دراسة عامة في الامامة

دراسة عامة في الامامة0%

دراسة عامة في الامامة مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 282

دراسة عامة في الامامة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ إبراهيم الأميني
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
تصنيف: الصفحات: 282
المشاهدات: 78633
تحميل: 5066

توضيحات:

دراسة عامة في الامامة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 282 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 78633 / تحميل: 5066
الحجم الحجم الحجم
دراسة عامة في الامامة

دراسة عامة في الامامة

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

دراسة عامّة في الإِمامة

تأليف

العلاّمة الشيخ إبراهيم الأَميني

ترجمة

كمال السيد

١

٢

دراسة عامّة في الإِمامة

تأليف

العلاّمة الشيخ إبراهيم الأَميني

ترجمة

كمال السيد

٣

بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحِيْمِ

٤

محتويات الكتاب

مقدّمة المترجِم .9

مقدّمة الطبعة الثالثة 11

تمهيد .15

الفصل الأوّل: الإمامة 35

ما هي الإمامة؟ 37

الخلافة والإمامة: 39

بدء الإمامة: 41

بداية التشيّع: 41

إثارة: 48

الإمامة في القرآن .51

أُولو الأمر 55

رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) كان يجمع المنصبَين معاً: 58

الانفصال: 59

موقف علي: 62

الاعتراف: 64

اعتراف الخلفاء بعدم عصمتهم: 67

أُولو الأمر في القرآن .69

وكان بعضهم يعترض: 71

معركة أُحد: 71

مصاديق أُولي الأمر 75

خلاصة القول: 79

وَلِيّ الأَمْر فِي ضَوء الرُوَايَات ..85

٥

الفصل الثاني: الإمامة في ضوء العقل .91

النبوّة العامّة 93

القانون الذي يكفل سعادة الإنسان: 101

مقوّمات المشرِّع: 102

استنتاج: 105

سرّ التفوّق في الشرائع الإلهية: 106

الدين: 109

الأدلّة العقليّة على الإمَامَة 110

ضرورة الإمام في ضوء الأحاديث ..129

الفصل الثالث: العصمة 141

عِصْمَة الإمَام 143

استدلال هشام: 146

العصمة في ضوء العقل .148

حدود العصمة: 152

العصمة قبل فترة الإمامة: 152

العصمة في ضوء العقل .155

آية التطهير: 157

أسباب النزول: 158

الشهود: 161

أهل البيت (عليهم السلام) 166

القادة: 168

تفسير آية التطهير .171

الإرادة: 173

العصمة في ضوء الأحاديث ..178

٦

الفصل الرابع: العِلْم .185

معرفة الأحكام 187

عِلْم الإمام في ضَوء الأَحاديث: 188

وأحاديث أُخرى: 190

مصادر علوم الإمام 193

الكتب المصدر الأوّل: 193

علي في مدرسة الوحي: 194

منزلته العلميّة: 195

أكثر الصحابة روايةً: 197

شهادة الرسول: 198

ويدوّن علوم النبوّة: 198

كتابُ علي: 199

الجفر والجامعة: 199

جامع للأحكام: 200

القرآن المصدر الثاني .202

عالم الغيب المصدر الثالث ..205

وأحاديث أُخرى: 207

وأحاديث أُخرى أيضاً: 209

الفرق بين الإمام والنبي .212

شواهد: 214

عالم الشهادة: 217

عالم الغيب: 218

الغيب والشهود: 219

الغيب والشهادة في القرآن: 220

هل أنّ عِلْم الغيب من مختصّات الله عزّ وجل؟ 222

الإمام وعلم الغيب: 225

٧

أحاديث: 226

وأحاديث أُخرى: 228

أنباء الغيب ..230

وطائفة من الأحاديث ثالثة: 230

وأنباء أُخرى عن سائر الأئمّة (عليهم السلام): 236

علم الغيب ..240

الأئمّة ينفون علمهم بالغيب: 242

الإمام وسائر العلوم: 246

