طرف من الأنباء والمناقب

طرف من الأنباء والمناقب9%

طرف من الأنباء والمناقب مؤلف:
المحقق: الشيخ قيس العطّار
الناشر: انتشارات تاسوعاء
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 653

طرف من الأنباء والمناقب
  • البداية
  • السابق
  • 653 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 210720 / تحميل: 6561
الحجم الحجم الحجم
طرف من الأنباء والمناقب

طرف من الأنباء والمناقب

مؤلف:
الناشر: انتشارات تاسوعاء
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

الفصل الثالث : الإمام الصادق في ظل جدّه وأبيهعليهم‌السلام

ملامح عصر الإمام زين العابدين ومواقفه

لقد واجه الإمام زين العابدينعليه‌السلام بعد استشهاد أبيه الحسينعليه‌السلام ما يلي :

١ ـ التعاطف مع أهل البيتعليهم‌السلام تعاطفاً كان يفتقد الوعي ويقتصر على الشعور الإيجابي بالولاء مع خلوّه عن الموقف العملي الجادّ .

٢ ـ ثورات انتقاميّة كانت تتحرّك نحو هدف محدود ، وثورات نفعية مصلحيّة ، ونشوء حركات منافقة ، وظهور وعّاظ السلاطين لإسباغ الشرعية على السلطة القائمة .

٣ ـ بروز ظاهرة الشعور بالإثم عند الأمة بسبب ما ارتكبته من خذلان لأبيه الحسين السبطعليه‌السلام لكن هذا الشعور كما هو معروف كان بلا ترشيد واضح ، والعقليات المدبّرة للثورة على الوضع القائم كانت تفكر بالثأر فحسب وهنا خطط الإمام زين العابدينعليه‌السلام لعمله على مرحلتين أو خطوتين :

الخطوة الأولى : تناول الإمامعليه‌السلام ظاهرة الشعور بالإثم وعمل على ترشيدها بعد أن عمّقها بشكل متواصل عبر تذكيره الأمة بمأساة كربلاء والمظالم التي لحقت بآل البيتعليهم‌السلام وقد استغرق هذا التذكير زمناً طويلاً ،

٤١

حيث حاول إعطاء ظاهرة الشعور بالإثم بُعداً فكرياً صحيحاً ليجعل منه أداة دفع وتأثير في عملية البناء والتغيير .

وبعد أن تراكم هذا الشعور شكّل في نهاية الأمر خزيناً داخلياً كانت لا تقوى الأمة أن تصبر عليه طويلاً ، وأصبح الإلحاح على مخرج تعبّر به الأمّة عن ألمها أمراً جدّياً ، حتَّى حدثت الثورة الكبرى وطبيعي أنّ هذا الجو المشحون الذي كان ينبئ بالثورة والإطاحة بالأمويين جعلهم يشددّون الرقابة على الإمام زين العابدينعليه‌السلام باعتباره الرأس المدبّر لهذه المطالبة ولكونه الوريث الشرعي للخلافة بعد أبيه الحسينعليه‌السلام ومن هنا كانت الحكومة الأموية تفسّر أيّ حركة تصدر من الإمامعليه‌السلام على أنّها تمهيد للثورة .

الخطوة الثانية : توزّع نشاط الإمامعليه‌السلام في هذه الخطوة على عدّة اتّجاهات .

الاتجاه الأوّل : قام الإمامعليه‌السلام ببلورة العواطف الهائجة وحاول أن يدفعها باتّجاه الفكر الصحيح ويضع لها الأسس العقائديّة ويجعل منها مقدمة لعملية التغيير التي ينشدها الإمامعليه‌السلام ، وقد تمثّلت في إيجاد الفكر الإسلامي الصحيح الذي طالما تعرّض للتشويه والتحريف ثم إعداد الطليعة الواعية التي تشعر بالمسؤولية وتكون أهلاً لحمل الأمانة الإلهيّة .

الاتّجاه الثاني : تحرّك الإمام زين العابدينعليه‌السلام انطلاقاً من مسؤوليته في حماية الإسلام وبقائه كشريعة دون تحريف وتشويه لمحتواه ضمن عدة نشاطات :

١ ـ النشاط الأول : واجه الإمامعليه‌السلام الحركات الانحرافية والفرق الضالّة والمغالية التي كانت تستهدف الفكر الإسلامي وتعتمد الإسرائيليات والنظريات الهندية واليونانية حول الكون والحياة في فهم القرآن والحديث

٤٢

الشريف ، وقام بنشر مختلف العلوم والفنون وتبيان الصيغة الصحيحة للعلاقات الاجتماعية والسياسية والأخلاقية التي كان قد أصابها الفساد ، كما يتّضح ذلك بجلاء في رسالته المعروفة برسالة الحقوق ، كما ساهم في حل المشاكل التي كانت تهدّد كرامة الدولة الإسلامية كما يلاحظ ذلك جليّاً فيما حدث في جوابه على رسالة ملك الروم حين هدّد الخليفة بالحصار الاقتصادي(١) .

النشاط الثاني : إنّ الأمويين كانوا قد ضيّقوا على حركة الإمامعليه‌السلام ونشاطه مع الأمة إلاَّ أنّ الإمامعليه‌السلام استخدم الدعاء سلاحاً للارتباط الفكري والمعنوي بها ، وحيث إنّ هذا السلاح لم يستهدف الأمويين مباشرة ، توفّر للإمامعليه‌السلام مجالٌ أوسع لمعالجة الظواهر المرضية والانحرافات الأخلاقية .

الاتّجاه الثالث : التأكيد على أهمية العمل الثوري ومكافحة الظلم والانحراف ، وإيقاد روح الجهاد التي كانت خمدت في الأمة عبر سنوات الانحراف ، كما يتجلّى ذلك في دعائه للمختار الذي طالب بثأر الحسين وكان على اتصال دائم بالإمامعليه‌السلام أثناء ثورته من خلال عمّه محمد ابن الحنفيّة .

الاتّجاه الرابع : لم يكن موقف الإمامعليه‌السلام من الحكّام موقف المواجهة والتحدّي المباشر ; إذ لو كان قد فعل الإمام زين العابدينعليه‌السلام ؛ ذلك لما كان يستطيع أن يحقق ما حققه من مكاسب في الأمة في مجال التربية ، ولما توفّرت أجواء سليمة وفرص واسعة لنشاط الإمام الباقرعليه‌السلام من بعده وللجماعة الصالحة التي ربّاها .

لكن هذا لا يعني أن الإمامعليه‌السلام لم يوضح رأيه في الحكومة فلم يترك

ـــــــــــــــــ

(١) البداية والنهاية : ٩/١٢٢ .

٤٣

الأمر ملتبساً على شيعته ، بل كانت للإمام زين العابدينعليه‌السلام مواقف مع الحكّام سوف نشير إلى بعض منها ، وكان هدفه منها إعطاء خطّ في التربية والتغيير حفاظاً على الشيعة من الضياع ; إذ لم تكن الجماعة الصالحة على سبيل المواجهة ولكنها كانت كافية في التحصين في تلك المرحلة على مستوى التربية والإعداد وتأسيساً لمستقبل سياسي أفضل .

ونستطيع أن نلاحظ موقف الإمامعليه‌السلام مع السلطة من خلال رسالته الجوابية إلى عبد الملك حين لامَ عبد الملك الإمامعليه‌السلام على زواجه بأمته التي كان قد أعتقها .

إنّ ردّ الإمامعليه‌السلام على عبد الملك كان يتضمّن تحدّياً للخليفة الذي كان يفكرّ بعقلية جاهلية ; فإنّ الإمامعليه‌السلام وضّح فيها الموقف الإسلامي الذي يلغي كل الامتيازات التي وضعتها الجاهلية بقولهعليه‌السلام :( فلا لؤم على امرئ مسلم إنَّما اللؤمُ لؤم الجاهلية ) .

يظهر هذا التحدّي ممَّا جاء في مصادر التأريخ من أن الخليفة الأموي بعد أن قرأها هو وابنه سليمان ، قال الابن : يا أمير المؤمنين لَشدَّ ما فخر عليك علي بن الحسين !! فردّ الخليفة على ابنه قائلاً : ( يا بنيّ لا تَقل ذلك فإنّها ألسن بني هاشم التي تَفلق الصخر وتغرف من بحر ، إنّ عليّ بن الحسين يا بني يرتفع من حيث يتّضع الناس(١) .

وفي هذا الجواب إشارة إلى أنّ المواجهة مع الإمام من قبل الخليفة لا تخدم سلطان بني أمية .

ومن مواقف الإمام زين العابدينعليه‌السلام تجاه السلطة أيضاً موقفه من

ـــــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار : ٤٦/١٦٥ ، والعقد الفريد : ٧/١٢١ .

٤٤

الزهري ذلك المحدث الذي كان مرتبطاً بالبلاط الأموي ـ فقَد أرسل إليه الإمامعليه‌السلام رسالة قَرعه فيها على شنيع فعله(١) ، وان كان قد علم الإمام بأنّه غارق إلى هامته في موائد السلطان ولهوه ، إلاَّ أنّها رسالة للأجيال .

ومن الأحاديث التي وضعها هذا الرجل دعماً لسياسة بني أمية حينما منعوا حج بيت الله الحرام لمّا كان ابن الزبير مسيطراً على الحرمين الشريفين ما رواه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : لا تشد الرحال إلاَّ إلى ثلاثة : مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى .

ملامح عصر الإمام محمد الباقرعليه‌السلام

استشهد الإمام زين العابدينعليه‌السلام سنة ( ٩٥ هـ ) في أيام حكم الوليد ابن عبد الملك وتوّلى الإمام محمد بن علي الباقرعليه‌السلام مسؤولية الإمامة بوصية من أبيه حيث أعلن عن إمامته أمام سائر أبنائه وعشيرته حين سلّمه صندوقاً فيه سلاح رسول اللهعليه‌السلام وقال له :( يا محمَّد هذا الصندوق فاذهب به إلى بيتك ، ثم قالعليه‌السلام :أما إنّه لم يكن فيه دينار ولا درهم ولكنه مملوءٌ علم ) (٢) .

إذن فهو صندوق يرمز لمسؤولية القيادة الفكرية والعلمية كما أنّ السلاح يرمز لمسؤولية القيادة الثورية .

وبالرغم من توالي الثورات التي تلت واقعة الطف والتي كان الإمام الباقرعليه‌السلام قد عاصرها جميعاً مع أبيهعليه‌السلام بقي موقف الأعمّ الأغلب من الناس الاستجابة لمنطق السيف الأموي إلى جانب القسم الآخر الذي آمن بأنّ الحكّام الأمويين يمثّلون الخلافة الإسلامية .

ـــــــــــــــــ

(١) تحف العقول : ٢٧٢ ـ ٢٧٧ .

(٢) بصائر الدرجات ٤/٤٤ و٤٨ ، وأصول الكافي ١/٣٠٥ وعنهما في بحار الأنوار : ٤٦/٢٢٩ .

٤٥

كما أنّه عاصر عمليات الهدم الفكري والتحريف والمسخ الثقافي الذي مارسه الأمويون بحق الرسالة والقيم الإسلامية .

وعند مجيء سليمان بن عبد الملك إلى الحكم بعد وفاة أخيه الوليد بن عبد الملك سنة ( ٩٦ هـ ) أصدر قرارات جديدة استراحت الأمة بسببها قليلاً حيث أمر بالتَنكيل ( بآل ) الحجاج بن يوسف الثقفي وطرد كلّ عمّاله وولاته(١) كما أطلق سراح المسجونين في سجون الحجّاج(٢) .

وفي سنة ( ٩٩ هـ ) تقلّد الحكم الأموي عمر بن عبد العزيز فازدادت الحريّات في مدّة خلافته القصيرة ، كما يراه بعض المؤرّخين ، كما أنّه عالج مشكلة الخراج التي قال عنها بأنّها سنّة خبيثة سنّها عمّال السوء(٣) .

وعامل العلويين معاملة خالف فيها أسلافه فقد جاء في كتابه لعامله على المدينة : ( فأقسم في ولد علي من فاطمة رضوان الله عليهم عشرة آلاف دينار فطالما تخطّتهم حقوقهم )(٤) ورَدَّ فدكاً ـ التي كان قد صادرها الخليفة الأوّل ـ على الإمام الباقرعليه‌السلام (٥) ورفع سبّ الإمام عليّعليه‌السلام الذي كان قد سنّه معاوية(٦) .

أمّا الناحية الفكرية : فتبعاً للتغيّرات السياسية نلمس تطوّراً في الجانب الفكري أيضاً ؛ فقد برزت في هذا الظرف تيارات فكريّة جديدة واتجّه الناس

ـــــــــــــــــ

(١) الكامل ، ابن الأثير : ٤/١٣٨ .

(٢) تاريخ ابن عساكر : ٤/٨٠ .

(٣) الكامل : ٥/٢٩ وتاريخ الطبري : ٨/١٣٩ .

(٤) مروج الذهب : ٣/١٩٤ .

(٥) الكامل : ٤/١٦٤ والمناقب : ٤/٢٠٧ وسفينة البحار : ٢/٣٧٢ .

(٦) انظر الفكر السامي ١/٢٧٦ عن صحيح مسلم ، وتاريخ اليعقوبي ٢/٢٢٣ و٢٣٠ و٢٣٥ و٣٠٥ ، وشرح النهج للمعتزلي ٥/٩٨ تاريخ الخميس : ٢/٣١٧ .

٤٦

للبحث والدرس وتلقّي المعرفة الإسلامية ورفع المنع الحكومي عن تدوين الحديث النبوي وبدأت تتميّز مدرسة أهل الحديث عن مدرسة أهل الرأي ومال الموالي من غير العرب إلى مدرسة أهل الرأي في الكوفة ، وتزعّم أبو حنيفة هذه المدرسة في حينها ضد مدرسة أهل الحديث في المدينة(١) .

وكنتيجة طبيعية للإخفاق الذي سجّلته الحركات الفكرية ، ظهرت فكرة الاعتزال التي نادى بها ( واصل بن عطاء ) في البصرة عندما اعتزل حلقة درس أستاذه ( الحسن البصري ) وهي تعتبر تعديلاً لفكرة الخوارج التي لم تلقَ رواجاً حينما قالت بكفر مرتكب الكبيرة(٢) ، والمرجئة التي قالت بأنّه لا تضر مع الإيمان معصية(٣) فقال واصل ( مؤسس اتّجاه الاعتزال والمتوفى في ١٣١هـ ) : إنّ صاحب الكبيرة ليس بمؤمن بإطلاق بل هو في منزلة بين منزلتين أي إنّ مرتكب الكبيرة ليس بمؤمن ولا كافر لكنّه فاسق والفاسق يستحق النار بفسقه(٤) .

هذه صورة مجملة عن الواقع الذي عايشه الإمام الصادقعليه‌السلام خلال مرحلة قيادة أبيه الباقرعليه‌السلام .

متطلّبات عصر الإمام الباقرعليه‌السلام

ونلخّص دور الإمام الباقرعليه‌السلام في ثلاثة خطوط أساسية :

الخط السياسي ، وإكمال بناء الجماعة الصالحة ، وتأسيس جامعة أهل البيتعليه‌السلام العلمية .

ـــــــــــــــــ

(١) ضحى الإسلام لأحمد أمين : ٢/١٧٨ .

(٢) الملل والنحل : ١/١٥٨ .

(٣) تاج العروس ، مادة رجأ .

(٤) الأغاني : ٧ / ١٥ .

٤٧

١ ـ الخط السياسي للإمام الباقر عليه‌السلام

لقد كان الخيار السياسي للإمام الباقرعليه‌السلام في فترة تصدّيه للإمامة هو الابتعاد عن الصدام والمواجهة مع الأمويين وهذا واضح من خلال تصريحه الذي تضمّن بياناً للجوّ السائد وحالة الأمة ومستوى وعيها آنذاك :( إنْ دَعَوْناهم لم يستجيبوا لنا ) (١) .

كما نجده فيما بعد يستوعب سياسة الانفتاح والاعتدال التي أبداها عمر ابن عبد العزيز ، سواء كان هذا الاعتدال بدافع ذاتي لعلاقته بالإمامعليه‌السلام ، أم بدافع الضغوط الخارجيّة وخوفه من انهيار الدولة الأموية .

إنّ الإمام قد رسم خطّه السياسي في هذه المرحلة بأسلوبين :

الأسلوب الأول : تصريح الإمامعليه‌السلام برأيه حول عمر بن عبد العزيز وحكومته قبل تصدّي عمر للخلافة فعن أبي بصير ، قال : كنت مع أبي جعفر الباقرعليه‌السلام في المسجد ودخل عمر بن عبد العزيز وعليه ثوبان ممصّران متكئاً على مولى له فقالعليه‌السلام :( لَيَلِيَنَّ هذا الغلام [ أي سوف يتولّى السُلطة ]فيظهر العدل ) (٢) .

ولكن الإمامعليه‌السلام قدح في ولايته باعتبار وجود مَن هو أولى منه .

الأسلوب الثاني : أسلوب المراسلة واللقاء فقد روي أنّ عمر بن

ـــــــــــــــــ

(١) الإرشاد ، للشيخ المفيد : ٢٨٤ .

(٢) سفينة البحار : ٢/١٢٧ .

٤٨

عبد العزيز كرّم الإمام أبا جعفرعليه‌السلام وعظّمه وقد أرسل خلفه فنون ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود وكان من عُبّاد أهل الكوفة فاستجاب له الإمامعليه‌السلام وسافر إلى دمشق فاستقبله عمر استقبالاً رائعاً واحتفى به وجَرَت بينهما أحاديث وبقي الإمام أيّاماً في ضيافته(١) .

ومن المراسلات ما جاء أنّه : كتب عمر للإمامعليه‌السلام بقصد الاختبار فأجابه الإمام برسالة فيها موعظة ونصيحة له(٢) ، ولكن سياسة الابتعاد عن الصدام المباشر لم تمنع الإمام الباقرعليه‌السلام من أن يقف من الأمة بشكل عام ومن الأمويين وهشام بن عبد الملك بشكل خاص موقف التحدّي الفكري والعقائدي والعلمي لبيان الحق المغتصب وكشف ستار الباطل الذي كان قد أسدله الحكّام على الحق ورموزه .

وحين حجّ هشام بن عبد الملك بن مروان سنة من السنين وكان قد حجّ في تلك السنة محمّد بن علي الباقرعليه‌السلام وابنه جعفر ، قال جعفر بن محمدعليه‌السلام في بعض كلامه :( الحمد لله الذي بعث محمّداً نبيّاً وأكرمنا به ، فنحن صفوة الله على خلقه وخيرته من عباده فالسعيد مَن اتّبعنا والشقيّ مَن خالفَنَا ، ومن الناس مَن يقول : إنّه يتولاَّنا وهو يتولّى أعدائنا ومَن يليهم من جلسائهم وأصحابهم ، فهو لم يسمع كلام ربّنا ولم يعمل به ) (٣) .

فبيّنعليه‌السلام مفهوم القيادة الإلهية ومصداقها الحقيقي الذي يمثّلها آنئذ .

وهذا الطرح وان كان فيه نوع مجابهة صريحة للحاكم وما يدور في

ـــــــــــــــــ

(١) تاريخ دمشق : ٥١/٣٨ .

