طرف من الأنباء والمناقب

طرف من الأنباء والمناقب9%

طرف من الأنباء والمناقب مؤلف:
المحقق: الشيخ قيس العطّار
الناشر: انتشارات تاسوعاء
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 653

طرف من الأنباء والمناقب
  • البداية
  • السابق
  • 653 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 210719 / تحميل: 6561
الحجم الحجم الحجم
طرف من الأنباء والمناقب

طرف من الأنباء والمناقب

مؤلف:
الناشر: انتشارات تاسوعاء
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

الفصل الثالث : الإمام الصادق في ظل جدّه وأبيهعليهم‌السلام

ملامح عصر الإمام زين العابدين ومواقفه

لقد واجه الإمام زين العابدينعليه‌السلام بعد استشهاد أبيه الحسينعليه‌السلام ما يلي :

١ ـ التعاطف مع أهل البيتعليهم‌السلام تعاطفاً كان يفتقد الوعي ويقتصر على الشعور الإيجابي بالولاء مع خلوّه عن الموقف العملي الجادّ .

٢ ـ ثورات انتقاميّة كانت تتحرّك نحو هدف محدود ، وثورات نفعية مصلحيّة ، ونشوء حركات منافقة ، وظهور وعّاظ السلاطين لإسباغ الشرعية على السلطة القائمة .

٣ ـ بروز ظاهرة الشعور بالإثم عند الأمة بسبب ما ارتكبته من خذلان لأبيه الحسين السبطعليه‌السلام لكن هذا الشعور كما هو معروف كان بلا ترشيد واضح ، والعقليات المدبّرة للثورة على الوضع القائم كانت تفكر بالثأر فحسب وهنا خطط الإمام زين العابدينعليه‌السلام لعمله على مرحلتين أو خطوتين :

الخطوة الأولى : تناول الإمامعليه‌السلام ظاهرة الشعور بالإثم وعمل على ترشيدها بعد أن عمّقها بشكل متواصل عبر تذكيره الأمة بمأساة كربلاء والمظالم التي لحقت بآل البيتعليهم‌السلام وقد استغرق هذا التذكير زمناً طويلاً ،

٤١

حيث حاول إعطاء ظاهرة الشعور بالإثم بُعداً فكرياً صحيحاً ليجعل منه أداة دفع وتأثير في عملية البناء والتغيير .

وبعد أن تراكم هذا الشعور شكّل في نهاية الأمر خزيناً داخلياً كانت لا تقوى الأمة أن تصبر عليه طويلاً ، وأصبح الإلحاح على مخرج تعبّر به الأمّة عن ألمها أمراً جدّياً ، حتَّى حدثت الثورة الكبرى وطبيعي أنّ هذا الجو المشحون الذي كان ينبئ بالثورة والإطاحة بالأمويين جعلهم يشددّون الرقابة على الإمام زين العابدينعليه‌السلام باعتباره الرأس المدبّر لهذه المطالبة ولكونه الوريث الشرعي للخلافة بعد أبيه الحسينعليه‌السلام ومن هنا كانت الحكومة الأموية تفسّر أيّ حركة تصدر من الإمامعليه‌السلام على أنّها تمهيد للثورة .

الخطوة الثانية : توزّع نشاط الإمامعليه‌السلام في هذه الخطوة على عدّة اتّجاهات .

الاتجاه الأوّل : قام الإمامعليه‌السلام ببلورة العواطف الهائجة وحاول أن يدفعها باتّجاه الفكر الصحيح ويضع لها الأسس العقائديّة ويجعل منها مقدمة لعملية التغيير التي ينشدها الإمامعليه‌السلام ، وقد تمثّلت في إيجاد الفكر الإسلامي الصحيح الذي طالما تعرّض للتشويه والتحريف ثم إعداد الطليعة الواعية التي تشعر بالمسؤولية وتكون أهلاً لحمل الأمانة الإلهيّة .

الاتّجاه الثاني : تحرّك الإمام زين العابدينعليه‌السلام انطلاقاً من مسؤوليته في حماية الإسلام وبقائه كشريعة دون تحريف وتشويه لمحتواه ضمن عدة نشاطات :

١ ـ النشاط الأول : واجه الإمامعليه‌السلام الحركات الانحرافية والفرق الضالّة والمغالية التي كانت تستهدف الفكر الإسلامي وتعتمد الإسرائيليات والنظريات الهندية واليونانية حول الكون والحياة في فهم القرآن والحديث

٤٢

الشريف ، وقام بنشر مختلف العلوم والفنون وتبيان الصيغة الصحيحة للعلاقات الاجتماعية والسياسية والأخلاقية التي كان قد أصابها الفساد ، كما يتّضح ذلك بجلاء في رسالته المعروفة برسالة الحقوق ، كما ساهم في حل المشاكل التي كانت تهدّد كرامة الدولة الإسلامية كما يلاحظ ذلك جليّاً فيما حدث في جوابه على رسالة ملك الروم حين هدّد الخليفة بالحصار الاقتصادي(١) .

النشاط الثاني : إنّ الأمويين كانوا قد ضيّقوا على حركة الإمامعليه‌السلام ونشاطه مع الأمة إلاَّ أنّ الإمامعليه‌السلام استخدم الدعاء سلاحاً للارتباط الفكري والمعنوي بها ، وحيث إنّ هذا السلاح لم يستهدف الأمويين مباشرة ، توفّر للإمامعليه‌السلام مجالٌ أوسع لمعالجة الظواهر المرضية والانحرافات الأخلاقية .

الاتّجاه الثالث : التأكيد على أهمية العمل الثوري ومكافحة الظلم والانحراف ، وإيقاد روح الجهاد التي كانت خمدت في الأمة عبر سنوات الانحراف ، كما يتجلّى ذلك في دعائه للمختار الذي طالب بثأر الحسين وكان على اتصال دائم بالإمامعليه‌السلام أثناء ثورته من خلال عمّه محمد ابن الحنفيّة .

الاتّجاه الرابع : لم يكن موقف الإمامعليه‌السلام من الحكّام موقف المواجهة والتحدّي المباشر ; إذ لو كان قد فعل الإمام زين العابدينعليه‌السلام ؛ ذلك لما كان يستطيع أن يحقق ما حققه من مكاسب في الأمة في مجال التربية ، ولما توفّرت أجواء سليمة وفرص واسعة لنشاط الإمام الباقرعليه‌السلام من بعده وللجماعة الصالحة التي ربّاها .

لكن هذا لا يعني أن الإمامعليه‌السلام لم يوضح رأيه في الحكومة فلم يترك

ـــــــــــــــــ

(١) البداية والنهاية : ٩/١٢٢ .

٤٣

الأمر ملتبساً على شيعته ، بل كانت للإمام زين العابدينعليه‌السلام مواقف مع الحكّام سوف نشير إلى بعض منها ، وكان هدفه منها إعطاء خطّ في التربية والتغيير حفاظاً على الشيعة من الضياع ; إذ لم تكن الجماعة الصالحة على سبيل المواجهة ولكنها كانت كافية في التحصين في تلك المرحلة على مستوى التربية والإعداد وتأسيساً لمستقبل سياسي أفضل .

ونستطيع أن نلاحظ موقف الإمامعليه‌السلام مع السلطة من خلال رسالته الجوابية إلى عبد الملك حين لامَ عبد الملك الإمامعليه‌السلام على زواجه بأمته التي كان قد أعتقها .

إنّ ردّ الإمامعليه‌السلام على عبد الملك كان يتضمّن تحدّياً للخليفة الذي كان يفكرّ بعقلية جاهلية ; فإنّ الإمامعليه‌السلام وضّح فيها الموقف الإسلامي الذي يلغي كل الامتيازات التي وضعتها الجاهلية بقولهعليه‌السلام :( فلا لؤم على امرئ مسلم إنَّما اللؤمُ لؤم الجاهلية ) .

يظهر هذا التحدّي ممَّا جاء في مصادر التأريخ من أن الخليفة الأموي بعد أن قرأها هو وابنه سليمان ، قال الابن : يا أمير المؤمنين لَشدَّ ما فخر عليك علي بن الحسين !! فردّ الخليفة على ابنه قائلاً : ( يا بنيّ لا تَقل ذلك فإنّها ألسن بني هاشم التي تَفلق الصخر وتغرف من بحر ، إنّ عليّ بن الحسين يا بني يرتفع من حيث يتّضع الناس(١) .

وفي هذا الجواب إشارة إلى أنّ المواجهة مع الإمام من قبل الخليفة لا تخدم سلطان بني أمية .

ومن مواقف الإمام زين العابدينعليه‌السلام تجاه السلطة أيضاً موقفه من

ـــــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار : ٤٦/١٦٥ ، والعقد الفريد : ٧/١٢١ .

٤٤

الزهري ذلك المحدث الذي كان مرتبطاً بالبلاط الأموي ـ فقَد أرسل إليه الإمامعليه‌السلام رسالة قَرعه فيها على شنيع فعله(١) ، وان كان قد علم الإمام بأنّه غارق إلى هامته في موائد السلطان ولهوه ، إلاَّ أنّها رسالة للأجيال .

