وركبت السفينة

وركبت السفينة0%

وركبت السفينة مؤلف:
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 665

وركبت السفينة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: مروان خلفيات
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 665
المشاهدات: 282315
تحميل: 5116

توضيحات:

وركبت السفينة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 665 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 282315 / تحميل: 5116
الحجم الحجم الحجم
وركبت السفينة

وركبت السفينة

مؤلف:
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وعن عبد الرحمن بن يزيد قال: ذكروا عند عبد الله أصحاب محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وايمانهم، قال: فقال عبد الله: " إنَّ أمر محمد كان بيِّنا لمن رآه والذي لا إله غيره ما آمن مؤمن أفضل من إيمان بغيب... "(١) .

نعم، نحن معكم في وجوب الرجوع لأهل القرون الأولى لأخذ الإسلام عنهم، ولكن على المسلم أن يطمئن لمن يأخذ عنه. فهل يأخذ عن الزاني أو شارب الخمر أو عمَّن يروي عن أهل الكتاب أو عمن يعكس معنى الحديث... أو يأخذ عمن أمرنا الله ورسوله بالأخذ عنهم؟!

عود على بدء

قلنا في بداية بحثنا هذا أنَّ أهل السنة أوجبوا عدالة جميع الصحابة، لكونهم حملة الشريعة " إذ كيف يعد الله بحفظ دينه... بينما حملته ونقلته عن نبيه مطعونٌ في عدالتهم ونزاهتهم "؟(٢) وثبت حتى الآن بالنصوص التي لا يتطرَّق إليها طعن ولا تأويل عدم صحة الحكم بعدالة جميع الصحابة، وإنما العدالة لأولئك الثُلَّة الذين شبههم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهمل النعم كما في صحيح البخاري!

فإذا ثبت عدم عدالتهم، فلا يجوز لنا أن نأخذ الإسلام عنهم، إذ كيف نأخذه عنهم " بينما حملته مطعون في عدالتهم ونزاهتهم "؟!! فإذا انهار الأساس - عدالة كل الصحابة - انهارت النتيجة التي بُنيت عليه وهي جعلهم حملة الشريعة! فالإسلام يجب أن يؤخذ عن العدول الذين أمرنا الله ورسوله بالأخذ عنهم!

____________

١ - مستدرك الحاكم: ٢/٢٦٠، وصححه.

٢ - كلام القرشي وقد مر.

٣٢١

الفصل التاسع

بحث حول قيمة الصحبة

٣٢٢

٣٢٣

توطئة:

الصحبة: كلمة صارت لها هالةً مخيفة في بعض النفوس، بفعل عوامل تاريخية ومذهبية، وبنيت لأجلها أحكام ما أنزل الله بها من سلطان، فقد فاقت منزلة الصحبة - أحيانا - منزلة النبوّة: فإذا كان الصحابي قد زاغ عن الطريق وارتكب محرما نرى التبريكات تنهال عليه من أقلام العلماء، وحجّتهم في ذلك أنه صحابي.

هذه هي لغة أهل السنة في تقييم أعمال الصحابة، ميزانٌ عجيب، يختلف عن كل الموازين التي جاء بها الإسلام. فتعال واقرأ معي!!

يقول القوشجي عن إحراق أبي بكر للفجاءة السلمي: " إحراقه الفجاءة بالنار من غلطةٍ في اجتهاده، فكم مثله للمجتهدين... "(١) .

وقال مدافعا عن خالد: " تزوج امرأته - أي مالكا - في دار الحرب لأنه من مسائل المجتهدين "(٢) .

قال ابن كثير: " واستمر أبو بكر بخالد على الإمرة، وإن كان قد اجتهد في قتل مالك بن نويرة وأخطأ "(٣) .

وقال ابن تيمية عن زيادة عثمان للأذان الثالث يوم الجمعة: " إنها من مسائل الاجتهاد "(٤) وقال في جواب من اعترض على عائشة: " وأما قوله وخالفت أمر الله في

____________

١ - و(٢) راجع معالم المدرستين، مرتضى العسكري: ٢/٧٢ - ٧٥.

٣ - تاريخ ابن كثير: ٦/٣٢٣.

٤ - منهاج السنة: ٣/٢٠٤.