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢/٣٠٥ .

(٣) دلائل الإمامة : ١٠٤ ـ ١٠٩ ، بحار الأنوار : ٤٦/٣٠٦ .

٤٩

أذهان الناس لكنّه لم يكن مغامرة ; لأنّ الظرف كان بحاجة إلى مثل هذا الطرح والتوضيح ، بالرغم من أنّه قد أدّى إلى أن يستدعي هشام الإمامين الباقر والصادقعليهما‌السلام إلى الشام فيما بعد .

٢ ـ إكمال بناء الجماعة الصالحة

لم تكن عملية بناء الجماعة الصالحة وليدة عصر الإمام الباقرعليه‌السلام فقد باشرها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم لإمام عليعليه‌السلام ، حيث نجد لأشخاص أمثال مالك الأشتر وهاشم المرقال ، ومحمد بن أبي بكر ، وحجر بن عدي ، وميثم التمّار ، وكميل بن زياد ، وعبد الله بن العباس ، دوراً كبيراً في الصراع الذي خاضه الإمام عليعليه‌السلام مع مناوئيه .

واستمرت عملية البناء بشكل فاعل في عصر الإمامين الحسن والحسينعليهما‌السلام ، ثم تقلّص النشاط المباشر في بناء هذه القاعدة وتوسيعها ، ثم استمرّت عملية البناء في العقود الأخيرة من حياة الإمام زين العابدينعليه‌السلام وتكاملت في عصر الإمام الباقرعليه‌السلام حيث سنحت الفرصة له بأن يتحرك نحو تطوير الجماعة الصالحة بتوضيح أهدافها التي تمثّلت في الدفاع عن المجتمع الإسلامي وحفظ الشريعة الإسلامية من التحريف إلى جانب توسيع القاعدة كمّاً مع تطويرها كيفاً .

ونقتصر فيما يلي على بعض ما قام به الإمام الباقرعليه‌السلام من خطوات :

الخطوة الأولى : أخذ الإمامعليه‌السلام يعمّق ويوضّح صفات الجماعة الصالحة الموالية لأهل البيتعليهم‌السلام ودورها في المجتمع ، فقد جاء في وصفه لهذه الجماعة قولهعليه‌السلام :( إنّما شيعتنا ـ شيعة علي ـالمتباذلون في ولايتنا المتحابّون في

٥٠

مودّتنا ، المتزاورون لإحياء أمرنا ، الذين إذا غضبوا لم يظلموا ، وإذا رضوا لم يسرفوا ، بركة على مَنْ جاوروا ، سلم لمَن خالطوا ) (١) ، وقال أيضاً :( شيعتنا من أطاع الله ) (٢) .

وبهذا أراد الإمامعليه‌السلام أن يرسّخ الكمالات الإنسانية في جانبي الأخلاق والعبادة التي تعرّضت للضياع طيلة سنوات المحنة ، ويوضّح أن الانتماء لخطّ أهل البيتعليهم‌السلام هو بالعمل والتحلّي بهذه الصفات .

الخطوة الثانية : قام الإمامعليه‌السلام ـ بالإضافة إلى توضيح مستوى الروح الإيمانية التي ينبغي أن يتَمتّع بها أفراد الجماعة الصالحة ـ بشحذِ هممها وتربيتها على روح الصبر والمقاومة لكي تمتلك القدرة على مواصلة العمل في سبيل الله ومواجهة التحدّيات المستمرّة وعدم التنازل أمام الإغراءات أو الضغوط الظالمة ، فقد جاء في كلامهعليه‌السلام لرجل حين قال له : والله إنّي لأحبّكم أهل البيت فقالعليه‌السلام :( فاتّخذ للبلاء ، جلباباً ، فو الله إنّه لأسرع إلينا وإلى شيعتنا من السيل في الوادي ، وبنا يبدو البلاء ثم بكم ، وبنا يبدو الرخاء ثم بكم ) (٣) .

هكذا رسم الإمامعليه‌السلام معالم الطريق الشائك أمامه ، إنّه طريق مفروش بالدماء والدموع ، والإمام رائد المسيرة على هذا الطريق يصيبه البلاء أوّلاً قبل أن يصيب شيعتَه .

وقد كان الإمامعليه‌السلام يذكّرهم بمعاناة الشيعة قبل هذا الظرف بقولهعليه‌السلام :( قتلت شيعتنا بكلّ بلدة وقُطِعت الأيدي والأرجل على الظنة وكان مَن يذكر بحبّنا والانقطاع إلينا سُجن ونُهب مالُه وهُدِمَت داره ) (٤) .

ومن الأعمال التي قام بها الإمامعليه‌السلام في بناء الجماعة الصالحة هو إلزام

ـــــــــــــــــ

(١) تحف العقول : ٢٩٥و ٣٠٠ .

(٢) تحف العقول : ٢٩٥و ٣٠٠ .

(٣) بحار الأنوار : ٤٦/٣٦٠ ، وأمالي الشيخ الطوسي : ٩٥ .

(٤) حياة الإمام الحسنعليه‌السلام دراسة وتحليل : ٢/٢٥٧ .

٥١

أتباعه وخاصّته بمبدأ التقية ؛ حفاظاً عليهم من القمع والإرهاب والإبادة التي طالما تعرّضوا لها وقد اعتبر هذا المبدأ من الواجبات الشرعية ذات العلاقة بالإيمان ، فكان يوصيِهم بالتقية قائلاً :( التقيّة ديني ودين آبائي ، ومَن لا إيمان له لا تقيّة له ) (١) .

ومن المبادئ التي تتداخل مع التقيّة : كتمان السرّ ، فقد جاء عنهعليه‌السلام في وصيّته لجابر بن يزيد الجعفي في أوّل لقاء له بالإمامعليه‌السلام : أن لا يقول لأحد أنّه من أهالي الكوفة ، وليظهر بمظهر رجل من أهل المدينة وجابر الجعفي هذا قد أصبح فيما بعد صاحب سرّ الإمامعليه‌السلام ، ولشدّة فاعليّته وتأثيره في الأمة أمر هشام بن عبد الملك واليه في الكوفة بأن يأتيه برأس جابر ، لكنّ جابراً قد تظاهر بالجنون قبل أن يصدر الأمر بقتله حسب إرشادات الإمام الباقرعليه‌السلام التي كانت تصله سرّاً ، فقد جاء في كتاب هشام إلى واليه : أن أُنظر رجلاً يقال له جابر بن يزيد الجعفي فاضرب عنقه وابعث إليَّ برأسه .

فالتفت إلى جلسائه فقال لهم : مَن جابر بن يزيد الجعفي ؟ قالوا : أصلحك الله ، كان رجلاً له علم وفضل وحديث وحجّ فجنّ وهو ذا في الرحبة مع الصبيان على القصب يلعب معهم .

قال : فأشرف عليه فإذا هو مع الصبيان يلعب على القصب فقال : الحمد لله الذي عافاني من قتله(٢) .

وكان في هذه المرحلة رجال كتموا تشيّعهم وما رسوا نشاطات مؤثرة في حياة الأمة فكرية وعسكرية وفقهية مع الاحتفاظ بعلاقاتهم ، فمن فقهاء الشيعة : سعيد بن المسيّب ، والقاسم بن محمد ، فقد كانا بارزين بين علماء ذلك العصر

ـــــــــــــــــ

(١) أصول الكافي : ٢/١٧٤ .

(٢) بحار الأنوار : ٤٦/٢٨٢ ، والكافي : ١/٣٩٦ .

٥٢

في الفقه وغيره إلاَّ أنّه لم تكن لهم صبغة التشيّع الصريح ، فقد شاع عن سعيد بن المسيّب أنّه كان يجيب أحياناً برأي غيره من علماء عصره أو برأي مَن سبقه من الصحابة ؛ مخافة أن يصيبه ما أصاب سعيد بن جبير ويحيى بن أم الطويل وغيرهما ممّن تعرّضوا للقتل والتشريد بسبب تشيّعهم .

وهذا موسى بن نصير من رجالات الكوفة العسكريين وزهّادها المؤمنين ممّن عرف بولائه لأهل البيتعليهم‌السلام هو وأبوه نصير ، ولقد غضب عليه معاوية إذ لم يخرج معه لصفِّين ، وموسى هو الذي فتح الفتوحات العظيمة في بلاد المغرب وكان تحت إمرته مولاه طارق بن زياد وولده عبد العزيز وبسبب تشيّعه غضب عليه سليمان بن عبد الملك وقبل أن يقتله عرّضه لأنواع العذاب فقتل ولده أمامه وألزمه بدفع مبلغ كبير(١) .

وكان لجابر الجعفي وزرارة وأبان بن تغلب وغيرهم دور بالغ في نجاح حركة الإمام الفكريّة ، وأصبحوا ـ فيما بعد ـ النواة لجامعته ، وبقي هؤلاء بعد وفاة الإمام الباقرعليه‌السلام بصحبة ولده الصادقعليه‌السلام ليمارسوا مسؤولياتهم بحجم أكبر كما سيأتي توضيحه .

٣ ـ تأسيس جامعة أهل البيت عليهم‌السلام

جاءت فكرة زرع البذرة الفكرية وتشكيل النواة الأولى لجامعة علمية إسلامية في هذهِ المرحلة كضرورة حضارية لمواجهة التحدّي الحاضر ونسف البنى الفكرية لكل الأطروحات السابقة التي وجدت من ظروف المحنة مناخاً مناسباً لبثّ أفكارها .

كما تأتي ضرورة وجود تيّار فكري يبلور الأفكار الإسلامية الأصيلة

ـــــــــــــــــ

(١) تاريخ اليعقوبي : ٢/٢٩٤ .

