي طالب ، أمّها : فاطمة الزهراء بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وُلدت في حياة جدّها ، وخرجت إلى عبد الله بن جعفر ، فولدت له أولاداً ، ذكرناهم في كتاب النَسَب ».(١)

« حدّثنا زهران بن مالك ، قال سمعتُ عبد الله بن عبد الرحمن العتبي يقول : حدّثني موسى بن سلمة ، عن الفضل بن سهل ، عن علي بن موسى ، قال :

__________________

١ ـ كتاب « أخبار الزينبات » ص ١١١ ، طبع ايران عام ١٤٠١ هـ.

٦١١

أخبرني قاسم بن عبد الرزاق ، وعلي بن أحمد الباهلي ، قالا : أخبرنا مُصعَب بن عبد الله قال :

كانت زينب بنت علي ـ وهي بالمدينة ـ تُؤلّبُ الناس على القيام بأخذ ثار الحسين.(١)

فلمّا قام عبد الله بن الزبير بمكّة ، وحَمَل الناس على الأخذ بثار الحسين ، وخلع يزيد ، بَلَغ ذلك أهل المدينة ، فخطبت فيهم زينب ، وصارت تؤلّبهم على القيام للأخذ بالثار ، فبَلَغَ ذلك عمرو بن سعيد ، فكتب إلى يزيد يُعلِمُه بالخبر.

فكتب [ يزيد ] إليه : « أن فَرّق بينها وبينهم » فأمر أن يُنادى عليها بالخروج من المدينة والإقامة حيث تشاء.

فقالت : « قد علم الله ما صار إلينا ، قُتِل خَيرُنا ، وانسَقنا كما تُساق الأنعام ، وحُمِلنا على الأقتاب ، فوالله لا خرجنا وإن أُهريقَت دماؤنا ».

فقالت لها زينب بنت عقيل : « يا ابنة عمّاه! قد صدقنا الله وعده وأورثنا الأرض نتبوّأُ منها حيث نشاء.

فطيبي نفساً وقَرّي عيناً ، وسيجزي الله الظالمين.

أتُريدين بعد هذا هوانا؟!

إرحَلي إلى بلد آمِن »

__________________

١ ـ تُؤلِّبُ : تُحَرِّصُ. المعجم الوسيط.

٦١٢

ثمّ اجتمع عليها نساء بني هاشم ، وتَلَطّفنَ معها في الكلام ، وواسَينَها.(١)

وبالإسناد المذكور ، مرفوعاً إلى عبيد الله بن أبي رافع(٢) ، قال : سمعتُ محمّداً أبا القاسم بن علي يقول :

« لمّا قَدِمَت زينب بنت علي من الشام إلى المدينة مع النساء والصبيان ، ثارت فتنةٌ بينها وبين عمرو بن سعيد الأشدَق ( والي المدينة مِن قِبَل يزيد ).

فكتب إلى يزيد يُشير عليه بنقلها من المدينة ، فكتَبَ له بذلك ، فجهّزها : هيَ ومَن أراد السفر معها من نساء بني هاشم إلى مصر ، فقَدِمتها لأيّام بَقيت من رجب ».(٣)

حَدّثني أبي ، عن أبيه ، عن جَدّي ، عن محمد بن عبد الله ، عن جعفر بن محمد الصادق ، عن أبيه ، عن الحسن بن الحسن ، قال : « لمّا خرجت عمّتي زينب من المدينة خرج معها مِن نساء بني هاشم : فاطمة إبنة عمّي الحسين ، وأُختها

__________________

١ ـ أخبار الزينبات ص ١١٥ ـ ١١٧.

٢ ـ مَرفوعاً : السَنَد المرفوع : هي الرواية التي لم تُذكر فيه أسماء الوسائط ـ من الرواة ـ أو أسماء بعضهم.

٣ ـ أخبار الزينبات ص ١١٨.

٦١٣

سكينة ».(١)

ورُويَ بالسند المرفوع إلى رقيّة بنت عقبة بن نافع الفهري ، قالت :

« كنتُ فيمَن استَقبَل زينب بنت علي لَمّا قَدِمَت مصر بعد المصيبة ، فتقدّم إليها مُسلمة بن مُخلّد ، وعبد الله بن حارث ، وأبو عميرة المزني ، فعَزّاها مسلمة وبكى ، فبَكت وبكى الحاضرون وقالت : « هذا ما وَعَد الرحمن وصدق المرسلون ».

ثمّ احتملها إلى داره بالحمراء ، فأقامت به أحد عَشَرَ شهراً ، وخمسة عشر يوماً ، وتُوفّيَت ، وشَهِدَت جنازتها ، وصلّى عليها مسلمة بن مُخلّد في جمع [ من الناس ] بـ [ المسجد ] الجامع ، ورجعوا بها فدفنوها بالحمراء ، بمخدعها من الدار بوصيّتها ».(٢)

حدّثني إسماعيل بن محمد البصري ـ عابد مصر ونزيلها ـ قال : حدّثني حمزة المكفوف قال : أخبرني الشريف أبو عبد الله

__________________

١ ـ نفس المصدر ص ١١٩.

٢ ـ المخدَع ـ بضمّ الميم وفتحه ـ : البيت الصغير الذي يكون داخل البيت الكبير. كما في مجمع البحرين للطريحي. والمقصود : الحُجرة الصغيرة التي لها باب في الحجرة الكبيرة. وكان هذا متعارفاً في هندسة البناء في الزمن القديم. وكان يُعبّر عنها بـ « الخزانة ».

