دراسة عامة في الامامة

دراسة عامة في الامامة0%

دراسة عامة في الامامة مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 282

دراسة عامة في الامامة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ إبراهيم الأميني
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
تصنيف: الصفحات: 282
المشاهدات: 78631
تحميل: 5066

توضيحات:

دراسة عامة في الامامة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 282 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 78631 / تحميل: 5066
الحجم الحجم الحجم
دراسة عامة في الامامة

دراسة عامة في الامامة

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

- عن العوّام بن حوشب عن ابن عمٍّ له قال: دخلتُ مع أبي على أُمّ المؤمنين عائشة فسألتُها عن عليّ فقالتْ: تسألني عن رجل كان أحبّ الناس إلى رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وكانت ابنته تحته، رأيتُ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) دعا عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً فألقى عليهم ثوباً فقال: (اللّهم هؤلاء أهل بيتي فأَذْهِب عنهم الرجسَ وطهّرهم تطهيراً، قالتْ فدنوتُ منهم فقلتُ: يا رسول الله وأنا من أهل بيتك؟ فقال: تنحّي إنّك على خير) (1) .

- عن أُمّ سَلَمَة: أنّ النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) قال لفاطمة: (ائتني بزوجك وابنَيك، فجاءتْ بهم، فألقى عليهم كساءً فدكيّاً ثمّ وضع يده عليهم وقال: اللّهمّ إنّ هؤلاء آل محمّد فاجْعلْ صلواتك وبركاتك على محمّد وعلى آل محمّد إنّك حميد مجيد.

قالت أُمّ سَلَمَة: رفعتُ الكساء لأدخل معهم فجذبه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وقال: قِفِي مكانك إنّك على خير) (2) .

وكلّ هذا الحشد من الروايات تدلّ دلالة أكيدة على أنّ سيّدنا محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) جمع مِن حوله سِبْطَيْهِ الحسن والحسين وابنتَه فاطمة وبَعْلَها عليّ بن أبي طالب وألقى عليهم كساءَه، وتلا آية التطهير ثمّ دعا لهم بأنْ يشملهم الله برحمته ويطهّرهم من الرجس.

ويبقى الحديث بأسانيده المتعدِّدة واحداً مِن أهمّ الأحاديث المتواترة في كتب المسلمين جميعاً.

الشهود:

وحادثة الكساء لها شهود عديدون يتمتّعون باحترام المسلمين وإجلالهم.

____________________

(1) الإمام الصادق والمذاهب الأربعة: ج1 ص88.

(2) ذخائر العقبى: ص21.

١٦١

* وهم:

- أُمّ سَلَمَة زوج النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، التي تكاد الأحاديث أنْ تُجمع نزول آية التطهير في منزلها.

- عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وهو أحد أصحاب الكساء، وقد روى الحادثة في مناسبات متعدِّدة.

- الحسن بن علي ، وهو أيضاً أحد أصحاب الكساء.

- عائشة زوج الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وقد روي عنها أنّها كانت أحد الشهود.

- عمر بن أُمّ سَلَمَة ، وهو ربيب النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).

- زينب بنت أُمّ سَلَمَة وربيبة النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وقد أمرها بدعوة علي وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام).

- ثوبان ، وهو مولى لرسول الله وكان ملازماً له في الحضر والسفر.

- وائلة بن الاسقع ، وكان يخدم في بيت النبي.

- سيّدنا محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وهو أصل الحادثة حيث روى لبعض أصحابه شأن نزول الآية.

* إضافةً إلى رواة آخرين من بينهم:

- أبو الحمراء.

- أنس بن مالك.

- أبو سعيد الخدري.

- وابن عبّاس، وهؤلاء قد يكونون شهوداً، أو رواةً لها فقط، سمعوها فيما بعد عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وهم يروون أيضاً بل ويشهدون على أنّ سيّدنا محمّداً كان إذا مرّ بمنزل فاطمة تلا آية التطهير.

وقد يشير تكرار الأسانيد والاختلاف في بعض جوانب الحادثة إلى احتمال

١٦٢

تكرار الحادثة، الأمر الذي أراد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) - مِن ورائه - التأكيد على أهمِّيَّتها وتجذيرها في ذاكرة المسلمين، حتّى لا يبقى مجال للتشكيك ومحاولة تجييرها إلى نساء النبي، حيث وردتْ الآية في السياق العام من السورة أو اعتبارها أمراً عاديّا ً(1) .

