دراسة عامة في الامامة

دراسة عامة في الامامة0%

دراسة عامة في الامامة مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 282

دراسة عامة في الامامة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ إبراهيم الأميني
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
تصنيف: الصفحات: 282
المشاهدات: 78630
تحميل: 5066

توضيحات:

دراسة عامة في الامامة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 282 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 78630 / تحميل: 5066
الحجم الحجم الحجم
دراسة عامة في الامامة

دراسة عامة في الامامة

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

معصومون) (1) .

- وعن الإمام علي (عليه السلام) قال: (لا يُقاس بآل محمّد صلَّى الله عليه وآله من هذه الأُمّة أحد... هم أساس الدين وعماد اليقين... ولهم خصائص حق الولاية وفيهم الوصية والوراثة) (2) .

- وعنه (عليه السلام) أيضاً: (وكيف تعمهون وبينكم عترة نبيّكم، وهم أزمّة الحقّ وأعلام الدين وأَلْسِنَةُ الصِدْق، فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن وردّوهم وُرُود الهِيْم العطاش) (3) .

وفي قوله (عليه السلام): (فأنزلوهم منازل القرآن) ما يدلّ على عصمتهم. أي اتّبعوهم كما تتّبعون القرآن. (4)

- وعن الباقر (عليه السلام) في جواب على عن سؤال سأله جابر: لأيّ شيء يُحتاج إلى النبي والإمام؟

فقال: (لبقاء العالَم على صلاحه، وذلك أنّ الله عزّ وجل يرفع العذاب عن أهل الأرض إذا كان فيها نبي أو إمام. قال الله عزّ وجل: ( وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ) ، وقال النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): (النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأهل الأرض، فإذا ذهبتْ النجوم أتى أهلَ السماء ما يكرهون، وإذا ذهب أهل بيتي أتى أهلَ الأرض ما يكرهون، يعني بأهل بيته الأئمّة الذين قرن الله عزّ وجل طاعتهم بطاعته فقال: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) ، وهم المعصومون المطهّرون الذين لا

____________________

(1) المصدر السابق: ص199.

(2) نهج البلاغة: الخطبة 2.

(3) المصدر السابق: الخطبة 83.

(4) شرح ابن أبي الحديد: ج6 ص376.

١٨١

يذنبون ولا يعصون، وهم المؤيَّدون الموفّقون المسدَّدون) (1) .

- وروى سليم بن قيس عن علي (عليه السلام) أنّه قال: (إنّ الله تبارك وتعالى طهّرنا وعَصَمَنَا وجَعَلَنَا شهداء على خَلْقِهِ وَحُجَّته في أرضه، وجَعَلَنَا مَعَ القرآن، وجعل القرآن معنا لا نفارقه ولا يفارقنا) (2) .

ويبقى حديث الثقلَين في طليعة الأحاديث التي تؤكِّد عصمة أهل البيت (عليهم السلام)، وهو من الأحاديث المتواترة والمشهورة في كتب المسلمين جميعاً، ولا يمكن لأحد أنْ يُشكّك في صدوره عن سيّدنا محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) (3) .

- وعلى سبيل المثال ما روي عن أبي سعيد الخدري قال: سمعتُ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) يقول: (أيُّها النّاس إنّي تركتُ فيكم الثقلين إنْ أخذتُم بهما لن تضلّوا، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، ألا وإنّهما لنْ يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض) (4) .

* والتأمّل في الحديث يقود إلى الإيمان بما يلي:

- إنّ عترة النبي منزّهةٌ عن الخطأ والذنب؛ لأنّ سيّدنا محمّداً (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) قال: (إنْ أخذتم بهما لن تضلّوا بعدي)، ولمّا كان اتّباعهم أماناً من الضلال والانحراف، فمعنى هذا عصمتهم عن الخطأ، وأنّهم قدوة للمسلمين

____________________

(1) بحار الأنوار: ج23 ص19.

(2) أصول الكافي: ج1 ص191.

