مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل الجزء ١٨

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل13%

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 445

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧
  • البداية
  • السابق
  • 445 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 280202 / تحميل: 4895
الحجم الحجم الحجم
مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل الجزء ١٨

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

٢

٣

٤

[ كتاب الحدود والتعزيرات ]

* ( فهرست أنواع الأبواب اجمالا ) *

أبواب مقدمات الحدود وأحكامها العامة:

أبواب حد الزنى.

أبواب حد اللواط.

أبواب حد السحق والقيادة.

أبواب حد القذف.

أبواب ح المسكر.

أبواب حد السرقة

أبواب حد المحارب.

أبواب حد المرتد.

أبواب نكاح البهائم، ووطئ الأموات، والاستمناء.

أبواب بقية الحدود والتعزيرات

أبواب الدفاع.

٥

٦

أبواب مقدمات الحدود، وأحكامها العامة

١ -( باب وجوب اقامتها بشروطها، وتحريم تعطيلها)

[٢١٨٣٤] ١ - دعائم الاسلام: روينا عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن آبائهعليهم‌السلام : « أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أتي بامرأة لها شرف في قومها، قد سرقت، فأمر بقطعها، فاجتمع إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ناس من قريش، وقالوا: يا رسول الله تقطع امرأة شريفة مثل فلانة، في خطر يسير، قال: نعم، إنما هلك من كان قبلكم بمثل هذا، كانوا يقيمون الحدود على ضعفائهم، ويتركون اقوياءهم(١) واشرافهم فهلكوا ».

[٢١٨٣٥] ٢ - وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه نهى عن تعطيل الحدود، وقال: « إنما هلك بنو إسرائيل، لأنهم كانوا يقيمون الحدود على الوضيع دون الشريف ».

[٢١٨٣٦] ٣ - وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، انه كتب إلى رفاعة:

__________________

كتاب الحدود والتعزيرات

أبواب مقدمات الحدود، وأحكامها العامة

الباب ١

١ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٤٢ ح ١٥٣٩.

(١) في نسخة: أقرباءهم « منه قده ».

٢ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٤٢ ح ١٥٤٠.

٣ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٤٢ ح ١٥٤١.

٧

« أقم الحدود(١) في الحدود في القريب يجتنبها البعيد، لا تطل الدماء، وتعطل الحدود(٢) ».

[٢١٨٣٧] ٤ - وعنهعليه‌السلام ، أنه قال في حديث: « أيها الناس، لم يقم(١) الحد على أحد قط، إلا كان كفارة ذلك الذنب، كما يجزى الدين بالدين ».

[٢١٨٣٨] ٥ - وعن أبي عبد الله(١) عليه‌السلام ، أنه قال في قول الله عز وجل:( وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَ‌أْفَةٌ فِي دِينِ اللَّـهِ ) (٢) قال: « إقامة الحدود ».

[٢١٨٣٩] ٦ - وعنهعليه‌السلام ، أنه قال لبعض من أوصاه: « عليك بإقامة الحدود على القريب والبعيد، والحكم بكتاب الله في الرضاء والسخط، والقسم بالعدل بين الأحمر والأسود ».

[٢١٨٤٠] ٧ - الجعفريات أخبرنا عبد الله، أخبرنا محمد، حدثني موسى، قال: حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده جعفر بن محمد، عن أبيه ( عن جده )(١) عن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام ، أنه قال في حديث: « فليس في الحدود نظرة ساعة ».

[٢١٨٤١] ٨ - وبهذا الاسناد: قال: قال أبو عبد الله جعفر بن محمد: « كان

__________________

(١) في المخطوط: « الحد » وما أثبتناه من المصدر.

(٢) في المخطوط « الحد » وما أثبتناه من المصدر.

٤ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٤٥ ح ١٥٥٧.

(١) في المخطوط: « يقد » وما أثبتناه من المصدر.

٥ - المصدر: عن عليعليه‌السلام .

(٢) النور ٢٤: ٢.

٦ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٤٣ ح ١٥٤٣.

٧ - الجعفريات ص ١٤٤.

(١) أثبتناه من المصدر.

٨ - الجعفريات ص ١٣٣.

٨

أبيعليهم‌السلام ، يطلب إقامة حدود الله عز وجل، وإن لم يكن يرغب في شئ من أمور الدنيا، فلا يكتب(١) عليه(٢) ذنبا» .

[٢١٨٤٢] ٩ - الصدوق في المقنع: وأتي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، برجل كبير البطن عليل قد زنى، فأتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعرجون فيه مائة شمراخ، فضربه ضربة واحدة مكان الحد، وكره أن يبطل حدا من حدود الله تعالى.

[٢١٨٤٣] ١٠ - القطب الراوندي في لب اللباب: عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: « يوم واحد من سلطان عادل، خير من مطر أربعين يوما، وحد يقام في الأرض، أزكى من عبادة ستين سنة ».

[٢١٨٤٤] ١١ - الآمدي في الغرر: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنه قال: « لا يسعد أحد إلا بإقامة حدود الله، ولا يشقى أحد إلا بإضاعتها ».

٢ -( باب أن كل ما خالف الشرع، فعليه حد أو تعزير)

[٢١٨٤٥] ١ - دعائم الاسلام: عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال: « إن الله عز وجل بين الحدود، وجعل على من تعدى الحد حدا ».

[٢١٨٤٦] ٢ - كتاب درست بن أبي منصور: عن أبي المغرا، عن سماعة بن مهران، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، أنه قال في حديث: « أنه ليس من شئ إلا وقد جرى به كتاب وسنة، ثم قال: إن الله قد جعل لكل شئ

__________________

(١) في نسخة: يكسب.

(٢) في المصدر: بما فيه.

٩ - المقنع ص ١٤٥.

١٠ - لب اللباب: مخطوط.

١١ - غرر الحكم ج ٢ ص ٨٥٢ ح ٤١٦.

الباب ٢

١ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٤٤ ح ١٥٥٠.

٢ - كتاب درست بن أبي منصور ص ١٦٥.

٩

حدا، ولمن تعدى الحد حدا ».

[٢١٨٤٧] ٣ - الصفار في البصائر: عن عبد الله بن جعفر، عن محمد بن عيسى، عن إسماعيل بن سهل، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن سليمان، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: « إن في صحيفة الحدود ثلث جلدة، من تعدى ذلك كان عليه حد جلدة ».

٣ -( باب عدم جواز تجاوز الحد وتعديه، فمن تجاوزه قيد بالزيادة، وحكم من ضرب حدا فمات)

[٢١٨٤٨] ١ - دعائم الاسلام: عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه نهى أن يتعدى أحد [ حدا من ](١) حدود الله إلى أكثر منه.

[٢١٨٤٩] ٢ - وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام : أنه أمر قنبر أن يضرب رجلا، فغلط قنبر فزاد ثلاثة أسواط، فأقاد علي الرجل المضروب من قنبر، فجلده ثلاثة أسواط.

[٢١٨٥٠] ٣ - وعنهعليه‌السلام ، أنه قال: « من أقيم عليه حد فمات فلا دية(١) ولا قود ».

[٢١٨٥١] ٤ - الجعفريات: أخبرنا عبد الله، أخبرنا محمد، حدثني موسى، قال: حدثنا أبي، عن أبيه، عن [ جده ](١) جعفر بن محمد، عن أبيه عن

__________________

٣ - بصائر الدرجات ص ١٥٩ ح ٢.

الباب ٣

١ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٤٤ ح ١٥٥٠.

