دراسة عامة في الامامة

دراسة عامة في الامامة0%

دراسة عامة في الامامة مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 282

دراسة عامة في الامامة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ إبراهيم الأميني
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
تصنيف: الصفحات: 282
المشاهدات: 78636
تحميل: 5066

توضيحات:

دراسة عامة في الامامة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 282 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 78636 / تحميل: 5066
الحجم الحجم الحجم
دراسة عامة في الامامة

دراسة عامة في الامامة

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

شاء أنْ يعلم أُعلم) (1) .

- وعن المدائني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إذا أراد الإمام أنْ يعلم شيئاً أَعْلَمَهُ الله ذلك) (2) .

- وعن معمر بن خلاد قال: سأل رجلٌ من أهل فارس أبا الحسن (عليه السلام) فقال: أتعلمون الغيب؟

فقال: قال أبو جعفر (عليه السلام): (يبسط لنا العلم فنعلم، ويقبض عنّا فلا نعلم.

وقال: سرٌّ الله عزّ وجل أَسَرَّه إلى جبريل عليه السلام وأَسَرَّه جبريل إلى محمّد صلَّى الله عليه وآله وأَسَرَّه محمّد إلى مَن شاء الله) (3) .

- وسأل أحدُهم أميرَ المؤمنين (عليه السلام): لقد أُعطيتَ يا أمير المؤمنين علم الغيب؟

فضحك (عليه السلام) وقال للرجل وكان كلبيّاً: يا أخا كلب ليس هو بعلم غيب وإنّما تعلّم مِن ذي علم، وإنّما الغيب علم الساعة وما عدّد الله بقوله: ( إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ) ، فيعلم سبحانه ما في الأرحام من ذكر وأُنثى، وقبيح أو جميل، وسَخِي أو بخيل، وشقي أو سعيد، ومَن يكون في النار حطباً أو في الجنان للنبيّين مُرافِقاً فهذا علم الغيب الذي لا يعلمه أحدٌ إلاّ الله، وما سوى ذلك فَعِلْمٌ علّمه الله نبيَّه فعلَّمْنِيْه، ودعا لي بأنْ يَعِيْهِ صدري وتضطم عليه جوانحي) (4) .

- وعن سدير الصيرفي قال: سمعتُ حمران بن أعين يسأل أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله: ( بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ) .

قال أبو جعفر (عليه السلام): (إنّ الله عزّ وجل ابتدع الأشياء كلّها بعلمه على غير مثال كان قبله، فابتدع السماوات

____________________

(1) المصدر السابق: ص258.

(2) المصدر السابق.

(3) المصدر السابق: ص256.

(4) نهج البلاغة: الخطبة 124.

٢٤١

والأرضين، ولم يكنْ قبلهنّ سماوات ولا أَرَضُون، أَمَا تسمع لقوله تعالى: ( وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ) .

فقال له حمران: أرأيتَ قولَه جلّ ذكره: ( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً ) .

فقال أبو جعفر (عليه السلام): ( إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ ) وكان - والله - محمّد ممّن ارتضاه، وأمّا قوله عالم الغيب فإنّ الله عزّ وجل عالم بما غاب عن خلقه فيما يقدّر من شيء ويقضيه في علمه قبل أنْ يخلقه وقبل أنْ يُفْضِيْه إلى الملائكة، فذلك يا حمران علم موقوف عند الله فيه المشيئة إذا أراد، ويبدو له فيه فلا يمضيه. فأمّا العلم الذي يقدّره الله فيقضيه ويمضيه فهو العلم الذي انتهى إلى رسول الله ثمّ إلينا) (1) .

وهناك طائفة أُخرى من الأحاديث التي تؤكّد أنّ الأئمّة لا يعلمون الغيب بالذات مستقلّين، ولكن نوافذ تنفتح عليهم بفيض إلهي.

الأئمّة ينفون علمهم بالغيب:

وتأتي هذه الأحاديث كقرائن على أنّ ما يخبرون به إنّما هو مغيّبات كُشفتْ لهم، لا أنّهم يعلمون الغيب بشكل مطلق.

* وهذه أمثلة:

- عن ابن المغيرة قال: كنتُ عند أبي الحسن (عليه السلام) أنا ويحيى بن عبد الله بن الحسين، فقال يحيى: جُعلت فداك إنّهم يزعمون أنّك تعلم الغيب.

فقال: (سبحان الله، ضع يدك على رأسي فوالله ما بَقِيَتْ في جسدي شعرة ولا في رأسي إلاّ قامتْ.

ثمّ قال: لا والله ما هي إلاّ رواية عن رسول الله) (2) .

- عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إنّهم يقولون، قال:

____________________

(1) أصول الكافي: ج1 ص256.

(2) بحار الأنوار: ج25 ص293.

