وركبت السفينة

وركبت السفينة0%

وركبت السفينة مؤلف:
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 665

وركبت السفينة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: مروان خلفيات
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 665
المشاهدات: 282539
تحميل: 5127

توضيحات:

وركبت السفينة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 665 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 282539 / تحميل: 5127
الحجم الحجم الحجم
وركبت السفينة

وركبت السفينة

مؤلف:
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

٢٤١

بادئ ذي بدء:

لقد جعل أهل السنة كل الصحابة عدولا لأنهم كما يقولون حملة الشريعة للناس.

يقول ابن الصلاح: " ثم إنَّ الأمة مجمعة على تعديل جميع الصحابة... وكأنَّ الله سبحانه وتعالى أتاح الإجماع على ذلك لكونهم نقلة الشريعة "(١) .

وقال الجويني: " والسبب في عدم الفحص عن عدالتهم، انهم حملة الشريعة، فلو ثبت توقف في رواياتهم لانحصرت الشريعة على عصرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولما استرسلت إلى سائر العصور "(٢) .

وقال القرشي: " إنَّ حفظ الدين يقتضي عدالة الصحابة، إذ كيف يعِدُ الله سبحانه بحفظ دينه( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (٣) بينما حملته ونقلته عن نبيه مطعون في عدالتهم ونزاهتهم "(٤) .

نعم، لقد قرر هؤلاء عدالة جميع الصحابة لأنهم نقلة الشريعة. ونحن في بحثنا هذا سنتناول عدالة الصحابة، فإن كانوا عدولا فسنتنازل عن كل ما كتبناه، ونقول: إنهم حملة الشريعة حقا، ولكن إذا لم يكونوا عدولا فلا يجوز لنا أن نأخذ عنهم الشريعة. وإلا فكيف نأخذ ديننا عنهم " بينما حملته ونقلته عن نبيه مطعون في عدالتهم ونزاهتهم " على حد تعبير القرشي!!

____________

١ - مقدمة ابن الصلاح.

٢ - فتح المغيث: ٣/١٠٣. تدريب الراوي: ٢/٢١٤.

٣ - الحجر: ٩.

٤ - تنبيه ذوي النجابة إلى عدالة الصحابة: ص ٢٥.

٢٤٢

تعقيبٌ:

قلنا: إنَّ أهل السنّة ادّعوا عدالة جميع الصحابة لأنهم حملة الشريعة، ولكننا وجدنا أنَّ أكثر من مأة الف من الصحابةلم يصلنا عنهم شيءٌ. فتعديل جميع الصحابة بناءً على أنهم نقلة الدين لايصح؛ لأنَّ غالبيّة الصحابة لم ينقلوا لنا شيئاً من الشريعة!!!  

يقول ابن خلدون: " إنَّ الصحابة كلهم لم يكونوا أهل فتيا ولا كان الدين يؤخذ عن جميعهم، وإنما كان ذلك مختصا بالحاملين للقرآن، العارفين بناسخه ومنسوخه، ومتشابهه ومحكمه وسائر دلالته، بما تلقّوه من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو ممن سمعه، منهم ومن عليتهم، وكانوا يسمّون لذلك " القُرَّاء " أي: الذين يقرأون الكتاب، لأن العرب كانوا أمَّةً اُمية، فاختص مَن كان منهم قارئا للكتاب بهذا الاسم لغرابته يومئذ وبقي الأمر كذلك صدر الملة "(١) .

هذه شهادة من ابن خلدون تؤكد لنا " إنَّ الصحابة لم يكونوا كلهم أهل فتيا ولا كان الدين يؤخذ عن جميعهم... " فلماذا نعدلهم جميعا إذا كان الدين لا يؤخذ عن جميعهم؟! وكيف نعدلهم ونحن نجهل أكثرهم؟! وهل يليق بالعاقل أن يحكم على مايجهله؟!

تعريف الصحابي:

قال ابن حجر: " كل من روى عن النبيّ حديثا أو كلمة، أو رآه وهو مؤمن به، فهو من الصحابة، ومن لقي النبي مؤمنا به ومات على الإسلام، طالت مجالسته معه أو قصرت، روى عنه أو لم يرو، غزا أو لم يغز. من رآه ولم يجالسه ومن لم يره لعارض "(٢) .