(١) أثبتناه من المصدر.

٢ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٤٤ ح ١٥٥٢.

٣ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٦٦ ح ٥٧ ١٦.

(١) أثبتناه من المصدر زيادة: فيه.

٤ - الجعفريات ص ١٣٣.

(١) أثبتناه من المصدر.

١٠

جده، عن عليعليه‌السلام ، قال: « من اقتص منه شئ فمات، فهو قتيل القرآن ».

[٢١٨٥٢] ٥ - وبهذا الاسناد: عن عليعليه‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يحل لاحد يؤمن بالله واليوم الآخر، يزيد على عشرة أسواط، إلا في حد ».

[٢١٨٥٣] ٦ - وبهذا الاسناد: عن عليعليه‌السلام : « أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال لرجل من الأنصار وهو سعد بن عبادة: أرأيت لو وجدت رجلا مع امرأتك في ثوب واحد، ما كنت صانعا بهما؟ قال سعد: اقتلهما يا رسول الله، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فأين الشهداء الأربعة!؟ ».

[٢١٨٥٤] ٧ - أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره: قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « ما خلق الله حلالا ولا حراما إلا وله حدود كحدود الدار، فما كان من حدود الدار فهو من الدار، حتى أرش الخدش فما سواه، والجلدة ونصف الجلدة ».

[٢١٨٥٥] ٨ - محمد بن الحسن الصفار في البصائر: عن إبراهيم بن هاشم، عن يحيى بن أبي عمران، عن يونس، عن حماد، قال: [ سمعت ](١) أبا عبد اللهعليه‌السلام ، يقول: « ما خلق الله حلالا ولا حراما إلا وله حد كحد الدور(٢) ، فما كان من الطريق فهو من الطريق، وما كان من الدور فهو

__________________

٥ - الجعفريات ص ١٣٣.

٦ - الجعفريات ص ١٤٤.

٧ - نوادر أحمد بن محمد بن عيسى ص ٧٧.

٨ - بصائر الدرجات ص ١٦٨ ح ٧.

(١) أثبتناه من المصدر.

(٢) في المصدر زيادة: وان حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة ولان عندنا صحيفة طولها سبعون ذراعا وما خلق الله حلالا ولا حراما الا فيها.

١١

من الدور، حتى أرش الخدش وما سواه، والجلدة ونصف الجلدة ».

[٢١٨٥٦] ٩ - الشيخ المفيد في أماليه: عن عبد الله بن جعفر بن محمد، عن زكريا بن صبيح، عن خلف بن خليفة، عن سعيد بن عبيد الطائي، عن علي بن ربيعة الوالبي، عن أمير المؤمنين علي بن بي طالبعليه‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ان الله قد حد لكم حدودا فلا تعتدوها، وفرض عليكم فرائض فلا تضيعوها، وسن لكم سننا فاتبعوها، وحرم عليكم حرمات فلا تنتهكوها، وعفا لكم عن أشياء رحمة منه من غير نسيان فلا تتكلفوها ».

٤ -( باب أن صاحب الكبيرة إذا أقيم عليه الحد مرتين قتل في الثالثة، إلا الزاني ففي الرابعة)

[٢١٨٥٧] ١ - فقه الرضاعليه‌السلام : « أصحاب الكبائر كلها، إذا أقيم عليهم الحد مرتين، قتلوا في الثالثة، وشارب الخمر في الرابعة ».

قلت: واستثناء شارب الخمر خلاف المشهور، في الفقيه بعد حكمه بالقتل في الثالثة، قال: وقد روي أنه يقتل في الرابعة(١) . ولعله أشار إلى هذا الرضوي، واليه ذهب الشيخ في الخلاف(٢) مستدلا بالنبوي: « من شرب الخمر فاجلدوه ثم إن شرب فاجلدوه ثم إن شرب فاجلدوه ثم إن شرب فاقتلوه » وتمام الكلام في الفقه.

__________________

٩ - أمالي المفيد ص ١٥٨ ح ١.

الباب ٤

١ - فقه الرضا ص ٤٢.

(١) من لا يحضره الفقيه ج ٤ ص ٤٠ ح ١٣١.

(٢) الخلاف ج ٣ ص ١٧٢.

١٢

٥ -( باب أنه ينبغي إقامة الحد في الشتاء في آخر ساعة من النهار، وفي الصيف في أبرده)

[٢١٨٥٨] ١ - فقه الرضاعليه‌السلام : « وروي أن الحدود في الشتاء لا تقام بالغدوات، وتقام بعد الظهر ليلحقه دفء الفراش، ولا تقام في الصيف في الهاجرة، وتقام إذا برد النهار ».

[٢١٨٥٩] ٢ - نوادر علي بن أسباط: عن أبي داود، قال: حدثني بعض أصحابنا: أنه مر أبو(١) عبد اللهعليه‌السلام ، إذا انسان يضرب في الشتاء في ساعة باردة، فقال: « سبحان الله، أفي مثل هذه الساعة يضرب!؟ ».

قال: قلت: جعلت فداك وللضرب حد. فقال لي: « نعم، إذا كان الشتاء ضرب في حر النهار، وإذا كان الصيف ضرب في برد النهار ».

٦ -( باب أنه لاحد على مجنون، ولا صبي، ولا نائم)

[٢١٨٦٠] ١ - دعائم الاسلام: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : أنه بلغه عن عمر، أنه امر بمجنونة زنت لترجم، فاتاه فقال: « أما علمت أن الله عز وجل رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن الصغير حتى يكبر، وهذه مجنونة، وقد رفع عنها القلم » فأطلقها عمر.

[٢١٨٦١] ٢ - فقه الرضاعليه‌السلام : « لا حد على مجنون حتى يفيق،

__________________

الباب ٥

١ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٣٧.

٢ - نوادر علي بن سباط ص ١٢٥.

(١) في المصدر: انه مر مع أبي عبد الله.

الباب ٦

١ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٥٦ ح ١٦٠٧.

٢ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٤٢.

١٣

ولا على صبي حتى يدرك، ولا على النائم حتى يستيقظ ».

[٢١٣٦٢] ٣ - الجعفريات: أخبرنا عبد الله، أخبرنا محمد، حدثني موسى، قال: حدثنا، أبي عن أبيه، عن جده جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده: أن علياعليهم‌السلام ، قال: « الغلام لا يجب عليه الحد كاملا، حتى يحتلم ويسطع ريح إبطه ».

ورواه في الدعائم: عنهعليه‌السلام ، مثله(١) .

٧ -( باب أن من أوجب الحد على نفسه ثم جن ضرب الحد)

[٢١٨٦٣] ١ - الصدوق في المقنع: وإن أوجب رجل على نفسه الحد، فلم يضرب حتى خولط وذهب عقله، فإن كان أوجب على نفسه الحد وهو صحيح لا علة به من ذهاب عقل، أقيم عليه الحد كائنا ما كان.

٨ -( باب أنه لا يقام الحد على أحد في أرض العدو)

[٢١٨٦٤] ١ - دعائم الاسلام: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنه قال في قوم امتنعوا بأرض العدو، وسألوا أن يعطوا عهدا لا يطالبون بشئ مما عليهم، قال: « لا ينبغي ذلك، لان الجهاد في سبيل الله إنما وضع لإقامة حدود الله، ورد المظالم إلى أهلها، ولكن إذا غزا الجند أرض العدو فأصابوا حدا، استؤني بهم إلى أن يخرجوا من ارض العدو فيقام عليهم الحد، لئلا تحملهم الحمية على أن يلحقوا بأرض العدو ».

