وركبت السفينة

وركبت السفينة0%

وركبت السفينة مؤلف:
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 665

وركبت السفينة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: مروان خلفيات
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 665
المشاهدات: 282393
تحميل: 5116

توضيحات:

وركبت السفينة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 665 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 282393 / تحميل: 5116
الحجم الحجم الحجم
وركبت السفينة

وركبت السفينة

مؤلف:
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

نعم، فحلف، فقال جعفر للمنصور: حلِّفه بما أراه فقال: حلِّفه فقال: قل، برئت من حول الله وقوته والتجأت إلى حولي وقوتي لقد فعل جعفر كذا وكذا. فامتنع الرجل، ثم حلف فما تمَّ حتى مات مكانه... "(١) .

قال الشيخ المفيد في الإمام الصادق: " وقد جمع أصحاب الحديث أسماء الرواة عنه من الثقات، على اختلافهم في الآراء والمقالات، فكانوا أربعة آلاف رجل من أصحابه "(٢) .

وقال الحسن بن علي الوشّاء: " أدركت في هذا المسجد - الكوفة - تسعمائة شيخ كل يقول: حدثني جعفر بن محمد "(٣) .

شئ من مناظرات الإمامعليه‌السلام :

قال الصادق لأبي حنيفة - لما دخل عليه - من أنت؟ قال: أبو حنيفة. قالعليه‌السلام :

مفتي أهل العراق؟ قال: نعم. قال: بما تفتيهم؟ قال: بكتاب الله. قالعليه‌السلام : وإنك لعالم بكتاب الله، ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه؟ قال: نعم. قال: فأخبرني عن قول الله عز وجل:( وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ ) (٤) .

أي موضع هو؟ قال أبو حنيفة: هو ما بين مكة والمدينة. فالتفت أبو عبد اللهعليه‌السلام إلى جلسائه، وقال: نشدتكم بالله هل تسيرون بين مكة والمدينة، ولا تأمنون على دمائكم من القتل، وعلى أموالكم من السرق؟ فقالوا: اللهم نعم. فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام :

ويحك يا أبا حنيفة إنّ الله لا يقول إلاّ حقا. أخبرني عن قول الله عز وجل:( وَمَن دَخَلَهُ

____________

١ - أسد حيدر: ١/٦٠ عن الكواكب الدرية: ١/٩٤، وراجع هذه الكرامة وغيرها في صفوة الصفوة:

٢/١٧٣ - ١٧٤، نور الأبصار: ص ١٣٣، إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار: ص ٢٤٨ - ٢٤٩.

٢ - الإرشاد: ص ٢٤٩.

٣ - أسد حيدر: ١/٥٥ عن المجالس، السيد الأمين: ٥/٢٠٩.

٤ - سبأ: ١٨.

٥٦١

كَانَ آمِنًا ) (١) ، أي موضع هو؟ قال: ذلك البيت الحرام. فالتفت أبو عبد اللهعليه‌السلام إلى جلسائه، وقال: نشدتكم بالله، هل تعلمون أنَّ عبد الله بن الزبير وسعيد بن جبير دخلاه فلم يأمنا القتل؟ قالوا: اللهم نعم. قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : ويحك يا أبا حنيفة إنَّ الله لا يقول إلاّ حقا.

فقال أبو حنيفة: ليس لي علم بكتاب الله، وإنما أنا صاحب قياس. فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : فانظر في قياسك إن كنت مقيسا، أيُّما أعظم عند الله القتل أو الزنا؟ قال: بل القتل. قال: فكيف رضي في القتل بشاهدين، ولم يرض في الزنا إلاّ بأربعة؟ ثم قال له:

الصلاة أفضل أم الصوم؟ قال: بل الصلاة أفضل، قالعليه‌السلام : فيجب على قياس قولك على الحائض قضاء ما فاتها من الصلاة في حال حيضها دون الصيام، وقد أوجب الله تعالى عليها قضاء الصوم دون الصلاة. ثم قال له: البول أقذر أم المني؟ قال: البول أقذر قالعليه‌السلام : يجب على قياسك أن يجب الغُسل من البول دون المني، وقد أوجب الله الغُسل من المني دون البول...

قالعليه‌السلام : تزعم أنك تفتي بكتاب الله، ولست ممن ورثه. وتزعم أنك صاحب قياس، وأول من قاس إبليس، ولم يبن دين الإسلام على القياس... "(٢) .

وفي دعائم الإسلام للقاضي أبي حنيفة المغربي المالكي قالعليه‌السلام : " فاتّق الله يا نُعمان، ولا تقس، فإنا نقف غدا، نحن وأنت ومن خالفنا بين يدي الله، فيسألنا عن قولنا، ويسألكم عن قولكم، فنقول: قلنا: قال الله، وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتقول أنت وأصحابك: رأينا وقسنا، فيفعل الله بنا وبكم ما يشاء "(٣) .

وقال في وفيات الأعيان: " وحكى كشاجم في كتاب (المصايد والمطارد) أنَّ

____________

١ - آل عمران: ٩٧.

٢ - الاحتجاج: ٢/٢٦٧ - ٢٧٠، وراجع حلية الأولياء: ٣/١٩٧، وإعلام الموقعين: ١/٢٥٥ - ٢٥٦، وإسلامنا، الرافعي: ص ٦٨ - ٦٩.

٣ - راجع تاريخ التشريع، الفضلي: ص ١١٥. والإحكام في اصول الأحكام، ابن حزم: ٦/٧١.

