وركبت السفينة

وركبت السفينة0%

وركبت السفينة مؤلف:
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 665

وركبت السفينة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: مروان خلفيات
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 665
المشاهدات: 282414
تحميل: 5116

توضيحات:

وركبت السفينة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 665 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 282414 / تحميل: 5116
الحجم الحجم الحجم
وركبت السفينة

وركبت السفينة

مؤلف:
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

للمسلمين والائتمام بعلي بن أبي طالب والموالاة له، ومثل أبي سعيد الخدري الذي يقول: أمر الناس بخمس فعملوا بأربع وتركوا واحدةً. ولما سئل عن الأربع قال:

الصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان والحج وقيل: فما الواحدة التي تركوها؟ قال: ولاية علي بن أبي طالب!! قيل له: وإنها لمفروضةٌ معهنَّ؟ قال: نعم!! ومثل أبي ذر الغفاري، وعمار بن ياسر، وحذيفة بن اليمان، وذي الشهادتين خزيمة بن ثابت، وأبي أيوب الأنصاري، وخالد بن سعيد بن العاص، وقيس بن سعد بن عبادة "(١) .

قال الدكتور صبحي الصالح: " كان بين الصحابة حتى في عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيعة لربيبه عليٌّ، منهم:

أبو ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، وجابر بن عبد الله، وأبي بن كعب، وأبو الطفيل عمر بن وائلة، والعباس بن عبد المطلب وجميع بنيه، وعمار بن ياسر، وأبو أيوب الأنصاري "(٢) .

وقال عبد الله الأمين عن الشيعة: " وترجع إلى صحابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذين شايعوا وناصروا سيدنا عليارضي‌الله‌عنه في خلافة المسلمين لقناعتهم بأحقيَّته لهذا المنصب الخطير "(٣) .

وقال الاستاذ محمد عبد الله عنان: " من الخطأ أن يقال: إنَّ الشيعة ظهرت ولأول مرة عند انشقاق الخوارج. بل كان بدء الشيعة وظهورهم في عصر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين أمره الله بإنذار عشيرته في الآية ٢١٤ من الشعراء:( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) ولبَّى النبي فجمع عشيرته في بيته وقال لهم مشيرا إلى علي: هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا "(٤) .

____________

١ - خطط الشام: ٥/٢٥١.

٢ - النظم الإسلامية: ص ٩٦.

٣ - روح التشيع، عبد الله نعمة، عن دراسات في الفرق والمذاهب القديمة.

٤ - روح التشيع: ص ٢٠ عن الجمعيات السرية.

٦٢١

الشيعة والصحابة

قد فصَّلنا القول فيما مضى في عدالة الصحابة ورأينا أنَّ فيهم المؤمن والمنافق...

والشيعة ينظرون للصحابة نظرة القرآن لهم، يقول السيد مرتضى العسكري: " فإنَّ مدرسة أهل البيت ترى، تبعا للقرآن الكريم، أنَّ في الصحابة منافقين مردّوا على النفاق، ورموا فراش النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالإفك. وحاولوا اغتيال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأخبر عنهم الرسول أنهم يوم القيامة يختلجون دون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فينادي: أصيحابي فيقال له:

إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، لم يزالوا مرتدِّين على أعقابهم منذ فارقتهم. وأنَّ منهم مؤمنين أثنى الله عليهم والرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أحاديثه، وأنهم المقصودون في ما ورد من الثناء في القرآن والحديث، وقد عين النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العلامَةُ الفارقة بين المؤمن والمنافق:

حب الإمام علي، وبغضه، ومن ثمَّ فإنهم ينظرون في حال الراوي فإن كان ممن قاتل عليا أو الأئمة من أهل البيتعليهم‌السلام وعاداهم فإنهم لا يلتزمون بأخذ ما يروي أمثال هؤلاء، صحابيا كان أو غير صحابي "(١) .

ويجلي السيد شرف الدين رأي الإمامية بالصحابة فيقول: " إنَّ من وقف على رأينا في الصحابة علم أنه أوسط الآراء، إذ لم نفرط تفريط الغلاة الذين كفروهم جميعا، ولا أفرطنا إفراط الجمهور الذين وثَّقوهم أجمعين، فإنَّ الكامليَّة ومَن كان في الغلو على شاكلتهم، قالوا: بكفر الصحابة كافة، وقال أهل السنة: بعدالة كل فرد ممن سمع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو رآه من المسلمين مطلقا...

أما نحن فإنَّ الصحبة بمجردها وإن كانت عندنا فضيلة جليلة، لكنها، - بما هي ومن حيث هي - غير عاصمة. فالصحابة كغيرهم من الرجال فيهم العدول، وهم عظماؤهم وعلماؤهم، وأولياء هؤلاء، وفيهم البغاة، وفيهم أهل الجرائم من المنافقين، وفيهم مجهول الحال، فنحن نحتج بعدولهم ونتولاهم في الدنيا والآخرة، أما البغاة

____________

١ - معالم المدرستين: ١/١٤٠ - ١٤١.

٦٢٢

على الوصي، وأخي النبي، وسائر أهل الجرائم والعظائم كابن هند، وابن النابغة، وابن الزرقاء، وابن عقبة، وابن أرطأة، وأمثالهم فلا كرامة لهم، ولا وزن لحديثهم، ومجهول الحال نتوقف فيه حتى نتبين أمره.

هذا رأينا في حملة الحديث من الصحابة وغيرهم، والكتاب والسنة بيننا على هذا الرأي، كما هو مفصل في مظانه من أصول الفقه، لكن الجمهور بالغوا في تقديس كل من يسمونه صحابيا...

