وركبت السفينة

وركبت السفينة0%

وركبت السفينة مؤلف:
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 665

وركبت السفينة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: مروان خلفيات
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 665
المشاهدات: 282299
تحميل: 5116

توضيحات:

وركبت السفينة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 665 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 282299 / تحميل: 5116
الحجم الحجم الحجم
وركبت السفينة

وركبت السفينة

مؤلف:
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

من أقوال الإمام:

١ - من اتكل على حسن الاختيار من الله له، لم يتمن أنه في غير الحال التي اختارها الله له.

٢ - ما صدَّنا عن أهل الشام شك ولا ندم، وإنما كنا نقاتلهم بالسلامة والصبر، فشيبت السلامة بالعداوة، والصبر بالجزع، وكنتم في مسيركم إلى صفين دينكم أمام دنياكم، فأصبحتم ودنياكم أمام دينكم، ألا وإنّا لكم كما كنا، ولستم كما كنتم لنا.

٣ - إعلموا أنَّ الحكمة زين، والوقار مروءة، والصلة نعمة، والإكثار صلف، والعجلة سفه، والسفه ضعف، والفلق ورطة، ومجالسة أهل الدناءة شَينٌ، ومجالسة أهل الفسوق ريبه.

٤ - بالعقل تدرك الداران جميعا، ومن حرم العقل حرمهما جميعا.

٥٤١

الحسين بن علي (الشهيد)عليه‌السلام

(٤ هـ‍ - ٦١ هـ‍)

" السيد الإمام أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام ابن بنت رسول الله، وريحانته، وابن أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، ونشأة بيت النبوة، له أشرف نسب، وأكمل نفس، جمع الفضائل ومكارم الأخلاق،...

وكان إذا أقام بالمدينة أو غيرها مفيدا بعلمه، مهذِّبا بكريم أخلاقه، مؤدِّبا ببليغ بيانه، سخيا بماله، متواضعا للفقراء...

لقد كان الحسين في وقتٍ علَم المهتدين، ونور الأرض، فأخبار حياته فيها هدى للمسترشدين بأنوار محاسنه، المقتفين آثار فضله "(١) .

وقال العقّاد في الحسينعليه‌السلام : " وقد تعلَّم في صباه خير ما يتعلمه أبناء زمانه من فنون العلم والأدب والفروسية، وإليه يرفع كثير من المتصوفة وحكماء الدين نصوصهم التي يعولون عليها ويردونها إلى علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه .

وقد أوتي ملكة الخطابة من طلاقة لسان، وحسن بيان، وغنّة صوت، وجمال إيماء...

وقد أخذ نفسه بسمت الوقار في رعاية أسرته ورعاية الناس عامة.. فهابه الناس، وعرف معاوية عنه هذه المهابة، فوصفه لرجل من قريش ذاهب إلى المدينة

____________

١ - هذا كلام السيد علي جلال المصري راجع الشيعة في الميزان: ص ٢٢٢ عن الأعيان. وهناك لطيفه لأبي يعقوب السجستاني الإسماعيلي. قال عن أبي بكر وعمر إنَّ الحسن والحسينعليهما‌السلام : " سيديهم شاءا أم أبيا، ولأن السيد هو المطاع لا المطيع فوجب أن تلزمهم طاعة الحسن والحسين ولا تلزم الحسن والحسين طاعتهم لأنهما إمامان وسيدا شباب أهل الجنة " أنظر كتابه الافتخار: ص ٧٢، تحقيق مصطفى غالب.

٥٤٢

فقال: اذا دخلت مسجد رسول الله فرأيت حلقة فيها قوم كأن على رؤوسهم الطير، فتلك حلقة أبي عبد الله، مؤتزرا إلى أنصاف ساقيه...

أما عاداته في معيشته، فكان ملاكها لطف الحسن، وجمال الذوق، والقصد في تناول كل مباح. كان يحب الطيب والبخور، ويأنق للزهر والريحان..

وروى أنس بن مالك أنه كان عنده، فدخلت عليه جارية بيدها طاقةٌ من ريحان، فحيَّته بها. فقال لها: " أنت حرّةٌ لوجه الله تعالى " فسأله أنس متعجبا: جارية تجيئك بطاقة ريحان فتعتقها؟ قال: " كذا أدبنا الله.. قال تبارك وتعالى:( وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ) (١) .. وكان أحسن منها عتقها "..

وقد عاش سبعا وخمسين سنة بالحساب الهجري، وله من الأعداء من يصدقون ويكذبون... فلم يعبه أحد منهم بمعابة ولم يملك أحد منهم أن ينكر ماذاع من فضله، حتى حار معاوية بعيبه حين استعظم جلساؤه خطاب الحسين له "(٢) .

وقبل خروج الحسينعليه‌السلام ثائرا ضد يزيد، أوصى أخاه محمد بن الحنفية فقال:

"... وإني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي علي بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا، أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين "(٣) .

وخطب الحسينعليه‌السلام حين خرج إلى العراق فقال: " خُطَّ الموت على وُلد آدم مَخطَّ القَلادة على جيد الفتاة، وما أولَهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخُيّر لي مصرعٌ أنا لاقيه، كأنّي بأوصالي تقطِّعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء، فيملأن مني أكراشا جوفا وأجربةٍ سغباً، لا محيص عن يوم خُطَّ بالقلم، رضى الله رضانا

____________

١ - النساء: ٨٦.