تأكيد:

إنّ حادثة الكساء وآية التطهير وقعتْ في منزل النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وقد شهدها جماعة، غير أنّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) - ولكي لا تمرّ مروراً عابراً تنتفي من ورائه مداليلها المطلوبة - سعى إلى تأكيدها ومنحها بُعدَين هامّين:

* الأول:

تعيين مصداق الآية بشكل لا يُبقي مجالاً للشكّ والتأوّل وسدّ الطريق على محاولات تفسيريّة غير صحيحة.

* الثاني:

مَنَحَهَا الأهمِّيَّة الكافية لتكون محوراً أساسيّاً يرتبط بمستقبل الرسالة الإلهيّة، فتخرج عن إطارها كشأن عائلي عابر لتكون همّاً إسلاميّاً كبيراً، ومن هنا فقد ظلّ سيّدنا محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ولمدّة طويلة يمرّ بمنزل فاطمة (عليها السلام) كلّما ذهب إلى الصلاة فجراً فيتلوا آية التطهير، فكان يدعو قائلاً: (الصلاة يا أهل البيت)، ثمّ يتلو قوله: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) .

- وروي عن أنس بن مالك: أنّ رسول الله ظلّ مدّة ستّة أشهر يمرّ بمنزل فاطمة

____________________

(1) ورد حديث الكساء في مصادر معتبرة من كتب أهل السُنّة في طليعتها:

صحيح مسلم، مسند أحمد، الدرّ المنثور، مستدرك الحاكم، جامع الأصول، ذخائر العُقبى، الصواعق المحرِقة، ينابيع المودّة، كفاية الطالب، سنن الترمذي، نور الأبصار، إسعاف الراغبين، مجمع الزوائد، مناقب الخوارزمي.

وكذا في كتب الشيعة من قبيل:

أُصول الكافي، بحار الأنوار، كشف الغمّة، تفسير العيّاشي، تفسير نور الثقلَين غاية المرام.

١٦٣

فجراً ويدعوهم قائلاً: (الصّلاة يا أهل البيت)، ثمّ يتلو الآية الكريمة(1).

- وعن أبي الحمراء قال: رأيتُ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) يأتي باب فاطمة ستّة أشهر فيقول: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (2) .

- وعن أبي برزة قال: صلّيتُ مع رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) سبعة عشر شهراً فإذا خرج من بيته أتى باب فاطمة فقال: (السلام عليكم ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ) (3) .

- وعن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) يأتينا كلّ غداة فيقول: (الصلاة رحمكم الله الصلاة ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ) (4) .

- وعن ابن عبّاس قال: شهدنا رسول الله تسعة أشهر يأتي كلّ يوم باب علي (عليه السلام) عند وقت كلّ صلاة فيقول: (السلام عليكم أهل البيت ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ) خمس مرّات (5) .

- وروي عن أبي سعيد الخدري: أنّ رسول الله ظلّ أربعين يوماً يتلو الآية كلّما مرّ بمنزل فاطمة لصلاة الفجر (6) .

وإذاً، فلقد كان النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) يهدف من وراء هذا التأكيد

____________________

(1) جامع الأُصول: ج1 ص101.

(2) مجمع الزوائد: ج9 ص168.

(3) مجمع الزوائد: ج9 ص199.

(4) غاية المرام: ص195.

(5) الإمام الصادق والمذاهب الأربعة: ج1 ص89.

(6) مناقب الخوارزمي: ص23.

١٦٤

منح المسألة أبعادها الحقيقيّة، حتّى لا تبقى شأناً عائليّاً عابراً، هذا أوّلاً.

وثانياً:

تعيين المصداق الحقيقي لأهل البيت وتبديد الشكوك التي قد تَرِد إلى الأذهان مستقبلاً، وأخيراً أنْ يكون للحادثة شهود كثيرون يُعَزِّزون الحقيقة ويشهدون بالحق، وينقلونها إلى الأجيال.