٣٢٤

قوله تعالى:( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ) (١) ، فهي(٢) لم تتبرج تبرج الجاهلية الأولى، والأمر بالاستقرار في البيوت لا ينافي الخروج لمصلحة...

وإذا كان سفرهنَّ لمصلحة جائزاً لعائشة، اعتقدت أنَّ ذلك السفر مصلحة للمسلمين فتأوَّلت في هذا... والمجتهد المخطئ مغفورٌ له خطأه "(٣) .

وقال ابن حزم في معاوية: " إنَّ معاوية ومَن معه، مخطئون مجتهدون، مأجورون أجرا واحدا "(٤) . وقال فيه ابن تيمية: " إنه كعلي بن أبي طالب في ذلك "(٥) . قال ابن كثير: " معاوية مجتهدٌ مأجور إن شاء الله "(٦) .

وقال ابن حزم عن أبي الغادية - قاتل عمار -: " فأبو الغاديةرضي‌الله‌عنه متأول مجتهد مخطئ فيه باغ عليه، مأجور أجرا واحدا "(٧) .

وقال ابن حجر: " والظن بالصحابة في كل تلك الحروب أنهم كانوا فيها متأولين، وللمجتهد المخطئ أجر،... "(٨) .

وقال ابن حزم: " لا خلاف بين أحد من الأمة في أنَّ عبد الرحمن بن ملجم لم يقتل عليا إلا متأوّلا مجتهدا مقدّراً أنه على صواب "(٩) .

وعن يزيد بن معاوية يقول أبو الخير الشافعي: " ذاك إمامٌ مجتهد "(١٠) وقال ابن كثير في يزيد: " وحملوا - العلماء - ماصدر منه من سوء التصرفات على أنه تأوَّل

____________

١ - الأحزاب: ٣٣.

٢ - منهاج السنة: ٣/١٩٠.

٣ - الفصل في الملل والأهواء والنحل: ٣/٨٦.

٤ - المصدر السابق: ص ٨٩.

٥ - منهاج السنة: ٣/٢٦١ و ٢٧٥.

٦ - تاريخ ابن كثير: ٧/٢٧٩.

٧ - الفصل في الملل: ٣/٨٧.

٨ - الإصابة: ٤/١٥١.

٩ - المحلى: ١٠/٤٨٤.

١٠ - تاريخ ابن كثير: ١٣/٩.

٣٢٥

فأخطأ "(١) .

محاكمة:

لماذا لا نجري أحكام الله في مجراها الصحيح؟ خالد مجتهد، ومعاوية مجتهد، وعائشة، ويزيد... وكلهم مأجورون. لماذا؟ لأنهم صحبوا النبي، فتطهرت نفوسهم وصاروا عدولا. هكذا يقول أهل السنة، فالصحبة منزلةٌ عظمى تعصم صاحبها من العقاب، وفي الأمثلة القادمة، سنرى حكم الله ورسوله في منازل أعلى من منزلة الصحبة.

إبليس طاووس الملائكة:

كان إبليس من أقرب المخلوقات إلى الله وأعبدهم، لكن إبليس تمرّد على أمر الله واستكبر ورفض السجود لآدم بحجة( أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ) (٢) .

لكن ماذا كان مصير إبليس؟ الطرد واللعن هذا هو مصيره. فهذا إبليس مع عظم منزلته عند الله لم تنفعه منزلته حين اجتهد أمام النص ولم يقل الله له: أنت مجتهد مخطئ مغفور لك ولك أجرٌ(٣) !

فلماذا يقال لمعاوية - شارب الخمر، آكل الربا، قاتل الأبرياء - مجتهد وله أجر، ولا يقال ذلك لإبليس؟! مع أنَّ هذا في حق إبليس أولى(٤) إذ هو طاووس الملائكة، فهذا هو حكم الله( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّـهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) (٥) .

____________

١ - تاريخ ابن كثير: ٨/٢٢٣ - ٢٢٤.

٢ - سورة ص: ٧٦.

٣ - كما فعل ابن تيمية وابن كثير... مع الصحابة!

٤ - وأنا أجزم بأن إبليس (لعنه الله) لو كان صحابيا وعصى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقالوا عنه: مجتهد له أجر!!

٥ - المائدة: ٥٠.

