دراسة عامة في الامامة

دراسة عامة في الامامة13%

دراسة عامة في الامامة مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 282

دراسة عامة في الامامة
  • البداية
  • السابق
  • 282 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 83241 / تحميل: 5915
الحجم الحجم الحجم
دراسة عامة في الامامة

دراسة عامة في الامامة

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

فلما مضى الحسين كانت عند علي بن الحسين، ثمّ كانت عند أبي) (١) .

- عن الحارث بن المغيرة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلتُ: أخبرني عن علم عالمكم؟ قال: (وراثة من رسول الله ومن علي، قال: قلتُ: إنّا نتحدّث أنّه يقذف في قلوبكم وينكت في آذانكم قال: أو ذاك) (٢) .

ويُستفاد من مجموع الأحاديث أنّ سيّدنا محمّداً (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) قد عمل على تدوين كتاب يضمّ مسائل الحلال والحرام ليكون ميراثاً للمسلمين، وأنّه أودعه لدى أوصيائه من بعده؛ لأنّهم ورثة علمه ومراجع المسلمين في قابل الأيّام، وأنّه قام بتربية علي وإعداده لتحمّل هذه المسؤوليّة الخطيرة؛ امتثالاً لأمر الله عزّ وجل، ومن هنا فإنّ هذه الكتب هي ميراث الأئمّة الأطهار عن جدّهم (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، فكلّ ما يحدّثون به هو في الواقع لا يمثّل آراءهم الخاصّة، بل هو من العلم الذي ورثوه عن صاحب الرسالة صلوات الله عليه.

عن هشام بن سالم وحمّاد بن عثمان وغيرهما عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدّي، وحديث جدّي حديث الحسين, وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين عليه السلام، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله صلَّى الله عليه وآله، وحديث رسول الله قول الله عزّ وجل) (٣) .

____________________

(١) المصدر السابق: ١٤١.

(٢) إثبات الهداة: ج١ ص٢٤٨.

(٣) أصول الكافي: ج١ ص٥٣.

٢٠١

القرآن المصدر الثاني

اقترن ذِكْر أهل البيت (عليهم السلام) بالقرآن الكريم، فلا غرو أنْ نرى القرآن في حجورهم يدورون معه حيث دار، فهو نبعهم الصافي ينهلون منه أخلاقهم وعلومهم.

وقد حبا الله الأئمّة بالأُذُن الواعية، فسمعوه ووعَوه، وغاصوا في لُجَجِ بَحْرِهِ، واستخرجوا لآلئ علمه ومكنونات سِرِّه.

- عن المعلّى بن خنيس قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): (ما من أمر يَختلف فيه اثنان إلاّ وله أصل في كتاب الله عزّ وجل، ولكن لا تَبْلُغُهُ عُقُولُ الرجال) (١) .

- وعن أبي الجارود قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): (إذا حدّثْتُكم بشيء فسلوني من كتاب الله.

ثمّ قال في بعض حديثه: إنّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله نهى عن القيل والقال، وفساد المال، وكثرة السؤال.

فقيل له: يا ابن رسول الله أين هذا من كتاب الله؟

قال: إنّ الله عزّ وجل يقول: ( لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ ) (٢) .

____________________

(١) أصول الكافي: ج١ ص٦٠.

(٢) المصدر السابق.

٢٠٢

- وعن سماعة قال عن أبي الحسن موسى الكاظم (عليه السلام) قال: قلت له: أَكُلُّ شيء في كتاب الله وسنّة نبيه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)؟ أَوَ تقولون فيه؟ قال: (بل كلّ شيء في كتاب الله وسنّة نبيه) (١) .

- وعن علي أمير المؤمنين قال: (ذلك القرآن فاستنطقوه ولنْ ينطق لكم، أُخْبِرُكُم عنه، إنّ فيه علم ما مضى، وعلم ما يأتي إلى يوم القيامة، وحُكْم ما بينكم، وبيان ما أصبحتم فيه تختلفون، فلو سألتُمُوني عنه لعلّمْتُكم) (٢) .

- وعن سلمة بن محرز قال: سمعتُ الباقر (عليه السلام) يقول: (إنّ مِن عِلْم ما أوتينا تفسير القرآن وأحكامه، وعلم تغيير الزمان وحدثانه، إذا أراد الله بقوم خيراً أسمعهم، ولو أسمع مَن لم يسمع لولّى مُعْرِضَاً كأنْ لم يسمع، ثمّ أمسك هُنَيْئَة ثم قال: ولو وجدنا أوعية لقلنا والله المستعان) (٣) .

- وعن عبد الأعلى مولى آل سام قال: سمعتُ أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (والله إنّي لأَعْلَمُ كتاب الله من أوّله إلى آخره، كأنّه في كفّي، فيه خبر السماء وخبر الأرض، وخبر ما كان وخبر ما هو كائن، قال الله عزّ وجل: فيه تبيان كلّ شيء) (٤) .

- وعن بريد بن معاوية قال: قلتُ لأبي جعفر (عليه السلام): ( قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) ؟ قال: (إيّانا عنى، وعلي أوّلنا وأفضلنا وخيرنا بعد النبي صلَّى الله عليه وآله) (٥) .

____________________

(١) المصدر السابق: ص٦٢.

(٢) المصدر السابق: ص٦١.

(٣) أصول الكافي: ج١ ص٢٢٩.

(٤) المصدر السابق: ص٢٢٩ / ينابيع المودّة: ص٢٦.

(٥) أصول الكافي: ج١ ص٢٢٩ / ينابيع المودّة: ص١١٩.

٢٠٣

- وعن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: (كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم، وخَبَر ما بعدكم، وفصل ما بينكم، ونحن نعلمه) (١) .

- وعن جابر قال: سمعتُ أبا جعفر (عليه السلام) يقول: (ما ادّعى أحدٌ مِن الناس أنّه جمع القرآن كلّه كما أُنزل إلاّ كذّاب، وما جمعه وحفظه كما نزّله الله تعالى إلاّ علي بن أبي طالب (عليه السلام) والأئمّة من بعده) (٢) .

وفي النتيجة:

فإنّ الأخبار والروايات التي ذكرنا أمثلة منها تشير إلى أنّ الأئمّة الطاهرين كانوا ينهلون علومهم من القرآن الكريم (٣) ؛ لأنّه نزل ( تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ ) . وهم أعلم الناس بعلوم القرآن:

- ناسخه ومنسوخه.

- محكمه ومتشابهه.

- الخاص منه والعام المطلق والمقيّد، ومن أجل هذا تواتر الحديث عن سيّدنا محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) والمعروف بحديث الثقلين: (إنّي تارك فيكم ما إنْ تَمَسَّكْتُم بِهِمَا لَنْ تَضِلّوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنّهما لَنْ يَفْتَرِقَا).

لقد كان النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) يرمي من وراء ذلك إلى جعل الأئمّة مِن بعده مراجع للمسلمين؛ لأنّهم الامتداد الطبيعي له، وقد اصطفاهم الله لذلك وأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.

وأخيراً نؤكّد مرّة أُخرى - ومن خلال ما ورد من النصوص النبويّة الشريفة - أنّ طاعة الأئمّة واجبةٌ على كلّ المسلمين، وهي تشمل حتّى أولئك الذين لا يعتقدون بإمامتهم؛ لأنّ أقوالهم حجّة على الجميع.

____________________

(١) أصول الكافي: ج١ ص٦١.

(٢) المصدر السابق: ص٢٢٨.

(٣) وفي ضوء ذلك نفهم المعنى المنشود من الآية الكريمة حول القرآن الكريم ( لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) ، خاصّةً إذا أَخَذْنا بنظر الاعتبار المعنى الحقيقي لكلمة (المسّ). المترجم.

٢٠٤

عالم الغيب المصدر الثالث

ولا تنحصر علوم الأئمّة بالمصدرَين السابقين فهناك مصدر ثالث يتمثّل بالارتباط بعالم الغيب، فالإلهام والفيض الإلهي لطف من الله سبحانه خصّ به عباده المطهّرين، فالعلم جذوة تتوقّد في أعماق الإمام، تنير له رؤيته وتطلّعه على حقائق العالم، وفي هذا جاءتْ الروايات.

* ومنها:

- عن الإمام موسى بن جعفر قال: (مبلغ علمنا على ثلاثة وجوه: ماضٍ، وغابر، وحادث، فأمّا الماضي فمفسّر، وأمّا الغابر فمزبور (مكتوب) وأمّا الحادث فقذْف في القلوب ونقْر في الأسماع) (١) .

- عن الحارث بن المغيرة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلتُ: أخبرني عن علم عالمكم؟ قال: (وراثة مِن رسول الله ومِن علي، قال: قلتُ: إنّا نتحدّث أنّه يقذف في قلوبكم وينكت في آذانكم؟ قال: أو ذاك) (٢) .

- وعن المفضل بن عمر قال: قلتُ لأبي الحسن (عليه السلام): روينا عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: (إنّ علمنا غابر، ومزبور، ونكْت في القلوب، ونقْر في الأسماع، فقال: أمّا الغابر فما تقدّم مِن عِلْمِنَا، وأمّا المزبور فما يأتينا،

____________________

(١) أصول الكافي: ج١ ص٢٦٤.

(٢) المصدر السابق.

٢٠٥

وأمّا النكْت في القلوب فإلهام، وأمّا النقْر في الأسماع فأمر الملك) (١) .