وما أشد إنكارهم علينا حين يروننا نرد حديث كثير من الصحابة، مصرحين بجرحهم أو بكونهم مجهولي الحال، عملا بالواجب الشرعي في تمحيص الحقائق الدينية، والبحث عن الصحيح من الآثار النبوية، وبهذا ظنوا بنا الظنونا، فاتهمونا بما اتهمونا، رجماً بالغيب، وتهافتا على الجهل، ولو ثابت إليهم أحلامهم، ورجعوا إلى قواعد العلم، لعلموا أنَّ أصالة العدالة في الصحابة مما لا دليل عليه، ولو تدبروا القرآن الحكيم لوجدوه مشحونا بذكر المنافقين منهم... "(١) .

هذا هو رأي الشيعة في الصحابة، يقول الدكتور المصري حفنى داود: " إنَّ طريقة الشيعة في نقد الصحابة وتقسيمهم إلى عادل وجائر منهج علمي... "(٢) .

أما ما ينسب للشيعة من القول بارتداد الصحابة إلاَّ أربعة فإن كان هذا الارتداد بمعنى الرجوع عن الإسلام فهذا لا تقول به الشيعة، وأغلب هذه الروايات غير صحيحة.

ومسألة سب الصحابة ينهى عنها علماء الإمامية باستمرار. يقول الدكتور علي عبد الواحد وافي مدافعا عن الإمامية: " ونستبعد كذلك ما يصدر من عوامهم من أقوال وأعمال لا يقرّها فقهاؤهم، ويعتبرونها مخالفة لأصول مذهبهم، فمن ذلك أنَّ عوامهم يسبون الشيخين.

____________

١ - أجوبة موسى جار الله: ص ١٤ - ١٥.

٢ - نظرات في الكتب الخالدة: ص ١١١.

٦٢٣

لكن أمثال هذه الأقوال والأفعال لا يرضى عنها شيوخهم ويحكمون بحرمتها...

وإذا كنا سنحاسب الطوائف بما يفعله عوامهم وسفهاؤهم، فإنَّ حسابنا سيكون عسيرا لكثير من جماعات أهل السنة أنفسهم فلا تكاد توجد جماعة من جماعاتنا لا يصدر من عوامها وسفهائها أعمال وأقوال لا يقرها الإسلام "(١) .

وقد قيل: إنَّ الإسلام شئ والمسلمين شئٌ آخر. والإسلام عند الشيعة ينهى عن السب، فلا يحمل أخطاء المسلمين الشيعة.

ثم لماذا هذه الضجة على الشيعة؟ هذه عائشة خرجت مع طلحة والزبير على الإمام الشرعي وتسببوا بقتل ثلاثين ألفا، وقال أهل السنة إنهم مجتهدون ولهم أجر! وحارب معاوية علياعليه‌السلام وتسبب بقتل مائة ألف، وقال أهل السنة: هو مجتهد له أجر!

فلماذا لا يقال: إنَّ عوام الشيعة مجتهدون ولهم أجر؟! مع العلم أنَّ السب دون القتل، هذا معاوية تسبب لقتل مائة ألف إنسان ويعطى أجرا ولا يعطى المتكلم بضع كلمات أجراً!! فأين هذا من هذا؟!

فليقال إذن: إنَّ عوام الشيعة مجتهدون ولهم أجر، وتنتهي المسألة على أنَّ العوام حين يتكلمون على الصحابة فإن عندهم أدلة على صحة كلامهم خلافا لمعاوية وأصحاب الجمل الذين اجتهدوا أمام النصوص فالشيعة أولى منهم بالأجر!

وقد سب الصحابة أنفسهم، ومعاوية أمر بلعن علي وبقي أهل القرن الأول يلعنون عليا على المنابر ستين عاما! فكل حكم يصدر على الشيعة فإنه موجه لأهل القرن الأول فالحذر الحذر من إصدار أي حكم جزافي!!

وحتى يتأكد إخواننا الباحثون من أنَّ الشيعة يقدسون صحابة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المؤمنين فإننا نورد نبذة من هذا الدعاء الذي يردده الشيعة في أدعيتهم.

____________

١ - بين الشيعة وأهل السنة: ٣٢ - ٣٤ باختصار.

٦٢٤

يقول الإمام زين العابدينعليه‌السلام : "... اللهم وأصحاب محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاصة الذين أحسنوا الصحبة، والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره، وكاتفوه وأسرعوا إلى وفادته، وسابقوا إلى دعوته، واستجابوا له حيث اسمعهم حجة رسالاته. وفارقوا الأزواج والأولاد في إظهار كلمته، وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوته وانتصروا به، وما كانوا منطوين على محبته يرجون تجارة لن تبور في مودته، والذين هجرتهم العشائر إذ تعلقوا بعروته، وانتفت منهم القرابات إذ سكنوا في ظل قرابته، فلا تنس لهم اللهم ما تركوا لك وفيك، وارضهم من رضوانك... "(١) .

القرآن الكريم

كثيرا ما قرأت لكتّاب من أهل السنة يدَّعون بأنَّ الإمامية يقولون بتحريف القرآن. وقام علماء الإمامية برد هذه الافتراءات، ولا يوجد كتاب شيعي في العقائد إلاَّ ويتناول هذا الموضوع ويبرئ ساحة الإمامية من القول بالتحريف. ولكن الشئ العجيب: إنَّ هذا الاتهام ما زال يكرر:( فَمَالِ هَـٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا ) ؟(٢) .

إنَّ الله أوكل حفظ الكتب السماوية - كالتوراة والإنجيل - إلى الناس، قال تعالى عن علماء اليهود والنصارى:( بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّـهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ) (٣) لهذا وقع التحريف فيها، أما القرآن فقد تكفل الله بحفظه، قال تعالى: ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (٤) لهذا فهو مصون من التحريف، والإمامية يقولون: إن القرآن الذي بين أيدينا هو نفسه القرآن الذي نزل على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لا نقص به ولا زيادة ولا تحريف.