__________________

٣ - الجعفريات ص ١٤١.

(١) دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٧٥ ح ١٧٠٥.

الباب ٧

١ - المقنع ص ١٤٦.

الباب ٨

١ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٤٥ ح ١٥٥٥.

١٤

٩ -( باب أن من أقر على نفسه بحد ولم يعين، جلد حتى ينهى عن نفسه)

[ ٢١٨٦٥ ] ١ - دعائم الاسلام: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : أنه قضى في رجل اعترف على نفسه بحد ولم يسمه، فأمر أن يضرب حتى يستكف ضاربه، فلما بلغ ثمانين قال: حسبك، فقالعليه‌السلام : « خلوه ».

[ ٢١٨٦٦ ] ٢ - الصدوق في المقنع: قضى أمير المؤمنينعليه‌السلام ، في رجل أقر على نفسه بحد ولم يبين أي حد هو، أن يجلد ثمانين، فجلد ثم قال: « لو أكملت جلدك مائة، ما ابتغيت عليه بينة غير نفسك ».

١٠ -( باب أن من أقر بحد ثم أنكر لزمه الحد إلا أن يكون رجما أو قتلا، ويضرب المقر بالرجم الحد إذا رجع)

[ ٢١٨٦٧ ] ١ - دعائم الاسلام: عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من أقر على نفسه بشرب الخمر، ثم جحده فاجلدوه ».

[ ٢١٨٦٨ ] ٢ - وعن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: « من أقر بالسرقة ثم جحد، قطع ولم يلتفت إلى انكاره ».

[ ٢١٨٦٩ ] ٣ - وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنه قال: « إذا أقر الرجل على نفسه بالزنى أربع مرات وكان محصنا رجم قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : فإن رجع بعد إقراره، ( لم يقبل منه وأقيم عليه الحد، ولا

__________________

الباب ٩

١ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٦٦ ح ١٦٥٦.

٢ - المقنع ص ١٤٧.

الباب ١٠

١ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٦٤ ح ١٦٤٦.

٢ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٧٥ ح ١٧٠٢.

٣ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٥٣ ح ١٥٨٦.

١٥

يرجم إن كان محصنا إذا رجع عن اقراره )(١) ، ولكن يضرب الحد ويخلى سبيله ».

[ ٢١٨٧٠ ] ٤ - فقه الرضاعليه‌السلام : « وأروي عن العالمعليه‌السلام ، أنه قال: لا يرجم الزاني حتى يقر أربع مرات بالزنى إذا لم يكن شهود، فإذا رجع وأنكر ترك ولم يرجم ».

١١ -( باب حكم المريض، والأعمى، والأخرس، والأصم، وصاحب القروح، والمستحاضة، إذا لزمهم الحد)

[ ٢١٣٧١ ] ١ - الجعفريات: أخبرنا عبد الله، أخبرنا محمد، حدثني موسى، قال: حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده، جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن أبيه، عن عليعليهم‌السلام ، قال: « أتي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بمريض مدنف قد أصاب حدا، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أما كان لك في نفسك شغلا عن الحرام!؟ فقال: يا رسول الله ركبني أمر لم أكن لأضبطه، فقال: ذروه حتى يبرأ ثم يقام عليه الحد ».

[ ٢١٨٧٢ ] ٢ - وبهذا الاسناد: ان علياعليه‌السلام ، قال: « ليس على المجذوم، ولا على صاحب الحصبة، حد حتى يبرأ ».

[ ٢١٨٧٣ ] ٣ - وبهذا الاسناد: أن علياعليه‌السلام ، قال: « ليس على صاحب القروح الكثيرة حد حتى يبرأ، أخاف أن أنكأ(١) عليه قروحه

__________________

١ - ما بين القوسين ليس في المصدر.

٤ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٤٧.

الباب ١١

١ - الجعفريات ص ١٣٧.

٢ - الجعفريات ص ١٣٧.

٣ - الجعفريات ص ١٣٧.

(١) نكأ القرحة: قشرها قبل أن تبرأ فعاد ألمها جديد ( انظر لسان العرب ج ١ ص ١٧٣ ).

١٦

فيموت، ولكن إذا برأ حددناه ».

[ ٢١٨٧٤ ] ٤ - وبهذا الاسناد: ان علياعليه‌السلام ، قال: « ليس على الحائض حد حتى تطهر، ولا على المستحاضة حد حتى تطهر ».

[ ٢١٨٧٥ ] ٥ - وبهذا الاسناد: عن عليعليه‌السلام ، قال: « ليس على الحبلى حد حتى تضع، ولا على النفساء حتى تطهر ».

[ ٢١٨٧٦ ] ٦ - دعائم الاسلام: عن عليعليه‌السلام ، أنه قال: « فجرت خادم لآل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال: لي يا علي، انطلق فأقم عليها الحد، فانطلقت بها فوجدت بها دما لم ينقطع بعد فأخبرته فقال: دعها حتى ينقطع دمها، ثم أقم عليها الحد ».

[ ٢١٨٧٧ ] ٧ - وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنه أتي برجل عليل قد حبن(١) واستسقى بطنه وبدت عروقه وهو مريض مدنف، قد أصاب حدا، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله له: « لقد كان لك في نفسك شغل عن الحرام ». فقال: يا رسول الله أتاني أمر لم أكن أملكه. فأمرصلى‌الله‌عليه‌وآله بعرجون فيه مائه شمراخ، فضربه به(٢) واحدة.

قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « وذلك قول الله عز وجل:

__________________

٤ - الجعفريات ص ١٣٧.

٥ - الجعفريات ص ١٣٨.

٦ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٥٣ ح ١٥٨٥.

٧ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٥٢ ح ١٥٨١.

(١) في المخطوط: أحصن، وما أثبتناه من المصدر. والحبن بفتح الحاء والباء وضم النون: داء الاستسقاء وهو عظم البطن وورمها ( لسان العرب ج ١٣ ص ١٠٤ ).

وقال صاحب الدعائم: وهذا والله أعلم فإنما يفعل بمن كان عليلا علة قد يئس من برئها فأما من كان يرجى له الإفاقة أمهل حتى يفيق ثم يقام عليه الحد ( هامش المخطوط ).

٢ - في المصدر: ضربة.

١٧

( وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِ‌ب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ ) (٣) .

[ ٢١٨٧٨ ] ٨ - وروينا عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنه قال: « ليس على المجدور ولا على صاحب الحصبة حد حتى يبرأ، إني أخاف أن أقيم عليه الحد فتنكأ قروحه فيموت، ولكن إذا برأ حددناه ».

[ ٢١٨٧٩ ] ٩ - وعنهعليه‌السلام ، أنه قال: « ليس على الحبلى حد حتى تضع حملها، ولا على النفساء حد حتى تطهر، ولا على المستحاضة حتى تطهر، ولا على الحائض حتى تطهر ».

[ ٢١٨٨٠ ] ١٠ - الصدوق في المقنع: وأتي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله برجل كبير البطن عليل قد زنى، فأتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعرجون فيه مائه شمراخ فضربه ضربة واحدة مكان الحد.

[ ٢١٨٨١ ] ١١ - وقال أبو جعفرعليه‌السلام : « لو أن رجلا أخذ حزمة من قضبان أو أصلا فيه قضبان، فضربه ضربة واحدة، أجزأه من عدة ما يريد أن يجلده عدة القضبان ».