- عن صفوان بن يحيى قال: سمعتُ أبا الحسن (عليه السلام) يقول: (كان جعفر بن محمّد (عليه السلام) يقول: لولا أنّا نزداد لأنفدنا) (٢) .

- وعن ذريح المحاربي قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): (يا ذريح لولا أنّا نزداد لأنفدنا) (٣) .

- عن زرارة قال: سمعتُ أبا جعفر (عليه السلام) يقول: (لولا أنّا نزداد لأنفذنا.

قال: قلتُ: تزدادون شيئاً لا يعلمه رسول الله؟

قال: أمّا أنّه إذا كان ذلك عُرض على رسول الله ثمّ على الأئمّة، ثمّ انتهى الأمر إلينا) (٤) .

- وعن الصادق (عليه السلام) قال: (ليس يخرج شيء من عند الله حتّى يبدأ برسول الله، ثمّ بأمير المؤمنين، ثمّ بواحد بعد واحد؛ لكيلا يكون آخرنا أعلم مِن أوّلنا) (٥) .

- وعن أبي يحيى الصنعائي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال لي: (يا أبا يحيى، إنّ لنا في ليالي الجمعة لشأناً من الشأن.

قال: قلتُ: جُعلتُ فداك وما ذاك الشأن؟

قال: يُؤذَنْ لأرواح الأنبياء الموتى، وأرواح الأوصياء الموتى، وروح الوصيّ الذي بين ظهرانيكم يعرج بها إلى السماء حتّى توافي عرش ربّها، فتطوف به أُسبوعاً وتصلّي عند كلّ قائمة من قوائم العرش ركعتَين، ثمّ تُرَدُّ إلى الأبدان التي كانت فيها فتصبح الأنبياء والأوصياء قد ملئوا سروراً، ويُصبح الوصي

____________________

(١) المصدر السابق.

(٢) المصدر السابق: ص٢٥٤.

(٣) المصدر السابق.

(٤) أصول الكافي: ج١ ص٢٥٥.

(٥) المصدر السابق.

٢٠٦

الذي بين ظهرانيكم وقد زيد في علمه مثل جَمّ القفير) (١) .

- عن المفضل بن عمر قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) ذات يوم وكان لا يُكنِّيني قبل ذلك: (يا أبا عبد الله .

قال: قلتُ لبَّيك.

قال: إنّ لنا في كلّ ليلة جمعة سروراً .

قلتُ: زادك الله وما ذاك؟

قال: إذا كان ليلة الجمعة وافى رسول الله صلَّى الله عليه وآله العرش، ووافى الأئمّة معه ووافينا معهم، فلا تُرَدُّ أرواحنا إلى أبداننا إلاّ بعلم مستفاد ولولا ذلك لأنفدنا) (٢) .

- وعن الإمام الرضا (عليه السلام) في حديث له قال: (وإنّ العبد إذا اختاره الله عزّ وجل لأمور عباده شرح صدرَه لذلك، وأودع قلبَه ينابيعَ الحكمة، وأَلْهَمَهُ العلم إلهاماً، فلم يعي بعده بجواب، ولا يحير فيه عن الصواب، فهو معصوم مؤيَّد، موفَّق مُسَدَّد، قد أَمِنَ من الخطايا والزَلَل والعثار، يخصّه الله بذلك؛ ليكون حجّته على عباده وشاهده على خَلْقه، وذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (٣) .

وأحاديث أُخرى:

- عن المفضل بن عمر قال: قال أبو عبد الله: (إنّ سليمان وَرِثَ داود، وإنّ محمّداً وَرِثَ سليمان، وإنّا وَرِثْنَا محمّداً، وإنّ عندنا علم التوراة والإنجيل والزبور، وتبيان ما في الألواح.

قال: قلتُ: إنّ هذا لهو العلم؟

قال: ليس هذا هو العلم، إنّ العلم الذي يحدث يوماً بعد يوم، وساعة بعد ساعة) (٤) .

- عن ضريس الكناسي قال: كنتُ عند أبي عبد الله (عليه السلام) وعنده أبو

____________________

(١) المصدر السابق: ص٢٥٣.

(٢) المصدر السابق: ص٢٥٤.

(٣) أصول الكافي: ج١ ص٢٠٢.

(٤) المصدر السابق: ص٢٢٤.

٢٠٧

بصير، فقال أبو عبد الله: (إنّ داود وَرِثَ علم الأنبياء، وإنّ سليمان ورث داود وإنّ محمّداً (صلَّى الله عليه وآله) ورث سليمان، وإنّا ورثنا محمّداً(صلَّى الله عليه وآله) وإنّ عندنا صحف إبراهيم وألواح موسى، فقال أبو بصير: إنّ هذا لهو العلم، فقال: يا أبا محمّد ليس هذا هو العلم، إنّما العلم ما يحدث بالليل والنهار، يوماً بيوم وساعة بساعة) (١) .

- عن محمّد بن مسلم قال: ذكر المحدّث عن أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: (إنّه يسمع الصوت ولا يرى الشخص.

فقلتُ له: جُعلتُ فداك كيف يعلم أنّه كلام الملك؟

قال: إنّه يعطي السكينة والوقار حتّى يعلم أنّه كلام الملك) (٢) .

- وعن حمران بن أعين عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: قال أبو جعفر: (إنّ عليّاً عليه السلام كان محدَّثاً.

فخرجتُ إلى أصحابي فقلتُ: جئتُكم بعجيبة.

فقالوا: وما هي؟

فقلتُ: سمعتُ أبا جعفر (عليه السلام) يقول: كان عليٌّ محدَّثاً.

فقالوا: ما صنعتَ شيئاً، أَلاَ سَأَلْتَهُ مَن كان يُحَدِّثُهُ؟

فرجعتُ إليه فقلتُ: إنّي حدّثتُ أصحابي بما حدّثْتَنِي، فقالوا: ما صنعتَ شيئاً، أَلاَ سألتَهُ مَنْ كان يُحَدِّثُهُ؟

فقال لي: يُحدِّثه مَلَك.

قلتُ: تقول: إنّه نبي؟

قال: فَحَرَّكَ يَدَهُ - هكذا (أي نافياً) - أو كصاحب سليمان أو كصاحب موسى أو كَذِي القرنين، أَوَ مَا بَلَغَكُم أنّه قال: وَفِْيُكم مِثْلُه) (٣) .

- وكتب الحسن بن العبّاس المعروفي إلى الرضا (عليه السلام) قال: جعلتُ فداك أخبرني ما الفرق بين الرسول والنبي والإمام؟

قال: فكتب أو قال: (الفرق بين الرسول والنبي والإمام: إنّ الرسول الذي ينزل عليه جبريل فيراه ويسمع

____________________

(١) المصدر السابق: ص٢٢٥.

(٢) المصدر السابق: ص٢٧١.

(٣) المصدر السابق.

٢٠٨

كلامه، وتنَزَّل عليه الوحي وربّما رأى في منامه نحو رؤيا إبراهيم. والنبي: ربّما سمع الكلام، وربّما رأى الشخص ولم يسمع. والإمام: هو الذي يسمع الكلام ولا يرى الشخص) (١) .

- وعن الأحول قال: سألتُ أبا جعفر(عليه السلام) عن الرسول والنبي والمحدّث قال: (الرسول: الذي يأتيه جبرئيل قبلاً فيراه ويكلّمه فهذا الرسول، وأمّا النبي: فهو الذي يرى في منامه نحو رؤيا إبراهيم ونحو ما كان من عند الله بالرسالة، وكان محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) حين جمع له النبوّة وجاءتْهُ الرسالة من عند الله يجيئه بها جبريل ويكلّمه بها قبلاً، ومن الأنبياء مَن جمع له النبوّة ويرى في منامه ويأتيه الروح ويكلّمه ويحدّثه، من غير أنْ يكون يرى في اليقظة، وأمّا المحدَّث فهو الذي يُحدَّث، ولا يُعايِن ولا يرى في منامه) (٢) .

- وعن جماعة بن سعد قال: كان المفضّل عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقال له المفضّل: جُعلتُ فداك، يفرض الله طاعة عبد على العباد ويحجب عنه خبر السماء؟

قال: (لا، الله أكرم وأرحم وأرأف بعباده مِن أنْ يفرض طاعة عبد على العباد ثمّ يحجب عنه خبر السماء صباحاً ومساءً) (٣) .

وأحاديث أُخرى أيضاً:

- عن أبي حمزة قال: سمعتُ أبا جعفر (عليه السلام) يقول: (لا والله لا يكون عالم جاهلاً أبداً، عالماً بشيء جاهلاً بشيء.

ثمّ قال: الله أجلّ وأعزّ وأكرم مِن أَنْ يفرض طاعة عبد يحجب عنه علم سمائه وأرضه.

ثمّ قال: لا يُحجب

____________________

(١) أصول الكافي: ج١، ص١٧٦.

(٢) المصدر السابق.

(٣) أصول الكافي: ج١ ص٢٦١.

٢٠٩

ذلك عنه) (١) .