٥٦٢

جعفر المذكور - الصادق - سأل أبا حنيفة(١) فقال: ما تقول في محْرِمٍ كسر رباعية ظبي؟

فقال: يابن رسول الله، ما أعلم ما فيه، فقال له: أنت تتداهى ولا تعلم أنَّ الظبي لايكون له رباعية وهو ثني أبداً!! "(٢) .

وفي دعائم الإسلام: أنّ الصادق قال لابن أبي ليلى: أتقضي بين الناس يا عبد الرحمن؟ فقال: نعم، يابن رسول الله. قال: تنزع مالا من يدي هذا فتعطيه هذا، وتنزع امرأة من يدي هذا فتعطيها هذا، وتحدُّ هذا وتحبس هذا؟ قال: نعم. قال: بماذا تفعل ذلك كله؟ قال: بكتاب الله. قال: كل شئ تفعله تجده في كتاب الله؟ قال: لا. قال:

فما لم تجده في كتاب الله، فمن أين تأخذه؟ قال: فآخذه عن رسول الله. قال: وكل شئ تجده في كتاب الله وعن رسول الله؟ قال: ما لم أجده في كتاب الله ولا سنَّة رسول الله أخذته عن أصحاب رسول الله. قال: عن أيهم تأخذ؟ قال: عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير، وعدَّ أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قال: فكل شئ تأخذه عنهم، تجدهم قد اجتمعوا عليه؟ قال: لا. قال: فإذا اختلفوا، فبقول من تأخذ منهم؟ قال:

بقول من رأيت أن آخذ منهم أخذت.

قال: ولا تبالي أن تخالف الباقين؟ قال: لا. قال: فهل تخالف عليا فيما بلغك أنه قضى به، قال: ربما خالفته إلى غيره منهم. فسكت أبو عبد اللهعليه‌السلام ساعة، ينكت في الأرض، ثم رفع رأسه إليه، فقال: يا عبد الرحمن، فما تقول يوم القيامة إن أخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيدك وأوقفك بين يدي الله، فقال: أي رب، إنَّ هذا بلغه عني قول فخالفه؟ قال: وأين خالفت قوله يابن رسول الله؟

قال: ألم يبلغك قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأصحابه: " اقضاكم علي "(٣) ؟

____________

١ - ١/٣٢٨، وراجع: ١١/٤٧ من الوفيات ففيه مناظرة أخرى.

٢ - راجع قول النبي هذا في: التبصير في الدين، الأسفراييني: ص ١٦١. المعجم الصغير، الطبراني:

ص ١١٥. بغية الوعاة، السيوطي. الجامع الصغير، السيوطي. كفاية الطالب: ص ١٩٠. ذخائر العقبى:

ص ٨٣. الرياض النضرة: ٢/١٩٨. المقاصد الحسنة، السخاوي: ص ٧٢. إحقاق الحق: ٤/٣٢١.

٥٦٣

قال: نعم. قال: فإذا خالفت قوله، ألم تخالف قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) ؟

فاصفرَّ وجه ابن أبي ليلى حتى عاد كالأترجه، ولم يحر جوابا "(٢) .

قال عمرو بن عبيد للإمام الصادقعليه‌السلام بعد أن أجابه الإمام على مسائله: " هلك من سلبكم تراثكم، ونازعكم في الفضل والعلم "(٣) .

هذا وللإمام الصادقعليه‌السلام كثير من النظريات العلمية التي اكتشف بعضها في هذا العصر ومن أراد حقيقة هذا القول فعليه بكتاب: " الإمام الصادق كما عرفه علماء الغرب "(٤) ففيه العجب العجاب، وهو إن دل على شئ فإنه يدل على أنَّ علم آل البيت من علم جدهم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن جبريل، عن الله.

من أقوال الإمام:

١ - كان رجلٌ من أهل السواد يلزم جعفر بن محمد، ففقده، فسأل عنه فقال له رجل: إنه نبطي - يريد أن يَضَعَ منه - فقال جعفر: أصل الرجل عقله، وحسه دينه، وكرمه تقواه والناس في آدم متساوون(٥) .

٢ - أرسل أبو جعفر المنصور للصادقعليه‌السلام : لم لا تغشانا كما يغشانا سائر الناس؟

فقالعليه‌السلام : ما عندنا من الدنيا ما نخافك عليه، ولا عندك من الآخرة ما نرجوك له، ولا أنت في نعمة فنهنّيك عليها، ولا تعدّها نقمة فنعزيك عليها، فلم نغشاك؟ "(٦) .

____________

١ - وليت شعري ماذا تقول هذه الأمة إن كان خصمها رسول الله يوم القيامة فيقول: أي رب إنَّ هؤلاء بلغهم عني قولي في وجوب التمسك بالكتاب وآل بيتي فخالفوه؟!!

٢ - راجع تاريخ التشريع، الفضلي: ص ١٥٢ - ١٥٣.

٣ - روح التشيع، عبد الله نعمة: ص ٣٠٨ عن سيرة الأئمة الاثني عشر.

٤ - وهو مجموعة بحوث أعدها علماء الاستشراق وألقوها في ندوة نضمتها جامعة استراسبورغ الفرنسية ثم نشرتها في كتاب مستقل.

٥ - صفوة الصفوة: ٢/١٧٠ - ١٧١.

٦ - الإمام الصادق، أبو زهرة.

