الطريق الى خراسان

الطريق الى خراسان0%

الطريق الى خراسان مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
تصنيف: الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
ISBN: 964-438-040-1
الصفحات: 411

  • البداية
  • السابق
  • 411 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 16774 / تحميل: 6283
الحجم الحجم الحجم
الطريق الى خراسان

الطريق الى خراسان

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
ISBN: 964-438-040-1
العربية

١٩٤. تاريخ اليعقوبي.

١٩٥. حياة الامام الرضا ٢/٣٧٦.

١٩٦. عيون أخبار الرضا ٢/٢٤٧.

١٩٧. المصدر السابق ٢/٢٤٩.

١٩٨. أحداث التاريخ الاسلامي ٢/١١٦٤.

١٩٩. الحياة السياسية للامام الرضا /٤١٨.

٢٠٠. أحداث التاريخ الاسلامي ٢/١١٦٨.

٢٠١. عاد المأمون الى ارتداء الزي الاسود مرّة أخرى بعد ثمانية ايام فقط من دخول بغداد.

أحداث التاريخ الاسلامي ٢/١١٧١

٢٠٢. موسوعة احداث التاريخ الاسلامي ٢/١١٧١.

٢٠٣. تمثال يتربع فوق القبة الخضراء في قصر الذهب الذي بناه المنصور أثناء تأسيس مدينة بغداد سنة ١٤٥ هـ.

وظلّ التمثال حتى سنة ٣٢٩ هـ حيث سقط وانهارت القبة في عاصفة مطرية.

تاريخ بغداد ١/١٤ـ٢٠ ، آثار البلاد /٣١٤

٢٠٤. كولاك « فارسية » : عاصفة ثلجية.

٢٠٥. كريمة أهل البيت باللغة الفارسية /٢٧٣.

٣٤١

وثائق

تلقي الضوء على

ما ورد في الرواية من أحداث :

ملحق رقم ١ : النص الكامل لوثيقة ولاية العهد.

ملحق رقم ٢ : نص الرسالة الجوابية التي بعثها المأمون الى بغداد إبّان الأزمة بسبب ولاية العهد ، ونفوذ ذي الرئاستين.

ملحق رقم ٣ : نص الرسالة الجوابية التي ارسلها عبد الله بن موسى الكاظم من مخبأه الى الخليفة المأمون وكان الأخير قد عرض عليه ولاية العهد.

ملحق رقم ٤ : قصيدة الشاعر دعبل الخزاعي التي القيت في مرو.

ملحق رقم ٥ : نص كتاب « الحباء والشرط » الذي زوّر باسم الامام الرضاعليه‌السلام .

ملحق رقم ٦ : نص الرسالة الذهبية في الطب والصحّة العامة.

٣٤٢

٣٤٣

الملحق رقم ١

النص الكامل لوثيقة ولاية العهد

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا كتاب كتبه عبد الله بن هارون الرشيد ، أمير المؤمنين ، لعلي بن موسى بن جعفر ، ولي عهده..

أما بعد :

فإن الله عزّ وجل اصطفى دينا ، واصطفى من عباده رسلا دالّين عليه ، وهادين إليه ، يبشر أولهم بآخرهم ، ويصدّق تاليهم ماضيهم ، حتى انتهت نبوة الله إلى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، على فترة من الرسل ، ودروس من العلم ، وانقطاع من الوحي ، واقتراب من الساعة ، فختم الله به النبيين ، وجعله شاهداً لهم ، ومهيمناً عليهم.

وأنزل عليه كتابه العزيز، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ، ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد ، بما أحلّ وحرّم ، ووعد وأوعد ،

٣٤٤

وحذّر وأنذر ، وأمر به ، ونهى عنه ؛ لتكون له الحجة البالغة على خلقه ؛ ليهلك من هلك عن بينة ، ويحيا من حيَّ عن بيّنة ، وإن الله لسميع عليم..

فبلّغ عن الله رسالته ، ودعا إلى سبيله بما أمره به : من الحكمة ، والموعظة الحسنة ، والمجادلة بالتي هي أحسن ، ثم بالجهاد والغلظة ، حتى قبضه الله إليه ، واختار ما عندهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ فلما انقضت النبوة ، وختم الله بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الوحي والرساله ، جعل قوام الدين ، ونظام أمر المسلمين بالخلافة ، وأتمامها وعزها ، والقيام بحق الله فيها بالطاعة ، التي يقام بها فرائض الله تعالى وحدوده ، وشرائع الاسلام وسننه ، ويجاهد بها عدوه..