____________

١ - الصحيفة السجادية: الدعاء الرابع.

٢ - النساء: ٧٨.

٣ - مائدة: ٤٤.

٤ - الحجر: ٩.

٦٢٥

وقد قام علماء أهل السنة المنصفون بالرد على أولئك الكتاب المشعوذين من أمثال ظهير والخطيب ومال الله.

يقول الشيخ محمد أبو زهرة: " القرآن بإجماع المسلمين هو حجة الإسلام الأولى وهو مصدر المصادر له، وهو سجل شريعته، وهو الذي يشتمل على كلها وقد حفظه الله تعالى إلى يوم الدين كما وعد سبحانه إذ قال:( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (١) .

وإنَّ إخواننا الإمامية على اختلاف منازعهم يرونه كما يراه كل المؤمنين "(٢) .

وقال: " إنَّ الشريف المرتضى وأهل النظر الصادق من إخواننا الاثني عشرية قد اعتبروا القول بنقص القرآن أو تغييره أو تحريفه تشكيكا في معجزة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واعتبروه إنكارا لأمر علم من الدين بالضرورة "(٣) .

وقال الدكتور محمد عبد الله دراز: " ومهما يكن من أمر فإنّ هذا المصحف هو الوحيد المتداول في العالم الإسلامي، بما فيه فرق الشيعة، ومنذ ثلاثة عشر قرنا من الزمان. ونذكر هنا رأي الشيعة الإمامية - أهم فرق الشيعة - "(٤) .

وقال الشيخ رحمة الله الهندي: " القرآن المجيد عند جمهور علماء الشيعة الإمامية الاثني عشرية محفوظ من التغيير والتبديل، ومن قال منهم بوقوع النقصان فيه، فقوله مردود غير مقبول عندهم "(٥) .

وقال الشيخ محمد الغزالي: " سمعت من هؤلاء يقول في مجلس علم: إنَّ للشيعة قرآنا آخر يزيد وينقص عن قرآننا المعروف فقلت له: أين هذا القرآن؟ ولماذا لم يطّلع

____________

١ - الحجر: ٩.

٢ - الإمام الصادق: ص ٢٩٦.

٣ - المصدر السابق: ص ٣٢٩.

٤ - مدخل إلى القرآن الكريم: ٣٩ - ٤٠.

٥ - إظهار الحق، تعليق الدكتور أحمد حجازي: ص ٤٣١.

٦٢٦

الإنس والجن على نسخة منه خلال هذا الدهر الطويل؟ لماذا يساق هذا الافتراء؟...

ولماذا هذا الكذب على الناس وعلى الوحي "(١) .

وقال الأستاذ محمد المديني - عميد كلية الشريعة بالجامعة الأزهرية -: " وأما أنَّ الإمامية يعتقدون نقص القرآن، فمعاذ الله. إنما هي روايات رويت في كتبهم، كما روي مثلها في كتبنا. وأهل التحقيق من الفريقين قد زيَّفوها، وبيَّنوا بطلانها وليس في الشيعة الإمامية أو الزيدية من يعتقد ذلك كما أنه ليس في السنة من يعتقده "(٢) .

وقال البهنساوي - من مفكري الأخوان المسلمين -: " إنَّ الشيعة الجعفرية الاثني عشرية يرون كفر من حرف القرآن الذي أجمعت عليه الأمة منذ صدر الإسلام... وأنّ المصحف الموجود بين أهل السنة هو نفسه الموجود في مساجد وبيوت الشيعة "(٣) .

وقال مصطفى الرافعي: " والقرآن الكريم هو الموجود الآن بأيدي الناس من غير زيادة ولا نقصان. وما ورد من أنَّ الشيعة الإمامية يقولون بأنَّ القرآن قد اعتراه النقص... هذا الادعاء أنكره مجموع علماء الشيعة الأعلام...

فالقرآن الكريم - إذن - هو عصب الدولة الإسلامية، تتفق مذاهب أهل السنة مع مذهب الشيعة الإمامية على قداسته ووجوب الأخذ به. وهو نسخة موحدة لا تختلف في حرف ولا رسم لدى السنة والشيعة الإمامية في مختلف ديارهم وأمصارهم "(٤) .

وقال الدكتور علي عبد الواحد وافي: " يعتقد الشيعة الجعفرية كما يعتقد أهل السنة، أنَّ القرآن الكريم هو كلام الله عزوجل المنزل على رسوله المنقول بالتواتر والمدوَّن بين دفَّتي المصحف بسوره وآياته المرتبة بتوقيف من الرسول صلوات الله وسلامه عليه،

____________

١ - دفاع عن العقيدة والشريعة.

٢ - مع الصادقين، الدكتور التيجاني: ص ٢٠١ عن مقال الاستاذ محمد المديني - مجلة رسالة الإسلام - العدد الرابع في السنة الحادية عشرة ص ٣٨٢ و ٣٨٣.

٣ - السنة المفترى عليها: ص ٦٠.

٤ - إسلامنا: ص ٧٥.

٦٢٧

وأنه الجامع لأصول الإسلام عقائده وشرائعه وأخلاقه، والخلاف بيننا وبينهم في هذا الصدد يتمثّل في أمور شكلية وجانبية لا تمس النص القرآني بزيادة ولا نقص ولا تحريف ولا تبديل، ولا تثريب عليهم في اعتقادها "(١) .