[ ٢١٨٨٢ ] ١٢ - عوالي اللآلي: عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنه أتي بامرأة في نفاسها ليحدها، فقال: « اذهبي حتى ينقطع عنك الدم ».

__________________

(٣) سورة ص ٣٨: ٤٤.

٨ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٥٢ ح ١٥٨١.

٩ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٥٢ ح ١٥٨٣.

١٠ - المقنع ص ١٤٥.

١١ - المقنع ص ١٤٥.

١٢ - عوالي اللآلي ج ١ ص ١٨٣ ح ٢٥٢.

١٨

١٢ -( باب أن من فعل ما يوجب الحد جاهلا بالتحريم لم يلزمه شئ من الحد)

[ ٢١٨٨٣ ] ١ - دعائم الاسلام: عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، أنه قال: « من شرب الخمر وهو لا يعلم أنها محرمة وثبت ذلك لم يحد ».

[ ٢١٨٨٤ ] ٢ - السيد الرضي في الخصائص: باسناد مرفوع عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: « قضى أمير المؤمنينعليه‌السلام بقضية ما قضى بها أحد كان قبله، وكانت أول قضية قضى بها بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك أنه لما قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأفضى الامر إلى أبي بكر، أتي برجل قد شرب الخمر، فقال له أبو بكر: أشربت الخمر؟ قال: نعم. قال: ولم شربتها، وهي محرمة؟ قال إني أسلمت ومنزلي بين ظهراني قوم يشربون الخمر ويستحلونها، ولم أعلم أنها حرام فاجتنبها، قال: فالتفت أبو بكر إلى عمر، قال: ما تقول يا أبا حفص في أمر هذا الرجل؟ فقال: معضلة وأبو الحسنعليه‌السلام لها، فقال أبو بكر: يا غلام أدع علياعليه‌السلام ، فقال: عمر بل يؤتى الحكم في بيته، فأتوه وعنده سلمان، فأخبروه بقصة الرجل، واقتص الرجل عليه قصته، فقال(١) لأبي بكر: ابعث معه من يدور به على مجالس المهاجرين والأنصار، فمن كان تلا عليه آية التحريم فليشهد عليه، وإن لم يكن أحد تلا عليه آية التحريم فلا شئ عليه، قال: ففعل أبو بكر بالرجل ما قاله، فلم يشهد عليه أحد فخلى سبيله » الخبر.

[ ٢١٨٨٥ ] ٣ - القطب الراوندي في لب اللباب: وبال اعرابي في مسجده يعني مسجد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وأرادوا أن يضربوه، فنهاهم عن

__________________

الباب ١٢

١ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٦٤ ح ١٦٤٥.

٢ - الخصائص ص ٥٦.

(١) في المصدر زيادة: عليعليه‌السلام .

٣ - لب اللباب: المخطوط.

١٩

ضربه، وقال: « انه لم يعلم أنه لا يجوز ».

[ ٢١٨٨٦ ] ٤ - عوالي اللآلي: عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: «(١) الناس في سعة ما لم يعلموا ».

١٣ -( باب أن من وجب عليه حدود أحدها القتل، حد أولا ثم قتل، فإن كان فيها قطع قدم على القتل وأخر عن الجلد)

[ ٢١٨٨٧ ] ١ - دعائم الاسلام: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : أن رجلا رفع إليه، أنه قد أصاب حدا ووجب عليه القتل، فأقام عليه الحد وقتله، قال أبو جعفرعليه‌السلام : « وكذلك لو اجتمعت عليه حدود كثيرة فيها القتل، لكان يبدأ بالحدود التي دون القتل ثم يقتل ».

[ ٢١٨٨٨ ] ٢ - أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره: عن علاء، عن ابن مسلم، قال: سألتهعليه‌السلام : الرجل يوجد وعليه الحدود أحدها القتل؟ قال: « كان عليعليه‌السلام يقول: عليه الحدود قبل القتل، ثم تقتله، ولا تخالف علياعليه‌السلام ».

١٤ -( باب ان من تاب قبل أن يؤخذ سقط عنه الحد، واستحباب اختيار التوبة على الاقرار عند الامام)

[ ٢١٨٨٩ ] ١ - دعائم الاسلام: عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أن رجلا أتاه فقال: يا رسول الله، اني زنيت، فأعرض عنه إلى أن قال ثم

__________________

٤ - عوالي اللآلي ج ١ ص ٤٢٤ ح ١٠٩.

(١) في المصدر زيادة: ان.

الباب ١٣

١ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٦٦ ح ١٦٥٨.

٢ - نوادر أحمد بن محمد بن عيسى ص ٧٦.

الباب ١٤

١ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٥٠ ح ١٥٧٤.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

حازت المجد والشرف بذلك، فقد آوت سليل هاشم وسفير ريحانة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتحمّلت المسؤولية من السلطة بضيافتها له.

وأدخلت السيّدة ضيفها العظيم في بيت غير البيت الذي كانت تأوي إليه، وجاءته بالضياء والطعام، فأبى أن يأكل، فقد مزّق الأسى قلبه الشريف، وأيقن بالرزء القاصم، وتمثّلت أمامه الأحداث التي سيواجهها، وقد شغل فكره الإمام الحسينعليه‌السلام الذي كتب إليه بالقدوم إلى الكوفة وانّه سيلاقي ما لاقاه.

ولم يمض قليل من الوقت حتى قدم بلال ابن السيدة طوعة، فرأى أمّه تكثر من الدخول والخروج إلى البيت الذي فيه مسلم لتقوم بخدماته ورعايته، فأنكر عليها ذلك، وسألها عن السبب فأبت أن تخبره، فألحّ عليها، فأخبرته بالأمر بعد أن أخذت عليه الاَيمان والمواثيق بالكتمان، وطارت نفس الخبيث فرحاً وسروراً، وأنفق ليله ساهراً يترقّب بفارغ الصبر انبثاق نور الفجر ليخبر السلطة بمقام مسلم عندهم ليتزلّف بذلك إليها، وينال الجائزة منها، وقد تنكّر هذا الوغد لجميع الأعراف، والأخلاق العربية التي تلزم بقرى الضيف، وحمايته من كل مكروه، وكانت هذه الظاهره سائدة حتى في العصر الجاهلي، وقد دلّ ما فعله هذا الجلف على انهيار القيم الأخلاقية والانسانية ليس عنده فحسب، وانّما في أغلبية ذلك المجتمع الذي فقد جميع ما يسمو به الإنسان من القيم الكريمة.

وعلى أيّ حال فقد قضى سليل هاشم ليله حزيناً قلقاً مضطرباً، وقد خلص في معظم الليل إلى العبادة ما بين الصلاة وقراءة القرآن، فقد أيقن أن تلك الليلة هي آخر آيّام حياته، وقد خفق في بعض الليل فرأى عمّه الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام في منامه فأخبره بسرعة اللحاق به، فعند ذلك أيقن بدنوّ

١٤١

الأجل المحتوم منه.

الإفشاء بمسلم:

ولمّا انبثق نور الصبح بادر بلال إلى قصر الإمارة ليخبر السلطة بمكان مسلم عنده، وكان الخبيث بحالة من الدهشة تلفت النظر، فقصد عبدالرحمن بن محمد بن الأشعث وهو من الأسرة الانتهازية الخبيثة التي طلقت الشرف والمعروف ثلاثاً، فأسره بالأمر، فأمره بالسكوت لئلا يسمعه غيره فيخبر ابن زياد فينال منه الجائزة، وأسرع عبدالرحمن إلى أبيه محمد فأخبره بالأمر الخطير، وبدت سحنات الفرح والسرور على وجهه، وفطن ابن مرجانة إلى أن هناك أمراً عظيماً يخصّ السلطة فبادر قائلاً:

« ما قال لك: عبد الرحمن؟.. ».