ومن الأحاديث التي وضعها هذا الرجل دعماً لسياسة بني أمية حينما منعوا حج بيت الله الحرام لمّا كان ابن الزبير مسيطراً على الحرمين الشريفين ما رواه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : لا تشد الرحال إلاَّ إلى ثلاثة : مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى .

ملامح عصر الإمام محمد الباقرعليه‌السلام

استشهد الإمام زين العابدينعليه‌السلام سنة ( ٩٥ هـ ) في أيام حكم الوليد ابن عبد الملك وتوّلى الإمام محمد بن علي الباقرعليه‌السلام مسؤولية الإمامة بوصية من أبيه حيث أعلن عن إمامته أمام سائر أبنائه وعشيرته حين سلّمه صندوقاً فيه سلاح رسول اللهعليه‌السلام وقال له :( يا محمَّد هذا الصندوق فاذهب به إلى بيتك ، ثم قالعليه‌السلام :أما إنّه لم يكن فيه دينار ولا درهم ولكنه مملوءٌ علم ) (٢) .

إذن فهو صندوق يرمز لمسؤولية القيادة الفكرية والعلمية كما أنّ السلاح يرمز لمسؤولية القيادة الثورية .

وبالرغم من توالي الثورات التي تلت واقعة الطف والتي كان الإمام الباقرعليه‌السلام قد عاصرها جميعاً مع أبيهعليه‌السلام بقي موقف الأعمّ الأغلب من الناس الاستجابة لمنطق السيف الأموي إلى جانب القسم الآخر الذي آمن بأنّ الحكّام الأمويين يمثّلون الخلافة الإسلامية .

ـــــــــــــــــ

(١) تحف العقول : ٢٧٢ ـ ٢٧٧ .

(٢) بصائر الدرجات ٤/٤٤ و٤٨ ، وأصول الكافي ١/٣٠٥ وعنهما في بحار الأنوار : ٤٦/٢٢٩ .

٤٥

كما أنّه عاصر عمليات الهدم الفكري والتحريف والمسخ الثقافي الذي مارسه الأمويون بحق الرسالة والقيم الإسلامية .

وعند مجيء سليمان بن عبد الملك إلى الحكم بعد وفاة أخيه الوليد بن عبد الملك سنة ( ٩٦ هـ ) أصدر قرارات جديدة استراحت الأمة بسببها قليلاً حيث أمر بالتَنكيل ( بآل ) الحجاج بن يوسف الثقفي وطرد كلّ عمّاله وولاته(١) كما أطلق سراح المسجونين في سجون الحجّاج(٢) .

وفي سنة ( ٩٩ هـ ) تقلّد الحكم الأموي عمر بن عبد العزيز فازدادت الحريّات في مدّة خلافته القصيرة ، كما يراه بعض المؤرّخين ، كما أنّه عالج مشكلة الخراج التي قال عنها بأنّها سنّة خبيثة سنّها عمّال السوء(٣) .

وعامل العلويين معاملة خالف فيها أسلافه فقد جاء في كتابه لعامله على المدينة : ( فأقسم في ولد علي من فاطمة رضوان الله عليهم عشرة آلاف دينار فطالما تخطّتهم حقوقهم )(٤) ورَدَّ فدكاً ـ التي كان قد صادرها الخليفة الأوّل ـ على الإمام الباقرعليه‌السلام (٥) ورفع سبّ الإمام عليّعليه‌السلام الذي كان قد سنّه معاوية(٦) .

أمّا الناحية الفكرية : فتبعاً للتغيّرات السياسية نلمس تطوّراً في الجانب الفكري أيضاً ؛ فقد برزت في هذا الظرف تيارات فكريّة جديدة واتجّه الناس

ـــــــــــــــــ

(١) الكامل ، ابن الأثير : ٤/١٣٨ .

(٢) تاريخ ابن عساكر : ٤/٨٠ .

(٣) الكامل : ٥/٢٩ وتاريخ الطبري : ٨/١٣٩ .

(٤) مروج الذهب : ٣/١٩٤ .

(٥) الكامل : ٤/١٦٤ والمناقب : ٤/٢٠٧ وسفينة البحار : ٢/٣٧٢ .

(٦) انظر الفكر السامي ١/٢٧٦ عن صحيح مسلم ، وتاريخ اليعقوبي ٢/٢٢٣ و٢٣٠ و٢٣٥ و٣٠٥ ، وشرح النهج للمعتزلي ٥/٩٨ تاريخ الخميس : ٢/٣١٧ .

٤٦

للبحث والدرس وتلقّي المعرفة الإسلامية ورفع المنع الحكومي عن تدوين الحديث النبوي وبدأت تتميّز مدرسة أهل الحديث عن مدرسة أهل الرأي ومال الموالي من غير العرب إلى مدرسة أهل الرأي في الكوفة ، وتزعّم أبو حنيفة هذه المدرسة في حينها ضد مدرسة أهل الحديث في المدينة(١) .

وكنتيجة طبيعية للإخفاق الذي سجّلته الحركات الفكرية ، ظهرت فكرة الاعتزال التي نادى بها ( واصل بن عطاء ) في البصرة عندما اعتزل حلقة درس أستاذه ( الحسن البصري ) وهي تعتبر تعديلاً لفكرة الخوارج التي لم تلقَ رواجاً حينما قالت بكفر مرتكب الكبيرة(٢) ، والمرجئة التي قالت بأنّه لا تضر مع الإيمان معصية(٣) فقال واصل ( مؤسس اتّجاه الاعتزال والمتوفى في ١٣١هـ ) : إنّ صاحب الكبيرة ليس بمؤمن بإطلاق بل هو في منزلة بين منزلتين أي إنّ مرتكب الكبيرة ليس بمؤمن ولا كافر لكنّه فاسق والفاسق يستحق النار بفسقه(٤) .

هذه صورة مجملة عن الواقع الذي عايشه الإمام الصادقعليه‌السلام خلال مرحلة قيادة أبيه الباقرعليه‌السلام .

متطلّبات عصر الإمام الباقرعليه‌السلام

ونلخّص دور الإمام الباقرعليه‌السلام في ثلاثة خطوط أساسية :

الخط السياسي ، وإكمال بناء الجماعة الصالحة ، وتأسيس جامعة أهل البيتعليه‌السلام العلمية .

ـــــــــــــــــ

(١) ضحى الإسلام لأحمد أمين : ٢/١٧٨ .

(٢) الملل والنحل : ١/١٥٨ .

(٣) تاج العروس ، مادة رجأ .

(٤) الأغاني : ٧ / ١٥ .

٤٧

١ ـ الخط السياسي للإمام الباقر عليه‌السلام

لقد كان الخيار السياسي للإمام الباقرعليه‌السلام في فترة تصدّيه للإمامة هو الابتعاد عن الصدام والمواجهة مع الأمويين وهذا واضح من خلال تصريحه الذي تضمّن بياناً للجوّ السائد وحالة الأمة ومستوى وعيها آنذاك :( إنْ دَعَوْناهم لم يستجيبوا لنا ) (١) .

كما نجده فيما بعد يستوعب سياسة الانفتاح والاعتدال التي أبداها عمر ابن عبد العزيز ، سواء كان هذا الاعتدال بدافع ذاتي لعلاقته بالإمامعليه‌السلام ، أم بدافع الضغوط الخارجيّة وخوفه من انهيار الدولة الأموية .

إنّ الإمام قد رسم خطّه السياسي في هذه المرحلة بأسلوبين :

الأسلوب الأول : تصريح الإمامعليه‌السلام برأيه حول عمر بن عبد العزيز وحكومته قبل تصدّي عمر للخلافة فعن أبي بصير ، قال : كنت مع أبي جعفر الباقرعليه‌السلام في المسجد ودخل عمر بن عبد العزيز وعليه ثوبان ممصّران متكئاً على مولى له فقالعليه‌السلام :( لَيَلِيَنَّ هذا الغلام [ أي سوف يتولّى السُلطة ]فيظهر العدل ) (٢) .

ولكن الإمامعليه‌السلام قدح في ولايته باعتبار وجود مَن هو أولى منه .

الأسلوب الثاني : أسلوب المراسلة واللقاء فقد روي أنّ عمر بن

ـــــــــــــــــ

(١) الإرشاد ، للشيخ المفيد : ٢٨٤ .

(٢) سفينة البحار : ٢/١٢٧ .

٤٨

عبد العزيز كرّم الإمام أبا جعفرعليه‌السلام وعظّمه وقد أرسل خلفه فنون ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود وكان من عُبّاد أهل الكوفة فاستجاب له الإمامعليه‌السلام وسافر إلى دمشق فاستقبله عمر استقبالاً رائعاً واحتفى به وجَرَت بينهما أحاديث وبقي الإمام أيّاماً في ضيافته(١) .