٥٦٤

٣ - إنَّ الله أوجب عليكم حبنا وموالاتنا، وفرض عليكم طاعتنا، ألا فمن كان منا فليقتد بنا، وإنّ من شأننا الورع، والاجتهاد، وأداء الأمانة إلى البر والفاجر، وصلة الرحم، وإقراء الضيف، والعفو عن المسئ، ومن لم يقتد بنا فليس منا. لا تسفهوا فإن أئمتكم ليسوا بسفهاء.

٤ - سأله المنصور - والذباب يقع عليه حتى أضجره -، لم خلق الله الذباب؟

فأجابهعليه‌السلام : ليذِّل به الجبابرة(١) .

٥ - إذا صلح أمر دنياك فاتّهم دينك.

٦ - قيل له: ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا؟ فقالعليه‌السلام : لأنكم تدعون من لا تعرفونه.

____________

١ - المصدر السابق. حلية الأولياء: ٣/١٩٨. صفوة الصفوة: ٢/١٧٠. نور الأبصار: ص ١٦٣.

٥٦٥

الإمام موسى بن جعفر (الكاظم)عليه‌السلام

(١٢٨ هـ‍ - ١٨٣ هـ‍)

الإمام السابع من الأئمة الاثني عشر. قال أبو حاتم: " ثقة، إمام من أئمة المسلمين "(١) .

وفي شذرات الذهب: " كان صالحا، عابدا، جوادا، حليما، كبير القدر. بلغه عن رجل الأذى له، فبعث [ إليه ] بألف دينار... واخباره كثيرة شهيرةرضي‌الله‌عنه "(٢) .

قال الحافظ الرازي: " موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب روى عن أبيه، روى عنه ابنه علي بن موسى وأخوه علي بن جعفر، سمعت أبي يقول ذلك. - حدثنا - عبد الرحمن، قال سئل أبي عنه فقال: ثقة صدوق، إمام من أئمة المسلمين "(٣) .

وقال فيه الخطيب البغدادي: " كان موسى يدعى العبد الصالح، من عبادته واجتهاده... وكان سخيا كريما، وكان يبلغه عن الرجل أنه يؤذيه فيبعث إليه بصرة فيها ألف دينار... كان يسكن المدينة فأقدمه المهدي بغداد وحبسه، فرأى في النوم علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه وهو يقول: يا محمد( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ) (٤) "(٥) .

____________

١ - شذرات الذهب: ٢/٣٧٧. سير أعلام النبلاء: ٦/٢٧٠.

٢ - شذرات الذهب: ٢/٣٧٧.

٣ - الجرح والتعديل: ٨/١٣٩.

٤ - محمد: ٢٢.

٥ - تاريخ بغداد: ١٣/٢٧. صفوة الصفوة: ٢/١٨٤. شذرات الذهب: ٣/٣٧٧. تذكرة السبط: ٣٤٩.

سير أعلام النبلاء: ٦/٢٧٢.

٥٦٦

فأطلقه المهدي " وأقام بالمدينة إلى أيام هارون الرشيد، فقدم هارون منصرفا من عمرة شهر رمضان سنة تسع وسبعين ومائة، فحمل موسى معه إلى بغداد وحبسه بها إلى أن توفي في محبسه "(١) .

قال ابن حجر: روى عن أبيه... قال يحيى بن الحسن بن جعفر النسابة: " كان موسى بن جعفر يدعى العبد الصالح من عبادته واجتهاده "(٢) .

وقال الذهبي: " الإمام القدوة، السيد أبو الحسن العلوي، والد الإمام علي ابن موسى الرضي مدني نزل بغداد "(٣) .

وقال: " كان موسى من أجود الحكماء، ومن عباد الله الأتقياء "(٤) .

قال ابن حجر الهيتمي فيه: " وهو وارثه - يقصد الصادقعليه‌السلام - علما ومعرفة وكمالا وفضلا. سمي الكاظم لكثرة تجاوزه وحلمه، وكان معروفا عند أهل العراق بباب قضاء الحوائج عند الله، وكان أعبد أهل زمانه وأعلمهم وأسخاهم "(٥) .

وقال فيه محمد بن طلحة الشافعي: " هو الإمام الكبير القدر، العظيم الشأن، الكبير المجتهد الجاد في الاجتهاد، المشهور بالعبادة، المواظب على الطاعة، المشهور بالكرامات، يبيت الليل ساجدا وقائما، ويقطع النهار متصدقا وصائما، ولفرط حلمه، وتجاوزه عن المعتدين عليه دعي كاظما "(٦) .

وقال ابن الجوزي: " كان يدعى العبد الصالح لأجل عبادته واجتهاده وقيامه

____________

١ - وفيات الأعيان: ٥/٣٠٨.

٢ - تهذيب التهذيب: ١٠/٣٠٢.

٣ - سير أعلام النبلاء: ٦/٢٧٠.

٤ - ميزان الاعتدال: ٣/٣٠٩.

٥ - الصواعق المحرقة: ٢/٥٩٠.

٦ - مطالب السؤول: ص ١٨.

٥٦٧

بالليل، وكان كريما حليما إذا بلغه عن رجل أنه يؤذيه بعث إليه بمال "(١) .

قال ابن الصباغ المالكي: " قال بعض أهل العلم: الكاظم هو الإمام الكبير القدر، والأوحد الحجة الحبر، الساهر ليله قائما، القاطع نهاره صائما، المسمى لفرط حلمه وتجاوزه عن المعتدين كاظما، وهو المعروف عند أهل العراق بباب الحوائج إلى الله، وذلك لنجح قضاء حوائج المسلمين... وكان موسى الكاظمعليه‌السلام أعبد أهل زمانه وأعلمهم وأسخاهم كفا وأكرمهم نفسا "(٢) .