- وفي خطبة لأمير المؤمنين علي (عليه السلام) جاء فيها: ولقد كان (سيّدنا محمّد صلَّى الله عليه وآله وسلّم) يجاور في كلّ سنة بحراء، فأَرَاهُ ولا يراه غيري، ولم يَجمع بيتٌ واحد يومئذٍ في الإسلام غير رسول الله صلَّى الله عليه وآله وخديجة وأَنَا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة، وأشمّ رِيْح النبوّة، ولقد سمعتُ رنّة الشيطان حين نزل الوحي عليه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم). فقلتُ يا رسول الله ما هذه الرنّة؟

فقال: (هذا الشيطان قد أيس من عبادته. إنّك تَسمع ما أسمع وترى ما أرى، إلاّ أنّك لستَ بِنَبِي ولكنّك لَوَزِيْرٌ، وإنّك لعلى خير) (٢) .

- عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (إنّا نُزَادُ في الليل والنهار ولولا أنّا نُزَادُ لنفد ما عندنا.

فقال أبو بصير: جُعلتُ فداك مَن يأتيكم؟

قال: إنّ منّا لَمَنْ يُعَايِن معاينة، ومنّا مَن يُنقر في قلبه كيت وكيت، ومنّا مَن يَسمع بإذنه وقعاً كوقع السلسلة في الطست.

قال: قلتُ: جَعلني الله فداك مَن يأتيكم؟

قال: هو خلق أكبر من جبرائيل وميكائيل) (٣) .

- عن الباقر (عليه السلام) قال: (كان علي (عليه السلام) يعمل بكتاب الله وسُنّة نبيّه، فإذا ورد عليه الشيء الحادث الذي ليس في الكتاب ولا في السُنّة أَلْهَمَهُ الله الحقّ فيه إلهاماً، وذلك والله من المعضلات) (٤) .

- وعن عيسى بن حمزة الثقفي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إنّا

____________________

(١) المصدر السابق: ص٢٦٢.

(٢) نهج البلاغة: الخطبة ١٨٧.

(٣) بحار الأنوار: ج٢٦ ص٥٤.

(٤) المصدر السابق: ص٥٥.

٢١٠

نسألك أحياناً تتسرّع في الجواب وأحياناً تطرق ثمّ تجيبنا؟

قال: (نعم، إنّه ينكت في آذاننا وقلوبنا، فإذا نكت نطقنا، وإذا أمسك أمسكنا) (١) .

- عن الحسن بن يحيى المدائني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلتُ له: أخبرني عن الإمام إذا سُئل كيف يُجيب؟

فقال: (إلهام وسماع وربّما كان جميعاً) (٢) .

- وعن الحارث بن المغيرة قال: قلتُ لأبي عبد الله: هذا العلم الذي يعلمه عالِمكم أَشَيء يُلقَى في قلبه أو ينكت في أُذُنِهِ؟

فسكت حتّى غفل القوم، ثمّ قال: (ذاك وذاك) (٣) .

- عن سليمان الديلمي قال: سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) فقلتُ: جعلتُ فداك سمعتُك وأنت تقول غير مرّة: (لولا أنّا نزاد لأنفدنا).

قال: (أمّا الحلال والحرام فقد والله أنزله الله على نبيّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) بكماله، وما يزاد الامام في حلال ولا حرام) (٤) .

وهذا غيض من فيض الروايات والأحاديث التي تُشير إلى أنّ الأئمّة من أهل البيت - وبما حَبَاهُم الله من الطهر، وجبلهم عليه من عصمة - كانوا محلاًّ لفيوضات الغيب، يستلهمون الحقائق وتتدفّق في قلوبهم ينابيع الحكمة والكمال والحقيقة.

____________________

(١) المصدر السابق: ص٥٧.

(٢) بحار الأنوار: ج٢٦ ص٥٨.

(٣) المصدر السابق.

(٤) بحار الأنوار: ج٢٦ ص٩٢.

٢١١

الفرق بين الإمام والنبي

* إشكال:

قد يُثار إشكال مفاده: أنّه لا فرق إذن بين الإمام والنبي مادام كلاهما على ارتباط بعالم الغيب، وإذا كان هناك مِن فرق فما هو؟

وما هو موقفنا إزاء الروايات التي تؤكِّد انقطاع الوحي بوفاة سيّدنا محمّد (صلَّى الله عليه وآله)؟

فعن علي (عليه السلام) قال: (أرسله على حين فترة من الرسل وتنازع من الألسن، فقضى به الرسل وختم به الوحي) (١) .

وقال في مناسبة أُخرى: (بأبي أنت وأُمي يا رسول الله، لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك من النبوّة والأنباء وأخبار السماء) (٢) .

* الجواب:

هناك من الروايات ما يؤكِّد ظاهرة الإلهام، وأنّه من أشكال الارتباط بالغيب، خصّ الله الأئمّة المعصومين المطهّرين، وهي تؤكّد أيضاً الفوارق بين الإمام والنبي.

____________________

(١) نهج البلاغة: ج٢ ص٢٢.

(٢) نهج البلاغة: الخطبة ٢٣٠.

٢١٢

الفارق الأوّل:

إنّ الروايات والأخبار تؤكّد على أنّ الإمام ليس مشرِّعاً، ومعنى هذا أنّه أخذ الشريعة عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، فلقد أولى سيّدنا محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) عليّاً اهتماماً خاصّاً، وراح يعدّه خَلَفَاً من بعده، فعلّمه التنزيل والتأويل وفتح له آفاق المعرفة وفجّر له ينابيع العلم والحكمة.

وإذن، فقد أخذ عليٌّ علومَه عن رسول الله، ثمّ أورثها الأئمّة من بعده، فالأئمّة تابعون لرسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) في كلّ ما جاء به من الحلال والحرام؛ ولذا كانوا يقولون: إنّا خزّان علم الرسالة وورثة علوم الوحي، ولقد كان رسول الله يُمْلِي وكان علي يخطّ بيده؛ ليكون ذلك ميراثاً للأئمّة عن صاحب الرسالة (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، ولذا كانوا أعلم الناس بـ:

- الناسخ والمنسوخ.

- والمحكم والمتشابه.

- والتأويل والتنزيل من آي الذكر الحكيم.

وكانوا يؤكّدون أنّ أحاديثهم إنّما هي أحاديث الآباء والأجداد عن علي عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).

الفارق الثاني:

بالرغم من أنّ الأحاديث تؤكّد حالة الوحي والإلهام للأئمّة (عليهم السلام)، ولكنّ هذه الحالة تختلف تماماً مع وحي الأنبياء:

فالنبي: مرتبط بالغيب بشكلٍ مباشر وهو يُشاهد الملك ويسمع صوته.

أمّا الإمام: فلا يرى الملك ولكن ما يحدث هو قذف في القلب، وإلقاء في النفس، أو وقع في الأُذُن.

وبتعبير الأئمّة نقر في الأذن ، وبهذه الوسيلة كانوا يطّلعون على عالم الحقائق، ومن هنا فوحي الأئمّة يشبه الوحي لـ (أُم موسى) و (ذي القرنين) وجليس سليمان (عليه السلام).

الفارق الثالث:

إنّ الأنبياء - وكما قلنا - على ارتباط مباشر بعالم الغيب ولم

٢١٣

يكونوا يحتاجون في ذلك إلى أحد، غير أنّ الأئمّة يستندون إلى النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، فَعَنْهُ أخذوا علوم الرسالة وأسرار الوحي والنبوّة، وهو الذي فجّر لهم ينابيع العلم والحكمة والمعرفة، فكل ما يفيض عن الإمام هو من النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، بل وكلّ ما يُلقى في روعه ويقذف في قلبه وفؤاده يُعرض على النبي أوّلاً ثمّ الإمام.

شواهد:

وهذا ما تؤكّده الأحاديث المرويّة، وهذه أمثلة:

- عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (إنّما الوقوف علينا في الحلال والحرام فأمّا النبوّة فلا) (١) .

- وعن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: (إنّ عليّاً كان محدَّثاً . فقلتُ [الرواي]: فتقول إنّه نبي؟ قال: فحرّك بيده هكذا (نافياً) ثمّ قال: أو كصاحب موسى أو كذي القرنين. أَوَمَا بَلَغَكُم أنّه قال وفيكم مِثْلُه؟) (٢) .

- وعن بريد بن معاوية عن أبي جعفر أو أبي عبد الله(عليه السلام) قال: قلتُ له: ما منزلتكم ومَن تشبهون مِمَّن مضى؟

قال: (صاحب موسى وذو القرنين. كانا عالمين ولم يكونا نبيّين) (٣) .

- عن محمّد بن مسلم قال: سمعتُ أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (الأئمّة بمنزلة رسول الله إلاّ أنّهم ليسوا بأنبياء، ولا يحلّ لهم مِن النساء ما يحلّ للنبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، فأمّا ما خلا ذلك فهم فيه بمنزلة رسول الله صلَّى الله

____________________

(١) أصول الكافي: ج١ ص٢٦٨.

(٢) المصدر السابق: ٢٦٩.

(٣) المصدر السابق.

٢١٤

عليه وآله) (١) .

- عن محمّد بن سليمان الديلمي عن أبيه قال: سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) فقلتُ: جُعلتُ فداك سمعتُك وأنت تقول غير مرّة: (لولا أنّا نُزاد لأنفدنا.

قال: (أمّا الحلال والحرام فقد - والله - أنزله الله على نبيّه بكماله، وما يُزاد الإمام في الحلال والحرام) (٢) .

- عن عبد الله بن عجلان عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: ( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) .

قال: (هي في علي، والأئمّة جعلهم الله مواضع الأنبياء، غير أنّهم لا يحلّون شيئاً ولا يحرّمونه) (٣) .