٣٢٦

قابيل وهابيل:

هما من أبناء آدمعليه‌السلام وقصتهما معروفة. قام قابيل بقتل هابيل، فماذا كان مصيره؟

قبل الإجابة لا أحد منا ينكر أنَّ قابيل ابن نبي ولا أحد ينكر أنَّ منزلة البنوة أعلى من منزلة الصحبة. ومع بنوة قابيل لنبي من أنبياء الله كان مصيره النار بمجرد أن قتل أخاه، فلم تنفع قابيل منزلته في دَرء العقاب عنه ولم يقل عنه: هو مجتهد وله أجر(١) . فلماذا كان هذا الحكم في حق قابيل ولم يكن في حق أحد الصحابة القاتلين؟! فإذا غفر الذنب بسبب الصحبة فبسبب البنوة أولى!

هذا خالد بن الوليد قتل مالكا وقومه المسلمين ومع ذلك أعطاه أهل السنة أجر المجتهد. وهذا معاوية قتل كبار صحابة رسول الله، كحجر بن عدي، وعمرو بن الحمق و... ومع ذلك يعطى أجرا. ويعطى أهل السنة أبا الغادية - قاتل عمّار – أجراً، ثم يعطى ابن ملجم - قاتل عليِّ – أجراً. فيالله ولهذه الأعاجيب، ما هذه الفلسفة؟ وهل صحبة هؤلاء للنبي بمنزلة بنوة قابيل لنبي الله آدمعليه‌السلام ؟ فلم كانت هذه الأحكام بحق هؤلاء ولم تكن في حق قابيل؟!

زوجتا نوح ولوط:

يقول الله(٢) :( ضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّـهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) (٣) .

كانت زوجتا نوح ولوطعليهما‌السلام تفشيان أسرار زوجيهما إلى قومهما. وبسبب هذه الخيانة، جاء حكم الله فيهما( وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) .

____________

١ - ولو كان صحابيا لقيل فيه هذا!!

٢ - التحريم: ١٠.

٣٢٧

فمَن أعلى منزلةً؟ الزوجية أم الصحبة؟! لا أحد يخالفنا في أنَّ منزلة الزوجية أعلى من منزلة الصحبة.

فإذا لم تنفع منزلة الزوجية امرأتي نوح ولوطعليهما‌السلام في درء العقاب عنهما، فكيف نفعت منزلة الصحبة الصحابة في درء العقاب عنهم؟

ولماذا يقال عن أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أخطأوا إنهم مجتهدون ولهم أجر، ولا يقال ذلك عن زوجتي نوح ولوطعليهما‌السلام ؟! مع أنَّ هذا في حقهما أولى إذ هما زوجتا نبيين!!

ولماذا كانت عائشة مجتهدة ومأجورة حين خرجت على الإمام الشرعي وتسببت بقتل ثلاثين ألفا من أولادها ولم تكن امرأتا نوح ولوط مجتهدتين مأجورتين؟!!

نساء النبي:

يقول الله(١) مخاطبا نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ) (٢) .

نعم، هذا هو حكم الله( مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ) ولم يقل: يضاعف لها الأجر!! ولكننا نرى أهل السنة يعطون نساء النبي أجرا وإن اجتهدن أمام النصوص، وحاربن أبناءهن وقتلنهم.

ولو صح ما يقوله أهل السنة في تبريرهم لأعمال الصحابة وعائشة، لكان من حق الآية أن تكون " من يأت منكن بفاحشة مبينة فلها أجر واحد " ومن هنا نلحظ المفارقة بين حكم الله(٣) في نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والصحابة إذا اخطأوا، وبين أحكام أهل السنة. فالله(٤) يقول:( يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ) وأهل السنة يقولون: هم مجتهدون لهم أجر واحد!!

____________

١ - الأحزاب: ٣٠.

٣٢٨

النبي يقول لأسامة:

جاء أسامة بن زيد إلى الرسول، ليشفع في امرأة سرقت، فغضبصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لذلك وقال: " أتشفع في حدٍّ من حدود الله؟... وايم الله لو أنَّ فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها "(١) .

هذا هو حكم الإسلام. ولو صح ما يقال، من أنَّ خالدا مجتهد، ومعاوية اجتهد بقتل الصحابة... وأبو الغادية مجتهدٌ، وابن ملجم مجتهد، ويزيد مجتهد، وكلهم لهم أجر، لكان على النبي أن يقول: " وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لأعطيتها اجرا لأنها مجتهدة "!!