ومن المراسلات ما جاء أنّه : كتب عمر للإمامعليه‌السلام بقصد الاختبار فأجابه الإمام برسالة فيها موعظة ونصيحة له(٢) ، ولكن سياسة الابتعاد عن الصدام المباشر لم تمنع الإمام الباقرعليه‌السلام من أن يقف من الأمة بشكل عام ومن الأمويين وهشام بن عبد الملك بشكل خاص موقف التحدّي الفكري والعقائدي والعلمي لبيان الحق المغتصب وكشف ستار الباطل الذي كان قد أسدله الحكّام على الحق ورموزه .

وحين حجّ هشام بن عبد الملك بن مروان سنة من السنين وكان قد حجّ في تلك السنة محمّد بن علي الباقرعليه‌السلام وابنه جعفر ، قال جعفر بن محمدعليه‌السلام في بعض كلامه :( الحمد لله الذي بعث محمّداً نبيّاً وأكرمنا به ، فنحن صفوة الله على خلقه وخيرته من عباده فالسعيد مَن اتّبعنا والشقيّ مَن خالفَنَا ، ومن الناس مَن يقول : إنّه يتولاَّنا وهو يتولّى أعدائنا ومَن يليهم من جلسائهم وأصحابهم ، فهو لم يسمع كلام ربّنا ولم يعمل به ) (٣) .

فبيّنعليه‌السلام مفهوم القيادة الإلهية ومصداقها الحقيقي الذي يمثّلها آنئذ .

وهذا الطرح وان كان فيه نوع مجابهة صريحة للحاكم وما يدور في

ـــــــــــــــــ

(١) تاريخ دمشق : ٥١/٣٨ .

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢/٣٠٥ .

(٣) دلائل الإمامة : ١٠٤ ـ ١٠٩ ، بحار الأنوار : ٤٦/٣٠٦ .

٤٩

أذهان الناس لكنّه لم يكن مغامرة ; لأنّ الظرف كان بحاجة إلى مثل هذا الطرح والتوضيح ، بالرغم من أنّه قد أدّى إلى أن يستدعي هشام الإمامين الباقر والصادقعليهما‌السلام إلى الشام فيما بعد .

٢ ـ إكمال بناء الجماعة الصالحة

لم تكن عملية بناء الجماعة الصالحة وليدة عصر الإمام الباقرعليه‌السلام فقد باشرها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم لإمام عليعليه‌السلام ، حيث نجد لأشخاص أمثال مالك الأشتر وهاشم المرقال ، ومحمد بن أبي بكر ، وحجر بن عدي ، وميثم التمّار ، وكميل بن زياد ، وعبد الله بن العباس ، دوراً كبيراً في الصراع الذي خاضه الإمام عليعليه‌السلام مع مناوئيه .

واستمرت عملية البناء بشكل فاعل في عصر الإمامين الحسن والحسينعليهما‌السلام ، ثم تقلّص النشاط المباشر في بناء هذه القاعدة وتوسيعها ، ثم استمرّت عملية البناء في العقود الأخيرة من حياة الإمام زين العابدينعليه‌السلام وتكاملت في عصر الإمام الباقرعليه‌السلام حيث سنحت الفرصة له بأن يتحرك نحو تطوير الجماعة الصالحة بتوضيح أهدافها التي تمثّلت في الدفاع عن المجتمع الإسلامي وحفظ الشريعة الإسلامية من التحريف إلى جانب توسيع القاعدة كمّاً مع تطويرها كيفاً .

ونقتصر فيما يلي على بعض ما قام به الإمام الباقرعليه‌السلام من خطوات :

الخطوة الأولى : أخذ الإمامعليه‌السلام يعمّق ويوضّح صفات الجماعة الصالحة الموالية لأهل البيتعليهم‌السلام ودورها في المجتمع ، فقد جاء في وصفه لهذه الجماعة قولهعليه‌السلام :( إنّما شيعتنا ـ شيعة علي ـالمتباذلون في ولايتنا المتحابّون في

٥٠

مودّتنا ، المتزاورون لإحياء أمرنا ، الذين إذا غضبوا لم يظلموا ، وإذا رضوا لم يسرفوا ، بركة على مَنْ جاوروا ، سلم لمَن خالطوا ) (١) ، وقال أيضاً :( شيعتنا من أطاع الله ) (٢) .

وبهذا أراد الإمامعليه‌السلام أن يرسّخ الكمالات الإنسانية في جانبي الأخلاق والعبادة التي تعرّضت للضياع طيلة سنوات المحنة ، ويوضّح أن الانتماء لخطّ أهل البيتعليهم‌السلام هو بالعمل والتحلّي بهذه الصفات .

الخطوة الثانية : قام الإمامعليه‌السلام ـ بالإضافة إلى توضيح مستوى الروح الإيمانية التي ينبغي أن يتَمتّع بها أفراد الجماعة الصالحة ـ بشحذِ هممها وتربيتها على روح الصبر والمقاومة لكي تمتلك القدرة على مواصلة العمل في سبيل الله ومواجهة التحدّيات المستمرّة وعدم التنازل أمام الإغراءات أو الضغوط الظالمة ، فقد جاء في كلامهعليه‌السلام لرجل حين قال له : والله إنّي لأحبّكم أهل البيت فقالعليه‌السلام :( فاتّخذ للبلاء ، جلباباً ، فو الله إنّه لأسرع إلينا وإلى شيعتنا من السيل في الوادي ، وبنا يبدو البلاء ثم بكم ، وبنا يبدو الرخاء ثم بكم ) (٣) .

هكذا رسم الإمامعليه‌السلام معالم الطريق الشائك أمامه ، إنّه طريق مفروش بالدماء والدموع ، والإمام رائد المسيرة على هذا الطريق يصيبه البلاء أوّلاً قبل أن يصيب شيعتَه .

وقد كان الإمامعليه‌السلام يذكّرهم بمعاناة الشيعة قبل هذا الظرف بقولهعليه‌السلام :( قتلت شيعتنا بكلّ بلدة وقُطِعت الأيدي والأرجل على الظنة وكان مَن يذكر بحبّنا والانقطاع إلينا سُجن ونُهب مالُه وهُدِمَت داره ) (٤) .

ومن الأعمال التي قام بها الإمامعليه‌السلام في بناء الجماعة الصالحة هو إلزام

ـــــــــــــــــ

(١) تحف العقول : ٢٩٥و ٣٠٠ .

(٢) تحف العقول : ٢٩٥و ٣٠٠ .

(٣) بحار الأنوار : ٤٦/٣٦٠ ، وأمالي الشيخ الطوسي : ٩٥ .

(٤) حياة الإمام الحسنعليه‌السلام دراسة وتحليل : ٢/٢٥٧ .

٥١

أتباعه وخاصّته بمبدأ التقية ؛ حفاظاً عليهم من القمع والإرهاب والإبادة التي طالما تعرّضوا لها وقد اعتبر هذا المبدأ من الواجبات الشرعية ذات العلاقة بالإيمان ، فكان يوصيِهم بالتقية قائلاً :( التقيّة ديني ودين آبائي ، ومَن لا إيمان له لا تقيّة له ) (١) .

ومن المبادئ التي تتداخل مع التقيّة : كتمان السرّ ، فقد جاء عنهعليه‌السلام في وصيّته لجابر بن يزيد الجعفي في أوّل لقاء له بالإمامعليه‌السلام : أن لا يقول لأحد أنّه من أهالي الكوفة ، وليظهر بمظهر رجل من أهل المدينة وجابر الجعفي هذا قد أصبح فيما بعد صاحب سرّ الإمامعليه‌السلام ، ولشدّة فاعليّته وتأثيره في الأمة أمر هشام بن عبد الملك واليه في الكوفة بأن يأتيه برأس جابر ، لكنّ جابراً قد تظاهر بالجنون قبل أن يصدر الأمر بقتله حسب إرشادات الإمام الباقرعليه‌السلام التي كانت تصله سرّاً ، فقد جاء في كتاب هشام إلى واليه : أن أُنظر رجلاً يقال له جابر بن يزيد الجعفي فاضرب عنقه وابعث إليَّ برأسه .

فالتفت إلى جلسائه فقال لهم : مَن جابر بن يزيد الجعفي ؟ قالوا : أصلحك الله ، كان رجلاً له علم وفضل وحديث وحجّ فجنّ وهو ذا في الرحبة مع الصبيان على القصب يلعب معهم .

قال : فأشرف عليه فإذا هو مع الصبيان يلعب على القصب فقال : الحمد لله الذي عافاني من قتله(٢) .

وكان في هذه المرحلة رجال كتموا تشيّعهم وما رسوا نشاطات مؤثرة في حياة الأمة فكرية وعسكرية وفقهية مع الاحتفاظ بعلاقاتهم ، فمن فقهاء الشيعة : سعيد بن المسيّب ، والقاسم بن محمد ، فقد كانا بارزين بين علماء ذلك العصر

ـــــــــــــــــ

(١) أصول الكافي : ٢/١٧٤ .

(٢) بحار الأنوار : ٤٦/٢٨٢ ، والكافي : ١/٣٩٦ .