- عن سدير الصيرفي قال: قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): إنّ قوماً يزعمون أنّكم آلهة، يتلون علينا قرآناً: ( وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ ) ؟

فقال: يا سدير سمعي وبصري وبشري ولحمي ودمي وشعري من هؤلاء براء وبَرِئَ الله منهم، ما هو على ديني ولا على دين آبائي، والله لا يجمعني الله وإيّاهم يوم القيامة إلاّ وهو ساخط عليهم.

قال: قلتُ: وعندنا قوم يزعمون أنّكم رسل يقرؤون علينا بذلك قرآناً: ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) ؟

فقال: يا سدير سمعي وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمي من هؤلاء براء وَبَرِئَ الله منهم ورسوله، ما هؤلاء على ديني ولا على دين آبائي، والله لا يجمعني الله وإيّاهم يوم القيامة إلاّ وهو ساخط عليهم.

قال: قلتُ: فما أنتم؟

قال: نحن خزّان علم الله، نحن تراجمة أمر الله، نحن قوم معصومون، أمر الله تبارك وتعالى بطاعتنا ونهى عن معصيتنا، نحن الحجّة البالغة على مَنْ دون

____________________

(١) المصدر السابق: ص٢٧٠.

(٢) بحار الأنوار: ج٢٦ ص٩٢.

(٣) إثبات الهداة: ج٣ ص٤٨.

٢١٥

السماء وفوق الأرض) (١) .

- عن الصادق (عليه السلام) قال: (ليس شيء يخرج من الله حتّى يبدأ برسول الله صلَّى الله عليه وآله، ثمّ بأمير المؤمنين (عليه السلام)، ثمّ واحداً بعد واحد؛ لكي لا يكون آخرنا أعلم من أولنا) (٢) .

- عن محمّد بن مسلم قال: ذكرتُ المحدَّث عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: (إنّه يسمع الصوت ولا يرى.

فقلت: أصلحك الله، كيف يعلم أنّه كلام الملك؟

قال: إنّه يعطى السكينة والوقار حتّى يعلم أنّه ملك) (٣) .

- عن الصادق (عليه السلام) قال: (علّم رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) عليّاً ألف باب يُفتح من كلّ باب ألف باب) (٤) .

ومن خلال هذه الأحاديث ينبغي أنْ نفهم أنّ كيفية التعليم تختلف في طريقتها عمّا هو متعارف بين الناس في أخذ العلوم واكتساب المعرفة، وإلاّ كيف يمكن أنْ نتصوّر أنّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) - وخلال زمن ربّما لم يستغرق ساعة - قد علّم عليّاً ألفَ باب من العلم، ينفتح عن كلّ بابٍ ألفُ باب؟

وإذن، فهناك طرق أخرى ربّما كانت تكوينيّة وهداية باطنيّة، ولعلّها طاقة النبوّة وفيض من الوحي انعكس عن قلب الرسول فأضاء قلب علي خليفته ووصيّه.

____________________

(١) أصول الكافي: ج١ ص٢٦٩.

(٢) بحار الأنوار: ج٢٦ ص٩٢.

(٣) المصدر السابق: ص٦٨.

(٤) بحار الأنوار: ج٢٦ ص٢٨.

٢١٦

عالم الغيب

عالم الشهادة:

* الغيب:

هو عكس الشهود، وعالم ما وراء الحواس الخمس، فكلّ ما تدركه الحواس يُعَدّ شهوداً، فالمادّة وخواصّها وكلّ ما هو قابل للإدراك من الموادّ ذاتها أو خواصّها وصفاتها تنطوي تحت عالم الشهادة، وهي:

- إمّا مرئيّة تُدرَك بالأبصار.

- أو سمعيّة تُدرَك من خلال الأسماع.

- أو رائحة تُدرَك بحاسّة الشمّ.

- أو لها طعم تُدرَك من خلال حاسّة الذوق.

- أو لَمِْسيّة تُدرَك باللمس، حتّى الطاقة الكهربائيّة والذرّة والجراثيم وغيرها هي الأُخرى تُعَدّ من عالم الشهادة، حتّى وإنْ تعذّرتْ الحواس من الإحاطة بها؛ لأنّها قابلة للرؤية وإنْ تعذّرتْ بسبب صغرها المتناهي، فلو أمكننا صُنْع أجهزة تكبير فائقة لأمكن رؤيتها، وإذن فهي قابلة للرؤية.

ومن هنا فإنّ بعض الموادّ وإنْ تعذّرتْ رؤيتها أو الإحاطة بها من خلال إحدى الحواس، إلاّ أنّها لا تُعَدّ جزءاً من عالم الغيب؛ لأنّ الإنسان مركّب بطريقة محدودة، أي إنّ لحواسّه قابليّات محدودة، ومن المحتمل جدّاً وجود حيوانات تفوق الإنسان في قابليّتها للسمع والرؤية والشمّ.

كما أنّ إدراك آثار تلك الأشياء وصفاتها يجعلها بالتالي ضمن عالم الشهود.

٢١٧

عالم الغيب:

وتنطوي فيه كلّ ما لا تدركه الحواس بذاته أو صفاته من قبيل يوم المعاد والقيامة، الجنّة، الجحيم، الثواب، والجزاء في الآخرة، صفات الله، والملائكة، فكلّ هذه الأشياء وغيرها ممّا لا تُدركه الحواس هو جزء من الغيب.

إنّنا لا يمكننا رؤية الملائكة؛ لأنّها خارجة عن حواسنا، لا لأنّها صغيرة متناهية الصغر، ولا لأنّها شفّافة بَالِغَة الشفافية، بل لأنّها موجودات أسمى من الحواس، وهي خارج إدراكاتنا المحدودة؛ لأنّنا موجودات زمانيّة وهي موجودات خارج الزمان، وإذن، فكلّ الموجودات التي لا يمكن للحواس البشريّة إدراكها هي جزء من عالم الغيب، ولا طريق لإدراكها إلاّ بالعقل وإرشاد من اطّلع على عالم الغيب ومن خلال الإيمان والعقيدة الدينيّة، وما نحصل عليه من معارف وعلوم هو ليس علم حضوري ولا شهودي، وهو من قبيل الإيمان بالجنّة والاعتقاد بالجحيم.

فنحن لا نملك عن عالم الغيب سوى سلسلة من المفاهيم والصور العلميّة التي لا يمكن تصوّرها والإحاطة بها، لا لقصور ذاتي فيها، بل لعجز حواسّنا عن إدراكها، وإذن يمكن القول إنّنا نحن الذين نعيش حالة الغياب عن حقائق العالم وحقيقته.

على أنّ إدراكنا للأجسام وخواصّها يأتي بسبب التناسب بينها وبين حواسنا، وبتعبير آخر بسبب توحّد سنخيَّتها.

فمثلاً:

إنّنا لا ندرك ظاهرة مادّية ما إلاّ في ذات الزمن الذي توجد فيه، فحادثة وقعتْ قبل ألفَي سنة أو بعد ألفَي سنة لا يمكن لحواسّنا إدراكها، كما إنّنا لا ندرك بصريّاً الأشياء التي تقع خارج مدياتالرؤية.

٢١٨

وقد نرى أشياء بعيدة جدّاً باستخدام النواظير المقرِّبة: وهي آلات تعزّز من قدرة الرؤية لدينا؛ أو إنّنا لا نُدرِك وجود الأشياء مع قربها؛ لوجود حواجز بيننا وبينها، وقد يمكننا اختراع آلات معيَّنة من شأنها رفع هذا الحاجز وتجعله عديم التأثير.

والخلاصة: فإنّ مديات الحواس وطبيعة إدراكاتها هي الأُخرى محدودة ومشروطة وخاضعة لدائرة معيَّنة، لا يمكنها أنْ تتجاوزها إلى نطاق مطلق أو بلا قيد أو شرط.

الغيب والشهود:

إنّ الحوادث التي تعدّ غيباً بالنسبة لحواسّنا، هي بالنسبة لخالق العالَم شهادة وحضور؛ ذلك أنّ وجوده لا تحدّه حدود بل هو محيط بما خَلَقَ، خارج عن إطار الزمان؛ لأنّه خالق الزمان والمكان، ولا معنى عنده للماضي والحاضر والمستقبل.

وإذن، فالطوفان الذي أغرق العالم زمن نوح هو بالنسبة لدينا من عالم الغيب، ولكنّه بالنسبة لله حضور وشهود، والحوادث التي ستقع بعد مئة ألف سنة هي غيب بالنسبة لنا وحضور بالنسبة لله، وكذا الجنّة والجحيم.

والخلاصة: فإنّ العلوم التي نكتسبها من خلال الحواس الخمس لا تُعدّ جزءاً من العلم بالغيب، أمّا المعارف التي نحصل عليها خارج إطار الحواس فهي من عالم الغيب.

وبتعبير آخر: إنّ البراهين العقليّة أثبتتْ في محلّها أنّ كل الحوادث والظواهر

٢١٩

في عالم المادّة لا تُفْنَى، وأنّها تحقّق بشكل أكمل في عالم آخر، عالم غير مرئي، عالم هو أسمى من العالم الذي نحيا فيه، وإذنْ، فالإنسان الذي يستخدم حواسّه حتّى يمكنه إدراك ظواهر الأشياء ويجد طريقه إلى عالم الواقع، فإنّ هذا العِلْم لا يُعدّ عِلْمَاً للغيب، أمّا إذا أعمل بصيرته وشاهد الملكوت وحقائق الأشياء، وطوى طريق الباطن ومرحلة الكمال ولم يكن لحواسّه في ذلك من دور، فإنّ عِلْمَاً كهذا هو علم للغيب.