ولكن النبي لا يستخدم هذا الميزان المقلوب الذي اخترعه القوم لقياس الحكم الشرعي الحق!

حتى النبي:

يقول الله(٢) لنبيه:( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ) (٣) .

وقال تعالى:( وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا * إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا ) (٤) .

وقال تعالى:( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ) (٥) .

____________

١ - صحيح البخاري: كتاب الحدود، باب كراهية الشفاعة في الحد إذا رفع إلى السلطان.

٢ - الزمر: ٦٥.

٣ - الإسراء: ٧٤ - ٧٥.

٤ - الحاقة: ٤٤ - ٤٦.

٣٢٩

أجل، حتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو انحرف عن الطريق، أو تقوَّل على الله، لكان من المعذَّبين العذاب الشديد - وحاشاهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كل هذا - لكن هذه الآيات خاطبت النبي وتقصد غيره فهي من قبيل: إياك أعني واسمعي يا جاره.

فأهل السنة حين رضوا بأفعال الصحابة من قتلهم لبعضهم البعض، ولعنهم لبعض وزنا بعضهم وشربهم الخمر... وحين باركوا لهم هذه الأفعال، وصرفوا لهم أجورا جعلوهم فوق النبي لعَمر الله!! فالنبي لو جاء بشئ من عنده، أو مال قليلا عن خط الإسلام، لكان أتعس الناس - والعياذ بالله -، أما الصحابة فهم شئ آخر، فلا يوزنون بهذا الميزان الذي يوزن به حتى النبي، بل إنَّ منزلتهم تفوق منزلة النبوة، فإذا تقوَّلوا على الله أو مالوا عن خط الإسلام وارتكبوا المحرمات فإنهم ينالون الأجر بذلك، فتأمل بربك!!

فهل صدقت بما نقول في أنَّ أهل السنة رفعوا الصحابة بسبب صحبتهم للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه؟! ولو صحت تلك الأحكام التي قالها أهل السنة لوجب أن يتغير سياق الآيات السالفة، فتصبح: " ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا إذا لأعطيناك أجرا عظيما "!! فأنت نبي مجتهد ولك أجر!! وهكذا.

الخلاصة

إنَّ الصحابة بشرٌ عاديون، تجري عليهم أحكام الله، ومجرد صحبتهم للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لاتطهر نفوسهم، لأن الإيمان لا يأتي دون الأخذ بأسبابه، وصحبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا تجعل الإنسان عادلا، كما لم تكن البنوة والزوجية من أسباب العدالة.

إن أصحاب موسىعليه‌السلام كانوا آلافا مؤلَّفة، وبمجرد أن تركهم موسىعليه‌السلام اربعين ليلة، ارتدّوا!

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لحسّان بن ثابت: " إنَّ روح القدس مع حسّان، ما دام ينافح عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم "(١) .

____________

١ - الإصابة: ١/٣٢٦.

٣٣٠

فالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرن كون روح القدس مع حسان بشرط إدامة المنافحة عن رسول الله، ولو كانت الصحبة منزلةً تعصم صاحبها لما قيَّد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلامه.

سأل الصحابة النبي فقالوا: يا رسول الله أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

" أما من أحسن منكم في الإسلام فلا يؤاخذ بها، ومن أساء، أخذ بعمله في الجاهلية والإسلام "(١) .

وعادصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كعبا في مرضه فقالت أم كعب: هنيئا لك الجنّة يا كعب، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

" وما يدريك يا أم كعب! لعل كعبا قال ما لا يعنيه، ومنع ما لايعنيه "(٢) .

نعم، هذا هو ميزان الإسلام، أما أن نقول: اجتهد وله أجر، بالرغم من الجرائم التي ارتكبها فهذه المسألة فيها نظرٌ.

لقد خلق الله الإنسان واختبره في هذه الدنيا. وجعل الدنيا دار ابتلاء قال تعالى:

( إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ) (٣) ونحن إذا قلنا إن كل صحابة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الجنة، وإذا باركنا لهم أعمالهم الخاطئة، وجعلنا لهم أجرا عليها، فقد خرجنا عن قانون الله وسنته في خلقه. فالصحابة يوزنون بتقواهم وليس بصحبتهم!