٥٢

في الفقه وغيره إلاَّ أنّه لم تكن لهم صبغة التشيّع الصريح ، فقد شاع عن سعيد بن المسيّب أنّه كان يجيب أحياناً برأي غيره من علماء عصره أو برأي مَن سبقه من الصحابة ؛ مخافة أن يصيبه ما أصاب سعيد بن جبير ويحيى بن أم الطويل وغيرهما ممّن تعرّضوا للقتل والتشريد بسبب تشيّعهم .

وهذا موسى بن نصير من رجالات الكوفة العسكريين وزهّادها المؤمنين ممّن عرف بولائه لأهل البيتعليهم‌السلام هو وأبوه نصير ، ولقد غضب عليه معاوية إذ لم يخرج معه لصفِّين ، وموسى هو الذي فتح الفتوحات العظيمة في بلاد المغرب وكان تحت إمرته مولاه طارق بن زياد وولده عبد العزيز وبسبب تشيّعه غضب عليه سليمان بن عبد الملك وقبل أن يقتله عرّضه لأنواع العذاب فقتل ولده أمامه وألزمه بدفع مبلغ كبير(١) .

وكان لجابر الجعفي وزرارة وأبان بن تغلب وغيرهم دور بالغ في نجاح حركة الإمام الفكريّة ، وأصبحوا ـ فيما بعد ـ النواة لجامعته ، وبقي هؤلاء بعد وفاة الإمام الباقرعليه‌السلام بصحبة ولده الصادقعليه‌السلام ليمارسوا مسؤولياتهم بحجم أكبر كما سيأتي توضيحه .

٣ ـ تأسيس جامعة أهل البيت عليهم‌السلام

جاءت فكرة زرع البذرة الفكرية وتشكيل النواة الأولى لجامعة علمية إسلامية في هذهِ المرحلة كضرورة حضارية لمواجهة التحدّي الحاضر ونسف البنى الفكرية لكل الأطروحات السابقة التي وجدت من ظروف المحنة مناخاً مناسباً لبثّ أفكارها .

كما تأتي ضرورة وجود تيّار فكري يبلور الأفكار الإسلامية الأصيلة

ـــــــــــــــــ

(١) تاريخ اليعقوبي : ٢/٢٩٤ .

٥٣

ويعبّئ بها ذهن الأمة ويفوّت الفرصة على الظالمين في حالة تبدّل الظروف .

ويمكن تلخيص الأسباب التي شكّلت عاملاً مهمّاً في التهيئة لنجاح هذه الجامعة فيما يلي :

١ ـ لقد عُزلت الأمة عن تبني أفكار الأئمة من أهل البيتعليهم‌السلام وفقههم أكثر من قرن وبقيت تتناقله الخواص في هذه الفترة عن طريق الكتابة والحفظ شفاهاً وبالطرق السرّية .

٢ ـ في هذه الفترة طرحت على العالم الإسلامي تساؤلات فكريّة ومستجدّات كثيرة لم تمتلك الأمة لها حلاًّ بسبب اتّساع البلاد الإسلامية وتبدّل الظروف وحاجات المسلمين .

٣ ـ شعر المسلمون في هذا الظرف بأهمية البحث عن مبدأ فكري يتكفّل حلّ مشكلاتهم ; لأنّ النصّ المحرّف واجتهادات الصحابة أصبح متخلّفاً عن المواكبة ، بل أصبح بنفسه مشكلة أمام المسلم لتعارضه مع العقل والحياة .

٤ ـ في هذا العصر ظهرت مدارس فكرية متطرّفة مثل مدرسة الرأي القائلة بالقياس والاستحسان ، زاعمة أنّ للنصوص التي نقلت عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قليلة(١) لا تفي بالغرض ، الأمر الذي تسرّب فيه العنصر الذاتي للمجتهد ودخل الإنسان بذوقه الخاص إلى التشريع(٢) ، كما ظهرت مدرسة الحديث قِبال

ـــــــــــــــــ

(١) هذا في غير مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام الذين حرصوا على نقل تراث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وواجهوا منع تدوين السنّة النبوية بالحث على التدوين والنقل والتعليم ؛ لئلاَّ تندرس معالم الدين .

(٢) فقد عرف حسن أبي حنيفة أنّه لم يصح عنده من أحاديث الرسول الفقهية سوى سبعة حشر حديثاً راجع مقدمة ابن خلدون : ٣٧٢ .

٥٤

مدرسة الرأي والتي عرفت بالجمود على ظاهر النص ولم تتفرّغ لتمييز صحيح النصوص من غيره .

٥ ـ غياب القدوة الحسنة والجماعة الصالحة التي تشكّل مناخاً لنمو الفضيلة وزرع الأمل في نفوس الأمة باتّجاه الأهداف الربّانيّة .

في هذا الظرف الذي ذهب فيه الخوف واستطاع المسلم أن يبحث عن المعرفة وعن حل لمشكلاته الفكرية ، قام الإمام الباقرعليه‌السلام بتشكيل حلقاته العلمية في مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ؛ فكان وجودهعليه‌السلام مركز جذب لقلوب طلاب الحقيقة فالتفّ حوله صحابة أبيه الإمام زين العابدينعليه‌السلام ، وبدأ منذ ذلك الحين بالتركيز على بناء الكادر العلمي آملاً أن يواجه به المشكلات الفكرية التي بدأت تغزو الأمة المسلمة وكان يشكّل هذا الكادر فيما بعد الأرضية اللازمة لمشروع الإمام الصادقعليه‌السلام المرتقب ، فتناول الإمامعليه‌السلام أهمّ المشكلات الفكرية التي كان لها ارتباط وثيق بحياة الناس العقائدية والأخلاقية والسياسية .

وزجّ الإمام بكادره العلمي وسط الأمة بعد أن عبّأه بكل المؤهّلات التي تمكّنهُ من خوض المعركة الفكرية حينما قال لأبان بن تغلب :( اجلس في مسجد المدينة وافت الناس فإنّي أحبّ أن أرى في شيعتي مثلك ) (١) .

وعندما يدرك الأصحاب مغزى هدف الإمام من هذا التوجيه وضرورة الحضور مع الناس ؛ يتصدّى هؤلاء بأنفسهم لمعالجة المشكلات الفكرية وإبطال الشبه عن طريق الحوار والمناظرة حسب الخط الذي رسمه لهم الإمامعليه‌السلام في وقت سابق .

ـــــــــــــــــ

(١) اختيار معرفة الرجال للكشي ٢/٦٢٢ ، ح ٦٠٣ .

٥٥

قال عبد الرحمن بن الحجاج : كنّا في مجلس أبان بن تغلب فجاء شاب فقال له : يا أبا سعيد أخبرني كم شهد مع علي بن أبي طالب من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ وأدرك أبان مراده فانبرى قائلاً : كأنّك تريد أن تعرف عليّاً بمَن تبعه من أصحاب رسول الله ؟ فقال هو ذاك .

فأجابه أبان : والله ما عرفنا فضلهم ـ أي الصحابة ـ إلاَّ باتّباعهم إيّاه .

وتعميقاً لهذا التوجيه وبنفس السياق يبادر محبوب أهل البيت ولسانهم مؤمن الطاق ليواجه أفكار حركة الخوارج ويردّ على جرأتها في التشكيك بموقف الإمام عليعليه‌السلام من مسألة التحكيم(١) .

يدخل مؤمن الطاق على بعض زعماء الخوارج في الكوفة فيقول له : أنا على بصيرة من ديني وقد سمعتك تصف العدل فأحببت الدخول معك ، فيقول الخارجي لأصحابه إن دخل هذا معكم نفعكم.

فيقول له مؤمن الطاق : لِمَ تبرّأتم من عليّ بن أبي طالب واستحللتم قتله وقتاله ؟

يجيبه الخارجي : لأنّه حكّم الرجال في دين الله .

فيقول له : وكلَّ من حكّم في دين الله استحللتم قتله ؟

فيجيب الخارجي : نعم .

فيقول له : أخبرني عن الدين الذي جئت أُنظارك به لأدخل معك فيه ، إن غَلَبَتْ حجّتي حجّتك ، من يوقِفُ المخطئ منّا عن خطئه ويحكم للمصيب بصوابه ؟

فيشير الضحّاك إلى رجل من أصحابه ويقول : هذا هو الحكم بيننا .

ـــــــــــــــــ

(١) معجم رجال الحديث : ١/٢١ ـ ٢٢ وتنقيح المقال : ١/٤ .

٥٦

هنا يتوجّه مؤمن الطاق إلى مَن كان حاضراً من الخوارج ويقول : زعيمكم هذا قد حكّم في دين الله(١) وهكذا يفحمهم بحجّته البالغة ومنطقه القويم .

وقبل أن ننتهي من حياة الإمامعليه‌السلام نشير إلى ثلاث وقائع تاريخية لها صلة بالمرحلة التي سوف يتصدّى لها الإمام الصادقعليه‌السلام .