وقال محمد الصبان الشافعي: " أما موسى الكاظم فكان معروفا عند أهل العراق بباب قضاء الحوائج عند الله، وكان من أعبد أهل زمانه ومن أكابر العلماء الأسخياء "(٣) .

وقال الشبلنجي الشافعي: " كان موسى الكاظمرضي‌الله‌عنه أعبد أهل زمانه وأعلمهم وأسخاهم كفا وأكرمهم نفسا، وكان يتفقد فقراء المدينة فيحمل إليهم الدراهم والدنانير إلى بيوتهم ليلا وكذلك النفقات ولا يعلمون من أي جهة وصلهم ذلك ولم يعلموا بذلك إلاّ بعد موته "(٤) .

من أخبار الإمام:

روي أنه دخل أبو حنيفة ومعه عبد الله بن مسلم فقال له الأخير: يا أبا حنيفة إنَّ هاهنا جعفر بن محمد من علماء آل محمد، فاذهب بنا إليه نقتبس منه علما، فلما أتيا إذا هما بجماعة من علماء شيعته ينتظرون خروجه أو دخولهم عليه، فبينما هم كذلك إذ خرج غلام حدث فقام الناس هيبة له، فالتفت أبو حنيفة فقال: يا بن مسلم من هذا؟

قال: موسى ابنه. قال: والله اخجله بين يدي شيعته.

____________

١ - صفوة الصفوة: ٢/١٨٤.

٢ - الفصول المهمة: ص ٢٢١ و ٢٢٧، وذكر هذا القول في نور الأبصار.

٣ - إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار: ص ٢٤٦.

٤ - نور الأبصار: ص ١٦٦.

٥٦٨

قال له: لن تقدر على ذلك. قال: والله لأفعلنه ثم التفت إلى موسى فقال... يا غلام ممن المعصية؟

قال: يا شيخ لا تخلو من ثلاث: إما أن تكون من الله وليس من العبد شئ، فليس للحكيم أن يأخذ عبده بما لم يفعله.

وإما أن تكون من العبد ومن الله، والله أقوى الشريكين فليس للشريك الأكبر أن يأخذ الشريك الأصغر بذنبه.

وإما أن تكون من العبد وهي منه فإن عفا فبكرمه وجوده، وإن عاقب فبذنب العبد وجريرته. قال أبوحنيفة: فانصرفت ولم ألق أبا عبد الله (الصادق)عليه‌السلام واستغنيت بما سمعت.

وفي رواية قال أبو حنيفة: "( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّـهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) "(١) .

قال الخطيب البغدادي في تاريخه: " حج الرشيد فأتى قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعه موسى بن جعفر، فقال: السلام عليك يا رسول الله، يابن عم، افتخارا على من حوله، فدنا موسى وقال: السلام عليك يا أبة. فتغير وجه هارون وقال: هذا الفخر يا أبا الحسن حقا "(٢) .

وفي صفوة الصفوة لابن الجوزي: " وعن شقيق بن إبراهيم البلخي قال: خرجت حاجا في سنة تسع وأربعين ومائتين(٣) فنزلت القادسية، فبينا أنا أنظر إلى الناس في زينتهم وكثرتهم فنظرت إلى فتى حسن الوجه شديد السمرة يعلو فوق ثيابه ثوب من صوف، مشتمل بشملة، في رجليه نعلان وقد جلس منفردا فقلت في نفسي: هذا الفتى من الصوفية يريد أن يكون كلًّا على الناس في طريقهم، والله لأمضين إليه ولأوبخنه.

فدنوت منه فلما رآني مقبلا قال: يا شقيق( اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ

____________

١ - إعلام الورى: ص ٢٩٨. الاحتجاج ٢/١٥٨ - ١٥٩. كنز الفوائد: ص ١٧١.

٢ - وفيات الأعيان: ٥/٣٠٩.

٣ - كذا في المصدر. والظاهر أن الصحيح تسع وأربعين ومئة.

٥٦٩

إِثْمٌ ) (١) ثم تركني ومضى. فقلت في نفسي: إنَّ هذا الأمر عظيم قد تكلم على ما في نفسي ونطق باسمي وما هذا إلاّ عبد صالح لألحقنه ولأسألنه أن يحالني. فأسرعت أثره فلم ألحقه وغاب عن عيني فلما نزلنا واقصة(٢) إذا به يصلي وأعضاؤه تضطرب ودموعه تجري فقلت، هذا صاحبي أمضي إليه وأستحله فصبرت حتى جلس وأقبلت نحوه. فلما رآني مقبلا قال: يا شقيق اتل:( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ ) (٣) ثم تركني ومضى. فقلت: إنَّ هذا الفتى لمن الأبدال وقد تكلم على سرّي مرتين، فلما نزلنا رمالا إذا بالفتى قائم على البئر وبيده ركوة يريد أن يستقي ماء فسقطت الركوة من يده في البئر وأنا أنظر إليه فرأيت قد رمق السماء وسمعته يقول:

