دراسة عامة في الامامة

دراسة عامة في الامامة0%

دراسة عامة في الامامة مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 282

دراسة عامة في الامامة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ إبراهيم الأميني
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
تصنيف: الصفحات: 282
المشاهدات: 78613
تحميل: 5066

توضيحات:

دراسة عامة في الامامة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 282 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 78613 / تحميل: 5066
الحجم الحجم الحجم
دراسة عامة في الامامة

دراسة عامة في الامامة

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الحاجة؛ لأنّ المُهِم لديه ليس الحكم بذاته بل استمرار الدين ومصلحة الإسلام العليا.

وخلال كلّ ذلك لم يكن الإمام (عليه السلام) ليسكت عن المطالبة بحقّه والاستدلال على أحقِّيَّته في الخلافة، وكان يحذّر الأُمّة من العواقب الوخيمة التي تترتّب على إقصائه عن الإدارة والقيادة، ولقد اكتشفتْ الأُمّة - بعد أنْ بلغ الانحراف ذَرْوَتَه - خَطَأَهَا، فاندفعتْ بعد مصرع عثمان إلى بيعة علي (عليه السلام).

وتسلّم الإمام الحسن الخلافة بعد استشهاد أبيه، ولكنّ معاوية الذي كان يخطّط منذ عشرين سنة للاستيلاء على الحكم، كان قد أحكم قبضته على الشام وأعدّ الأرضيّة المناسبة التي تُمَكِّنه الاستيلاء على الخلافة بالقوّة. ولقد أعرب الإمام الحسن (عليه السلام) منذ تولّيه الخلافة عن موقفه الحازم إزاء معاوية وأعدّ العدّة لمواجهته عسكرياً، ولكنّ تطورات الأحداث وما لَعِبَهُ معاوية من أدوار قذرة في خداع الناس، أفشلتْ خطط الإمام في الإعداد لحرب مصيريّة وتصحيح الأوضاع.

وكان لوسائل معاوية وإغراءاته الأثر الكبير في إحداث أكبر انشقاق في جيش الإمام الحسن وانحيازهم إلى قوّات معاوية، في أكبر حادث خياني دفع الإمام الحسن إلى تغيير مواقفه والتفكير بمصير الإسلام؛ خاصّة بعد تعرّضه إلى عدّة محاولات دنيئة لاغتياله، وتفكّك جيشُه، بل وإبداء البعض استعدادهم في التعاون مع معاوية وتسليم الحسن حيّاً. وفي خِضَمّ هذه الحوادث المثيرة والعاصفة، كيف يمكن للحسن (عليه السلام) أنْ يغامر بخوض حرب مصيريّة والتضحية بأخلص أنصاره أمام جيش منظّم قادر على اقتحام الكوفة متى شاء.

ولم يكن معاوية غبيّاً خلال تلك الفترة، فلقد كان يسعى إلى الاستيلاء على

١٢١

الخلافة، وكان يعدّ نفسَه لأنْ يكون خليفةً للمسلمين، فكان يتظاهر بالدين وحماية المظلومين ورغبته في السلام.

وهكذا وجد الإمام الحسن نفسه مضطرّاً للاستجابة لدعوات السِلْم، التي ما فتئ معاوية يوجّهها يوميّاً.

إنّ مَن يتأمّل بنود الصلح الموقّعة بين الطرفين، يكتشف خطّة الإمام الحسن في فَضْح الوجه الحقيقي لمعاوية، الذي أخفاه طيلة تلك المدّة التي سبقتْ استيلاءه على الخلافة.

إنّ مطالعة تلك الحقبة العاصفة من الزمن، تُظهِر أنّ الإمام الحسن لم يتأخّر في العمل كلّ ما بوسعه من أجل تصحيح الأوضاع دون جدوى، ولكنّ الحوادث كانت تسير لصالح معاوية لحظة بعد أُخرى، فوجد الإمام نفسَه وحيداً تقريباً، فسلّم الأمر لمعاوية حقناً لدماء المسلمين أنْ تذهب هباءً في حرب خاسرة.

فهل من الإنصاف أنْ نتّهم الإمام الحسن (عليه السلام) بإخفاقه في الاحتفاظ بالخلافة، دون أنْ نتفهّم ظروف تلك الحقبة المريرة من التاريخ الإسلامي؟

لقد حوّل معاوية العراق آنذاك - والكوفة بالخصوص - إلى مسرح دمويّ رهيب لتصفية الوجود الشيعي، وبدأ سلسلة من الاغتيالات السياسية طالت العديد من الزعماء توّجها باغتياله للإمام الحسن مسموماً؛ كلّ ذلك من أجل احتفاظه بالسلطة وتمهيد الأُمور لابنه (يزيد) .. ذلك الشاب النَزِق، الذي لا يعرف غير القتل والخمرة وملاعبة القرود ، فارتكب وخلال مدّة حكمه القصيرة مذابح يندى لها جبين الإنسانيّة؛ بدأها:

- بمذبحة كربلاء، حيث قتل الحسين على نحو

١٢٢

مأساوي فجيع.