٢٤٢

(وما يقولون؟

قلتُ: يقولون: يَعْلَمُ قَطر المطر، وعدد النجوم، وورق الشجر، ووزن ما في البحر، وعدد التراب.

فرفع يديه إلى السماء وقال: سبحان الله، سبحان الله، لا والله ما يعلم هذا إلاّ الله) (1) .

- عن عنبسة بن مصعب قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): (أي شيء سمعتَ من أبي الخطّاب؟

قال: سمعتُه يقول: إنّك وضعتَ يدك على صدره وقُلْتَ له: عه ولا تنس! وإنّك تعلم الغيب، وإنّك قلتَ له عيبة علمنا وموضع سرّنا أمين على أحيائنا وأمواتنا.

قال: لا والله ما مسّ شيء من جسدي جسده إلاّ يده، وأمّا قوله: إنّي قلتُ: أعلم الغيب، فوالله الذي لا إله إلا هو ما أعلم فلا آجرني الله في أمواتي ولا بارك لي في أحيائي إنْ كنتُ قلتُ له) (2) .

- عن سدير قال: كنتُ أنا وأبو بصير، ويحيى البزاز، وداود بن كثير، في مجلس أبي عبد الله (عليه السلام)، إذْ خرج إلينا وهو مغضب، فلمّا أخذ مجلسَه قال: (يا عجباً لأقوام يزعمون أنّا نعلم الغيب، ما يعلم الغيب إلاّ الله عزّ وجل، لقد هَمَمْتُ بضرب جاريتي فلانة، فهربتْ منّي فما علمتُ في أي بيوت الدار هي.

قال سدير: فلمّا أنْ قام من مجلسه وصار في منزله دخلتُ أنا، وأبو بصير، وميسر، وقلنا له: جُعلنا فداك، سمعناك وأنت تقول كذا وكذا في أمر جاريتك، ونحن نعلم أنّك تعلم علماً كثيراً ولا ننسبك إلى علم الغيب.

قال: فقال: يا سدير: أَلَمْ تقرأ القرآن؟

قلتُ: بلى.

قال: فهل وجدتَ فيما قرأتَ من كتاب الله عزّ وجل: ( قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ) ؟

قال: قلتُ:

____________________

(1) المصدر السابق: ص94.

(2) المصدر السابق: ص321.

٢٤٣

جُعلت فداك قد قرأتُه.

قال: فهل عرفتَ الرجل؟ وهل علمتَ ما كان عنده من علم الكتاب؟

قال: قلتُ: أخبرني به؟

قال: قدر قطرة من الماء في البحر الأخضر، فما يكون ذلك علم الكتاب؟!

قال: قلت: جُعلتُ فداك ما أقلّ هذا؟

فقال: يا سدير: ما أكثر هذا، إنْ ينسبه الله عزّ وجل إلى العلم الذي أخبرك به يا سدير، فهل وجدتَ فيما قرأتَ من كتاب الله عزّ وجل: ( قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) .

قال: قلتُ: قد قرأتُه جُعلتُ فداك.

قال: أَفَمَنْ عنده علم الكتاب كلّه ألهم، أَمْ مَنْ عنده علم الكتاب بعضه؟

قلتُ: لا، بل مَن عنده علم الكتاب كلّه.

قال: فأومأ بيده إلى صدره، وقال: علم الكتاب والله كلّه عندنا، علم الكتاب والله كلّه عندنا) (1) .

ومن مجموع هذه الأحاديث يتأكّد لنا أنّ الأئمّة لا يعلمون الغيب مطلقاً، وهم في كلّ الأحوال انعكاس للفيض الإلهي، وأنّهم إذا شاءوا علموا، وفي كلّ الأحوال فإنّ أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ربّما كانوا يخبرون عن ضمائر الناس، أو يخبرون عن حوادث قبل وقوعها، ولا يعدّ ذلك علماً بالغيب، بل هو لطف من الله عزّ وجل، كما لا يعدّ شرطاً من شروط الإمامة والإمام.

لأن العلم بالغيب يتطلّب اطّلاعاً كاملاً ومطلقاً على عالم الغيب دون الحاجة إلى أحد، وهذا ما تبرأ منه الأئمّة (عليهم السلام).

* إشكال:

لقد كان سيّدنا محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) والأئمّة من بعده يعيشون حياة طبيعيّة وعاديّة كسائر الناس، في أسلوب معيشتهم ومعاشرتهم مع غيرهم،

____________________

(1) أصول الكافي: ج1 ص257.

٢٤٤

ويتعاملون مع ما حولهم، بناءً على الظواهر، ويستشيرون أهل الخبرة في بعض شؤونهم الاجتماعيّة، ويراجعون الأطبّاء وقت المرض. ولهذا نجد عند مطالعتنا سيرتهم أنّهم يعيشون حياة عاديّة مثل سائر الناس، وليس هناك بُعْد غَيْبِي خارق للعادة يتدخّل في شؤونهم الاجتماعيّة.