الغيب والشهادة في القرآن:

* استخدم القرآن مصطلح الغيب في مقابل الشهادة كما في قوله تعالى:

- ( عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ) (١) .

- ( عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ ) (٢) .

- ( ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) (٣) .

- ( عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ ) (٤) .

* كما أشار إلى مرتبتَين وجوديَّتَين، حيث مرحلة الباطن هي الغيب، وهو من مختصّات الله سبحانه:

- ( وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ) (٥) .

- ( إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ) (٦) .

____________________

(١) الأنعام: الآية ٧٣.

(٢) الرعد: الآية ٩.

(٣) الجمعة: الآية ٨.

(٤) الزمر: الآية ٤٦.

(٥) هود: الآية ١٢٣.

(٦) الحجرات: الآية ١٨.

٢٢٠

- ( إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ) (1) .

* كما عَدَّ القرآن الحوادث الماضية من أنباء الغيب، كقوله تعالى:

- ( ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ) (2) .

- ( ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ) (3) ، وقد جاءتْ هذه الآية في معرض الحديث عن قصّة يوسف (عليه السلام).

- ( تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ ) (4) ، وهذه في معرض الحديث عن حوادث وقعت في زمن نوح (عليه السلام).

- ( أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ) (5) ، وهؤلاء كانوا الجنّ الذين سُخِّروا للعمل في خدمة سليمان (عليه السلام).

____________________

(1) البقرة: الآية 33.

(2) آل عمران: الآية 44.

(3) يوسف: الآية 102.

(4) هود: الآية 49.

(5) سبأ: الآية 14.

٢٢١

هل أنّ عِلْم الغيب من مختصّات الله عزّ وجل؟

لا ريب في أنّ الله محيط بعالم الوجود، والغيب والشهادة لديه سواء، ولا يبقى معنىً للزمان والمكان؛ لأنّ وجوده سبحانه مطلق لا يحدّه حدّ، لا يَغيب عن علمه مثقال ذرّة، كما هو محيط بعالم الشهود فهو محيط بعوالم الغيب؛ لأنّه الله خالق كلّ شيءٍ ربّ العالمين.

* والحديث هنا:

- هل هناك مَن يعلم الغيب غير الله؟

- وهل يمكن للإنسان الاتّصال والاطّلاع على عالم الغيب؟

* يقول البعض أنّ علم الغيب من مختصات الذات الإلهية لا يشاركه فيها أحد من العالمين حتى الأنبياء، ويستدلّون على ذلك بطائفة من الآيات الكريمة:

- ( وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاّ هُوَ ) (1) .

- ( وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ ) (2) .

- ( قُلْ لاَ يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ) (3) .

____________________

(1) الأنعام: الآية: 59.

(2) يونس: الآية 20.

(3) النمل: الآية 65.

٢٢٢

إضافة إلى آيات أُخرى تصرّح بعجز الأنبياء عن معرفة الغيب:

- ( قُلْ لاَ أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ ) (1) .

- ( قُلْ لاَ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) (2) .

- ( وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ ) (3) .

* الجواب:

في معرض الإجابة عن هذا الإشكال نقول:

إنّ معطيات الآيات المذكورة وبشكل عام هي أنّ الغيب من مختصّات الله عزّ وجل لا يشركه فيه أحد، فلا يغيب عنه مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء، وإنّ الأنبياء لا يعلمون شيئاً إلاّ ما علّمهم الله سبحانه، ومن هنا فَمِن الممكن أنْ يُطْلِعَ اللهُ عزّ وجلّ بعضَ عباده على بعض المغيَّبات كجزء مِن فيضه عزّ وجل على رُسُلِهِ، وهناك من الآيات القرآنيّة ما يعضد ذلك كقوله تعالى:

- ( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً ) (4) .

- ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ

____________________

(1) الأنعام: الآية 50.

(2) الأعراف: الآية 188.

(3) هود: الآية 31.

(4) الجن: الآية 26 - 27.

٢٢٣

يَشَاءُ ) (1) .

- ( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ * وَلَقَدْ رَآَهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ * وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ ) (2) .

- ( ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ) (3) .

- ( تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ ) (4) .

وكثيرة هي الآيات التي تفيد بأنّ الغيب من مختصّات الله سبحانه يفيض بها على بعض عباده، بل إنّ ظاهرة الوحي والنبوّة هي شكل من أشكال العلاقة بين الإنسان وعالم الغيب التي لا يمكن فكّ رموزها، إذ يتعذّر علينا تفسير الطريقة التي يتمّ بها اتّصال الرسل بالملائكة وعالَم الغيب، وهي في كلّ الأحوال من ألطاف الله عزّ وجل تنعكس على القلوب المؤمنة التي طهّرها الله من الرجس.

ومهما بلغتْ مرتبة أولئك الأفراد من الشأن والمنزلة فليس بمقدورهم الاطّلاع على عالم الغيب بشكل مطلق. إنّهم يظلّون في دائرة محدودة وفي حدود المشيئة الإلهيّة والإرادة الربّانيّة.

ومن خلال الجَمْع بين الطائفتَين من الآيات التي تجعل إحداهما الغيب من مختصّات الذات الإلهية، والأُخرى التي تفيد بأنّ الرسل يطّلعون على جزء من الغيّبيات، نستخلص أنّ الله عزّ وجل يتلطّف على بعض عباده فيُطْلعهم على جزء من المغيّبات؛ من أجل صقل نفوسهم وإضاءة قلوبهم وتسديدهم في مهامّهم

____________________

(1) آل عمران: الآية 179.

(2) التكوير: الآية 19 - 24.

(3) آل عمران: الآية 44 / يوسف: الآية 102.

(4) هود: الآية 49.

٢٢٤

الرساليّة.

وفي سوى ذلك يبقى الرسل والأنبياء كسائر البشر لا يعرفون شيئاً سوى الوحي وما تخبره السماء:

- ( قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ ) (1) .

- ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ) (2) .

- ( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) (3) .

- ( مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلإَِ الأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ ) (4) .

الإمام وعلم الغيب:

بحثنا فيما مضى أنّ الله عزّ وجل هو عالِم الغيب والشهادة وأنّه سبحانه يفيض على بعض عباده بالمغيّبات، وأنّه من لطف الله انّه يوحي إلى عباده ويَصطفِي منهم، فيُطْلِعهم على عالَم الغيب.

* والسؤال هنا:

هل يمكن للإمام الارتباط بعالَم الغيب أَمْ لا؟

* إنّ الأحاديث التي تفيد بهذه الناحية تنقسم إلى طوائف:

____________________

(1) الأحقاف: الآية 9.

(2) التوبة: الآية 101.

(3) الإسراء: الآية 36.

(4) ص: الآية 69.

٢٢٥

الأولى:

بحثناها في مصادر علم الإمام، وقلنا إنّ أحدها الإلهام، حيث يقذف الله الحقائق في قلب الإمام. فالإلهام يختلف عن وحي الأنبياء، والإمام لا يرى المَلَك ولكنّه يستمع إلى وقع في الأُذُن، وإنّ الأئمّة الطاهرين يُزادون، وإلاّ نفد ما عندهم، وإذنْ،فهناك شكل من أشكال الارتباط بعالم الغيب.

الثانية:

وتفيد بأنّ الأئمّة على ارتباط بأخبار السماء؛ لأنّ الله أكرم من أنْ يفرض على الناس طاعة بعض عباده ثمّ يحجب عنهم أخبار السماء.

أحاديث:

- عن ضريس الكناسي قال: سمعتُ أبا جعفر (عليه السلام) يقول - وعنده أُناس من أصحابه -: (عجبتُ من قوم يتولَّونا ويجعلونا أئمّةً، ويصفون أنّ طاعتنا مفترضة عليهم كطاعة رسول الله صلَّى الله عليه وآله، ثمّ يكسرون محبّتهم ويخصمون أنفسهم بضعف قلوبهم، فينقصونا حقّنا ويعيبون ذلك على مَن أعطاه الله برهان حقّ معرفتنا والتسليم لأمرنا، أترون أنّ الله تبارك وتعالى افترض طاعة أوليائه على عباده، ثمّ يُخفي عنهم أخبار السماوات والأرض ويقطع عنهم موادّ العلم فيما يَرِدُ عليهم ممّا فيه قوام دينهم؟!) (1) .

- وعن جماعة بن سعد الخثعمي أنّه قال: كان المفضّل عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقال له المفضل: جُعلتُ فداك يفرض الله طاعة عبد على العباد

____________________

(1) أصول الكافي: ج1 ص261.

٢٢٦

ويحجب عنه خبر السماء؟

قال: (لا، الله أكرم وأرحم وأرأف بعباده من أنْ يفرض طاعةَ عبدٍ على العباد، ثمّ يحجب عنه خبر السماء صباحاً ومساءً) (1) .

- وعن صفوان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إنّ الله أجلّ وأعظم مِن أنْ يحتجّ بعبد من عباده، ثمّ يخفي عنه شيئاً من أخبار السماء والأرض) (2) .

- وعن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: (سئل علي (عليه السلام) عن النبي (صلَّى الله عليه وآله) فقال: علم النبي علم جميع النبيّين، وعلم ما كان وعلم ما هو كائن إلى قيام الساعة.