٢ - راجع المجموعة الكاملة لعباس محمود العقاد، المجلد الثاني، الحسين أبو الشهداء: ص ١٩١ - ١٩٦.

٣ - نفس المهموم: ص ٢٥.

٥٤٣

أهل البيت، نصبر على بلائه ويوفينا أجر الصابرين، لن تشذ عن رسول الله لحمته، وهي مجموعة في حظيرة القدس، تقرّ بهم عينه، وينجز بهم وعده. من كان باذلا فينا مُهجته، وموطّناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا "(١) .

ويصل الحسينعليه‌السلام كربلاء، فيلتقي أهل الحق مع أهل الباطل، الخط الرسالي مع الخط الطاغوتي. وتسيل الدماء الزاكيات، دماء أهل بيت النبوة، وتختلط بتربة كربلاء لتسقي شجرة الإسلام فتبعث فيها الحياة، بعد أن كاد يقتلها الجرثوم الأموي. وتتحوّل هذه الدماء مع مرور الزمن إلى مشعلٍ ومزودٍ للأحرار، فيمرون على كربلاء ويتعلمون منها روح التضحية والفداء، ويستلهمون منها الدروس والعبر. ما أكثر الشهداء على مرِّ التاريخ، ولكنهم أحياء عند ربهم يرزقون، أما الحسين فحيٌّ في الدارين.

من أقوال الإمام:

١ - قال لأصحابه ليلة العاشر من محرم:... إني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعا في حلٍّ، ليس عليكم مني ذمام، هذا الليل فاتّخذوه جملاً، ثم ليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي، ثم تفرقوا في سَوادكم ومدائنكم حتى يفرج الله، فإنَّ القوم إنما يطلبوني، ولو قد أصابوني للهوا عن طلب غيري.

٢ - قال يوم العاشر: ألا وإنَّ الدَّعي - يزيد - ابن الدَّعي قد ركَز بين اثنتين بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة، يأبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت، وانوف حمية، ونفوس أبية، وأن نؤثر طاعة اللئام على مَصارع الكرام.

٣ - الناس عبيد الدنيا، والدين لعِقٌ على ألسنتهم، يحوطونه ما درَّت معائشهم، فإذا مُحّصوا بالبلاء، قلَّ الديّانون.

٤ - موت في عزّ، خيرٌ من حياة في ذل.

٥ - من دلائل العالم انتقاده لحديثه، وعلمه بحقائق فنون النظر.

____________

١ - نفس المهموم: ص ١٠٠.

٥٤٤

الإمام علي بن الحسين (السجاد)عليه‌السلام

(٣٨ هـ‍ - ٩٥ هـ‍)

الإمام الرابع من أئمة آل البيت، شهد كربلاء، لكنه كان مريضا فحفظ الله به نسل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وبقيت مأساة كربلاء تعيش مع الإمامعليه‌السلام . عن جعفر بن محمد: سئل علي بن الحسين عن كثرة بكائه، فقال: لا تلوموني، فإنَّ يعقوب فقد سبطاً من ولده، فبكى حتى ابيضّت عيناه ولم يعلم أنه مات، ونظرت أنا إلى أربعة عشر رجلا من أهل بيتي ذبحوا في غداة واحدة، فترون حزنهم يذهب من قلبي أبدا(١) ؟

وفي طبقات ابن سعد بسنده إلى المنهال قال: دخلت على عليِّ بن الحسين، فقلت:

كيف أصبحت أصلحك الله؟ فقال: ما كنت أرى شيخا من أهل المصر مثلك، لا يدري كيف أصبحنا، فأمّا إذ لم تدر أو تعلم فأنا أخبرك: أصبحنا في قومنا بمنزلة بني أسرائيل في آل فرعون!! إذ كانوا يذبّحون أبناءهم ويستحيون نساءهم، وأصبح شيخنا وسيدنا يتقرَّب إلى عدوِّنا بشتمه أو سبه على المنابر، وأصبحت قريش تعد أنَّ لها الفضل على العرب، لأنَّ محمدا منها لا يعدّ لها فضل إلاّ به، وأصبحت العرب مقرّة لهم بذلك، فلئن كانت العرب صدقت أنَّ لها الفضل على العجم، وصدقت قريش أنَّ لها الفضل على العرب لأنّ محمدا منها، إنّ لنا أهل البيت الفضل على قريش لأنّ محمدا منا، فأصبحوا يأخذون بحقنا ولا يأخذون لنا حقا، فهكذا أصبحنا إذا لم تعلم كيف أصبحنا! قال: فظننت أنه أراد أن يسمع من في البيت "(٢) .

____________

١ - حلية الأولياء: ٣/١٣٨. تهذيب الكمال في أسماء الرجال الحافظ المزي: ٢٠/٣٩٩.

٢ - هذه صورة واضحة عن حال أبناء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خير القرون!! فراجع كلامه في طبقات ابن سعد:

٥/١١٣. تهذيب الكمال: ٢٠/٣٩٩ - ٤٠٠.

٥٤٥

وروي " أنَّ علي بن الحسينعليه‌السلام كان يذكر حال من مسخهم الله قردةً من بني إسرائيل ويحكي قصتهم، فلما بلغ آخرها قال: إنَّ الله تعالى مسخ أولئك القوم لاصطيادهم السمك، فكيف ترى عند الله عزوجل يكون حال من قتل أولاد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهتك حريمه؟! إنَّ الله تعالى وإن لم يمسخهم في الدنيا فإنَّ المعد لهم من عذاب الآخرة أضعاف أضعاف من عذاب المسخ "(١) .