(3) يتجاوز عدد الصحابة الذين رووا الحديث أكثر من ثلاثين صحابيّاً، وقد رُوي بعبارات مختلفة وأسانيد متعدِّدة ضبطتْها كتبُ الفريقَين، فهناك ما يربو على التسعة والثلاثين حديثاً في صحاح أهل السُنّة، واثنان وثمانين حديثاً ضبطتْها كتبُ الشيعة، وقد أفرد مير حامد حسين الهندي في كتابه (العبقات) جزءاً مستقلاًّ لهذا الحديث.

(4) ينابيع المودّة: ص36.

١٨٢

في عملهم وقولهم.

- إنّهم المرجع العلمي للمسلمين، وإنّ على المسلمين - حتى من الذين لا يعتقدون إمامتهم - الرجوع إليهم في شؤون دينهم.

- إنّ اقترانهم بالقرآن يعني بقاءهم إلى يوم القيامة، وإذنْ فجميع العصور لا تخلو من وجود إمام.

* إشكال:

لقد ورد في أدعية الأئمّة الأطهار ما يدلّ على اقترافهم الذنوب وطلبهم الغفران من الله عزّ وجل بل كانوا يبكون خوفاً من عذاب الله وجحيم الآخرة، ومع هذه الاعترافات الصريحة كيف ننسبهم إلى العصمة، وهم ينوحون خشيةً من عذاب الله يوم القيامة؟!

* الجواب:

لا يبقى بعد إثبات عصمة الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) في ضوء (الأدلّة العقليّة والقرآن الكريم والأحاديث الشريفة) سوى تأويل هذه الأدعية وفهمها في أُطر معيَّنة على افتراض صحّة أسانيدها، حيث يمكن تفسير ذلك من خلال ما يلي:

- إنّ الأئمّة (عليهم السلام) يعيشون حالة من الشهود الكامل، فهم قد وقفوا على قدرة الله وعظمته المطلقة، كما أنّهم يشعرون بفقرهم الذاتي في كلّ شيء، وأنّهم لا شيء أمام الله عزّ وجل، فكلّ شيء منه سبحانه، فَمَهْمَا عبدوا الله سبحانه ومهما تضرّعوا إليه فإنّهم لنْ يؤدّوا حقّه.

١٨٣

- إنّ الأئمّة (عليهم السلام) يسيرون في طريق الكمال ومدارج التكامل، فكلّما ارتقَوا درجة اشتدّتْ نصاعة نفوسهم، فيشعرون بتقصيرهم ويندمون على عباداتهم وطاعاتهم فيما مضى؛ لأنّها في نظرهم لا تليق بشأنه تعالى، فهم في حياء من الله وشعور بالذنب يدفعهم إلى طلب المغفرة.

- إنّ الأئمّة جعلوا من الدعاء وسيلة لإرشاد الأمّة، خاصّةً في الفترات الحرجة، حيث سيوف الجلاّدين تكاد تهوي على أعناقهم، فكانوا بدعائهم ينشرون معارف الإسلام ويرشدون المسلمين إلى جادّة الصواب، وهذا ما نراه جليّاً في تراث السجّاد (عليه السلام).

والأئمّة المعصومون هم مُعَلِّمُو الإنسانيّة، فربّما كانوا يهدفون من دعائهم تعليم الناس أدب الدعاء ولغة التضرّع إلى بارئ الإنسان وواهب الحياة. ومَن يقرأ أدعية المعصومين (عليهم السلام) يجدها قريبة إلى النفس، مؤثِّرة في القلب؛ لأنّها تنبع من طبيعة الإنسان المحتاج الفقير الغافل الذي يخاف سوء العاقبة ويرجو رحمةَ ربّه.

وأخيراً يمكن تفسير ظاهرة الدعاء لدى الأئمّة بأنّها نابعة من كلّ ما ذكرنا جميعاً.

١٨٤

الفصل الرابع

العِلْم

١٨٥

١٨٦

معرفة الأحكام

تعتقد الإماميّة بأنّ الإمام يجب أنْ يكون عالماً بالأحكام، محيطاً بالشريعة، عارفاً بأسباب السعادة وعلل الشقاء، خبيراً بطرائق الأخلاق، هادياً إلى سبيل الرشاد.