الواقعة الأولى : إنّ هشام بن عبد الملك هو واحد من الحكّام الأمويين الَّذين نصبوا العداوة لأهل البيت ، بل نراه قد زاد على غيره حتَّى أنّه على أثر الخطبة التي خطبها الإمام الصادقعليه‌السلام في مكة والتي أوضح فيها معنى القيادة ولمَن تكون القيادة ، يأمر هشام فور رجوعه إلى الشام بجلب الإمامين الباقر والصادقعليهما‌السلام إلى دمشق لغرض التنكيل بهما .

وبعد اللقاء بهشام تفوّق الإمام الباقرعليه‌السلام في البلاط الأموي في الحوار الذي أجراه مع هشام ثم حواره مع عالم النصارى في الشام ، يسمح لهما هشام بالرجوع إلى المدينة ولكنّه يأمر أمير ( مدين ) ـ وهي المدينة الواقعة في طريقهما ـ بإيذائهما فقد جاء في رسالته : إنّ ابن أبي تراب الساحر محمّد بن علي وابنه جعفر الكذابين فيما يظهران من الإسلام ، قد وردا عليّ فلمّا صرفتهما إلى يوم الدين مالا إلى القسسين والرهبان ، وتقربّا إليهم بالنصرانية فكرهت النكال لقربهما ، فإذا مرّا بانصرافهما عليكم فليناد في الناس : برئت الذمّة ممّن باعهما وشاراهما وصافحهما وسلّم عليهما ، ورأى أمير المؤمنين قتلهما ودوابّهما وغلمانهما لارتدادهما والسلام(٢) .

ولم يترك هشام الإمام الباقرعليه‌السلام حُرّاً يتحرّك في المدينة ، ولم يسترح

ـــــــــــــــــ

(١) الإمام الصادق والمذاهب الأربعة : ٢/ ٧٢ .

(٢) دلائل الإمامة : ١٠٤ ـ ١٠٩ وبحار الأنوار : ٤٦ ـ ٣٠٦ .

٥٧

من تواجده في الساحة الإسلامية حتَّى أقدم على قتله غيلةً بالسمّ سنة (١١٤هـ)(١) .

الواقعة الثانية : في هذهِ الفترة تحفّز زيد بن علي بن الحسينعليه‌السلام وصمّم على الثورة ضد هشام بن عبد الملك على أثر تصرّفات الأمويين ، ولا سيّما تصرّف هشام المهين بحق زيد ، والنيل من كرامته ، وما كان يفعله هشام بحق الشيعة بشكل خاص .

لقد دخل زيد على هشام فسلّم عليه بالإمرة فلم يردّ السلام إهانةً له ، بل أغلظ في الكلام ولم يفسح له في المجلس .

فقال زيد : السلام عليك يا أحول ، فإنّك ترى نفسك أهلاً لهذا الاسم فغضب هشام وجرت بينهما محاورة كان نصيب هشام فيها الفشل ، وخرج زيد وهو يقول : ما كره قومٌ حرّ السيوف إلاَّ ذلّوا .

وأمر هشام بردّه وقال له : اُذكر حوائجك ، فقال زيد : أما وأنت ناظر على أمور المسلمين فلا وخرج من عنده وقال : مَن أحبّ الحياة ذلّ(٢) .

ومضى زيد إلى الكوفة ثمّ خطّط للثورة واستشار بذلك الإمام الباقرعليه‌السلام .

قال الإمام الصادقعليه‌السلام :إنّ عمّي أتى أبي فقال إنّي أريد الخروج على هذا الطاغية .

ولمّا أزمع على الخروج أتاه جابر بن يزيد الجعفي فقال له : إنّي سمعت أخاك أبا جعفر يقول :إنّ أخي زيد بن علي خارج ومقتول وهو على الحق فالويل لمَن خذله ، والويل لمَن حاربه ، والويل لمَن يقتله فقال له زيد : يا جابر لم يسعني أن أسكت وقد خولف كتاب الله تعالى

ـــــــــــــــــ

(١) شذرات الذهب : ١/١٤٩ ، تاريخ بن الأثير : ٤/٢١٧ ، طبقات الفقهاء : ٣٦ .

(٢) تاريخ الطبري : حوادث سنة ( ١٢١ ) ، وتاريخ ابن عساكر : ٦ / ٢٢ ـ ٢٣ .

٥٨

وتحوكم بالجبت والطاغوت(١) .

الواقعة الثالثة : ولمّا قربت وفاة الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام دعا بأبي عبد الله جعفر الصادقعليه‌السلام فقال له :إنّ هذه الليلة التي وُعدت فيها ثم سلّم إليه الاسم الأعظم ومواريث الأنبياء والسلاح وقال له :يا أبا عبد الله ، الله الله في الشيعة فقال أبو عبد الله :لا تركتهم يحتاجون إلى أحد ... (٢) .

بهذا العرض ننتهي من تصوير حياة الإمام الصادق مع أبيه لتبدأ مرحلة تصدّيه للإمامة ، وبها يبدأ عصر جديد من العمل والجهاد والإصلاح .

ـــــــــــــــــ

(١) راجع تيسير المطالب : ١٠٨ ـ ١٠٩ .

(٢) إثبات الهداة : ٥/٣٣٠ .

٥٩

الباب الثالث :

وفيه فصول :

الفصل الأوّل : ملامح عصر الإمام الصادقعليه‌السلام .

الفصل الثاني : دور الإمامعليه‌السلام في تثبيت معالم الرسالة .

الفصل الثالث : دور الإمامعليه‌السلام في بناء الجماعة الصالحة .

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

عن الباقرعليه‌السلام :( وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ ) (١) يقول: الحقّ لأهل بيتك الولاية( إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ ) (٢) ويقول: بما ألقوه في صدورهم من العداوة لأهل بيتك والظلم بعدك وقال الله عزّ وجلّ لمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله :( قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ) (٣) قال: لو أنّي أمرت أن أعلمكم الذي أخفيتم في صدوركم من استعجالكم بموتي لتظلموا أهل بيتي من بعدي ....

وقد أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حذيفة بكتمان أسماء المنافقين الّذين علّمه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أسماءهم، ومنهم أصحاب العقبة الّذين أرادوا أن ينفّروا برسول الله ناقته. انظر كتاب سليم بن قيس (١٦٨) والتهاب نيران الأحزان (٢٩).

وسيأتي المزيد في هذا المعنى عند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « وكلّ أجاب وسلّم إليك الأمر وإنّي لأعلم خلاف قولهم » في الطّرفة السادسة عشر.

تبايع لله ولرسوله بالوفاء والاستقامة لابن أخيك إذن تستكمل الإيمان

انظر ما سيأتي في الطّرفة التاسعة، تحت عنوان « من صدّق عليّاعليه‌السلام ووازره وأطاعه ونصره فقد بلغ حقيقة الإيمان ».

عليّعليه‌السلام أمير المؤمنين

لم يسمّ الله ولا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أحدا بأمير المؤمنين سوى عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام . ففي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ٥٥ ) قال رجل للصادقعليه‌السلام : يا أمير المؤمنين، فقال: مه، إنّه لا يرضى بهذه التسمية أحد إلاّ ابتلي ببلاء أبي جهل.

وفي وسائل الشيعة / كتاب الحجّ - الباب ١٠٦ عن عمر بن زاهر، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام

__________________

(١) الشورى؛ ٢٤

(٢) الشورى؛ ٢٤

(٣) الأنعام؛ ٥٨

٢٤١

قال: سأله رجل عن القائمعليه‌السلام يسلّم عليه بإمرة المؤمنين؟ فقال: ذاك اسم سمّي به أمير المؤمنين لم يسمّ أحد قبله، ولا يسمّى به بعده إلاّ كافر.

وانظر في هذا المعنى تفسير العيّاشي ( ج ١؛ ٢٧٦ ) ووسائل الشيعة / كتاب الحجّ - الباب ١٠٦ بإسناد آخر، والتنزيل والتحريف لأحمد بن محمّد السياريّ، كما نقل عنه المجلسي في بحار الأنوار: ٨ / باب كفر الثلاثة ونفاقهم.

وحسبك في هذا المجال ما ألّفه السيّد ابن طاوس في كتابيه اليقين والتحصين، فإنّه أخرج اختصاص عليّعليه‌السلام بإمرة المؤمنين، وأنّه سمّي بذلك في زمان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يسمّ به أحد غيره، فأخرج في كتاب اليقين ٢٢٠ حديثا في ٢٢٠ بابا من طرق أبناء العامّة في ذلك، وأخرج في كتاب التحصين ٥٦ حديثا في ٥٦ بابا من طرق الشيعة. وقال تلميذه عليّ ابن عيسى الأربلي في كشف الغمّة ( ج ١؛ ٣٤٠ ): قد كان السعيد رضي الدين عليّ بن موسى ابن طاوسرحمه‌الله وألحقه بسلفه جمع في ذلك كتابا سمّاه « كتاب اليقين باختصاص مولانا عليّعليه‌السلام بإمرة المؤمنين »، ونقل ذلك ممّا يزيد على ثلاثمائة طريق. فيبدو أنّ الموجود منه ناقص، أو أنّ السيّد ابن طاوس لم يتمّه.