فقال وقد ملأ الفرح اهابه:

« أصلح الله الأمير البشارة العظمى ».

« ما ذاك؟ مثلك من بشّر بخير ».

« إن إبني هذا يخبرني أن مسلماً في دار طوعة ».

وطار ابن زياد من الفرح والسرور فقد تمّت بوارق آماله وأحلامه، فقد ظفر بسليل هاشم ليقدّمه قرباناً لاَمويته اللصيقة، وأخذ يمني ابن الأشعث بالمال والجاه المزيّف، قائلاً له:

« قم فأتني به، ولك ما أردت من الجائزة والحظّ الأوفى ».

وسال لعاب ابن الأشعث فاندفع وراء أطماعه الدنيئة لإلقاء القبض على مسلم.

١٤٢

الهجوم على مسلم:

وندب ابن مرجانة لحرب مسلم، محمد بن الأشعث، وعمرو بن حريث المخزومي وضمّ إليهما ثلثمائة رجل من فرسان الكوفة، وأقبلت تلك الوحوش الكاسرة التي لا عهد لها بالشرف والمروءة إلى حرب مسلم الذي أراد أن يحررهم من الذلّ والعبودية، وينقذهم من ظلم الأمويين وجورهم.

ولما قربت الجيوش من دار طوعة علم مسلم أنها قد أتت لحربه، فسارع إلى فرسه فأسرجه وألجمه، وصبّ عليه درعه، وتقلّد سيفه، والتفت إلى السيّدة الكريمة طوعة فشكرها على حسن ضيافتها، وأخبرها أنه انّما أُوتي إليه من قبل ابنها الباغي اللئيم.

واقتحم الجيش الدار على مسلم فشدّ عليهم كالليث يضربهم بسيفه ففرّوا منهزمين من بين يديه يطاردهم الرعب والخوف، وبعد فترة عادوا إليه فحمل عليهم، وأخرجهم من الدار، وانطلق نحوهم فجعل يحصد رؤوسهم بسيفه، وقد أبدى من البطولات النادرة ما لم يشاهد مثله في جميع فترات التأريخ، فقد قتل منهم ـ فيما يقول بعض المؤرّخين ـ واحداً وأربعين، عدا الجرحى، وكان من قوته النادرة، وعظيم بأسه أن يأخذ الرجل منهم بيده، ويرمي به فوق البيت كأنّه حجر، ومن المؤكّد أنّه ليس في تأريخ الإنسانية مثل هذه البطولة، ولا مثل هذه القوة، وليس ذلك غريباً عليه، فعمّه الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام أشجع الناس، وأقواهم بأساً وأشدّهم عزيمة.

وجعل أنذال أهل الكوفة يرمون مسلماً بالحجارة وقذائف النار من

١٤٣

فوق سطوح بيوتهم، ومما لا ريب فيه أن الحرب لو كانت في البيداء لأتى عليهم مسلم، ولكنها كانت في الأزقة والشوارع، ومع ذلك فقد فشلت جيوش أنذال أهل الكوفة، وعجزت عن مقاومة البطل العظيم، فقد أشاع فيه القتل والدمار، وأسرع ابن الأشعث بالطلب إلى سيّده ابن مرجانة ليمدّه بالخيل والرجال، لأنّه لا يقوى على مقاومة هذا البطل العظيم، وبهر الطاغية، وأخذ يندد بقيادة ابن الأشعث قائلاً:

« سبحان الله!! بعثناك إلى رجل واحد تأتينا به فثلم في أصحابك هذه الثلمة العظيمة ».

وثقل على ابن الأشعث هذا التقريع، فراح يشيد ببطولات ابن عقيل قائلاً:

« أتظنّ أنّك أرسلتني إلى بقّال من بقّالي الكوفة، أو جرمقاني من جرامقة الحيرة وانّما بعثتني إلى أسد ضرغام، وسيف حسام في كفّ بطل همام من آل خير الأنام ». وأمدّه ابن زياد بقوة مكثفة من الجيش، فجعل بطل الإسلام وفخر عدنان يقاتلهم أشدّ القتال وأعنفه وهو يرتجز:

أقسمت لا أقتل إلاّ حرّا

وإن رأيت الموت شيئاً نكرا

أو يخلط البارد سخناً مرّا

ردّ شعاع الشمس فاستقرا

كلّ امرئ يوماً يلاقي شرّاً

أخاف أن أكذب أو أغرا

أما أنت يا بن عقيل فكنت سيّد الأباة والأحرار فقد رفعت لواء العزّة والكرامة، ورفعت شعار الحرية، وأما خصومك فهم العبيد الذي رضوا بالذلّ والهوان، وخضعوا للعبودية والذل، لقد أردت أن تحررهم، وتعيد لهم الحياة الحرّة الكريمة، فأبوا ذلك، وعدوا عليك يقاتلونك، وقد فقدوا بذلك إنسانيتهم، ومقومات حياتهم.

١٤٤

ولمّا سمع ابن الأشعث رجز مسلم الذي أقسم فيه على أن يموت ميتة الأحرار والأشراف انبرى إليه ليخدعه قائلاً:

« إنّك لا تكذب، ولا تخدع، إن القوم بنو عمّك وليسوا بقاتليك، ولا ضاريّك ».

فلم يحفل مسلم بأكاذيب ابن الأشعث، وراح يقاتلهم أعنف القتال وأشدّه، ففرّوا منهزمين من بين يديه، وهو يحصد رؤوسهم، وجعلوا يرمونه بالحجارة، فأنكر عليهم مسلم ذلك وصاح بهم:

« ويلكم ما لكم ترمونني بالحجارة، كما تُرمى الكفار، وأنا من أهل بيت الأبرار، ويلكم أما ترعون حقّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذريته ».

إنّ هؤلاء الأجلاف قد فقدوا جميع القيم والأعراف، فلم يرعوا أيّة حرمة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي حرّرهم من حياة التيه في الصحراء وأقام لهم حضارة لم تعهدها الأمم والشعوب، فكان جزاؤه منهم أن عدوا على أبنائه وذريته فأوسعوهم قتلاً وتنكيلاً.

وعلى أي حال فان جيوش ابن زياد لم تستطع مقاومة البطل العظيم وبان عليهم الانكسار، وضاق بابن الأشعث أمره، فدنا من مسلم ورفع عقيرته قائلاً:

« يا بن عقيل لا تقتل نفسك، أنت آمن، ودمك في عنقي ».

ولم يعن مسلم بأمان ابن الأشعث لعلمه أنّه من أسرة خبيثة لا تعرف أي معنى من معاني النبل والوفاء، فردّ عليه قائلاً:

« يا بن الأشعث لا أعطي بيدي أبداً، وأنا أقدر على القتال، والله لا كان ذلك أبداً ».

وحمل عليه مسلم ففرّ الجبان منهزماً يلهث كالكلب، وأخذ العطش

١٤٥

القاسي من مسلم مأخذاً عظيماً، فجعل يقول:

« اللهمّ إن العطش قد بلغ منّي ».