فعلى خلفاء الله طاعته فيما استحفظهم واسترعاهم من دينه وعباده ، وعلى المسلمين طاعة خلفائهم ، ومعاونتهم على إقامة حق الله وعدله ، وأمن السبيل ، وحقن الدماء ، وصلاح ذات البين ، وجمع الألفة. وفي خلاف ذلك اضطراب حبل المسلمين ، واختلالهم ، واختلاف ملتهم ، وقهر دينهم ، واستعلاء عدوهم ، وتفرّق الكلمة ، وخسران الدنيا والآخرة.

فحق على من استخلفه الله في أرضه ، وائتمنه على خلقه ، أن يجهد الله نفسه ، ويؤثر ما فيه رضا الله وطاعته ، ويعتد لما الله موافقه عليه ، ومسائله عنه. ويحكم بالحق ، ويعمل بالعدل فيما أحله الله وقلّده ؛ فإنّ الله عز وجل يقول لنبيه داود : «يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ، ولا تتبع الهوى ، فيضلك عن سبيل الله ، إن

٣٤٥

الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب ». وقال الله عز وجل : «فو ربّك لنسألهم أجمعين بما كانوا يعملون » ، وبلغنا أن عمر بن الخطاب قال : « لو ضاعت سخلة بشاطئ الفرات ، لتخوّفت أن يسألني الله عنها ».

وأيم الله ، إنّ المسؤول عن خاصة نفسه ، الموقوف على عمله فيما بينه وبين الله ، ليعرض على أمر كبير ، وعلى خطر عظيم ، فكيف بالمسؤول عن رعاية الامة؟ وبالله الثقة ، وإليه المفزع والرغبة في التوفيق والعصمة ، والتسديد والهداية إلى ما فيه ثبوت الحجة ، والفوز من الله بالرضوان والرحمة

وأنظر الامة لنفسه ، وأنصحهم لله في دينه وعباده ، من خلائقه في أرضه ، من عمل بطاعة الله وكتابه ، وسنة نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله في مدة أيامه ، وبعدها ، وأجهد رأيه فيمن يوليه عهده ، ويختاره لامامة المسلمين ورعايتهم بعده وينصبه علماً لهم ، ومفزعاً في جمع الفتهم ، ولمِّ شعثهم ، وحقن دمائهم ، والأمن بإذن الله من فرقتهم ، وفساد ذات بينهم واختلافهم ، ورفع نزغ الشيطان وكيده عنهم ، فإن الله عز وجل جعل العهد بعد الخلافة من تمام الاسلام وكماله ، وعِزّه ، وصلاح أهله ، وألهم خلفاءه من توكيده لم يختارونه له من بعدهم ما عظمت به النعمة ، وشملت فيه العافية ، ونقض الله بذلك مكر أهل الشقاق والعداوة ، والسعي والفرقة ، والتربص للفتنة.

ولم يزل أمير المؤمنين منذ أفضت إليه الخلافة ، فاختبر بشاعة

٣٤٦

مذاقها ، وثقل محملها ، وشدة مؤونتها ، وما يجب على من تقلّدها من ارتباطه طاعة الله ، ومراقبته فيما حمله منها ، فأنصب بدنه ، وأسهر عينه ، وأطال فكره فيما فيه عِزّ الدين ، وقمع المشركين ، وصلاح الامة ، ونشر العدل ، وإقامة الكتاب والسنة. ومنعه ذلك من الخفض والدعة ، ومهنأ العيش ، علماً بما الله سائله عنه ، ومحبة أن يلقى الله مناصحاً في دينه ، وعباده ، ومختاراً لولاية عهده ، ورعاية الامة من بعده : أفضل من يقدر عليه : في دينه وورعه ، وعلمه ، وأرجاهم للقيام في أمر الله وحقه ، مناجياً بالاستخارة في ذلك ، ومسألته إلهامه ما فيه رضاه وطاعته ، في آناء ليله ونهاره. مُعملاً في طلبه والتماسه في أهل بيته : من ولد عبد الله بن العباس ، وعلي بن أبي طالب فكره ، ونظره. مقتصراً ممن عالم حاله ومذهبه منهم على علمه ، وبالغاً في المسألة عمّن خفي عليه أمره جهده وطاقته حتى استقصى أمورهم معرفة ، وابتلى أخبارهم مشاهدة ، واستبرأ أحوالهم معاينة ، وكشف ما عندهم مساءلة ، فكان خيرته بعد استخارته الله ، وإجهاده نفسه في قضاء حقه في عباده وبلاده ، في البيتين جميعاً :