وقال: " أمَّا ما ورد في بعض مؤلفاتهم من آراء تثير شكوكا في النص القرآني وتنسب إلى بعض أئمتهم، فإنهم لا يقرونها ويعتقدون بطلان ما تذهب إليه، وبطلان نسبتها إلى أئمتهم. ولا يصح كما قلنا فيما سبق أن نحاسبهم على آراء حكموا هم ببطلانها وبطلان نسبتها إلى أئمتهم ولا أن نعدها من مذهبهم، مهما كانت مكانة رواتها عندهم ومكانة الكتب التي وردت فيها...

وقد تصدى كثير من أئمة الشيعة الجعفرية أنفسهم لرد هذه الأخبار الكاذبة وبيان بطلانها وبطلان نسبتها إلى أئمتهم وأنها ليست من مذهبهم في شئ "(٢) .

هذه ثماني شهادات لعلماء من أهل السنة تدفع عن الإمامية تهمة القول بتحريف القرآن. أما كلمات أعلام الشيعة في نفي التحريف عن القرآن فلا يسعها مجلد، ونضع بين يدي القراء بعضها.

قال الشيخ الصدوق (ت/٣٨١ هـ‍) - الذي يُعدّ شيخ المحدثين -: " اعتقادنا في القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو ما بين الدفتين، وهو مافي أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك، ومن نسب إلينا أنا نقول أنه أكثر من ذلك فهو كاذب "(٣) .

قال الشيخ المفيد (ت/٤١٣ هـ‍) - أحد عظماء الإمامية -: " وأما النقصان وقد قال جماعة من أهل الإمامة إنه لم ينقص من كلمة ولا من آية ولا من سورة... وأما الزيادة فيه فمقطوع بفسادها "(٤) .

____________

١ - بين الشيعة وأهل السنة: ص ٣٥.

٢ - بين الشيعة وأهل السنة: ص ٣٧ - ٣٨.

٣ - رسالة الاعتقادات.

٤ - أوائل المقالات: ص ٥٥.

٦٢٨

وقال الشيخ الطوسي - تلميذ المفيد - (ت/٤٦٠ هـ‍): " أما الكلام في زيادة القرآن ونقصه فمما لا يليق به، لأن الزيادة فيه مجمع على بطلانها، وأما النقصان فالظاهر من مذهب المسلمين خلافه، وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا، وهو الذي نصره المرتضى، وهو الظاهر في الروايات "(١) .

وقال الطبرسي - الملقب بأمين الإسلام - " أما الزيادة في القرآن فمجمع على بطلانها، وأما النقيصة فروى جماعة من أصحابنا، وقوم من حشوية العامة أنَّ في القرآن نقصا. والصحيح من مذهبنا خلافه، وهو الذي نصره المرتضى "(٢) .

وقال الشيخ بهاء الدين العاملي: " اختلفوا في وقوع الزيادة والنقصان فيه والصحيح أنَّ القرآن العظيم محفوظ عن ذلك زيادةً ونقصا، ويدل عليه قوله تعالى:

( وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) "(٣) .

وقال المرجع الكبير محمد حسين آل كاشف الغطاء: " إنّ الكتاب الموجود بين المسلمين هو الكتاب الذي أنزله الله إليه للإعجاز والتحدّي، وأنه لا نقص ولا تحريف ولا زيادة فيه، وعلى هذا إجماعهم "(٤) .

وقال السيد محسن الأمين - صاحب أعيان الشيعة -: " لا يقول أحد من الإمامية لا قديما ولا حديثا، أنَّ القرآن مزيد فيه قليل أو كثير فضلا عن كلهم، بل كلهم متفقون على عدم الزيادة، ومن يعتد بقوله من محققيهم متفقون على أنه لم ينقص منه "(٥) .

وقال المرجع السيد أبو القاسم الخوئي: " وقد تبين للقارئ مما ذكرناه، أنَّ حديث تحريف القرآن حديثٌ خيالي لا يقول به إلاّ من ضعف عقله، أو من لم يتأمل في أطرافه حق التأمل، أو من ألجأه إليه حب القول به، والحب يعمي ويصم. أما العاقل المنصف

____________

١ - مقدمة تفسير البيان: ص ٣.

٢ - مقدمة تفسير مجمع البيان.

٣ - راجع آلاء الرحمن، البلاغي: ١/٢٥ - ٢٦.

٤ - أصل الشيعة واصولها.

٥ - أعيان الشيعة: ١/١٠٨.

٦٢٩

المتدبر فلا يشك في بطلانه "(١) .

هذه ثمانية أقوال لكبار علماء المدرسة الإمامية وهناك الكثير غيرهم ينفون التحريف. حتى لقد صنف الكركي المعروف بالمحقق الثاني رسالةً في نفي النقيصة بعد الإجماع على عدم الزيادة. وصنف محمد حسين الشهرستاني: (رسالة في حفظ الكتاب الشريف عن شبهة القول بالتحريف) ورد فيه على فصل الخطاب. وصنف آغا بزرك:

(النقد اللطيف في نفي التحريف عن القرآن الشريف).

ومن علماء الإمامية الذين ينفون التحريف، الشيخ جعفر كاشف الغطاء في (كشف الغطاء)، والعلامة محمد إبراهيم الكرباسي في " الإشارات "، والمفسر المتكلم محمد جواد البلاغي في تفسيره (آلاء الرحمن)، ومحمد النهاوندي في تفسيره (نفحات الرحمن)، والمرجع محمد رضا الكلبايكاني، ومجدد العلم البروجردي، والمحقق البغدادي، والحر العاملي صاحب الوسائل، والتستري صاحب الصوارم، والعلامة المظفر في (عقائد الإمامية)، والعلامة الطباطبائي في (تفسير الميزان)، والعلامة ابن المطهر الحلي، والأميني، وشرف الدين... هذا هو قول الإمامية المعتد به ومن قال غير ذلك فقوله مردود.

