طرف من الأنباء والمناقب

طرف من الأنباء والمناقب9%

طرف من الأنباء والمناقب مؤلف:
المحقق: الشيخ قيس العطّار
الناشر: انتشارات تاسوعاء
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 653

طرف من الأنباء والمناقب
  • البداية
  • السابق
  • 653 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 210697 / تحميل: 6560
الحجم الحجم الحجم
طرف من الأنباء والمناقب

طرف من الأنباء والمناقب

مؤلف:
الناشر: انتشارات تاسوعاء
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

الإداريّة، والقدرة على التدبير والدراية ما للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى يخلّفه في سياسة الاُمّة، وتسيير اُمورها الاجتماعيّة والفرديّة.

وربّما يتصوّر أنّنا نقسوا على الصحابة مع ما يكيل لهم الجمهور من تجليل واحترام كبيرين، غير أنّ من يرجع إلى القرآن الكريم، يجد بأنّنا لم نقس على أحد منهم، بل القرآن الكريم هو الذي يقسمهم إلى صنفين، فيمدح صنفاً ويذم صنفاً بصراحة كاملة.

فالصنف الأوّل الذين يمدحهم القرآن ويذكر عنهم بخير يشمل السابقين الأوّلين إلى الإسلام والتابعين لهم، حيث يقول عنهم :

١.( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) ( التوبة: ١٠٠ ).

٢.( لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ) ( الفتح: ١٨ ).

٣.( لِلْفُقَرَاءِ المُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) ( الحشر: ٨ ).

٤.( مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) ( الفتح: ٢٩ ).

__________________

(١) لا يخفى أنّ الرضاية الإلهيّة الواردة في الآية مقيّدة بظرفها ووقتها ( أي ظرف المبايعة ووقتها ) لقوله( إِذْ يُبَايِعُونَكَ ) ، فبقاء الرضاية يحتاج إلى دليل، كما أنّ ادّعاء نفيها يحتاج أيضاً إلى دليل.

٨١

غير أنّ هناك آيات جمّة ـ إلى جانب ذلك ـ تدلّ على عدم كون الصحابة كلّهم عدولاً، بل وممدوحين، إذ فيهم المنافق الذي يقلّب الاُمور على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وفيهم من مرد على النفاق ونبت عليه:( وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ ) ( التوبة: ١٠١).

ومنهم من خلط عملاً صالحاً بعمل سيّئ:( وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا ) ( التوبة: ١٠٢ ).

وطائفة قد بلغ ضعف إيمانهم إلى حدّ الدنوّ إلى الارتداد والعودة إلى الجاهليّة:( وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الحَقِّ ظَنَّ الجَاهِلِيَّةِ ) ( آل عمران: ١٥٤ ).

وطائفة قد بلغ مبلغ إيمانهم بالله ورسوله أنّهم كلّما أعتورهم الخوف وداهمهم الخطر، لاذوا بالفرار، قال سبحانه عنهم:( إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا *هُنَالِكَ ابْتُلِيَ المُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا *وَإِذْ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إلّا غُرُورًا *وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إلّا فِرَارًا *وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إلّا يَسِيرًا *وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللهَ مِن قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللهِ مَسْئُولاً *قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ المَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لاَّ تُمَتَّعُونَ إلّا قَلِيلاً *قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا *قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إلّا قَلِيلاً *أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ المَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الخَيْرِ أُولَٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا *يَحْسَبُونَ الأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِن يَأْتِ الأَحْزَابُ

٨٢

يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إلّا قَلِيلاً ) ( الأحزاب: ١٠ ـ ٢٠ ).

وهذه الآيات، تشرح بصراحة ما عليه جماعة كثيرة من أصحاب النبيّ ولا تختصّ بالمنافقين، لقوله سبحانه:( إِذْ جَاءُوكُم مِن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ ) وقوله سبحانه:( وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ) عاطفاً لها على المنافقين فقال( وَالَّذِينَ ) ولم يقل ( الذين ).

نعم كانت في صحابة النبيّ ثلة جليلة بالغة منتهى الإيمان والعمل، وهم الذين عناهم الله تعالى بقوله:( ولـمّارَأَى المُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إلّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا *مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ) . ( الأحزاب: ٢٢ ـ ٢٣ ).

إجابةٌ عن سؤال

ولعل القائل يقول: بأنّهم كيف لم يبلغوا الدرجة الكاملة في أمر القيادة مع أنّهم، حطّموا امبراطوريتين كبيرتين، وبنوا فوق أنقاضها صرح الإسلام، أضف إلى ذلك، أنّه سبحانه وصفهم في سورة الفتح بقوله:( فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ ) ( الفتح: ٢٩ ).

فهو يدل على كفاءتهم في أمر القيادة والاعتماد على أنفسهم، حيث شبّههم بالزرع المستغلظ القائم على سوقه.

ولكن الإجابة على هذا السؤال سهلة بعد الوقوف على ما نذكره :

١. إنّ التسلّط على الامبراطوريّتين لم يكن نتيجة قوة القيادة وصحتها، بل كان لقوّة تعاليم الإسلام، أكبر سهم في نفوذهم وسيطرتهم عليهما، حيث كانت التعاليم بمجرّدها تسحر القلوب، وتجذب العقول وتفتح الطريق خاصّة بين تلك الشعوب التي طالما عاشت الضغط والحرمان، وعانت من الظلم والاضطهاد المرير.

٨٣

٢. إنّ التأريخ يشهد، بأنّ الامبراطوريتين كانتا تلفظا أنفاسهما الأخيرة، وكانتا قد بلغتا درجةً كبيرةً من الضعف، فساعد الإسلام على سقوطها واندحارها.

ويشهد على ذلك، أنّ الشعوب التي كانت تعيش تحت حكميهما كانت تسارع إلى استقبال الفتح الإسلامي وترحّب بحكم المسلمين ونظامهم، فتفتح أبواب المدن لعساكر الإسلام وتبدي رغبتها الشديدة في العيش تحت لواء الحكومة الإسلامية.

روى البلاذريّ: ( لـمّا ردّ المسلمون على أهل حمص ما كانوا أخذوا منهم من الخراج، وقالوا: قد شغلنا عن نصرتكم والدفع عنكم، فأنتم على أمركم، قال أهل حمص لهم :

لولايتكم وعدلكم أحبّ إلينا ممّا كنّا فيه من الظلم والغشم، ولندفعنّ جند هرقل عن المدينة مع عاملكم. و

ونهض اليهود وقالوا: والتوراة، لايدخل عامل هرقل مدينة حمص إلّا أن نغلب ونجهد. فأغلقوا الأبواب وحرسوها، وكذلك فعل أهل المدن التي صولحت من النصارى واليهود.

وقالوا: إن ظهر الروم وأتباعهم على المسلمين صرنا إلى ما كنّا عليه وإلاّ فإنّا على أمرنا ما بقي للمسلمين عدد فلمّا هزم الله الكفرة وأظهر المسلمين فتحوا مدنهم وأخرجوا المقلسين فلعبوا وأدّوا الخراج )(١) .

٣. إنّ المراجع للتأريخ الإسلاميّ يجد أنّ أمير المؤمنين عليّاًعليه‌السلام كان له السهم الأوفر في القيادة، وتحقيق الانتصارات التي أصابها المسلمون بعد وفاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ويدلّ على تلك المساهمة الفعلية، ما قاله عليّعليه‌السلام عندما شاوره عمر بن الخطاب في الخروج بنفسه إلى غزو الروم: « إنّك متى تسر إلى هذا العدو بنفسك، فتلقهم فتنكب، لا تكن للمسلمين كانفة دون أقصى بلادهم. ليس بعدك مرجع يرجعون إليه، فابعث إليهم رجلاً محرباً، واحفز معه أهل البلاء والنصيحة، فإن أظهر الله فذاك ما تحب، وإن

__________________

(١) فتوح البلدان للبلاذريّ: ١٤٣.

٨٤

تكن الاخرى كنت ردءاً للناس ومثابةً للمسلمين »(١) .

وبالرغم من أنّهعليه‌السلام قد اقصي عن الخلافة، ولم يكن يخطر بباله أنّ العرب تزعج هذا الأمر ـ من بعد النبيّ ـ عن أهله، فإّنه لم يمسك يده عن نصرة المسلمين، عندما لاحظ رجوع الناس عن الإسلام يريدون محق دين محمد، والعودة إلى الجاهلية وفي ذلك يكتب إلى أهل مصر مع مالك الأشتر لـمّا ولاّه إمارتها ويقول: « حتّى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام، يدعون إلى محق دين محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً أو هدماً، تكون المصيبة به عليّ أعظم من فوت ولايتكم التي إنّما هي متاع أيام قلائل يزول منها ما كان، كما يزول السراب أو كما يتقشّع السحاب فنهضت في تلك الأحداث حتّى زاح الباطل وزهق، واطمأنّ الدين وتنهنه »(٢) .

٤. إنّ الفرق الكبير بين قيادتهم وقيادة من كان يجب أن يسلّم الأمر إليه إنّا يعلم، لو باشرت تلك الطائفة الاخرى أمر القيادة، فعند ذلك نعلم مدى صحة قيادة الطائفة الاولى.