وهذا تاريخ الإسلام شاهد على ما أَلَمّ بهم من كوارث ومصائب:

- فهناك معركة أُحد، وقد جُرح النبي بشدّة.

- واغتيل الإمام علي في المحراب.

- ومذبحة كربلاء، حيث لَقِيَ الحسين وأهل بيته مصارعهم.

- ناهيك عن التصفيات التي تعرّض لها الأئمّة عن طريق دَسّ السمّ، التي شملتْ أغلبهم (سلام الله عليهم)، أليس في هذا ما يتنافى مع علمهم الغيب. فلو كانوا يعلمون الغيب حقّاً فكيف يلقون بأنفسهم في التهلكة.

* الجواب:

إنّ أحداً لم يَدّعِ أبداً أنّ سيّدنا محمّداً والأئمّة من أهل بيته لم يكونوا بشراً عاديّين، فهم من الجانب التكويني بشر كسائر الناس يتّصلون بالعالَم مِن حولهم بذات الحواس الخمس التي يتمتّع بها غيرهم، وما داموا يعيشون حياتهم بشكل عادي فما هو الداعي لأنْ يستفيدوا من عالَم الغيب. غير أنّ الحياة بما تزخرُ به من أشياء متناقضة حيث الحرام يتربّص بالإنسان في كلّ خطوة، وقد يرتكب المرء فعلاً قبيحاً عن جهل، وأمر كهذا سيوجّه ضربة لمقام الإمامة مهما كانت الظروف، ومن هنا يأتي التسديد الإلهي ليعصم الإمام من الوقوع في الخطأ.

وهناك من المواقف ما يستدعي لإثبات إمامة الإمام لِمَنْ يشك فيه، كما نرى ذلك في حياة الأنبياء (عليهم السلام).

ثمّ إنّ علم الغيب والاطّلاع على بعض المغيّبات لن يغيّر من سير الحوادث.

٢٤٥

إنّه مجرّد نافذة على جزء من عالم لا متناهي، وتبقى إرادة الإنسان هي الفاعلة في صنع الحوادث، كما إنّ الإخبار بالمغيّبات لا ينطوي على أيّ جانب تشريعي سواء في الأمر والنهي.

نعم، ربّما يطّلع الإمام على محاولة لاغتياله بالسمّ عن طريق دسّه في الطعام فيمتنع مثلاً عن تناوله ليأخذ موقفه، هذا شكل الإعجاز الخارق للعادة، ويكون بالتالي دالّة على مصداقيّة الإمام لا أكثر.

الإمام وسائر العلوم:

لقد بحثنا فيما مضى أنّ الإمام يجب أنْ يكون عالماً بأمور الدين، وبكلّ ما يلزم من شؤون القيادة والريادة وزعامة الأُمّة، ونبحث هنا مدى اطّلاع الإمام على سائر العلوم الأُخرى، وهل من الضرورة أنْ يكون الإمام القمّة فيها؟

يقول فريق:

إنّ الإمام ينبغي أنْ يكون عالماً بكلّ شيء، سواء في الطب أو علم الأحياء والجيولوجيا والهندسة والرياضيات والفلك والفيزياء والكيمياء وسائر حقول العلم الأُخرى، بل وأنْ يكون مُتْقِنَاً لسائر اللغات.

فيما يقول فريق آخر:

إنّه ليس من الضروري أنْ يكون الإمام كذلك.

إنّ من الثابت فقط هو أنّ الأئمّة خُزّان علم الله وحَمَلة علوم الرسالة، وهو أمر ضروري في استمرار الدين ومسؤوليّة إقامة حكم الله، فكلّ ما يتّصل بإرشاد الناس وهدايتهم إلى جادّة الحقّ متوفّر لدى الإمام وإلاّ انتفتْ طاعته، وبالتالي انتفاء الحجّة لله على الناس، وما عدا هذا فلم يثبت، إذ ليس من الضروري أنْ يكون الإمام طبيباً أو مهندساً أو رياضيّاً أو غير ذلك.

نعم لو توقّف إثبات إمامة الإمام على أحدها أو جميعها فستفتح على قلبه

٢٤٦

نافذة من الغيب، ما يجعل الناس يسلّمون بإمامته ومصداقيّته.

ومن هنا نجد في التاريخ أخباراً عن الأئمّة حول صفات بعض النباتات وظواهر في السماء؛ لأنّ الإمام في كلّ الأحوال على ارتباط بعالَم الغيب وهو انعكاس للفيض الإلهي. وفي مقابل هذا نجد الأئمّة يراجعون الأطبّاء في بعض الأحيان، كما نرى ذلك جليّاً في حادثة اغتيال الإمام علي (عليه السلام)، حيث أشار الطبيب على الإمام بعد إجراء الفحوصات بأنْ يوصي؛ لأنّ الضربة بلغتْ مقتلاً (1) .