١٦٥

أهل البيت (عليهم السلام)

كان لكلٍ من نساء النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) حجرتها الخاصّة بها؛ ولهذا ورد في التاريخ: بيت عائشة، بيت أُمّ سَلَمَة، بيت زينب، بيت صَفِيَّة... الخ.

وأهل البيت الذين وردتْ فيهم آية التطهير لا تشمل كلّ بيوت النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)؛ ذلك أنّ الألف واللام تُشير إلى بيت معهود، ولقد أكّدتْ الروايات المتضافرة أنّ آية التطهير نزلتْ في بيت أُمّ سَلَمَة، ولم يكن فيه سوى رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وعلي وفاطمة والحسن والحسين وأُمّ سَلَمَة.

وتؤكِّد الروايات أيضاً أنّ النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) غطّاهم بكساء له وتلا آية التطهير ليكونوا مصداقها الوحيد، حتّى إنّ أُمّ سلمة لمّا أرادتْ دخول الكساء منعها النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وقال: (قومي فتنحّي عن أهل بيتي).

قالتْ: فقمتُ وتنحَّيْتُ في البيت قريباً (1) .

ولقد اتّخذ النبي إجراءات من شأنها سَدّ الطريق أمام المدّعين حتّى من نساء النبي؛ باعتبارهم جزءاً من أهل البيت، نلمس ذلك بوضوح من خلال ما قامتْ به

____________________

(1) مجمع الزوائد: ج9 ص166.

١٦٦

أُمّ سَلَمَة مِن دخول الكساء، فمنعها النبي قائلاً: (أنتِ على مكانك وأنتِ على خير) (1) .

- عن أبي سعيد الخدري: عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (نزلتْ فيَّ وفي علي وفاطمة والحسن والحسين) (2) .

- وعن جابر بن عبد الله: أنّه لم يكن في البيت - لَمّا نزلت آية التطهير على رسول الله - غير علي وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام) (3) .

- وعن شريك بن عبد الله قال: رأيتُ أمير المؤمنين ذات يوم وهو قائم وأصحاب رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) جلوس وهو يقول: (... فأُنشدكم الله هل فيكم مَن طهّره الله تعالى في كتابه حيث قال: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) غيري وأهل بيتي).

قالوا: لا (4) .

- وقال علي (عليه السلام) لأبي بكر: (يا أبا بكر تقرأ الكتاب؟

قال: نعم.

قال: فأخبرني عن قول الله تعالى: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، فِيْمَنْ نزلتْ؟ فينا أَمْ في غيرنا؟

قال: بل فيكم (5) .

- وذكّرهم الإمام يوم الشورى بذلك: محتجّاً بهذه الآية أيضاً (6) .

- وخطب الإمام الحسن في خلافته: (نحن أهل البيت الذين قال الله سبحانه

____________________

(1) ذخائر العُقبى: ص21.

(2) مجمع الزوائد: ج9 ص167.

(3) تفسير نور الثقلَين: ج4 ص277.

(4) غاية المرام: ص293.

(5) تفسير نور الثقلَين: ج4 ص271.

(6) المصدر السابق: ص372.

١٦٧

فينا: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ) (1) .

وهكذا اقتصرتْ كلمة (أهل البيت) بعد هذه الحادثة على مَن سمّاهم النبي في بيت أُمّ سَلَمَة، وأصبح لهم شأن في قلوب المسلمين. وطالما ذكّر علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) المؤمنين بذلك في مختلف المناسبات.

القادة:

* وإذن، فلا مجال للشكّ في أنّ مصداق أهل البيت هم الخمسة، ولقد قرن سيّدنا محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) أهل البيت بالقرآن ليحتلّوا دورهم المنشود في الرسالة الإسلاميّة، فلقد أُريد لهم أنْ يكونوا قادة للمسلمين ومرجعاً عامّاً لهم في شؤون حياتهم.

- عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله(صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): (إنّي تاركٌ فيكم الثقلَين كتاب الله حبلٌ ممدودٌ من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولنْ يفترقا حتّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوض) (2) .

- وقال سيّدنا محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) أيضاً: (مَثَلُ أَهْل بَيْتِي كَمَثَلِ سفينة نوح مَن تعلّقَ بِها نَجَا ومَن تَخَلَّفَ عنها أُوْلِجَ النار) (3) .