الفصل الخامس: الإعجاز 249

المعجزة: 251

هل المعجزة أمر ممكن؟ 251

مَن الذي يقوم بالمعجزة؟ 253

إثبات الإعجاز: 255

إنكار المعجزات: 258

الفرق بين المعجزة والسحر 264

الإعجاز وما يقوم به المرتاضون: 266

المعجزة والكرامة: 267

الفصل السادس: أفضليّة الإمام وطريقة الانتخاب   269

أفضليّة الإمام 271

انتخاب الإمام 273

الشورى: 277

الاستخلاف: 283

تخرّصات مُغْرِضَة: 284

مصادر الكتاب ..286

٨

مقدّمة المترجِم

كانت مسألة الإمامة وما تزال تُثير جَدَلاً واسعاً في الأوساط المسلمة؛ لأهمِّيَّتها البالغة سياسيّاً واجتماعيّاً، وفوق هذا وذاك موقعها في صياغة المعتقد الديني، ودوره في الحياة، والإجابة عن أسئلة الإنسان.

فالإمامة تُمثّل ركناً هامّاً في الصرح الإسلامي، وفي تكوينه الفكري والسياسي، واستمراراً في روح التغيير والبناء الاجتماعي والإداري بعد غياب النبوّة.

ومن هنا نفهم مغزى ذلك الاهتمام العميق بشخص الإمام علي (عليه السلام) من لدن الرسول الأكرم (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وإعداده لدور مستقبلي هو في الحقيقة امتداد لمهامّ الرسالة من أجل الحفاظ على الشريعة ومسؤوليّة تطبيقها في واقع الحياة، ولقد أفرز هذا الاهتمام النبوي الفريد فهماً خاصّاً لدى فريق من الصحابة، فانجذبوا إلى عليّ والتفّوا حوله، وكان لهم موقف إزاء النتائج المريرة التي تمخّض عنها مؤتمر السقيفة، الذي يعدّ أساساً للفواجع التي عصفتْ بالأُمّة الإسلاميّة، ومهّدت لكارثة صِفِّين ومن ثمّ مأساة كربلاء، وإذا كانت الخلافات حول الإمامة قد بدأت أوّل ما بدأت في إطار من الجدل الفكري

٩

والعلمي، فإنّها سرعان ما تحوّلتْ بعد ذلك إلى موجات من الاضطهاد السياسي والإرهاب الفكري، وسلسلة عنيفة من المواجهات الدامية، إضافة إلى ما رافق ذلك من حملات دعائيّة واتهامات ظالمة للتيّار الشيعي الذي رفع لواء التمسّك بقيادة أهل البيت (عليهم السلام).

ولأهمِّيَّة الإمامة وموقعها الحسّاس في العقيدة الدينيّة، فقد انتهج المذهب الإمامي - في إثباتها كأصل ديني - أُسلوبه في التعامل مع أصول الدين والتأسيس لها عقليّاً.

وبشكل عام فإنّ النظريّة الشيعيّة تنهض على أساس يجعل من الإمامة عهداً إلهيّاً، كما هو الحال في النبوّة، وتطرح لإثبات ذلك أدلّتها العقليّة.

ولقد أُثيرت في الآونة الأخيرة زوبعة فكريّة حول الإمامة، وأُطلقت الاتّهامات جُزَافاً دون تأمّل أو موضوعيّة، ومن المؤسِف حقّاً اتّهام المذهب الإمامي بإهمال المنهج العقلي في التأسيس لأصل الإمامة.

ولعلّ في هذه الدراسة ما ينهض في وضع ملامح عامّة لنظرية الإمامة في ضوء المذهب الشيعي، حيث يحتلّ العقلُّ مساحة واسعة فيها.

فالدليل العقلي في إثبات الإمامة هو الأساس والقاعدة، فيما يدخل الدليل الشرعي لمجرّد دعم وتعزيز موقف العقل لا أكثر.

ويَطرح هذا الكتاب - الذي بين يديك عزيزي القارئ - نظريّة الإمامة في التفكير الشيعي على ثلاثة أعمدة هي:

1 - العقل.

2 - والقرآن الكريم.

3 - والسنة الشريفة.

كمال السيّد

١٠

مقدّمة الطبعة الثالثة

- هل أضحت مسألة الإمامة بحثاً تاريخيّاً لا جدوى من ورائه؟

- وهل تبقى - مهما بلغت من الأهمِّيَّة - في إطارها التاريخي القديم، الذي عفا عليه الزمن؟!

- فماذا يجدي طرحها في هذا العصر؟ ناهيك عن أضرارها؛ لأنّها ستُجدِّد وتَبعث من جديد الخلافات بين السُنّة والشيعة.