- وتلاه اجتياح المدينة، وانتهاك الأعراض، وقتل سبعمائة صحابي.

- ثمّ محاولة اقتحام مكّة بعد قصف الكعبة بالمنجنيق وإحراقها.

وهكذا أثبت الأمويّون أنّهم لا يتورّعون عن ارتكاب أيّ عمل مهما بلغتْ قذارته من أجل الاحتفاظ بالسلطة والتشبّث بالحكم.

وفي خضمّ تلك الحوادث المريرة ماذا كان بوسع الإمام زين العابدين أنْ يفعل؟ غير بثّ الوعي في ضمير الأُمّة، والسعي من أجل إيقاظها.

ولنتأمّل في رسالته إلى (الزهري) العالِم المشهور في عصره:

(فانظر أيّ رجل تكون غداً إذا وقفتَ بين يدي الله فسألك عن نعمته عليك، كيف رعيتها وعن حجّته عليك كيف قضيتها، ولا تحسبنّ الله قابلاً منك بالتعذير ولا راضياً منك بالتقصير، هيهاتَ هيهاتَ ليس كذلك أخذ الله على العلماء في كتابه، إذ قال تعالى في آل عمران:

( لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ ) .

واعلم، إنّ أدنى ما كتمتَ وأحقّ ما احتملتَ أنْ آنستَ وحشةَ الظالم وسهَّلتَ له طريق البَغْي بدنوّك منه حين دنوتَ، وإجابتك له حين دُعيتَ، فما أخوفني أنْ تَبُوْءَ غداً بإثمك مع الخونة، وأَنْ تُسْأَل عمّا أخذتَ بإعانتك على ظلم الظلمة، أخذتَ ما ليس لك ممّن أعطاك، ودنوتَ ممّن لا يردّ على أحد حقّاً ولم تَرُدّ باطلاً حين أدناك، وأحبَبْتَ من حادّ الله. جعلوك قطباً ولم تردّ باطلاً حين أدناك وأحببتَ من حادّ الله. جعلوك قطباً أداروا بك رَحَى مظالمهم، وجسراً يعبرون عليك إلى بلاياهم، وسُلّماً إلى ضلالتهم، داعياً إلى غيّهم، سالكاً سبيلهم، يُدخلون بك الشكّ على العلماء، ويقتادون بك الجهّال إليهم، فلا يبلغ أخصّ وزرائهم ولا أقوى أعوانهم إلاّ دون ما بلغتَ من إصلاح فسادهم واختلاف الخاصّة والعامّة إليهم، فما أقلّ ما أعطوك في قدر ما أخذوا منك، و ما أيسر ما عمّروا لك، فكيف ما خرّبوا عليك.

١٢٣

فانظر لنفسك فإنّه لا يَنظر لها غيرُك، وحاسبْها حساب رجل مسؤول، وانظر كيف شُكْرك لِمَنْ غذّاك بنعمه صغيراً وكبيراً، فما أخوفني أنْ تكون كما قال الله تعالى في الأعراف:

( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا ) .

إنّك لستَ في دار مُقام، أنت في دار قد آذنت بالرحيل، فما بقاء المرء بعد قرنائه. طوبى لِمَنْ كان في الدنيا على وَجَل ويا بؤس لِمَنْ يموت وتبقى ذنوبه من بعده) (1) .

من الظلم أنْ نتّهم الإمام السجّاد بالانزواء والإعراض عن الدنيا وما يجري فيها، دون أنْ نلقي نظرة على الظروف العاصفة التي اكتنفتْ حياته، والمخاطر المُحْدِقَة بالإسلام والمسلمين.

إنّ نظرة فاحصة في (الصحيفة السجّاديّة) تكفي للدلالة على أنّ الإمام زين العابدين (عليه السلام) كان يعيش في قلب الهمّ الإسلامي، وكان يستخدم الدعاء كوسيلة متاحة لتجذير الإسلام وعقائده في القلوب المؤمنة.

إنّ الصحيفة السجّاديّة لوحدها تُعَدّ تراثاً إسلاميّاً رائعاً يحتلّ المرتبة الثانية بعد القرآن الكريم.

وليس من الإنصاف أبداً أنْ يتّهم الكاتبُ الإمامَ زين العابدين بأنّه كان منزوياً إلى حدٍّ ما، مفضّلاً حياة الدَعَة، وأنّه غادر المدينة المنوّرة لينجو بنفسه من مذابح الجيش الأموي.

* وإذا كان الأئمّة الأطهار في شغل شاغل عن هموم الخلافة، فـ:

- بماذا نفسّر اعتقال الإمام السجّاد وإرساله مخفوراً إلى الشام بأمر عبد الملك بن مروان؟!

____________________

(1) تحف العقول: ط طهران 1384: ص281.