- وقال صلوات الله عليه: (النجوم جُعِلَتْ أَمَانَاً لأهل السماء وإنّ أهل بيتي أمانٌ لأُمّتي) (4) .

____________________

(1) مجمع الزوائد: ج9 ص146.

(2) ينابيع المودّة: ص292.

(3) ينابيع المودّة: ص30.

(4) مجمع الزوائد: ج9 ص174.

١٦٨

* والسياق العام للأحاديث يدلّ على استمرار أهل البيت، وأنّهم لا ينتهون بوفاة الخمسة أصحاب الكساء، وأنّهم مقام ثابت بدليل اقترانهم بالقرآن إلى يوم القيامة:

- وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله(صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): (إنّ الله عزّ وجل جعل ذرِّيَّة كلّ نبي في صلبه، وإنّ الله تعالى جعل ذرِّيَّتي في صُلْب عليّ بن أبي طالب) (1) .

- سُئل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن معنى قول رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): (إنّي مخلّفٌ فيكم الثقلَين: كتاب الله وعترتي) مَن العترة؟

فقال: (أنا والحسن والحسين والأئمّة التسعة مِن وُلد الحسين، تاسِعُهُم مَهْدِيُّهُم وَقَائِمُهُم، لا يفارقون كتاب الله ولا يفارقهم، حتّى يَرِدُوا على رسول الله حوضَه) (2) .

- عن علي(عليه السلام) قال: (قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): (إنّي مخلّف فيكم الثقلَين كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنّهما لنْ يفترقا حتّى يَرِدَا عَلَيَّ الحوض كَهَاتَيْن) - وضمّ بين سبّابَتَيْهِ - فقام إليه جابر بن عبد الله الأنصاري فقال: يا رسول الله ومَن عترتك؟ قال: (عليّ والحسن والحسين والأئمّة مِن وُلد الحسين إلى يوم القيامة) ) (3) .

- عن عبد الرحمن بن كثير قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ما عنى الله عزّ وجل بقوله: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ؟ قال: (نزلتْ في النبي وأمير المؤمنين والحسن والحسين وفاطمة (عليهم

____________________

(1) المصدر السابق: ص172.

(2) بحار الأنوار: ج23، ص147 / غاية المرام: ص218.

(3) بحار الأنوار: ج23 ص147 / غاية المرام: ص222.

١٦٩

السلام)، فلمّا قبض الله عزّ وجل النبي، كان أمير المؤمنين إماماً، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ وقع تأويل هذه الآية: ( وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ) ) (1) .

- وعن علي(عليه السلام) قال: (دخلتُ على رسول الله صلَّى الله عليه وآله في بيت أُمّ سَلَمَة وقد نزلتْ عليه هذه الآية: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ ... ) .

فقالُ رسول الله صلَّى الله عليه وآله: (يا علي هذه الآية فيك وفي سبطَيَّ والأئمّة مِن وُلدك).

فقلتُ: يا رسول الله وكم الأئمّة مِن بعدك؟

قال: (أنت يا علي، ثمّ الحسن والحسين، وبعد الحسين عليّ ابنه، وبعد عليّ محمّد ابنه، وبعد محمّد جعفر ابنه، وبعد جعفر موسى ابنه، وبعد موسى علي ابنه، وبعد علي محمّد ابنه، وبعد محمّد علي ابنه، وبعد علي الحسن ابنه، والحجّة مِن وُلد الحسن، هكذا أسماؤهم مكتوبة على ساق العرش، فسألتُ الله تعالى عن ذلك فقال: يا محمّد هذه الأئمّة بعدك مطهّرون معصومون وأعداؤهم ملعونون) ) (2) .

____________________

(1) غاية المرام: ص293.

(2) المصدر السابق.

١٧٠

تفسير آية التطهير

يَطلق العربُ على القذارة الظاهريّة والنجاسة اسم: (الرجس) ، وعلى الإثم والمعصية ووسوسة الشيطان كذلك.

- ففي (أقرب الموارد) تعني: القذارة والنجاسة والذنب الذي يجرّ إلى العذاب أيضاً.

- وفي (المنجد): القذارة والعمل القبيح أيضاً.