وقال النووي في تعريف الصحابي: " فأما الصحابي فكل مسلم رأى

____________

١ - المقدمة: ٥٦٣، الفصل السابع من الباب الرابع.

٢ - الإصابة: ١/١٠.

٢٤٣

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولو للحظة، هذا هو الصحيح في حده، وهو مذهب ابن حنبل وأبي عبد الله البخاري في صحيحه والمحدثين كافة "(١) .

عطفاً على ما تقدم آنفا:

قال ابن حجر: " اتفق أهل السنة على أن الجميع عدولٌ، ولم يخالف في ذلك إلاّ شذوذ من المبتدعة "(٢) .

وقال الذهبي: " من الكبائر سب أحد من الصحابة، فمن طعن فيهم أو سبهم فقد خرج من الدين ومَرق من ملّة المسلمين "(٣) . هذا هو حكم أهل السنة على الصحابة، فالكل عدول. ولكن ما هو حكم الله ورسوله فيهم، هل يعدّلونهم جميعا أم لا؟ فلنرَ حكم الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهم( وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّـهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) (٤) .

الصحابة في القرآن

الصحابة والنفاق:

ظهر المنافقون في زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوة لا يستهان بها، وقد نزلت الآيات الكريمة كاشفة عنهم ومحذّرةً منهم ومبيِّنة لصفاتهم، قال تعالى:( وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ) (٥) ،( وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلَا تَفْتِنِّي ) (٦) ،( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّـهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ ) (٧) ،( يَحْلِفُونَ

____________

١ - صحيح مسلم شرح النووي: ١/٣٥ - ٣٦.

٢ - الإصابة: ١/٦.

٣ - الكبائر: ص ٢٣٣.

٤ - المائدة: ٥٠.

٥ - البقرة: ١٤.

٦ - التوبة: ٤٩.

٧ - البقرة: ٨.

٢٤٤

بِاللَّـهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ ) (١) .

وهناك الكثير من الآيات التي تتحدّث عنهم، حتى أنَّ سورة التوبة سميت بالفاضحة. وقلَّما يجد قارئ القرآن سورةً تخلو من ذكر المنافقين، وإن شئت فاقرأ سور: الأحزاب، والنساء، والأنفال، والحشر، والمنافقين، والبقرة، وآل عمران، والمجادلة... وقد جمع بعض المحققين الآيات الخاصة بالمنافقين فبلغت ما يقرب من عشر القرآن(٢) !

ومع بيان الآيات هذه لهم فقد بقي الكثير من المنافقين مجهولين عند المسلمين، قال تعالى:( وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ) (٣) .

ونحن نسأل: من هؤلاء الذين نزل فيهم عشر القرآن؟ أليسوا هم ممن صحب رسول الله؟ بلى، هم كذلك بشهادة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

أخرج البخاري أنَّ عمر بن الخطاب طلب من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يضرب عنق عبد الله بن أبيّ، فقال: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق. فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

" دعه، لا يتحدّث الناس بأنَّ محمدا يقتل أصحابه "(٤) !!

ومرّة أشار الصحابة على النبي بقتل ابن أبي، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (فلعَمري، لنحسننَّ صحبته ما دام بين أظهرنا)(٥) .

يقول النووي: " ولم يقتل - النبي - المنافقين لهذا المعنى ولإظهارهم الإسلام، وقد أُمر بالحكم بالظاهر، والله يتولّى السرائر، ولأنهم كانوا معدودين في أصحابه "(٦) .

____________

١ - التوبة: ٧٤.

٢ - النفاق والمنافقون، الاستاذ إبراهيم علي سالم المصري.

٣ - التوبة: ١٠١.

٤ - كتاب تفسير القرآن، حديث رقم: ٤٥٢٥، صحيح مسلم: كتاب البر والصلة والآداب، باب نصر الأخ ظالما أو مظلوما.

٥ - طبقات ابن سعد: ٢/٥٦.