ثمّ قال: والذي نفسي بيده إني لأعلم علم النبي (صلَّى الله عليه وآله) وعلم ما كان وعلم ما هو كائن فيما بيني وبين قيام الساعة) (3) .

- وعن عبد الأعلى وعبيدة بن عبد الله بن بشر الخثعمي وعبد الله بن بشير أنّهم سمعوا أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (إِّني لأعلم ما في السموات وأعلم ما في الأرضين، وأعلم ما في الجنّة، وأعلم ما في النار، وأعلم ما هو كائن وما يكون.

ثمّ مكث هنيئة فرأى أنّ ذلك كبر على مَن سَمِعَهُ فقال: علمتُ من كتاب الله أنّ الله يقول: فيه تبيان كلّ شيء) (4) .

- وعن أبي بصير قال: قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): هل رأى محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ملكوت السموات والأرض كما رأى إبراهيم؟

قال: (نعم، وصاحبكم) (5) .

____________________

(1) أصول الكافي: ج1 ص261.

(2) بحار الأنوار: ج26 ص110.

(3) بحار الأنوار: ج26 ص110.

(4) بحار الأنوار: ج26 ص111.

(5) بحار الأنوار: ج26 ص115.

٢٢٧

- عن ابن مسكان قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ( وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ) قال: (كُشِطَ لإبراهيم (عليه السلام) السماوات السبع حتّى نظر إلى ما فوق العرش وكُشط له الأرض حتّى رأى ما في الهواء، وفُعل بمحمّد(صلَّى الله عليه وآله) مثل ذلك وإنّي لأرى صاحبكم والأئمّة من بعده قد فعل بهم مثل ذلك) (1) .

- وعن علي (عليه السلام) قال: (أيُّها الناس سلوني قبل أنْ تفقدوني فلأنا بطرق السماء أعلم منّي بطرق الأرض) (2) .

وأحاديث أُخرى:

- عن الصادق (عليه السلام) قال: (والله لقد أُعطينا علم الأوّلين والآخرين.

فقال له رجل من أصحابه: جُعلتُ فداك أعندكم علم الغيب؟

فقال: ويحك إنّي لأعلم ما في أصلاب الرجال وأرحام النساء، وَيْحَكُم وسّعوا صدورَكم ولْتُبْصِر أَعْيُنُكُم وَلْتَعِ قُلُوبُكُم، فنحن حجّة الله تعالى في خَلْقه، ولَنْ يسع ذلك إلاّ صدرُ مؤمنٍ قوي قوّته كقوّة جبال تهامة إلاّ بإذن الله، والله لو أَرَدْتُ أَنْ أُحصي لكم كلّ حصاة عليها لأخبرتكم، وما مِن يوم وليلة إلاّ والحصى تلد إيلاداً كما يلد هذا الخلق، والله لتتباغضون بعدي حتّى يأكل بعضكم بعضاً) (3) .

- وعن أبي بكر الحضرمي قال: قال لي أبو عبد الله(عليه السلام): (يا أبا بكر ما يخفى عليّ شيء من بلادكم) (4) .

____________________

(1) بحار الأنوار: ج26 ص114.

(2) ينابيع المودّة: ص76.

(3) بحار الأنوار: ج26 ص27.

(4) المصدر السابق: ص136.

٢٢٨

- وعن علي بن إسماعيل الأزرق قال: قال أبو عبد الله: (إنّ الله أحكم وأكرم وأجلّ وأعظم وأعدل مِن أَنْ يحتجّ بحجّة، ثمّ يغيّب عنه شيئاً من أمورهم) (1) .

- وعن أمير المؤمنين في حديث له مع رميلة قال: (يا رميلة ليس يغيب عنّا مؤمن في شرق الأرض ولا في غربها) (2) .

- وعن المفضّل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (أُعطيت تسعاً لم يعطها أحدٌ قبلي سوى النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): لقد فُتحتْ لي السُبُل، وعلمتُ المنايا والبلايا والأنساب وفصْل الخطاب، ولقد نظرتُ في الملكوت بإذن ربي فما غاب عنِّي ما كان قبلكم ولا ما يأتي بعدي، وأنّ بولايتي أَكمل اللهُ لهذه الأُمّة دينهم وأتمّ عليهم النِعَم ورضي لهم إسلامهم، إذ يقول يوم الولاية لمحمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) يا محمّد أخبرهم أنّي أكملتُ لهم اليوم دينَهم وأتممتُ عليهم النِعَم ورَضِيْتُ إسلامهم، كلّ ذلك منّاً من الله عليّ فله الحمد) (3) .

____________________

(1) المصدر السابق: ص138.

(2) المصدر السابق: ص140.

(3) المصدر السابق: ص141.

٢٢٩

أنباء الغيب

وطائفة من الأحاديث ثالثة:

وفيها حشد من الأحاديث والروايات والحوادث التاريخيّة المشهورة، التي تقطع بأنّ عليّاً (عليه السلام) والأئمّة مِن بعده كانوا يفصحون عن بعض المغيَّبات، وكان ذلك مثاراً لدهشة الناس وقتها.

- فعن محمّد بن علي قال: لمّا قال علي (عليه السلام): (سلوني قبل أنْ تفقدوني، فوالله لا تسألونني عن فئة تُضلّ مائة وتهدي مائة إلاّ أنبأتكم بناعقتها وسائقتها.

قام إليه رجل فقال: أخبرني بما في رأسي ولحيتي من طاقة شعر.

فقال له علي (عليه السلام): والله لقد حدّثني خليلي أنّ على كلّ طاقة شعر من رأسك مَلِكَاً يَلْعَنُك، وأنّ على كلِّ طاقة شعر مِن لحيتك شيطاناً يغويك، وأنّ في بيتك سخلاً يقتل ابن رسول الله صلَّى الله عليه وآله، وكان ابنه قاتل الحسين (عليه السلام) يومئذ طفلاً يحبو، وهو سنان ابن أنس النخعي) (1) .

- عن سويد بن غفلة: أنّ عليّاً (عليه السلام) خطب ذات يوم، فقام رجل مِن تحت منبره، فقال: يا أمير المؤمنين إنّي مررتُ بوادي القرى فوجدتُ خالد بن

____________________

(1) شرح ابن أبي الحديد: ج2 ص286.

٢٣٠

عرفطة قد مات، فاسْتَغْفِر له.

فقال (عليه السلام): (والله ما مات ولا يموت حتّى يقود جيش ضلالة، صاحب لوائه حبيب بن حمار.

فقام رجل آخر من تحت المنبر، فقال: يا أمير المؤمنين، أنا حبيب بن حمار، وإنّي لك شيعة ومحبّ.

فقال: أنت حبيب بن حمار؟ قال: نعم. فقال له ثانية: والله إنّك لحبيب بن حمار؟ فقال: أي والله! قال: أَمَا والله إنّك لحاملها ولتحملنّها، ولتدخلنّ بها هذا الباب، وأشار بها إلى باب الفيل بمسجد الكوفة) (1) .

- وروى عثمان بن سعيد عن يحيى التيمي، عن الأعمش عن إسماعيل بن رجاء، قال: قام أعشى باهلة - (عامر بن الحارث صاحب المرثيّة المشهورة في أخيه) وهو غلام يومئذ حدث - إلى علي (عليه السلام)، وهو يخطب ويذكر الملاحم، فقال: يا أمير المؤمنين ما أشبه هذا الحديث بحديث خرافة!

فقال علي (عليه السلام): (إنْ كنتَ آثما فيما قلتُ يا غلام فرماك الله بغلام ثقيف. ثمّ سكت.

فقام رجال فقالوا: ومَن غلام ثقيف يا أمير المؤمنين؟

قال: غلام يملك بلدتكم هذه، لا يترك لله حرمة إلاّ انتهكها، يضرب عنق هذا الغلام بسيفه.

فقالوا: كم يملك يا أمير المؤمنين؟ قال: عشرين إنْ بلغها. قالوا: فيُقتل قتلاً أَمْ يموت موتاً؟ قال: بل يموت حتف أنفه بداء البطن، يثقب سريره لكثرة ما يخرج من جوفه.

قال إسماعيل بن رجاء: فوالله لقد رأيتُ بعيني أعشى باهلة ، وقد أُحضر في جملة الأسرى الذين أُسروا من جيش عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث بين يدي الحجاج فقرّعه ووبّخه، واستنشده شعره الذي يحرّض فيه عبد الرحمن على الحرب، ثمّ ضرب عنقه في ذلك المجلس) (2) .

____________________

(1) المصدر السابق.

(2) المصدر السابق: ص289.

٢٣١

- عن شمير بن سدير الازدي، قال: قال علي (عليه السلام) لعمرو بن الحمق الخزاعي: (أين نزلتَ يا عمرو؟ قال: في قومي. قال: لا تنزلنّ فيهم. قال: فأنزلُ في بني كنانة جيراننا؟ قال: لا. فأنزل في ثقيف؟ قال: فما تصنع بالمعرّة والمجرّة؟ قال: وما هما؟ قال: عُنُقان من نار يخرجان من ظهر الكوفة، يأتي أحدهما على تميم وبكر بن وائل، فقلّما يفلت منه أحد، ويأتي العنق الآخر، فيأخذ على الجانب الآخر من الكوفة، فقلّ مَن يصيب منهم، إنّما يدخل الدار فيحرق البيت والبيتَين.