وتكاثرت الجنود على مسلم، وقد استولى عليهم الرعب والخوف، وصاح بهم ابن الأشعث:

« إن هذا هو العار والفشل ان تجزعوا من رجل واحد هذا الجزع، احملوا عليه بأجمعكم حملة واحدة ».

فحمل الأوغاد اللئام على مسلم، وجعلوا يطعنونه برماحهم، ويضربونه بسيوفهم، وقد ضربه الوغد بكير بن حمران الاَحمري ضربة منكرة على شفته العليا، وأسرع السيف إلى السفلى، وضربه مسلم ضربة أردته إلى الأرض.

أسره:

وأعيى مسلماً نزيف الدم، وقد أثخن بالجراح، فانهارت قواه، ولم يتمكّن على المقاومة، فوقع أسيراً بأيدي أُولئك الأقزام، وتسابقوا إلى ابن مرجانة يحملون له البشرى بأسرهم للقائد العظيم الذي جاء ليقيم في بلادهم حكم القرآن، ويحررهم من جور الأمويين وظلمهم، وطار ابن مرجانة فرحاً، فقد ظفر بخصمه، وتمّ له القضاء على الثورة وحمل مسلم أسيراً إلى عبد الأمويين وعميلهم، وقد ازدحمت الجماهير التي بايعته، وأعطته العهود والمواثيق في الوفاء ببيعته إلاّ أنهم خانوا بذلك، وراحوا يقاتلونه.

وانتهى بمسلم إلى قصر الامارة، وقد أخذ العطش منه مأخذاً عظيماً فرأى جرّة فيها ماء بارد، فالتفت إلى من حوله فقال لهم:

١٤٦

« اسقوني من هذا الماء ».

فانبرى له اللئيم الدنس عميل الأمويين مسلم بن عمرو الباهلي، فقال له:

« أتراها ما أبردها، والله لا تذوق منها قطرة حتى تذوق الحميم في نار جهنّم ».

ودلّت هذه البادرة وغيرها مما صدر من هؤلاء الممسوخين على تجرّدهم من جميع القيم الإنسانية، ومن المؤكّد أن هذا هو السمت البارز من أخلاق السفلة الساقطين من قتلة الأنبياء والمصلحين، وبهر مسلم من هذا الانسان الممسوخ فقال له:

« من أنت، ».

فأجابه الباهلي بأنّه من خدّام السلطة وأذنابها قائلاً:

« أنا من عرف الحق، إذ تركته، ونصح الأمة والامام إذ غششته، وسمع وأطاع إذ عصيته أنا مسلم بن عمرو الباهلي ».

أيّ حقّ عرفه هذا الجلف الجافي، وهو والأكثرية الساحقة من المجتمع الذي عاش فيه، قد غرقوا في الباطل والمنكر ان غاية ما يفخر به الوغد تماديه في خدمة ابن مرجانة الذي هو أقذر مخلوق عرفه التأريخ البشري، وردّ عليه مسلم بمنطقه الفيّاض قائلاً:

« لامك الثكل، ما أجفاك وأفظّك، وأقسى قلبك، أنت يا بن باهلة أولى بالحميم والخلود في نار جنهّم منّي ».

وكان عمارة بن عقبة حاضراً فاستحيا من جفوة الباهلي ولؤمه فدعا بماء بارد فصبّه في قدح، وناوله إلى مسلم، وكلما أراد أن يشرب امتلأ القدح دماً وفعل ذلك ثلاثاً، فقال: لو كان لي الرزق المقسوم لشربته.

١٤٧

مع ابن مرجانة:

وادخل قمر عدنان على ابن مرجانة، فسلّم على الحاضرين، ولم يسلّم عليه، فأنكر عليه بعض صعاليك الكوفة قائلاً:

« هل تسلّم على الأمير؟ ».

فصاح به البطل العظيم محتقراً له ولأميره قائلاً:

« اسكت لا أمّ لك، والله ليس لي بأمير فأسلّم عليه »

وتميّز الطاغية غيظاً فراح يقول:

« لا عليك سلّمت أم لم تسلّم فانّك مقتول ».

إنّ بضاعة هذا الطاغية هي القتل والدمار، وهي محالاً تخيف الأحرار أمثال مسلم ممن صنعوا تأريخ هذه الأمة، وأقاموا كيانها الحضاري والفكري وجرت بين مسلم، وبين ابن مرجانة كثير من المحاورات أثبت فيها مسلم صلابته وقوّة عزيمته، وعدم انهياره أمام الطاغية، وأثبت بشجاعته أنّه من أفذاذ التأريخ.

إلى الرفيق الأعلى:

والتفت العتُلّ الزنيم ابن مرجانة إلى بكير بن حمران الذي ضربه مسلم فقال له: خذ مسلماً، واصعد به إلى أعلى القصر، واضرب عنقه بيدك ليكون ذلك أشفى لصدرك، واستقبل مسلم الموت بثغر باسم، فقد بقي رابط الجأش، قويّ العزيمة، مطمئنّ النفس، فصعد به إلى أعلى القصر، وهو يسبّح الله، ويقدّسه، ويدعو على السفكة المجرمين وأشرف به الجلاّد على موضع الحذائين فضرب عنقه، ورمى بجسده ورأسه إلى الأرض،

١٤٨

وهكذا انتهت حياة هذا البطل العظيم الذي استشهد دفاعاً عن حقوق المظلومين، والمضطهدين، ودفاعاً عن كرامة الإنسان، وقضاياه المصيرية، وهو أوّل شهيد من الأسره النبوية يقتل علناً أمام المسلمين، ولم يهبوا لإنقاذه والدفاع عنه.

إعدام هانئ:

وأمر سليل الغدر والخيانة بعد قتل مسلم، بإعدام الزعيم الكبير، والعضو البارز في الثورة هانئ بن عروة، فأخرج من السجن، وهو يصيح أمام أسرته التي هي كالحشرات قائلاً:

« وامذحجاه ».

« واعشيرتاه ».

ولو كان عند أسرته صبابة من الغيرة والحمية لهبّت لإنقاذ زعيمها العظيم الذي كان لها كالأب، والذي قدّم لها جميع الخدمات، ولكنها كبقيّة قبائل الكوفة قد طلّقت المعروف ثلاثاً، ولا عهد لها بالشرف والكرامة.

وجيء بهانئ إلى ساحة يباع فيها الأغنام، فنفّذ الجلاّدون فيه حكم الإعدام، فهوى إلى الأرض يتخبّط بدم الشهادة لقد استشهد هانئ دون مبادئه وعقيدته، وقد انطوت بشهادته أروع صفحة من صفحات البطولة والجهاد في الإسلام.

السحل في الشوارع:

وقام عملاء ابن زياد وعبيدة من الانتهازيين والغوغاء فسحلوا جثّة مسلم وهانئ في الشوارع والأزقة، وذلك لإخافة العامة وشيوع الإرهاب بين

١٤٩

الناس، والاستهانة بشيعة مسلم وأنصاره، وقد انتهت بذلك الثورة العملاقة التي كانت تهدف إلى إشاعة العدل والأمن والرخاء بين الناس، وقد خلد الكوفيون بعد فشل الثورة إلى الذلّ والعبودية وأمعن الطاغية في ظلمهم فأعلن الأحكام العرفية في بلادهم، وأخذ يقتل على الظنّة والتهمة، ويأخذ البريء بالمذنب، كما فعل أبوه زياد من قبل، وقد ساقهم كالأغنام لأفظع جريمة عرفها التأريخ البشري وهي حربهم لحفيد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الإمام الحسينعليه‌السلام .