وبما أنّ الأمر لم يسلّم إلى من كان يجب تسليم الأمر إليه. صارت قيادتهم عندنا قيادةً عاريةً عن الضعف والنقص.

والذي يدل على ذلك. أنّ القيادة بعد النبيّ جرّت على المسلمين أكبر المآسي والويلات، خصوصاً عندما أخذت بنو اميّة وبنو العباس زمام الأمر، وعادت الخلافة الإسلاميّة ملكاً عضوضاً وحكماً قيصرياً كسروياً.

وللبحث عن أحوال الصحابة ومواقفهم في القرآن الكريم، مجال آخر ربّما نتوفّق للبحث عنها في وقت آخر. ولا نريد بهذه الكلمة تعكير الصفو، أو تمزيق الوحدة، وإنّما نريد أن نوقف القارئ الكريم على الحقيقة على وجه الإجمال.

وخلاصة القول، أنّ الصحابة ليس كلّهم عدولاً يقتدى بهم ويستضاء بنورهم ،

__________________

(١) نهج البلاغة: الخطبة ١٣٠ ( طبعة عبده ).

(٢) نهج البلاغة: قسم الكتب الرقم (٦٢).

٨٥

بل هم على أقسام تحدّث عنها القرآن الكريم، ويقف عليها من استشفّ الحقيقة عن كثب، كما لم تبلغ الاُمّة إلى حد الإكتفاء الذاتي في القيادة، كما هو محط البحث.

ب ـ الاُمّة الإسلاميّة والخطر الثلاثيّ

من الواضح لكل مطلع على أوضاع الاُمّة الإسلاميّة قبيل وفاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ الدولة الإسلاميّة الحديثة التأسيس كانت محاصرة من جهتي الشمال والغرب بأكبر إمبراطوريّتين عرفهما تأريخ تلك الفترة، إمبراطوريّتان كانتا على جانب كبير من القوة والبأس والقدرة العسكرية المتفوّقة مما لم يتوصّل المسلمون إلى أقل درجة منها وتلك الامبراطوريّتان هما: الروم، وإيران.

هذا من الخارج.

وأمّا من الداخل، فقد كان الإسلام والمسلمون يعانون من جماعة المنافقين الذين كانوا يشكّلون العدوّ الداخلي المبطّن ( أو ما يسمى بالطابور الخامس ).

ولأجل أن نعرف مدى الخطر المتوجّه من هذه الجهات الثلاث على الاُمّة والدولة الإسلاميّة يجدر بنا أن ندرس كلّ واحدة منها بالتفصيل :

١. خطر إمبراطوريّة إيران

لقد كانت إيران إمبراطوريّةً ضخمةً، ذات حضارة متقدمة زاهرة، وذات سلطان عريض فرضته على عدد كبير من المستعمرات أحقاباً مديدةً من السنين، ممّا أكسبت ملوكها وزعماءها روح التسلّط والسيطرة، وأصبح من العسير أن يعترفوا بسيادة أمّة طالما كانت تعيش تحت سلطانهم في العراق واليمن، وهم الذين لم يعترفوا بالسيادة لأحد قروناً طويلةً، فلأجل هذه الغطرسة والأنانية شمخ الامبراطور الفارسيّ (خسرو برويز ) بأنفه عندما أتته دعوة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فمزّق رسالته المباركة التي كتبهاصلى‌الله‌عليه‌وآله يدعوه فيها إلى الإسلام وعبادة الله تعالى وكتب إلى عامله باليمن :

٨٦

( ابعث إلى هذا الرجل بالحجاز [ ويعني الرسول ] رجلين من عندك جلدين فليأتياني به )(١) .

٢. خطر الروم

كانت الامبراطوريّة البيزنطيّة تقع في شمال الجزيرة العربية، وكانت تشغل بال النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله دائماً، ولم يبارحه التفكير في خطرها حتى رحل إلى ربّه.

ولقد كان لهذا القلق مبرّره، فإنّ هذه الامبراطورية على غرار الامبراطوريّة الإيرانية، كانت ذات صفة توسّعيّة، وكان قادتها يقمعون أي حركة ومحاولة من مستعمراتهم للخروج من فلكها.

ولقد وقعت بين هذه الامبراطوريّة وبين المسلمين اشتباكات عديدةً. وكان أوّل اشتباك مسلّح وأوّل صدام عسكريّ عنيف هو الذي وقع في السنة الثامنة من الهجرة، وذلك عندما بعث النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ( الحارث بن عمير الأزدي ) مع رسالة إلى ( الحارث بن أبي شمر الغساني ) يدعوه فيها وقومه إلى الإسلام، فلمّا وصل إلى ( مؤتة ) تعرّض له ( شرحبيل بن عمرو الغساني )، وضرب عنقه(٢) .

ولمّا كان قتل الرسل أمراً ممنوعاً في جميع الحالات والظروف، وكان يعني أعتداءً على الجهة المرسلة، فإنّ هذا الفعل ( اعني قتل رسول النبيّ ) كشف عن استهانتهم بقوة الإسلام وأمره، وعن تعصبهم ضدّه، وعدم اعترافهم بكيانه السياسيّ، وقد حملت هذه الاُمور النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله على، أن يجهّز لهم جيشاً من ثلاثة آلاف مقاتل، ويوجّهه إلى ( مؤتة ) وقد قتل في هذه الموقعة من اختارهم لقيادة الجيش وهم جعفر بن أبي طالب، وزيد بن حارثة، وعبد الله بن رواحة، وأخذ اللواء بعدهم خالد بن الوليد، ورجع الجيش الإسلاميّ من تلك الواقعة منهزماً أمام الجيش البيزنطيّ.

__________________

(١) الكامل للجزري ٢: ١٤٥.

(٢) اُسد الغابة ١: ٣٤١ ـ ٣٤٢.

٨٧

ولقد أثار إخفاق المسلمين وهزيمتهم في هذه المعركة، واستشهاد القادة الثلاثة، لوعةً ونقمةً في نفوس المسلمين اتّجاه الروم. كما أنّه زاد من جرأة جيوش الروم، ولأجل ذلك توجّه الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى تبوك في السنة التاسعة يقصد غزو ذلك الجيش المعادي، ولكنّه لم يلق أحداً فأقام في تبوك أياماً، وصالح أهلها على الجزية، وقد حققت هذه الحملة هدفاً كبيراً وبعيداً على الصعيد السياسيّ وأنست تقهقر الجيش الإسلاميّ المحدود في طاقاته، أمام جحافل الروم المجهّزة بأحسن تجهيز(١) .

ولم يكتف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بهذه الحملة، بل عمد في أخريات حياته إلى بناء جيش إسلاميّ بقيادة ( أسامة بن زيد ) لمواجهة جيش الروم(٢) .

٣. خطر المنافقين

إنّ الدارس للمجتمع الإسلاميّ إبّان الدعوة الإسلاميّة، والمطّلع على تركيبته يجد، أنّ ذلك المجتمع كان يزخر بوجود المنافقين بين صفوفه.

والمنافقون هم الذين استسلموا للمدّ الإسلاميّ وأسلموا بألسنتهم دون قلوبهم إمّا خوفاً أو طمعاً. فكانوا يتجاهرون بالولاء للإسلام والمودّة للمسلمين، ولكنّهم يضمرون لهم كل سوء ويتحيّنون الفرص، لتوجيه الضربات إلى الدين الجديد، وضرب المسلمين بعضهم ببعض، وإضعاف الدولة الإسلاميّة من الداخل بإثارة الفتن، بين أفرادها وأبنائها، والسعي لتمزيق صفوفهم وإشعال الحروب الداخليّة فيما بينهم بإيقاظ النخوة الجاهليّة التي طهّر الإسلام أرض الجزيرة منها.

وربّما كانوا يتربّصون بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الدوائر، حتّى أنّهم كادوا له ذات مرّة، وأرادوا أن يجفلوا به بعيره في العقبة عند عودته من حجة الوداع، وربّما اتّفقوا مع اليهود والمشركين لتوجيه الضربات إلى الكيان الإسلاميّ من الداخل تخلّصاً من هذا الدين الذي هدّد

__________________

(١) السيرة النبويّة لابن هشام ٢: ٥١٥ ـ ٥٢٩.

(٢) الملل والنحل ١: ٢٩ ( طبعة القاهرة )، الطبقات الكبرى ٤: ٦٥، الكامل في التاريخ ٢: ٢١٥.

٨٨

مصالحهم.

ولقد كان المنافقون ولايزالون أشدّ خطراً من أي شيء آخر على الإسلام وذلك، لأنّهم كانوا يوجّهون ضرباتهم بصورة ماكرة وخفية، وبنحو يخفى على العاديين من الناس(١) .

وإليك طرفاً ممّا ذكره القرآن الكريم حولهم، فهم متآمرون يبيّتون خلاف ما يظهرونه ويبدونه أما م النبيّ إذ يقول:( وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ ) ( النساء: ٨١ ).