قال تعالى:( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ ) ولم يقل أصحبكم.

والعاقبة بحسنها وسوئها هي التي تحدِّد مصير الإنسان وليس الصحبة ولا الصداقة ولا البنوة... فالأعمال بخواتيمها.

إنَّ الصحابة أناس عاديون، ومنزلة أحدهم تكون باحترام صحبته للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأداء حقها. فالمفترض بنا إذا حاكمنا أعمالهم أن نطبق هذه الموازين الإلهية، لأنهم ليسوا أفضل من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي خضع لهذه الموازين.

____________

١ - صحيح مسلم: كتاب الايمان، باب هل يؤاخذ بأعمال الجاهلية.

٢ - تاريخ بغداد: ٤/٢٧٣، وانظر: مستدرك الحاكم: ٣/١٩٠.

٣ - الكهف: ٧.

٣٣١

وقد يقال: من أنت ومن نحن، حتى نقيم الصحابة؟ فنقول: نحن لا نقيم أعمالهم على هوانا، بل القرآن والسنة هما اللذان يقيمان عمل أي إنسان.

فحين قلنا يجب أن يقام الحد على الزناة منهم كخالد والمغيرة، لم نأت بهذا الحكم من بنات أذهاننا، بل الله قال ذلك في كتابه. والرسول طبق الحكم، فرجم ماعز الأسلمي والمرأة الغامدية.

وحين تجنبنا موالاة معاوية، ومن حارب عليا، لم يكن ذلك عن تعصب وهوى، فلقد كان موقفنا هذا امتثالا لأوامر الرسول، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : " علي مع الحق والحق مع علي، يدور معه حيث دار " وهذا يعني أنَّ من وقف ضده كان على الباطل. فكيف نتولِّى من هو على الباطل؟!

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : " يا علي لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق " فمن يقاتل أحدا، ويأمر بسبه، ويسجد عند موته، فهو مبغض لهذا الإنسان، وبغض علي يساوي النفاق، فكيف نتولى مبغض عليعليه‌السلام ؟!!

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن علي " اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله ". هذا الرسول يطلب من الله - وهو أمر لنا أيضا - بموالاة من يوالي عليا، ومعاداة من عاداه... فنحن التزمنا بالنص، والرسول يقول عن علي: " حربك حربي، وسلمك سلمي " " عدو علي، عدوي " فكيف نتولى عدو النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!

ونحن عادينا معاوية، لأن الله أمرنا بذلك قال تعالى:( وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّـهِ ) (١) ومعاوية قاتل علياعليه‌السلام ، ووسمه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحزبه بالفئة الباغية، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم " ويحك ياعمار تقتله الفئة الباغية عمار يدعوهم إلى الله ويدعونه الى النار "(٢) .

____________

١ - الحجرات: ٩.

٢ - صحيح البخاري (كتاب الجهاد) باب مسح الغبار عن الناس في السبيل.

٣٣٢

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : " يا علي ستقاتلك الفئة الباغية، وأنت على الحق، فمن لم ينصرك يومئذ فليس مني "(١) .

فيجب علينا البراءة من هذه الفئة الباغية - معاوية وحزبه - امتثالا لأمر الله ورسوله. ولو أن هذه الفئة الباغية فاءت إلى أمر الله، وسلمت القيادة لإمامها الشرعي، لقلنا عسى، ولكنها لجأت للمكر والدهاء، ورفضت حكم الله الذي دعا إليه علي بادئ الأمر(٢) ، ولما رأوا الموت أمام أعينهم، رفعوا القرآن فوق الرماح لينجوا( فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا ) (٣) هذا هو حال هذه الفئة، فهي لم تلجأ لحكم الكتاب، وانما اتخذته وسيلة خداع، للوصول إلى المآرب الخبيثة والكل يعرف هذا.

فكل من يتولى هذه الفئة الباغية، فقد خالف أمر الله (فقاتلوا التي تبغي) يقول القرطبي: " في هذه الآية دليل على وجوب قتال الفئة الباغية "(٤) .