* * *

١٥٠

إلى أرض الشهادة

١٥١

١٥٢

وغادر الإمام الحسينعليه‌السلام مكّة، ولم يمكث فيها، فقد علم أن الطاغية يزيد قد دسّ عصابة من الإرهابيين لاغتياله، وان كان متعلّقاً بأستار الكعبة، فخاف أن يراق دمه في البيت الحرام، وفي الشهر الحرام، وبالإضافة إلى ذلك فان سفيره مسلم بن عقيل قد كتب إليه يحثّه على القدوم إلى الكوفة، وان أهلها يترقّبون قدومه، ويفدونه بأرواحهم ودمائهم، ويقدمون له الدعم الكامل لتشكيل حكومة علوية في بلادهم.

وسار الإمام مع عائلته تحفّ بها الكوكبة المشرقة من شباب أهل البيتعليهم‌السلام الذين يمثّلون القوة والعزم والإباء، وعلى رأسهم سيّدنا أبو الفضلعليه‌السلام فكانت رايته ترفرف على رأس أخيه أبي الأحرار من مكّة المكرّمة إلى أرض الشهادة والفداء كربلاء، وكان يراقب بدقّة حركة القافلة وسيرها خوفاً على عيال أخيه وأطفاله من أن يصيبهم عناء أو أذى من وعورة الطريق، وقد تكفّل جميع شؤونهم وما يحتاجون إليه، وقد وجدوا في رعايته وحنانه من البرّ ما يفوق حدّ الوصف.

وواصل الإمام سيرته الخالدة، وقد طافت به هواجس مريرة، فقد أيقن أنّه سيلاقي مصرعه، ومصارع أهل بيته على أيدي هؤلاء الذين كاتبوه بالقدوم إلى مصرهم، وقد تشرّف بمقابلته في الطريق الشاعر الكبير الفرزدق همام بن غالب، فسلّم عليه وحيّاه، وقال له:

« بأبي أنت وأمّي يا بن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما أعجلك عن الحجّ؟ ».

١٥٣

فأحاطه الإمام علماً بما عزمت عليه السلطة من اغتياله قائلاً:

« لو لم أعجل لأخذت ».

وسارع الإمام قائلاً:

« من أين أقبلت؟ »

« من الكوفة ».

« بيّن لي خبر الناس »

كشف الفرزدق للإمام بوعي وصدق الحالة الراهنة في الكوفة، وانّها لا تبشّر بخير، ولا تدعو إلى التفاؤل قائلاً:

« على الخبير سقطت، قلوب الناس معك، وسيوفهم مع بني أميّة، والقضاء ينزل من السماء، والله يفعل ما يشاء وربّنا كل يوم هو في شأن ».

واستصوب الإمام حديث الفرزدق، وأخبره عن عزمه الجبّار وإرادته الصلبة، وانه ماضٍ قدماً في جهاده، وذبّه عن حرمة الإسلام، فان نال ما يرومه فذاك، وإلاّ فالشهادة في سبيل الله قائلاً له:

«صدقت لله الأمر من قبل، ومن بعد، يفعل الله ما يشاء، وكل يوم ربّنا في شأن، ان نزل القضاء بما نحبّ فنحمد الله على نعمائه، وهو المستعان على أداء الشكر وان حال القضاء دون الرجاء فلم يتعدّ من كان الحقّ نيّته، والتقوى سريرته » وأنشأ الإمام هذه الأبيات :

لئن كانت الدنيا تعدّ نفيسة

فـدار ثواب الله أعلى وأنبل

وان كانت الأبدان للموت أنشئت

فقتل امرئ بالسيف في الله أفضل

وان كانت الأرزاق شيئاً مقدراً

فقلة سعي المرء في الرزق أجمل

وان كانت الأموال للترك جمعها

فما بال متروك به المرء يبخل

١٥٤

ودلّ هذا الشعر على زهده في الدنيا، ورغبته الملحّة في لقاء الله تعالى، وانّه مصمّم كأشدّ ما يكون التصميم على الجهاد، والشهادة في سبيل الله.

إنّ التقاء الإمام مع الفرزدق كشف عن خنوع الناس، وعدم اندفاعهم لنصرة الحق فالفرزدق الذي كان يملك وعياً اجتماعياً، ووعياً ثقافياً متميزاً رأى ريحانه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو ماضٍ في طريقه إلى الشهادة قد تضافرت قوى الباطل على حربه فلم يندفع إلى نصرته، والالتحاق بموكبه، واختار الحياة على الشهادة، فاذا كان هذا حال الفرزدق فكيف بغيره من جهّال الناس وسوادهم.

وصول النبأ بمقتل مسلم:

وسارت قافلة أبي الأحرار تطوي البيداء لا تلوي على شيء حتى انتهت إلى ( زرود ) وإذا برجل قد أقبل من جهة الكوفة، فلمّا رأى الامام الحسينعليه‌السلام عدل عن الطريق وقد وقف الامام يريد مسألته فلمّا رآه قد مال عنه واصل سيره، وكان مع الإمام عبد الله بن سليمان، والمنذر بن المشمعل الأسديان فسارعا نحو الرجل حينما عرفا رغبة الإمام في سؤاله، فأدركاه، وسألاه عن خبر الكوفة فقال لهما: إنّه لم يخرج حتى قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة، ورآهما يجرّان بأرجلهما في الأسواق، فودّعاه وأقبلا مسرعين حتى التحقا بالإمام، فلما نزل الثعلبية قالا له:

« رحمك الله ان عندنا اخباراً ان شئت حدّثناك به علانية، وان شئت سرّاً ».

ونظر الإمام إلى أصحابه الممجّدين فقال:

« ما دون هؤلاء سرّ ».

١٥٥

« أرأيت الراكب الذي استقبلته عشاء أمس؟ »

« نعم وأردت مسألته ».

« والله استبرأنا لك خبره، وهو أمرؤ منّا ذو رأي، وصدق، وعقل، وانه حدّثنا انّه لم يخرج من الكوفة حتى قتل مسلم، وهانئ ورآهما يجرّان في الأسواق بأرجلهما ».

وتصدّعت قلوب العلويين وشيعتهم من هذا النبأ المفجع، وانفجروا بالبكاء واللوعة، حتى ارتجّ الموضع بالبكاء، وسالت الدموع كالسيل، وشاركنهم السيّدات من أهل البيت بالبكاء، وقد استبان لهم غدر أهل الكوفة ونكثهم لبيعة الإمام، وانّهم سيلاقون المصير الذي لا قاه مسلم، والتفت إلى بني عقيل فقال لهم:

« ما ترون فقد قتل مسلم؟ ».

ووثبت الفتية كالأسود، وهي تعلن استهانتها بالموت، وسخريتها من الحياة، مصمّمة على المنهج الذي سار عليه مسلم قائلين:

« لا والله لا نرجع حتى نصيب ثأرنا أو نذوق ما ذاق مسلم ».

راح أبو الأحرار يقول بمقالتهم:

« لا خير في العيش بعد هؤلاء ».

وقال متمثلاً:

« سأمضي وما بالموت عار على الفتى

إذا ما نوى حقاً وجاهد مسلما

فان مُتّ لم أندم وإن عشت لم ألم

كفى بك عاراً أن تذل وترغما »

لقد مضيت ـ يا أبا الأحرار ـ قدماً إلى الموت، بعزم وتصميم، وأنت مرفوع

١٥٦

الرأس، ناصع الجبين في سبيل كرامتك، ولم تخضع، ولم تلن لأولئك الأقزام الذين غرقوا في الرذائل والموبقات.