أنت ربي إذا ظمئت من الماء

وقوتي إذا أردت الطعاما

اللهم سيدي مالي سواها فلا تعدمنيها. قال شقيق: فوالله لقد رأيت البئر قد ارتفع ماؤها فمد يده فأخذ الركوة وملأها ماء وتوضأ وصلى أربع ركعات. ثم مال إلى كثيب رمل فجعل يقبض بيده ويطرحه في الركوة ويحركه ويشرب. فأقبلت إليه وسلمت عليه فرد علي السلام. فقلت: أطعمني من فضل ما أنعم الله به عليك. فقال يا شقيق: لم تزل نعمة الله علينا ظاهرة وباطنة فأحسن ظنك بربك. ثم ناولني الركوة فشربت منها فإذا سويق وسكر، فوالله ما شربت قط ألذ منه ولا أطيب ريحا منه. فشبعت ورويت، فأقمت أياما لا أشتهي طعاما ولا شرابا، ثم لم أره حتى دخلنا مكة فرأيته ليلة إلى جنب قبة الشراب في نصف الليل يصلي بخشوع وأنين وبكاء، فلم يزل كذلك حتى ذهب الليل.

فلما رأى الفجر جلس في مصلاه يسبح الله. ثم قام فصلى الغداة. وطاف بالبيت أسبوعا وخرج فتبعته فإذا له حاشية وموال وهو على خلاف ما رأيته في الطريق، ودار به الناس

____________

١ - الحجرات: ١٢.

٢ - جاء في حاشية صفوة الصفوة: ٢/١٨٥ ماء لبني كليب، من عمل المدينة.

٣ - طه: ٨٢.

٥٧٠

من حوله يسلمون عليه، فقلت لبعض من رأيته يقرب منه، من هذا الفتى؟ فقال: هذا موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام . فقلت: قد عجبت أن تكون هذه العجائب إلاّ لمثل هذا السيد "(١) .

من أقوال الإمام:

١ - كتب الإمام للرشيد وهو في سجنه فقال: " لن ينقضي عني يوم من البلاء حتى ينقضي عنك يوم من الرخاء، حتى نفضي جميعا إلى يوم ليس له انقضاء، يخسر فيه المبطلون "(٢) .

٢ - رأى سفيان الثوري الإمام موسى بن جعفر وهو غلام يصلي، والناس يمرون بين يديه، فقال: إنَّ الناس يمرون بك وهم في الطواف؟ فقالعليه‌السلام : الذي أصلي له أقرب إلي من هؤلاء.

٣ - ومن وصيتهعليه‌السلام لهشام بن الحكم: " يا هشام لو كان في يدك جوزة، وقال الناس إنها لؤلؤة، ما كان ينفعك، وأنت تعلم أنها جوزة، ولو كان في يدك لؤلؤة، وقال الناس إنها جوزة، ما ضرك وأنت تعلم أنها لؤلؤة.

ياهشام: إنّ لله على الناس حجتين: حجة ظاهرة وحجة باطنة، فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة، وأما الباطنة فالعقول.

يا هشام: قليل العمل من العاقل مقبول مضاعف، وكثير العمل من أهل الهوى والجهل مردود. يا هشام لا تمنحوا الحكمة الجهال فتظلموها، ولا تمنعوها أهلها

____________

١ - راجع صفوة الصفوة: ٢/١٨٥ - ١٨٧. وذكرها الشبلنجي في نور الأبصار: ص ١٤ - ١٦٥ وقال: " هذه الكرامة رواها جماعة من أهل التأليف. رواها ابن الجوزي في كتابه مثير الغرام الساكن إلى أشرف الأماكن. ورواها الجنابذي في معالم العترة النبوية، والرامهرمزي في كتابه كرامات الأولياء ". ورواها الصبان الشافعي في إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار: ص ٢٤٦ - ٢٤٧.

٢ - تذكرة السبط: ص ٣٥٠. تاريخ بغداد. سير أعلام النبلاء: ٦/٢٧٣.

٥٧١

فتظلموهم. يا هشام: إنّ كل الناس يبصر النجوم، ولكن لا يهتدي بها إلاّ من عرف مجاريها ومنازلها، وكذلك أنتم، تدرسون الحكمة، ولكن لا يهتدي بها منكم إلاّ من عمل بها... " إلى آخرها وهي طويلة.

٤ - لا تكن إمعة، فتقول: أنا مع الناس، إنّ رسول الله قال: إنما هما نجدان نجد خير ونجد شر، فلا يكن نجد الشر أحب إليك من نجد الخير.

٥ - المؤمن مثل كفتي الميزان كلما زيد في إيمانه زيد في بلائه.

٦ - قال لبعض ولده: يا بني إياك أن يراك الله في معصية نهاك عنها، وإياك أن يفقدك الله عند طاعة أمرك بها.

٥٧٢

الإمام علي بن موسى (الرضا)عليه‌السلام

(١٤٨ هـ‍ - ٢٠٣ هـ‍)

الإمام الثامن من الأئمة الاثني عشر. قال ابن حجر عن أولاد الكاظم: " منهم (علي الرضا) وهو أنبههم ذكرا وأجلّهم قدرا. ثم أحله المأمون محل مهجته، وأنكحه ابنته، وأشركه في مملكته، وفوض إليه أمر خلافته...

وروى الحاكم عن محمد بن عيسى، عن أبي حبيب قال: رأيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المنام في المنزل الذي ينزل الحُجّاج ببلدنا، فسلمت عليه فوجدت عنده طبقا من خوص المدينة فيه تمر صيحاني فناولني منه ثمانية عشر فتأولت أن أعيش عدتها، فلما كان بعد عشرين يوما قدم أبو الحسن علي الرضا من المدينة، ونزل ذلك المسجد، وهرع الناس بالسلام عليه فمضيت نحوه فإذا هو جالس في الموضع الذي رأيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه وبين يديه طبق من خوص المدينة فيه تمر صيحاني، فسلمت عليه فاستدعاني وناولني قبضة من ذلك التمر فإذا عدتها بعدد ما ناولني النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في النوم، فقلت زدني فقال: لو زادك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لزدناك.