* وهي تسوق - من أجل إثبات ذلك أدلّتها - عبر طريقَين:

الأوّل:

وهو ذات الأدلّة التي ذُكرتْ في إثبات ضرورة الإمام، كصفة من صفاته، وبشكل سريع يمكن القول إنّ وجود فرد كامل يعكس بشكل فعلي قابليّة النوع الإنساني على التكامل والسير في طريق الكمال، وهو بهذا يجسّد غائيّة الوجود البشري. فكيف يمكن تصوّر فرد كهذا أنْ يكون جاهلاً بأحكام الشريعة، في حين يعيش حالة من الشهود الكامل لحقيقة الدين، وهو في ذات الوقت محلّ لتلقّي الفيض الإلهي الذي ينعكس عنه إلى سائر البشر.

الثاني:

إنّ الله الحكيم الذي خلق الإنسان وأودع فيه قابليّة التكامل والكمال، لم يتْركه سدى ليهوي في مطبّات الضلال، بل أعدّ له طريقاً تكامليّاً يكفل له السعادة في الدنيا وفي الآخرة، ومِن هنا بعث له أنبياء يدلّونه الطريق، ولأنّ وجود النبي محدود زمنيّاً فقد اقتضتْ حكمة الله ولطفه أنْ يبقى طريقه قائماً وصراطه دائماً وبابه مفتوحاً لداعيه، فكان وجود فرد معصوم يخلف النبي في تبليغ الرسالة وإقامة الدين وإرشاد الناس من لطف الله عزّ وجل. وحتّى لا

١٨٧

يبقى البشر بلا هداة والدين بلا دعاة وهو ما اصطُلح عليه بالإمام.

وإذا كانتْ مهمّة الإمام هي في حفظ الشريعة والأحكام، لزم أنْ يكون عالماً بها، محيطاً بأسرارها، حافظاً لمعارفها؛ فكيف يكون الإمام وهو مرجع الأنام عاجزاً عن حلّ مسائل الإسلام؟!

عِلْم الإمام في ضَوء الأَحاديث:

* في هذا المضمار أحاديث وروايات منها ما روي:

- عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قوله: (فيهم كرائم القرآن، وهم كنوز الرحمن، إنْ نطقوا صدقوا، وإنْ صمتوا لم يسبقوا) (1) .

- وعنه (عليه السلام) قال: (هم عيش العلم وموت الجهل، يخبركم حلمهم عن علمهم، وظاهرهم عن باطنهم، وصمتهم عن حكم منطقهم، لا يخالفون الحقّ ولا يختلفون فيه) (2) .

- وعنه أيضاً قال: (بهم عاد الحق في نصابه، وانْزَاحَ الباطل عن مقامه، وانقطع لسانه من منبته، عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية، لا عقل سماع ورواية، فإنّ رواة العلم كثير، ورعاته قليل) (3) .

- وعن عبد الله بن سليمان العامري عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (ما زالتْ الأرض إلاّ ولله فيها الحجة يَعرِفُ الحلال والحرام ويدعو الناس إلى سبيل الله) (4) .

____________________

(1) نهج البلاغة: الخطبة 150.

(2) نهج البلاغة: الخطبة 143.

(3) المصدر السابق: الخطبة 234.

(4) أصول الكافي: ج1 ص178.

١٨٨

- وعن زرارة وفضيل عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: (إنّ العلم الذي نزل مع آدم لم يُرفع، والعلم يتوارث، وكان علي (عليه السلام) عالم هذه الأُمّة، وأنّه لم يُهلك منّا عالم قط إلاّ خَلَفَه مِن أهله مَن عَلِم مثل عِلْمِهِ أو ما شاء الله) (1) .

- وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (إنّ الله عزّ وجل أوضح بأئمّة الهدى من أهل بيت نبيّنا عن دينه، وأبلج بهم عن سبيل منهاجه، وفتح بهم عن باطن ينابيع علمه، فَمَن عَرِف مِن أُمّة محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) واجب حقّ إمامه، وجد طعمَ حلاوة إيمانه، وعَلِمَ فَضْل طلاوة إسلامه؛ لأنّ الله تبارك وتعالى نصب الإمام عَلَمَاً لِخَلْقِهِ، وجعله حجّة على أهل موادّه وعالمه، وأَلْبَسَهُ الله تاجَ الوقار وغشّاه من نور الجبّار، يمدّ بسبب إلى السماء لا ينقطع عنه موادّه، ولا ينال ما عند الله إلاّ بجهة أسبابه، ولا يقبل الله أعمال العباد إلاّ بمعرفته، فهو عالم بما يَرِدُ عليه من ملتبسات الدُجَى، ومعميات السنن، ومشتبهات الفتن، فلم يزل الله تبارك وتعالى يختارهم لخلقه من وُلد الحسين من عقب كلّ إمام) (2) .