فصل الخطاب في نفي تحريف عن الكتاب

ألّف أحد الإمامية كتاب: " فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب " حاول فيه مؤلفه إثبات تحريف القرآن، ولكن النوري مؤلف الكتاب تراجع عن إقرار صحة ما فيه وكان يقول: " أخطأت في تسمية الكتاب، وكان الأجدر أن يسمَّى بفصل الخطاب في عدم تحريف الكتاب "(٢) .

____________

١ - تفسير البيان وراجع من: ص ١٩٥ - ٢٣٦ حيث ناقش روايات التحريف وكل الشبهات.

٢ - ذكر ذلك عنه تلميذه الثقة آغا بزرك راجع: مع الخطيب، لطف الله الصافي: ص ٥٩.

٦٣٠

واعتمادا على كتاب فصل الخطاب حاول بعض الكتّاب نسبة القول بتحريف القرآن إلى الإمامية، مع أنَّ هذا الرأي الذي تراجع عنه النوري لا يمثِّل إلاّ رأيه فلا يصح نسبته للإمامية. وقد قام علماء الإمامية وفي وقته بالرد عليه منهم: المحقق محمود الطهراني في كتابه كشف الارتياب(١) .

وقد وجد من أهل السنة من يؤلف في تحريف القرآن ولم يشن عليه حملة كهذه الحملة المسعورة التي تشن على الشيعة. يقول الأستاذ محمد محمد المديني: " وقد ألف أحد المصريين في سنة ١٩٤٨ م كتابا اسمه (الفرقان) حشاه بكثير من أمثال هذه الروايات السقيمة المدخولة المرفوضة، ناقلا لها عن الكتب والمصادر عند أهل السنة، وقد طلب الأزهر من الحكومة مصادرة هذا الكتاب بعد أن بين بالدليل والبحث العلمي أوجه البطلان والفساد فيه. فاستجابت الحكومة لهذا الطلب وصادرت الكتاب، فرفع صاحبه دعوى يطلب فيها تعويضا، فحكم القضاء الإداري في مجلس الدولة برفضها.

أفيقال إنَّ أهل السنة ينكرون قداسة القرآن؟ أو يعتقدون نقص القرآن لرواية رواها فلان؟ أو لكتاب ألفه فلان؟ فكذلك الشيعة الإمامية، إنما هي روايات في بعض كتبهم كالروايات التي في بعض كتبنا "(٢) .

وقال الدكتور علي عبد الواحد وافي - بعد أن ذكر روايةً من الكافي في تحريف القرآن -: " ولدينا نحن معشر أهل السنة في بعض كتبنا التي نعتز بها آراء من هذا القبيل تصل بصاحبها - والعياذ بالله - إلى شفا حفرة من النار ومن الكفر، فمن ذلك مثلا ما يذكره السيوطي في كتابه (الإتقان في علوم القرآن) من قول بأنَّ القرآن الكريم هو معاني الآيات فحسب، وأما ألفاظها فمن الرسول عليه الصلاة والسلام...

فكما لا يصح أن يحاسبنا أحد على مثل هذه الأقوال التي نحكم ببطلانها، لا يصح

____________

١ - راجع مع الخطيب.

٢ - مجلة رسالة الإسلام: العدد الرابع ص ٣٨٢ و ٣٨٣.

٦٣١

أن نحاسب الجعفرية على ما ذكره الكليني... ويقاس على ذلك جميع الآراء التي وردت في مؤلفاتهم أو عن شيوخهم ويحكمون بعدم صحتها ولا يعدونها من مذهبهم "(١) .

ونحن نقول لأولئك المعاندين الذين يتهمون الإمامية بتحريف القرآن: ما رأيكم بالروايات التي جاءت في صحيحي البخاري ومسلم وبقية كتب السنن والتي تنص على تحريف القرآن؟

إنَّ الروايات التي عند الإمامية روايات ساقطة وهم غير ملزمين بها فليس عندهم كتاب صحيح بأجمعه إلاَّ كتاب الله. ولكن المشكلة عند الذين ألزموا أنفسهم باعتماد الصحيحين مطلقا فكيف سيعالجون أمر الروايات فيهما؟ ونضع بين يدي الباحثين بعضها.

عن الخليفة عمررضي‌الله‌عنه أنه قال وهو على المنبر: "... إنَّ الله بعث محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل الله (آية الرجم) فقرأناها وعقلناها ووعيناها، ورجم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله. والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف. ثم إنا كنا نقرأ في ما نقرأ من كتاب الله أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم أو إنَّ كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم... "(٢) .

فأين (آية الرجم) وآية (أن لا ترغبوا عن آبائكم) من القرآن الآن؟!

وقال أبو موسى الأشعري كما في صحيح مسلم: "... وإنا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة فأنسيتها!! غير أني قد حفظت منها (لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب)!!

____________

١ - بين الشيعة وأهل السنة: ص ٣٠ - ٣١.

٢ - صحيح البخاري: كتاب المحاربين، باب رجم الحبلى من الزنا.

٦٣٢

وكنا نقرأ سورة كنا نشبهها بإحدى المسبحات فأنسيتها!! غير أني حفظت منها (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة)(١) !!

وعن عائشة أنها قالت: " كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله وهن فيما يقرأ من القرآن "(٢) .

وروى أحمد في مسنده عن أبي بن كعب آية: (... وما تفرَّق الذين أوتوا الكتاب إلاّ من بعد ما جاءتهم البينة، إنّ الدين عند الله الحنفيَّة غير المشركة ولا اليهوديّة ولا النصرانية، ومن يفعل خيرا فلن يكفره)(٣) .