حمزة سيّد الشهداء

بصائر الدرجات (١٤١) وتفسير فرات ( ١٧٠، ٣٤٠ ) والمسترشد (٦١١) والخصال (٤١٢) والكافي ( ج ١؛ ٤٥٠ ) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ١٦٩ ) و ( ج ٣؛ ٢٣٣ ) وروضة الواعظين (٢٦٩) وتاريخ بغداد ( ج ٩؛ ٤٣٤ ) وينابيع المودّة ( ج ٢؛ ٦٩ ) ووسيلة المآل (١٥٣) وتذكرة الخواص (٢٢٤) ومناقب ابن المغازلي (١١٣) وإرشاد القلوب (٢٥٩).

وجعفر الطيّار في الجنّة

الكافي ( ج ١؛ ٤٥٠ ) ودلائل الإمامة (٢٥٦)، وتفسير فرات ( ١٧٠ و ٣٤٠ ) والمسترشد (٦١١) والخصال (٤١٢) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ١٦٩ )، وروضة الواعظين

٢٤٢

(٢٦٩) وتاريخ بغداد ( ج ٩؛ ٤٣٤ ) وينابيع المودّة ( ج ٢؛ ٦٩ ) ووسيلة المآل (١٥٣) وتذكرة الخواص (٢٢٤) ومقتل الحسين ( ج ١؛ ١٤٨ ) وكفاية الطالب (٣٨٧) ومناقب ابن المغازلي (١١٣).

وفاطمة سيّدة نساء العالمين [ من الأوّلين والآخرين ]

في أمالي الصدوق (٩٩) بسنده عن ابن عباس، في حديث طويل قال فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : وأمّا ابنتي فاطمة فإنّها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين ...

وانظر دلائل الإمامة (١١) والعمدة ( ٣٨٦، ٣٨٨ ) والخرائج والجرائح (١٩٤) وذخائر العقبى (٤٤)، ومناقب ابن المغازلي (٣٩٩)، وخصائص النسائي (١٢٠)، وصحيح مسلم ( ج ٧؛ ١٤٢ / باب فضائل فاطمةعليها‌السلام ) وحلية الأولياء ( ج ٢؛ ٤٢ ) والاستيعاب ( ج ٢؛ ٧٥٠ ) ومشكل الآثار ( ج ١؛ ٤٨ ) والمستدرك للحاكم ( ج ٣؛ ١٥٦ ) ونزل الأبرار (٤٥) وأسد الغابة ( ج ٥؛ ٥٢٢ ) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ١٦٩ ).

الحسن والحسينعليهما‌السلام سيّدا شباب أهل الجنّة

في عوالم العلوم ( ٤٩ / الحديث ١١ ) قال الحسن بن زياد العطّار: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام فقول رسول الله « الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة »؟ قال: هما والله سيّدا شباب أهل الجنّة من الأولين والآخرين.

وانظر فرائد السمطين ( ج ١؛ ٤٧ ) وخصائص النسائي ( ١٢٣، ١٢٤ ) وسنن الترمذيّ ( ج ٢؛ ٣٠٦، ٣٠٧ ) وكنز العمال ( ج ٦؛ ٢٢١ ) ووسيلة المآل (١٥٣) ومجمع الزوائد ( ج ٩؛ ٢٠١ ) ومسند أحمد ( ج ٣؛ ٣، ٦٢، ٨٢ ) و ( ج ٥؛ ٣٩١ ) وحلية الأولياء ( ج ٥؛ ٥٨، ٧١ ) وتاريخ بغداد ( ج ١؛ ١٤٠ ) و ( ٩؛ ٢٣١، ٢٣٢ ) و ( ج ١٠؛ ٩٠ ) وتاريخ دمشق ( ج ٧؛ ١٠٢ ) ومستدرك الحاكم ( ج ٣؛ ١٦٧، ٣٨١ ) والإصابة ( ج ١؛ ٢٦٦ ) و ( ج ٤؛ ١٨٦ ) ومجمع الزوائد ( ج ٩؛ ١٨٢ - ١٨٤، ١٨٧ ) وكنوز الحقائق (٨١) وذخائر العقبى ( ١٢٩، ١٣٠، ١٣٥ )

٢٤٣

والمسترشد (٦١١) والمناقب لابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ١٦٩ ) وتذكرة الخواص ( ٢٠٩، ٢٣٣ ) وبشارة المصطفى (٢٧٧) وكفاية الأثر ( ١٠٢، ١٢٤ ) وإرشاد القلوب (٢٥٩).

٢٤٤

الطّرفة الرابعة

فدعاهم إلى مثل ما دعا أهل بيته من البيعة رجلا رجلا فبايعوا، وظهرت الشحناء والعداوة من يومئذ لنا

يدلّ على هذه البيعة ما مرّ من شروط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليهم في بيعة العقبة.

وفي كنز جامع الفوائد ( ٢١٤، ٢١٥ ) عن الصادقعليه‌السلام في بعض رسائله: ليس موقف أوقف الله سبحانه نبيّه فيه ليشهده ويستشهده إلاّ ومعه أخوه وقرينه وابن عمّه ووصيّه، ويؤخذ ميثاقهما معا صلوات الله عليهما وعلى ذريتهما الطيّبين.

وفي أمالي الطوسي (١٥٥) بسنده على سلمان، قال: بايعنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على النصح للمسلمين والائتمام بعليّ بن أبي طالب والموالاة له. وهو في كشف الغمة ( ج ١؛ ٣٨٩ ) عن سلمان أيضا.

وفي إرشاد القلوب (٢٦٤) قول عليّعليه‌السلام لأبي بكر: وقد أخذصلى‌الله‌عليه‌وآله بيعتي عليك في أربعة مواطن - وعلى جماعة منكم فيهم عمر وعثمان - في يوم الدار وفي بيعة الرضوان تحت الشجرة، ويوم جلوسه في بيت أم سلمة، وفي يوم الغدير بعد رجوعه من حجة الوداع، فقلتم بأجمعكم: سمعنا وأطعنا لله ولرسوله وقال [ عمر ] بحضرتكم: بخ بخ يا بن أبي طالب.

ومعلوم أنّ الثلاثة لم يكونوا في بيعة الدار، وإنّما أرادعليه‌السلام ما بعدها مباشرة لتقارب الزمان واتحاد شروط البيعة لعليعليه‌السلام .

٢٤٥

ويدلّ على هذه البيعة نزول قوله تعالى:( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (١) . ففي أمالي الصدوق (٤٢٦) عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال: حدّثني أبي، عن آبائه، عن الحسين بن عليّعليهما‌السلام ، قال: اجتمع المهاجرون والأنصار إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا: إنّ لك يا رسول الله مؤونة في نفقتك وفيمن يأتيك من الوفود، وهذه أموالنا مع دمائنا، فاحكم فيها بارّا مأجورا، أعط ما شئت وأمسك ما شئت من غير حرج، فأنزل الله عزّ وجلّ عليه الروح الأمين فقال: يا محمّد( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (٢) يعني أن تودّوا قرابتي من بعدي، فخرجوا، فقال المنافقون: ما حمل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على ترك ما عرضنا عليه إلاّ ليحثّنا على قرابته من بعده، إن هو إلاّ شيء افتراه في مجلسه.

وفي الاختصاص (٦٣) عن الصادقعليه‌السلام ، عن آبائه أنّه قال: لمّا نزلت هذه الآية على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (٣) قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : فو الله ما وفى بها إلاّ سبعة نفر: سلمان وأبو ذرّ وعمّار والمقداد وجابر بن عبد الله ومولى لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقال له شبيب، وزيد بن أرقم.

وانظر تفسير فرات (٣٩٣) وتفسير القمّي ( ج ٢؛ ٢٧٥ ) وأسباب النزول (٢٥١) ومجمع البيان ( ج ٥؛ ٢٩ ) وينابيع المودّة ( ج ١؛ ٤٢، ٤٣ ) وقرب الإسناد (٧٨) ومناقب الخوارزمي (١٩٤) وشواهد التنزيل ( ج ٢؛ ٢٠٠ - ٢٠٢ / الحديثان ٨٣٥، ٨٣٦ ) وأمالي الصدوق: ٤٢٦.