ومسألة طائفيّة كهذه لا بدّ وأنْ توجِّه ضربة قاصمة لوحدة الأُمّة الإسلاميّة، وهي في أمسّ الحاجة إليها الآن وأكثر من أيّ وقت مضى.

أليس من الأفضل الإعراض عن هذه المسائل، والبحث في مسائل أكثر ضرورة؟

قد تُثار مثل هذه التساؤلات هنا أو هناك، وإذا أردنا الجواب عنها فيمكن القول: أنّ البحث في مسألة الإمامة يخرج عن إطاره التاريخي القديم إلى مجاله الأرحب ليكون من أشدّ المسائل حياتيّة، ليس لمحتواها العقائدي فحسب، بل لمعطياتها الفكريّة في الحياة الإنسانيّة؛ انطلاقاً من جانبها السياسي ونظريّتها في الإدارة والحُكم.

وإذن، فمسألة الإمامة لا ترتبط بزمن مضى، بل إنّها تواكب كلّ الأزمنة حاضراً ومستقبلاً.

١١

ومن هنا فقد أضحتْ - وعلى مدى التاريخ الإسلامي - مجالاً حيويّاً للبحث، وكانت واحدة من محاور علم الكلام، وفاقتْ بذلك غيرها من المسائل الإسلاميّة الأُخرى، حتى أُلّفت حولها مئات بل آلاف الكتب.

* وفي الأحاديث نجد أنّ مسألة الإمامة قد احتلّتْ مساحة واسعة لتكون معرفة الإمام الحق واتّباعه ضرورة من الضرورات:

- وقد قال سيّدنا محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): (مَنْ مَاتَ بِغَيْرِ إِمَامٍ مَاتَ مِيْتَةً جَاهِلِيَّة) (1) .

- وعن الراوي قال: سألتُ أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) عن قول رسول الله(صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): (مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ إِمَامٌ فَمِيْتَتُهُ مِيْتَةٌ جَاهِلِيَّة).

قال قلتُ: ميتة الكفر؟

قال: مِيْتَة ضَلاَل.

قلتُ: فمَن مات اليوم وليس له إمام فميتته ميتة جاهليّة؟

فقال: نعم (2) .

- وعن آخر قال: قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): (مَن مات لا يعرف إمامه مات مِيْتَة جاهليَّة)؟

قال: (نعم.

قلت:ُ جاهليّة جهلاء أو جاهليّة لا يعرف إمامه؟

قال: جَاهِلِيّة كُفْر وَنِفَاق وَضَلاَل) (3) .

- وقال الإمام الرضا(عليه السلام) في حديث له: (إنّ الإمامة زمام الدين ونظام المسلمين وصلاح الدنيا وعزّ المؤمنين، إنّ الإمامة أُسّ الإسلام النامي وفرعه السامي، بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحجّ والجهاد وتوفير الفَيء والصدقات وإمضاء الحدود والأحكام ومنع الثغور والأطراف. إنّ الإمام يحلّ حلال الله ويحرّم حرام الله ويذبّ عن دين الله) (4) .

____________________

(1) مسند أحمد: ج4 ص96 / الكافي: ج1 ص376.

(2) الكافي: ج1 ص376.

(3) المصدر السابق: ص377.

(4) الكافي: ج1 ص200.

١٢

- وعن محمّد بن مسلم قال: سمعتُ أبا جعفر(عليه السلام) يقول: (كلّ من دان الله عزّ وجلّ بعبادة يُجهد فيها نفسه ولا إمام له من الله، فسَعْيه غير مقبول، وهو ضالّ متحيّر، والله شانئٌ لأعماله، ومثله كمثل شاة ضلّت عن راعيها وقطيعها، فهجمتْ ذاهبة وجائية يومها فلمّا جنّها الليل بصرتْ بقطيع غَنَم مع راعيها، فحنّت إليها واغترّتْ بها، فباتتْ معها في مربضها، فلمّا أنْ ساق الراعي قطيعه أنكرتْ راعيها وقطيعها فهجمتْ متحيِّرة تطلب راعيها وقطيعها فبصرتْ بغنم مع راعيها فحنّت إليها واغترّت بها، فصاح بها الراعي، الْحَقِي براعيك وقطيعك فأنتِ تائهة متحيّرة عن راعيك وقطيعك، فهجمتْ ذَعِرَة متحيِّرة تائهة لا راعي لها يرشدها إلى مرعاها أو يردّها، فبينا هي كذلك إذ اغتنم الذئب ضيعتها فأكلها. وكذلك والله يا محمّد مَن أصبح مِن هذه الأُمّة لا إمام له من الله عزّ وجل ظاهر عادل أصبح ضالاًّ تائهاً، وإنْ مات على هذه الحالة مات ميتةَ كفر ونفاق. واعلم يا محمّد إنّ أئمّة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دين الله، قد ضلّوا وأضلّوا،فأعمالهم التي يعملونها كرماد اشتدّتْ به الريح في يوم عاصف، لا يقدرون ممّا كسبوا على شيء، ذلك هو الضلال البعيد) (1) .