- وعن الإمام علي (عليه السلام) قال: (اللّهم بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجّة، إمّا ظاهراً مشهوراً أو خائفاً مغموراً، لِئَلاّ تبطل حجج الله وبَيِّنَاته، كم ذا وأين أولئك، أولئك والله الأقلّون عدداً الأعظمون عند الله قدراً، يحفظ الله بهم حججه وبيّناته حتّى يودعوها نظراءهم ويزرعوها في قلوب أشباههم، هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة، وباشروا روح اليقين واستلانوا ما استوعره المُتْرَفون وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون، وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلّقة بالمحلّ الأعلى. أولئك خلفاء الله في أرضه والدعاة إلى دينه (3) .

____________________

(1) المصدر السابق: ص222.

(2) ينابيع المودّة: ص26 و574 / أصول الكافي: ج1 ص203.

(3) نهج البلاغة: الخطبة 147 / ينابيع المودّة ص624 / مناقب الخوارزمي: ص264.

١٨٩

وأحاديث أُخرى:

- وعن الحسن بن علي (عليه السلام) قال: (إنّ الأئمّة منّا، وإنّ الخلافة لا تصلح إلاّ فينا، وإنّ الله جعلنا أَهْلَهَا في كتابه وسُنّة نبيّه، وإنّ العلم فينا ونحن أهله، وهو عندنا مجموع كلّه بحذافيره، وإنّه لا يحدث شيء إلى يوم القيامة - حتّى أرش الخدش - إلاّ وهو عندنا مكتوب بإملاء رسول الله وبخط علي بيده) (1) .

- وعن محمّد بن مسلم عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: (إنّ العلم يتوارث، ولا يموت عالم إلاّ وترك مَن يَعْلم مِثْل عِلْمه أو ما شاء الله) (2) .

- وعن الحارث بن المغيرة قال: سمعتُ الإمام الصادق (عليه السلام) يقول: (إنّ العلم الذي نزل مع آدم عليه السلام لم يُرفع، وما مات عالم إلاّ وقد ورث علمه، إنّ الأرض لا تبقى بغير عالم) (3) .

- وعن الصادق(عليه السلام) أيضاً قال: (نحن شجرة النبوّة، وبيت الرحمة، ومفاتيح الحكمة، ومعدن العلم، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، وموضع سرّ الله، ونحن وديعة الله في عباده، ونحن حرم الله الأكبر، ونحن ذمّة الله، ونحن عهد الله، فَمَن وَفَى بعهدنا فقد وفى بعهد الله، ومَنْ خفرها فقد خفر ذمّة الله) (4) .

- وعنه أيضاً قال: إن لله عزّ وجل علمين: (عِلْمَاً عنده لم يُطلِع عليه أحداً مِن خلقه، وعِلْمَاً نَبَذَهُ إلى ملائكته ورسله، فما نَبَذَهُ إلى ملائكته ورسله فقد

____________________

(1) الاحتجاج للطبرسي: ج2 ص6.

(2) أصول الكافي: ج1 ص222.

(3) أصول الكافي: ج1 ص223.

(4) المصدر السابق: ص221.

١٩٠

انتهى إلينا) (1) .

- وعنه أيضاً قال: (والله إنّا لخزّان علم الله في سمائه وأرضه لا على ذهب ولا فضة إلاّ على علمه)(2).

- وعن أيضاً قال: (إنّ الله خَلَقَنَا وصوّرنا فأحسن صورنا، وجعلنا خُزّانه في سمائه وأرضه، ولنا نطقتْ الشجرة، وبعبادتنا عُبِد الله ولولانا ما عُبد الله) (3) .

- وعن عبد الملك بن عطا عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: (نحن أولو الذكر، ونحن أولو العلم، وعندنا الحلال والحرام) (4) .