قال: فأين أنزل؟ قال: انْزِل في بني عمرو بن عامر، من الأَزْد. قال: فقام قوم حضروا هذا الكلام: ما نراه إلاّ كاهناً يتحدّث بحديث الكَهَنَة. فقال: يا عمرو إنّك لمقتول بعدي، وإنّ رأسك لمنقول، وهو أوّل رأس ينقل في الإسلام، والويل لقاتلك؛ أَمَا إنّك لا تنزل بقوم إلاّ أسلموك برمّتك إلاّ هذا الحيّ من بني عمر بن عامر من الأزد، فإنّهم لنْ يسلّموك ولنْ يخذلوك.

قال: فوالله ما مضتْ الأيّام حتّى تنقّل عمرو بن الحمق في خلافة معاوية في بعض أحياء العرب، خائفاً مذعوراً، حتّى في بني قومه من بني خزاعة، فأسلموه فَقُتِلَ وحُمِلَ رأسُه من العراق إلى معاوية بالشام، وهو أوّل رأس حمل في الإسلام من بلد إلى بلد) (1) .

- دخل جويرية - وكان من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) - على عليٍّ (عليه السلام): وهو مضطجع وعند قوم من أصحابه فناداه جويرية: أيّها النائم، استيقظ، فلتضربنّ على رأسك ضربة تخضب منها لحيتك.

قال (الراوي): فتبسّم أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقال: (وأُحدّثك يا جويرية بأمرك، أَمَا والذي نفسي بيده لَتُعْتَلَنَّ إلى العُتُلّ الزنيم، فليَقطعنّ يدَك ورجلَك تحت جذع كافر.

____________________

(1) المصدر السابق ص290.

٢٣٢

قال: فوالله ما مضتْ الأيّام على ذلك حتّى أَخذ زياد جويرية، فقطع يدَه ورجلَه وصَلَبَهُ إلى جانب جذع ابن مكعبر، وكان جذعاً طويلاً، فصلبه على جذع قصير جانبه) (1) .

- روى إبراهيم في كتاب (الغارات) عن أحمد بن الحسن الميثمي قال: إنّ علياً (عليه السلام) قال لميثم التمّار - وكان من أصحابه والمقرّبين إليه وقد أَطْلَعَهُ (عليه السلام) على عِلْمٍ كثير وأسرار خفيّة، فكان ميثم يُحدّث ببعض ذلك فيَشكّ فيه قومٌ من أهل الكوفة، وينسبون عليّاً في ذلك إلى المخرفة والإيهام والتدليس، حتّى قال له يوماً - بمحضر من خَلْقٍ كثير من أصحابه وفيهم الشاكّ والمخلص: (يا ميثم إنّك تُؤخَذ بعدي وتُصْلَب، فإذا كان اليوم الثاني ابتدر منخراك وفمك دماً، حتّى تُخَضَّب لحيتُك، فإذا كان اليوم الثالث طُعِنْتَ بحربة يُقْضَى عليك، فانتظر ذلك، والموضع الذي تُصلب فيه على باب دار عمرو بن حريث، إنّك لعاشر عشرة أنت أقصرهم خشبة وأقربهم من المطهّرة - يعني الأرض - ولأرينك النخلة التي تُصلب على جذعها، ثمّ أراه إيّاها بعد ذلك بيومين.

وكان ميثم يأتيها، فيصلّي عندها، ويقول: بوركتِ من نخلة لك خُلِقْتُ، ولي نَبَتِّ، فلم يزل يتعاهدها بعد قتل عليّ (عليه السلام) حتّى قُطعتْ فكان يرصد جذعها، ويتعاهده ويتردّد عليه، ويبصّره، وكان يلقى عمرو بن حريث فيقول له: إنّي مجاورك فأحْسِن جواري، فلا يعلم عمرو ما يريد فيقول له: أَتُرِيْدُ أنْ تشتري دارَ ابن مسعود، أَمْ دارَ ابن حكيم؟

قال (الراوي): وحجّ في السنة التي قُتل فيها... فلمّا قدم الكوفة أُخذ وأُدخل على عبيد الله بن زياد وقيل له: هذا كان من آثر الناس عند أبي تراب.

____________________

(1) المصدر السابق.

٢٣٣

قال: وَيْحَكُم هذا الأعجمي؟! قالوا: نعم. فقال له عبيد الله: أين ربّك؟ قال: بالمرصاد. قال: قد بلغني اختصاص أبي تراب لك. قال: قد كان بعض ذلك، فما تريد؟ قال: وإنّه لَيُقَال إنّه أخبرك بما سيلقاك. قال: نعم، إنّه أخبرني. قال: ما الذي أخبرك أنّي صانع بك؟ قال: أَخْبَرَنِي إنّك تصلبني عاشر عشرة، وأنا أقصرهم خشبة، وأقربهم من المطهّرة. قال: لأُخالفنّه. قال: وَيْحَكَ كيف تخالفه إنّما أَخبر عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وأَخبر رسول الله عن جبرئيل، وأَخبر جبرئيل عن الله، فكيف تخالف هؤلاء؟!

أَمَا والله لقد عرفتُ الموضع الذي أُصلب فيه أين هو من الكوفة، وإنّي لأوّل خلق الله أُلْجَم في الإسلام بلجام كما يُلْجَم الخيل.

فَحَبَسَهُ وحَبَسَ معه المختار بن أبي عبيدة الثقفي .

فقال ميثم للمختار وهما في حبس ابن زياد: إنّك تَفْلِتُ وتَخرج ثائراً بدم الحسين (عليه السلام)، فَتَقْتُلُ هذا الجبّار الذي نحن في سجنه وتطأ بقدمك هذا على جبهته وخدّيه.

فلمّا دعا عبيد الله بن زياد بالمختار ليقتله، طلع البريد بكتاب يزيد بن معاوية إلى عبيد الله بن زياد، يأمره بتخلّية سبيله.

وأمّا ميثم فأُخرج بعده ليصلب.

وقال عبيد الله: لأمضينّ حكم أبي تراب فيه.

فَلَقِيَهُ رجلٌ، فقال له: ما كان أغناك عن هذا يا ميثم؟

فتبسّم، وقال: لها خلقت ولي غذيت.

فلمّا رُفع على الخشبة، اجتمع الناس حوله على باب عمرو بن حريث، فقال عمرو: لقد كان يقول لي: إنّي مجاورك، فكان يأمر جاريته كلّ عشية أنْ تكنس تحت خشبته، وتجمّر بالمجمر تحته.

فجعل ميثم يحدّث بفضائل بني هاشم ومخازي بني أُميّة، وهو مصلوب على الخشبة، فقيل لابن زياد: قد فضحكم هذا العبد.

فقال: أَلْجِمُوْهُ، فَأُلْجِمَ، فكان أوّل خَلْق أُلْجِمَ في

٢٣٤

الإسلام، فلمّا كان في اليوم الثاني فاضتْ منخراه وفمه دَمَاً، فلمّا كان في اليوم الثالث طُعِنَ بحربة فمات (1) .

- عن زياد بن النضر الحارثي، قال: كنتُ عند زياد، وقد أُتي برشيد الهجري - وكان من خواص أصحاب علي (عليه السلام) - فقال له زياد: ما قال خليلك لك إنّا فاعلون بك؟

قال: تقطعون يدي ورجلي، وتصلبونني.

فقال زياد: أَمَا والله لأُكذِّبنّ حديثه. خلّوا سبيله، فلمّا أراد أنْ يخرج قال: ردّوه لا نجد شيئاً أصلح ممّا قال لك صاحبك، إنّك لا تزال تبغي لنا سوءاً إنْ بَقِيْتَ، اقطعوا يدَيه ورجلَيه. فَقَطَعُوا يدَيه ورجلَيه وهو يتكلّم، فقال: اصلبوه خنقاً في عنقه.

فقال رشيد: قد بقي لي عندكم شيء ما أراكم فعلتموه.

فقال زياد: اقطعوا لسانه، فلمّا أخرجوا لسانه ليقطع.

قال: نفّسوا عنّي أتكلّم كلمة واحدة، فنفسوا عنه، فقال: هذا والله تصديق خبر أمير المؤمنين، أخبرني بقطع لساني، فقطعوا لسانه وصلبوه (2) .

- وقيل للإمام علي (عليه السلام) قبل اندلاع حرب النهروان: إنّ الخوارج قد عبروا الجسر.

فقال (عليه السلام): (والله ما عبروه، وإنّ مصارعهم لدون الجسر، ووالله لا يُقتل منكم عشرة ولا يَسلم منهم عشرة) (3) .

- وقال سلام الله عليه يُخبِر عن غرق البصرة: (كأنّي بمسجدكم كجؤجؤ سفينة قد بعث الله عليها العذاب من فوقها ومن تحتها وغرق مَن في ضمنها.

وفي رواية: وايم الله لتغرقنّ بلدتكم حتّى كأنّي أنظر إلى مسجدها كجؤجؤ سفينة، أو

____________________

(1) المصدر السابق: ص291.

(2) المصدر السابق: ص294.

(3) الكامل في التاريخ: ج3 ص345 / شرح ابن أبي الحديد: ج5، ص3.

٢٣٥

نعامة جاثمة.

وفي أُخرى: كجؤجؤ طير في لجّة بحر) (1) .

وأنباء أُخرى عن سائر الأئمّة (عليهم السلام):

- عن أبي أسامة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (خرج الحسن بن علي (عليه السلام) إلى مكّة سنة ماشياً، فَوَرِمَتْ قدماه، فقال له بعض مواليه: لو ركبتَ يسكن عنك هذا الورم.