ولما دخل نيسابور - كما في تاريخها - وشق سوقها، وعليه مظلة لا يرى من ورائها، تعرض له الحافظان أبو زرعة الرازي ومحمد بن أسلم الطوسي ومعهما من طلبة العلم والحديث ما لا يحصى، فتضرعا إليه أن يريهم وجهه ويروي لهم حديثا عن آبائه، فاستوقف البغلة وأمر غلمانه بكف المظلة، وأقر عيون تلك الخلائق برؤية طلعته المباركة، فكانت له ذؤابتان مدليتان على عاتقه والناس بين صارخ وباك ومتمرغ في التراب ومقبل لحافر بغلته فصاحت العلماء: معاشر الناس أنصتوا فأنصتوا، واستملى منه الحافظان المذكوران فقال: حدثني أبي موسى الكاظم عن أبيه جعفر الصادق عن أبيه

٥٧٣

محمد الباقر عن أبيه زين العابدين عن أبيه الحسين عن أبيه علي بن أبي طالب(١) قال:

حدثني حبيبي وقرة عيني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: حدثني جبريل قال: سمعت رب العزة يقول: لا إله إلا الله حصني، فمن قالها دخل حصني ومن دخل حصني أمن من عذابي.

ثم أرخى الستر وسار. فعد أهل المحابر والدوى الذين كانوا يكتبون، فأنافوا على عشرين ألفا.

قال أحمد - ابن حنبل -: لو قرأت هذا الإسناد - المتقدم - على مجنونٍ لبُرئ من جنّته(٢) !!! ونقل بعض الحفاظ أنَّ امرأة زعمت أنها شريفة - بحضرة المتوكل - فسأل عمن يخبره بذلك، فدل على علي الرضا، فجاء فأجلسه معه على السرير وسأله، فقال:

إنّ الله حرّم لحم أولاد الحسنين على السباع، فلتلق للسباع، فعرض عليها بذلك فاعترفت بكذبها. ثم قيل للمتوكل ألا تجرب ذلك فيه؟ فأمر بثلاثة من السباع فجئ بها في صحن قصره، ثم دعاه فلما دخل بابه أغلق عليه والسباع قد أصمت الأسماع من زئيرها، فلما مشى في الصحن يريد الدرجة، مشت إليه وقد سكنت وتمسحت به ودارت حوله وهو يمسحها بكمه، ثم ربضت، فصعد للمتوكل وتحدث معه ساعة، ثم نزل ففعلت معه كفعلها الأول حتى خرج، فأتبعه المتوكل بجائزة عظيمة، فقيل للمتوكل افعل كما فعل ابن عمك، فلم يجسر عليه وقال: أتريدون قتلي؟ ثم أمرهم أن لا يفشوا ذلك "(٣) .

قال الحاكم النيسابوري في تاريخ نيسابور عن الرضاعليه‌السلام : " وكان يفتي في مسجد رسول الله وهو ابن نيف وعشرين سنة. روى عنه من أئمة الحديث، آدم

____________

١ - وهذا الإسناد الذي ذكره الإمام يعرف بسلسلة الذهب بين المحدثين. قال أبو نعيم في الحلية: ٣/١٩٢ " هذا حديث مشهور بهذا الإسناد من رواية الطاهرين عن آبائهم الطيبين، وكان بعض سلفنا من المحدثين - يعني أحمد بن حنبل - إذا روى هذا الإسناد قال: لو قرئ هذا الإسناد على مجنون لأفاق ".

٢ - الصواعق المحرقة: ٢/٥٩٣ - ٥٩٦. وفي آخر القصة ذكر ابن حجر أنَّ المسعودي نقلها على أنّ صاحب القصة هو علي العسكري (الهادي) ابن ابن الرضاعليه‌السلام ، وقد صوَّب ذلك، لأنّ الرضاعليه‌السلام لم يدرك المتوكل قطعا.

٥٧٤

بن أياس... "(١) .

وذكر أبو حاتم الرازي أنه روى عن أبيه موسى بن جعفر(٢) . وفي تهذيب التهذيب: " وكان الرضى من أهل العلم والفضل، مع شرف النسب "(٣) .

وقال الذهبي: " الإمام السيد أبو الحسن علي الرضى... وكان من أهل العلم والدين والسؤدد بمكان يقال: أفتى وهو شاب في أيام مالك "(٤) .

قال: " وقد كان علي الرضى كبير الشأن، أهلا للخلافة... "(٥) .

وقال فيه الواقدي: " كان ثقةٌ، يفتي بمسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو ابن نيف وعشرين سنه، وهو من الطبقة الثامنة من التابعين من أهل المدينة "(٦) .

وفي النجوم الزاهرة قال في الإمام الرضا " سيد بني هاشم في زمانه، وأجلهم، وكان المأمون يعظِّمه، ويجلّه، ويخضع له، ويتفانى فيه.. "(٧) .