١٢٤

- ولماذا أمر هشام بن عبد الملك باعتقال الإمام الباقر (عليه السلام) وإحضاره إلى دمشق؟

- ولماذا كان الدوانيقي يتوعّد الإمام الصادق (عليه السلام) بين فترة وأُخرى، ثمّ يأمر جلاوزته بإحضاره إلى العراق؟ وكم هي المرّات التي قرّر فيها قتله والتخلص منه؟

- ولماذا أمضى الإمام الكاظم سنوات طويلة من عمره الشريف في السجون والزنزانات المظلمة، إبّان تعاقب المهدي والهادي والرشيد على الحكم في بغداد.

- وبماذا نفسّر خُطَط المأمون في حصار الإمام الرضا في لعبة ولاية العهد، ثمّ تصفيته بالسمّ؟

- ولماذا اقتحم الجلاوزة بأمر المتوكّل منزل الإمام علي الهادي ليلاً وتفتيشه؟ ولماذا وُضع تحت الإقامة الجبريّة في سامرّاء كلّ تلك السنين؟ ولماذا حاول قَتْله مرّات ومرّات إلى أنْ تمّ اغتياله بالسمّ على يد المعتمد العبّاسي؟

- ولماذا وُضع الإمام الحسن العسكري تحت الإقامة الجبريّة والمراقبة المباشرة في منطقة عسكريّة في سامراء؟ ولماذا زُجّ في السجن المرّة بعد الأُخرى؟ ولماذا تعرّض منزله للتفتيش بعد وفاته؟!

فهل هناك مَن يظنّ بأنّ الخلفاء الذي شنّوا تلك الحرب التي لا هوادة فيها على الأئمّة، وأنّ كلّ تلك الضغوط والممارسات اللاإنسانيّة التي استهدفتْ تصفية أنصارهم كانت من أجل أنّ الأئمّة كانوا يمارسون دوراً ارشاديّاً وَعْظِيّاً؟ أَمْ إنّهم كانوا يشكّلون خطراً يتهدّد حكوماتهم بالزوال؟ هذا هو التاريخ يشهد بأنّ الأئمّة كانوا يرفعون لواء المقاومة ومواجهة الظلم بكلّ صوره وأشكاله، وكانوا يسعون

١٢٥

إلى إقامة حكم الله في الأرض.

* إشكال رابع:

- هل هناك جدوى من وجود إمام هو غائب في الأصل؟

- وهل قدّم حلاًّ لمشكلة ما؟

- هل بيّن حلالاً أو حراماً؟ إنّ مفهوم الإمام أنْ يكون بين الناس، لا غائباً عن الأنظار (1) .

* الجواب:

* لقد أشرنا فيما مضى لدى بحثنا أدلّة الإمامة إلى أنّ للإمام ثلاث مزايا تترتب على وجوده:

1 - إنّه فرد كامل، يجمع كلّ الفضائل الإنسانيّة، وإنّها تتجسّد فيه فعلاً؛ لتعكس إمكانيّة البشر على التكامل، وهو بهذا انعكاس للفيض الإلهي.

2 - إنّه حافِظٌ وأمينٌ على الشريعة، ومبلِّغ لها.

3 - إنّه قائد للمجتمع الإسلامي.

ولا شكّ أنّ الفائدة الأُولى قائمة حتّى في غياب الإمام، فالإمام ومن خلال الأدلّة العقليّة والأحاديث يمثّل وجوداً ضروريّاً لاستمرار وجود النوع الإنساني؛ لأنّه يمثّل الإنسان المثال الذي يجسّد غايته التحرّك البشري في طريق الكمال.

وهو محلّ انعكاس الفيض الإلهي وحلقة الوصل بين عالمَي الغيب والشهود.

وفي انتفاء وجوده التكويني تنتفي العلاقة بين العالَم المادّي والعالم الملكوتي، ويفقد النوع الإنساني مبرِّرات وجوده، وسيكون انقراضه أمراً حتميّاً.

____________________

(1) داوري: ص53.

١٢٦

ومن هنا فإنّ ضرورة الإمام قائمة سواء كان غائباً أم حاضراً بين الناس.

أمّا ما يتعلّق بالنقطتَين الأُخْرَيَيْن، فيمكن القول:

إنّ المجتمع الإسلامي والإنساني يعيش حرماناً بسبب غيابه الذي اضطرّ إليه اضطراراً، فقد اصطفاه الله واختاره للناس إماماً، ولكنّ الناس هم مَنْ يقع عليهم اللوم في عدم الاستفادة منه في إدارة شؤونهم وقيادتهم. وعندما يسعى المجتمع الإسلامي إلى إعداد الجوّ المناسب لحاكميّة الشريعة الإسلاميّة وظهور الإمام، فإنّ الغيبة ستنتهي وسيظهر الإمام للناس للقيام بمهمّته في تنفيذ شريعة الله في حياة البشريّة، وقيادة الإنسانيّة إلى هدفها النهائي (1) .

* إشكال خامس:

في ضوء نظرية الإمامة وقيادة المعصوم سيكون المجتمع الإسلامي غير مسؤول عن تشكيل الحكومة ووجود قائد يتولّى زمام الأُمور؛ لأنّ كلّ حكومة ستفتقد شرعيتها، وعليه ستبقى الأُمة الإسلامية بلا جهاز حكومي يدير شؤونها!!