فقال: كلا إذا أتينا هذا المنزل فإنّه يستقبلك أسود ومعه دهن فاشترِ منه ولا تماكسه.

فقال له مولاه: بأبي أنت وأُمي ما قدمنا منزلاً فيه أحد يبيع هذا الدواء.

فقال: بلى إنّه أمامك دون المنزل، فسار ميلاً فإذا هو بالأُسود.

فقال الحسن لمولاه: دونك الأسود فخذ منه الدهن واعطه الثمن.

فقال الأسود: يا غلام: لِمَنْ أردتَ هذا الدهن؟

فقال: للحسن بن علي.

فقال: انطلق بي إليه، إلى أنْ قال: إنّما أنا مولاك ولكن ادع الله أنْ يرزقني ذكراً سويّاً يحبّكم أهل البيت، فإنّي خلفت أهلي تمخض.

فقال: انطلق إلى منزلك فقد وهب الله لك ذكراً سويّاً وهو من شيعتنا) (2) .

- عن حذيفة قال: سمعتُ الحسين بن علي (عليه السلام) يقول: (والله ليجتمعنّ على قتلي بنو أُميّة، ويقدمهم عمر بن سعد، وذلك في حياة النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).

فقلت له: أنبأك بهذا رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)؟

قال: لا.

فأتيت النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) فأخبرته فقال: (علمي علمه وعلمه علمي) ) (3) .

- كتب الحجّاج بن يوسف إلى عبد الملك بن مروان: إنْ أردتَ أنْ يثبت

____________________

(1) نهج البلاغة: الخطبة 13.

(2) إثبات الهداة: ج5 ص146.

(3) المصدر السابق: ص207.

٢٣٦

ملكك فاقتل عليّ بن الحسين.

فكتب عبد الملك إليه: أمّا بعد فجنِّبْني دماء بني هاشم واحقنها فإنّي رأيتُ آل أبي سفيان لمّا ولعوا فيها لم يلبثوا أنْ أزال الله المُلك منهم، وبعث بالكتاب سرّاً إلى الحجّاج.

فكتب علي بن الحسين (عليه السلام) إلى عبد الملك في الساعة التي أنفذ فيها الكتاب إلى الحجّاج: (علمتُ ما كتبتُ في حقن دماء بني هاشم، وقد شكر الله لك ذلك وثبّت ملكك وزاد في عمرك)، وبعث مع غلام من مكّة بتاريخ تلك الساعة وسلّم إليه الكتاب.

فلمّا بصر عبد الملك في تاريخ الكتاب وجده موافقاً لتاريخ كتابه، فلم يشك في صدق زين العابدين ففرح بذلك وبعث إليه بوقر دنانير، وسأله أنْ يكتب إليه بجميع حوائجه وحوائج أهل بيته ومواليه (1) .

- عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام): أنّه كان في المسجد فدخل عمر بن عبد العزيز، فقال أبو جعفر (عليه السلام): (أَمَا والله لا تذهب الأيّام حتّى يملكها هذا الغلام، فيظهر العدل جهده ويعيش وينقص ثمّ يموت فتبكي عليه أهل الأرض، وتلعنه ملائكة السماء) (2) .

- ولمّا بايع الهاشميّون محمّد بن عبد الله بن الحسن قال لهم الإمام الصادق (عليه السلام): (لا تفعلوا فإنّ الأمر لم يأتِ بعد، وضرب بيده على ظهر أبي العبّاس السفّاح، ثمّ ضرب بيده على كتف عبد الله بن الحسن، وقال: والله إنّها ما هي لك ولا إلى ابنَيك، ولكنّها لهم وإنّ ولديك لمقتولان).

وفي رواية أُخرى قال الإمام الصادق لعبد الله بن الحسن في مجلس ضمّ السفّاح والمنصور: (إنّ هذا الأمر والله ليس إليك ولا إلى ابنَيك، وإنّما هو لهذا

____________________

(1) المصدر السابق: 235.

(2) المصدر السابق: ص315.

٢٣٧

ولهذا - وأشار إلى السفاح والمنصور - ثمّ لولده مِن بعده، ولا يزال فيهم حتّى يؤمّروا الصبيان ويشاوروا النساء.

ومضى يقول: وإنّ هذا - وأشار إلى المنصور - يقتله على أحجار الزيت (مكان خارج المدينة المنوّرة، قُتل فيه محمّد بن عبد الله بن الحسن سنة 145هـ) ) (1) .

- ولمّا عزم الحسين بن علي صاحب فخ على الثورة، استشار الإمام الكاظم فأخبره: (إنّك مقتول). وكان مصير الثورة كما أخبر به الإمام (عليه السلام) (2) .

- عن الحسين بن بشّار قال: قال الرضا (عليه السلام): (إنّ عبد الله يَقتل محمّداً.

فقلنا له: عبد الله بن هارون يَقتل محمّد بن هارون؟!

فقال لي: نعم، عبد الله الذي بخراسان يَقتل محمّد بن زبيدة الذي هو ببغداد) (3) .

- عن عمران بن محمّد الأشعري قال: دخلتُ على أبي جعفر الثاني (عليه السلام) وقضيتُ حوائجي، وقلتُ: إنّ أُمّ الحسن تُقرئك السلام وتسألك ثوباً من ثيابك تجعله كَفَنَاً لها.

فقال: (قد استغنتْ عن ذلك).

وخرجتُ لا أدري ما معنى ذلك؟! فأتاني الخبر أنّها قد ماتتْ قبل ذلك بثلاثة عشر يوماً (4) .

- عن خيران الاسباطي قال: لمّا قَدِمْتُ على أبي الحسن (عليه السلام) المدينة فقال لي: (ما خبر (الواثق) عندك؟

قلتُ: جُعلت فداك خلفته في عافية أنا أقرب الناس عهداً به عهدي به منذ عشرة أيّام.

قال: فقال لي: إنّ أهل المدينة يقولون إنّه مات.

فلمّا قال لي الناس علمتُ أنّه هو.

ثمّ قال لي: ما فعل جعفر؟

قلتُ: خلّفتُه أسوأ الناس حالاً في السجن.

قال: أَمَا إنّه صاحب الأمر، ما فعل ابن

____________________

(1) مقاتل الطالبيِّين: ص172.

(2) المصدر السابق: ص298.

(3) إثبات الهداة: ج6 ص65.

(4) المصدر السابق: ص186.

٢٣٨

الزيات؟

قلتُ: جُعلت فداك الناس معه والأمر أمره.

قال: فقال: أما إنّه شوم عليه .

قال: ثمّ سكت وقال لي: لا بدّ أنْ تجري مقادير الله وأحكامه، يا خيران مات الواثق وقد قعد المتوكّل جعفر، وقد قُتل ابن الزيات.

قلت: متى جُعلت فداك؟

قال: بعد خروجك بستّة أيّام) (1) .

- عن أيّوب بن نوح قال: كتبتُ إلى أبي الحسن (عليه السلام): إنّ لي حَمْلاً، فَادْعُ الله لي أنْ يجعله ابناً.

فكتب إليّ: (إذا وُلد لك فسمّه محمّداً)

قال: فَوُلِدَ ابن وسمَّيتُه محمّداً (2) .

- عن أبي هاشم قال: كنتُ مضيّقاً فأردتُ أنْ أطلب دنانير في هذا الكتاب فاستحييتُ، فلمّا صرتُ إلى منزلي وجّه إليّ بمائة دينار وكتب إليّ: (إذا كانت لك حاجة لا تستحي ولا تحتشم واطلبها فإنّك ترى ما تحبّ إنْ شاء الله) (3) .

- عن محمّد بن علي بن شاذان قال: اجتمع خمسمائة درهم تنقص عشرين درهماً، فأنفتُ أنْ أبعث بخمسمائة درهم تنقص عشرين، فوزنْتُ من عندي عشرين درهماً وبعثتها إلى الأسدي، ولم أكتب مالي فيها، فورد: (وصلتْ خمسمائة درهم لك منها عشرون درهماً) (4) .

____________________

(1) إثبات الهداة: ج6 ص213.

(2) المصدر السابق: ص256.

(3) المصدر السابق: ص286.

(4) المصدر السابق: ص284.

٢٣٩

علم الغيب

إنّ ارتباط الأئمّة الأطهار بعالَم الغَيب لا يعني أنّهم يحيطون ذاتيّاً بهذا العالم اللا متناهي من المغيّبات، إنّهم - وفي كلّ الأحوال - يستمدّون علمهم من الذات الأَحَدِيَّة، والمحدود كما يُقال لا يحيط بالمطلق، وما دام الإمام محتاجاً في وجوده فهو في علمه محتاج.

وميزتهم الوحيدة في هذا المضمار أنّهم يستطيعون الاستفادة من طاقة باطنيّة، فتنفتح لهم نافذة على عالم الغيب، وكلّ هذا فيض من عالِم الغيب والشهادة اللهِ ربِّ العالمين. فقد يحدث أنْ:

- يقذف في قلوبهم.

- أو ينقر في أسماعهم.

- أو هو علم وَرِثُوه عن جدّهم رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).

* وهذه أحاديث تؤيد ذلك:

- عن عمّار الساباطي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الإمام يعلم الغيب؟

فقال: (لا، ولكنْ إذا أراد أنْ يعلم الشيء أعلمه الله ذلك) (1) .

- عن أبي الربيع الشامي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنّ الإمام إذا

____________________

(1) أصول الكافي: ج1 ص257.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282