____________________

(1) هناك من الحوادث ما يؤيّد أنّ حياة النبي والأئمّة تسير في ضوء المعطيات الظاهريّة، فتأتي مواقفهم بناءً على بعض المحاسبات العامّة، ومَن يتأمّل في الحوادث التاريخيّة يجد أدلّة قاطعة على ذلك إلى جانب حشد من الأحاديث أيضاً منذ حادثة الافك، مروراً ببعض الحروب الهامّة، إلى عزل ونصب بعض القادة، ولعلّ ما نجم عن إسناد قيادة جيش الإمام الحسن إلى عبيد الله بن العبّاس الذي تسلّل مع ثمانية آلاف من الجنود ليلاً إلى معسكر معاوية! ما يؤيّد ذلك بقوّة.

وخلاصة القول:

إنّ النبي (صلَّى الله عليه وآله) والأئمّة (عليهم السلام) يعيشون حياتهم بشكل طبيعي، ولكنّهم يتّصلون بالغيب وقت الضرورات القُصْوَى، وإنّ عِلْمَهم بالغيب ليس ذاتيّاً ولا مستقلاًّ ولا مطلقاً، بل هو فيض إلهي من الله ربّ العالمين.

٢٤٧

٢٤٨

الفصل الخامس

الإعجاز

٢٤٩

٢٥٠

المعجزة:

المعجزة عبارة عن عمل خارق للمألوف، فالحياة تحكمها قوانين طبيعية تنهض على أساس من العلّة والمعلول والأسباب والنتائج، فتحوّل عصا إلى أفعى مثلاً يُعدّ خرقاً للقانون الطبيعي.

* ولإثبات الجانب الإعجازي في الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) نبحث أوّلاً ما يلي:

هل المعجزة أمر ممكن؟

يقول البعض باستحالة المعجزة أساساً، وإنّ كلّ ظاهرة طبيعيّة لا بدّ من وجود علّةٍ ما وراءها، فَمِن الثابت عقلاً:

- أنّ كلّ شيء يستقي وجوده من سلسلة من العلل.

- وأنّ هناك ارتباطاً قائماً بين العلّة والمعلول.

- وأنّ لكلّ معلول علّة خاصّة من نفس السنخ.

- وأنّ قانون العلِّيّة شامل يحكم العالم والوجود بأسره.

- وأنّه ليس هناك استثناء.

وإذن، كلّ ظاهرة لا بدّ وأنْ تستمد وجودها من علّة خاصّة بها؛ لأنّ من المحال عقلاً وجود معلول دون علّة.

* وفي ضوء ما تقدّم كيف يمكن أنْ تتحول عصا - وهي لا تملك مقوّمات وعلل التحوّل - إلى ثعبان؟!

٢٥١

وبناءً على ذلك فإنّ أمراً خارقاً للعادة أو المعجزة هو مستحيل عقلاً.

* وفي الجواب عن هذا الإشكال:

- إنّ المعجزة لا تشكّل نفياً لوجود العلل والأسباب؛ لأنّ تفسيرها يتضمّن ذلك أساساً.

ومن هنا ينبغي أنْ ننظر إلى المعجزة كظاهرة معيَّنة لها علّتها الخاصّة، وأنّ الله عزّ وجل جعل لها علّة للظهور والوجود، والفرق هنا في علّة المعجزة واختلافها عن سائر العلل المألوفة طبيعيّاً، ثمّ إنّ التحوّلات في الظهور والتغيّر لا تنحصر عقلاً بما هو معروف لدينا، فقد توجد علل أُخرى هي مجهولة لدى العقل البشري، ونحن لا نستبعد وجود مثل هذه القوّة الخارقة التي ينطوي عليها النبي والإمام، ذلك أنّ علم النفس يكشف عن وجود طاقات وقابليّات مدهشة ينطوي عليها الكائن الإنساني، ولعلّ الذاكرة البشريّة هي أفضل ما يمكن التأمّل فيه في هذا المضمار، والتي تكشف عن قابليّة عجيبة على خزن المعلومات عشرات السنين بكلّ تفاصيل الحياة من صور وأشياء وعواطف و... .

والنفس الإنسانيّة قادرة على الخَلْق والتصوّر في ضوء مشاهداتها الخارجيّة. ولأنّ قدرة الإنسان محدودة فإنّ تصوّراتها عن الأشياء الخارجيّة تكون فاقدة للآثار، فالنار التي تتصوّرها النفس تفتقد إلى الإحراق والدفء، والشمس التي تتصوّرها تفتقد أيضاً إلى آثارها في الإضاءة والحرارة أيضاً.