وفي مسند أحمد عن أبي بن كعب قال: " كم تقرأون سورة الأحزاب؟ قال: بضعا وسبعين آية، قال: لقد قرأتها مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل البقرة!! أو أكثر! وإنَّ فيها آية الرجم "(٤) .

هذه الروايات غيض من فيض - في مصادر أهل السنة - وكلها صريحة في نقصان القرآن. ولو تتبعنا أمثال هذه الروايات في كتب السنن لجئنا ب‍ (الفرقان) من جديد.

ولابد من أنَّ المنصفين من أهل السنة يرفضون هذه الروايات. ولكننا لم نأت بها إلاّ لتلك الفئة التي لا تفتأ توجه التهم للإمامية.

والحق: إني في شوق لأرى ماذا يقولون عنها بعد أن أخرجها مسلم والبخاري؟

فإن أجابوا بأنها نسخت تلاوة وبقي حكمها، قلنا إنَّ الروايات نفسها ترد هذا الجواب، ففي صحيح مسلم عن عائشة إنها قالت: " كان فيما أنزل من القرآن (عشر رضعات معلومات) فتوفي رسول الله وهن فيما يقرأ من القرآن ".

____________

١ - صحيح مسلم: كتاب الزكاة، باب لو أنَّ لابن آدم واديين لابتغى ثالثا.

٢ - صحيح مسلم: كتاب الرضاع، باب التحريم بخمس رضعات.

٣ - مسند أحمد: ٥/١٣٢، سنن الترمذي: ٥/٦٦٥ - ٦٦٦.

٤ - المصدر السابق.

٦٣٣

نعم، إذا كانت هذه الآية نسخت تلاوة فكيف يتوفى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهي في القرآن؟

فإن كانت قد نسخت تلاوة وجب على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يمحوها من القرآن. ومن المعلوم أنه لا نسخ بعد النبي. فمن الذي تجرأ وأزال هذه الآية من القرآن، وقد مات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يمحها؟!!

بقيت شبهة أخرى وهي ظن البعض في أنَّ لدى الإمامية مصحفا آخر غير القرآن، يسمى مصحف فاطمة. والحق أنَّ " مصحف فاطمة ليس فيه شئ من القرآن، وإنما فيه ما سمعته من أخبار من يحكم الأمة الإسلامية "(١) .

وهذه الأخبار أخذتها عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما كان يخبره به جبرائيلعليه‌السلام . هذه هي حقيقة مصحف فاطمة فلم هذه الفرية؟

وفي نهاية هذا الموضوع نوّد القول " أنّ القرآن الكريم لا تحريف فيه سواء عند السنة أو عند الشيعة وهو النسخة نفسها التي كانت عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

يقول الأستاذ أحمد الحصري الأزهري: " يعيب بعض الناس على الإمامية مذهبهم، لحجة أنَّ هناك أشياء وجدت مكتوبة في بعض كتبهم لا تتفق والمتواتر في الدين. ويجب أن يكون مفهوما في الذهن أنَّ هذا الذي يؤخذ على الإمامية هم منه براء، وأنَّ الأساس الذي بني عليه هذا الاتهام فيه كثير من الخلط، فمجئ شئ على لسان شيعي، أو في كتاب لشيعي لا يقتضي أنَّ هذا الأمر هو مذهب الشيعة. بل قد يكون مذهبا لصاحبه ولا بد من الرجوع إلى أهل التحقيق في هذا المذهب لمعرفة الحقيقة وتحري الصواب حتى لا تكال التهم جزافا لمذاهب هي منها براء، وحتى لا نتسبب في زيادة الفرقة بين المسلمين أكثر مما هم عليه الآن...

ولو أننا أمعنا النظر بالعين المجردة عن الهوى، وتركنا للفكر الفقهي السليم حرية البحث في بعض كتب أهل السنة لوجدنا أنَّ في بعضها ما لا يتلاءم مع آراء أهل السنة أنفسهم، ومع ذلك لا ننسبها إلى أهل السنة جميعا، بل إلى القائل بها فقط، وننقده بها.

____________

١ - معالم المدرستين: ٢/٣٤.

٦٣٤

ومن هذه القضايا ما ينسب إلى الشيعة من أنهم ينكرون شيئا من القرآن أو يعتقدون نقصه إلى آخر ما حشيت به بعض الكتب، مع أنها ليست آراء للمذهب ولا يقول بها علماؤهم. فالتحقيق أنّ هذه أقوال منثورة في بعض كتبهم كما يوجد في بعض كتب أهل السنة نظيرها، مع أنَّ علماءها ومحققيها مجمعون على بطلانه. أما لماذا وجدت هذه الآراء في بعض كتبهم؟ فللحق والعدالة يجب أن نرجع إلى الماضي لنستخلص منه الحاضر.

فمع الأسف كان التأليف القديم يحرص على ذكر كل الآراء وتسجيلها ولو تبين بطلانها، حرصا على الأمانة العلمية فيما يظنون، وذكرت هذه الآراء في بعض الكتب وهي لا تمثل المذهب، وينكرها جميع العاملين. ويبرأون منها، ويطعنون عليها بالبطلان "(١) .

التقيَّة

التقية تعني: إظهار خلاف الواقع في الأمور الدينية بالقول أو الفعل لحفظ النفس أو المال أو العرض، وقد عرفها الشيخ الأنصاري في كتابه (المكاسب) بأنها " التحفظ عن ضرر الغير بموافقته في قول أو فعل مخالف للحق "(٢) .

قال الرافعي: " والتقية عمل مشروع في الإسلام كما كان مشروعا من قديم الزمان لدى جميع الشعوب والأمم والأديان، ودليل مشروعيتها: الكتاب والسنة والعقل.