٦ - صحيح مسلم بشرح النووي: ١٦/١٣٩.

٢٤٥

إذن كيف يصح القول: بأنَّ كل الصحابة عدولٌ، وفيهم المنافقون؟! أما عدد المنافقين فلا نستطيع إحرازه بالدقّة، ولكننا سنقترب من الحقيقة إذا رجعنا إلى غزوة أحد، فقد كان عدد جيش المسلمين في هذه الغزوة ألفا كما نص على ذلك أرباب السير، وأثناء مسير المسلمين تخلف ثلث الجيش بقيادة عبد الله بن أبي زعيم المنافقين أي قرابة ٣٠٠ صحابي(١) !!

كل هذا العدد كان بين الألف ذاك!! وليس في هذا الأمر غَرابةٌ، فكلما قوي المسلمون ازدادت شوكة النفاق وانتشار المنافقين بينهم.. ومن ذلك يمكن أن نستنتج حجم عدد المنافقين بين الصحابة بعد أن اكتسح الإسلام جزيرة العرب؟! فإذا كان بين الألف صحابي قرابة ثلاثمائة منافق، فكم سيكون عدد المنافقين بين مائة وأربعة عشر ألف صحابي؟!

____________

١ - صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة احد، والتصريح برجوع ثلث الناس في سنن البيهقي: ٩/٣١.

٢٤٦

الصحابة الأعراب:

يمثل الأعراب نسبة كبيرة من صحابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قال أبو زرعة الرازي:

" توفي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن رآه وسمع منه زيادة على مائة ألف إنسان من رجل وامرأة وهذا لا تحديد فيه، وكيف يمكن الاطلاع على تحرير ذلك مع تفرق الصحابة في البلدان والبوادي والقرى "(١) . فأهل البوادي - وهم الأعراب – صحابة.

وروى الساجي في المناقب بسند جيد عن الرافعي، قال: قبض رسول الله والمسلمون ستون ألفا، ثلاثون ألفا في المدينة وثلاثون ألفا في قبائل العرب... "(٢) فعدد الصحابة الأعراب ثلاثون الفا.

وحين أشرف عمر بن الخطاب على الموت أوصى للخليفة من بعده بقوله:

" وأوصيه بالأعراب خيرا، فإنهم أصل العرب ومادّة الإسلام "(٣) .

هؤلاء الأعراب الذين يشكّلون ثلاثين ألفا: حكم أهل السنة عليهم جميعا بالعدالة. ولكن أين هذا الحكم من حكم الله؟

قال تعالى:( الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّـهُ

____________

١ - تدريب الرواي: ٢/٢٢١.

٢ - المصدر السابق.

٣ - صحيح البخاري: كتاب المناقب، حديث رقم ٣٤٢٤.

٢٤٧

عَلَىٰ رَسُولِهِ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) (١) !!

( وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ) (٢) .

( وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ) (٣) .

( سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ) (٤) .

( قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَـٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ) (٥) .

فأين حكم أهل السنة من حكم الله؟ ومن أولى بالاتباع؟( وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّـهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) (٦) وأين أتباع الكتاب والسنة في وصفهم لجميع الأعراب من الصحابة بالعدالة من هذه الآيات البينات؟ نحن لاننكر وجود المؤمنين من الأعراب، فالله عزوجل قال في كتابه العزيز:( وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللَّـهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّـهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (٧) .

ولكن الأعراب المنافقين - كما يظهر هنا - أكثر من هؤلاء الأعراب، المؤمنين لأن "من " في الآية الأخيرة: تبعيضية عند العلماء. ومع ذلك، فان الآيات التي جاءت تذم

____________

١ - التوبة: ٩٧.

٢ - التوبة: ١٠١.

٣ - التوبة: ٩٨.

٤ - الفتح: ١١.

٥ - الحجرات: ١٤.

٦ - المائدة: ٥٠.

٧ - التوبة: ٩٩.

٢٤٨

الأعراب وتوبخهم أكثر من الآيات التي تزكيهم من النفاق.

فهل نسي، أو تناسى أهل السنة حين حكموا على الصحابة الأعراب بالعدالة:

الآيات السابقة! فمن الواجب أن يقرأ القرآن وحدة واحدة.