وهم يريدون الشر للمسلمين دائماً، ولذلك يذيعون الشائعات التي من شأنها إضعاف معنويات المسلمين إذ يقول عنهم:( وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ) ( النساء: ٨٣ ).

وهم يريدون الفتنة دائماً، لذلك يقلبون الوقائع ويخفون الحقائق كما يقول القرآن:( لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الأُمُورَ حَتَّىٰ جَاءَ الحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَارِهُونَ ) ( التوبة: ٤٨ ).

وهم لا يرتدعون عن أي عمل يحقّق مصالحهم وأغراضهم المضادّة للإسلام، حتّى ولو كان بالتحالف مع المشركين والكفار، بل حتّى ولو كان باعطاء الوعود الكاذبة لهم، والتغرير بهم وخذلانهم عند اللقاء، وعدم الوفاء بالوعد:( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ *لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُوا لا يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنصَرُونَ ) ( الحشر: ١١ ـ ١٢ ).

__________________

(١) لقد تصدّى القرآن الكريم، لفضح المنافقين والتشهير بجماعتهم، وخططهم، الجهنّمية ضدّ الدين والنبيّ والاُمّة في أكثر السور القرآنيّة، مثل البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنفال والتوبة والعنكبوت والأحزاب ومحمّد والفتح والمجادلة والحديد والحشر، كما نزلت في حقّهم سورة خاصّة تسمّى بسورة المنافقين.

٨٩

ولذلك، شدّد القرآن الكريم في ذكر عذابهم أكثر من أي جماعة اخرى إذ يقول:( إِنَّ المُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ) ( النساء: ١٤٥ ).

ويحدثنا التأريخ كيف لعب المنافقون دوراً خبيثاً، وخطيراً في تعكير الصفو وإفساح المجال أمام أعداء الإسلام الأجانب ـ سواء قبل قوة الإسلام وبعدها ـ للمكر بالإسلام والكيد له، والمؤامرة عليه، بحيث لولا وجود النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لأتوا على ذلك الدين، ولقضوا على كيانه وأطاحوا بصرحه، وأطفأوا نوره.

وقد كان من المحتمل ـ بقوة ـ أن يتّحد هذا الثلاثي الخطر ( الفرس والروم والمنافقون ) لاكتساح الإسلام واجتثاث جذوره، وخاصّة بعد وفاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وغياب شخصه عن الساحة.

وكان من المحتمل جداً، أن يتفق هذا الثلاثي ـ الناقم على الإسلام ـ على محو الدين، وهدم كلّ ما بناه الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله طوال ثلاثة وعشرين عاماً من الجهود والمتاعب، وتضييع كلّ ما قدّمه المسلمون من تضحيات في سبيل إقامته.

ج ـ العشائريّات تمنع من الاتّفاق على قائد

لقد كان من أبرز ما يتميّز به المجتمع العربيّ قبل الإسلام، هو النظام القبلي، والتقسيمات العشائرية التي كانت تحتلّ ـ في ذلك المجتمع ـ مكانةً كبرى، وتتمتّع بأهمّية عظيمة.

فلقد كان شعب الجزيرة العربية، غارقاً في هذا النظام الذي كان سائداً في كلّ أنحائها.

صحيح أنّ جميع القبائل العربية ـ آنذاك ـ كانت ترجع ـ في الأصل ـ إلى قبيلتي، القحطانيين ( وهم اليمنيّون ) والعدنانيين ( وهم الحجازيّون )، إلّا أنّ هذا التقسيم الثنائيّ قد تحوّل بمرور الزمن، إلى تقسيمات كثيرة وعديدة، حتّى أصبح من العسير، إحصاء القبائل العربيّة وأفخاذها وفروعها وبطونها.

٩٠

فمن يراجع الكتب التالية: ( بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب ) تأليف السيد محمود شكري الآلوسي، و ( المفصّل في تأريخ العرب ) تأليف علي جواد، الجزء (٤) الفصل (٤٦)، و ( معجم قبائل العرب القديمة والحديثة ) تأليف عمر رضا كحالة الجزء (٣). من يراجع هذه المؤلفات التي تشرح النظام القبليّ وأبعاده في المجتمع العربيّ قبل الإسلام، يعرف ـ معرفةً كاملةً ـ مدى تغلغل وتوسّع النمط القبليّ عند العرب، ومدى تأثير القبيلة وعدد بطونها وأفخاذها وفروعها، تلك القبائل والأفخاذ والبطون التي كانت تبدأ أسماؤها ـ في الغالب ـ بلفظة ( آل ) مثل، آل النعمان وآل جفنة، أو لفظة ( بنو)، كبني أشجع وبني بكر وبني تغلب، أو كان يطلق على جميع أبنائها اسم الجدّ الأعلى للقبيلة مثل، غطفان وخزاعة ( وهما ـ في الحقيقة ـ اسمان للجدود ولكنّهما اطلقا على القبيلة ).

ولقد كان للقبيلة أكبر الدور في الحياة العربية ـ قبل الإسلام ـ وعلى أساسها كانت تدور المفاخرات وتنشد القصائد، وتبنى الأمجاد، كما كانت هي، منشأ أكثر الحروب وأغلب المنازعات التي ربّما كانت تستمرّ قرناً أو قرنين من الزمان، كما حدث بين الأوس والخزرج، أكبر قبيلتين عربيّتين في يثرب ( المدينة )، وكلّفهم آلاف القتلى قبل دخول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المدينة.

كما أنّ التأريخ يشهد لنا، كيف كاد التنازع القبليّ في قضية بناء الكعبة الشريفة ووضع الحجر الأسود في موضعه أيام الجاهلية، أن يؤدي إلى الاختلاف فالصراع الدموي، والاقتتال المرير، لولا تدخّل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي حسم الأمر بطريقة أرضت جميع القبائل المتنافسة، وأطفأت نار الفتنة التي كادت أن تأكل كلّ أخضر ويابس(١) .

ونظراً لما كان يتمتع به رؤساء هذه القبائل من نفوذ، وكانت تلك الجماعات تملك من قوّة ورابطة ـ في ذات الوقت ـ فقد سعى الرسول الأكرم ـ وبحكمة كبرى ـ أن

__________________

(١) راجع السيرة النبويّة لابن هشام ١: ١٩٦ تحت عنوان اختلاف قريش فيمن يضع الحجر ولعقة دم، ومروج الذهب ٢: ٢٧٨ تحت عنوان بناء قريش الكعبة واختلافهم في وضع الحجر الأسود وحكم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فيهم.

٩١

يستفيد من قدرة تلك القبائل ونفوذ رؤسائها، في إنجاح الدعوة الإسلامية وتقوية أركانها، والتغلّب على أعدائها من الكفّار والمشركين وغيرهم من المعارضين.

إلاّ أنّ هذا النظام ( القبلي ) لما كان ينطوي عليه ـ في نفس الوقت ـ من سيئات جسيمة، وتبعات لا يمكن التغاضي عنها، ومنافاتها مع ما ينشده الإسلام ويدعو اليه من الوحدة والاتّحاد بين جميع أفراد المسلمين، فقد سعى الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله في محو الروح القبلية، وتذويب الفوارق العشائرية. وصهر تلك التجمّعات المتشتّتة المتباينة في بوتقة الإيمان الموحّد، والصف الإسلامي الواحد، ولكنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله رغم ما أوجده في ضوء التعاليم الإسلامية من تحوّلات عظيمة في حياة العرب، إلّا أنّ أكثر هذه التحوّلات كانت تتعلّق بقضايا العقيدة، والمسائل الأخلاقية والروابط الاجتماعية ولم يكن من الممكن أن ينقلب شكل النظام القبليّ العربيّ في خلال ( ٢٣ عاماً ) ويتبدل كليةً. ويدلّ على ذلك، وجود بقايا من هذا النظام في القسم الأكبر من شبه الجزيرة العربية مثل اليمن ونجد والحجاز و و.

إنّ اُصول هذه العشائر ـ في ابّان العهد الإسلاميّ ـ وإن كانت عبارةً عن حمير وكهلان وقضاعة ومضر وربيعة، إلّا أنّ هذه القبائل الأساسية تفرّعت وتشعّبت باستمرار، إلى قبائل وأفخاذ وفروع، وكان لكل قبيلة وفخذ منها شيخ ورئيس يرأس الجماعة وتكون له الكلمة والقيادة وتعطي له الإحترام والطاعة.

وقد كانت النفسيات والأخلاق العشائرية، المتوغّلة في نفوسهم بحيث لم تنعدم انعداماً كلياً، رغم ما تلقاه اُولئك من التعاليم الإسلاميّة والتربية القرآنية، ولذلك كانت تظهر بين الفينة والاخرى، وينشأ بسببها النزاع ويكاد يتوسّع لولا حكمة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وتدبيره.