ولتقريب هذا الكلام نقول: اجعل نفسك - أخي المسلم - تعيش في عهد الصحابة وطلب منك الالتحاق بعلي، أو معاوية، في صفين فأيهما تختار؟! إن قلت معاوية فقد خالفت أمر الله ورسوله في وجوب قتال الفئة الباغية. فلا بد أنك ستذهب مع علي امتثالا لأمر الله ورسوله، عندئذ، ولو بدأ القتال وبرز لك معاوية فهل كنت ستقتله؟!! إن قلت: لا، فقد خالفت أمر الله ورسوله في وجوب نصرة عليعليه‌السلام ، وقتال الفئة الباغية، فيبقى الوجه الآخر! فإذا أجزت لنفسك قتله في ذلك الموقف، فكيف تترضى عنه الآن وتدافع عنه؟! وهكذا اجعل موقفك في موقعة الجمل، فموقفك هناك هو الذي يجب أن يكون الآن، تماما كموقفك الآن من فرعون، فلو كنت مع موسى لحاربت فرعون ببدنك وقلبك.

____________

١ - تاريخ دمشق: ابن عساكر: ج ٤٢. منتخب الكنز بهامش المسند: ٥/٣٢.

٢ - راجع تاريخ الطبري: ٦/٤.

٣ - غافر: ٨٤.

٤ - تفسير القرطبي: ١٦/٣١٧.

٣٣٣

يقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : " يا أبا رافع، سيكون بعدي قوم يقاتلون عليا، حق على الله جهادهم، فمن لم يستطع جهادهم بيده فبلسانه، فمن لم يستطع بلسانه فبقلبه... "(١) .

هذا ابن عمر ندم لعدم قتاله مع الإمام عليعليه‌السلام . يروى أنه لما حضرته الوفاة، قال: " ما أجد في نفسي من الدنيا، إلا أني لم أقاتل الفئة الباغية " وفي الاستيعاب " مع علي بن أبي طالب "(٢) .

فليكن في ندم عبد الله بن عمر موعظة!

____________

١ - أخرجه الطبراني في الكبير كما في الكنز: ٦/١٥٥. مجمع الزوائد: ٩/١٣٤، وذكره في إحقاق الحق: ٧/٣٣٤ عن كتاب: نزول القرآن في أمير المؤمنين، أبي نعيم (مخطوط)، مفتاح النجا، البدخشي: ٦٧ (مخطوط). وذكره في ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق، ابن عساكر: ٣/١٢٣.

٢ - أسد الغابة: ٣/٢٣٨. الاستيعاب: ٣/١١١٧.

٣٣٤

٣٣٥

الفصل العاشر

اجتهاد الصحابة في المحكمات

٣٣٦

٣٣٧

توطئة:

يقول أهل السنة بأنهم يلتزمون بنصوص الكتاب والسنة، ولا يخرجون عنهما، لأن منهج السلف هو التسليم للنص. فالسلف لم يجيزوا لأنفسهم الخروج على النص، وأهل السنة تابعوهم كما يقولون وبذلك يكونون هم أتباع الكتاب والسنة وأهل المدرسة النصية.

ولكن! بعد البحث وجدنا أنَّ السلف من الصحابة هم أول من اجتهد بما يخالف النص، وخرجوا عليه وتأوّلوه، وبهذا سنعرف مدى صحة قول أهل السنة، بأنهم هم اتباع الكتاب والسنة، تبعا للسلف الصالح.

المؤلفة قلوبهم

قال تعالى:( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّـهِ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) (١) .

في هذه الآية، بين الله(٢) ، مصارف الزكاة الثمانية، وجعل رابعها سهم المؤلفة قلوبهم. وقد كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوزع الزكاة على هذه الأصناف الثمانية التزاما بالنص.

واستمر الأمر هكذا، وفي عهد أبي بكر جاء المؤلفة قلوبهم كعادتهم لأخذ ما فرضه الله لهم. فكتب أبو بكر لهم كتابا في ذلك، وعندما رأى عمر الكتاب مزَّقه وقال: " لا حاجة

____________

١ - التوبة: ٦٠.

٣٣٨

لنا بكم، فقد أعزَّ الله الإسلام وأغنى عنكم، فإن أسلمتم، وإلا السيف بيننا وبينكم ".