- ولدى (ابن الأثير) في (النهاية) الرجسُ: النجس والقذر، وتستخدم في العمل الحرام.

- ولدى (الراغب الأصفهاني) في (مفرداته) تعني: القذر والملوّث سواء في الطبع، أو في نظر العقل أو في نظر الشرع، وفي الثلاثة معاً.

* والرجس في ضوء القرآن الكريم له مفهومان:

1 - أحدهما ما يدلّ على النجاسة الظاهريّة، كالميتة والدم ولحم الخنزير كما في قوله تعالى: ( إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ ) (1) .

2 - أو نجاسة معنويّة كتلوّث النفس بالآثام أو جرّاء الضلال، كما في قوله سبحانه: ( وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ

____________________

(1) الأنعام: الآية 145.

١٧١

كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ) (1) .

وقوله أيضاً: ( وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ ) (2) .

وقوله عزّ وجل: ( قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ ) (3) .

فالآيات السابقة تشير إلى رجس هو في الواقع ما يعتور النفس من ظلاميّة في التفكير والسلوك، وبتعبير القرآن مرض القلب الذي ينشأ عن غياب الإيمان، الذي يضيء النفس وينشر في أنحائها النور.

على أنّ الرجس الذي أشارتْ إليه آية التطهير لا يمكن أنْ يكون في إطار المعنى الاصطلاحي؛ ذلك أنّ وجوب اجتناب الرجس الظاهري هو أمر مطلوب من جميع (المكلّفين) بينما تصدّرتْ الآية: ( إنّما ) التي تفيد الحصر بأهل البيت.

ثمّ إنّ تنزّه أهل البيت عن النجاسات لا يمكن عدّه امتيازاً لأهل البيت، كما لا يحتاج إلى كلّ هذا الاهتمام البالغ الذي سعى رسول الله(صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) إلى تأكيده في ذاكرة المسلمين، وهو امتياز جعل أُمّ سَلَمَة تطمح في الانضمام إلى أهل البيت، ولو كان معناه التطهّر من النجاسات ما افتخر به عليّ (عليه السلام) ولا احتجّ به الحسن والحسين (عليهما السلام).

وإذن، فالتطهّر من الرجس لا بدّ وأنْ يكون في أعماق الروح وجوانب النفس.

____________________

(1) الأنعام: الآية 125.

(2) التوبة: الآية 125.

(3) الأعراف: الآية 71.

١٧٢

الإرادة:

* الإرادة التي تطرّق إلى ذكرها القرآن الكريم نوعان:

الأوّل:

إرادة تكوينيّة، أي ما كانت في نظام الخلق وناموس الطبيعة من قبيل:

قوله تعالى: ( وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ ) (1) .

وقوله تعالى: ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (2) .

ومعنى ذلك أنّ إرادة الله نافذة لا يقف في طريقها شيء، إنّها مشيئته سبحانه التي تعني الحتميّة.

الثاني:

إرادة تشريعيّة، وهي التي جعلها الله في شريعته وأحكامه الواجب تنفيذها من لدن الناس، كـ:

قوله سبحانه في تشريع الصوم مثلاً: ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) (3) .

وقوله عزّ وجل: ( مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ ) (4) .

* وفي ضوء ما تقدّم:

- فما هو المعنى الذي ترمي إليه آية التطهير، هل إرادة تشريعيّة أَمْ تكوينيّة؟

- بعبارة أُخرى هل كانت الإرادة مقرّرة في نظام التشريع فأصبح أهل البيت

____________________

(1) الرعد: الآية 11.

(2) يس: الآية 82.

(3) البقرة: الآية 185.

(4) المائدة: الآية 6.

١٧٣

المخاطب المعني بها؟

- وهل كان الخطاب القرآني يطلب من أهل البيت اجتناب الرجس والنجاسات ليكونوا طاهرين؟

وإذاً، سيكون معنى الآية الكريمة: أنّ الله يريد من أهل البيت أنْ يجتنبوا الرجس والنجاسة ليكونوا طاهرين. مع علمنا - جميعاً - أنّ هذا الأمر هو من الشمول بحيث يستوعب المسلمين كافّة. ونحن هنا نَحْتَكُم إلى وجدان القارئ في فهم مدلول الآية وما ترمي إليه.