٦١٤

القرشي قال : سمعتُ هند بنت أبي رافع بن عبيد الله بن رقيّة بنت عقبة بن نافع الفهري تقول :

« تُوفّيت زينب بنت علي عشيّة يوم الأحد ، لخمسة عشر يوماً مضت من رجب ، سنة ٦٢ من الهجرة ، وشَهِدتُ جنازتها ، ودُفنت بمخدعها بدار مسلمة المستجدّة بالحمراء القصوى(١) ، حيث بساتين عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري.(٢)

مناقشات حول القول الثالث

أقول : لقد قرأتَ أنّ العُبيدلي ذكر هجرتها إلى مصر ، وأنّ مسلمة بن مُخلّد استقبَلَها إلى آخر كلامه.

وتَرى بعض المؤلّفين يُضعّف سفرها إلى مصر ، ويستدلّ لكلامه « أنّ مسلمة بن مُخلّد كان من أصحاب معاوية ، ومن المنحرفين عن الإمام علي أمير المؤمنينعليه‌السلام فكيف يستقبل السيدة زينب ويُنزلها في داره »؟

____________

١ ـ الحمراء القُصوى : منطقة كانت بين القاهرة ومدينة الفسطاط ، في الزمن القديم ، وكانت تُعرف أيضاً بـ « قناطر السباع ». كما يُستفاد من المقريزي في كتابه « المواعظ والاعتبار » ج ٢ ص ٢٠٢.

٢ ـ أخبار الزينبات ص ١٢١ ـ ١٢٢.

٦١٥

ونحن نقول : إنّ هذا الكلام لا يُضعّف القول الثالث ، لأنّ مجرّد إستقبال الوالي ـ وهو مُسلمة بن مُخلّد ـ لشخصيّة في مستوى السيدة زينب الكبرى ليس بأمرٍ عجيب!

مع الإنتباه إلى أنّه : أولاً :

إنّ مسلمة كان والياً من قِبَل بني أميّة ، وكان اللازم عليه أن يستقبل السيدة زينبعليها‌السلام تنفيذاً منه للمخطّط الأموي الذي أمَرَ بإبعاد السيدة زينب من المدينة المنوّرة.

ولعلّ يزيد هو الذي أمر مسلمة باستقبال السيدة زينب ، وإسكانها في قصره ، لكي تكون تحرّكاتها تحت مراقبته وإشرافه المباشر.

يُضاف على هذا ، أنّنا نقول :

أما كان النعمان بن بشير والياً على الكوفة من قِبَل معاوية ثمّ مِن قِبَل يزيد بن معاوية ، ومع كلّ ذلك فإنّنا نقرأ ـ في التاريخ ـ أنّه لمّا أراد يزيد إرجاع عائلة الإمام الحسينعليه‌السلام إلى المدينة أمَرَ النعمان بن بشير أن يُهيّئ لهنّ وسائل السفر؟

وأن يُرافقهنّ من الشام إلى المدينة ، مُراعياً الإحترام والتأدّب؟

فهل مِن المعقول أنّ النعمان بن بشير ـ مع سوابقه ـ يُرافق

٦١٦

عائلة الإمام الحسين من الشام إلى كربلاء ، ثمّ إلى المدينة المنوّرة مع مراعاة التأدّب والإحترام اللائق بهن؟!

فإذا كان ذلك ممكناً ، فلا مانع من أن يستقبل مسلمة بن مخلّد السيدة زينبعليها‌السلام ويُنزلها في داره.

ثانياً : إنّ مسلمة كان يعلم تعاطف أهل مصر مع أهل البيت النبوي ، وكان يسمع بإستعداد الناس رجالاً ونساءاً لاستقبال السيدة زينبعليها‌السلام ، فهو لا يَتَمَكّن مِن أن لا يخرج لإستقبال هذه السيدة العظيمة ، التي يعلم مدى محبّة وتعاطف المصريّين لوالدها الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

وخاصّة وأنّه يسمع بخروج الجموع الغفيرة من مختلف طبقات الشعب لإستقبالها إستقبالاً مقروناً بالبكاء والدموع وهياج مشاعر الحزن لما جرى على آل الرسول الطاهرين في فاجعة كربلاء الدامية.

٦١٧

الفصل الواحد والعشرون

بعض ما قيل فيها من الشِعر

٦١٨

٦١٩

بعض ما قيل فيها من الشعر

هناك أسباب وعوامل متعدّدة كان لها الدور الكبير في إثارة مشاعر وعواطف الشعراء ، وتَفَتُّح قرائحهم ، لكي ينظموا القصائد الرائعة في مدح ورثاء السيدة زينبعليها‌السلام .

فمِن جملة تلك الأسباب :

١ ـ الشعور بالمسؤولية تجاه نصرة آل الرسول الكريم.

٢ ـ إزدحام الفضائل ، وتجمّع موجبات العظمة والجلالة في شخصيّة السيدة زينب الكبرىعليها‌السلام .

٣ ـ الشعور الإنساني بالإندفاع لنصرة المظلوم.

إنّ هذه الأسباب ـ وغيرها ـ جعلت الشعراء يحومون حول هذه الشخصية العظيمة ، لكي تجول أفكارهم على مسرح الخيال والتصوّر ، تمهيداً للوصف ولصياغة المعاني في

٦٢٠