- وعن أبي بصير عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (يا أبا بصير نحن شجرة العلم ونحن أهل بيت النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وفي دارنا مهبط جبرئيل، ونحن خزّان علم الله، ونحن معادن وحي الله، مَن تَبِعَنَا نَجَا ومَنْ تَخَلّف عنّا هَلَكَ، حَقّاً على الله عزّ وجل) (5) .

- وعن علي (عليه السلام) قال: (نحن أنوار السموات والأرض، وسفن النجاة، وفينا مكنون العلم، وإلينا المصير) (6) .

- وعن الصادق (عليه السلام) قال: (نحن خزّان علم الله، نحن تراجمة أمر الله، نحن قوم معصومون، أمر الله بطاعتنا ونهى عن معصيتنا، نحن حجّة الله البالغة على مَن دون السماء وفوق الأرض) (7) .

____________________

(1) المصدر السابق: ص255.

(2) غاية المرام: ص514.

(3) غاية المرام: ص514.

(4) المصدر السابق: ص517.

(5) المصدر السابق: 515.

(6) تذكرة الخواص: ص130.

(7) أصول الكافي: ج1 ص269.

١٩١

١٩٢

مصادر علوم الإمام

الكتب المصدر الأوّل:

هناك مصادر متعدِّدة تشكّل بمجموعها شخصيّة الإمام العلميّة، فالمصدر الأوّل: الكتب، والصحف، التي ورثها الأئمّة عن رسول الله(صلَّى الله عليه وآله).

ولقد مرّت الدعوة الإسلاميّة بفصول ومنعطفات تاريخيّة مثيرة وخطيرة، منذ أنْ أشرق النور في مكّة وحتّى تشكيل الدولة الإسلاميّة بعد هجرة النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) إلى المدينة.

فالأوضاع المتأزّمة في مكّة، والحرب المعلنة، والتعذيب والحصار والمطاردات لم تَسمح للنبي ولا للذين آمنوا به سوى الدفاع عن النفس، والصمود بوجه أذى قريش ومحاولاتهم القضاء على الرسالة الجديدة.

والتأمّل في تلك الحقبة المريرة من الحصار والتعذيب والهجرة، واللجوء إلى بعض الدول، لم تترك فرصة في التفكير لتدوين الأحكام الدينيّة.

كما أنّ تشكيل الدولة الإسلاميّة بعد الهجرة إلى المدينة، والمسؤوليّات الكبرى في إقامة مجتمع جديد، والدفاع عن الكيان الإسلامي، جعل من المدينة قاعدة عسكريّة كبيرة على أهبة الاستعداد وفي حالة من الاستنفار الدائم، ويكفي أيضاً تصفّح تلك الفترة من التاريخ وإحصاء المواجهات والصِدامات الحربيّة ليُلقى الضوء على مدى استيعاب الهم الدفاعي في حياة المسلمين إلى أنْ

١٩٣

استتبَّ الوضع بانتصار الإسلام نهائيّاً في شبه الجزيرة.

وبالرغم من الجوّ العام الذي لم يكن يسمح بنشاط ثقافي واسع، فإنّ الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) لم يغفل هذا الجانب الحيوي، خاصّةً بعد شعوره باقتراب أَجَلِهِ.

علي في مدرسة الوحي:

كان سيّدنا محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) يفكّر في المدى البعيد.. عندما يرحل عن الدنيا فيستيقظ المسلمون مِن غَفْلتهم.. يبحثون عمّن يُجيب عن أسئلتهم، ويعلّمهم أحكام دينهم فلا يجدونه، ومن هنا - وامتثالاً لأمر الله - كان الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) يعدّ عليّاً خليفة له، فيودع لديه علوم الرسالة.

إنّ شخصيّة علي إنّما هي نتاج التربية المحمّديّة قبل الرسالة وبعدها، فمنذ أنْ أطلّ عليّ على الدنيا وجد نفسَه في أحضان محمّد(صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، ومنذ ذلك الوقت لم يُفارق عليٌّ أخاه وابنَ عمّه إلى أنْ أغمض عينَيه.