* الجواب:

إنّنا لم نقل أبداً ولنْ نقول بانتفاء مسؤوليّة الأُمّة في تشكيل حكومة إسلاميّة عند غياب المعصوم، أو رَفْض كلّ حكومة تنهض خلال الغيبة، كلاّ لا يمكن قبول ذلك، كلّ الشعوب والمجتمعات البشرية تتّفق ومن خلال محاسبات عقليّة صِرْفَة على ضرورة وجود قانون وحكومة ونظام، وبدون هذا تعمّ الفوضى

____________________

(1) لمزيد من التفصيل يراجع كتاب (دادگستر جهان) للمؤلّف نفسه، وقد تُرجم إلى العربيّة تحت عنوان (حوارات حول المنقذ) - المترجم.

١٢٧

والفساد كلّ ميادين الحياة. هذا من جهة.

ومن جهة أُخرى: فإنّ المتأمّل في أصل الخلقة الإنسانيّة يُدْرِك أنّ البشر وُلِدُوا أحراراً، وأنّه لا حقّ لأيٍّ كان بالتدخّل في فرض أسلوب للحياة معيّنٍ على الآخرين، وإنّ استخدام القوّة في تسخير الآخرين هو ظلم محض، حتّى لو ادّعى رعاية المصلحة العامّة في ذلك.

فالعقل الإنساني يعتقد قاطعاً أنّ الله سبحانه وحده الذي له الحقّ في انتخاب أسلوب الحياة المناسب للبشرية؛ لأنّ الناس جميعاً هم عباده، وهو الخالق والمالك لهم، فله الحقّ في التدخّل في حياتهم.

ولو أوكل الله سبحانه ذلك إلى غيره فهو مطلق التصرّف في ذلك، يحكم كيف يشاء، ولقد أثبتْنا خلال بحوث سابقة أنّ الله عزّ وجل أوكل قيادة الإنسانيّة إلى الأئمّة المعصومين الذين عيّنهم من قَبل، وعرّفهم سيّدنا محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) للمسلمين، وجعل لهم حقّ الخلافة مِن بعده.

وإضافة إلى هذا: وما دامت مسألة الحكم وسيادة القانون ضرورة حياتيّة يتّفق عليها البشر جميعاً، فإنّ الإسلام لا يقف منها موقفاً سلبياً بل يؤكّد ضرورتها دينيّاً، وإنّ على المسلمين - كسائر الأُمم الأُخرى - السعي لتشكيل حكم إسلامي، فإذا وُجد الإمام المعصوم فهو أحقّ مِن غيره في قيادة الأُمّة، على المسلمين السعي لتعزيز موقعه وتثبيت حاكميّته؛ لأنّها حاكميّة الله عزّ وجل، وإلاّ فعليهم السعي أيضاً لتشكيل حكومة صالحة تنهض بمسؤوليّة تطبيق الشريعة الإلهيّة ما أمكن، وتهيئة المناخ المناسب لحكومة الإمام المعصوم.

١٢٨

ضرورة الإمام في ضوء الأحاديث

لقد تظافرتْ الأحاديث حول ضرورة الإمام في حياة البشريّة واستمرار النوع الإنساني، فكلاهما دالّ على الآخر، وقد بلغتْ كثرة الأحاديث في هذا المضمار حدّاً يمكن القول إنّها متواترةٌ قطعيّةُ الصدور، وهذه طائفة منها:

- عن الأعمش عن جعفر الصادق عن أبيه عن جدّه علي بن الحسين (عليه السلام) قال:

(نحن أئمّة المسلمين، وحجج الله على العالمين، وسادة المؤمنين، وقادة الغرّ المحجّلين، وموالي المسلمين، ونحن أمان لأهل الأرض كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء) (1) .

ثم قال: (ولم تخل الأرض - منذ خلق الله آدم (عليه السلام) - من حجّة فيها، ظاهر مشهور أو غائب مستور).

قال الأعمش: كيف ينتفع الناس بالحجّة الغائب المستور؟

قال: (كما ينتفعون بالشمس إذا سترها سحاب).

- عن عبد الله بن سليمان العامري عن الصادق (عليه السلام) قال:

(ما زالتْ

____________________

(1) ينابيع المودّة: ص23.

١٢٩

الأرض إلاّ ولله فيها الحجّة، يعرّف الحلال والحرام ويدعو الناس إلى سبيل الله) (1) .

- عن أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) قال: (إنّ الله أجلّ وأعظم مِن أنْ يترك الأرض بغير إمام عادل) (2) .

- عن الحسين بن أبي العلاء قال: قلت لأبي عبد الله الصادق (عليه السلام) تكون الأرض ليس فيها إمام؟

قال: (لا) (3) .

- عن أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) قال: (إنّ الله لم يدع الأرض بغير عالِم، ولولا ذلك لم يُعرف الحقّ من الباطل) (4) .

- عن أبي حمزة قال: قلت لأبي عبد الله الصادق (عليه السلام): أتبقى الأرض بغير إمام؟

قال: (لو بقيتْ الأرض بغير إمام لساخت) (5) .