لقد كان علي بن الحسينعليه‌السلام إمام زمانه، وكانت وصايا الإمامة عنده. ورد عن جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام : " إنّ الحسين لما سار إلى العراق استودع أم سلمة(٢) الكتب والوصية فلما رجع علي بن الحسين دفعتها إليه "(٣) .

وشهادات علماء الإسلام لزين العابدين كثيرة ونحن نورد بعضا منها.

" عن العيزار بن حريث قال: كنت عند ابن عباس وأتاه علي بن الحسين فقال:

مرحبا بالحبيب ابن الحبيب "(٤) .

قال ابن سعد فيه: " وكان ثقةً مأمونا كثير الحديث عاليا رفيعا ورِعا. قال ابن عيينة، عن الزهري: ما رأيت قرشيا أفضل من علي بن الحسين "(٥) .

وقال ابن عيينة، عن الزهري أيضا: ما رأيت أحدا كان أفقه منه. وقال ابن وهب عن مالك: لم يكن في أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل علي بن الحسين(٦) .

ويروى أنَّ سعيد بن المسيب قال: ما رأيت أورع منه. وقال العجلي: مدنيٌّ، تابعي، ثقة(٧) .

____________

١ - الاحتجاج: ٢/٤٠.

٢ - إعلام الورى: ص ٢٥٢. مناقب آل أبي طالب، ابن شهرآشوب الجزء الثالث.

٣ - طبقات ابن سعد: ٥/١٠٩.

٤ - تهذيب التهذيب: ٧/٢٦٩. طبقات الحفاظ، السيوطي: ص ٣٧.

٥ - تهذيب التهذيب: ٧/٢٦٩. صفوة الصفوة: ٢/٩٩.

٦ - المصدر السابق.

٥٤٦

وقال مصعب الزبيري، عن مالك: ولقد أحرم علي بن الحسين فلما أراد أن يقول لبيك قالها فأغمي عليه حتى سقط من ناقته فهشم. ولقد بلغني أنه كان يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة إلى أن مات. وكان يسمى زين العابدين لعبادته(١) .

وقال عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه: ما رأيت هاشميا أفضل من علي بن الحسين ولا أفقه منه(٢) .

وقال له نافع بن جبير: إنك سيد الناس وأفضلهم(٣) .

قال جرير بن عبد الحميد عن عمرو بن ثابت: لما مات علي بن الحسين وجدوا بظهره أثرا، فسألوا عنه، فقالوا: هذا ما كان ينقل الجرب بالليل على ظهره إلى منازل الأرامل(٤) .

وقال جرير أيضا عن شيبة بن نعامة: كان علي بن الحسين يبخل، فلما مات وجدوه يعول مائة أهل بيت بالمدينة(٥) .

وقال فيه الشافعي: هو أفقه أهل المدينة.

وقال الواقدي: كان من أورع الناس، وأعبدهم، واتقاهم لله عز وجل، وكان إذا مشى لا يخطر بيديه(٦) .

سأل عمر بن عبد العزيز وقد قام عنده علي بن الحسينعليه‌السلام : من أشرف الناس؟

فقالوا له: أنتم. فقال: كلا، فإنَّ أشرف الناس هذا القائم من عندي آنفا، من أحب الناس أن يكونوا منه، ولم يحب أن يكون من أحد.

____________

١ - تهذيب التهذيب: ٧/٢٦٩. صفوة الصفوة: ٢/٩٩.

٢ - تهذيب الكمال: ٢/٣٨٧. تذكرة الخواص: ص ١٨٦.

٣ - صفوة الصفوة: ٢/٩٨. كشف الغمة: ص ١٩٩.

٤ - تهذيب الكمال: ٢٠/٣٩٢.

٥ - المصدر السابق.

٦ - البداية والنهاية: ٩/١٠٤.

٥٤٧

ولما أخبر عمر بن عبد العزيز بوفاة زين العابدين قال: ذهب سراج الدين، وجمال الإسلام، وزين العابدين.

وقال عنه الفقيه ابن حجر: هذا هو الذي خلف أباه علما وزهدا وعبادة(١) .

وقال فيه ابن الصباغ المالكي المكي: وأما لقبهعليه‌السلام فله ألقاب كثيرة كلها تطلق عليه، أشهرها: زين العابدينعليه‌السلام ، وسيد الساجدينعليه‌السلام ، والزكي، والأمين، وذو الثَفَنات...

أما مناقبهعليه‌السلام فكثيرة ومزاياه شهيرة(٢) .

وقال فيه الشيخ أبو زهرة: وقد كان زين العابدين فقيها كما كان محدِّثا، وكان له شبهٌ بجدِّه علي بن أبي طالب في قدرته على الإحاطة بالمسألة الفقهية من كل جوانبها والتفريع عليها(٣) .

وقال فيه الأستاذ عبد العزيز سيد الأهل: " وزين العابدين علي بن الحسين السجاد ليس في حاجة لأن أجلوه للناس أو - على الأقل - للعارفين به أكثر من معرفتي به، ولكنَّ الذي كان في حاجة لأن يمجد، وأن يستعلي، إنما هو قلمي ودفتري، ومدادي، من حيث أخذت بهذه الأدوات أنظم في سيرة هذا البطل نظما جديدا، ربما أعجب عصرنا، وانساق في تياره، ولئن حق لشئ أن يفخر، فقد حق للقلم الذي ينظم سيرته أن يمجد ويستعلي وأن يعتز على المداد والأقلام "(٤) .