فقد ذكر ابن هشام، حادثةً عند عودة النبيّ والمسلمين من غزو بني المصطلق، بدأت من قضية صغيرة وكادت أن تتطوّر إلى نزاع قبليّ واسع لولا تصرّف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

قال: ( بينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عائداً من غزو بني المصطلق وقد نزل عند ماء، وردت

٩٢

واردة الناس ومع عمر بن الخطاب أجير له من بني غفار يقال له: جهجاه بن مسعود يقود فرسه، فازدحم جهجاه وسنان بن وبر الجهنيّ حليف بني عوف بن الخزرج على الماء فاقتتلا فصرخ الجهنيّ: يا معشر الأنصار، وصرخ جهجاه: يا معشر المهاجرين(١) ، فغضب عبد الله بن أبي بن سلول وعنده رهط من قومه فيهم زيد بن أرقم، غلام حدث، فقال: أو قد فعلوها، قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا، والله ما أعدنا وجلابيب قريش [ أي من أسلم من المهاجرين ] إلّا كما قال الأوّل: سمّن كلبك يأكلك، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ، ثم أقبل على من حضره من قومه، فقال لهم: هذا ما فعلتم بأنفسكم، أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحوّلوا إلى غير داركم، فسمع ذلك زيد بن أرقم فمشى به إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وذلك عند فراغ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من عدوّه، فأخبره الخبر، وعنده عمر بن الخطاب فقال: مر به عباد بن بشر فليقتله، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فكيف يا عمر إذا تحدّث الناس أنّ محمّداً يقتل أصحابه ؟ لا، ولكن أذّن بالرحيل، وذلك في ساعة لم يكن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يرتحل فيها فارتحل الناس(٢) .

كما أنّ هناك حادثةً اخرى تدلّ على أنّ مادة الاختلاف كانت كامنةً في أعماقهم، وكانت مستعدةً للإنفجار في كلّ لحظة، وبأقل تحريك، وإيقاد للعصبيات والرواسب القبليّة الجاهليّة.

فها هو ابن هشام ينقل: أنّ شأس بن قيس وكان شيخاً من اليهود قد أسنّ، عظيم الكفر، شديد الضغن على المسلمين، شديد الحسد لهم، مرّ ذات يوم على نفر من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم يتحدّثون فيه، فغاضه ما رأى من ألفتهم وجماعتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام، بعد الذي كان بينهم من

__________________

(١) قال السهيليّ: ( لـمّا سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هذه الكلمات قال: « دعوها فإنّها دعوة منتنة » يعني أنّها كلمة خبيثة لأنّها من دعوى الجاهليّة، وجعل الله المؤمنين إخوةً وحزباً واحداً، فإنّما ينبغي أن تكون الدعوة للمسلمين ).

(٢) السيرة النبويّة لابن هشام ٢: ٢٩٠ ـ ٢٩١.

٩٣

العداوة في الجاهلية. فقال: قد اجتمع ملأُ بني قيلة بهذه البلاد لا والله مالنا معهم إذا اجتمع ملأهم بها من قرار، فأمر فتىً شابّاً من يهود كان معهم، فقال: اعمد إليهم، فاجلس معهم، ثمّ اذكر يوم بعاث وما كان قبله، وانشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار.

وكان يوم بعاث يوماً اقتتلت فيه الأوس والخزرج، وكان الظفر فيه يومئذ للأوس على الخزرج، وكان على الأوس يومئذ حضير بن سماك الأشهليّ، أبو أسيد بن حضير، وعلى الخزرج عمرو النعمان البياضيّ، فقتلا جميعاً

قال ابن هشام: قال أبو قيس بن الأسلت :

على أن قد فجعت بذي حفاظ

فعاودني له حزن رصين

فأما تقتلوه فإنّ عمراً

أعض برأسه عضب سنين

وهذان البيتان في قصيدة له، وحديث يوم بعاث أطول ممّا ذكرت.

قال ابن هشام: ففعل [ ذلك الشاب ما أراده شأس ] فتكلّم القوم عند ذلك وتنازعوا وتفاخروا حتّى تواثب رجلان من الحييّن على الركب، أوس بن قيظي أحد بني حارثة بن الحارث من الأوس، وجبّار بن صخر أحد بني سلمة من الخزرج، فتقاولا ثمّ قال أحدهما لصاحبه، إن شئتم رددناها الآن جذعة [ أي رددنا الآخر إلى أوّله وأعدنا الاقتتال والتنازع ] فغضب الفريقان جميعاً وقالوا: قد فعلنا، موعدكم الظاهرة [ أي الحرّة ] السلاح السلاح فخرجوا إليها فبلغ ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فخرج إليهم فيمن معه من أصحابه المهاجرين حتّى جاءهم، فقال: « يا معشر المسلمين، الله الله أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله للإسلام، وأكرمكم به وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألّف به بين قلوبكم » فعرف القوم أنّها نزعة [ أي إفساد بين الناس ] من الشيطان وكيد من عدوّهم، فبكوا وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضاً، ثمّ انصرفوا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سامعين مطيعين، قد أطفأ الله عنهم كيد عدوّ الله شأس بن قيس، فأنزل الله تعالى في شأس بن قيس وما صنع:( قُلْ يَا أَهْلَ

٩٤

الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَاللهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا تَعْمَلُونَ *قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) ( العمران: ٩٨ ـ ٩٩ ).

وأنزل الله في أوس بن قيظيّ وجبّار بن صخر ومن كان معهما من قومهما، الذين صنعوا ما صنعوا عمّا أدخل عليهم شأس من أمر الجاهلية:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ *وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ *يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إلّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * إلى أخر قوله تعالى ـوَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) ( آل عمران: ١٠٠ ـ ١٠٥ )(١) .

وممّا يدلّ أيضاً على وجود رواسب الخلاف عند قبيلتي الأوس والخزرج حتّى بعد دخولهم في الإسلام، وانضوائهم تحت لوائه في صف واحد، ما نقله الشيخ البخاري في صحيحه، في قصّة الإفك قال، قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو على المنبر: « يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني عنه أذاه في أهلي، والله ما علمت على أهلي إلّا خيراً، ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلّا خيراً، وما يدخل على أهلي إلّا معي ».

قالت عائشة: فقام سعد بن معاذ(٢) أخو بني عبد الأشهل فقال: أنا يا رسول الله أعذرك، فإن كان من الأوس ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا.

قالت: فقام رجل من الخزرج وهوسعد بن عبادة وهو سيد الخزرج، قالت: وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً ولكن احتملته الحميّة، فقال لسعد بن معاذ: كذبت لعمرو الله لا تقتله ولا تقدر على قتله، ولو كان من رهطك ما أحببت أن يقتل.

فقام أسيد بن حضير، وهو ابن عمّ سعد [ بن معاذ ]، فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمرو الله لنقتلنّه، فإنّك منافق تجادل عن المنافقين.

__________________

(١) السيرة النبويّة لابن هشام ١: ٥٥٥ ـ ٥٥٧.

(٢) فيه تأمل، فإنّ سعداً توفّي قبل غزو بني المصطلق.

٩٥

قالت عائشة: فصار الحيّان ( الأوس والخزرج ) حتّى همّوا أن يقتتلوا، ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قائم على المنبر.

قالت: فلم يزل رسول الله يخفّضهم ( أي يهدّئهم )حتّى سكتوا وسكت(١) .

فكيف كان يجوز ـ والحال هذه ـ أن يترك الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله اُمّته المفطورة على العصبيّات القبليّة، وعلى الاستئثار بالسلطة والزعامة وحرصها على النفس، ورفض سلطة الآخر ؟

فهل كان يجوز للنبيّ أن يترك تعيين مصير الخلافة لتقوم به أمّة هذه حالها، وفي تعيينه قطع لدابر الاختلاف والفرقة ؟

وهل كان من المحتمل أن تتفق كلمة الاُمّة جمعاء على واحد ولا تخضع للرواسب القبليّة ولا تبرز إلى الوجود مرّة اخرى ما مضى من الصراعات والتطلّعات العشائرية، وما يتبع ذلك من حزازات ؟

أم هل يصلح لقائد يهتمّ ببقاء دينه واُمّته أن يترك أكبر الاُمور وأعظمها، وأشدّها دخالةً في حفظ الدين، إلى أمّة نشأت على الاختلاف، وتربّت على الفرقة، مع أنّه كان يرى الاختلاف منهم في حياته أحياناً أيضاً كما عرفت ؟

إنّ التأريخ يدلّ على أنّ هذا الأمر قد وقع فعلاً بعد وفاة النبيّ ـ في السقيفة التي سيأتي ذكرها مفصّلاً ـ حيث سارعت كلّ قبيلة إلى ترشيح نفسها للزعامة، منتحلةً لنفسها حججاً وأعذاراً وطالبةً ما تريد بكلّ ثمن حتّى بتجاهل المبادئ وتناسي التعاليم الإسلاميّة، والوصايا النبويّة.

فقد ذكر ابن هشام تحت عنوان « أمر سقيفة بني ساعدة، تفرّق الكلمة » نقلاً عن عمر بن الخطاب، ما يدلّ على اختلاف الكلمة وعدم الاتفاق على أحد :

قال عمر: لـمّا جلسنا ( أي في سقيفة بني ساعدة ) قام واحد من الأنصار فأثنى

__________________

(١) صحيح البخاري ٥: ١١٩ باب غزو بني المصطلق.