وقال ابن طلحة الشافعي: " تقدم أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام وزين العابدين علي بن الحسينعليه‌السلام وجاء علي بن موسى الرضا هذا ثالثهما، ومن أمعن نظره وفكره وجده في الحقيقة وارثهما. نما إيمانه وعلا شأنه وارتفع مكانه وكثر أعوانه وظهر برهانه، حتى أدخله المأمون محل مُهجته، وأشركه في مملكته، وفوَّض إليه أمر خلافته، وعقد له على رؤوس الأشهاد عقد نكاح ابنته. وكانت مناقبه عليّه، وصفاته سنيّه، ونفسه الشريفة زكية هاشمية، وأرومته الكريمة نبوية "(٨) .

____________

١ - تهذيب التهذيب: ٣/٢٣٩.

٢ - الجرح والتعديل: ج ٤/باب الجيم.

٣ - ٧/٣٤٠.

٤ - سير أعلام النبلاء: ٩/٣٨٧ - ٣٨٨.

٥ - المصدر السابق: ص ٣٩٢.

٦ - تذكرة الخواص: ص ٣٥١.

٧ - الحياة السياسية للإمام الرضا، جعفر مرتضى العاملي: ص ١٤٧.

٨ - ذكره عنه ابن الصباغ المالكي في فصوله المهمة: ص ٢٣٣.

٥٧٥

وفي الإمام الرضاعليه‌السلام يقول أبو نؤاس:

قيل لي أنت أحسن الناس طرّاً

في فنون من الكلام النبيه

لك من جيد القريض مديح

يثمر الدرَّ في يدي مجتنيه

فعلام تركت مدح ابن موسى

والخصال التي تجمعن فيه

قلت لا استطيع مدح إمامٍ

كان جبريل خادما لأبيه(١)

وهناك كلام طويل للإمام في الإمامة، نقتطف منه اليسير. قالعليه‌السلام :

"... هل تعرفون قدر الإمامة ومحلها من الأمة، فيجوز فيها اختيارهم؟

إنَّ الإمامة أجل قدرا، وأعظم شأنا، وأعلى مكانا، وأمنع جانبا، وأبعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم، أو ينالوها بآرائهم، فيقيموها باختيارهم...

إنَّ الإمامة: منزلة الأنبياء، وإرثُ الأوصياء..

إنَّ الإمامة: خلافة الله عز وجل، وخلافة الرسول، ومقام أمير المؤمنين وميراث الحسن والحسينعليهم‌السلام .

إنَّ الإمامة: زمام الدين، ونظام المسلمين، وصلاح الدنيا، وعزّ المؤمنين..

إنَّ الإمامة: رأس الإسلام النامي وفرعه السامي.

بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام، والحج والجهاد، وتوفير الفئ والصدقات، وإمضاء الحدود والأحكام، ومنع الثغور والأطراف...

الإمام، كالشمس الطالعة للعالم في الافق، بحيث لا تناله الأيدي والأبصار..

الإمام: البدر المنير، والسراج الزاهر، والنور الساطع، والنجم الهادي في غياهب الدجى، والبيداء القفار ولجج البحار..

الإمام: الماء العذب على الظماء، والدال على الهدى، والمنجي من الردى..

____________

١ - وفيات الأعيان: ٣/٢٧٠، وفي سير أعلام النبلاء نسبها للحسن بن هانئ، وراجع نور الأبصار: ١٦٨.

٥٧٦

الإمام: النار على البقاع الحارة لمن اصطلى، والدليل على المسالك، من فارقه فهالك...

الإمام: واحد دهره، لا يدانيه أحد، ولا يعادله عِدلٌ، ولا يوجد له بديل ولا له مثيل ولا نظير، مخصوص بالفضل كلُّه من غير طلب منه ولا اكتساب، بل اختصاص من المتفضِّل الوهاب. فمن ذا يبلغ معرفة الإمام ويمكنه اختياره؟ هيهات هيهات!! ضلَّت العقول، وتاهت الحلوم، وحارت الألباب، وجسرت العيون، وتصاغرت العظماء، وتحيرت الحكماء، وتقاصرت الحلماء، وحصرت الخطباء، وجهلت الألباب، وكلَّت الشعراء، وعجزت الأدباء، وعيَت البلغاء عن وصف شأن من شأنه أو فضيلة من فضائله، فأقرّت بالعجز والتقصير.

وكيف يوصف أو ينعت بكنهه، أو يفهم شئ من أمره، أو يوجد من يقوم مقامه، ويغني غناه؟ لا وكيف وأين؟!

فأين الاختيار من هذا، وأين العقول عن هذا، وأين يوجد مثل هذا، ظنوا أن ذلك يوجد في غير آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كذبتهم والله أنفسهم ومنَّتهم الباطل، فارتقوا مرتقى صعبا دحضا تزّل عنه إلى الحضيض أقدامهم، راموا إقامة الإمام بعقول حائرة بائرة ناقصة وآراء مضلة، فلم يزدادوا منه إلاّ بعدا... "(١) .

من أقوال الإمام:

١ - روى بعضهم قال: كنت مع الرضاعليه‌السلام في سفره إلى خراسان، فدعا يوما بمائدة له، فجمع عليها مواليه من السودان وغيره فقلت له: جعلت فداك، لو جعلت لهؤلاء مائدة؟ قال: إنَّ الرب تبارك وتعالى واحد، والأب واحد، والأم واحدة، والجزاء بالأعمال.

____________

١ - الاحتجاج: ٢/٢٢٦ - ٢٣١. تحف العقول: ٤٣٦ - ٤٤٢.