علـي بـن موسـى ، بن جعفـر ، بن محمـد

ابن علي ، بن الحسين ، بن علي ، بن أبي طالب

لما رأى من فضله البارع ، وعلمه النافع ، وورعه الظاهر ، وزهده ا لخالص ، وتخلّيه من الدنيا ، وتسلّمه من الناس

وقد استبان له مالم تزل الأخبار عليه متواطئة ، والألسن عليه

٣٤٧

متّفقة ، والكلمة فيه جامعة ، ولما لم يزل يعرفه به من الفضل : يافعاً ، وناشئاً ، وحدثاً ، وكهلاً ، فعقد له بالعقد والخلافة من بعده واثقاً بخيرة الله في ذلك ، إذ علم الله أنه فعله إيثاراً له ، وللدين ، ونظراً للاسلام والمسلمين ، وطلباً للسلامة ، وثبات الحجة ، والنجاة في اليوم الذي يقوم الناس فيه لرب العالمين.

ودعا أمير المؤمنين ولده ، وأهل بيته ، وخاصته وقواده ، وخدمه فبايعوا مسارعين مسرورين ، عالمين بإيثار أمير المؤمنين طاعة الله على الهوى في ولده وغيرهم ، ممن هو أشبك منه رحماً ، وأقرب قرابة.

وسماه « الرضا » ؛ إذا كان رضا عند أمير المؤمنين.

فبايعوا معشر أهل بيت أمير المؤمنين ، ومن بالمدينة المحروسة ، من قواده وجنده ، وعامة المسلمين ، لأمير المؤمنين ، وللرضا من بعده علي بن موسى على اسمه وبركته ، وحسن قضائه لدينه وعباده ، بيعة مبسوطة إليها أيديكم ، ومنشرحة لها صدروكم ، عالمين بما أراد أمير المؤمنين بها ، وآثر طاعة الله ، ونظر لنفسه ولكم فيها ، شاكرين الله على ما ألهم أمير المؤمنين بها : من قضاء حقه في رعايتكم ، وحرصه على رشدكم وصلاحكم ، راجين عائدة ذلك في جمع ألفتكم ، وحقن دمائكم ، ولم شعثكم ، وسد ثغوركم ، وقودة دينكم ، ورغم عدوكم ، واستقامة أموركم.

وسارعوا إلى طاعة الله ، وطاعة أمير المؤمنين ، فإنه الأمن إن

٣٤٨

سارعتم إليه ، وحمدتهم الله عليه ، عرفتم الحظ فيه إن شاء الله.

وكتب بيده يوم الاثنين ، لسبع خلون

وتقدم إلى علي بن موسى ، وقال له : اكتب

من شهر رمضان ، سنة إحدى

خطك بقبول هذا العهد ، وأشهد الله ،

ومائتين..

والحاضرين عليك بما تعده في حق الله ،

ورعاية المسلمين.

نص ما ورده على ظهر العهد ، بخط الامام

علي بن موسى الرضاعليهما‌السلام .

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الفعّال لما يشاء ، ولا معقب لحكمه ، ولا رادَّ لقضائه ، يعلم خائنة الأعين ، وما تخفي الصدور. وصلاته على نبيه محمد ، خاتم النبيين ، وآله الطيبين الطاهرين

أقول ـ وأنا علي بن موسى بن جعفر ـ : إنّ أمير المؤمنين عضده الله بالسداد ، ووفقه للرشاد ، عرف من حقنا ما جهله غيره ؛ فوصل أرحاماً قطعت ، وأمن أنفساً فزعت ، بل أحياها وقد تلفت ، وأغناها إذ افتقرت ، مبتغياً رضا رب العالمين ، لا يريد جزاءً من غيره ، وسيجزي الله الشاكرين ، ولا يضيع أجر المحسنين