وقد أخذ النبي العهد على المسلمين جميعا أن يفوا بالبيعة له؛ وجدّد عليهم ذلك مرارا قبيل وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ففي معاني الأخبار (٣٧٢) بسنده عن ابن عبّاس، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لمّا أنزل الله تبارك وتعالى:( وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ) (٤) : والله لقد خرج آدم من الدنيا

__________________

(١) الشورى؛ ٢٣

(٢) الشورى؛ ٢٣

(٣) الشورى؛ ٢٣

(٤) البقرة؛ ٤

٢٤٦

وقد عاهد قومه على الوفاء لولده شيث، فما وفي له، ولقد خرج نوح من الدنيا وعاهد قومه على الوفاء لوصيّه سام فما وفت أمّته، ولقد خرج إبراهيم من الدنيا وعاهد قومه على الوفاء لوصيّه إسماعيل فما وفت أمّته، ولقد خرج موسى من الدنيا وعاهد قومه على الوفاء لوصيّه يوشع بن نون فما وفت أمّته، ولقد رفع عيسى بن مريم إلى السماء وقد عاهد قومه على الوفاء لوصيّه شمعون بن حمون الصفا فما وفت أمّته، وإنّي مفارقكم عن قريب، وخارج من بين أظهركم، وقد عهدت إلى أمّتي في عليّ بن أبي طالب، وإنّها لراكبة سنن من قبلها من الأمم في مخالفة وصيّي وعصيانه، ألا وإنّي مجدّد عليكم عهدي في عليّ( فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ) (١)

وفي الاحتجاج ( ج ١؛ ٥٥ - ٦٦ ) بسنده عن أبي جعفر محمد بن عليّ الباقرعليه‌السلام ، في حديث طويل في احتجاج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الغدير على الخلق كلّهم، وفي غيره من الأيّام بولاية عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ومن بعده من ولده من الأئمة المعصومينعليهم‌السلام ، قال في أوائله: فلمّا وقفصلى‌الله‌عليه‌وآله بالموقف أتاه جبرئيلعليه‌السلام عن الله عز وجل، فقال: يا محمّد إنّ الله عزّ وجلّ يقرؤك السلام، ويقول لك: إنّه قد دنا أجلك ومدّتك، وأنا مستقدمك على ما لا بدّ منه ولا عنه محيص، فاعهد عهدك، وقدّم وصيّتك، واعمد إلى ما عندك من العلم، وميراث علوم الأنبياء من قبلك، والسلاح والتابوت، وجميع ما عندك من آيات الأنبياء، فسلّمه إلى وصيّك وخليفتك من بعدك؛ حجّتي البالغة على خلقي عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فأقمه للناس علما، وجدّد عهده وميثاقه وبيعته، وذكّرهم ما أخذت عليهم من بيعتي وميثاقي الذي واثقتهم، وعهدي الذي عهدت إليهم، من ولاية وليّي، ومولاهم ومولى كل مؤمن ومؤمنة، عليّ بن أبي طالب ....

فالواضح من هذه النصوص، ونصوص أخرى جمّة، أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان قد دعا الناس من قبلصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن أوّل بزوغ فجر الإسلام، إلى مبايعة عليّعليه‌السلام ، بعد بيعتهم لله ولرسوله،

__________________

(١) الفتح؛ ١٠

٢٤٧

وإنّما أخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يؤكّد ويكرّر وصاياه بعليعليه‌السلام والالتزام به، ويذكّر المسلمين بذلك مرارا عديدة، وفي أكثر من موطن، قبيل وفاته، ليؤكّد عليهم العهود والمواثيق التي بايعوه عليها، ويحذّرهم من نقضها بعد أن أبرمها الله ورسوله، فهذا ما جعلهصلى‌الله‌عليه‌وآله يؤكد ويذكّر بالعهد والميثاق مرارا وكرارا.

والّذي يدلّ على عداوتهم وبغضهم لعلي وأهل البيتعليهم‌السلام ما ثبت من حسدهم لعليعليه‌السلام ، وأنّهم كانوا يحسدونه على كلّ منقبة ويتشوفون لنيل فضيلة من فضائله فلا يبلغون ذلك، وقد أظهروا ذلك فيما بينهم وتعاقدوا عليه بعد بيعة الغدير كما سيأتي بيانه في الطّرفة السادسة عشر في قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « وكلّ أجاب وسلّم إليك الأمر وإنّي لأعلم خلاف قولهم »، وأظهروا ذلك علنا وفعلا بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسيأتي بيان ذلك في الطّرفة السادسة والعشرين في قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام : « فقد أجمع القوم على ظلمكم »، وما فعلوه من سحب عليّعليه‌السلام وتهديده بالقتل وحرق الدار وضرب جنب فاطمةعليها‌السلام ، وإسقاط جنينها، وغير ذلك من الأفعال الّتي أظهروا بها عداوتهم وشحناءهم.

وكان ممّا شرط عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن لا ينازع الأمر ولا يغلبه فمن فعل ذلك فقد شاق الله ورسوله

في نهج الحقّ (٢٦٠) قال: وفي مناقب الخوارزمي، عن أبي ذرّ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من ناصب عليّا الخلافة بعدي فهو كافر وقد حارب الله ورسوله.

وانظر ذيل إحقاق الحقّ ( ج ٧؛ ٣٣٠ ) حيث قال: « وأخرجه الموصلي في بحر المناقب »، ومناقب ابن المغازلي (٤٦) حيث زاد فيه « ومن شك في عليّ فهو كافر »، وكنوز الحقائق (١٥٦). وهو في ينابيع المودّة ( ج ٢؛ ٦ ) بلفظ « من قاتل عليّا على الخلافة فاقتلوه كائنا من كان » وقال: « أخرجه الديلمي ». وفي إرشاد القلوب (٢٣٦) نقل ما في مناقب الخوارزمي.

وفي تفسير القمّي ( ج ٢؛ ٢٧٥ ) عن الصادقعليه‌السلام - في قوله تعالى:( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ

٢٤٨

أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (١) - قال: أجر النبوّة أن لا تؤذوهم ولا تقطعوهم ولا تغصبوهم، وتصلوهم ولا تنقضوا العهد فيهم.

وفي سيرة ابن هشام ( ج ٢؛ ٤٥٤ ) عن عبادة بن الصامت - وكان أحد النقباء - قال: بايعنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيعة الحرب على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا ومنشطنا ومكرهنا وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله وانظره في الروض الأنف ( ج ٤؛ ١٣٥ ) وأنساب الأشراف ( ج ١؛ ٢٩٤ ).

وأسند الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل ( ج ١؛ ٢٧١ ) عن ابن عباس، قال: لمّا نزلت( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ) (٢) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من ظلم عليّا مقعدي هذا بعد وفاتي فكأنّما جحد نبوّتي ونبوّة الأنبياء قبلي. ورواه عنه البياضي في الصراط المستقيم ( ج ٢؛ ٢٧ ) والطبرسي في مجمع البيان ( ج ٤؛ ٥٣٤، ٥٣٥ ). وأسند ابن السراج في كتابه إلى ابن مسعود نحوه. انظر البرهان ( ج ٢؛ ٧٢ ) والصراط المستقيم ( ج ٢؛ ٢٧ ).

__________________

(١) الشورى؛ ٢٣

(٢) الأنفال؛ ٢٥

٢٤٩

٢٥٠

الطّرفة الخامسة

روى هذه الطّرفة - عن كتاب الطّرف - العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٢٢؛ ٢٧٩، ٢٨٠ ) و ( ج ٦٥؛ ٣٩٥، ٣٩٦ ) ونقلها باختصار العلاّمة البياضي في كتابه الصراط المستقيم ( ٢؛ ٨٩ ).

وقد تقدّم أن هذه الطّرفة من مختصّات الكتاب، وتقدّمت القرائن الّتي تشير إليها، وأن تجديد البيعة قبل شهادته كان ليجيب عن سؤال الملكين عن إمامة أمير المؤمنين، بعد قيام الأدلّة القطعيّة على أن المسلم مسئول في قبره عن ولاية أمير المؤمنين، وقد مرّ تلقين النبي فاطمة بنت أسد إمامته وولايتهعليه‌السلام .

الأئمّة من ذريته الحسن والحسين وفي ذريته

تقدم ذكر أسماء الأئمّةعليهم‌السلام عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن ذلك علم أنّهم من ذريّة عليعليه‌السلام ومن بعده من ذريّة الحسينعليه‌السلام . لكن ما نذكره هنا نذكره بألفاظ أخرى، وفيها التأكيد على أنّ التسعة من ولد الحسينعليه‌السلام .

ففي تقريب المعارف: ١٨٢ قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله للحسينعليه‌السلام : أنت إمام ابن إمام أخو إمام، أبو أئمّة حجج تسع، تاسعهم قائمهمعليهم‌السلام .

وفي ينابيع المودّة ( ج ١؛ ١٦٦ ): في مودّة القربى، عن سليم بن قيس، عن سلمان الفارسي، قال: دخلت على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإذا الحسين بن عليّعليهما‌السلام على فخذيه وهو يقبّل خدّيه ويلثم فاه، ويقول: أنت سيّد ابن سيّد أخو سيّد، وأنت إمام ابن إمام أخو إمام،

٢٥١

وأنت حجّة ابن حجّة أخو حجّة، وأنت أبو حجج تسعة تاسعهم قائمهمعليهم‌السلام .

وفي أمالي الطوسي (٣١٧) عن محمّد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر وجعفر بن محمّدعليهما‌السلام يقولان: إنّ الله تعالى عوّض الحسين من قتله أن جعل الإمامة في ذريته، والشفاء في تربته، وإجابة الدعاء عند قبره ....