- ولو كان الخطاب القرآني يرمي إلى هذه المعاني فما هو السرّ في اهتمام النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) بذلك؟

- وما هي بواعث أُمّ سَلَمَة في محاولة الانضمام إلى أصحاب الكساء؟!

- وهل أنّ الله لم يرد مِن أُمّ سَلَمَة اجتناب الذنوب والمعاصي والآثام؟

إنّ آية التطهير وما رافقها من حوادث ومواقف تجعل لأصحاب الكساء وأهل البيت امتيازاً رفيعاً وفريداً، فلقد احتجّ بها علي بن أبي طالب في حواره مع أبي بكر حول مسألة (فَدَك) ، واستشهد بها يوم (الشورى) بعد مصرع عمر ، وافتخر بها الحسن في أوّل خطبة له في خلافته.

وهنا نحن نَحْتَكُم إلى وجدان القارئ وهو يستعرض حوادث التاريخ ومواقف الحسن والحسين والأئمّة من بعدهما، والجوّ العام المؤيّد للمضامين الحقيقيّة التي ترمي إليها الآية الكريمة؛ لأنّ التاريخ لم يذكر أبداً أنّ أحداً - حتّى من أولئك الذين وقفوا في الجانب الآخر من خطّ أهل البيت - وقف يوماً واعترض على مرامي الآية بأنّها لا تستحقّ كلّ هذه الضجّة؛ لأنّها مجرّد إرادة إلهيّة تشريعيّة تطلب من أهل البيت اجتناب المعاصي والذنوب ليكونوا طاهرين!

وبانتفاء الجانب التشريعي من الآية لا يبقى سوى التسليم بالإرادة التكوينيّة

١٧٤

المضمون الوحيد للآية من معنى الإرادة.

* وهذا ما أكّدتْه الرواياتُ والأحاديثُ:

- قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): (إنّا أهل البيت قد أذهب الله عنّا الفواحش ما ظهر منها وما بطن) (1) .

- وعنه صلوات الله عليه: (أنا محمّد بن عبد الله بن عبد المطّلب إنّ الله خلق الخلق فجعلني في خيرهم خلقاً، ثمّ جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم، ثمّ جعلهم بيوتاً فجعلني في خيرهم، فأنا خيركم خَلْقَاً، وخيركم قَبِيْلاً، وخيركم بيوتاً، وخيركم نفساً) (2) .

- وعن علي (عليه السلام) قال: (فضل أهل البيت لا يكون كذلك والله عزّ وجل يقول: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) فقد طهّرنا الله من الفواحش ما ظهر منها وما بطن على منهاج الحق) (3) .

* إشكال:

يعترض البعض على أنْ تكون آية التطهير دالّة على العصمة، ذلك أنّها جاءتْ في سياق آيات أُخرى تخاطب نساء النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ممّا يوحي جوّها العام إلى أنّ نساء النبي مَعْنِيّات بخطاب الآية أيضاً، وإذا كانت آية التطهير دالّة على العصمة فلا بدّ أنْ تكون نسوة النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) معصومات أيضاً، في حين أنّ أحداً لم ولن يدّعي ذلك، وأنّه لا مناص من شموليّة خطاب الآية لنساء الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وبالتالي انتفاء دلالتها على العصمة في كلّ الأحوال.

____________________

(1) ينابيع المودّة: ص292.

(2) المصدر السابق.

(3) غاية المرام: 295.

١٧٥

* الجواب:

كان السيِّد عبد الحسين شرف الدين (رضوان الله عليه) قد أثار نقاطاً عديدة أمام الإشكال أعلاه:

- إنّ الاحتمال المذكور سيكون اجتهاداً مقابل النص؛ ذلك أنّ الروايات التي بلغتْ حدّ التواتر تؤكِّد على انحصار آية التطهير بالنبي(صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وعلي وفاطمة والحسن والحسين، وما عرف فيما بعد بأصحاب الكساء، وما ورد عن أُمّ سَلَمَة ومحاولتها الانضمام إلى أهل البيت حيث أجابها النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): (مكانك وإنّك على خير).