ويمكننا أن نكتفي بهذا الدليل القرآني لنقض نظرية عدالة الصحابة من اسسها الواهية!

الصحابة والصلاة:

عن جابر بن عبد الله قال: " بينما نحن نصلي مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ أقبلت عيرٌ تحمل طعاما فالتفتوا إليها حتى ما بقي مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا اثنا عشر رجلا، فنزلت هذه الآية:( وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا ) "(١) (٢) .

إنه لأمرٌ عجيب أن يترك العبد صلاته خلف نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلتفت إلى العير والطعام!

والأعجب منه، كل من يقرأ هذه الحادثة ولا يتملكه الغضب من موقف هؤلاء الصحابة!!

فما هو عذرهم في فعلهم هذا؟ هل فعلوا ذلك لأنهم جياع؟ ألا يبدو في هذا الفعل:

استخفاف هؤلاء " الصحابة " بالصلاة وبالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه؟

وبماذا نفسر فعلهم هذا؟ أفتونا يا أيها الملأ.

أهذه هي " العدالة " التي حملتهم على هذا الفعل؟ إنَّ العدالة بعيدة كل البعد عن هذا التصرف القبيح.

ولقد رأيت مصلين في عصرنا إذا وقف أحدهم بين يدي ربه ارتجف جسمه وعلا صوته بالبكاء وسالت دموعه، فما بال أهل القرون الأولى؟!

____________

١ - الجمعة: ١١.

٢ - صحيح البخاري: كتاب الجمعة، باب إذا نفر الناس عن الإمام في صلاة الجمعة فصلاة الإمام ومن بقي جائزة.

٢٤٩

الصحابة والزكاة:

قال تعالى:( وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّـهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّـهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ) (١) .

هذه الآيات نزلت بالصحابي ثعلبة(٢) . الذي حكم الله تعالى بنفاق قلبه، وحكم أهل السنة بطهارة قلبه وعدالته!!

مسجد ضرار:

في غزوة تبوك تخلف اثنا عشر رجلا من الصحابة عن الرسول وبنوا مسجدا كفرا وتفريقا بين المسلمين. قال تعالى:( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ وَاللَّـهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) (٣) .

هذا حكم الله فيهم، فكيف يعطون صفة العدالة؟!

عدالة الصحابة في القرآن:

في بحثنا عن عدالة الصحابة وجدنا القرآن ينقض نظرية " عدالة الصحابة " هذه.. ففي الصحابة كثيرٌ من المنافقين، وفيهم الأعراب الذين هم أشد كفرا ونفاقا.

وفيهم من يترك الصلاة لينظر للعير، وفيهم وفيهم... وهناك المؤمنون وهم الذين مدحهم

____________

١ - التوبة: ٧٥ و ٧٦.

٢ - راجع: تفسير الطبري: ٦/١٣٠. تفسير ابن كثير: ٢/٣٨٨. تفسير فتح القدير: ٢/٣٨٥. تفسير الخازن: ٢/١٢٥. تفسير البغوي بهامش تفسير الخازن: ٢/١٢٥.

٣ - التوبة: ١٠٧.

٢٥٠

الله في كتابه. هكذا قال القرآن في الصحابة، فأي القولين أولى أن يتبع قول أهل السنة في صحة عدالتهم أم.. قول الله عزوجل في نفي العدالة عن الكثير منهم، وقوله الحق؟!

الصحابة في السنّة

الصحابة والارتداد:

أخرج البخاري " عن أبي وائل، قال: قال عبد الله: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : " أنا فرطكم على الحوض، ليرفعنَّ إليَّ رجالٌ منكم حتى إذا أهويت لأُناولهم اختلجوا دوني، فأقول:

أي ربَّ أصحابي، فيقول: لا تدري ما أحدَثوا بعدَك(١) .

وعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: " بينما أنا قائم فإذا زمرة، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، قال: هلُّم، قلت: أين؟ قال: إلى النار والله، قلت: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدّوا بعدك على أدبارهم القهقرى، فلا أراه يخلَّص منهم إلاّ مثل همل النعم "(٢) .