٩٦

على الله بما هو أهله ثمّ قال :

( أمّا بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام وأنتم يا معشر المهاجرين رهط منّا، وقد دفّت دافّة من قومكم ( أي جاء جماعة ببطء ) وإذا هم يريدون أن يحتازونا ( أي يدفعوننا ) من أصلنا، ويغصبونا الأمر ).

... فقام أبو بكر وقال :

( أمّا ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل، ولن تعرف العرب هذا الأمر ( أي الزعامة ) إلّا لهذا الحيّ من قريش، هم أوسط العرب نسباً وداراً، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيّهما شئتم ) وأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجّراح :

ثمّ قام وقال قائل من الأنصار ( أنا جذيلها المحكّك، وعذيلها المرجّب، منّا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش ).

قال عمر بن الخطاب: ( فكثر اللغط ( أي اختلاف الأصوات ودخول بعضها على بعض )، وارتفعت الأصوات حتّى تخوّفت الاختلاف )(١) .

ولم يقتصر اختلاف الاُمّة على هذا الذي ذكرناه، بل ظهرت مظاهر التشتت القبليّ حتّى بعد ما جرى في السقيفة من بيعة من فيها لأبي بكر، حيث راح المهاجرون والأنصار يتهاجون فيما بينهم، وجرت بينهم مشادات كلاميّة وشعريّة هجائيّة، هاجم فيها كلّ فريق الفريق الآخر بأشدّ أنواع الهجاء نقلها المؤرّخون ونذكر منها شيئاً :

فقد جاء في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد نقلاً عن كتاب الموفّقيّات: لـمّا بويع أبو بكر وراح أبو سفيان بن حرب يدّعي الفضل لقريش ويذكر اُموراً في هذا المجال، قال حسّان بن ثابت :

تنادى سهيل وابن حرب وحارث

وعكرمة الشاني لنا ابن أبي جهل

قتلنا أباه وانتزعنا سلاحه

فأصبح بالبطحا أذلّ من النعل

__________________

(١) السيرة النبويّة لابن هشام ٢: ٦٥٩ ـ ٦٦٠.

٩٧

فأمّا سهيل فاحتواه ابن دخشم

أسيراً ذليلاً لا يمرّ ولا يحلي

وصخر بن حرب قد قتلنا رجاله

غداة لوا بدر فمرجله يغلي

اولئك رهط من قريش تبايعوا

على خطّة ليست من الخطط الفضل

وأعجب منهم قابلوا ذاك منهم

كأنّا اشتملنا من قريش على ذحل

وكلّهم ثان عن الحقّ عطفه

يقول اقتلوا الأنصار بئس من فعل

نصرنا وآوينا النبيّ ولم نخف

صروف الليالي والبلاء على رجل

بذلنا لهم أنصاف مال أكفّنا

كقسمة أيسار الجزور من الفضل

ونحمي ذمار الحيّ فهو بن مالك

ونوقد نار الحرب بالحطب الجزل

فكان جزاء الفضل منّا عليهم

جهالتهم حمقاً وما ذاك بالعدل

فبلغ شعر حسّان قريشاً، فغضبوا وأمروا أبي عزّة شاعرهم أن يجيبه، فقال :

معشر الأنصار خافوا ربّكم

واستحيروا الله من شّر الفتن

إنّني أرهب حرباً لاقحاً

يشرق المرضع فيها باللبن

جرّها سعد وسعد فتنة

ليت سعد بن عبّاد لم يكن

خلف برهوت خفيّاً شخصه

بين بصرى ذي رعين وجدن

ليس ما قدّر سعد كائناً

ما جرى البحر وما دام حضن

ليس بالقاطع منّا شعرةً

كيف يرجى خير أمر لم يحن

ليس بالمدرك منها أبداً

غير أضغاث أماني الوسن

واتّفق أن اجتمع الأنصار والمهاجرين في مجلس، فأفاضوا الحديث عن يوم السقيفة، فقال عمرو بن العاص: والله لقد دفع الله عنّا من الأنصار عظيمةً، ولما دفع الله عنهم أعظم، كادوا والله أن يحلّوا حبل الإسلام كما قاتلوا عليه، ويخرجوا منه من أدخلوا فيه ؟ ولقد قاتلونا أمس فغلبونا، ولو قاتلناهم اليوم لغلبناهم على العاقبة، فلم يجبه أحد وانصرف إلى منزله وقد ظفر فقال :

٩٨

ألا قل لأوس إذا جئتها

وقل إذا ما جئت للخزرج

تمنّيتم الملك في يثرب

فأنزلت القدر لم تنضج

إلى آخر الأبيات.

فلمّا بلغ الأنصار مقالته وشعره، بعثوا إليه لسانهم وشاعرهم النعمان بن العجلان فقال لعمرو وهو في جماعة من قريش: ( والله يا عمرو ما كرهتم من حربنا إلّا ما كرهنا من حربكم، وما كان اللّه ليخرجكم من الإسلام بمن أدخلكم فيه، إن كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: « الأئمّة من قريش » فقد قال: « لو سلك النّاس شعباً وسلك الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار » فأمّا المهاجرون والأنصار فلا فرق بينهم، ولكنّك وترت بني عبد مناف بمسيرك إلى الحبشة، لقتل جعفر وأصحابه، ووترت بني مخزوم بإهلاك عمارة بن الوليد ).

ثمّ أنشد أبياتاً يمتدح فيها قومه الأنصار ويهجو المهاجرين.

فلمّا انتهى شعر النعمان وكلامه إلى قريش غضب كثير منهم.

وقد طالت المماحكات والمشاجرات الكلاميّة وطال التهاجي الحاد بين الصحابة حتّى قال أحدهم :

أيال قريش أصلحوا ذات بيننا

وبينكم قد طال حبل التماحك

فلا خير فيكم بعدنا فارفقوا بنا

ولا خير فينا بعد فهر بن مالك

فلا تذكروا ما كان منّا ومنكم

ففي ذكر ما قد كان مشيُ التساوك(١)

إنّ ما نقلناه لك هنا، هو غيض من فيض ممّا جرى بين صحابة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله من المنازعات والاختلافات في مسألة القيادة، فهل كان يجوز ترك مثل هذا المجتمع غير المتّفق في تطلعاته وآرائه دون نصب قائد يكون نصبه قاطعاً لدابر الاختلاف ومانعاً من مأساة التمزّق والتقاطع والفرقة ؟.

* * *

__________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٦: ١٧ ـ ٣٨ ( طبعة مصر ).

٩٩

تلك محاسبات عقليّة واجتماعيّة من واقع المجتمع الإسلاميّ الأوّل، تدلّنا على أنّ الحقّ في مسألة القيادة في المجتمع الإسلاميّ بعد وفاة الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله هو أن يستخلفصلى‌الله‌عليه‌وآله ( قائداً ) للاُمّة، وراعياً لمصالحها وشؤونها، لما في نفس التنصيب من مصلحة وقطع دابر الاختلاف.

فمثل هذه المحاسبات، تمنع القائد الحكيم أن يترك الاُمّة من بعده من دون أن يعيّن لها قيادةً تحافظ على الكيان الإسلاميّ الناشيء من الأخطار المحدقة به، وتقود الاُمّة الإسلاميّة الفتية في الطريق الشائك إلى الهدف المرسوم لها، والغاية المطلوبة.

إنّ القائد الحكيم، والرئيس المحنّك هو من يعتبر بالأوضاع الاجتماعيّة لاُمّتة والظروف المحيطة بها، ويأخذ بنظر الاعتبار ما يمكن أنّ يحدث لها جرّاء غيبته ووفاته، ثمّ يرسم على ضوء تلك الظروف والأحوال، والتوقّعات والمحاسبات ما يراه صالحاً للاُمّة ولمستقبلها، وأهم تلك الاُمور هو تعيين القائد لها، والمدير لشؤونها من بعده.

إنّ أوضاع المسلمين آنذاك، والظروف الحرجة المحيطة بهم، كانت تقتضي أن لا يدع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله تلك الاُمّة الحديثة العهد بالإسلام وتلك الدولة الفتية الجديدة البنيان، لآراء الاُمّة وإرادتها لتختار هي بنفسها قائدها ورئيسها، وهي في خضمّ تلك الأخطار، والظروف الحسّاسة البالغة الخطورة، إذ ربمّا كانت تبتلي ـ في ذلك الأمر ـ بالخلاف الذريع، والفرقة الكبيرة، فتسهل للخصم سبيل السيطرة عليها وتمكّنه من مؤامراته ونواياه.

إنّ عدم بلوغ الاُمّة الإسلاميّة حدّ الاكتفاء الذاتيّ في القيادة والادارة، مع الأخذ بنظر الاعتبار الأخطار التي كانت تحدق بها، والرواسب القبليّة الجاهليّة، وعدم قدرتها على التغلّب على كلّ ذلك لوحدها، كانت توجب على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بحكم العقل السليم، أن ينصّب للاُمّة قائداً يدبّر شؤونها ويجمع شتاتها ويحافظ على وحدتها، ويقود سفينتها إلى شاطيء الأمن والدعة والسلام.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

الطّرفة الثالثة

في أخذ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله البيعة لعليّ على حمزة وفاطمة البتول(١) حيث هاجر إلى المدينة، ونصّه(٢) عليه بالخلافة والمنزلة المكينة

وعنه، عن أبيه، قال: لمّا هاجر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى(٣) المدينة [ و](٤) اجتمع الناس، وسكن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المدينة(٥) ، وحضر خروجه إلى بدر، دعا الناس إلى البيعة، فبايع كلّهم على السمع والطاعة، و(٦) كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا خلا دعا عليّاعليه‌السلام (٧) فأخبره من يفي منهم ومن(٨) لا يفي، ويسأله كتمان ذلك.