وإنه جعل إليَّ عهده ، والامرة الكبرى ـ إن بقيت ـ بعده ، فمن حلّ عقدةً أمر الله بشدّها ، وفصم عروةً أحب الله إيثاقها ، فقد أباح الله حريمه ، وأحل محرمه ، إذ كان بذلك زارياً على الإمام ، منتهكاً حرمة الاسلام. بذلك جرى السالف ، فصبر منه على الفلتات ، ولم يعترض على العزمات ، خوفاً من شتات الدين ، واضطراب حبل المسلمين ،

٣٤٩

ولقرب أمر الجاهلية ، ورصد فرصة تنتهز ، وبايقةٍ تبتدر

وقد جعلت الله على نفسي ، إن استرعاني أمر المسلمين ، وقلدني خلافته : العمل فيهم عامة ، وفي بني العباس بن عبد المطلب خاصة بطاعته. وطاعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وألّا أسفك دماً حراماً ، ولا أبيح فرجاً ، ولا مالاً ، الا ما سفكته حدود الله ، وأباحته فرائضه. وأن أتخير الكفاة جهدي وطاقتي. وجعلت بذلك على نفسي عهداً مؤكداً ، يسألني الله عنه ؛ فإنه عز وجل يقول :( أوفوا بالعهد إنّ العهد كان مسؤولاً ) .

وإن أحدثت ، أو غيّرت ، أو بدلت ، كنت للغير مستحقاً ، وللنكال متعرضاً. وأعوذ بالله من سخطه ، وإليه أرغب في التوفيق لطاعته ، والحول بيني وبين معصيته ، في عافيةٍ لي وللمسلمين

والجامعة والجفر ١ يدلان على ضد ذلك ، وما أدري ما يفعل بي ولا بكم ، إن الحكم الا لله ، يقضي بالحق ، وهو خير الفاصلين

لكني امتثلت أمر أمير المؤمنين ، وآثرت رضاه ، والله يعصمني واياه ، وأشهدت الله على نفسي بذلك ، وكفى بالله شهيداً

وكتبت بخطي ، بحضرة أمير المؤمنين ، أطال

الله بقاءه ، والفضل بن سهل ، وسهل بن الفضل ،

ويحيى بن أكثم ، وعبد الله بن طاهر ، وثمامة بن

أشرس ، وبشر بن المعتمر ، وحماد بن نعمان ،

في شهر رمضان ، سنة إحدى وماءتين..

__________________

١. كتابان توارثهما ائمة أهل البيت عن علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

٣٥٠

الشهود على الجانب الأيمن :             الشهود على الجانب الأيسر :

شهد يحيى بن أكثم على مضمون هذا

رسم أمير المؤمنين ، أطال الله بقاءه ،

المكتوب ، ظهره ، وبطنه. وهو يسأل الله : أن

قراءة هذا الصحيفة ، التي هي صحيفة

يعرف أمير المؤمنين ، وكافة المسلمين

الميثاق. نرجو أن نجوز بها الصراط ، ظهرها

ببركة هذا العهد ، والميثاق. وكتب بخطه في

وبطنها ، بحرم سيدنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بين

تاريخ المبيّن فيه ..

الروضة والمنبر ، على رؤوس الأشهاد ،

عبد الله بن طاهر بن الحسين : أثبت

بمرأى ومسمع من وجوه بني هاشم ، وسائر

شهادته فيه بتاريخه. الأولياء

والأجناد ، بعد استيفاء شروط

شهد حماد بن النعمان : بمضمونه ظهره

البيعة عليهم ، بما أوجب أمير المؤمنين

وبطنه ، وكتب بيده في تاريخه.

الحجة على جميع المسلمين ، ولتبطل

بشر بن المعتمر يشهد بمثل ذلك.

الشبهة التي كانت أعترضت آراء الجاهلين:

« وما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم

عليه » ..

وكتب الفضل بن سهل بأمر أمير

المؤمنين بالتاريخ فيه ١ .