وأخرج مسلم عن عبد الله، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : " أنا فرطكم على الحوض ولأنازعنَّ أقواما ثم لاغلبنَّ عليهم، فأقول: يارب أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك "(٣) .

وفي تاريخ ابن كثير قال: أخرج البيهقي عن أبي الدرداء، قال: " قلت:

يارسول الله بلغني إنك تقول: (ليرتدن أقوام بعد إيمانهم) قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : " أجل ولست منهم ".

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : " إنَّ من أصحابي من لا يراني بعد أن افارقه "(٤) .

هذه الأحاديث تعرَف بأحاديث الحوض، وهي متواترةٌ ولها طرقٌ أخرى

____________

١ - كتاب الفتن، ماجاء في قوله تعالى: *( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ) *.

٢ - المصدر السابق: كتاب الرقاق، باب في الحوض.

٣ - كتاب الفضائل، باب اثبات حوض نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصفاته.

٤ - سلسلة الأحاديث الصحيحة: ٦/١٢٠٢، رقم الحديث ٢٩٨٢.

٢٥١

لا يتَّسع المقام هنا لعرضها. وقد صرَّحت هذه الأحاديث بأنَّ الصحابة سيدخلون النار ولا يبقى منهم إلا القليل، كما يتضح لنا ذلك في تشبيههم بهمل النعم.

ويبدو لنا أنَّ هذه الأحاديث أقلقت مضاجع أهل السنة، ففسَّروها بالمنافقين والمرتدِّين، ولكن هذا التفسير بعيدٌ عن معطيات الأحاديث، ولا يصح، وذلك لأسباب نذكر منها:

أولا: إنَّ المنافقين قليلون، لايزيد عددهم على عدد أصابع اليدين، عند أهل السنة، وهو يناقض قول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث الحوض: (فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم) وهو قول يؤكد على نجاة القليل منهم، وفي رواية: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

(ولأنازعن أقواما ثم لأغلبن عليهم)، فتأمل كلمة " أقواما "، ليسوا عشرة ولا مائة، إنما هم أقوامٌ!

وحتى إذا فسرنا الحديث الشريف هذا بأنه يشير الى المنافقين والمرتدين، فهو يعني أنَّ كثيرا من الصحابة منافقون ومرتدون. وهذا ما ينطق به ماجاء في نص الحديث:

(فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم)!! وكفى بقول الرسول حجةً. فأين أهل السنة من هذه الحقيقة؟ وهل سيسلمون بها؟ إنَّ التأويل غير مجد هنا، بل يوقع صاحبه في مطبات لا تحمد عقباها. فمن فسر الذين ورد ذكرهم في الحديث بالمنافقين والمرتدين، فهو كالذي اختبأ من المطر، ولكنه وقف تحت الميزاب!!

ثانيا: هناك أحاديث مفسرةٌ لهذا الحديث بما لا يبقى معه مجال لتأويل الحديث بالشكل الذي يؤدّي الى غرضهم في الحفاظ على نزاهة الصحابة. والأحاديث يفسر بعضها بعضا.

روى البخاري بسنده عن العلاء بن المسيب عن أبيه، قال: لقيت البراء بن عازب (رضي الله عنهما)، فقلت: طوبى لك صحبت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبايعته تحت الشجرة.

فقال: يابن أخي، إنك لا تدري ما أحدثنا بعده "(١) !!

____________

١ - كتاب المغازي: رقم الحديث ٣٨٥٢.

٢٥٢

وأخرج الحاكم أنَّ عائشة قالت: " إني قد أحدثت بعد رسول الله "(١) .

وروى ابن حجر " عن العلاء بن المسيب عن أبيه عن أبي سعيد، قلنا له: هنيئا لك برؤية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصحبته. فقال: إنك لا تدري ما أحدثنا بعده "(٢) .

وروى مالك في الموطأ عن مولى عمر بن عبيدالله: انه بلغه أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لشهداء أحد: (هؤلاء أشهد عليهم). فقال أبو بكر الصديق: ألسنا يارسول الله إخوانهم، أسلمنا كما أسلموا وجاهدنا كما جاهدوا؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (بلى، ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي) فبكى أبو بكر، ثم بكى، ثم قال: " أئنا لكائنون بعدك؟ "(٣) .