- قال رسول الله(صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): (يا علي إنّ الله أَمَرَنِي أنْ أُدنيك وأُعلّمك لتعي، فأنزل الله هذه الآية: ( وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ) ) (1) .

- وعن ابن عبّاس عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) قال: (سألتُ ربِّي أنْ يجعلها أُذُنَ علي) ، وقال علي كرّم الله وجهه: (ما سمعتُ من رسول الله شيئاً إلاّ وحفظته ووعيتُه ولم أَنْسَهُ مدى الدهر) (2) .

- وعن علي (عليه السلام) قال في خطبة له: (وقد عَلِمْتُم موضعي مِن

____________________

(1) غاية المرام: ص367.

(2) مناقب الخوارزمي: ص200 / غاية المرام: ص367.

١٩٤

رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا ولد، يضمّني إلى صدره، ويكنفني في فراشه، ويمسّني جسده، ويشمّني عرفه، وكان يمضع الشيء ثمّ يُلْقِمْنِيْهِ، وما وجد لي كذبة في قول، ولا خطلة في فعل، ولقد قرن الله تعالى به (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) من لدن أنْ كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته، يسلك به طرق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره، ولقد كنتُ اتبعه اتّباع الفصيل إثر أُمّه، يرفع لي في كلّ يوم علماً من أخلاقه ويأمرني بالإقتداء به، ولقد كان يجاور في كلّ سَنَة بحراء فأراه ولا يراه غيري وغير خديجة، ولم يجمع بيت واحد يومئذٍ في الإسلام غير رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وخديجة وأنا ثالثهما أرى نور الوحي والرسالة وأشمّ ريح النبوّة) (1) .

- وعن ابن عباس عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) قال: (لمّا صِرْتُ بين يدي ربّي كلّمني وناجاني، فما علمتُ شيئاً إلاّ علّمتُه عليّاً، فهو باب علمي) (2) .

منزلته العلميّة:

لقد حبا الله عليّاً (عليه السلام) باستعدادات ذاتيّة ليكون مستودعاً لعلوم الرسالة وأسرار الوحي، وكان رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) يشرف على تربيته منذ نعومة أظفاره، ولقد واكب مسيرة الإسلام وهو ما يزال صبيّاً، وعاش جميع الظروف، ووقف إلى جانب صاحب الرسالة لم يفارقه لحظة واحدة.

- يقول (عليه السلام): (والله ما نزلتْ آية إلاّ وقد علمتُ فيما نزلتْ وأين

____________________

(1) نهج البلاغة: الخطبة 187 / ينابيع المودة: ص76.

(2) ينابيع المودة: ص79.

١٩٥

نزلت وعلى مَن نزلتْ، وإنّ ربّي وَهَبَ لي لساناً طلقاً وقلباً عقولاً) (1) .

- وعنه (عليه السلام) قال: (سلوني عن كتاب الله فإنّه ليس من آية إلاّ وقد عرفتُ بليل نزلتْ أَمْ نهار، أَمْ في سَهْل أَمْ في جَبَل) (2) .

- وعن سبط الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) الحسين بن علي (عليهما السلام) قال: (لمّا نزلتْ هذه الآية: ( وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ) ، قالوا: يا رسول الله هو التوراة أو الإنجيل أو القرآن قال: لا. فأقبل إليه أبي عليٌّ (عليه السلام) فقال (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): هو هذا الإمام الذي أحصى فيه علم كلّ شيء) (3) .

- وعن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: (ما بين لوحي المصحف من آية إلاّ وقد علمتُ فيمَن نزلتْ وأين نزلتْ، وإنّ بين جوانحي لَعِلْمَاً جمّاً، فسلوني قبل أنْ تفقدوني. وقال: إذا كنتُ غائباً عن نزول الآية كان يحفظ عليّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ما كان ينزل عليه من القرآن، وإذا قدِمتُ عليه أَقْرَأنِيْه ويقول: يا علي أنزل الله بعدك كذا وكذا وتأويله كذا وكذا ويعلّمني تأويله وتنزيله) (4) .

- وعنه (عليه السلام) قال: (بل اندمجت على مكنون علم لو بحتُ به لاضطربتُم اضطراب الأرشية في الطوي البعيدة) (5) .