النبأ المفجع بشهادة عبد الله:

وسار موكب الإمام لا يلوي على شيء حتى انتهى إلى زبالة، فوافاه النبأ الفظيع بشهادة عبد الله بن يقطر الذي أوفده للقيا مسلم بن عقيل، فقد ألقت الشرطة القبض عليه، وبعثته مخفوراً إلى ابن مرجانة، فلمّا مثل عنده صاح به الخبيث الدنس:

« اصعد المنبر، والعن الكذّاب ـ يعني الامام الحسين ـ ابن الكذّاب، حتى أرى رأيي فيك ».

وظنّ ابن مرجانة انّه على غرار شرطته، ومن سنخ جلاّديه الذين باعوا ضمائرهم عليه، وما درى أنّه من أفذاذ الأحرار الذين تربّوا في مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام ، وسجّلوا الفخر والشرف لهذه الأمة، واعتلى البطل العظيم أعواد المنبر، ورفع صوته صوت الحقّ الهادر قائلاً:

« أيّها الناس أنا رسول الحسين بن فاطمة، لتنصروه وتؤازروه على ابن مرجانة الدعيّ ابن الدعيّ ».

واسترسل في خطابه الثوري، وقد دعا فيه إلى نصرة ريحانة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والذبّ عنه، ومناهضة الحكم الأموي الذي عمد إلى إذلال الإنسان المسلم، وسلب حريته وإرادته، وانتفخت أوداج ابن مرجانة وورم أنفه، فأمر بإلقاء هذا العملاق من أعلى القصر، فأخذته الشرطة، ورمته من أعلى القصر فتكسّرت عظامه، وبقي به رمق من الحياة، فأسرع إليه الخبيث عبد الملك اللخمي فذبحه ليتقرّب إلى سيّده ابن مرجانة.

١٥٧

ولمّا علم أبو الأحرار بمصرع عبد الله شقّ عليه ذلك، ويئس من الحياة، وعلم أنّه يسير نحو الموت، وأمر بجمع أصحابه، والذين اتبعوه طلباً للعافية لا للحق، ليعلمهم بما آل إليه أمره من تخاذل الناس عنه، وانصرافهم إلى بني أميّة قائلاً:

«أمّا بعد: فقد خذلنا شيعتنا فمن أحبّ منكم الانصراف فلينصرف ليس عليه منّا ذمام ».

وتفرّق ذوو الاَطماع الذين اتبعوه من أجل الغنيمة، والظفر ببعض مناصب الدولة وخلص إليه الصفوة الكريمة من أصحابه الممجدين الذي اتبعوه على بصيرة من أمرهم وليست عندهم أية أطماع.

لقد صارح الإمام أصحابه بالواقع في تلك المرحلة الحاسمة، فأعلمهم أنّه ماضٍ إلى الشهادة لا إلى الملك والسلطان، وان من يلتحق به سيفوز برضا الله، ولو كان الامام من عشّاق السلطة لما أدلى بذلك، وكتم الأمر لأنّه في أمسّ الحاجة إلى الناصر والمحامي عنه.

لقد كان الإمامعليه‌السلام ينصح أصحابه وأهل بيته بالتخلي عنه في كل موقف والسبب في ذلك أن يكونوا على بصيرة من أمرهم، ولا يدّعي أحد منهم أنّه كان على غير علم بالأمر.

الالتقاء بالحرّ:

وسار موكب الإمام يطوي البيداء حتى انتهى إلى « شراف » وفيها عين ماء فأمر الإمام فتيانه بالاستقاء والاكثار منها، ففعلوا ذلك، وسارت القافلة، فانبرى بعض أصحاب الإمام بالتكبير، فاستغرب الامام منه، وقال له:

« لمَ كبّرت؟ »

١٥٨

« رأيت النخل ».

وأنكر عليه رجل من أصحاب الإمام ممن عرف الطريق، فقال له:

« ليس ها هنا نخل، ولكنها اسنّة الرماح، وآذان الخيل » ...

وتأمّلها الإمام، فطفق يقول: وأنا أرى ذلك ـ أي أسنّة الرماح وآذان الخيل ـ وعرف الإمام أنّها طلائع الجيش الأموي جاءت لحربه فقال لأصحابه:

« أما لنا من ملجأ نلجأ إليه، فنجعله وراء ظهورنا، ونستقبل القوم من وجه واحد ».

وكان بعض أصحابه عارفاً بسنن الطريق فقال له:

« بلى هذا ذو حُسم(١) إلى جنبك، تميل إليه عن يسارك، فان سبقت إليه فهو كما تريد ».

ومال موكب الإمام إليه، فلم يبعد كثيراً حتى أدركه جيش مكثف بقيادة الحرّ بن يزيد الرياحي، قد عهد إليه ابن مرجانة أن يجوب في صحراء الجزيرة للتفتيش عن الإمام، وإلقاء القبض عليه، وكان عدد ذلك الجيش فيما يقول المؤرّخون زهاء ألف فارس، ووقفوا قبال الإمام في وقت الظهر، وقد أشرفوا على الهلاك من شدّة الظمأ، فرقّ عليهم الإمام، فأمر أصحابه أن يسقوهم الماء، ويرشفوا خيولهم، وسارع أصحابه فسقوا الجيش المعادي لهم عن آخره، ثم انعطفوا إلى الخيل فجعلوا يملأون القصاص والطساس فإذا عبّ الفرس فيها ثلاثاً، أو أربعاً، أو خمساً، عزلت، وسقى الآخر حتى سقوها عن آخرها.

__________________

(١) ذو حسم: ـ بضم الحاء وفتح السين ـ جبل هناك.

١٥٩

لقد تكرّم الإمامعليه‌السلام على أُولئك الوحوش الانذال الذين جاءوا لحربه فأنقذهم من الظمأ القاتل، ولم تهزّهم هذه الأريحية وهذا النبل، فقابلوه بالعكس، فمنعوا الماء عنه، وعن أطفاله حتى تفتّت قلوبهم من الظمأ.

خطاب الإمام في الجيش:

وخطب الإمامعليه‌السلام خطاباً بليغاً في قطعات ذلك الجيش، فأوضح لهم أنّه لم يأتهم محارباً، وانّما جاءهم محرراً ومنقذاً لهم من جور الأمويين وظلمهم، وقد توافدت عليه وفودهم وكتبهم تحثّه بالقدوم لمصرهم ليقيم دولة القرآن والإسلام، وهذه فقرات من خطابه الشريف:

« أيّها الناس، انّها معذرة إلى الله عزّ وجلّ، وإليكم، إنّي لم آتكم حتى أتتني كتبكم وقدمت بها عليَّ رسلكم ان أقدم علينا فانّه ليس لنا إمام، ولعل الله أن يجمعنا بك على الهدى، فان كنتم على ذلك فقد جئتكم، فاعطوني ما أطمئنّ به من عهودكم ومواثيقكم، وان كنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي جئت منه إليكم ».

وأحجموا عن الجواب لأن أكثرهم ممن كاتبوه وبايعوه على يد سفيره العظيم مسلم بن عقيل.

وحضر وقت صلاة الظهر فأمر الإمام مؤذّنه الحجاج بن مسروق أن يؤذّن ويقيم للصلاة، وبعد فراغه منها التفت الامام إلى الحرّ فقال له:

« أتريد أن تصلّي بأصحابك؟ ».

فقال الحرّ بأدب:

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445