على أنّ النفس الإنسانيّة قابلة للتكامل، فقد تستطيع بعض النفوس ومن خلال الرياضة المشروعة في إطار العبادة والانقطاع إلى الله عزّ وجل أنْ تحصل على قوى ترتقي بها إلى مستويات أعلى من المادّة، فيمكنها حينئذٍ الارتباط والاتّصال بعالم الغيب، ومن خلال الاتّصال بهذا العالم الملكوتي تحصل على

٢٥٢

قابليّات تُمكِّنها من تحويل العصا إلى ثعبان، وتبقى في صورتها الجديدة ما دامت النفس متوجّهة إلى معلولها، فإذا انصرفتْ عنه عادتْ العصا إلى شكلها الأصلي الأوّل.

ونَفْس النبي والإمام - وهي تستمدّ قدرتها من عالَم الغيب - يمكنها أنْ تتصرّف في جواهر الأشياء وبواطنها، فتتغيّر صورة العصا إلى صورة ثعبان، وكلّ ذلك بقدرة الله عزّ وجل واهب الصور، الذي يجعل من هذه الظواهر شواهد على صدق أنبيائه ورسله.

وخلاصة القول:

إنّ هناك طريقَين لبروز الظواهر الجديدة حيث تتغيّر صور الأشياء من شكل إلى آخر، فالطريق المتعارف هو مرور الشيء بسلسلة من الأسباب والعلل والتحوّلات الطبيعيّة المألوفة للبشر، وهذه - كما هو معروف - تستغرق زمناً طويلاً.

- الطريق الآخر هو الفيض الإلهي الذي لا يحتاج إلى زمن ما:

وهو ما يشكّل خرقاً للقانون المألوف، حيث تأتي إرادة الإمام والنبي لتختزل كلّ هذا الزمن الطويل في لحظة واحدة، وكلا الطريقَين هما في الحقيقة لهما أسبابهما وعللهما، ذلك أنّ الجوهر الملكوتي للأشياء هو المعيار في التحوّلات الصوريّة جميعاً.

مَن الذي يقوم بالمعجزة؟

- هل تتمّ المعجزة مباشرةً ومن دون الله، أَمْ يتوجّه النبي والإمام إلى الله أوّلاً في طلب ذلك؟

- أَمْ إنّها جزء من قابليّات النبي والإمام، وإنّ مجرّد إرادته في ذلك تتمّ المعجزة؟

* لنتأمّل هذه الطائفة من الآيات القرآنيّة:

٢٥٣

فعن معجزات سيّدنا عيسى المسيح (عليه السلام) في قوله تعالى:

( أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ) (1) .

وفي موضع آخر من القرآن يخاطب الله عزّ وجل سيّدنا عيسى (عليه السلام) في قوله تعالى:

( وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي ) (2) .

وعن سيّدنا موسى (عليه السلام) في قوله عزّ مَن قائل:

( قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآَيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ ) (3) .

ثمّ نجد في طائفة أُخرى من الآيات نسبة المعجزات إلى الله عزّ وجل مباشرةً، كما في قوله تعالى:

( وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى ) (4) .

فالقرآن الكريم ينسب المعجزة تارة إلى الأنبياء وتارة الى الله سبحانه ثم نجد في ذلك تفسيراً يوضّح طبيعة الأمر قال تعالى:

( وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآَيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ

____________________

(1) آل عمران: الآية 49.

(2) المائدة: الآية 110.

(3) الأعراف: الآية 106 - 108.

(4) البقرة: الآية 57.

٢٥٤

وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ ) (1) .

من هذه الآية وآيات أُخرى نستدل على أنّ المعجزة كعمل خارق للقانون المألوف لا يمكن وقوعه إلاّ بإذن الله أوّلاً وآخراً، مع التأكيد على دور النفس النبويّة في حدوث المعجزة، والإشارة إلى أهمِّيَّتها في ذلك مع عدم استقلالها عن المشيئة الإلهيّة؛ لأنّ المعجزة هي إرادة الرسول التي تنعكس عن الفيض الإلهي وهو الأساس في كلّ شيء.

إثبات الإعجاز:

من المؤكّد أنّ القرآن الكريم يؤيّد حدوث المعجزات كأمور خارقة، وأنّها تأتي في سياق الآيات والبراهين على صدق الرسالات ومصداقيّة الأنبياء.

* والقرآن الكريم يزخر بالآيات التي تتحدّث عن وقوع معجزات محيّرة للعقول:

- فهناك مثلاً عصا موسى وانقلابها ثعباناً يلتهم حبال السحرة وعِصِيِّهم (2) .