المصادر : صبح الاعشى ٩/٣٦٢ ، مآثر الانافة ٢/٣٢٥ ، البحار ٤٩/١٠٧ ، الفصول المهمة /٢٩٣ ، مسند الامام الرضا ١/١٠٢.

__________________

١. وفي هامش نسخة مصححة : « قال العبد الفقير إلى الله يحيى عفى الله عنه : قابليت المكتوب الذي كتبه تعالى ، الفضل بن الامام علي بن موسى الرضا صلوات الله عليه ، وعلى آبائه الطاهرين بأصله الذي كتبه الامام المذكورعليه‌السلام بيده الشريفة ، حرفاً فحرفاً. وألحقت ما فات منه ، وذكرت أنه من خطه. وذلك يوم الثلاثاء ، مستهل المحرم ، من سنة تسع وتسعين وست مأة الهلالية بواسط ، والحمد الله ، وله المنة ».

٣٥١

الملحق رقم ٢

نص الرسالة الجوابية التي

بعث بها المأمون الى بغداد إبّان الأزمة :

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد وآل محمد ، على رغم أنف الراغمين

أما بعد :

عرف المأمون كتابكم ، وتدبير أمركم ، ومخض زبدتكم ، وأشرف على قلوب صغيركم وكبيركم ، وعرفكم مقبلين ومدبرين ، وما آله إليه كتابكم قبل كتابكم ، في مراوضة الباطل ، وصرف وجوه الحق عن مواضعها ، ونبذكم كتاب الله والآثار ، وكلما جاءكم به الصادق محمدعليه‌السلام ، حتى كأنكم من الامم السالفة ، التي هلكت بالخسفة ، والغرق ، والريح ، والصيحة ، والصواعق ، والرجم

٣٥٢

أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها؟ والذي هو أقرب إلى المأمون من حبل الوريد ، لولا أن يقول قائل : إن المأمون ترك الجواب عجزاً لما أجبتكم ؛ من سوء أخلاقكم ، وقلة أخطاركم ، وركاكة عقولكم ، ومن سخافة ما تأوون إليه من آرائكم ؛ فليستمع مستمع ، فليبلغ شاهد غائباً

أما بعد :

فإن الله تعالى بعث محمداً على فترة من الرسل ، وقريش في أنفسها ، وأموالها ، لا يرون أحداً يساميهم ، ولا يباريهم ، فكان نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله أميناً من أوسطهم بيتاً ، وأقلهم مالاً ؛ فكان أول من آمن به خديجة بنت خويلد ؛ فواسته بمالها. ثم آمن به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ؛ سبع سنين ، لم يشرك بالله شيئاً طرفة عين ، ولم يعبد وثناً ، ولم يأكل رباً ، ولم يشاكل الجاهلية في جهالاتهم ، وكانت عمومة رسول الله إما مسلم مهين ، أو كافر معاند ، الا حمزة ؛ فإنه لم يمتنع من الاسلام ، ولا يمتنع الاسلام منه ، فمضى لسبيله على بيّنةٍ من ربه

وأما أبو طالب : فإنه كفله ورباه ، ولم يزل مدافعاً عنه ، ومانعاً منه ؛ فلما قبض الله أبا طالب ، فهمَّ القوم ، وأجمعوا عليه ليقتلوه ؛ فهاجر إلى القوم الذين تبوّؤا الدار والإيمان من قبلهم ، يحبون من هاجر إليهم ، ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ، ويؤثرون على أنفسهم ، ولو كان بهم خصاصة ، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون

فلم يقع مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أحد من المهاجرين كقيام علي بن

٣٥٣

أبي طالبعليه‌السلام : فإنه آزره ووقاه بنفسه ، ونام في مضجعه. ثم لم يزل بعد مستمسكاً بأطراف الثغور ، وينازل الأبطال ، ولا ينكل عن قرنٍ ، ولا يولي عن جيشٍ ، منيع القلب ، يؤمر على الجميع ، ولا يؤمر عليه أحد. أشد الناس وطأة على المشركين ، وأعظمهم جهاداً في الله ، وأفقههم في دين الله ، وأقرأهم لكتاب الله ، وأعرفهم بالحلال والحرام.