٥٣

ويعبّئ بها ذهن الأمة ويفوّت الفرصة على الظالمين في حالة تبدّل الظروف .

ويمكن تلخيص الأسباب التي شكّلت عاملاً مهمّاً في التهيئة لنجاح هذه الجامعة فيما يلي :

١ ـ لقد عُزلت الأمة عن تبني أفكار الأئمة من أهل البيتعليهم‌السلام وفقههم أكثر من قرن وبقيت تتناقله الخواص في هذه الفترة عن طريق الكتابة والحفظ شفاهاً وبالطرق السرّية .

٢ ـ في هذه الفترة طرحت على العالم الإسلامي تساؤلات فكريّة ومستجدّات كثيرة لم تمتلك الأمة لها حلاًّ بسبب اتّساع البلاد الإسلامية وتبدّل الظروف وحاجات المسلمين .

٣ ـ شعر المسلمون في هذا الظرف بأهمية البحث عن مبدأ فكري يتكفّل حلّ مشكلاتهم ; لأنّ النصّ المحرّف واجتهادات الصحابة أصبح متخلّفاً عن المواكبة ، بل أصبح بنفسه مشكلة أمام المسلم لتعارضه مع العقل والحياة .

٤ ـ في هذا العصر ظهرت مدارس فكرية متطرّفة مثل مدرسة الرأي القائلة بالقياس والاستحسان ، زاعمة أنّ للنصوص التي نقلت عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قليلة(١) لا تفي بالغرض ، الأمر الذي تسرّب فيه العنصر الذاتي للمجتهد ودخل الإنسان بذوقه الخاص إلى التشريع(٢) ، كما ظهرت مدرسة الحديث قِبال

ـــــــــــــــــ

(١) هذا في غير مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام الذين حرصوا على نقل تراث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وواجهوا منع تدوين السنّة النبوية بالحث على التدوين والنقل والتعليم ؛ لئلاَّ تندرس معالم الدين .

(٢) فقد عرف حسن أبي حنيفة أنّه لم يصح عنده من أحاديث الرسول الفقهية سوى سبعة حشر حديثاً راجع مقدمة ابن خلدون : ٣٧٢ .

٥٤

مدرسة الرأي والتي عرفت بالجمود على ظاهر النص ولم تتفرّغ لتمييز صحيح النصوص من غيره .

٥ ـ غياب القدوة الحسنة والجماعة الصالحة التي تشكّل مناخاً لنمو الفضيلة وزرع الأمل في نفوس الأمة باتّجاه الأهداف الربّانيّة .

في هذا الظرف الذي ذهب فيه الخوف واستطاع المسلم أن يبحث عن المعرفة وعن حل لمشكلاته الفكرية ، قام الإمام الباقرعليه‌السلام بتشكيل حلقاته العلمية في مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ؛ فكان وجودهعليه‌السلام مركز جذب لقلوب طلاب الحقيقة فالتفّ حوله صحابة أبيه الإمام زين العابدينعليه‌السلام ، وبدأ منذ ذلك الحين بالتركيز على بناء الكادر العلمي آملاً أن يواجه به المشكلات الفكرية التي بدأت تغزو الأمة المسلمة وكان يشكّل هذا الكادر فيما بعد الأرضية اللازمة لمشروع الإمام الصادقعليه‌السلام المرتقب ، فتناول الإمامعليه‌السلام أهمّ المشكلات الفكرية التي كان لها ارتباط وثيق بحياة الناس العقائدية والأخلاقية والسياسية .

وزجّ الإمام بكادره العلمي وسط الأمة بعد أن عبّأه بكل المؤهّلات التي تمكّنهُ من خوض المعركة الفكرية حينما قال لأبان بن تغلب :( اجلس في مسجد المدينة وافت الناس فإنّي أحبّ أن أرى في شيعتي مثلك ) (١) .

وعندما يدرك الأصحاب مغزى هدف الإمام من هذا التوجيه وضرورة الحضور مع الناس ؛ يتصدّى هؤلاء بأنفسهم لمعالجة المشكلات الفكرية وإبطال الشبه عن طريق الحوار والمناظرة حسب الخط الذي رسمه لهم الإمامعليه‌السلام في وقت سابق .

ـــــــــــــــــ

(١) اختيار معرفة الرجال للكشي ٢/٦٢٢ ، ح ٦٠٣ .

٥٥

قال عبد الرحمن بن الحجاج : كنّا في مجلس أبان بن تغلب فجاء شاب فقال له : يا أبا سعيد أخبرني كم شهد مع علي بن أبي طالب من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ وأدرك أبان مراده فانبرى قائلاً : كأنّك تريد أن تعرف عليّاً بمَن تبعه من أصحاب رسول الله ؟ فقال هو ذاك .

فأجابه أبان : والله ما عرفنا فضلهم ـ أي الصحابة ـ إلاَّ باتّباعهم إيّاه .

وتعميقاً لهذا التوجيه وبنفس السياق يبادر محبوب أهل البيت ولسانهم مؤمن الطاق ليواجه أفكار حركة الخوارج ويردّ على جرأتها في التشكيك بموقف الإمام عليعليه‌السلام من مسألة التحكيم(١) .

يدخل مؤمن الطاق على بعض زعماء الخوارج في الكوفة فيقول له : أنا على بصيرة من ديني وقد سمعتك تصف العدل فأحببت الدخول معك ، فيقول الخارجي لأصحابه إن دخل هذا معكم نفعكم.

فيقول له مؤمن الطاق : لِمَ تبرّأتم من عليّ بن أبي طالب واستحللتم قتله وقتاله ؟

يجيبه الخارجي : لأنّه حكّم الرجال في دين الله .

فيقول له : وكلَّ من حكّم في دين الله استحللتم قتله ؟

فيجيب الخارجي : نعم .

فيقول له : أخبرني عن الدين الذي جئت أُنظارك به لأدخل معك فيه ، إن غَلَبَتْ حجّتي حجّتك ، من يوقِفُ المخطئ منّا عن خطئه ويحكم للمصيب بصوابه ؟

فيشير الضحّاك إلى رجل من أصحابه ويقول : هذا هو الحكم بيننا .

ـــــــــــــــــ

(١) معجم رجال الحديث : ١/٢١ ـ ٢٢ وتنقيح المقال : ١/٤ .

٥٦

هنا يتوجّه مؤمن الطاق إلى مَن كان حاضراً من الخوارج ويقول : زعيمكم هذا قد حكّم في دين الله(١) وهكذا يفحمهم بحجّته البالغة ومنطقه القويم .

وقبل أن ننتهي من حياة الإمامعليه‌السلام نشير إلى ثلاث وقائع تاريخية لها صلة بالمرحلة التي سوف يتصدّى لها الإمام الصادقعليه‌السلام .

الواقعة الأولى : إنّ هشام بن عبد الملك هو واحد من الحكّام الأمويين الَّذين نصبوا العداوة لأهل البيت ، بل نراه قد زاد على غيره حتَّى أنّه على أثر الخطبة التي خطبها الإمام الصادقعليه‌السلام في مكة والتي أوضح فيها معنى القيادة ولمَن تكون القيادة ، يأمر هشام فور رجوعه إلى الشام بجلب الإمامين الباقر والصادقعليهما‌السلام إلى دمشق لغرض التنكيل بهما .

وبعد اللقاء بهشام تفوّق الإمام الباقرعليه‌السلام في البلاط الأموي في الحوار الذي أجراه مع هشام ثم حواره مع عالم النصارى في الشام ، يسمح لهما هشام بالرجوع إلى المدينة ولكنّه يأمر أمير ( مدين ) ـ وهي المدينة الواقعة في طريقهما ـ بإيذائهما فقد جاء في رسالته : إنّ ابن أبي تراب الساحر محمّد بن علي وابنه جعفر الكذابين فيما يظهران من الإسلام ، قد وردا عليّ فلمّا صرفتهما إلى يوم الدين مالا إلى القسسين والرهبان ، وتقربّا إليهم بالنصرانية فكرهت النكال لقربهما ، فإذا مرّا بانصرافهما عليكم فليناد في الناس : برئت الذمّة ممّن باعهما وشاراهما وصافحهما وسلّم عليهما ، ورأى أمير المؤمنين قتلهما ودوابّهما وغلمانهما لارتدادهما والسلام(٢) .

ولم يترك هشام الإمام الباقرعليه‌السلام حُرّاً يتحرّك في المدينة ، ولم يسترح

ـــــــــــــــــ

(١) الإمام الصادق والمذاهب الأربعة : ٢/ ٧٢ .

(٢) دلائل الإمامة : ١٠٤ ـ ١٠٩ وبحار الأنوار : ٤٦ ـ ٣٠٦ .

٥٧

من تواجده في الساحة الإسلامية حتَّى أقدم على قتله غيلةً بالسمّ سنة (١١٤هـ)(١) .

الواقعة الثانية : في هذهِ الفترة تحفّز زيد بن علي بن الحسينعليه‌السلام وصمّم على الثورة ضد هشام بن عبد الملك على أثر تصرّفات الأمويين ، ولا سيّما تصرّف هشام المهين بحق زيد ، والنيل من كرامته ، وما كان يفعله هشام بحق الشيعة بشكل خاص .

لقد دخل زيد على هشام فسلّم عليه بالإمرة فلم يردّ السلام إهانةً له ، بل أغلظ في الكلام ولم يفسح له في المجلس .

فقال زيد : السلام عليك يا أحول ، فإنّك ترى نفسك أهلاً لهذا الاسم فغضب هشام وجرت بينهما محاورة كان نصيب هشام فيها الفشل ، وخرج زيد وهو يقول : ما كره قومٌ حرّ السيوف إلاَّ ذلّوا .