وقد قال فيه الفرزدق قصيدةً رائعة في محضر هشام بن عبد الملك نختار منها بعض الأبيات:

____________

١ - الصواعق المحرقة: ٢/٥٨٢.

٢ - الفصول المهمة في معرفة الأئمة.

٣ - الإمام زيد: ص ٣١.

٤ - الإمام زين العابدين: ص ٤.

٥٤٨

هذا ابن خيرُ عبادِ الله كلّهم

هذا التقي النقي الطاهر العلَمُ

مشتقةٌ من رسول الله نبعته

طابت عناصرها والخيم والشيمُ

يُستدفع السوء والبلوى بحبِّهم

ويُستزاد به الإحسان والنعمُ

مقدَّم بعد ذكر الله ذكرهم

في كل حكم ومختوم به الكلمُ

إن عُدَّ أهل التقى كانوا أئمتهم

أو قيل من خير أهل الأرض قيل همُ

من يعرف الله يعرف أوّليّة ذا

فالدين من بيت هذا ناله الأممُ

ما قال لا قط إلاّ في تشهده

لولا التشهد كانت لاؤه نعمُ(١)

وقد ترك لنا السجادعليه‌السلام رسالةً تعرف ب‍ (رسالة الحقوق) كما ترك لنا ثروة روحية عظيمة في صحيفته السجادية من خلال الأدعية والمناجات وسنذكر شيئا منها في أقواله.

من أقوال الإمام:

١ - يا أيها الناس أحبُّونا حبَّ الإسلام، فما برح حُبُّكم حتى صار علينا عاراً وفي رواية: حتى بغّضتمونا إلى الناس(٢) .

٢ - قيل لعلي بن الحسين: إنَّ فلانا ينسبك إلى أنك ضال مبتدع فقال له: ما رعيت حق مجالسة الرجل حيث نقلت إلينا حديثه، ولا أدَّيت حقي حيث ابلغتني عن أخي ما

____________

١ - قال أبو زهرة: " لقد روت كتب التاريخ والسير والأدب هذه القصيدة منسوبة إلى الفرزدق الشاعر، ولم يتشكك الرواة والمؤرخون في نسبتها إليه، وأكثر كتب الأدب لم تثر عجاجة شك حولها " الإمام زيد.

وراجعها في تهذيب الكمال: ٢٠/٤٠٠ - ٤٠٢. حلية الأولياء: ٣/١٣٩. الأغاني، أبي الفرج:

١٥/٣٢٥. ديوان الفرزدق.

٢ - تهذيب الكمال: ٢٠/٣٨٧. حلية الأولياء: ٣/١٣٦. ابن سعد: ٥/٢١٤. سير أعلام النبلاء: ٤/٣٨٩.

٥٤٩

لست أعلمه. إنَّ الموت يعمّنا، والبعث يحشرنا، والقيامة موعدنا، والله يحكم بيننا.. إياك والغيبة، فإنها إدام كلاب النار.

٣ - قيل لعلي بن الحسين: مَن أعظم الناس خطرا؟ قال: من لم ير الدنيا لنفسه خطرا(١) .

٤ - وله من دعاء أبي حمزة الثمالي: "... فوعزتك يا سيدي لو انتهرتني ما برحت من بابك، ولا كففت عن تملقك، لما انتهى إلي من المعرفة بجودك... يا غفار، بنورك اهتدينا وبفضلك استغنينا، وبنعمتك أصبحنا وأمسينا، ذنوبنا بين يديك، نستغفرك اللهم منها ونتوب إليك، تتحبب إلينا بالنعم ونعارضك بالذنوب، خيرك إلينا نازل وشرنا إليك صاعد...

أنت إلهي أوسع فضلا وأعظم حلما من أن تقايسني بفعلي وخطيئتي، فالعفو العفو العفو، سيدي سيدي سيدي... فما لي لا أبكي، أبكي لخروج نفسي، أبكي لظلمة قبري، أبكي لضيق لحدي، أبكي لسؤال منكر ونكير إياي، أبكي لخروجي من قبري عريانا ذليلا حاملا ثقلي على ظهري...

إلهي ارحمني إذا انقطعت حجتي، وكَلَّ عن جوابك لساني، وطاش عند سؤالك إياي لبي، فيا عظيم رجائي لا تخيبني إذا اشتدَّت فاقتي...

وارحمني صريعا على الفراش تقلبني أيدي أحبتي، وتفضل عليَّ ممدودا على المغتسل يقلِّبني صالح جيرتي، وتحنَّن عليَّ محمولا قد تناول الأقرباء أطراف جنازتي، وجد عليَّ منقولا قد نزلت بك وحيداً في حفرتي، وارحم في ذلك البيت الجديد غربتي، حتى لا أستأنس بغيرك... "(٢) .

٥- كان الإمام يفخر و يقول:

نحن على الحوض ذوّاده

وتسعى بنا ورّادُه

وما فاز إلاّ من فاز بنا

ومن ساءنا ساء ميلاده

ومن كان غاصباً حقنا

فيوم القيامة ميعاده

____________

١ - تهذيب الكمال: ٢٠/٣٩٨. عيون الأخبار، ابن قتيبة: ١/٣٣١.

٢ - مفاتيح الجنان، عباس القمي والدعاء من ص ٢٥٠ - ٢٦٣ ومثله الكثير!