- عن محمّد بن الفضيل قال: قُلْتُ لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): أتبقى الأرض بغير إمام؟

قال: (لا).

قلت: فإنّا نروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّها لا تبقى بغير إمام إلاّ أنْ يسخط الله تعالى على أهل الأرض أو على العباد.

فقال: (لا، لا تبقى إذاً لساخت) (6) .

- عن أبي حمزة قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): (يا أبا حمزة يخرج أحدكم فراسخ فيطلب لنفسه دليلاً، وأنت بطرق السماء أجهل منك بطرق

____________________

(1) أصول الكافي: ج1 ص178.

(2) المصدر السابق.

(3) المصدر السابق.

(4) المصدر السابق، ص179.

(5) المصدر السابق.

(6) المصدر السابق.

١٣٠

الأرض فاطلب لنفسك دليلاً) (1) .

- عن الحسن بن علي (عليه السلام) في حديث له قال:

(إنّ الله تبارك وتعالى لم يخل الأرض منذ خلق آدم، ولا تخلو إلى يوم القيامة من حجّة الله على خَلْقه، به يَدفع البلاء عن أهل الأرض وبه يُنزِل الغيث وبه يُخرِج بركات الأرض) (2) .

- عن ابن الطيّار قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (لو لم يبقَ في الأرض إلاّ اثنان لكان أحدهما الحجّة) (3) .

- عن كرام قال: قال أبو عبد الله(عليه السلام): (لو كان الناس رَجُلَين لكان أحدهما الإمام).

وقال: (إنّ آخر مَن يموت الإمام، لئلاّ يحتجّ أحد على الله عزّ وجل أنّه تركه بغير حجّة لله عليه) (4) .

- عن يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعتُه يقول: (لو لم يكن في الأرض إلاّ اثنان لكان الإمام أحدهما) (5) .

- عن الفضيل قال: سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عزّ وجل: ( وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) فقال: (كلّ إمام هادٍ للقرن الذي هو فيهم) (6) .

- عن أبي محمّد قال: سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عن: ( إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) فقال: (رسول الله المنذِر، وعليّ الهادي، يا أبا محمّد هل مِن هادٍ اليوم؟).

قلت: بلى جُعلت فداكَ ما زال منكم هادٍ بعد هادٍ حتّى دُفِعَتْ إليك.

____________________

(1) إثبات الهداة: ج1 ص155.

(2) المصدر السابق: ص218.

(3) أصول الكافي: ج1 ص179.

(4) المصدر السابق: ص180.

(5) المصدر السابق.

(6) المصدر السابق: ص191.

١٣١

فقال: (رحمك الله يا أبا محمّد لو كانت إذا نزلتْ آية على رجل ثمّ مات ذلك الرجل، ماتتْ الآية، مات الكتاب، ولكنّه حيّ يجري فِيْمَن بقي كما جرى فِيْمَن مضى) (1) .

- عن أبي بصير قال: قال الإمام الصادق (عليه السلام):

(الأوصياء هم أبواب الله عزّ وجل التي يُؤتَى منها، ولولاهم ما عُرف الله عزّ وجل، وبهم احتجّ الله تبارك وتعالى على خلقه) (2) .

- عن أبي خالد الكابلي قال: سألتُ أبا جعفر الباقر (عليه السلام) عن قول الله تعالى: ( فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا ) .

فقال: (يا أبا خالد، النور - والله - الأئمّة (عليهم السلام)، يا أبا خالد لنور الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار، وهم الذين ينوّرون قلوب المؤمنين، ويحجب الله نورهم عمّن يشاء فتظلمّ قلوبُهم ويغشاهم بها) (3) .

- عن الحرث بن المغيرة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إنّ الأرض لا تترك إلاّ بعالِم يُحتاج إليه ولا يَحتاج إلى الناس، يعلم الحلال والحرام) (4) .

- وعن إسحاق بن غالب عن أبي عبد الله في حديث قال:

(إنّ الله ورسوله نصبا الإمام علماً لخلقه، حجّة على أهل عالمه، يمدّ بسبب إلى السماء لا تنقطع عنه مواده، ولا يقبل الله أعمال العباد إلاّ بولايته، لم يكن الله ليضلّ قوماً بعد إذْ هداهم حتّى يُبيّن لهم ما يتّقون، وتكون الحجّة عليهم من الله بالغة) (5) .

____________________

(1) المصدر السابق: ص192.

(2) المصدر السابق: ص193.

(3) المصدر السابق: ص195.

(4) إثبات الهداة: ج1 ص245.

(5) المصدر السابق: ص247.

١٣٢

- وعن زرارة والفضيل عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (إنّ العلم الذي نزل مع آدم (عليه السلام) لم يُرفع والعلم يُتَوَارَث، وكان علي (عليه السلام) عالم هذه الأُمّة، وإنّه لم يهلك منّا عالِم قَط إلاّ خلفه مِن أهله مِن علم مثل عِلْمه، أو ما شاء الله) (1) .

- عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: (الحجّة قبل الخَلْق ومع الخَلْق وبعد الخَلْق) (2) .

- عن العلاء بن سيابة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى: ( إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ) قال: (يهدي إلى الإمام) (3) .

- عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ) قال: (هي الولاية) (4) .

- عن عمّار الساباطي قال: سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عزّ وجل: ( أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ ) .

فقال: (الذين اتّبعوا رضوان الله هم الأئمّة، وهم - والله يا عمّار - درجات للمؤمنين، وبولايتهم ومعرفتهم إيّانا يضاعف الله لهم أعمالهم ويرفع لهم الدرجات العلى) (5) .

- عن الإمام الصادق في خطبة له: (إنّ الله أوضح بأئمّة الهدى من أهل بيت نبيّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) دينّه وأبلج بهم باطن ينابيع علمه، فَمَنْ

____________________

(1) أُصول الكافي: ج1 ص222.

(2) كمال الدين: ج1 ص343.

(3) أصول الكافي: ج1 ص216.

(4) المصدر السابق: ص418.

(5) المصدر السابق: ص430.

١٣٣

عرف من الأئمّة واجب حقّ إمامِهِ وَجَدَ حَلاوَةَ إيمانه، وعَلِمَ فَضْل طلاوة إسلامه؛ لأنّ الله نصّب الإمام عَلَمَاً لخَلْقه وحجّة على أهل أرضه، أَلْبَسَهُ تَاجَ الوِقَار، وغَشَاهُ نور الجبّار، يمدُّه بسببٍ مِن السماء، لا ينقطع مواده، ولا يُنال ما عند الله إلاّ بجهة أسبابه، ولا يَقبل اللهُ معرفةَ العبادِ إلاّ بمعرفة الإمام، فهو عَالِم بِمَا يَرِدُ عليه من مُلْتَبَسَات الوحي ومعميات السنن ومشتبهات الفتن، فلم يزل الله تبارك وتعالى يختارهم لِخَلْقِهِ مِن وُلْد الحسين من عقب كلّ إمام يصطفيهم لذلك، وكلّما مضى منهم إمامٌ نصّب اللهُ لخَلْقِهِ مَن عَقِبَه إماماً عَلَمَاً بيّناً، ومناراً منيراً، أئمّة مِن الله يهدون بالحقّ وبه يَعْدِلُونَ، وخيرة مِن ذُرِّيَّة آدم ونوح وإبراهيم وإسماعيل (عليهم السلام)، وصفوة من عترة محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، اصطنعهم اللهُ في عالَم الذَرِّ قَبل خَلْق جِسْمهم عن يمين عرشه، مخبوءاً بالحكمة في عِلْم الغيب عنده، وجعلهم الله حياةَ الأنام ودعائمَ الإسلام) (1) .

- عن أبي الصلت الهروي قال: قال الإمام الرضا ابن الإمام الكاظم (عليهما السلام): (وحيد دهره لا يدانيه أحد، ولا يعادله عالِم، ولا يوجد منه بدل، ولا له مِثْل ولا نظير، فهو مخصوص بفضل الله مِن غير طلب منه وله، ولا اكتساب منه بل اختصاص من المفضل الوهّاب، فَمَنْ ذا الذي يبلغ معرفة الإمام ويمكنه اختياره، هيهاتَ هيهاتَ. ضلّت العقول وتاهت الحلوم وحارتْ الألباب وحسرتْ العيون وتصاغرتْ العظماء وتحيّرتْ الحلماء وتقاصرتْ الحكماء وحصرتْ الخطباء وكلّتْ الشعراء وعجزتْ الأُدباء وعمتْ البلغاء عن وصف شأن من شؤونه أو فضيلة من فضائله، فأقرّت بالعجز والتقصير، وكيف يُوصَف أو يُنْعَت بكنهه أو يُفْهَم شيء مِن أمره أو يوجد مَن يُقام مقامه، وكيف هو وأنّى هو

____________________

(1) ينابيع المودّة: ص26، و574.

١٣٤

بحيث يبلغه مدح المتناولين ووصْف الواصفين، فأين الاختيار من هذا، وأين إدراك العقول من هذا، وأين يوجد مثل هذا) (1) .

- (مثل آل محمّد مثل نجوم السماء كلّما غاب نجم طلع نجم) (2) .

- وعن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: (لا تخلو الأرض من إمام) (3) .

- عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: (لا تخلو الأرض من قائم بحججه، إمّا ظاهراً مشهوراً وإمّا خائفاً مغموراً؛ لِئَلاّ تبطل حجج الله وبيّناته، وكم ذا وأين. أولئك والله الأقلّون عدداً والأعظمون عند الله قدراً، بهم يحفظ الله حججه وبيّناته حتّى يودعوها نظراءهم ويزرعوها في قلوب أشباههم. هجم بهم العلم علواً حقيقة البصيرة، وباشروا روح اليقين واستلانوا ما استوعره المُتْرَفون وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلّقة بالمحل الأعلى، أولئك خلفاء الله في أرضه والدعاة إلى دينه، آه آه شوقاً إلى رؤيتهم) (4) .