وهو صاحب الولاية في حديث « غدير خم » ، وصاحب قوله : « أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، الا أنه لا نبي بعدي » ، وصاحب يوم الطائف. وكان أحب الخلق إلى الله تعالى ، وإلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وصاحب الباب ، فتح له ، وسد أبواب المسجد. وهو صاحب الراية يوم خيبر. وصاحب عمرو بن عبدود في المبارزة. وأخو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين آخى بين المسلمين

وهو منيع جزيل. وهو صاحب آية : «ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ، ويتيماً ، وأسيراً ». وهو زوج فاطمة سيدة نساء العالمين ، وسيدة نساء أهل الجنة ، وهو ختن خديجةعليها‌السلام . وهو ابن عم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، رباه وكفاه. وهو إبن أبي طالب في نصرته وجهاده. وهو نفس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في يوم المباهلة.

وهو الذي لم يكن أبو بكر وعمر ينفذان أمراً حتى يسألانه عنه ؛ فما رأى إنفاذه أنفذاه ، ومالم يره رداه. وهو دخل من بني هشام في الشورى ، ولعمري لو قدر أصحابه على دفعه عنهعليه‌السلام ، كم دُفِعَ العباس رضوان الله عليه ، ووجدوا إلى ذلك سبيلاً لدفعوه.

٣٥٤

فأما تقديمكم العباس١ عليه ؛ فإن الله تعالى يقول : « أجعلتم سقاية الحاج ، وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر ، وجاهد في سبيل الله ، لا يستوون عند الله ».

والله ، لو كان ما في أمير المؤمنين من المناقب والفضائل ، والآي المفسرة في القرآن خلة واحدة في رجل من رجالكم ، أو غيره ، لكان مستأهلاً متأهلاً للخلافة ، مقدماً على أصحاب رسول الله بتلك الخلة.

ثم لم يزل الامور تتراقى به إلى أن ولى أُمور المسلمين ، فلم يعن بأحدٍ من بني هاشم الا بعبد الله بن عباس ، تعظيماً لحقه ، ووصلةً لرحمه ، وثقة به ، فكان من أمره الذي يغفر الله له

ثم نحن وهم يد واحدة ـ كما زعمتم ـ حتى قضى الله تعالى بالأمر إلينا ، فأخفناهم ، وضيقناعليهم ،وقتلناهم أكثر من قتل بني أُمية إياهم ويحكم ، إن بني أُمية إنما قتلوا من سلّ منهم سيفاً ، وإنا معشر بني العباس قتلناهم جملاً ، فلتسألن أعظم الهاشمية بأي ذنب قتلت ، ولتسألن نفوس أُلقيت في دجلة والفرات ، ونفوس دفنت ببغداد والكوفة أحياء ، هيهات ، إنه من يعمل مثقال ذرةٍ خيراً يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره٢

__________________

١. أحدث إعلان المأمون افضلية علي على العباس ضجة كبرى في أوساط البيت العباسي!.

٢. وتكشف هذه السطور محنة أهل البيت في ظل الحكم العباسي الغاشم.

٣٥٥

وأما ما وصفتم في أمر المخلوع١ ، وما كان فيه من لبس ؛ فلعمري ما لبَّس عليه أحد غيركم ؛ إذ هونتم عليه النكث ، وزينتم له الغدر ، وقلتم له : ما عسى أن يكون من أمر أخيك ، وهو رجل مغرب ، ومعك الأموال والرجال ، نبعث إليه ، فيؤتي به ؛ فكذبتم ، ودبرتم ، ونسيم قول الله تعالى : «ومن بغى عليه لينصرنّه الله ».

وأما ما ذكرتم : من استبصار المأمون في البيعة لأبى الحسن الرضاعليه‌السلام ؛ فما بايع له المأمون الا مستبصراً في أمره ، عالماً بأنه لم يبق أحد على ظهرها أبين فضلاً ، ولا أظهر عفة ، ولا ورع ورعاً ، ولا أزهد زهداً في الدنيا ، ولا أطلق نفساً ، ولا أرضى في الخاصة والعامة ، ولا أشد في ذلك الله منه. وإن البيعة له لموافقه رضا الرب عز وجل. ولقد جهدت وما أجد في الله لومة لائم

ولعمري ، لو كانت بيعتي بيعة محاباة ، لكان العباس ابني ، وسائر ولدي أحب إلى قلبي ، وأجلى في عيني ، ولكن أردت أمراً ، وأراد الله أمراً ؛ فلم يسبق أمري أمر الله

وأما ما ذكرتم : مما مسكم من الجفاء في ولايتي ، فلعمري ما كان ذلك الا منكم بمظافرتكم ، عليه ، على(المخلوع) ، ومما يلتكم إياه ، فلما قتلته تفرقتم عباديد ، فطوراً أتباعاً لابن أبي خالد ، وطوراً أتباعاً لأعرابي ، وطوراً أتباعاً لابن شكلة٢ ، ثم لكل من سل سيفاً علي. ولولا

__________________

١. الخليفة الأمين.