وأمر هشام بردّه وقال له : اُذكر حوائجك ، فقال زيد : أما وأنت ناظر على أمور المسلمين فلا وخرج من عنده وقال : مَن أحبّ الحياة ذلّ(٢) .

ومضى زيد إلى الكوفة ثمّ خطّط للثورة واستشار بذلك الإمام الباقرعليه‌السلام .

قال الإمام الصادقعليه‌السلام :إنّ عمّي أتى أبي فقال إنّي أريد الخروج على هذا الطاغية .

ولمّا أزمع على الخروج أتاه جابر بن يزيد الجعفي فقال له : إنّي سمعت أخاك أبا جعفر يقول :إنّ أخي زيد بن علي خارج ومقتول وهو على الحق فالويل لمَن خذله ، والويل لمَن حاربه ، والويل لمَن يقتله فقال له زيد : يا جابر لم يسعني أن أسكت وقد خولف كتاب الله تعالى

ـــــــــــــــــ

(١) شذرات الذهب : ١/١٤٩ ، تاريخ بن الأثير : ٤/٢١٧ ، طبقات الفقهاء : ٣٦ .

(٢) تاريخ الطبري : حوادث سنة ( ١٢١ ) ، وتاريخ ابن عساكر : ٦ / ٢٢ ـ ٢٣ .

٥٨

وتحوكم بالجبت والطاغوت(١) .

الواقعة الثالثة : ولمّا قربت وفاة الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام دعا بأبي عبد الله جعفر الصادقعليه‌السلام فقال له :إنّ هذه الليلة التي وُعدت فيها ثم سلّم إليه الاسم الأعظم ومواريث الأنبياء والسلاح وقال له :يا أبا عبد الله ، الله الله في الشيعة فقال أبو عبد الله :لا تركتهم يحتاجون إلى أحد ... (٢) .

بهذا العرض ننتهي من تصوير حياة الإمام الصادق مع أبيه لتبدأ مرحلة تصدّيه للإمامة ، وبها يبدأ عصر جديد من العمل والجهاد والإصلاح .

ـــــــــــــــــ

(١) راجع تيسير المطالب : ١٠٨ ـ ١٠٩ .

(٢) إثبات الهداة : ٥/٣٣٠ .

٥٩

الباب الثالث :

وفيه فصول :

الفصل الأوّل : ملامح عصر الإمام الصادقعليه‌السلام .

الفصل الثاني : دور الإمامعليه‌السلام في تثبيت معالم الرسالة .

الفصل الثالث : دور الإمامعليه‌السلام في بناء الجماعة الصالحة .

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

الطّرفة التاسعة والعشرون

في زيادة ( شرح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام كيفيّة(١) تغسيله، وتسليمه لصحيفة(٢) من قد أجمع على ردّ أمره وتعطيله

عن موسى بن جعفر - يذكر فيه حديث )(٣) الصحيفة الّتي نزل بها جبرئيلعليه‌السلام على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بوصيّته إلى عليّ - فقال الكاظمعليه‌السلام : قال لي أبي: قال عليّ(٤) : فلمّا قرأت ما في الصحيفة فإذا فيها « يا عليّ(٥) ، غسّلني ولا يغسّلني غيرك »، قال(٦) : فقلت له(٧) : يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - بأبي أنت وأمّي - أنا أقوى على غسلك وحدي؟!

قال: بذا(٨) أمرني جبرئيلعليه‌السلام ، وبذلك أمره الله تعالى.

قال: فقلت له: فإن لم أقو على غسلك وحدي، فأستعين بغيري يكون معي؟

__________________

(١) في « أ » « د »: وكيفية

(٢) في « ج » « هـ » « و »: بصحيفة

(٣) ساقط من « ب »

(٤) جملة ( قال عليّ ) ساقطة من « ب »

(٥) لفظة ( عليّ ) ساقطة من « هـ »

(٦) ساقطة من « ب »

(٧) ساقطة من « ب »

في « ج » « هـ » « و »: فقلت لرسول الله بأبي أنت وأمّي

(٨) في « أ » « ب »: هكذا. والمثبت عن « هامش أ » وباقي النسخ

٢٠١

فقال جبرئيل: يا محمّد، قل لعليّ إنّ ربّك يأمرك أن تغسّل ابن عمّك؛ فإنّها(١) السنّة؛ لا يغسّل الأنبياء غير الأوصياء، وإنّما يغسّل كلّ نبي وصيّه من بعده، وهي(٢) من حجج الله لمحمّد(٣) على أمته فيما أجمعوا عليه من قطيعة ما أمرهم به.

واعلم يا عليّ، أنّ لك على(٤) غسلي أعوانا، نعم الأعوان والإخوان.

قال عليّ(٥) : فقلت: يا رسول الله، من هم بأبي أنت وأمّي؟

فقال: جبرئيل وميكائيل وإسرافيل، وملك الموت، وإسماعيل صاحب سماء(٦) الدّنيا عونا لك.

ثمّ قال عليّعليه‌السلام : فخررت لله(٧) ساجدا، وقلت(٨) : الحمد لله الذي جعل لي إخوانا وأعوانا هم أمناء الله.

ثمّ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عليّ(٩) ، أمسك هذه الصحيفة الّتي(١٠) كتبها القوم، وشرطوا فيها الشروط على قطيعتك وذهاب حقّك، وما قد أزمعوا(١١) عليه من الظّلم، تكون عندك؛ لتوافيني(١٢) بها غدا(١٣) وتحاجّهم بها.

__________________

(١) في « هـ »: فإنّ هذا السنّة

(٢) في « ب »: ومنّي

(٣) في « و »: إلى محمّد

(٤) في « ج »: على على غسلي. والظاهر أنها ( عليّ على غسلي )

(٥) جملة ( قال عليّ ) ساقطة من « ب »

(٦) في « ب »: السماء

(٧) لفظ الجلالة ساقط من « أ » « د »

(٨) في « ج » « د » « هـ » « و »: فقلت

(٩) ( يا عليّ ) ساقطة من « د »

(١٠) ساقطة من « ب »

(١١) في « أ » « ب »: أرفعوا

في « هامش أ » « ج » « د » « هـ »: أرمعوا. والمثبت عن « و »

(١٢) في « هامش أ » « د »: لتوافيهم

في « هـ »: لتوفيتي

(١٣) ساقطة من « د »

٢٠٢

الطّرفة الثلاثون

في وصيّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام بتكفينه وموضع ضريحه، وصفة صلاته وصلاة فاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام بواضح القول وصريحه

وعنه، عن أبيه، قال: كان فيما أوصى به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أن يدفن في بيته الّذي قبض فيه، ويكفّن بثلاثة أثواب؛ أحدها(١) يمان، ولا يدخل قبره غير عليّعليه‌السلام .

ثمّ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عليّ(٢) ، كن أنت وابنتي فاطمة والحسن والحسين، وكبّروا خمسا وسبعين تكبيرة، وكبّر خمسا وانصرف، وذلك بعد أن يؤذن لك في الصلاة - قال عليّعليه‌السلام : بأبي أنت وأمي، من يأذن(٣) لي بها(٤) ؟ قال: جبرئيل مؤذنك(٥) - قال: ثم من جاءك(٦) من أهل بيتي، يصلّون عليّ فوجا فوجا، ثمّ نساؤهم، ثمّ الناس بعد ذلك. قالعليه‌السلام : ففعلت.

__________________

(١) في « ب »: احدهما

(٢) قوله ( يا عليّ ) ساقط من « د »

(٣) في « هامش أ » « د »: من يؤذن

(٤) قوله ( لي بها ) ساقط من « د ». في « و »: من يأذن لنا. وهي غير واضحة القراءة والنقط في « هـ »، ولعلها: من يأذن غدا

(٥) ساقطة من « ب ». وفي « ج » « هـ » « و »: يؤذنك

(٦) في « هامش أ » « د » « هـ » « و »: جاء من اهل. أي أنّ الكاف ساقطة منها

٢٠٣

٢٠٤

الطّرفة الحادية والثلاثون

في إشارة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) إلى عليّعليه‌السلام في أيّ نواحي بيته يكون موضع مدفنه(٢) وتحقيقه بأنّ(٣) عائشة ليس لها شيء في مسكنه

و(٤) عنه، عن أبيه، قال(٥) : قال عليّ لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا رسول الله(٦) ، أمرتني أن أصيّرك في بيتك إن حدث بك حدث؟

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : نعم يا عليّ، بيتي قبري.

قال عليّعليه‌السلام فقلت: بأبي أنت وأمّي، فحدّ لي أيّ النواحي(٧) أصيّرك فيه؟

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّك(٨) ستخبر(٩) بالموضع وتراه.

فقالت له عائشة: يا رسول الله فأين أسكن أنا؟

__________________

(١) في « ب »: في الإشارة إلى عليّ

(٢) في « أ » « ب » « و »: دفنه

(٣) المثبت عن « أ » « د ». وفي باقي النسخ: فإنّ

(٤) الواو ساقطة من « ج » « د » « هـ »

(٥) ساقطة من « ب »

(٦) قوله ( يا رسول الله ) ساقط من « و »

(٧) في « ب »: نواحيه

(٨) ساقطة من « أ » « ب »

(٩) في « ب »: ستجير. وفي « هـ »: تستخبر. وفي « و »: تسخّر. وكلّها مصحّفة عمّا أثبتناه

٢٠٥

قال: تسكنين أنت بيتا من البيوت، إنّما(١) هو بيتي يا عائشة(٢) ، ليس لك فيه من الحقّ إلاّ ما لغيرك، فقرّي في بيتك ولا تبرّجي تبرّج الجاهليّة الأولى، وتقاتلي(٣) مولاك ووليّك ظالمة شاقّة(٤) ، وإنّك لفاعلة.