٥٥٠

الإمام محمد بن علي (الباقر)عليه‌السلام

(٥٧ هـ‍ - ١١٤ هـ‍)

الإمام الخامس من الأئمة الاثني عشر، تسلَّم مقاليد الإمامة بعد أبيه. " كانت لديه كتب، وهي التي كانت في حوزة ابنه جعفر فيما بعد "(١) .

وهكذا تنقل الكتب التي كانت بحوزة آل البيتعليهم‌السلام من إمام إلى إمام. وكفى هذا الإمام فخرا أنَّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث له سلاما مع جابر بن عبد الله الأنصاري.

يقول ابن حجر عن أبناء زين العابدين بعد ذكرهم: " وارثه منهم عبادةً وعلما وزهادة (أبو جعفر الباقر) سمي بذلك: من بقر الأرض أي شقَّها وأثار مخبآتها ومكامنها، فكذلك هو أظهر من مخبآت كنوز المعارف وحقائق الأحكام والحكم واللطائف، ما لا يخفى إلاّ على منطمس البصيرة فاسد الطويّة والسريرة، ومن ثَمَّ قيل فيه: هو باقر العلم وجامعه، وشاهر علمه ورافعه. صفا قلبه، وزكا علمه وعمله، وطهرت نفسه، وشرف خلقه، وعمرت أوقاته بطاعة الله، وله من الرسوخ في مقامات العارفين ما تكلُّ عنه ألسنة الواصفين، وله كلمات كثيرة في السلوك والمعارف لا تحتملها هذه العجالة، وكفاه شرفا أنَّ ابن المديني روى عن جابر أنه قال له وهو صغير: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسلم عليك. فقيل له وكيف ذاك قال: كنت جالسا عنده والحسين في حجره وهو يداعبه، فقال: " يا جابر يولد له مولود اسمه محمد... فإن أدركته يا جابر فأقرئه منِّي السلام "(٢) .

____________

١ - التهذيب: ٢/١٠٤.

٢ - الصواعق المحرقة: ٢/٥٨٥ - ٥٨٦، وذكر سلام النبي على الباقر ابن قتيبة في عيون الأخبار: ١/٢١٢، ابن عساكر: ١٥/٣٥٢. الذهبي في السير: ٤/٤٠٤. اليعقوبي في تاريخه: ٣/٦١. سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص: ٣٤٧. ابن الصباغ المالكي في فصوله المهمة: ١٩٣. الشبلنجي في نور الأبصار: ١٤٣.

٥٥١

وفي روايات الإمامية قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لجابر: " يوشك أن تبقى حتى تلقى ولدا لي من الحسين يقال له محمد يبقر علم الدين بقرا، فإذا لقيته فأقرئه مني السلام "(١) .

وقد عظَّم علماء الإسلام الباقر أيّ تعظيم. يقول عنه عبد الله بن عطاء المكي - أحد أعلام التابعين - " ما رأيت العلماء عند أحد قط، أصغر منهم عند أبي جعفر محمد ابن علي ابن الحسين، ولقد رأيت الحكم بن عتيبة - مع جلالته في القوم - بين يديه كأنه صبي بين يدي معلمه! "(٢) .

قال محمد بن المنكدر: " ما رأيت أحدا يفضل على علي بن الحسين، حتى رأيت ابنه محمدا، أردت يوما أن أعظه فوعظني "(٣) !

قال أبو نعيم: " ومنهم الحاضر الذاكر، الخاشع الصابر، أبو جعفر محمد بن علي الباقر، كان من سلالة النبوة، وممن جمع حسب الدين والأبوة، وتكلم في العوارض والخطرات، وسفح الدموع والعبرات، ونهى عن المِراء والخصومات "(٤) .

وقال ابن سعد في طبقاته: " انه كان عالما عابدا، ثقة، روى عنه أبو حنيفة وغيره من أعلام الأمة. وقال أبو يوسف: قلت لأبي حنيفة: لقيت محمد بن علي؟ قال: نعم، وسألته يوما فقلت له: أراد الله المعاصي؟ فقال: أفيعصى الله قهرا؟ قال أبو حنيفة: فما رأيت جوابا أفحم منه ".

وجاء في تهذيب التهذيب: " روى - الباقر - عن أبيه، وجديه الحسن والحسين، وجد أبيه علي بن أبي طالب مرسلا. قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث. وقال العجلي:

مدني، تابعي، ثقة. وقال ابن البرقي: كان فقيها فاضلا. وذكره النسائي في فقهاء أهل

____________

١ - الإرشاد، الشيخ المفيد: ٢/١٥٩.

٢ - المصدر السابق: ص ١٦٠. حلية الأولياء: ٣/١٨٦. مختصر تاريخ دمشق: ٢٣/٧٩.

٣ - تهذيب التهذيب: ٩/٣١٣.

٤ - الحلية: ٣/١٨٠، وراجع البداية والنهاية، ابن كثير: ٩/٣٠٩.

٥٥٢

المدينة من التابعين "(١) .

وقال النووي فيه: " وهو تابعي جليل، إمام بارع، مجمع على جلالته، معدود في فقهاء المدينة وأئمتهم "(٢) .

وقال فيه ابن العماد الحنبلي: " كان من فقهاء أهل المدينة، وقيل له الباقر، لأنه بقر العلم، أي شقه وعرف أصله وتوسع فيه... وله كلام نافع في الحكم والمواعظ "(٣) .