* ويُستفاد ممّا تقدّم أنّ بحث الإمامة يعدّ في صميم المسائل الإسلاميّة العامّة، وعليه تتوقّف معرفة الإمام الحقّ وصفاته، وهي مسألة مصيريّة بالنسبة للأُمة الإسلاميّة في مجالات عديدة:

- فإلى مَن يرجع المسلمون في أَخْذ أحكام دينهم وحلّ مشكلاتهم الفكريّة، إلى أهل بيت النبي من الأئمّة المعصومين حَمَلَة الرسالة، أَمْ إلى علماء الرأي والقياس والاستحسان؟

____________________

(1) الكافي: ج1 ص183.

١٣

- وبِمَن يتأسّى المسلمون وبِمَن يقتدون، بعترة الرسول أَمْ بغيرهم؟

- وما هو شكل الحكومة الإسلاميّة، وما هي مقوّمات الحاكم الإسلامي، وهل أنّ الحكم الإسلامي حقّ مشروع للأئمّة المعصومين المعيَّنين من لدن الله عزّ وجل، أَمْ لكلّ مَن أراد الحكم حتّى لو كان ظالماً جاهلاً؟

وكلّ هذا وغيره يندرج في بحث الإمامة.

فإذا ما بُحثت الإمامة بشكل علمي وفي إطار الخُلق الإسلامي - بعيداً عن التعصب والإساءة إلى مقدّسات الطرف الآخر - فإنّها لن تكون باعثاً على تأجيج النَفَس الطائفي، بل سيكون لها الأثر البالغ في رَدْم هوّة الخلاف، والتقريب بين المذاهب.

* وفي الختام نذكر بأنّ بحث الإمامة يمكن أنْ يتمّ في محورَين:

الأول: بحوث عامّة في الإمامة، من قبيل:

- ضرورة وجود الإمام.

- شروطه وصفاته: كالعلم والعصمة والإعجاز.

- وكيفية انتخابه، وغيرها.

الثاني: تطبيقات الإمامة وبحث مصاديق الأئمّة وإقامة الأدلّة في إثبات إمامة كلّ منهم. وقد اعتمد الكتابُ المحورَ الأوّل.

ولا أنسى التأكيد على ضرورة تأليف كتاب آخر يعتمد المحور الثاني.

وتبقى الإشارة إلى أنّ الكتاب الحاضر كان قد أُلّف قبل (25 سنة) أي قبل انتصار الثورة الإسلاميّة، وقد أُجريتْ عليه بعض التعديلات اللازمة ليكون في شكله الحالي بين أيدي القرّاء الكرام، سائلاً المنّان الرضا والقبول.

إبراهيم الأميني

خريف 1415هـ

١٤

تمهيد

الإسلام نظام اجتماعي كامل يستوعب كلّ شؤون الحياة الإنسانيّة، فهو نظام يرسم للإنسان طريق السعادة في الآخرة، ويحدّد أسلوب الحياة في الدنيا بشكل يضمن له الطمأنينة والرفاه.

وهو في كلّ ذلك لا يجعل بين الدنيا والآخرة حدوداً، بل يجعل من الدنيا طريقاً للآخرة.

ومن هنا فلا يكون المسلم مسلماً حقّاً حتّى يكون مسؤولاً في حياته الاجتماعيّة، ويكفي لإثبات ذلك أنْ يُلقي المرء نظرة على سعة وتنوّع الأحكام الاجتماعيّة.