ثمّ دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاعليه‌السلام وحمزةرضي‌الله‌عنه وفاطمةعليها‌السلام ، فقال لهم(٩) : بايعوني ببيعة(١٠) الرّضا.

__________________

(١) في « أ » « ب »: لعليّ وفاطمة البتولعليها‌السلام على حمزة

(٢) في « د »: ونصّ عليه

(٣) ساقطة من « هـ » « و »

(٤) من عندنا

(٥) جملة ( اجتمع الناس وسكن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المدينة ) ساقطة من « د » « هـ » « و »

(٦) الواو ساقطة من « د » « هـ » « و »

(٧) في « ج »: عليه. والظاهر أنّها ( عليّه )

(٨) كلمة ( من ) ساقطة من « هـ »

(٩) في « هامش أ » « د »: لهما

(١٠) في « هامش أ » « ج » « د » « هـ » « و »: بيعة

١٢١

فقال حمزة: بأبي أنت وأمّي على ما نبايع؟ أليس قد بايعنا؟

قال: يا أسد الله وأسد رسوله تبايع لله ولرسوله(١) بالوفاء والاستقامة لابن أخيك، إذن تستكمل الإيمان.

قال: نعم، سمعا وطاعة، وبسط يده.

ثمّ قال لهم(٢) :( يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ) (٣) ، عليّعليه‌السلام أمير المؤمنين، وحمزة سيّد الشّهداء، وجعفر الطّيّار في الجنّة، وفاطمة سيّدة نساء العالمين، والسّبطان الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة، هذا شرط من الله على جميع المسلمين، من الجنّ والإنس أجمعين( فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ) (٤) ، ثمّ قرأ( إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ) (٥) .

__________________

(١) في « أ »: تبايع الله ورسوله

في « ب »: تبايع لله ورسوله

(٢) في « د »: فقال له

في « هـ » « و »: فقال لهم

(٣) الفتح: ١٠. وفي « ج » « د » « هـ » « و »: أيديكم. وعلى هذا فهو اقتباس لمعنى الآية

(٤) الفتح، ١٠

(٥) الفتح: ١٠

١٢٢

الطّرفة الرابعة

في مبايعة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام عقيب مبايعة عمّه وابنته، وتعيينه لرجل رجل من صحابته، أنّه الخليفة على أمّته

وعنه، عن أبيه، قال: ثمّ خرج(١) رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الناس، فدعاهم إلى مثل(٢) ما دعا أهل بيته من البيعة رجلا رجلا، فبايعوا، وظهرت الشحناء والعداوة من يومئذ لنا.

وكان ممّا(٣) شرط عليه(٤) رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن لا ينازع الأمر ولا يغلبه، فمن فعل ذلك فقد شاقّ الله ورسوله.

__________________

(١) في « ب »: لمّا خرج

في « د »: ثمّ أقبل

(٢) ساقطة من « ج » « د » « هـ » « و »

(٣) في « د » « هـ »: بما

(٤) في « ج » « د » « هـ » « و »: علينا

١٢٣

١٢٤

الطّرفة الخامسة

في تجديد بيعة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام في الليلة الّتي استشهد حمزة في صبيحتها، وتعريف حمزةرضي‌الله‌عنه ما يجب عليه(١) من اعتقاد إمامته وإمامة ذرّيّته وصحّتها

وعنه، عن أبيه، عن جدّه، قال: لمّا كانت الليلة الّتي أصيب حمزة في يومها، دعاه(٢) رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يا حمزة، يا عمّ رسول الله، يوشك أن تغيب غيبة بعيدة، فما تقول لو وردت على الله(٣) تبارك وتعالى، وسألك عن شرائع الإسلام وشروط الإيمان؟

فبكى حمزة، وقال: بأبي أنت وأمّي(٤) ، أرشدني وفهّمني.

فقال: يا حمزة، تشهد أن لا إله إلاّ الله مخلصا، وأنّي رسول الله بعثني(٥) بالحقّ.

فقال(٦) حمزة: شهدت.

__________________

(١) عن « هامش أ » « د »

في « هـ » « و »: ما يجب منه

(٢) عن « هامش أ » « د ». وفي البواقي: دعا به

(٣) لفظ الجلالة ساقط من « ج »

(٤) ساقطة من « ج »

(٥) ساقطة من « د » « هـ » « و »

(٦) في « د » « هـ » « و »: قال

١٢٥

[ قال ](١) : وأنّ الجنّة حقّ، وأنّ النار(٢) حقّ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها(٣) .

والصّراط حقّ، والميزان حقّ، و( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) (٤)

و( فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ) (٥) ، وأنّ عليّا أمير المؤمنين.

قال حمزة: شهدت وأقررت وآمنت وصدّقت.

وقال(٦) : الأئمّة من ذرّيّته الحسن والحسينعليهما‌السلام وفي ذرّيّته(٧) .

قال حمزة: آمنت وصدّقت.

وقال: و(٨) فاطمة سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين(٩) .

قال: نعم، صدّقت.

و(١٠) قال: وحمزة سيّد الشّهداء، وأسد الله وأسد رسوله، وعمّ نبيّه.

فبكى ( حمزة وقال: نعم، صدقت وبررت يا رسول الله، وبكى حمزة )(١١) حتّى سقط على وجهه، وجعل يقبّل عيني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

__________________

(١) عن البحار ( ج ٦٥؛ ٣٩٥ )

(٢) في « د »: والنار حقّ

(٣) في « ج » « د » « هـ » « و »: لا ريب فيها حقّ

(٤) الزلزلة؛ ٧ - ٨

(٥) الشورى، ٧

(٦) في « ب »: قال

(٧) في « ب »: الائمة من ذريّة ولده الحسن والحسين وفي ذريّته

وفي « ج » « هـ » « و »: الأئمّة من ذريته ولده الحسن والحسين وفي ذريته

وفي « د »: والأئمّة من ذريته الحسن والحسين

(٨) الواو ساقطة من « ب »

(٩) جملة ( من الأولين والآخرين ) ساقطة من « د » « هـ » « و »

(١٠) الواو عن « هـ » فقط

(١١) ساقطة من « د » « هـ » « و »

١٢٦

وقال: جعفر(١) ابن أخيك طيّار يطير في الجنّة(٢) مع الملائكة، وأنّ محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله وآله(٣) خير البريّة، تؤمن يا حمزة بسرّهم وعلانيتهم، وظاهرهم وباطنهم، وتحيى على ذلك وتموت، توالي من والاهم، وتعادي من عاداهم.

قال: نعم يا رسول الله، أشهد الله وأشهدك وكفى بالله شهيدا.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : سدّدك الله ووفّقك.

__________________

(١) في « هامش أ » « د »: ثمّ قال وجعفر

(٢) في « ب » « ج » « و »: طيّار في الجنّة

في « هـ »: طيّار وفي الجنّة

(٣) ساقطة من « أ » « ب »

١٢٧

١٢٨

الطّرفة السادسة

في تأكيد البيان من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مع أبي ذرّ وسلمان والمقداد(١) ، وتعريفهم ما كلّفه سلطان المعاد، وأنّ عليّاعليه‌السلام خليفة(٢) في العباد والبلاد(٣)

وعنه، عن أبيه، قال: دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبا ذرّ وسلمان والمقداد، فقال لهم: تعرفون شرائع الإسلام وشروطه؟

قالوا: نعرف ما عرّفنا الله ورسوله.

فقال(٤) : هي والله أكثر من أن تحصى، أشهدوني(٥) على أنفسكم وكفى بالله شهيدا وملائكته عليكم بشهادة(٦) أن لا إله إلاّ الله مخلصا، لا شريك له في سلطانه، ولا نظير له في ملكه، وأنّي رسول الله بعثني بالحقّ، وأنّ القرآن إمام من الله وحكم(٧) عدل، وأن القبلة(٨) - قبلتي - شطر المسجد الحرام لكم قبلة.

__________________

(١) كلمة ( والمقداد ) ساقطة من « هـ »

(٢) في « و »: خليفته

(٣) كلمة ( والبلاد ) عن « نسخة من أ » وباقي النسخ. وهي ساقطة من « ب »

(٤) في « أ » « ب »: قال: والمثبت عن « هامش أ » وباقي النسخ

(٥) في « أ » « ب »: اشهدوا. والمثبت عن « هامش أ » وباقي النسخ

(٦) في « أ » « ب »: بالشهادة. والمثبت عن « هامش أ » وباقي النسخ

(٧) في « هـ »: وحكمه

(٨) ساقطة من « أ » « ب »

١٢٩

وأنّ عليّ(١) بن أبي طالبعليه‌السلام وصيّي(٢) وأمير المؤمنين، وولي المؤمنين(٣) ومولاهم، وأنّ حقّه من الله مفروض(٤) واجب، وطاعته طاعة الله ورسوله، والأئمّة من ولده، وأنّ مودّة أهل بيته مفروضة واجبة على كلّ مؤمن ومؤمنة(٥) ، مع إقامة الصّلاة لوقتها، وإخراج الزكاة من حلّها، ووضعها في أهلها.