- وهناك يده البيضاء، وتحوّل المياه التي يشربها ملأُ فرعون إلى دم، ومداهمة القمّل (3) .

- وهناك انشقاق البحر لموسى وعبور بني إسرائيل ونجاتهم ثمّ غرق فرعون وجيشه (4) .

- وهناك تحدّث المسيح في المهد، وإبرائه للأكمه والأبرص، وإحياء

____________________

(1) المؤمن: الآية 78.

(2) الأعراف: الآية 117 و107 / الشعراء: الآية 32 و45.

(3) النمل: الآية 12 / القصص: الآية 32 / الأعراف: الآية 133.

(4) الشعراء: الآية 63.

٢٥٥

الموتى (1) .

- بل إنّ القرآن الكريم يطرح نفسه كمعجزة خالدة عبر العصور (2) .

ومن هنا، فإنّ الإيمان بالقرآن الكريم ككتاب سماوي يستلزم التصديق بالمعجزات التي أشار إليها، وإنّ أيّة محاولة لتفسير الآيات بشكل يتضمّن إنكار أصل المعجزات بمثابة إنكار للقرآن نفسه.

وإضافة إلى القرآن الكريم فإنّنا أمام كم هائل من الوثائق التاريخيّة التي تؤيّد وقوع حوادث خارقة للمألوف.

ولا ينحصر الإيمان بالمعجزات بالمسلمين وحدهم، بل إنّ سائر الأديان السماويّة تُؤمِن وتصدّق بمعجزات لأنبيائها.

وفي ما يخصّ الأئمّة الطاهرين (عليهم السلام) سجّل التاريخ عشرات المعجزات والكرامات، ونقلها مئاتُ الرواة في أحاديثهم ومَرْويّاتهم، ولا يقتصر الأمر على كتب الشيعة وحدهم، بل هناك كتب لأهل السُنّة ضبطتْ فيها تلك الأعمال الخارقة للمألوف.

ومن مجموع تلك الأحاديث يثبت لنا بأنّ الأئمّة أيضاً كانت لهم معجزاتهم، وأنّهم وفي اللحظات الضروريّة كانوا يقومون بأعمال خارقة. ويعدّ إنكارها في إطار الإيمان بالمذهب الإمامي بمثابة إنكار للإمامة كأصل من أصول المذهب.

وَلِمَنْ يريد التحقيق في هذا المضمار يمكنه مراجعة الكتب المختلفة من قبيل:

- (عيون المعجزات).

- و(بحار الأنوار).

- و(إثبات الهداة).

- و(أُصول

____________________

(1) مريم: الآية 30 / آل عمران: الآية 49 / المائدة: الآية 110.

(2) التوبة: الآية 23 / الإسراء: الآية 88.

٢٥٦

الكافي)، و(مدينة المعاجز)، و(مناقب ابن شهر آشوب)، و(إثبات الوصيّة)، و(شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد)، و(دلائل الإمامة) للطبري، وسائر كتب الحديث الأُخرى والكتب التاريخيّة.

جدير بالذكر التأكيد على أنّ كلّ ما ورد في كتب الحديث من معجزات للأئمّة لا يعدّ صحيحاً مئة بالمئة، فهناك ما هو مزوّر، ومجعول، والمهم لدينا أنّ مجموع الأحاديث يشكّل في النهاية دالّة على وجود المعجزة في حياة الأئمّة الاثني عشر، وأنّهم قاموا - وفي مناسبات معيّنة أَمْلَتْهَا الضرورة - بأعمال خارقة للمألوف (1) .

____________________

(1) الإنسان عالَم مجهول ينطوي على آلاف الأسرار والخفايا في روحه وجسمه ويتمتّع بطاقات مدهشة، حيث يمكن لمَن يريد تفجير طاقته الجسميّة أنْ يمنع سيّارة من الحركة، ولو أراد أنْ يفجّر في أعماقه قواه الروحيّة فسيمكنه القيام بأعمال خارقة ومدهشة. وإذا كان الجسم البشري قد تعرّض إلى فحوصات ودراسات دقيقة ألمّتْ بمعظم تفاصيله، فإنّ الروح البشريّة بقيتْ في ظلّ المجهول، وما تزال أسرارها بعيدة عن الكشوفات، بالرغم من أنّها تحدّد شخصية الإنسان وتمثّل كيانه وهويّته. والتأمّل في بعض ما سجّلتْه الكتب - من مشاهدات مدهشة حول ما يقوم به بعض المرتاضين في الهند - يثير أسئلة كبرى.

فمثلاً يمكن لبعضهم:

أنْ يغلي الماء بمجرّد أنْ يحدّ النظر فيه. أو يرفع منضدة في الهواء. أو يعلّق إنساناً في الفضاء. أو يرمي حبلاً في السماء فيبقى معلّقاً. أو يجعل نباتاً ما ينمو في ساعتَين بمقدار ما ينمو في مدّة شهرين في الظروف الطبيعيّة. أو يصوّب نظراته إلى فرد ما، فيحمله على الاستغراق في نوم عميق.