- وعن أيضاً قال: (إنّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) علّمني أَلْفَ باب،

____________________

(1) ينابيع المودة: ص79 / نظم درر السمطين: ص126 / مناقب الخوارزمي: ص46 / طبقات ابن سعد:ج2 ص101.

(2) مناقب الخوارزمي: ص46.

(3) ينابيع المودّة: ص87.

(4) المصدر السابق: ص83.

(5) نهج البلاغة: الخطبة 4.

١٩٦

وكلّ باب يفتح أَلْفَ باب، فذلك ألف ألف باب، حتّى علمتُ ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، وعلمتُ علم المنايا والبلايا وفصل الخطاب) (1) .

- وعنه أيضاً قال: (إنّ في ههنا لَعِلْمَاً جَمّاً عَلَّمْنِيْه رسولُ الله، لو أجدُ له حفظةً يَرْعَوْنَه حقّ رِعَايته، وَيَرْوُونَه عَنِّي كما يسمعونه مِنِّي، إذاً أودعتُهم بعضَه، ليعلم به كثيراً من العلم مفتاح كلّ باب، وكلّ باب يَفتح له ألف باب) (2) .

أكثر الصحابة روايةً:

قيل لعلي (عليه السلام): مالك أكثر أصحاب رسول الله حديثاً؟ فقال: (إنّي كنتُ إذا سألتُه أنبأني، وإذا سكتُّ ابتدأني) (3) .

ولم يكن الصحابة كما ورد في كتب التاريخ ليجرأون على سؤال النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، إمّا تهيُّباً منه، أو عجزاً عن إدراك الجواب، بل كان بعضهم يتمنّى حضور إعرابي قد يسأل النبي فيصغون إليه ليتعلّموا شيئاً.

- عن سعيد بن المسيب قال: لم يكن أحد من الصحابة يقول: سلوني إلاّ علي بن أبي طالب.

- وعن سعيد البحتري قال: رأيتُ عليّاً على منبر الكوفة وعليه مدرعة رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وهو متقلّد بسيفه ومعتمّ بعمامته (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) فجلس على المنبر فكشف عن صدره وقال: (سلوني قبل أنْ تفقدوني، فإنّما بين الجوانح مِنِّي علم جمّ هذا، سفط العلم، هذا لعاب رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) هذا ما زقّني رسول الله زقّاً زقّاً) (4) .

____________________

(1) ينابيع المودّة: ص88.

(2) غاية المرام: ص518.

(3) طبقات ابن سعد، ج2، ق2، ص101.

(4) ينابيع المودّة: ص84.

١٩٧

شهادة الرسول:

ولقد بلغ الإمام علي درجة رفيعة، حتّى شهد النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) بعلوّ شأنها في قوله (صلوات الله عليه وآله): (ليهنئك العلم أبا الحسن، لقد شربتَ العلم شرباً ونهلته نهلاً) (1) .

- وعنه عليه الصلاة والسلام قال: (أنا دار الحكمة وعلي بابها) (2) .

- وعن أيضاً قال: (أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها، فَمَنْ أراد العلم فليأت الباب) (3) .

- وعنه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) قال: (يا علي، أنا مدينة العلم وأنت بابها، كذب مَن زعم أنّه يصل إلى المدينة إلاّ من قِبل الباب) (4) .

ويدوّن علوم النبوّة:

دعا رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) لعليّ ليكون الأذن الواعية، فلا يَنسى شيئاً ولا يُخطئ في شيء، فهو مستودع سرّه وأمين على علمه، فلم ينسَ شيئاً ممّا سمعه عن النبي، ولم يكن محتاجاً لأنْ يدوِّن ذلك إلاّ امتثالاً لأمر النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) الذي أمره بتدوين علوم الوحي وأسرار الرسالة.

- عن علي (عليه السلام) قال: (قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله: يا علي اكتب ما أُملي عليك قلت يا رسول الله أتخاف عليَّ النسيان؟ قال: لا وقد دعوتُ الله عزّ وجل أنْ يجعلك حافظاً ولكن اكتب لشركائك الأئمّة مِن وُلدك) (5) .

____________________

(1) ذخائر العقبى: ص78 / مناقب الخوارزمي ص41.