قال محمد بن طلحة الشافعي: " هو باقر العلم وجامعه، وشاهر علمه ورافعه، ومتفوق درَّه وراضعه، ومنمق درره وراصعه. صفا قلبه، وزكا عمله، وطهرت نفسه، وشرفت أخلاقه، وعمرت بطاعة الله أوقاته، ورسخت في مقام التقوى قدمه، وظهرت عليه سمات الازدلاف وطهارة الاجتباء، فالمناقب تسبق إليه، والصفات تشرف به "(٤) .

قال ابن خلكان: " كان الباقر عالما سيدا كبيرا، وإنما قيل له الباقر لأنه تبقَّر في العلم "(٥) .

قال الصبان الشافعي: " وأما محمد الباقررضي‌الله‌عنه فهو صاحب المعارف واللطائف، ظهرت كراماته، وكثرت في السلوك إشاراته "(٦) .

قال المناوي: " وله من الرسوخ في مقام العارفين ما تكل عنه ألسنة الواصفين، وله كلمات كثيرة في السلوك والمعارف يعجز عن حكايتها الواصف. فمن كلامه:

الصواعق تصيب المؤمن وغيره، ولا تصيب ذاكر الله عز وجل. وقال: ما دخل قلب امرئ شئ من الكبر إلاّ نقص من عقله مثل ما دخله منه أو أكثر...

____________

١ - تهذيب التهذيب: ٩/٣١٢.

٢ - تهذيب الأسماء واللغات: ١/٨٧.

٣ - أسد حيدر، نقلا عن شذرات الذهب: ١/٤٩.

٤ - المصدر السابق عن مطالب السؤول: ٢/٥٠.

٥ - وفيات الأعيان: ٤/١٧٤.

٦ - إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار: ص ٢٥٠.

٥٥٣

من أخبار الإمام:

في حلية الأولياء: " أنَّ رجلا سأل ابن عمر عن مسألة فلم يدر ما يجيبه، فقال:

إذهب إلى ذلك الغلام - وأشار إلى الباقر - فسله، وأعلمني بما يجيبك. فسأله، وأجابه، فأخبر ابن عمر، فقال: إنهم أهل بيت مفهمون "(١) .

دخل على الإمام الباقر رجل من الخوارج فقال له: يا أبا جعفر، أي شئ تعبد؟

فقالعليه‌السلام : الله. قال الرجل: رأيته؟ قال: بلى، لم تره العيون بمشاهدة الأبصار، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان، لا يعرف بالقياس، ولا يدرك بالحواس، ولا يشبه الناس، موصوف بالآيات، معروف بالدلالات، لا يجور في حكمه، ذلك الله لا إله إلاّ هو. فخرج الرجل وهو يقول: الله أعلم حيث يجعل رسالته(٢) .

وسأل نافع بن الأزرق أبا جعفرعليه‌السلام قال: أخبرني عن الله عز وجل متى كان؟

قال: متى لم يكن حتى أخبرك متى كان؟! سبحان من لم يزل ولا يزال فردا صمدا لم يتّخذ صاحبةً ولا ولدا(٣) .

وعن أبي حمزة الثمالي قال: أتى الحسن البصري أبا جعفرعليه‌السلام فقال: جئتك لأسألك عن أشياء من كتاب الله. فقال أبو جعفر: ألست فقيه أهل البصرة؟ قال: قد يقال ذلك. فقال له أبو جعفرعليه‌السلام : هل بالبصرة أحد تأخذ عنه؟ قال: لا. قال فجميع أهل البصرة يأخذون عنك؟ قال نعم. فقال أبو جعفر: سبحان الله لقد تقلَّدت عظيما من الأمر... أرأيت من قال الله له في كتابه: إنك آمن، هل عليه خوف بعد هذا القول منه؟

فقال الحسن لا. فقال أبو جعفرعليه‌السلام : إني أعرض عليك آية وانهي إليك خطابا، ولا

____________

١ - تاريخ التشريع الإسلامي، الدكتور الفضلي: ص ٩٨ - ٩٩. الإمام جعفر الصادق، المستشار عبدالحليم الجندي: ص ١٤١.

٢ - الاحتجاج: ٢/١٦٦ - ١٦٧. التوحيد، الصدوق: ص ٩٦.

٣ - الاحتجاج: ٢/١٦٦.

٥٥٤

أحسبك إلاّ وقد فسرته على غير وجهه، فإن كنت فعلت ذلك فقد هلكت وأهلكت.

فقال له: ما هو؟ قال: أرأيت حيث يقول:( وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ ) (١) يا حسن بلغني أنك أفتيت الناس فقلت: هي مكة. فقال أبو جعفرعليه‌السلام : فهل يقطع على من حج مكة وهل يخاف أهل مكة، وهل تذهب أموالهم؟ قال: بلى. قال: فمتى يكونون آمنين؟... بل فينا ضرب الله الأمثال في القرآن، فنحن القرى التي بارك الله فيها، وذلك قول الله عز وجل... "(٢) .

من أقوال الإمام:

١ - " شيعتنا من أطاع الله عز وجل "، و " إنّ الله تعالى يلقي في قلوب شيعتنا الرعب، فإذا قام قائمنا وظهر مهدينا كان الرجل أجرأ من ليث "(٣) .

٢ - قولوا للناس أحسن ما تحبون أن يقال لكم، فالله يبغض اللعان السباب الطعان على المؤمنين.

٣ - قيل له: من أشد الناس زهدا، قال: من لا يبالي بالدنيا في يد من كانت.