وقال أنس بن مالك: ما أعرف شيئا مماكان على عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ! قيل: الصلاة، قال: أليس ضيَّعتم ما ضيعتم فيها(٤) ؟

وأخرج البخاري عن الزهري قال: " دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي فقلت: ما يبكيك؟ فقال: لاأعرف شيئا مما أدركت إلا هذه الصلاة وهذه الصلاة قد ضيِّعت "(٥) .

وأخرج البخاري قال: سمعت سالما قال: سمعت أم الدرداء تقول: دخل عليَّ أبو الدرداء وهو مغضب، فقلت: ما أغضبك؟ فقال: والله ما أعرف من أمة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيئا إلا انهم يصلّون جميعا(٦) .

____________

١ - مستدرك الحاكم: ٤/٦، وصححه وكذا الذهبي في تلخيص المستدرك.

٢ - الإصابة: ٣/٨٤.

٣ - ٢/٤٦٢ كتاب الجهاد - باب الشهداء في سبيل الله. وقال ابن عبد البر عن الحديث: " مرسل عند جميع الرواة لكن معناه يستند من وجوه صحاح كثيرة " ذكر ذلك فؤاد عبد الباقي راجع الموطأ: ٢/٤.

٤ - صحيح البخاري: كتاب مواقيت الصلاة، باب تضييع الصلاة.

٥ - المصدر السابق.

٦ - صحيح البخاري: كتاب الأذان، رقم الحديث ٦١٣.

٢٥٣

وأخرج البخاري عن أبي سعيد الخدري " قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، فأول شئ يبدأ به الصلاة، ثم بعد ذلك يعظ الناس، فلم يزل الناس على ذلك، حتى خرجت مع مروان وهو أمير المدينة في أضحى أو فطر، فأراد أن يرتقي المنبر قبل أن يصلي، فجذبت بثوبه، فجذبني فارتفع، فخطب قبل الصلاة.

فقلت له: غيرتم والله، فقال: يا أبا سعيد قد ذهب ما تعلم... "(١) .

ومن حديث لجابر بن عبد اللهرضي‌الله‌عنه : " ما منا أحد إلا غير "(٢) .

وقال أعين ابن امرأة الفرزدق لعثمان: " يا نعثل بدَّلتَ "(٣) .

كل هذه النصوص تؤكِّد على أنَّ الذين أحدثوا، هم من صحابة رسول الله من غير المنافقين والمرتدين. ففي حديث الحوض يقال للنبي: (انك لا تدري ما أحدثوا بعدك)، والبراء يقول: إنك لا تدري ما أحدثناه(٤) بعده، وعائشة تقول: إني قد أحدثت بعده، وقال أبو سعيد الخدري غيرتم والله، والرسول نفسه لم يشهد لأبي بكر ومَن قاتل في أحد ويقول: (ولكن لا أدري ما تحدَثون بعدي)!

وهذا أنس يقول: ما أعرف شيئا مما كان على عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقوله هذا يدل على أنَّ كل شئ تغير وبدل، وحتى الصلاة ضيعت!!

وهذا أبو الدرداء يقول: والله ما أعرف من أمة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيئا إلا أنهم يصلون جميعا. وهو اصرح قول في أنَّ أهل القرون الأولى تركوا من السنة أشياء كثيرة، واحدثوا بدلا منها بدعا. وجابر يقول: ما منا أحد إلا غيّرَ...

____________

١ - المصدر السابق: ج ٢ - باب الخروج إلى المصلى بغير منبر.

٢ - مستدرك الحاكم: ٣/٥٦٠.

٣ - مجمع الزوائد: ٧/٤٦٣.

٤ - إن البراء يتكلم عن الإحداث بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتعبير الجمع " أحدثناه " فشمل قوله هذا إخوانه من الصحابة " العدول "..

٢٥٤

ثالثا: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضَبِّ لسلكتموه)، قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال:

فمن؟ "(١) .