٢. إبراهيم بن المهدي المغني والخليفة في بغداد أثناء الازمة وهو عم المأمون.

٣٥٦

أن شيمتي العفو ، وطبيعتي التجاوز ما تركت على وجهها منكم أحداً ، فكلكم حلال الدم ، محل بنفسه

وأما ما سألتم : من البيعة للعباس ابني اتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير؟! ويلكم ، إن العباس غلام حدث السن ، ولم يؤنس رشده ، ولم يمهل وحده ، ولم تحكمه التجارب. تدبره النساء ، وتكفله الاماء ، ثم لم يتفقه في الدين ، ولم يعرف حلالاً من حرام ، الا معرفة لا تأتي به رعية ، ولا تقوم به الحجة ، ولو كان مستأهلاً ، قد أحكمته التجارب ، وتفقه في الدين ، وبلغ مبلغ أمير العدل في الزهد في الدنيا ، وصرف النفس عنها ما كان له عندي في الخلافة ، الا ما كان لرجل من عك وحمير ، فلا تكثروا من هذا المقال ، فإن لساني لم يزل مخزوناً عن أُمورٍ وأنباء ، كراهية أن تخنث النفوس عندما تنكشف ، علماً بأن الله بالغ أمره ، ومظهر قضاءه يوما

فإذ أبيتم الا كشف الغطاء ، وقشر العظاء ، فالرشيد أخبرني عن آبائه ، وعما وجده في كتاب الدولة ، وغيرها : أن السابع من ولد العباس ، لا تقوم لبني العباس بعده قائمة ، ولا تزال النعمة متعلقة عليهم حياته ، فإذا أودعت فودِّعها ، فإذا أودع فودعاها ، وإذا فقدتم شخصي ، فاطلبوا لأنفسكم معقلاً ، وهيهات ، ما لكم الا السيف ، يأتيكم الحسني الثائر البائر ، فيحصدكم حصداً ، أو السفياني المرغَّم ، والقائم المهدي لا يحقن دماءكم الا بحقها

وأما ما كنت أردته من البيعة لعلي بن موسى ، بعد استحقاق منه

٣٥٧

لها في نفسه ، واختيار مني له ، فما كان ذلك مني الا أن أكون الحاقن لدمائكم ، والذائد عنكم ، باستدامة المودة بيننا وبينهم. وهي الطريق اسلكها في إكرام آل أبي طالب ، ومواساتهم في الفيء بيسير ما يصيبهم منه١ .

وإن تزعموا : أني أردت أن يؤول إليهم عاقبة ومنفعة ، فإني في تدبيركم ، والنظر لكم ولعقبكم ، وابناكم من بعدكم وأنتم ساهون ، لاهون ، تائهون ، في غمرةٍ تعمهون ، لا تعلمون ما يراد بكم ، وما أظللتم عليه من النقمة ، وابتزاز النعمة.

همة أحدكم أن يمسي مركوباً ، ويصبح مخموراً تباهون بالمعاصي ، وتبتجهون بها ، وآلهتكم البرابط ، مخنثون ، مؤنثون لا يتفكر متفكر منكم في إصلاح معيشة ، ولا استدامة نعمة ، ولا اصطناع مكرمة ، ولا كسب حسنة يمد بها عنقه ، يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من أتى الله بقلب سليم

أضعتم الصلاة ، وأتبعتم الشهوات ، واكببتم على اللذات ، فسوف تلقون غياً ، وأيم الله ، لربما أُفكر في أمركم ، فلا أجد أُمة من الامم استحقوا العذاب ، حتى نزل بهم لخلة من الخلال ، الا أُصيب تلك الخلة بعينها فيكم ، مع خلال كثيرة ، لم أكن أظن أن إبليس اهتدى إليها ، ولا أمر بالعمل بها. وقد أخبر الله تعالى في كتابه العزيز عن قوم صالح : إنه كان

__________________

١. تكشف هذه الفقرة الأهداف الحقيقية للمأمون من وراء مسألة ولاية العهد وحجم الخطر العلوي الذي رأى معالجته بهذه الطريقة.