وإخراج الخمس من كلّ ما يملكه أحد من النّاس، حتّى يدفعه(٦) إلى ولي(٧) المؤمنين وأميرهم، ومن بعده(٨) من الأئمّة من(٩) ولده، فمن عجز ولم يقدر(١٠) إلاّ على اليسير من المال، فليدفع ذلك إلى الضّعيفين من أهل بيتي من ولد الأئمّة، فإن لم يقدر فلشيعتهم(١١) ممّن لا يأكل بهم النّاس، ولا يريد بهم إلاّ الله وما وجب عليهم من حقّي.

والعدل في الرّعيّة، والقسم(١٢) بالسويّة، والقول بالحقّ، وأنّ الحكم بالكتاب(١٣) على ما عمل عليه أمير المؤمنين، والفرائض على كتاب الله وأحكامه، واطعام(١٤) الطّعام على حبّه،

__________________

(١) في « ب »: عليّا بن أبي طالب

(٢) في « أ » « ب » « ج » « هـ » « و »: وصي محمّد

في « د »: وصي وأمير المؤمنين عليه‌السلام . والمثبت عن « هامش أ »

(٣) في « ب »: ولي المؤمنين

جملة ( وولي المؤمنين ) ساقطة من « د » « هـ » « و »

(٤) في « ب »: معروض

(٥) ساقطة من « أ » « ب » « ج ». وأثبتناها عن « هامش أ » « د » « هـ » « و »

(٦) في « هامش أ » « د » « هـ » « و »: حتى يرفعه

(٧) في « أ »: والي

(٨) في « د »: وبعده من

(٩) ساقطة من « هـ » « و »

(١٠) في « أ » « ب »: من ولده ومن لم يقدر. والمثبت عن « هامش أ » وباقي النسخ

(١١) ساقطة من « ب »

(١٢) في « هامش أ » « د »: والقسمة

(١٣) في « هامش أ » « د » « هـ »: الكتاب

في « و »: وأنّ حكم الكتاب

(١٤) في « هـ » « و »: وإطعامه

١٣٠

وحجّ البيت، والجهاد في سبيل الله، وصوم شهر رمضان.

وغسل الجنابة، والوضوء الكامل؛ على اليدين والوجه والذّراعين إلى المرافق، والمسح على الرأس، والقدمين الى الكعبين، لا على خفّ ولا على خمار ولا على عمامة.

والحبّ لاهل بيتي في الله، وحبّ شيعتهم لهم، والبغض لا عدائهم، وبغض(١) من والاهم، والعداوة في الله وله، والإيمان بالقدر؛ خيره وشرّه، و(٢) حلوه ومرّه.

وعلى أن تحلّلوا حلال القرآن وتحرّموا حرامه، وتعملوا بأحكامه(٣) ، وتردّوا المتشابه الى أهله(٤) ، فمن عمي عليه من عمله شيء لم يكن علمه منّي ولا سمعه، فعليه بعلي بن أبي طالب، فإنّه قد علم كلّ ما(٥) قد علّمته؛ ظاهره(٦) وباطنه، ومحكمه ومتشابهه، وهو يقاتل على تأويله كما قاتلت(٧) على تنزيله.

وموالاة أولياء الله؛ محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وذرّيّته والأئمّة خاصّة، ويتوالى(٨) من والاهم وشايعهم، والبراءة والعداوة لمن عاداهم وشاقّهم(٩) كعداوة الشيطان الرّجيم، والبراءة ممّن شايعهم وتابعهم، والاستقامة على طريق الإمام.

اعلموا أنّي لا أقدّم على عليّعليه‌السلام أحدا، فمن تقدّمه فهو ظالم، البيعة بعدي لغيره ضلالة(١٠) وفلتة(١١) وزلّة، بيعة الأوّل ضلالة(١٢) ، ثمّ الثاني، ثمّ الثالث، وويل للرابع، ثمّ الويل

__________________

(١) في « ب »: وحبّ

(٢) الواو ساقطة من « أ » « ب ». واثبتناها عن « هامش أ » وباقي النسخ

(٣) في « أ » « ب » « ج » « هـ » « و »: وتعملوا بالأحكام. والمثبت عن « هامش أ » « د »

(٤) في « ج » « هـ » « و »: أهليه

(٥) في « أ » « ب » « ج » « هـ »: كما قد علّمته

في « و »: كما علّمته. والمثبت عن « هامش أ » « د »

(٦) في « ج » « د » « هـ » « و »: وظاهره

(٧) في « ب »: كما قاتل

(٨) في « ب »: ويتولّى

(٩) في « و »: وشايعهم

(١٠) في « د »: البيعة بعدي لغيره البيعة ضلالة

(١١) ساقطة من « د ». وفي « هـ »: قلبة

(١٢) المثبت عن « د ». وفي باقي النسخ: وزلّة، الأوّل ثمّ الثاني

١٣١

له، ويل له ولأبيه، مع ويل لمن كان قبله، ويل لهما ولصاحبهما(١) ، لا غفر الله له ولهما زلة(٢) ، فهذه شروط الإسلام، وقد(٣) بقي أكثر.

قالوا: سمعنا وأطعنا، وقبلنا وصدّقنا، ونقول مثل ذلك ونشهد لك على أنفسنا(٤) بالرّضا به أبدا حتّى نقدم عليك، آمنّا(٥) بسرّهم وعلانيتهم، ورضينا بهم أئمّة وهداة وموالي.

قال: وأنا معكم شهيد.

ثمّ قال لهم(٦) : وتشهدون أنّ الجنّة حقّ، وهي محرّمة على الخلائق حتّى أدخلها أنا وأهل بيتي(٧) .

قالوا: نعم.

قال: و(٨) تشهدون أنّ(٩) النّار حقّ، وهي محرّمة على الكافرين حتّى يدخلها أعداء أهل بيتي، والنّاصبون لهم حربا وعداوة، وأنّ لاعنيهم(١٠) ومبغضيهم وقاتليهم، كمن لعنني

__________________

(١) في « هامش أ »: وويل لهما ولصاحبهما في « د »: وويل لهما ولصاحبهما ولهما في « ج » « هـ » « و »: ويل لهما ولصاحبيهما

(٢) في « أ »: اغضروه أغضره الله فهذه وفي « ب »: اغضروه واغضره الله فهذه ...

في « ج » اعقروه عقر الله فهذه ...

في « هـ » « و »: اغفر ولا غفر الله فهذه والمثبت عن « هامش أ » « د »

(٣) في « هـ »: ثمّ وقد بقي أكثر

(٤) في « ب »: ونشهد لك وعليك ونشهدك على أنفسنا. وادخل هذه الزيادة في « أ » عن نسخة

(٥) في « د »: أمناء بسرّهم

(٦) في « د » « هـ » « و »: ثم قال نعم

(٧) جملة ( أنا وأهل بيتي ) عن « هامش أ » « د »

(٨) الواو ساقطة من « د » « هـ » « و »

(٩) ساقطة من « هـ »

(١٠) في « أ » استظهر دخول ( أنّ ) فكتب فوقها ( ظ ). وهي في « ب » « د »

في « ج » « هـ » « و »: وعداوة لاعنيهم

في « د »: والناصبون لهم حربا وعداوة ولاعنيهم، وهي توافق « أ » بدون الاستظهار

١٣٢

وأبغضني وقاتلني(١) ، هم في النّار.

قالوا: شهدنا على ذلك وأقررنا(٢) .

قال: وتشهدون أنّ عليّاعليه‌السلام صاحب حوضي والذّائد عنه أعداءه(٣) ، وهو قسيم النار؛ يقول للنار(٤) : هذا(٥) لك فاقبضيه ذميما(٦) ، وهذا لي فلا تقربيه(٧) ، فينجو سليما.

قالوا: شهدنا على ذلك ونؤمن به.

قال: وأنا على ذلك شهيد.