- وعن جابر عن أبي جعفر قال: قلتُ: لأيّ شيء يحتاج إلى النبي والإمام؟

فقال: (لبقاء العالَم على صلاحه؛ وذلك أنّ الله عزّ وجل يرفع العذاب عن أهل الأرض إذا كان فيها نبيٌ أو إمام. قال الله عزّ وجل: ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) ، وقال النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): (النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأهل الأرض، فإذا ذهبتْ النجوم أتى أهل السماء ما يكرهون وإذا ذهب أهل بيتي أتى أهلَ الأرض ما يكرهون) يعني بأهل بيته

____________________

(1) ينابيع المودّة: ص574.

(2) نهج البلاغة: ج1 ص194 الخطبة 96.

(3) دلائل الإمامة: ص231.

(4) ينابيع المودّة: ص624 / نهج البلاغة: ج3، الخطبة 147.

١٣٥

الأئمّة الذين قرن الله عزّ وجل طاعتهم بطاعته فقال: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) ، وهم المعصومون المطهّرون الذين لا يذنبون ولا يعصون وهم المؤيّدون والموفّقون المسدَّدون، بهم يرزق الله عبادَه، وبهم يعمّر بلادَه، وبهم ينزل القطر من السماء، وبهم تخرج بركات الأرض وبهم يمهل أهل المعاصي ولا يعجّل عليهم العقوبة والعذاب، لا يفارقهم روح القدس ولا يفارقونه، ولا يفارقون القرآن ولا يفارقهم، صلوات الله عليهم أجمعين) (1) .

- عن ذريح المحاربي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعتُه يقول:

(والله ما ترك الله الأرض منذ قبض آدم إلاّ وفيها إمام يُهتدى به إلى الله عزّ وجل، وهو حجّة الله عزّ وجل على العباد، مَن تَرَكَهُ هَلَكَ، ومَنْ لَزِمَهُ نَجَا حقّاً على الله عزّ وجل) (2) .

- عن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: (إنّ الله جعل أُوِلي الأمر وأَمَرَ بطاعتهم لِعِلَلٍ كثيرة:

منها: إنّ الخلق لما وقفوا على حدّ محدود وأمروا أنْ لا يتعدّوا ذلك الحد لِمَا فيه من فسادهم، لم يكن يثبت ذلك ولا يقوم إلاّ بأنْ يُجعَل عليهم أميناً يأخذهم بالوقف عندما أُبيح لهم، ويمنعهم من التعدّي والدخول فيما خطر عليهم؛ لأنّه لو لم يكن ذلك كذلك لكان أحد لا يترك لذّته ومنفعتَه لفساد غيره، فجعل عليهم قيّماً يمنعهم من الفساد، ويُقيم فيهم الحدود والأحكام.

ومنها: إنّا لا نجد فِرْقَةً من الفِرَق ولا ملّة من المِلَل بقوا وعاشوا إلاّ بقيِّم ورئيس؛ لَمّا لا بدّ لهم منه في أمر الدين والدنيا، فلم يجز في حكمة الحكيم أنْ يترك الخَلْق ممّا يعلم أنّه لا بدّ لهم منه، ولا قوام لهم إلاّ به، فيقاتلون به عدوّهم

____________________

(1) بحار الأنوار: ج23 ص19.

(2) المصدر السابق: ص23.

١٣٦

ويقسمون به فيئهم، ويُقيم لهم جمعتَهم وجماعتَهم، ويمنع ظالمهم من مظلومهم.

ومنها: إنّه لو لم يجعل لهم إماماً قيّماً أميناً حافظاً مستودعاً لدُرِسَتْ الملّة، وذهب الدين، وغُيّرت السُنّة والأحكام، ولزاد فيه المبتدعون، ونقص منه الملحدون، وشبّهوا ذلك على المسلمين؛ لأنّا قد وجدنا الخلق منقوصين محتاجين غير كاملين مع اختلافهم واختلاف أهوائهم، وتشتّت أنحائهم، فلو لم يجعل لهم قيّماً حافظاً لما جاء به الرسول، فسدوا على نحوٍ ما بَيَّنَّا، وغُيّرت الشرائع والسنن والأحكام والإيمان، وكان ذلك فساد الخَلْق أجمعين) (1) .

- عن الفضيل بن يسار قال: سمعتُ أبا عبد الله وأبا جعفر(عليهما السلام): (إنّ العلم الذي أُهبط مع آدم لم يُرفع، والعلم يُتوارث، وكلّ شيء من العلم وآثار الرسل والأنبياء لم يكن من أهل هذا البيت فهو باطل، إنّ عليّاً (عليه السلام) عالِم الأُمّة، وإنّه لنْ يموت منّا عالِم إلاّ خَلَفَ مِن بَعْدِهِ مَنْ يَعْلَم مِثْل عِلْمه أو ما شاء الله) (2) .

- عن يونس بن يعقوب قال: كان عند أبي عبد الله(عليه السلام) جماعة من الصحابة، منهم:

حمران بن أعين.