- إنّ سياق الآيات التي تخاطب نساء النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) كانت تعتمد نون النسوة بما لا يَدَع مجالاً للشكّ في أنّ المخاطَبين كانوا نساء النبي فقط، فيما نجد في آية التطهير تغيّراً واضحاً في ضمير المخاطب، ولو كانت النسوة محلاًّ لخطاب آية التطهير لكانت بالشكل التالي: إنّما يريد الله ليذهب عنكنّ الرجس أهل البيت ويطهّركنّ تطهيراً. لا بصيغة الجمع المذكّر الذي ورد في نصّ الآية الكريمة.

لقد كان شائعاً استخدام الجمل الاعتراضيّة لدى العرب، فنجد في سورة يوسف مثلاً جملة اعتراضيّة في السياق القرآني التالي: ( فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ * يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ ) (1) .

____________________

(1) يوسف: الآية 28 - 29.

١٧٦

فجملة: ( يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا ) جملةٌ اعتراضيّة، ومن هنا فما هو المانع من أنْ تكون آية التطهير جملة اعتراضيّة جاءتْ ضمن السياق القرآني، لتؤدّي دورها وتأثيرها المطلوب في احترام أهل البيت من قبل الجميع حتّى مِن لدن نسوة النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).

- بالرغم من إيماننا الكامل بعدم تحريف القرآن الكريم، وأنّ آيات الله هي هي كما نزلتْ على صدر سيّدنا محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) لا يوجد فيها نقص أو إضافة، ولكنّ هناك سؤال حول تدوين القرآن والطريقة المتّبعة آنذاك في جمعه، ومن المحتمل أنّ تكون آية التطهير في سياق سورة أُخرى، ثمّ غُيِّر مكانها عمداً أو جهلاً (1) .

ملاحظة:

لقد سبق وأنْ تحدّثنا عن الموضوع، وأنّ قصّة الآية لم تكن عاديّة لتمرّ مرور الكرام، بل إنّ سيّدنا محمّداً (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) جمع أهل بيته وهم: (علي وفاطمة والحسن والحسين) وغطّاهم بكساء خيبري تأكيداً على ذلك، ثمّ دعا لهم وتلا آية التطهير. وبذلك وضع حدّاً للتساؤلات حول المعنَيَين بأهل البيت، وأعقب ذلك استمرار النبي - ولشهور عديدة - في تلاوتها كلّما مرّ بمنزل فاطمة لِيَسْمَعَهُ الآخرون، حتّى بات البحث من البديهيّات آنذاك، وأصبحتْ الآية حقّاً مسلَّماً لعلي (عليه السلام) يحتجّ بها، وللحسن والحسين (عليهما السلام) يفتخران بشأنهما فيها.

____________________

(1) عن كتاب (الكلمة الغرّاء في تفضيل الزهراء) للعلاّمة السيِّد عبد الحسين شرف الدين: ص213.

١٧٧

العصمة في ضوء الأحاديث

* كثيرة هي الأحاديث التي تؤكِّد على عصمة الإمام:

- فعن الرضا (عليه السلام) في حديث له قال: (وإنّ العبد إذا اختاره الله لأمور عباده شرح صدرَه لذلك، وأودع قلبه ينابيع الحكمة، وأَلْهَمَهُ العِلْم إلهاماً، فلم يَعْيَ بعده بجواب ولا يحير فيه عن الصواب. فهو معصوم، مؤيّد، موفّق، مسدّد، قد أَمِنَ من الخطايا والزلل والعِثَار، يخصّه الله بذلك ليكون حجّةً على عباده وشاهده على خلقه: وذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (1) .

- وعن الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث له قال: (فالإمام هو المنتجب المرتضى والهادي المنتجى والقائم المرتجى، اصطفاه الله بذلك واصطنعه على عينه في الذرّ حين ذَرَأَهُ، وفي البريّة حين بَرَأَهُ ظلاًّ قبل خلقه نسمة عن يمين عرشه، مَحْبُوّاً بالحكمة، في علم الغيب عنده، اختاره بعلمه وانتجبه لطهره، بقيّة من آدم (عليه السلام)، وخيرة من ذرّية نوح، ومصطفى من آل إبراهيم، وسلالة من إسماعيل، وصفوة من عترة محمّد صلَّى الله عليه وآله، لم يزل مَرْعِيّاً بعين الله يَحْفَظُهُ وَيَكْلَؤُهُ بِسِتْرِهِ، مطروداً عنه حبائل إبليس

____________________

(1) أصول الكافي: ج1 ص202.