فالقانون والقضاء يحتلّ مساحة واسعة من الإسلام، الذي يَعتبر إقرار النظام ومَنْع الفوضى والعدوان على حقوق الآخرين أمراً واجباً لا مناص منه، حتّى ليجد المرء نظاماً متكاملاً للقضاء، لا يهتم بإقامة العدل فحسب، بل يتشعّب ذلك ليضمن حقوق العاملين فيه من رؤساء ومرؤوسين، ويحدّد واجباتهم.

كما نجد الجهاد في سبيل الله - كوسيلة لتثبيت دعائم الإسلام ونشره - يحتلّ مساحة واسعة من الشريعة؛ ليقف في الصدارة من القوانين والأحكام الدينية.

١٥

فالمسلمون مُلْزَمون ومسؤولون عن الدفاع في وجه المُغِيْرِين الذين ينهبون الأموال العامّة بالباطل، ويطغَون في الأرض.

وقد قال الله سبحانه: ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ ) (1) .

وقال عزّ وجلّ: ( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ ) (2) .

وقال تعالى: ( قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) (3) .

وإذاً، فالمسلمون ملزَمون بأمرِ الله والتعبئة العامّة؛ من أجل تأسيس جيش قويّ مجهّز بأفضل الأسلحة حتّى يمكّنه مواجهة العدوّ الذي يتربّص بأهل الإسلام الدوائر.

قال سبحانه وتعالى: ( وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ ) (4) .

من هنا فإنّ وزارة للحرب - بكلّ ما يلزمها من مؤسّسات ومعاهد وكلِّيَّات للضبّاط، وكلّ مراكز الإنتاج الحربي لتغطية مستلزمات الدفاع - هي جزء من الإسلام ومن واجبات المسلمين.

____________________

(1) الصف: الآية 4.

(2) البقرة: الآية 193.

(3) التوبة: الآية 24.

(4) الأنفال: الآية 60.

١٦

وهناك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي يُعدّ في طليعة الواجبات الدينيّة العامّة، التي تستلزم جهازاً منظّماً يقوم بها ويضمن تنفيذها في الحياة الاجتماعية؛ ليكون المجتمع الإسلامي مصداقاً لقوله تعالى: ( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ) (1) .

* ثمّ هناك القانون الجنائي الذي:

- يعيّن الحدود والديّات.

- ويعاقب القاتل.

- ويقطع يد السارق.

- ويجلد الزناة أو يرجمهم.

وكلّ العقوبات المقررة في الإسلام هي لمنع الفساد في المجتمع.

* وهناك القانون العام الذي:

- يضمن الميزانية العامّة في البلاد.

- ويحدّد الضرائب، حيث الزكاة والخمس يشكّلان رقماً كبيراً في هذا المضمار.

* وهناك الخدمات العامّة التي يتكفّلها القانون من قبيل:

- بناء المستشفيات والمدارس ومراكز التحقيق.

- وتأسيس المساجد والمراكز الصحِّيَّة.

- والإنفاق على المحتاجين.

- ودعم مراكز التبليغ والإرشاد.

- ومكافحة الفساد.

كلّ ذلك وغيره ممّا يمكن النهوض به اعتماداً على الخمس والزكاة، اللتَين لو تمّت الاستفادة منهما بشكل صحيح وسليم لأمكن القيام بكلّ ما ذُكر، بل لفاض عليه.

إنّ التأمّل في مجموع القوانين الإسلاميّة - والتي أشرنا إلى قسم منها - لتكشف بوضوح إلى أنّ هدف الإسلام وغايته الكبرى هو أنْ يتحقّق وجود مجتمع إسلامي، ينهض على أساس سليم في ضمان الحقوق، وتحديد الواجبات، وتنفيذ الشريعة الإلهيّة في الحياة البشريّة.

ومن المستحيل منطقيّاً أنْ يكون الإسلام على هذه الدرجة الكبرى من

____________________

(1) آل عمران: الآية 104.

١٧

الاهتمام بشؤون الحياة وعلى المستويات كافّة من سياسة واقتصاد واجتماع، ثمّ يغفل جانباً هامّاً فيها وهو القيادة التي تدخل في الصميم.

فكلّ هذه النُظُم الدقيقة - فيما يتعلّق بتأسيس جيش قوي يتناسب ومتطلّبات العصر ويتكفّل حماية الأُمّة والبلاد والدفاع عن حريم الوطن - شاهد على أنّ الشريعة لا يمكن أنْ تُهمل جانباً هامّاً في الحياة، وتحديد المسؤول عن كلّ ذلك.