ومحمّد بن النعمان.

وهشام بن سالم.

والطيّار، وجماعة فيهم: هشام بن الحكم وهو شابّ، فقال أبو عبد الله(عليه السلام): (يا هشام أَلاَ تخبرني كيف صنعتَ بعمرو بن عبيد وكيف سألتَه؟

فقال: يابن رسول الله إني أجلّك وأستحييك ولا يعمل لساني بين يديك.

فقال أبو عبد الله: (إذا أمرتُكُم بشيء فافعلوا).

قال هشام: بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد وجلوسه في مسجد البصرة

____________________

(1) المصدر السابق: ص32.

(2) المصدر السابق: ص39.

١٣٧

فعظم ذلك عليّ، فخرجتُ إليه ودخلتُ البصرة يوم الجمعة، فأتيتُ مسجد البصرة فإذا أنا بحلقة كبيرة فيها عمرو بن عبيد وعليه شَمْله سوداء مُتَّزِر بها من صوف، وشملة مرتدٍ بها والناس يسألونه، فاستفرجتُ الناس فأفرجوا لي، ثمّ قعدتُ في آخر القوم على ركبتي،

ثمّ قلتُ: أيّها العالِم إني رجل غريب تأذن لي في مسألة؟ فقال لي: نعم. فقلتُ له: ألك عين؟ فقال: يا بني أيّ شيء هذا مِن السؤال؟ وشيء تراه كيف تسأل عنه؟ فقلتُ: هكذا مسألتي. فقال: يا بُنَي سلْ وإنْ كانت مسألتُك حمقاء. قلتُ: أجبني فيها. قال لي: سل. قلتُ: أَلَكَ عين؟ قال: نعم. قلتُ: فما تصنع بها؟ قال: أرى بها الألوان والأشخاص. قلتُ: فلك أنف؟ قال: نعم. قلتُ: فما تصنع به؟ قال: أشمّ به الرائحة. قلتُ: ألك فم؟ قال: نعم. قلتُ: فما تصنع به؟ قال: أذوق به الطعم. قلتُ: فلك أُذن؟ قال: نعم. قلتُ: فما تصنع به؟ قال: أُميّز به كلّما ورد على هذه الجوارح والحواسّ. قلتُ: أوليس في هذه الجوارح غنىً عن القلب؟ فقال: لا. قلتُ: وكيف ذلك وهي صحيحة سليمة؟ قال: يا بني إنّ الجوارح إذا شكّت في شيء شمّته أو رأته أو ذاقته أو سمعته ردّته إلى القلب فيستيقن اليقين ويبطل الشك. قال هشام: فقلت له: فإنّما أقام الله القلب لشكّ الجوارح؟ قال: نعم. فقلتُ له: يا أبا مروان فالله تبارك وتعالى لم يترك جوارحَك حتّى جعل لها إماماً يصحّح لها الصحيح ويتيقّن به ما شكّ فيه، ويترك هذا الخلق كلّهم في حيرتهم، ويُقيم لك إماماً لجوارحك تردّ إليه حيرتك وشكّك؟!

قال: فسكتَ ولم يقلْ لي شيئا. ثم التفت إليّ فقال لي: أنت هشام بن الحكم؟ فقلت: لا. قال: أَمِنْ جُلَسَائِهِ؟ قلت: لا. قال: فَمِنْ أين أنت؟ قلت: من أهل الكوفة. قال: فأنت إذاً هو. ثمّ ضمّني إليه، وأقعدني في مجلسه وزال عن مجلسه، وما نطق حتّى قمتُ.

١٣٨

قال: فضحك أبو عبد الله (عليه السلام)، وقال: (يا هشام من علّمك هذا؟

قلت: شيء أخذته منك وألّفته.

فقال: هذا والله مكتوب في صحف إبراهيم وموسى) (1) .

- عن أبي عبيدة قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جُعلتُ فداك إنّ سالم بن أبي حفصة يلقاني ويقول لي ألستُم تروون من مات وليس له إمام فموتته موتة جاهليّة، فأقول له: بلى. فيقول: قد مضى أبو جعفر فَمَنْ إمامكم اليوم؟ فأكره - جُعلتُ فداك - أنْ أقول له جعفر فأقول له ما يزال أئمّتي آل محمّد(صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) فيقول: ما أراك صنعتَ شيئاً؟

فقال الصادق (عليه السلام): (ويح سالم بن أبي حفصة لعنه الله وهل يدري سالم ما منزلة الإمام. إنّ منزلة الإمام أعظم ممّا ذهب إليه سالم والناس أجمعون، فإنّه لنْ يهلك منّا إمام قط إلاّ ترك مِن بعده مَن يعلم علمه، ويسير مِثْل سيرته، ويدعو إلى مثل الذي دعا إليه، وإنّه لم يمنع الله عزّ وجل ما أعطى داود أنْ أعطى سليمان أفضل منه) (2) .

____________________

(1) أصول الكافي: ج1 ص169.

(2) كمال الدين: ج1 ص340.

١٣٩

١٤٠