فدليلها في القرآن قول الله تعالى: ( لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّـهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ) (٣) .

____________

١ - من الفقه الإسلامي: ص ١٠٩ - ١١٠.

٢ - إسلامنا: ص ١٣٢.

٣ - آل عمران: ٢٨.

٦٣٥

وهذا يعني أنه تجوز مداراتهم من قبيل التقية دفعا لأذاهم ومن غير أن يؤمن المرء بجواز ذلك "(١) .

قال الرازي في تفسير آية:( إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ) : " روي عن الحسن - أي البصري - أنه قال: التقية جائزة للمؤمنين إلى يوم القيامة، وهذا القول أولى، لأنّ دفع الضرر عن النفس واجب بقدر الإمكان ".

أجل ينعى البعض على الشيعة استخدامهم التقية، مع أنّ التقية مشروعة في الإسلام كما مر عليك. حتى لقد مارسها الصحابة.

لقد أظهر عمار بن ياسررضي‌الله‌عنه بلسانه الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان فنزل قول الله( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ) (٢) وقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : " إن عادوا فعد، فقد أنزل الله فيك قرآنا، وأمرك أن تعود إن عادوا إليك ".

فالشيعة يستخدمون التقية تماما كما استخدمها عماررضي‌الله‌عنه ، وهذا التشريع الذي نزل من أجل عمار هو تشريع لجميع المسلمين، إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. فهذا الذي يزري على الشيعة استخدامهم التقية في حالات خاصة، يزري على هذا التشريع الإسلامي.

وماذا يقول أولئك الذين يعدون التقية نفاقا، ماذا يقولون في تقية عمار؟ هل هي نفاق - والعياذ بالله -؟ وماذا يقال عن مؤمن آل فرعون الذي مدحه الله بقوله( وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ ) (٣) ؟ فهؤلاء إما أن يقولوا أنّ الله أخطأ - نستغفر الله - إذ مدح هذا الرجل، أو يعذرون الشيعة في استخدامهم التقية!

وقد طبق الصحابة التقية عمليا في مواقف كثيرة منها: إنّ مسلمي المدينة واعدوا

____________

١ - إسلامنا: ص ١٣٥.

٢ - النحل: ١٠٦.

٣ - غافر: ٢٨.

٦٣٦

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المجئ إلى العقبة في منى خارج مكة. يقول كعب بن مالك " وكنا نكتم من معنا من قومنا المشركين أمرُنا!! ثم قال: فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نتسلل تسلل القطا مستخفين حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة ونحن ثلاثة وسبعون رجلا ومعنا امرأتان... "(١) .

والذي يدرس تاريخ الشيعة يعذِّرهم لاستخدامهم التقية، فقد لاقوا من الحكام ظلما عجيبا، بل من المجتمع المسلم، لذلك اشتهروا دون غيرهم باستخدام هذا المبدأ، وعلى هذا فهم كمؤمن آل فرعون ممدوحون عند الله!

قال الرافعي مدافعا عن الإمامية: " على أنَّ الذين يأخذون على الشيعة الإمامية لجوءهم إلى التقية من أجل حفظ حياتهم وحقن دمائهم ويتناولونهم بالنقد اللاذع الحاد لانصرافهم إلى التقية عوضا عن المقاومة والجهاد، ألم يلق هؤلاء الناقدون نظرة إلى الوراء ليروا بيقين أنَّ التقية عند البشر مشروعة ومستمرة من لدن نبي الله نوحعليه‌السلام إلى مؤمن آل فرعون إلى كليم الله موسىعليه‌السلام الذي خرج من مصر خائفا يترقب حيث قال:

( فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ ) (٢) إلى أخيه هارونعليه‌السلام الذي قال:( إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي ) (٣) إلى لوطعليه‌السلام حين قال:( لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ ) (٤) إلى خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ...

فهل يجسر أحد على اتهام هؤلاء الأنبياء وجلهم من اولي العزم بركونهم إلى الخداع ونكولهم عن الجهاد مثلما يتهم المغرضون الشيعة الإمامية؟...

ولا أتصور إنسانا عاقلا منصفا لا يعذرهم في استعمال التقية، بل ويوجبها عليهم

____________

١ - سيرة ابن هشام: ٢/٤٩.

٢ - الشعراء: ٢١.

٣ - الأعراف: ١٥٠.

٤ - هود: ٨٠.

٦٣٧

بدل أن ينسبهم - بسببها - إلى الغش والحيلة والنفاق و... "(١) .

وقال: " وليست - التقية - واجبة عندهم كما يتوهم البعض في جميع الحالات، فما أكثر المواقع التي يحرم الشيعة الإمامية استعمال التقية فيها. وذلك كما لو افضت التقية إلى إهدار دم أو أوجبت فسادا في الدين أو تعمدت إنزال الضرر بالمسلمين فإنه في مثل هذه الحالات ونحوها تصبح التقية غير جائزة ويحرم استعمالها.

يؤيد هذا ما روي عن الإمام محمد الباقر - والد الإمام جعفر الصادق - أنه قال:

" إنما جعلت التقية ليحقن بها الدم فإذا بلغت التقية الدم فلا تقية " على أنَّ الشيعة الإمامية إذا كانوا قد استعملوا التقية - فيما مضى من العصور - فإنهم استعملوها - كما بينا أكثر من مرة - حقنا لدمائهم وحفاظا على كرامتهم وصونا لأعراضهم وأموالهم.

ومعاذ الله أن يكون استعمالهم للتقية نفاقا أو رياء أو قعودا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو فرارا من النضال والكفاح والجهاد في سبيل الله عند النفير العام أو عندما يكون القتال أفضل من التقية.