ومن أعمالهم الخارقة هو:

- إنّهم يستطيعون البقاء أيّاماً دون أنْ يتناولوا طعاماً أو شراباً.

- بل وحتّى دفنهم عدّة أيام.

ولقد أُجريتْ مثل هذه الأعمال بمراقبة حضوريّة من شخص الحاكم الإنجليزي في وقتها (كلوديوس فيد) في إحدى المدن الهنديّة، وكان يُشَكِّك في إمكانيّة ذلك.

- فقد تم دفن (هاريكلس) أحد فقراء الهنود، بعد أنْ خِيْطَ فَمُهُ وَسُدَّتْ ثُقُوبُ بَدَنِهِ بالشَمْع، ووُضِعَ في التابوت، ثمّ خُتِمَ عليه بالشمع أيضاً، ومرّت ستة أسابيع كان الجنود خلالها يحرسون القبر فيما تجمّع آلاف المريدين حول محلّ الدفن، وعندما حانتْ لحظة الامتحان واستخرج التابوت من الثرى وتمّ التأكّد من وجود الشمع سليماً، وجدوا ذلك الفقير الهندي في حالة عجيبة فقد تحوّلت عيناه إلى ما يشبه الزجاج كما تيبّست أطرافه وتجعّد جلده وتوقّف قلبه عن الخفقان، فتحوا فَمَهُ وأُذُنَيْه وأَنْفَهُ ثمّ صبّوا على رأسه الماء الدافئ وأجروا له تنفّساً اصطناعيّاً مرّت ثلاثون دقيقة لتعود الحياة مرّة أُخرى إلى عروق =

٢٥٧

إنكار المعجزات:

ينكر بعضُ ذوي الأقلام المأجورة المعجزاتِ جملةً وتفصيلاً، ويحاولون المكابرة، مستشهدين ببعض آيات القرآن الكريم.

* يقول أحدهم (1) :

من المدهش أنّنا في الوقت الذي نرى فيه نبيّ الإسلام ينكر علمه بالغيب فإنّ هؤلاء (الشيعة) يدّعون باطّلاع أئمّتهم على الغيب، ويسردون في ذلك قصصاً عن علمهم بالغيب، وفي الوقت الذي نرى فيه اعتراف نبيّ الإسلام بعجزه عن الإتيان بالمعجزات والأعمال الخارقة، إذا هم ينسبون

____________________

= (هاريكلس) ويستيقظ مِن رقدة الموت. (نقلاً عن مجلّة (نور دانش) السنويّة لعام 1325هـ. ش ص329 - 330) .

وإذا كان هذا العمل الخارق يقوم به فرد هندي مرتاض أمام الأوربِّيِّين ممّا جعلهم يعتقدون بانطواء الكائن البشري على أسرار مدهشة، وأنّ هذا المخلوق إذا ما قام ببعض الرياضات النفسيّة قادر على إنجاز أعمال خارقة، فكيف نستبعد وجود المعجزات عن حياة الأنبياء والأئمّة وهم يسلكون أكثر الطرق تكاملاً ويعبدون الله حقّ عبادته، أفلا تنفتح لهم نوافذ الغيب ويفيض الله عزّ وجل عليهم من فيضه، فيقوموا بأعمال لا يمكن لسائر البشر أنْ يأتوا بمثلها؟!

(1) ظهر (أحمد كسروي) في إيران إبّان الأربعينيّات من هذا القرن كرأس حربة استعماريّة لهزّ القاعدة الفكريّة للأُمّة، ومهاجمة الأُسس الدينيّة من خلال أفكاره الهدّامة التي تُعدّ نسخة سخيفة للآراء التي راجتْ في أوربّا في القرن الثامن عشر فيما سُمِّيَ وقتها بـ (التجديد الديني) ، ويمكن مقارنتها أيضاً بالفكر الوهّابي الذي ظهر في فترة مقاربة.

ويدّعي (كسروي):

- أنّ الدين ضدّ العِلْم.

- وأنّ القرآن ليس كتاباً سماويّاً.

- وأنّه لا ينسجم مع معطيات العلم الحديث، وقام بإحراقه بكلّ وقاحة.

وكسروي ينكر معاجز الأنبياء، وارتباطهم بالله سبحانه، ويعتبرهم مجرّد مصلحين.

وقد تمادى في ضلاله دون أي وازع:

وتجرّأ على مهاجمة شخص الرسول الأكرم (صلَّى الله عليه وآله).

وحفيده الإمام الصادق (عليه السلام).

واعتبر الإسلام ديناً يقود إلى الضلال والجهل.