فبلغ ذلك من قوله(٥) عمر، فقال لابنته حفصة: مري عائشة لا تفاتحه في ذكر عليّعليه‌السلام ولا ترادّه(٦) ؛ فإنّه قد اشتهر(٧) فيه في حياته وعند موته، إنّما البيت بيتك لا ينازعك فيه أحد، فإذا قضت المرأة عدّتها من زوجها كانت أولى ببيتها؛ تسلك في(٨) أيّ المسالك شاءت.

__________________

(١) في « ج »: إنّما هي هو

في « هـ » « و »: اينما هي هو

(٢) ( يا عائشة ) ساقطة من « هـ »

(٣) في « ج » « و »: وتقابلي

(٤) في « د » « و »: مشاقّة

(٥) قوله ( من قوله ) ساقط من « د »

(٦) في « أ »: ولا تؤاذه. في « ب »: ولا تؤذه. في « هـ »: لا ترادّه، بسقوط الواو

(٧) في « أ »: استهتر. والمثبت عن « هامش أ » وباقي النسخ

(٨) في « ج »: تسلك إلى المسالك شاءت.

في « ب »: يسلك أيّ النساء لك شاءت. وهو مصحّف ( أي المسالك شاءت )

في « هـ » « و »: تسلك إلى أيّ المسالك شاءت

٢٠٦

الطّرفة الثانية والثلاثون

في مكاشفة الله للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) وهو يجود بنفسه(٢)، وذكره لطرف ممّا(٣) يتجدّد من الحادثات بعد دفنه في رمسه

وعنه، عن أبيه، عن جدّه محمّد بن عليّعليه‌السلام (٤) ، قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : بينما نحن عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يجود بنفسه، وهو مسجّى(٥) بثوب و(٦) ملاءة خفيفة على وجهه، فمكث ما شاء الله أن يمكث، ونحن حوله بين باك ومسترجع، إذ تكلّمصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ قال: ابيضّت وجوه واسودّت وجوه(٧) ، وسعد أقوام(٨) وشقي آخرون: سعد(٩) أصحاب الكساء الخمسة - أنا سيّدهم ولا فخر - عترتي(١٠) أهل بيتي السّابقون؛ أولئك(١١) المقرّبون،

__________________

(١) في « د » « هـ » « و »: في مكاشفة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله . وفي « أ »: في مكاشفة الله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله . وجعل حول لفظ الجلالة دائرة

(٢) في « د »: في نفسه

(٣) في « د »: ما. وفي « هـ » « و »: بما

(٤) من هنا إلى أوائل الآية ٢٠ من سورة الشورى في أواخر الطّرفة ٣٣ ساقط من « د »

(٥) في « هامش أ »: وهو مسجّى بثوب ملقى على وجهه

(٦) الواو ساقطة من « ج » « هـ » « و »

(٧) ساقطة من « هـ »

(٨) في « أ » « ب »: قوم. والمثبت عن « هامش أ » « ج » « هـ » « و »

(٩) ساقطة من « ج » « هـ » « و »

(١٠) في « ج »: عترتي عترتي

(١١) ساقطة من « هـ » « و ». وادخلت في متن « أ » عن نسخة

٢٠٧

يسعد(١) من اتّبعهم وشايعهم على ديني ودين آبائي، أنجزت موعدك يا ربّ إلى يوم القيامة في أهل بيتي.

اسودّت وجوه أقوام(٢) ، وتردّوا(٣) صمّاء مصمّين(٤) الى نار جهنّم أجمعين(٥) ، مرق النّغل الأوّل الأعظم، والآخر النغل الأصغر(٦) حسابهم على الله،( كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ ) (٧) ، والثالث والرّابع(٨) ، غلقت الرّهون(٩) ، واسودّت الوجوه(١٠) ؛ أصحاب الأموال، هلكت الأحزاب؛ قادت الأمّة بعضها بعضا(١١) إلى النار، كتاب دارس، وباب مهجور، وحكم بغير علم، مبغض عليّ وآل عليّ في النار، ومحبّ عليّ وآل عليّ في الجنّة، ثمّ سكتصلى‌الله‌عليه‌وآله .

__________________

(١) في « أ » « ب »: لسعد. والمثبت عن « هامش أ » « ج » « هـ » « و »

(٢) في « هامش أ »: قوم

(٣) في « ج » « هـ » « و »: ويردوا. وهي إمّا مصحّفة عمّا في المتن، أو عن ( يردون )

(٤) في « أ » « ب »: صمّاء مصمين. والظاهر أنّ الصحيح ( ظماء مظمئين )

في « ج » « هـ » « و »: صمّا مصمّين

(٥) ساقطة من « ج » « هـ » « و »

(٦) في « ب »: مرق الثقل الاول الاعظم وآخر الثقل الأصغر

في « و »: مزّق الثقل الأول الأعظم وأخّر الثقل الأصغر

(٧) الطور؛ ٢١

(٨) في « أ » « ب » « ج »: وثالث ورابع

في « هـ » « و »: ثالث ورابع. والمثبت عن « هامش أ »

(٩) في « أ » « ب »: غلقت الرسول

في « هامش أ »: فلقت الرهون

في « هـ »: تملّقت الرهون. والمثبت عن « ج » « و ».

(١٠) ساقطة من « ب »

(١١) ساقطة من « هـ » « و ». وادخلت في متن « أ » عن نسخة

٢٠٨

الطّرفة الثالثة والثلاثون

في صفة غسل عليّ للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) ، وشرح صلاة الملائكة وغيرهم عليه(٢) ، ودفنه والتعزية لعليّعليه‌السلام

وعنه، عن أبيه، قال: قال عليّعليه‌السلام : غسّلت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنا وحدي، وهو في قميصه، فذهبت أنزع عنه(٣) القميص، فقال جبرئيلعليه‌السلام : يا عليّ، لا تجرّد أخاك من قميصه؛ فإنّ الله لم يجرّده(٤) ، وتأيّد في الغسل(٥) ، فأنا أشاركك في ابن عمّك بأمر الله.

فغسّلته بالرّوح والرّيحان والرّحمة، والملائكة الكرام الأبرار الأخيار(٦) تشير لي(٧) وتمسك، وأكلّم(٨) ساعة بعد ساعة، ولا(٩) أقلّب منه عضوا إلاّ قلب لي.

__________________

(١) في « أ »: غسل علي على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

في « هـ » « و »: غسل عليّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

(٢) ساقطة من « ب »

(٣) ساقطة من « هـ »

(٤) ساقطة من « هـ »

(٥) في « هامش أ »: في غسله

(٦) أدخلت في متن « أ » عن نسخة

(٧) في « هامش أ » « هـ » « و »: تبشّرني

(٨) في « هامش أ »: وأكلّمهم

(٩) في « هامش أ »: وكلّما أردت أن أقلّب منه عضوا قلّبته الملائكة لي

٢٠٩

فلمّا فرغت من غسله وكفنه، وضعته على سريره وخرجت كما أمرت، فاجتمع له من(١) الملائكة ما سدّ الخافقين؛ فصلّى(٢) عليه ربّه والملائكة الكرام المقرّبون، وحملة عرشه الكريم، وما سبّح لله(٣) ربّ العالمين، وأنفذت جميع ما أمرت.

ثمّ واريته في قبره، فسمعت صارخا يصرخ من خلفي: يا آل تيم، و(٤) يا آل عديّ، و(٥) يا آل أميّة(٦) ،( وَجَعَلْناهُمْ ) (٧) ( أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ ) (٨) ، اصبروا آل محمّد تؤجروا، ولا تحزنوا(٩) فتؤزروا(١٠) ( مَنْ ) (١١) ( كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ ) (١٢) .

__________________

(١) ساقطة من « ب ». وهي موجودة في « ج » « هـ » « و ». و « هامش أ »

(٢) في « هـ » « و »: يصلّي

(٣) في « ب »: الله

(٤) ساقطة من « ج ». وهي في « هامش أ » وباقي النسخ

(٥) الواو عن « هامش أ » فقط

(٦) في « أ » « ب »: يا أميّة

في « ج » « هـ » « و »: يا آل أميّة

(٧) في « أ » « ب »: وخلافهم

في « ج » « هـ » « و »: وخلافتهم

في « هامش أ »: أنتم أئمّة تدعون إلى النار. وما أثبتناه موافقة للآية الكريمة

(٨) القصص؛ ٤١

(٩) في « هامش أ »: ولا تضجروا

في « هـ »: ولا تخرقوا

في « و »: ولا تحرّفوا

(١٠) في « ج » « و »: فتوازروا

(١١) إلى هنا ينتهي سقط النسخة « د »

(١٢) الشورى؛ ٢٠

٢١٠

خاتمة المؤلّف

قال مؤلّف هذا الكتاب: ولعلّ بعض من يقف على هذه الأسباب يقول: كيف تحدث(١) من أحد مخالفة هذه الوصيّة، بعد إيضاحها ونشرها(٢) ، وما قد أوردته(٣) من تحقيق أمرها؟

يقال له: أنت قد شهدت بمثل هذه الحال، وسهوت أو تعمّدت ترك الذّكر لشهادتك، وأنا أقول لك ما لا يبقي عندك شبهة فيما ذكرته عنك من غفلتك أو(٤) مكابرتك:

ألست تعلم أنت أنّ محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله (٥) سيّد المرسلين - ويشهد جميع المسلمين - و(٦) أنّ اليهود والنصارى كتموا وجحدوا نصّ موسى وعيسىعليهما‌السلام على محمّد(٧) خاتم النبيّينصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟! ولا ريب أنّهم أكثر عددا ممّن ستر وجحد(٨) النصّ على أمير المؤمنينعليه‌السلام .