يؤكد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا الحديث على أنَّ كثيرا من الصحابة - وهم الموجه لهم الخطاب قبل غيرهم - سيتبعون سنن اليهود والنصارى. وإحداث أهل الكتاب بعد أنبيائهمعليهم‌السلام يعرفه القاصي والداني. فالصحابة - مما نستنتجه من قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - سيحدَثون أمورا كبني إسرائيل. وإن لم يحدَثوا مثلهم لكان كلام النبي كذبا - والعياذ بالله - فهم إذن، مثل اليهود والنصارى، قد أحدثوا أشياء استحقّوا بها دخول النار.

رابعا: إذا قلنا: إن المقصود بحديث الحوض هم المرتدون، فهذا أسوأ، إذ كيف يرتد الصحابي الذي شاهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتبرك برؤيته فتطهر قلبه وعدله الله في القرآن؟!

فإذا جاز ارتداد الصحابي بعد صحبته للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلاعبرة بالصحبة ولاقيمة لها(٢) !!

فأحاديث الحوض هذه، تنقض نظرية عدالة جميع الصحابة دون شك، لأن العادل لا يدخل النار!

الصحابة يتنزَّهون عن فعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !!

قالت عائشة: صنع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيئا فرخص فيه: فتنزَّه عنه قومٌ، فبلغ ذلك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فخطب فحمد الله، ثم قال: " ما بال أقوام يتنزهون عن الشئ أصنعه؟!

فوالله إني لأعلمهم بالله، وأشدّهم له خشية "(٣) .

____________

١ - صحيح البخاري: كتاب الأنبياء، باب ماذكر عن بني اسرائيل.

٢ - والرسول يقول: (لاترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض) صحيح البخاري: كتاب الفتن، باب قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض. هل قال كلامه هذا عبثا، والعياذ بالله!!

٣ - صحيح البخاري: كتاب الأدب، رقم الحديث ٥٦٣٦.

٢٥٥

وقال ابن حجر في فتحه: " نقل ابن التين على الداودي أنَّ التنزه عما ترخص فيه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أعظم الذنوب، لأنه يرى نفسه أتقى لله من رسوله. قلت: لا شك في إلحاد من اعتقد ذلك "(١) .

فكيف يمكن لنا أن نعتقد بعدالة هؤلاء الذين يتنزهون عن صنع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!

هذا ابن حجر قد سمَّى فعلهم إلحادا!! وشتَّان ما بين العدالة والإلحاد!

أولئك هم العصاة:

عن جابر " إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج إلى مكة عام الفتح في رمضان وصام حتى بلغ كراع الغميم يعني(٢) وصمنا معه، فقيل: إن الناس قد شق عليهم الصيام وإنما ينتظرون ما تفعل، فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب والناس ينظرون فافطر الناس وصام بعض، فبلغه أن ناسا صاموا، فقال: " اولئك هم العصاة " مرتين "(٣) .

لقد قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في اولئك الصحابة: أولئك هم العصاة، ولكن أهل السنة يقولون: أولئك هم العدول!

الصحابة في غزوة أحد:

أول حدث يهمنا في غزوة أحد، هو تخلف ثلث الجيش عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وثاني حدث هو هروب الصحابة من المعركة، وتركهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين سيوف المشركين ورماحهم، ولم يبق مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا أربعةٌ، ويقال أثنا عشر رجلا، على رأسهم علي بن أبي طالب، فكسرت رُباعيَّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وشُجَّ في رأسه(٤) .

____________

١ - فتح الباري: ١٣/٢١٦ - ٢١٧.

٢ - هكذا في سنن البيهقي والظاهر أنها بمنى.

٣ - السنن الكبرى، البيهقي: ٤/٢٤٦، قال: رواه مسلم في الصحيح. إمتاع الأسماع، المقريزي ١/٣٦٥.

٤ - صحيح مسلم: كتاب الجهاد والسير، باب غزوة أحد ٥/١٧٥.