(2) ينابيع المودّة: ص81 / ذخائر العقبى: ص77.

(3) ينابيع المودّة: ص82 / مناقب الخوارزمي: ص40.

(4) ينابيع المودّة: ص82.

(5) ينابيع المودة: ص22.

١٩٨

كتابُ علي:

وبناءً على أمر الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وإملائه، راح عليّ (عليه السلام) يدوّن العلوم في كتاب؛ ليكون ميراثاً للأئمّة من بعده، وهناك أيضاً (الجامعة) ، و (صحيفة فاطمة) ، وهي كلّها من علوم النبوّة وأسرار الوحي والرسالة.

- عن عبد الله بن سنان عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (إنّ عندنا صحيفة طولها سبعون ذراعاً من إملاء رسول الله وخط علي بيده، فيها كلّ حلال وحرام، وكلّ شيء يحتاج الناس إليه حتّى الأرش في الخدش) (1) .

- عن محمّد بن مسلم قال: سألتُه عن ميراث العلم، أَجَوَامِع هو من العلم، أَمْ فيه تفسير كلّ شيء من هذه الأُمور التي يتكلّم فيها الناس من الطلاق والفرايض؟ فقال: (إنّ عليّاً (عليه السلام) كتب العلم كلّه: القضاء والفرايض، فلو ظهر أمرنا فلم يكن شيئاً إلاّ وفيه سُنّة نمضيها) (2) .

الجفر والجامعة:

- عن أبي عبيدة قال: سأل أبا عبد الله بعضُ أصحابنا عن الجفر فقال: (هو جلد ثور مملوء عِلْمَاً) قال فالجامعة؟ قال: (تلك صحيفة طولها سبعون ذراعاً في عرض الأديم مثل فخذ الفالج (الجمل العظيم ذو السنامين) فيها كلّ ما يحتاج الناس إليه، وليس مِن قضيّة إلاّ وهي فيها حتّى أرش الخدش) (3) .

- وعن بكر بن كرب الصيرفي قال: سمعت أبا عبد الله يقول: (إنّ عندنا ما لا

____________________

(1) جامع أحاديث الشيعة: ج1 ص133.

(2) جامع أحاديث الشيعة: ج1 ص138.

(3) أصول الكافي: ج1 ص241.

١٩٩

نحتاج معه إلى الناس، وإنّ الناس ليحتاجون إلينا، وإنّ عندنا كتاباً إملاء رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وخط علي، صحيفة فيها كلّ حلال وحرام، وإنّكم لتأتون بالأمر فنعرف إذا أخذتم به ونعرف إذا تركتموه) (1) .

- وعن أبي مريم قال: قال لي أبو جعفر: (عندنا الجامعة، وهي سبعون ذراعاً، فيها كلّ شيء حتّى أرش الخدش، إملاء رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وخط علي وعندنا الجفر وهو أديم عكاظي قد كتب فيه حتّى ملئت أكارعه، فيه ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة) (2) .

جامع للأحكام:

- عن عذافر الصيرفي قال: (كنت مع الحكم بن عيينة عند أبي جعفر (عليه السلام) فجعل يسأله، وكان أبو جعفر له مكرماً فاختلفا في شيء، فقال أبو جعفر (عليه السلام): (يا بني قم فاخرج كتاباً مدروجاً عظيماً، ففتحه وجعل ينظر حتّى أخرج المسألة، فقال أبو جعفر هذا خط علي وإملاء رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وأقبل على الحكم وقال: يا أبا محمّد اذهب أنت وسلمة وأبو المقدام حيث شئتم يميناً وشمالاً فوالله لا تجدون العلم أوثق منه عند قوم كان ينزل عليهم جبرئيل) (3) .

- عن المعلى بن خنيس قال: عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: (إنّ الكتب كانت عند علي (عليه السلام) فلمّا سار إلى العراق استودع الكتب أُمّ سَلَمَة فلمّا مضى عليّ كانت عند الحسن، فلمّا مضى الحسن كانت عند الحسين،

____________________

(1) المصدر السابق.

(2) جامع أحاديث الشيعة: ج1 ص132.

(3) جامع أحاديث الشيعة: ج1 ص8.

٢٠٠