٣٥٨

فيهم تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون ، فأيكم ليس معه تسعة وتسعون من المفسدين في الأرض ، وقد اتخذتموهم شعاراً ، ودثاراً ، استخفافاً بالمعاد ، وقلة يقين بالحساب. وأيكم له رأي يتبع ، أوروية تنفع ، فشاهت الوجوه ، وعفرت الخدود.

وأما ما ذكرتم : من العثرة كانت في أبي الحسنعليه‌السلام نور الله وجهه ، فلعمري. إنها عندي للنهضة والاستقلال ، الذي أرجو به قطع الصراط ، والأمن والنجاة من الخوف يوم الفزع الاكبر. ولا أظن عملاً وهو عندي أفضل من ذلك ، الا أن أعد بمثلها إلى مثله ، وأين لي بذلك ، وأنى لكم بتلك السعادة

وأما قولكم : إني سفهت آراء آبائكم ، وأحلام أسلافكم ، فكذلك قال مشركوا قريش : « إنا وجدنا آباءنا على أُمة ، وإنا على آثارهم مقتدون ». ويلكم ، إن الدين لا يؤخذ الا من الأنبياء ، فافقهوا ، وما أراكم تعقلون

وأما تعبيركم إياي : بسياسة المجوس إياكم ، فما أذهبكم عن الانفة من ذلك ، ولو ساستكم القردة والخنازير ، وما أردتم الا أمير المؤمنين ولعمري ، لقد كانوا مجوساً فأسلموا ، كآبائنا ، وأُمهاتنا في القديم ، فهم المجوس الذين أسلموا وأنتم المسلمون الذين ارتدوا ، فمجوسي أسلم خير من مسلم ارتد ، فهم يتناهون عن المنكر ، ويأمرون بالمعروف ، ويتقربون من الخير ، ويتباعدون من الشر ، ويذبّون عن حرم المسلمين ، يتباهجون بما نال الشرك وأهله من المنكر ، ويتباشرون بما

٣٥٩

نال الاسلام وأهله من الخير منهم من قضى نحبه ، ومنهم من ينتظر ، وما بدلوا تبديلاً.

وليس منكم الا لاعب بنفسه ، مأفون في عقله وتدبيره : إما مغن ، أو ضارب دف ، أو زامر. والله ، لو أن بي أُمية الذين قتلتموهم بالأمس نشروا ، فقيل لهم : لا تأنفوا من معائب تنالوهم بها ، لما زادوا على ما صبرتموه لكم شعاراً ودثاراً ، وصناعة وأخلاقاً

ليس منكم الا من إذا مسه الشر جزع ، وإذا مسه الخير منع ، ولا تأنفون ، ولا ترجعون الا خشية ، وكيف يأنف من يبيت مركوباً ١ ، ويصبح باثمه معجباً ، كأنه قد اكتسب حمداً ، غايته بطنه وفرجه ، لا يبالي أن ينال شهوته بقتل ألف نبي مرسل ، أو ملك مقرب. أحب الناس إليه من زيّن له معصية ، أو أعانه في فاحشة ، تنظفه المخمورة ، وتربده المطمورة ، فشتت الأحوال فإن ارتدعتم مما أنتم فيه من السيئات والفضائح ، وما تهذرون به من عذاب ألسنتكم والا فدونكم تعلموا بالحديد ولا قوة الا بالله ، وعليه توكلي ، وهو حسبي ».

المصادر : البحار ٤٩/٢٠٨ ، قاموس الرجال ١٠/٣٥٦ ، ينابيع المودّة /٤٨٤ ، الغدير ١/٢١٢ ، عبقات الانوار ١/١٤٧.

__________________

١. تكشف هذه الفقرات وفقرات سابقة مستوى انحطاط العباسيين الاخلاقي.

٣٦٠