__________________

(١) في « ج »: كمن لعنني أو بغضني وقاتلني

في « د »: كمن لعنني وبغضني وقاتلني

في « هـ »: كمن لعنني أو بغضني أو قاتلني

في « و »: كمن لعنني أو بغضني أو قاتلني

(٢) في « هامش أ » « د »: نشهد وعلى ذلك أقررنا

في « هـ »: شهدنا وعلى ذلك أقررنا

في « و »: أشهدنا وعلى ذلك أقررنا

(٣) كلمة ( أعداءه ) عن « هامش أ » « د »

(٤) ساقطة من جميع النسخ عدا « أ »

(٥) المثبت عن « هامش أ » « د ». وفي باقي النسخ: ذلك لك

(٦) في « هامش أ »: فاقبضيه نهما

(٧) في « هـ » « و »: فلا تقرنيه

١٣٣

١٣٤

الطّرفة السابعة

في تجديد النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله العهد لعليعليه‌السلام (١) عند وفاته، وتقريره(٢) لذلك مع أكابر عشيرته، وأنّه وارثه دون الأقربين، وتسليمه إليه ذخائره بمحضر من المسلمين

وعنه، عن أبيه، قال: لمّا حضرت(٣) رسول الله الوفاة، دعا العباس بن عبد المطّلب وأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام فقال(٤) للعبّاس: يا عمّ محمّد، تأخذ تراث محمّد وتقضي دينه، وتنجز عداته؟

فردّ عليه، وقال: يا رسول الله أنا شيخ كبير(٥) كثير العيال، قليل المال، من يطيقك وأنت تباري الرّيح؟

قال: فأطرقصلى‌الله‌عليه‌وآله هنيئة، ثم قال: يا عباس، تأخذ(٦) تراث رسول الله وتنجز عداته وتؤدّي دينه؟

__________________

(١) في « أ » « ب »: العهد على عليّ

في « ج » « هـ » « و »: لعهد عليّ. والمثبت عن « هامش أ » « د »

(٢) في « هـ »: ونفيره

(٣) في « د »: حضر

(٤) في « ب »: قال

(٥) ساقطة من « ب »

(٦) في « ج »: أتأخذ

١٣٥

فقال(١) : بأبي أنت وأمي، أنا شيخ كبير، كثير العيال، قليل المال، من يطيقك وأنت تباري الريح؟

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أما إني سأعطيها من يأخذها بحقّها، ثمّ قال: يا عليّ، يا أخا محمّد، أتنجز عداة محمّد، وتقضي دينه، وتأخذ تراثه؟

قال: نعم بأبي أنت وأمّي.

قال: فنظرت إليه حتّى نزع خاتمه من إصبعه، فقال: تختّم بهذا في حياتي، قال: فنظرت إلى الخاتم حتّى وضعه عليّعليه‌السلام في إصبعه اليمنى.

ثمّ صاح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا بلال عليّ عليّ(٢) بالمغفر والدّرع، والرّاية، وسيفي ذي الفقار، وعمامتي السّحاب، والبرد والأبرقة والقضيب.

قال(٣) : فو الله ما رأيتها قبل ساعتي تلك(٤) - يعني الأبرقة - كادت(٥) تخطف بالأبصار(٦) ، فإذا هي من أبرق الجنّة.

فقال(٧) : يا عليّ، إنّ جبرئيل أتاني بها، فقال: يا محمّد اجعلها في حلقة الدّرع، واستثفر(٨) بها مكان المنطقة، ثم دعا بزوجي نعال عربيّين(٩) ، إحداهما(١٠)

__________________

(١) في « أ » « ب »: قال. والمثبت عن « هامش أ » وباقي النسخ

(٢) كلمة ( عليّ ) الثانية ساقطة من « ج » « د » « هـ » « و »

(٣) ساقطة من « ج » « د » « هـ » « و »

(٤) في « ج » « هـ » « و »: تيك

(٥) في « ب »: فجيء بشقة كادت

(٦) في « ج » « د » « هـ » « و »: تخطف الأبصار

(٧) ساقطة من « أ ». وفي « ب »: وقال

(٨) في « هامش أ » « د »: واستقرّ بها

في « ج »: واستنفر بها

في « هـ »: واستفر بها

(٩) في « أ » « ب »: بزوج نعال عربيّة

في « هامش أ »: بزوجي نعاله عربيّين

(١٠) في « ج » « د » « هـ » « و »: أحدهما

في « أ »: إحداهما

١٣٦

مخصوفة، والأخرى غير مخصوفة، والقميص الّذي أسري به فيه(١) ، والقميص الّذي خرج فيه يوم أحد، والقلانس الثّلاث: قلنسية(٢) السّفر، وقلنسية العيدين والجمعة، وقلنسية كان يلبسها(٣) ويقعد مع أصحابه.

ثمّ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا بلال، عليّ بالبغلتين: الشّهباء والدّلدل، والنّاقتين: العضباء والصّهباء(٤) ، والفرسين: الجناح؛ الّذي كان يوقف بباب مسجد رسول الله(٥) صلى‌الله‌عليه‌وآله لحوائج النّاس؛ ( يبعث رسول الله الرّجل(٦) في حاجة فيركبه )(٧) ، وحيزوم؛ وهو الّذي يقال « أقدم حيزوم »، والحمار يعفور(٨) .

ثمّ قال: يا عليّ(٩) ، اقبضها في حياتي حتّى(١٠) لا ينازعك فيها أحد بعدي.

وفي روايتين أيضا(١١) : إنّ الّذي سلّمه النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى عليّعليه‌السلام كان والبيت غاصّ بمن فيه من المهاجرين والأنصار، وفيهما أنّ صورة لفظ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله للعباس: يا عباس، أتقبل وصيّتي وتقضي ديني وتنجز موعدي؟

وفي كلّ ذلك يعتذر العباس إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من قبول وصيّته.

__________________

(١) ساقطة من « ب » « د »

(٢) في « ب »: قلنسوة. في الموارد الثلاثة

(٣) في « ب »: كان هو يلبسها. وقد أدخلت ( هو ) في متن « أ » عن نسخة

(٤) في « أ » « ب »: والقصواء. والمثبت عن باقي النسخ، وعن نسخة في « هامش أ » صححها الكاتب

(٥) في « هامش أ » « د »: بباب المسجد لحوائج الناس

(٦) ساقطة من « هـ » « و »

(٧) ساقطة من « د »

(٨) في « أ » « ب »: اليعفور. والمثبت عن « هامش أ » وباقي النسخ

(٩) ( يا عليّ ) ساقطة من « أ »

(١٠) ساقطة من « د » « هـ » « و »

(١١) في « هامش أ » « د »: اقول وروي أنّ

في « هـ » « و »: اقول وروي أيضا أنّ

١٣٧

١٣٨

الطّرفة الثامنة

في كشف السّبب في كون عليّعليه‌السلام ، يرث ذخائر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله دون غيره من سائر الأنام

عن أبي صادق، عن ربيعة بن ناجذ: أنّ رجلا قال لعليعليه‌السلام : يا أمير المؤمنين، بم(١) ورثت ابن عمّك دون عمّك؟

فقال: معشر الناس(٢) ، افتحوا آذانكم واسمعوا(٣) ، ففتحوا آذانهم واستمعوا(٤) ، فقال عليّ(٥) عليه‌السلام : جمعنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بني عبد المطّلب في بيت رجل منّا(٦) - أو قال: أكبرنا(٧) - فدعا بمدّ ونصف من طعام، وقدح له يقال له: الغمر(٨) ، فأكلنا وشربنا وبقي الطّعام كما هو

__________________

(١) عن « أ ». وفي باقي النسخ: بما

(٢) في « ب »: يا معشر الناس. وقد ادخل حرف النداء في متن « أ » عن نسخة

(٣) جملة ( افتحوا آذانكم واسمعوا ) ساقطة من « ج » « هـ » « و »

في « د »: واستمعوا

(٤) جملة ( ففتحوا آذانهم واستمعوا ) ساقطة من « د »

(٥) ساقطة من « هـ »

(٦) في « هامش أ » « د »: في بيت رجل واحد منا

(٧) في « هـ » « و »: أكثرنا

(٨) في « ب »: وقدح له الغمر -

١٣٩

والشّراب، وفينا من يأكل الجذعة ويشرب الغرق(١) .

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أن قد ترون هذه(٢) ، فأيّكم يبايعني على أنّه أخي ووارثي ووصيّي؟

فقمت إليه - وكنت أصغر القوم - فقلت: أنا يا رسول الله، فقال(٣) : اجلس، ثمّ قال(٤) ذلك وأنا أقوم إليه، فيقول: اجلس، حتّى إذا كان في الثالثة، فضرب بيده على يدي، فبذلك(٥) ورثت ابن عمّي(٦) دون عمّي.

__________________

ـ في « ج » « د » « هـ » « و »: وقدح يقال له الغمر. والمثبت عن « أ »

الغمر: القدح الصغير

(١) في « ج »: الفرق

الغرق: جمع غرقة وهي القليل من اللبن قدر القدح، وقيل: هي الشربة من اللبن

الفرق والفرق: مكيال ضخم لأهل المدينة معروف. ولعلهما مصحّفين عن ما ورد في بعض المصادر ( ويشرب الزق )

(٢) ساقطة من « د ». وأدخلها في « أ » عن نسخة. وهي موجودة في باقي النسخ

(٣) في « ب »: فيقول

(٤) في « أ » « ب »: حتّى قال ثلاث مرات، كل ذلك أقوم إليه فيقول اجلس، حتّى إذا كان ...

في « ج » « هـ » « و »: ثمّ قال ذلك ثلاث مرات، كل ذلك أقوم إليه فيقول اجلس، حتّى إذا كان ...

والمثبت عن « هامش أ » « د »

(٥) في « ج » « د » « هـ » « و »: وبذلك

(٦) في « أ »: ورثت أنا ابن عمي

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653