وتضمّنتْ كتبه (آيين أصول جديد) - قانون الأصول الجديد - و (صوفيگري وشيعيگري) - التصوّف والتشيّع - و (داورى) ، أفكاره الهدّامة التي تقف وراءها الماسونيّة؛ لتحقيق هدفها في تحطيم العقيدة الدينيّة في حياة الشعوب.

جدير بالذكر أنّ كسروي لم يستمرّ في تخريبه، إذْ صدرتْ فتاوى العلماء باعتباره مرتدّاً محكوماً بالموت، وقد نفّذتْ حركة (فدائيان إسلام) الثوريّة حكمَ الإسلام بحقّه وتمّتْ تصفيته بإطلاق الرصاص عليه في شباط من عام 1946م - المترجم.

٢٥٨

لأئمّتهم أعمالاً خارقة. وفي الوقت الذي نرى الناس يواجهون نبي الإسلام: وقالوا لنْ نؤمن لك حتّى تفجّر لنا من الأرض ينبوعاً، أو تكون لك جنّة من نخيل وعنب فتفجّر الأنهار خلالها تفجيراً. أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء، ولنْ نؤمن لرقيّك حتّى تُنزّل علينا كتاباً نقرأه أو تُسقِط السماء كما زعمتَ علينا كسفاً أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً.

فماذا كان جواب النبي، إنّه لم يزد على أنْ قال: سبحانك هل كنتُ إلاّ بشراً رسولاً.

ويقول في موضع آخر:

إنّ قانون الوجود ليس لعبة لِمَنْ يريد أنْ يعرض فنونه وأَلاَعِيْبَهُ، وما قيل عن موسى وعيسى وغيرهما من الأنبياء هو مجرّد أكاذيب، لقد اعترف نبي الإسلام بعجزه عن الإتيان بأعمال خارقة، وهو أعلى شأناً من موسى ومن عيسى وهذا القرآن بين أيدينا (1) .

* وفي معرض الردّ على مثل هذه التخرّصات نقول:

إنّ مَنْ يريد البحث في هذا المضمار عليه أنْ يبحث في جميع الآيات التي تخصّ الموضوع، ثمّ يناقشها بعيداً عن روح التعصّب لا أنْ تكون له أحكام مسبّقة ثمّ ينتقي الآيات التي تنسجم مع أفكاره ولو في الظاهر. إنّ التمسّك بآية واحدة ونَبْذ كلّ الآيات الأُخرى التي تؤكّد صراحةً ظاهرة الإعجاز في تاريخ النبوّات جميعاً هو ذروة التعسّف في إطلاق الأحكام جزافاً.

وإلاّ كيف نفسّر:

- تَكَلُّم عيسى (عليه السلام) في المهد.

- وإحيائه الموتى.

- وانقلاب عصا موسى (عليه السلام) إلى ثعبان.

- وطوفان نوح (عليه السلام).

- وخروج ناقة من قلب الجبل معجزة لسيّدنا صالح (عليه السلام).

إنّه لَمِنَ الوقاحة أن يقول الكاتب: (إنّ ما ذُكر عن موسى وعيسى وغيرهم من الأنبياء هو مجرّد أكاذيب)!

____________________

(1) داوري: أحمد كسروى: ص31.

٢٥٩

إنّه يستشهد بآية، في حين يترك الآية التي تسبقها تماماً وهي قوله تعالى:

( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ) (1) .

وفي هذا دلالة صريحة على أنّ القرآن الكريم معجزة خالدة في مقام التحدّي، ليس للبشر بل وللجنّ أيضاً.

ونرى الكاتب يغضّ النظر عن هذه الآية ليتمسّك بالآيات التي تليها، بالرغم من عدم دلالتها على نفي المعجزة؛ لأنّ سيِّدنا محمّداً(صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) - ومن خلال الآية - يطرح القرآن كمعجزة، ويتحدّى الكفّار أنْ يأتوا بمثله، وفي مقابله هذا التحدّي وعجْز المشركين عن الاستجابة له راحوا يُكابِرون قائلين:

- لنْ نؤمن لك حتّى تفجّر لنا من الأرض ينبوعاً.

- أو تكون لك جنّة من نخيل وعنب فتفجّر الأنهار خلالها تفجيراً.

- أو يكون لك بيت من زخرف.

- أو ترقى في السماء.

- ولن نؤمن لرقيّك حتّى تُنزّل علنيا كتاباً نقرأه.

- أو تُسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً.

- أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً.

وفي مقابل هذه المكابرة - التي لا تنمّ إلاّ عن عنادٍ فارغٍ، وعقولٍ لا تريد الإصغاء لمنطق الحقّ - جاء جوابُ النبي:

____________________

(1) الإسراء: الآية 88.

٢٦٠