- والقضاء - كجهاز - أَلاَ يُلْزِمُهُ هو الآخر مسؤول أعلى يُشْرِف على تطبيق الأحكام الإلهيّة؟

- والخمس والزكاة أَلاَ تلزمهما أجهزة إداريّة تنهض بتنظيم الجِبَاية وكيفيّة الإنفاق؟

- ألم يُشِر القرآن حتّى إلى موارد صرفهما ولم يغفل حتّى عن القائمين عليها؟

وبشكل عام فإنّ التشريع الإسلامي - بكلّ تفاصيله - لا بدّ وأنْ يحتاج إلى مسؤول يضمن تنفيذه، وأنّ مجموع الوزارات والدوائر الإسلاميّة تحتاج إلى فرد موظّف ينهض بأعمالها، ويكون مسؤولاً عن سَيْر الأعمال فيها بشكل ينسجم مع الشريعة الإلهيّة وقوانين السماء.

فالإسلام ليس ديناً مُنْزَوِيَاً، وهو لا يضع فواصل بين الدين والدنيا، بل إنّ المرء ليكتشف أنّ الإسلام يمزج بينهما بشكل يجعلهما كُلاًّ واحداً يصعب التفريق بينهما.

ومن خلال كلّ هذا نكتشف أنّ مسألة الحكومة هي في الصميم من التشريع الإسلامي، حيث ينهض أفراد مُعَيّنون بهذه المسؤوليّة من أجل ضمان تنفيذ الأحكام الإلهيّة.

١٨

ومن غير المنطقي القول إنّ الأديان السماويّة لا علاقة لها بشأن الحُكْم، وأنّه ليس من حقّها التدخّل في ذلك.

إنّ النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) والأئمّة من آله هم أسمى وأرفع من أنْ يُعرِضوا عن هذه المسألة الحسّاسة.

* هل من المنطقي أنْ نقول إنّ مسؤوليّة النبي والإمام تتوقّف عند التشريع فحسب؟ وإنّ مسألة إقامة الشريعة أمر لا يعنيهما؟

إنّ جهاد الأنبياء وعلى مدى التاريخ الإنساني كان منصبّاً على تنفيذ أحكام السماء في حياة البشر، ولقد سَعَوا جميعاً في هذا الطريق في ضوء ما توفّر لديهم من ظروف عامّة مناسبة.

- قال سبحانه في محكم قرآنه: ( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ ) (1) .

- وقال بشأن نبي الله لوط (عليه السلام): ( وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً ) (2) .

- وفي يوسف (عليه السلام): ( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً ) (3) .

- وعن لسانه: ( رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ ) (4) .

- وفي داود (عليه السلام) قال عز من قائل: ( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي

____________________

(1) البقرة: الآية 213.

(2) الأنبياء: الآية 74.

(3) يوسف: الآية 22.

(4) يوسف: الآية 101.

١٩

الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ) (1) .

- وعن سليمان(عليه السلام) قال سبحانه: ( قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي ) (2) .

وقد وقف موسى بوجه حكومة فرعون الذي كان يستعبد بني إسرائيل، وكانت رسالة موسى لإنقاذهم من العبوديّة وتحريرهم من نَيْر فرعون وحكمه، ومِن أجل هذا وقف موسى بوجه فرعون.

- قال تعالى عن لسان موسى بن عمران (عليه السلام): ( فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ ) (3) .

* كان رسول الله(صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) قائداً أعلى:

أجل، كان سيّدنا محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) في قمّة الهَرَم القيادي، وكان مسؤولاً أعلى في إدارة شؤون المسلمين، وكان في ذلك القائد العام المفوّض من قِبل الله عزّ وجل.

- قال تعالى: ( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ) (4) .

- وهو بهذا مسؤول عن تطبيق حكم الله في الأرض: ( فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ ) (5) .

ولم يكن هذا بعد الهجرة بل كان في مطلع الدعوة الإسلاميّة، فعن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: (لما نزلتْ: ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) ، دعاني

____________________

(1) ص: الآية 26.

(2) ص: الآية 35.

(3) طه: الآية 47.

(4) الأحزاب: الآية 6.

(5) المائدة: الآية 48.

٢٠