وقيل له: من أخسر الناس صَفقةً؟ قال: من باع الباقي بالفاني.

٤ - عن جابر الجُعفي قال: قال أبو جعفرعليه‌السلام : " يا جابر يكتفي مَن اتخذ التشيع أن يقول بحبنا أهل البيت؟ فوالله ما شيعتنا إلاّ من اتقى الله وأطاعه، وما كانوا يعرفون إلاّ بالتواضع، والتخشّع، وأداء الأمانة، وكثرة ذكر الله، والصوم، والصلاة والبرِّ بالوالدين، والتعهد للجيران من الفقراء، وأهل المسكنة، والغارمين، والأيتام، وصدق الحديث، وتلاوة القرآن، وكف الألسن عن الناس إلاّ من خير، وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء.

____________

١ - سبأ: ١٨.

٢ - الاحتجاج: ٢/١٨٢ - ١٨٣.

٣ - حلية الأولياء: ٣/١٨٤.

٥٥٥

قال جابر: يابن رسول الله ما نعرف أحدا بهذه الصفة، فقال لي: يا جابر لا تذهبنَّ بك المذاهب، حسبُ الرجل أن يقول أحب عليا صلوات الله عليه وأتولاّه، فلو قال إني أحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورسول الله خير من علي، ثم لا يتبع سيرته ولا يعمل بسنته ما نفعه حبه إياه شيئا، فاتقوا الله واعملوا لما عند الله، ليس بين الله وبين أحد قرابة، أحب العباد إلى الله وأكرمهم عليه أتقاهم له وأعملهم بطاعته، يا جابر ما يتقرب العبد إلى الله تبارك وتعالى إلاّ بالطاعة، ما معنا براءة من النار، ولا على الله لأحد منكم حجة، من كان لله مطيعا فهو لنا ولي، ومن كان لله عاصيا فهو لنا عدو، ولا تنال ولايتنا إلاّ بالعمل والورع "(١) .

____________

١ - صفات الشيعة، الشيخ الصدوق: ص ١٨ - ١٩.

٥٥٦

الإمام جعفر بن محمد (الصادق)عليه‌السلام

(٨٠ هـ‍ - ١٤٨ هـ‍)

وإليهعليه‌السلام ينسب مذهب الشيعة الإمامية، وذلك لأنه أتيح لهذا الإمام نشر علوم آل البيت أكثر من أيّ إمام آخر فسمي مذهب الشيعة المذهب الجعفري نسبةً للإمام جعفر الصادقعليه‌السلام مع أنَّ الإمامية يأخذون عن كل الأئمة الاثني عشر، والأئمة يأخذون عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وفي الإمام الصادق يقول أبو حنيفة: " ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد. لما أقدمه المنصور بعث إلي فقال: يا أبا حنيفة إنَّ الناس قد افتتنوا بجعفر بن محمد فهيئ له من المسائل الشداد، فهيأت له أربعين مسألة.

ثم بعث إليَّ أبو جعفر وهو بالحيرة فأتيته فدخلت عليه وجعفر بن محمد جالس عن يمينه، فلما أبصرت به، دخلتني من الهيبة لجعفر بن محمد الصادق ما لم يدخلني لأبي جعفر!! فسلمت عليه فأومأ إلي فجلست. ثم التفت إليه فقال: يا أبا عبد الله هذا أبو حنيفة.

قال جعفر: نعم - ثم أتبعها - قد أتانا. كأنه كره ما يقول فيه قوم أنه إذا رأى الرجل عرفه. ثم التفت المنصور إليّ فقال:

يا أبا حنيفة ألق على أبي عبد الله مسائلك. فجعلت ألقي عليه فيجيبني، فيقول:

أنتم تقولون كذا وأهل المدينة يقولون كذا ونحن نقول كذا. فربما تابعهم وربما خالفنا جميعا، حتى أتيت على الأربعين مسألة. ثم قال أبو حنيفة: ألسنا روينا أنَّ أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس "(١) .

____________

١ - مناقب أبي حنيفة، الموفق: ١/١٧٣. جامع أسانيد أبي حنيفة: ١/٢٢٢. تذكرة الحفاظ: ١/١٥٧.

سير أعلام النبلاء: ٦/١٧ - ١٨.

٥٥٧

وكان أبو حنيفة يقول: لولا السنتان لهلك النُعمان. قال الآلوسي: " هذا أبو حنيفة وهو من أهل السنة يفتخر ويقول بأفصح لسان: لولا السنتان لهلك النعمان، يعني السنتين اللتين جلس فيهما لأخذ العلم عن الإمام جعفر الصادق "(١) .

وقال فيه الخليفة المنصور: " إنَّ جعفرا كان ممن قال الله فيهم:( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) (٢) وكان ممن اصطفاه الله وكان من السابقين إلى الخيرات "(٣) .

وقال مالك بن أنس: " جعفر بن محمد اختلفت إليه زمانا فما كنت أراه إلاّ على إحدى ثلاث خصال، إما مصلٍّ، وإما صائم، وإما يقرأ القرآن "(٤) .

وقال: " وما رأت عين ولا سمعت أذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمد الصادق علما وعبادة وورعا "(٥) .

قال إسحاق بن راهوية: قلت للشافعي: كيف جعفر بن محمد عندك؟ فقال ثقة.

وقال الدوري عن يحيى بن معين: ثقة مأمون. وقال ابن أبي خيثمة وغيره عنه:

ثقة.

وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: ثقة لا يسأل عن مثله. وقال ابن عدي: ولجعفر أحاديث ونسخ، وهو من ثقات الناس.

وقال عمرو بن المقدام: كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمد علمت أنه من سلالة النبيين.

____________

١ - التحفة الاثنا عشرية. والملفت أن أبا حنيفة يقول في الإمام الصادق: لولا السنتان لهلك النعمان، ويقول عمر في علي: لولا علي لهلك عمر!!

٢ - فاطر: ٣٢.

٣ - تاريخ اليعقوبي: ٣/١٧٧.

٤ - تهذيب التهذيب: ٢/٨٩.

٥ - المجالس السنية الجزء الخامس. التوسل والوسيلة، ابن تيمية: ص ٥٢.

٥٥٨

ذكره ابن حبّان في الثُقات وقال: كان من سادات أهل البيت فقها وعلما وفضلا، يحتج بحديثه من غير رواية أولاده عنه.

وقال الساجي: كان صدوقا مأمونا، إذا حدَّث عنه الثقات فحديثه مستقيم(١) وقال العسقلاني: فقيهٌ صدوق(٢) .

وقال الذهبي: " جعفر بن محمد، أبو عبد الله أحد الأئمة الأعلام، برٌّ صادق كبير الشأن. وقد خرج له مسلم وأصحاب السنن الأربع، ولم يرو له البخاري "(٣) .

قال النووي: " وروى عنه محمد بن إسحاق، ويحيى الأنصاري، ومالك، والسفيانان، وابن جريح، وشعبة، ويحيى القطان وآخرون... واتفقوا على إمامته وجلالته "(٤) .

قال الشهرستاني: " جعفر بن محمد الصادق، هو ذو علم غزير، وأدب كامل في الحكمة، وزهد في الدنيا، وورع تام عن الشهوات، وقد أقام بالمدينة مدة يفيد الشيعة المنتمين إليه، ويفيض على الموالين له أسرار العلوم "(٥) .

قال الجاحظ: " جعفر بن محمد، الذي ملأ الدنيا علمه وفقهه، ويقال: إنَّ أبا حنيفة من تلامذته وكذلك سفيان الثوري، وحسبك بهما في هذا الباب "(٦) .

وقال ابن خلِّكان في ترجمة جعفر الصادقعليه‌السلام : " وكان من سادات أهل البيت، ولقِّب بالصادق لصدقه في مقالته، وفضله أشهر من أن يذكر، وله كلام في صناعة الكيمياء والزجر والفأل، وكان تلميذه أبو موسى جابر بن حيان الصوفي الطرسوسي.

____________

١ - راجع ما سبق: تهذيب التهذيب ٢/٨٨ - ٨٩، حلية الأولياء: ٣/١٩٣، صفوة الصفوة: ٢/١٦٨.

٢ - تقريب التهذيب: ص ٦٨١.

٣ - ميزان الاعتدال: ١/٤١٤.

٤ - تهذيب الأسماء واللغات: ١/١٥٥. وذكر النووي قول عمر بن المقدام المتقدم.

٥ - الملل والنحل: ١/٢٧٢.

٦ - أسد حيدر: ١/٥٥ عن رسائل الجاحظ، السندوبي: ص ١٠٦.

٥٥٩

وقد ألف كتابا يشتمل على ألف ورقة، تتضمن رسائل جعفر الصادق، وهي خمسمائة رسالة "(١) .

وقال ابن حجر الهيتمي عن جعفر الصادقعليه‌السلام : " نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر صيته في جميع البلدان، وروى عنه الأئمة الأكابر كيحيى بن سعيد، وابن جريج، والسفيانيين، وأبي حنيفة، وشعبة، وأيوب السختياني "(٢) .

قال كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي: " جعفر بن محمد هو من علماء أهل البيت وساداتهم، ذو علوم جمَّة، وعبادةٌ موفورة، وأوراد متواصلة، وزهادة بيِّنه، وتلاوة كثيرة، يتتبع معاني القرآن ويستخرج من بحره جواهره ويستنتج عجائبه، ويقسم أوقاته على أنواع الطاعات بحيث يحاسب عليها نفسه، رؤيته تذكِّر بالآخرة، واستماع كلامه يزهد في الدنيا، والاقتداء بهديه يورث الجنة، نور قسماته شاهدٌ أنه من سلالة النبوة، وطهارة أفعاله تصدّق أنه من ذرية الرسالة، نقل عنه الحديث واستفاد منه العلم جماعة من أعيان الأمة وأعلامهم مثل يحيى بن سعيد الأنصاري... وعدوا أخذهم منه منقبة شرِّفوا بها، وفضيلة اكتسبوها "(٣) .

وفي تذكرة الحفّاظ " عن صالح بن أبي الاسود، سمعت جعفر بن محمد يقول:

سلوني قبل أن تفقدوني(٤) فإنه لا يحدِّثكم أحد بعدي بمثل حديثي "(٥) .

وقال المناوي في الإمام الصادق: " وكانت له كرامات كثيرة ومكاشفات شهيرة، منها:

أنه سعي به عند المنصور فلما حج احضر الساعي. وقال للساعي: أتحلف؟ قال:

____________

١ - وفيات الأعيان: ١/٣٢٧.

٢ - الصواعق المحرقة: ٢/٥٨٦.

٣ - أسد حيدر، عن مطالب السؤول: ٢/٥٥.

٤ - ذرية بعضها من بعض.

٥ - ١/١٦٦.

٥٦٠