٢٥٦

وثالث حدث في هذه الغزوة هو ترك الرماة لمواقعهم. فالرسول جعل خمسين من الرماة يحمون ظهور المسلمين، ولكنهم بعد انهزام المشركين، تركوا أمكانهم طمعا في الغنائم التي أسرعوا إليها بالرغم من تشديد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليهم بالبقاء في مواقعهم، وإن كانت الدائرة للمسلمين.

وفي غزوة حنين، فرَّ عشرة آلاف صحابي، وبقي مع النبي سبعة على رأسهم عليٌّ، ونزل القرآن يوبخهم. وشارك عمر بن الخطاب الناس في الفرار(١) !

إنه حقا لأمر عجيب: أن لا يبقى من العشرة آلاف إلا سبعة! فمن لا يصدق بأن الصحابة لا يبقى منهم مع النبي في الجنة إلا مثل همل النعم، فليسأل أحداً وحنينا، ففيهما الخبر اليقين!

عدالة الصحابة في السنة:

إن القرآن ينقض نظرية عدالة الصحابة، والسنة النبوية: لم تبق من الصحابة مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الجنة إلا مثل همل النعم. لكن أهل السنة أدخلوا الصحابة كلهم في الجنة، فتأمل المفارقة بين حكم الله ورسوله وحكم أهل السنة!

وأضف لما سبق تنزه قسم من الصحابة عن فعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا كما قال ابن حجر إلحاد،! ووصف الرسول قسما منهم بأنهم عصاة...

وأن ماعز بن مالك الأسلمي، زنى ورجمه النبي، ولم أسمع أحدا يحسب الزنى من العدالة!! وجلد عمر قدامة بن مضعون لأنه شرب الخمر(٢) ، وشرب الخمر ليس من العدالة. ألا يكفي كل ذلك، لنقضي نظرية عدالة الصحابة، عند أهل السنة؟! بلى يكفي.. ومع هذا سنلقي المزيد من الضوء على تهافت هذه النظرية؟

____________

١ - صحيح البخاري - كتاب المغازي: ٥/١٠١، مع أن الشيطان يهرب من عمر!!

٢ - راجع ترجمة ماعز وقدامة في الإصابة: ٥/٢٣٣ و ٦/١٦.

٢٥٧

الفصل الخامس

الصحابة في حياة النبي

٢٥٨

٢٥٩

الصحابة يقتلون رجلاً في الحرم!

عن أبي شريح بن عمر: " إنَّ أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قتلوا رجلا من هذيل كانوا يطلبونه بذحل في الجاهلية في الحرم - وهو - يؤم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ليبايعه على الاسلام فقتلوه، فلما بلغ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قتله، غضب أشدُّ الغضب، فسعت بنو بكر إلى أبي بكر وعمر(١) وأصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يستشفعون بهم إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم) فلما كان العشي قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: أمَّا بعدُ فإنَّ الله عز وجل حرم مكة ولم يحرمها الناس وإنما أحلها لي ساعة من النهار ثم هي حرام كما حرمها الله أول مرَّةٍ، وإنَّ أعتى الناس على الله ثلاثةٌ: رجل قتل فيها، ورجل قتل غير قاتله، ورجل طلب بذحل الجاهلية، وإني والله لأدين هذا الرجل الذي أصبتم "(٢) .

هؤلاء بعض الصحابة، لم يصغوا لنداء السماء الذي حرم هذا النوع من القتل، بل تعدّوا ذلك وقتلوا رجلا داخل الحرم، فأين عدالة هؤلاء وأمثالهم الذين كانوا يغضبون الله ورسوله؟!

سلَّم رجل على الصحابة فقتلوه!

عن ابن عباس(٣) قال: " مر رجل من بني سليم على نفر من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعه غنم له فسلم عليهم، فقالوا: ما سلَّم عليكم إلا ليتعوَّذ منكم فعمدوا اليه فقتلوه واخذوا غنمه... "(٤) .

____________

١ - سنن البيهقي: ٨/٧١ و ٩/١٢٣.

٢ - مستدرك الحاكم: ٣/٢٣٥، قال: هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه، سنن الترمذي: ٤/٣٠٧.

سنن البيهقي: ٩/١١٥.

٢٦٠