١٧٨

وجنوده، مدفوعاً عنه وقوب الغواسق ونفوث كلّ فاسق، مصروفاً عنه قوارف السوء، مبرّءاً من العاهات، محجوباً عن الآفات، معصوماً من الزلاّت مصوناً عن الفواحش كلّها، معروفاً بالحلم والبرّ في يفاعه، منسوباً إلى العفاف والعلم والفضل عند انتهائه، مسنداً إليه أمر والده، صامتاً عن المنطق في حياته) (1) .

- وعن علي (عليه السلام) قال: (وقد علمتم أنّه لا ينبغي أنْ يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين، البخيلَ، فتكون في أموالهم نَهْمَتُهُ، ولا الجاهل فيضلّهم بجهله، ولا الجافي فيقطعهم بجفائه، ولا الحائف للدول فيتّخذ قوماً دون قوم. ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق ويقف بها دون المقاطع، ولا المعطّل للسُنّة فيُهلك الأُمّة) (2) .

- وعن علي بن الحسين زين العابدين (عليهما السلام) قال: (الإمام منّا لا يكون إلاّ معصوماً، وليستْ العصمة في ظاهر الخِلْقَة فيُعرف بها؛ فلذلك لا يكون إلاّ منصوصاً.

فقيل له: يابن رسول الله، فما معنى المعصوم؟

فقال: هو المعتصم بحبل الله، وحبل الله هو القرآن لا يفترقان إلى يوم القيامة، والإمام يهدي إلى القرآن والقرآن يهدي إلى الإمام، وذلك قول الله عزّ وجل إنّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) (3) .

- وعن سليم بن قيس قال: سمعت أمير المؤمنين(عليه السلام) يقول: (إنّما الطاعة لله عزّ وجل، ولرسوله، ولأُولي الأمر، وإنّما أمر بطاعة أُولي الأمر؛ لأنّهم معصومون مطهّرون لا يأمرون بمعصيته) (4) .

____________________

(1) أصول الكافي: ج1 ص204.

(2) نهج البلاغة: ج2 ص19.

(3) بحار الأنوار: ج25 ص194.

(4) إثبات الهداة: ج1 ص232.

١٧٩

- وعن ابن عبّاس قال: سمعت رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) يقول: (أنا وعلي والحسن والحسين وتسعة من وُلد الحسين مطهّرون معصومون) (1) .

- وعن الإمام الصادق في حديث له قال: (نحن خُزّان علم الله، نحن تراجمة أمر الله، نحن قوم معصومون، أمر الله بطاعتنا ونهى عن معصيتنا، نحن الحجّة البالغة على من دون السماء وفوق الأرض) (2) .

- وعن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: (الإمام المطهّر من الذنوب، والمبرّأ عن العيوب، المخصوص بالعلم) (3) .

- وعن سيّدنا محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) أنّه قال: (مَن سَرَّ أنْ ينظر إلى القضيب الياقوت الأحمر الذي غرسه الله بيده ويكون متمسّكاً به، فليتولّ عليّاً والأئمّة مِن وُلده، فإنّهم خيرة الله وصفوته، وهم المعصومون مِن كلّ ذنب وخطيئة) (4) .

- عن حسين الأشقر قال: قلتُ لهشام بن الحكم: ما معنى قولكم: إنّ الإمام لا يكون إلاّ معصوماً؟

قال: سألتُ أبا عبد الله عن ذلك فقال: (المعصوم هو الممتنع بالله من جميع محارم الله وقد قال الله: ( وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) ) (5) .

- وعن الصادق (عليه السلام) قال: (الأنبياء وأوصياؤهم لا ذنوبَ لهم؛ لأنّهم

____________________

(1) ينابيع المودّة: ص534.

(2) أصول الكافي: ج1 ص269.

(3) المصدر السابق: ص200.

(4) بحار الأنوار: ج25 ص193.

(5) المصدر السابق ص194.

١٨٠