ووافق أبو بكر عمر على رأيه وأمضاه، وحرَّم المؤلفة قلوبهم مما فرضه الله لهم. إنَّ الله وبعد أن بين مصارف الزكاة الثمانية قال:( فَرِيضَةً مِّنَ اللَّـهِ ) فإعطاء الفقراء من الزكاة فريضة وإعطاء المؤلفة قلوبهم فريضة... وهذا أمر واضح لا يحتاج إلى بيان.

ولكن عمر بن الخطاب، عطل هذه الفريضة ووقف ضد النص، ووافقه أبو بكر في موقفه هذا، فالحقيقة التي لا يستطيع أحد إنكارها أنَّ الشيخين اجتهدا بما يخالف النص المحكم ولم يسلما له وجعلا لنفسيهما رأيا يناقض قول الله.

ونسأل الآن: هل جعل الله هذه الفرائض الثمانية، دستورا أبديا للمسلمين، أم حكما مؤقتا؟

لقد انتهى النسخ في الإسلام بموت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستقرت الأحكام على ما كانت عليه في عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ولا يجوز لأي شخص مهما علت مكانته ان يأتي ويغير في كتاب الله ويلغي ويشرع. فأي سلطان لهذا الإنسان المجترئ الناقص؟! إنَّ الله(١) كان عالما بأنَّ الإسلام سيصبح يوما ما عزيزا ومع ذلك لم يشر إلى إلغاء سهم المؤلفة قلوبهم إذا أعز الإسلام.

والمتمعن في الآية المذكورة خاصة عند قوله تعالى في نهاية الآية( وَاللَّـهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) يلاحظ الدقة والإعجاز البياني والتشريعي في هذه الكلمات، لقد عبر الله عن نفسه بأنه عليم حكيم، والسر في هذا التعبير واضح كما يبدو، فالله عليم، بهذه الأصناف الثمانية وحاجتهم، لذلك جعل لهم نصيبا، والله عليم بأن الإسلام سيقوى، ومع ذلك لم يشر إلى منع عطيتهم.

وأما كلمة حكيم في الآية فتعني أنَّ الله حكيم في تشريعه هذا، وفي جعله سهما للمؤلفة قلوبهم وإن قَوي الإسلام، لأنَّ الإسلام حين يكون قويا ويعطي المؤلفة قلوبهم تظهر سماحته وعظمته في نفوس هؤلاء المؤلفة قلوبهم، وهذا سيكون أدعى لقبولهم

٣٣٩

وقبول غيرهم الإسلام، فإنهم وإن دخلوا وفي أنفسهم شئ من الحصول على المال، فذلك شئ لا بأس به وأفضل من الكفر، وسهم المؤلفة قلوبهم قد يجعلهم مع مرور الزمن من المؤمنين الخلَّص.

بقي أن نقول: لماذا لم يمنع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن المؤلفة قلوبهم نصيبهم في حياته؟ بالرغم من أنَّ الإسلام كان قويا عزيزا في حياته، فقد شمل الجزيرة العربية ووصلت طلائعه إلى الفرس والروم. فهل غابت هذه المصلحة التي اكتشفها عمر عن الله ورسوله؟!

( نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)

نكاح المتعة

لقد شرع هذا النكاح في الإسلام، قال تعالى:( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) (١) .

قال القرطبي: قال الجمهور، المراد نكاح المتعة الذي كان في صدر الإسلام وقرأ ابن عباس وأبي وابن جبير (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى)(٢) .

وعن جابر بن عبد الله، وسلمة بن الأكوع، قالا: خرج علينا منادي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: إنَّ رسول الله أذن لكم أن تستمتعوا يعني متعة النساء(٣) .

وجاء في صحيح البخاري: إنَّ رسول الله كان في جيش المسلمين، فقال لهم: " قد أذن لكم أن تستمتعوا فاستمتعوا "(٤) .

أجل، لقد شرع نكاح المتعة، ومات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم ينسخ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: " كنا نستمتع بالقَبضة من التمر والدقيق، الأيام على عهد

____________

١ - النساء: ٢٤.

٢ - تفسير القرطبي: ٥/١٣٠.

٣ - صحيح مسلم: كتاب النكاح، باب نكاح المتعة.

٤ - كتاب النكاح، باب نهى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن نكاح المتعة آخرا.

٣٤٠