٥٧٧

٢ - إنا أهل بيت نرى وعدنا علينا دينا كما صنع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٣ - قيل له: كيف أصبحت؟ فقال: أصبحت بأجل منقوص، وعمل محفوظ، والموت في رقابنا والنار من ورائنا، ولا ندري ما يفعل بنا.

٤ - صديق كل امرئ عقله، وعدوه جهله.

٥ - عونك للضعيف أفضل من الصدقة.

٦ - الصمت باب من أبواب الحكمة.

٥٧٨

الإمام محمد بن علي (الجواد)عليه‌السلام

(١٩٥ هـ‍ - ٢٢٠ هـ‍)

الإمام التاسع من الأئمة الاثني عشر " وكان يروي مسندا عن آبائه إلى علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه ... "(١) .

وبعد أن ذكر سبط ابن الجوزي نسب الإمامعليه‌السلام قال: " وكان على منهاج أبيه في العلم والتقى والزهد والجود "(٢) .

قال ابن طلحة الشافعي: " هو أبو جعفر الثاني... وإن كان صغير السن فهو كبير القدر، رفيع الذكر. القائم بالإمامة بعد علي بن موسى الرضا، ولده أبو جعفر محمد الجواد، للنص عليه والإشارة له بها من أبيه، كما أخبر بذلك جماعة من الثقات العدول "(٣) .

وقال محمود بن وهيب البغدادي الحنفي: " محمد الجواد بن علي الرضا، كنيته أبو جعفر.. وهو الوارث لأبيه علما وفضلا وأجل إخوته قدرا وكمالا "(٤) .

وقال الشبلنجي الشافعي عن المأمون: " وأحسن إليه - للجواد - وقرَّبه وبالغ في إكرامه، ولم يزل مشغوفا به لما ظهر له بعد ذلك من فضله وعلمه وكمال عقله وظهور براهينه مع صغر سنه "(٥) .

____________

١ - وفيات الأعيان: ٤/١٧٥.

٢ - تذكرة الخواص: ص ٢٠٢.

٣ - راجع الفصول المهمة، ابن الصباغ المالكي: ص ٢٥٣.

٤ - جوهر الكلام: ص ١٤٧.

٥ - نور الأبصار: ص ١٧٧.

٥٧٩

قال ابن حجر في الجوادعليه‌السلام : " ومما اتفق، انه بعد موت أبيه بسنة، واقف والصبيان يلعبون في أزِّقة بغداد، إذ مرَّ المأمون ففروا ووقف محمد وعمره تسع سنين، فألقى الله محبته في قلبه، فقال له: يا غلام ما منعك من الانصراف؟ فقال له مسرعا: يا أمير المؤمنين لم يكن بالطريق ضيق فأوسعه لك، وليس لي جرم فأخشاك، والظن بك حسن أنك لا تضر من لا ذنب له، فأعجبه كلامه وحسن صورته فقال له: ما اسمك واسم أبيك؟ فقال:

محمد بن علي الرضا، فترحم على أبيه وساق جواده. وكان معه بزاة للصيد، فلما بعد عن العمار أرسل بازا على دراجة فغاب عنه ثم عاد من الجو في منقاره سمكة صغيرة وبها بقاء الحياة فتعجب من ذلك غاية العجب، ورأى الصبيان على حالهم ومحمد عندهم ففروا إلاّ محمد، فدنا منه، وقال: ما في يدي؟ فقال: يا أمير المؤمنين إنّ الله تعالى خلق في بحر قدرته سمكا صغارا، يصيدها بازات الملوك والخلفاء، فيختبر بها سلالة أهل بيت المصطفى. فقال له: أنت ابن الرضا حقا. وأخذه معه وأحسن إليه وبالغ في إكرامه. فلم يزل مشغفا به لما ظهر له بعد ذلك من فضله وعلمه وكمال عظمته وظهور برهانه مع صغر سنه. وعزم على تزويجه بابنته أم الفضل وصمم على ذلك فمنعه العباسيون من ذلك خوفا من أنه يعهد إليه كما عهد إلى أبيه، فلما ذكر لهم أنه إنما اختاره لتميزه على كافة أهل الفضل علما ومعرفة وحلما مع صغر سنه، فتنازعوا في اتصاف محمد بذلك، ثم تواعدوا على أن يرسلوا إليه من يختبره فأرسلوا إلى يحيى ابن أكثم ووعدوه بشئ كثير إن قطع لهم محمدا، فحضروا للخليفة ومعهم ابن أكثم وخواص الدولة، فأمر المأمون بفرش حسن لمحمد فجلس عليه، فسأله يحيى مسائل أجاب عنها بأحسن جواب(١) وأوضحه، فقال له

____________

١ - وسؤال يحيى هو: ما تقول - جعلني الله فداك - في محرم قتل صيدا؟ فقال الإمام أبو جعفرعليه‌السلام : قتله في حلّ أو في حرم؟ عالما كان المحرم أم جاهلا؟ قتله عمدا أو خطأ؟ حرا كان المحرم أم عبدا؟ صغيرا كان أو كبيرا؟ مبتدئا بالقتل أم معيدا؟ من ذوات الطير كان الصيدأم غيرها؟ من صغار الصيد كان أم من كبارها؟

مصرا على ما فعل أو نادما؟ في الليل كان قتله للصيد أم نهارا؟ محرما كان بالعمرة إذ قتله أو بالحج كان محرما؟ ثم فصل الإمام الجواب، فراجع الاحتجاج: ٢/٢٤٠ - ٢٤٥. إعلام الورى: ص ٣٣٥ - ٣٣٨.

٥٨٠