ويبدو لي هنا أنَّ الجماعات الإنسانية كلها لو تفاخرت فيما بينها، أيها كان ولم يزل أصلب عودا في الكفاح، وأيها كان أقدر على البذل والفداء، لكان لجماعة الشيعة من هذه المفاخرة أرفع المكانة وأوفى نصيب!! والتاريخ أبلغ شاهد وأعظم رواية... "(٢) .

إنَّ التقية ليست حالة طبيعية يطبقها الشيعة في سلوكهم وأقوالهم أينما حلوا، بل هي كما عبر عنها أحد العلماء " إستثناء "(٣) وما أبلغها من عبارة!

قال الدكتور علي عبد الواحد وافي: " فإننا نتفق معهم - الإمامية - في جواز التقية في المواطن التي يشيرون إليها والتي أجازها القرآن الكريم وأجازتها السنة النبوية الشريفة!

____________

١ - إسلامنا: ص ١٣٣ - ١٣٤.

٢ - إسلامنا: ص ١٣٩ - ١٤٠.

٣ - راجع: الإسلام ومنطق القوة، العلامة محمد حسين فضل الله.

٦٣٨

ونستبعد كذلك ما يزعم بعضهم من أنَّ الشيعة الجعفرية يخفون كثيرا من الآراء ولا يجهرون بها تقيةً وخوفا. فلا يصح أن نحاسبهم إلاّ على ما يبدونه من آراء. وأما ما يتهمون بكتمانه فعلمه عند الله، ولسنا مكلفين أن نشق عن صدورهم "(١) .

ومهما يكن من أمر هذا الاختلاف بشأن التقية بين المذاهب الإسلامية، فإنه لا يعدو عن كونه اختلافا في الفروع، التي لا يكون فيها تكفير لمذهب من المذاهب الإسلامية المعتمدة ولا تضليل، وما كان ليسوغ - عبر العصور - بعد الذي ذكرناه عن التقية من الأدلة النقلية والعقلية أن يتهم أتباع المذهب الإمامي بالغش في الدين والكيد للمسلمين وأنهم يبطنون خلاف ما يظهرون، إذ معاذ الله أن يكونوا كذلك، فهم إن لم يكونوا أكثر المسلمين إيمانا!! فليسوا أقلهم على كل حال. وحسبهم أنهم اتخذوا خط أهل بيت رسول الله سبيلا يسلكونه في أصولهم وفروعهم، وهم بلا ريب صادقون فيما يقولون وفيما يفعلون. وإذا كان المرء لا يكذب على أهله فإن فقه هؤلاء يكون مأخوذا حقا عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والقرآن الكريم صريح في أمره إيانا( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (٢) (٣) .

بقي أن نقول: إنَّ الأدلة على مشروعية التقية كثيرة جدا في الكتاب والسنة، لا يسعنا استقصاؤها الآن. وقد الفت بها عدة رسائل. وإخال أنني بما قدمت قد أوضحت الصورة في أذهان القراء الكرام.

البَداء

" والبداء شبهةٌ من الشبهات التي يثيرها خصوم الإمامية ضدهم بدافع التقليد لمذاهبهم من غير أن يتعمَّقوا في درس الأدلة التي فهم منها الشيعة الإمامية ما ذهبوا إليه

____________

١ - بين الشيعة وأهل السنة: ص ٦٣.

٢ - الحشر: ٧.

٣ - إسلامنا: ص ١٤١.

٦٣٩

ولا المفهوم الذي قصدوه منه. بل بالغ خصوم الشيعة في توجيه النقد إليهم والتشنيع عليهم بسببه، حتى غدا البداء واحدا من الفوارق المذهبية التي باعدت بين الإمامية وبين سواهم "(١) .

" والبداء في الإنسان: يبدو له رأي في الشئ لم يكن له ذلك الرأي سابقا، بأن يتبدل عزمه في العمل الذي كان يريد أن يصيغه، إذ يحدث عنده ما يغيِّر رأيه وعلمه به، فيبدو له تركه بعد أن كان يريد فعله، وذلك عن جهل بالمصالح وندامةً على سبق منه.

والبداء بهذا المعنى يستحيل على الله تعالى، لأنه من الجهل والنقص، وذلك محال عليه تعالى، ولا تقول به الإمامية. قال الصادقعليه‌السلام : " من زعم أنَّ الله تعالى بدا له في شئ بداء ندامةٍ فهو عندنا كافر بالله العظيم "، وقال أيضا: " من زعم أنَّ الله بدا له في شئ ولم يعلمه أمس فابرأ منه ".. "(٢) .

" والبداء عند الإمامية هو الزيادة في الآجال والأرزاق، والنقصان منها بالأعمال "(٣) .

لقد زعم بعض الكتّاب أنَّ البداء الذي تقول به الإمامية، هو الظهور لله ما كان خافيا عنه! قالوا هذا إما جهلا أو عمدا، وهذا قول باطل لا تقول به الإمامية وحاشا لله من هذا الشَطَط " ولكن البداء (وفق مفهوم الشيعة) يعني (الإظهار بعد الإخفاء) وليس (الظهور بعد الخفاء)(٤) .

وعبارة (الإظهار بعد الإخفاء) كافية لتعطينا حقيقة البداء. إنَّ البداء نسخ في التكوين لمصلحة معينة كما هو النسخ في التشريع. وهذه عقيدة إسلامية لا غبار عليها ولكن ما نقول لمن يصرون على وضع الغبار عليها؟

____________

١ - إسلامنا: ص ٢١٠.

٢ - عقائد الإمامية: ص ٤٥.

٣ - أوائل المقالات، المفيد.

٤ - إسلامنا: ص ٢١٠.

٦٤٠