أما تسمع نصّ(٩) الله - مالك الأوّلين والآخرين - على محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله في التوراة والإنجيل،

__________________

(١) في « هامش أ » « ج » « د » « هـ » « و »: تجدّدت

(٢) في « و »: وشرحها

(٣) في « أ »: وردته

في « هامش أ » « د »: ورد

(٤) في « د »: ومكابرتك

(٥) في « أ » « ج » « هـ » « و »: أنت ومحمّد

في « ب »: أنت محمّد. والمثبت عن « هامش أ » « د »

(٦) الواو عن « د » فقط. وقد أدخلت في متن « أ » عن نسخة

(٧) لفظة ( محمّد ) ساقطة من « ب ». وهي في « هامش أ » وباقي النسخ

(٨) في « د »: ممن جحد

(٩) ساقطة من « ب »

٢١١

وشهادته على اليهود والنّصارى - بصريح(١) القرآن الجليل - أنّهم وجدوه منصوصا عليه، وستروه وجحدوه أو كتموه(٢) .

وبالجملة(٣) ، فلم يقرّوا به ولا التفتوا إليه، فقال سبحانه وتعالى:( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ ) (٤) فجحدوا النصّ من الله على نبي(٥) هذا من جملة أوصاف رسالته، وكرهوا الانتفاع به، والتخفيف(٦) الحاصل من نبوّته؛ حسدا أو(٧) طلبا للرئاسة عليه(٨) أو(٩) لغير ذلك من الضّلال الّذي انتهت حالتهم(١٠) إليه، فكذا لا(١١) يستبعد ولا لمن هو دونه في التعداد(١٢) ، وارحم نفسك من خطر(١٣) المكابرة والعناد.

__________________

(١) في « أ » « ب »: لصريح

في « ج »: تصريح

في « د »: لصريح نصّ الجليل

(٢) قوله ( أو كتموه ) ساقط من « د »

(٣) في « د »: وفي الجملة

(٤) الأعراف؛ ١٥٧

(٥) في « أ » « د »: على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله . والمثبت عن « هامش أ » وباقي النسخ

(٦) في « د »: والتحقيق

(٧) قوله ( حسدا أو ) ساقطة من « د ». وأدخل في متن « أ » عن نسخة

في « ج » « هـ » « و »: حسدا وطلبا

(٨) ساقطة من « د ». وقد أدخلت في متن « أ » عن نسخة

في « د »: طلبا للرئاسة وذلك من الضلال

(٩) ساقطة من « هـ » « و »

(١٠) في « أ » « ب »: حالهم

(١١) ساقطة من « ب »

(١٢) في « هامش أ » « د » « هـ »: في المقدار

في « و »: في القدر

(١٣) ساقطة من « أ » « ب ». وهي في « هامش أ » وباقي النسخ

٢١٢

أولست - أيضا(١) - تروي أنت(٢) وجميع أهل الإسلام أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: ستفترق أمتي(٣) ثلاثا وسبعين فرقة، فرقة(٤) واحدة ناجية، واثنتان وسبعون(٥) في النار(٦) »؟!

فإذا كان الله ورسوله وأنت والمسلمون قد شهدوا أنّه ينجو من كلّ ثلاث وسبعين فرقة، فرقة(٧) واحدة، فهذه(٨) شهادة صريحة(٩) على أكثر المسلمين بالضّلال، ولا بدّ أن يكون النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كشف لهذه(١٠) الاثنتين وسبعين(١١) فرقة الضالّة(١٢) جميع ما ضلّوا عنه(١٣) على كلّ حال، وركّب(١٤) عليهم الحجّة لله وله على وجه لا يكون لهم(١٥) عذر يوم الحساب والسؤال(١٦) .

__________________

(١) ساقطة من « أ » « ب »

(٢) ساقطة من « ب »

(٣) المثبت عن « هامش أ » « د ». وفي باقي النسخ: أمّتي تفترق

(٤) ساقطة من « أ » « ج » « د » « هـ »

(٥) في « أ » « ب »: واثنتان والسبعون

(٦) انظر هذا الحديث في الملل والنحل ( ج ١؛ ٢١ )، العقد الفريد ( ج ٢؛ ٢٤٥ )، سنن الترمذي ( ج ٤؛ ١٣٤ / الباب ١٨ - الحديث ٢٧٧٨، ٢٧٧٩ )، سنن أبي داود ( ج ٤؛ ١٩٨ / كتاب السنة - الحديث ٤٥٩٦، ٤٥٩٧ )، سنن ابن ماجة ( ج ٢؛ ١٣٢١ / الباب ١٧ - الحديث ٣٩٩١، ٣٩٩٢، ٣٩٩٣ )

(٧) ساقطة من « ب »

(٨) في « ج »: أفهذه

(٩) ساقطة من « أ » « ب ». وهي في « هامش أ » وباقي النسخ

(١٠) في « ب »: كشف لهذه الأمّة الاثنتين وسبعين

(١١) في « ج » « هـ » « و »: الاثني وسبعين

في « د »: الاثني والسبعين

(١٢) في « هـ » « و »: الضلالة

(١٣) في « د » « هـ » « و »: منه

(١٤) في « ب »: وكتب

(١٥) في « هـ »: لا يكون أمر عذر. وكلمة ( لهم ) ساقطة من « و »

(١٦) ساقطة من « د » « و »

في « هـ »: والسماء

٢١٣

وهذا أعظم من الضّلال الّذي استبعدته(١) من العباد(٢) ، وعذر(٣) لعليّ وعترته حيث صبروا وأمسكوا عن الجهاد(٤) ، وعن منازعة من تغلّب عليهم عند عدم أهل النصرة والاجتهاد(٥) ، فإنّه لا تقوى الفرقة الواحدة لحرب(٦) اثنتين(٧) وسبعين فرقة(٨) ، وقد عذر القرآن من فرّ عن أكثر من اثنين(٩) بغير خلاف بين المسلمين.

و(١٠) الحمد لله على التوفيق لامتثال أوامر المعقول والمنقول، وحفظ وصايا الله والرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، في نوّاب رسوله(١١) وعترته و(١٢) قبول نصيحته، حمدا يوازي نعمه(١٣) .

تمّ الكتاب والحمد لله وحده، وصلّى الله على سيّد المرسلين، محمّد النبي وآله الطاهرين، وسلّم عليهم أجمعين، والحمد لله ربّ العالمين. ثمّ بلغ قبالا والحمد لله أوّلا وآخرا في سنة ٨٠٥ هجري.

تمّت صورة ما وجدته من نسخة هذا الكتاب الموسوم ب « طرف الأنباء والمناقب في شرف سيد الأنبياء والأطائب، وطرف من تصريحه وتنصيصه لخلافة عليّ بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه »، للسيّد السند، والحبر المعتمد، صاحب الكرامات

__________________

(١) في « هامش أ » « د »: استبعدت

(٢) في « أ » « د »: من العناد

(٣) في « هامش أ » « د »: والعداوة لعليّ

(٤) في « د »: عن جهاد ومنازعة من تغلب

(٥) ساقطة من « د »

(٦) في « ب »: محاربة

في « ج » « هـ » « و »: بحرب

(٧) في « ج » « د » « هـ » « و »: اثنين

(٨) عن « د » « و »

(٩) في « أ » « ب »: اثنتين

(١٠) في « د »: تمّ والحمد لله ...

(١١) جملة ( في نوّاب رسوله ) ساقطة من « ج » « د » « هـ » « و »

(١٢) في « أ » « ب »: في قبول

(١٣) جملة ( حمدا يوازي نعمه ) عن « د » « هـ » « و »

٢١٤

والمقامات الموصوف بالولد، في لسان الحجّة عجل الله فرجه، آية الله رضي الدين، جمال العارفين، عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد [ بن أحمد ] بن محمّد بن طاوس العلويّ الفاطمي الحسيني سلام الله عليه. وأنا أحقر عباد الله ابن زين العابدين محمّد حسين الأروميّه ئي ١٤ صفر سنه ١٣٤٧(١) .

__________________

(١) في « ب »: تمّ الكتاب والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وآله الطاهرين وسلّم عليهم أجمعين، والحمد لله ربّ العالمين، ثمّ بلغ قبالا والحمد لله أوّلا وآخرا سنة ٨٠٥. تمّت صورة ما وجدته من نسخة هذا الكتاب الشريف، الموسوم بكتاب « طرف من الانباء والمناقب في شرف سيّد الأنبياء والاطايب، وطرف من تصريحه بالوصية والخلافة لعليّ بن أبي طالب » للسيّد السند والحبر المعتمد، قطب رحى الفضائل ومركز دائرة الفواضل، صاحب الكرامات الباهرة والمقامات الفاخرة، الموصوف بالولد في لسان صاحب الزمان، والمفتوح له باب المشافهة مع الانس والجان، المنظور بالنظرة الرحيمة الربانيّة، وصاحب الدعوات المجابة، آية الله رضي الدين جمال العارفين عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن طاوس العلوي الفاطمي الحسني سلام الله عليه وصلواته. الاحقر محمّد عليّ الاوردبادي عفي عنه، كتب في مجالس آخرها عصر يوم الثلاثاء خامس شهر محرّم الحرام سنة ١٣٣٣ الف وثلاثمائة وثلاثة وثلاثين، مع اختلال الحال وقلة البال، من حوادث الزمان، وكروب الدهر الخوّان، وصلّى الله على سيدنا محمّد وآله الطاهرين، وسلم تسليما، وأعدّ لأعدائهم - أعداء الله - عذابا أليما، واستنسخته من نسخة سقيمة جدّا، ردية الخط، وصححت ما كتبت

يقول الفقير إلى رحمة ربّه عبد الرزاق بن السيد محمّد بن السيّد عباس بن السيّد حسن بن السيّد قاسم بن السيّد حسّون، الموسويّ نسبا، المقرّمي لقبا: هذا آخر ما وجدته من النسخة التي كتبت عليها نسختي، كتبت ذلك لنفسي رغبة فيما أعدّ الله من الثواب على خدمة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله . وقد وقع لي الفراغ منها بالساعة العاشرة من نهار الاربعاء، الثالث من ذي الحجة الحرام من سنة الألف والثلاثمائة والتاسعة والأربعين هجريّة، على صاحبها الف صلاة وتحية، ٣ ذي الحجة الحرام سنة ١٣٤٩ هـ

في « ج »: تمّ الكتاب والحمد لله وحده، وصلّى الله على سيد المرسلين، محمّد النبي وآله الطاهرين، وسلّم عليهم أجمعين، والحمد لله ربّ العالمين. فرغ نسخا يوم العاشر شهر محرم الحرام سنة ٩٨٧ سبع وثمانين وسبعمائة

في « د »: والحمد لله المعين على إتمام الإسلام بحب محمّد وأهل بيته عليه وعليهم الصلاة والسلام، حمدا يبقى ويدوم بتكرر الليالي والأيّام، وعلى ما وفّق الله سبحانه من إتمام هذه الرسالة الشريفة، وإيضاح الوصيّة الواضحة المنيفة. وقع الفراغ من نسخ هذه الرسالة الشريفة بتاريخ غرة ذي القعدة سنة -

٢١٥

__________________

ـ ١٠٨٤ على يد أقل العباد عملا وأكثرهم زللا، لكني أرجو بالله ومن ولاية آل محمّدعليهم‌السلام ، ارجو من الله العفو عن زللي، والقبول لعملي، وبلوغ أملي، وأسأل الله الكريم بحق محمّد وآله الطاهرينعليهم‌السلام ، أن يجعلني في سلك محبّيهم والفائزين بهم في الدارين ومن الناجين بهم في الكرّتين، وأن ينظمني في سلك شيعتهم، ويرحمني في مودّتهم ويحييني ويميتني على محبتهم، امين، آمين، اللهمّ آمين

في « هـ »: الحمد لله المعين على اتمام الاسلام بحب محمّد واهل بيته عليه و عليهم‌السلام ، حمدا يبقى ويتكرّر بكرّ الليالي وعن الايام، ولقد خصّصني الله سبحانه وتعالى هذه الشريفة المختومة

في « و »: الحمد لله المعين على إتمام الاسلام بحبّ محمّد وأهل بيته عليه و عليهم‌السلام ، حمدا يبقى ويتكرّر بكرور الليالي والأيام. تمّ كتاب « الطّرف » في ضحوة يوم الخميس التاسع من شوال سنة ١١١١

٢١٦

مقدمة التوثيقات

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمّد وإله الطيبين الطّاهرين.

وبعد، فهذا ما وعدنا به في مقدمة الكتاب من توثيقات مطالب ومرويات كتاب الطّرف، نبتدئ بتدوينها وتحريرها مستعينين بالله العلي العظيم، وقد اتّبعنا في تدوينها بعض الأسس التي لا مناص عن الإشارة إليها، وسمّينا هذه التوثيقات ب « التحف في توثيقات الطّرف »:

١ - البدء بتوثيق الطّرفة كاملة، ومن رواها من الأعلام، ثمّ الشروع بتوثيق مفردات مطالبها، كلّ على انفراد.

٢ - إنّ المقصود الأول هو التوثيق من كتب الخاصّة، فإن وثقنا من كتب العامة فلزيادة التثبّت؛ وللإلزام بالحجة، فإن اقتصرنا في بعض المواضع على التوثيق من كتب العامة فللتدليل على وجوده في كتب الخاصة من باب الأولى.

٣ - لم نراع قدم المصدر تأريخيا، بل قدّمنا أقرب النصوص متنا لما في متن الطّرفة.

٤ - حذفنا الكثير من أسانيد الروايات، وذلك للاختصار، ولأنّ الهدف المتوخّى هو التدليل على وجود مطالب الطّرف، بصرف النظر عن مقدار اعتبارها الإسنادي، على أنّ اغلب المصادر التي خرّجنا منها مطبوعة متداولة؛ فمن شاء البحث عن الأسانيد فليراجعها.

٥ - ذكرنا من المصادر الموثّقة ما يحصل معه الاطمئنان بصدور المطلب إجمالا، غير مدّعين الإحاطة والاستقصاء.

٢١٧

وختاما، فإننا رجونا بهذا الجهد المتواضع وجه الله، فإن كان الصواب حليفنا فمن الله التوفيق، وان وجد في الأثناء خلل فانه عن قصور لا تقصير، آملين أن تسعه عين الرضا.

قيس العطّار

٢١٨

الطّرفة الأولى

روى هذه الطّرفة بتمامها - عن كتاب الطّرف - العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٦٥؛ ٣٩٢، ٣٩٣ ) و ( ج ١٨؛ ٢٣٢، ٢٣٣ ) وهي باختصار في كتاب الصراط المستقيم ( ج ٢؛ ٨٨ ).

وهذه الطّرفة من مختصّات الكتاب، إلاّ أنّ هناك ما يدلّ على وجوب معرفة الأئمّةعليهم‌السلام والتسليم لهم ومبايعة الإمام القائم منهم بالأمر، كقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من مات ولا يعرف إمامه مات ميتة جاهليّة »(١) ، وكقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من مات وليس عليه إمام فميتته ميتة جاهلية »(٢) ، وكقول أحد الصادقين: « لا يكون العبد مؤمنا حتّى يعرف الله ورسوله والأئمّة كلّهم، وإمام زمانه ويردّ إليه ويسلّم له »(٣) ، فيدلّ على مبايعة خديجة لعليّ كلّ ما دلّ على وجوب معرفة الأئمّةعليهم‌السلام جميعا، ويدلّ عليها أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر بولايته عند إنذاره عشيرته الأقربين في أوائل البعثة، كما يدلّ عليها ما دلّ على إخلاص خديجة لعليّعليه‌السلام ومتابعتها له، كما يدلّ عليها ما دلّ على اشتراط الإيمان بولاية عليّعليه‌السلام ، وأنّ من لم يؤمن بولايته وولاية الأئمّةعليهم‌السلام من ولده فليس بمؤمن، وكذلك ما ثبت من أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لقّن فاطمة بنت أسد ولاية ولدها عليّعليه‌السلام عند دفنها، كما سيأتي في تخريجات باقي الطّرف.

__________________

(١) ينابيع المودّة ( ج ١؛ ١١٦ ) وانظر الإمامة والتبصرة ( ٨٢، ٨٣ ) والكافي ( ج ٢؛ ٢٠ )

(٢) الكافي ( ج ١؛ ٣٧٦ )

(٣) الكافي ( ج ١؛ ١٨٠ )

٢١٩

وكذلك النصّ الصريح في سؤال المؤمن في القبر عن ولاية عليّعليه‌السلام ، قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عليّ، إنّ أوّل ما يسأل عنه العبد بعد موته شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّدا رسول الله، وأنّك وليّ المؤمنين بما جعله الله وجعلته(١) .

فعمومات الأدلّة مع الفراغ من إيمان خديجة - وأنّها من سيدات نساء العالمين - يدلّ على أنّها بايعت إمام زمانها وأقرّت بالأئمّة الاثني عشرعليهم‌السلام .

وإسباغ الوضوء على المكاره، واليدين والوجه والذراعين، ومسح الرأس، ومسح الرجلين إلى الكعبين

يدلّ عليه قوله تعالى:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) (٢) .

وقد انعقد على هذا الوضوء إجماع الإماميّة تبعا لأئمّة أهل البيتعليهم‌السلام . انظر المقنع (٩) والمقنعة (٤٤) والانتصار ( ٢٠، ٢١ ) والناصريّات ( ٢٢١ / المسألة ٣١ ) والنهاية (١٤) والمبسوط ( ج ١؛ ٢٢ ) والخلاف ( ج ١؛ ٨٩ ) والمراسم (٣٧) والكافي لأبي الصلاح الحلبي (١٣٢) والسرائر ( ج ١؛ ١٠٢ ) وشرائع الإسلام ( ج ١؛ ٥١ ) والمعتبر ( ج ١؛ ١٤٦ ) وإرشاد الأذهان ١؛ ٢٢٣، والمختلف ( ج ١؛ ٢٩٣ ) ومنتهى المطلب ( ج ٢؛ ٦٠ ) وتذكرة الفقهاء ( ج ١؛ ١٦٨ ) والدروس ( ج ١؛ ٩٢ ) والمهذّب البارع ( ج ١؛ ١٣٢ ) والمسالك ( ج ١؛ ١١١ ). وغيرها من كتب فقه الإماميّة.

ولذلك ذهب إليه عبد الله بن عباس. انظر معاني القرآن للأخفش (٤٦٥) وتفسير الطبريّ ( ج ١٠؛ ٥٨ ) وأحكام القرآن لابن العربي ( ج ٢؛ ٥٧٧ ) وحجّة القراءات (٢٢٣) والمحلّى ( ج ٢؛ ٥٦ ) والمبسوط للسرخسي ( ج ١؛ ٨ ) ومعالم التنزيل للبغويّ ( ج ٢؛ ٢١٧ ) وتفسير الرازيّ ( ج ١١؛ ١٦١ ) والمغني لابن قدامة ( ج ١؛ ١٥٠ ) وفتح الباري

__________________

(١) ينابيع المودّة ( ج ١؛ ١١١ )

(٢) المائدة؛ ٦

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653