وانظر التهاب نيران الأحزان (٢١) وينابيع المودّة ( ج ١؛ ١١٦ ) و ( ج ٣؛ ١٠١، ١٠٥، ١٦٢ ) وكفاية الأثر ( ١٠٩، ١١٨ ) وكمال الدين ( ج ١؛ ٢٨٢، ٣١٧ ) وأمالي الصدوق (٩٧) والخصال ( ٤٦٣، ٤٧٥، ٤٧٨، ٤٧٩، ٤٨٠ ) وعيون أخبار الرضا ( ج ١؛ ٥٣ ). ولا يكاد يخلو من هذا المعنى مصدر من مصادر الإماميّة في الإمامة.

وأنّ محمّدا وآله صلوات الله عليهم خير البريّة

في تفسير القمّي ( ج ٢؛ ٤٣٢ ) عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام ، في تفسير قوله تعالى:( أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) (١) قال: نزلت في آل محمّد.

وفي شواهد التنزيل ( ج ٢؛ ٤٧٠ ) عن جابر الأنصاري قال: بينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوما في مسجد المدينة وذكر بعض أصحابه الجنّة، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ لله لواء من نور وعمودا من زبرجد خلقها قبل أن يخلق السماوات بألفي سنة، مكتوب على رداء ذلك اللّواء « لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله، آل محمّد خير البريّة ».

وفي قادتنا ( ج ٧؛ ٤٣١ ) عن مناقب ابن مردويه، عن أبي دجانة الأنصاريّ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث: أنّ الله خلق لواء من نور، وعمودا من ياقوت، مكتوب على ذلك النور « لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله، آل محمّد خير البريّة ». وفي ينابيع المودّة ( ج ٣؛ ٧٢ ) عن أم هاني بنت أبي طالب، رفعته: أفضل البريّة عند الله من نام في قبره ولم يشك في عليّ وذريّته أنّهم خير البريّة.

__________________

(١) البيّنة؛ ٧

٢٥٢

وفوق هذا نرى الروايات من طرق الفريقين في أنّ عليّا، أو عليّا وشيعته هم خير البريّة، وفي هذا دلالة قطعيّة على أنّ آل محمّدعليه‌السلام خير البريّة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، مضافا إلى الروايات المتظافرة الصريحة في أنّ أئمّة أهل البيت: أفضل البشر بعد النبي.

ففي تفسير فرات ( ٥٨٣ - ٥٨٧ ) تسعة أحاديث في أنّ عليّا أو عليّا وشيعته هم خير البريّة، وفي شواهد التنزيل ( ج ٢؛ ٤٥٩ - ٤٧٤ ) ثلاثة وعشرون حديثا، وفي الدّر المنثور ( ج ٦؛ ٣٧٩ ) عدّة أحاديث. وانظر في ذلك تفسير الطبري ( ج ٣٠؛ ١٧١ ) والصواعق المحرقة ( ٩٦؛ ١٥٩ ) ونور الأبصار ( ٧٠، ١٠١، ١٠٥ ) ومناقب الخوارزمي (١٨٧) وكفاية الطالب ( ٢٤٤، ٢٤٦ ) ونظم درر السمطين (٩٢) وتاريخ دمشق ( ج ٢؛ ٤٤٢ / الحديث رقم ٩٥١ ) وفتح القدير ( ج ٥؛ ٤٦٤ ).

٢٥٣

٢٥٤

الطّرفة السادسة

روى هذه الطّرفة - عن كتاب الطّرف - العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٦٥؛ ٣٩٣ - ٣٩٥ ) ونقلها باختصار العلاّمة البياضي في الصراط المستقيم ( ج ٢؛ ٨٩ ). ونقل بعضها المحدث الحر العاملي في وسائل الشيعة ( ج ٩؛ ٥٥٢ / الحديث ١٢٦٩٤ ).

فأمّا بيعة أبي ذرّ وسلمان والمقداد لعليّعليه‌السلام بمحضر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فممّا لا يرتاب فيه، وقد ثبت وفاؤهم لعليّعليه‌السلام بالبيعة في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبعد وفاته، ويدلّ على ذلك نصوص ومواقف كثيرة.

ففي كتاب سليم بن قيس (١٢٣) قال عليّعليه‌السلام لطلحة: يا طلحة ألست قد شهدت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين دعا بالكتف ليكتب فيها ما لا تضل الأمّة وتختلف، فقال صاحبك ما قال، إنّ نبي الله يهجر، فغضب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قال: بلى قد شهدت، قال: فإنّكم لمّا خرجتم أخبرني بالّذي أراد أن يكتب فيها ويشهد عليها العامّة، فأخبره جبرئيل أنّ الله عزّ وجلّ قد علم من الأمّة الاختلاف والفرقة، ثمّ دعا بصحيفة فأملى عليّ ما أراد أن يكتب في الكتف، وأشهد على ذلك ثلاثة رهط: سلمان وأبا ذرّ والمقداد، وسمّى من يكون من أئمّة الهدى الذين أمر الله بطاعتهم إلى يوم القيامة، فسمّاني أوّلهم، ثمّ ابني الحسن ثمّ الحسين ثمّ تسعة من ولد ابني هذا، يعني الحسينعليه‌السلام . وانظر هذا الحديث في الاحتجاج ( ج ١؛ ١٥٣، ١٥٤ ) وأخرج بعضه الحمويني في فرائد السمطين ( ج ١؛ ٣١٢ - ٣١٨ ).

وفي تفسير فرات (٦٨) عن سليم بن قيس، عن عليّعليه‌السلام قال: إنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

٢٥٥

يقول في كلام طويل له: إنّ الله أمرني بحبّ أربعة رجال من أصحابي، وأخبرني أنّه يحبّهم والجنّة تشتاق إليهم، فقيل: من هم يا رسول الله؟ فقال: عليّ بن أبي طالب، ثمّ سكت، فقالوا: من هم يا رسول الله؟ فقال: عليّ بن أبي طالب، ثمّ سكت، فقالوا: من هم يا رسول الله؟ فقال: عليّ وثلاثة معه، وهو إمامهم وقائدهم ودليلهم وهاديهم، ولا ينثنون ولا يضلون ولا يرجعون ولا يطول عليهم الأمد فتقسو قلوبهم: سلمان وأبو ذرّ والمقداد.

وانظر في هذا ينابيع المودّة ( ج ١؛ ١٢٥ ) و ( ج ٢؛ ١٠٦، ١٠٨ ) وسنن الترمذيّ ( ج ٢؛ ٢٩٩ ) والمستدرك للحاكم ( ج ٣؛ ١٠٨، ١٣٠ ) ومسند أحمد ( ج ٥؛ ٣٥١ ) وحلية الأولياء ( ج ١؛ ١٩٠ ) ومجمع الزوائد ( ج ٩؛ ١٥٥ ) وتهذيب التهذيب ( ج ١٠؛ ٢٨٦ ) والاستيعاب ( ج ١؛ ٢٨٠ ) وكنز العمال ( ج ٦؛ ٤٢٨ ) وأمالي المفيد (١٢٤) وبشارة المصطفى (٢٤١) ومناقب ابن المغازلي (٢٩٠) وصحيح البخاري، قسم الكنى / ٣١، واختيار معرفة الرجال ( ج ١؛ ٤٦ ) والخصال ( ٢٥٣، ٢٥٤ ) والصواعق المحرقة (١٢٢) وتاريخ الخلفاء (١٦٩).

وفي الاختصاص (٦) عن الصادقعليه‌السلام قال: إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا قبض ارتدّ الناس على أعقابهم كفّارا إلاّ ثلاثة: سلمان والمقداد وأبو ذرّ الغفاريّ، إنّه لمّا قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جاء أربعون رجلا إلى عليّ بن أبي طالب، فقالوا: لا والله لا نعطي أحدا طاعة بعدك أبدا قال: فائتوني غدا محلّقين، قال: فما أتاه إلاّ هؤلاء الثلاثة، قال: وجاءه عمّار بن ياسر بعد الظهر ...

وفي الكافي ( ج ٨؛ ٢٤٥ ) عن الباقرعليه‌السلام : كان الناس أهل ردّة بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ ثلاثة، فقلت: ومن الثلاثة؟ فقال: المقداد بن الأسود وأبو ذرّ الغفاريّ وسلمان الفارسي، ثمّ عرف أناس بعد يسير.

وانظر في هذا سليم بن قيس (١٣٠) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ١٩٤ ) والتهاب نيران الأحزان (٥٩) وتفسير العيّاشي ( ج ١؛ ٢٢٣، ٣٣٣ ) والاختصاص أيضا (٦) والكافي أيضا ( ج ٨؛ ٢٥٣ ) واختيار معرفة الرجال ( ج ١؛ ٢٦ - ٣١، ٣٤، ٣٥، ٣٧، ٣٨، ٥١، ٥٢ ).

٢٥٦

وفي رجال الكشي ( ١؛ ٤١ )، وروضة الواعظين: ٢٨٢، والنص عن الاخير: عن الكاظمعليه‌السلام : إذا كان يوم القيامة ينادي مناد: أين حواري محمّد بن عبد الله رسول الله الّذين لم ينقضوا العهد ومضوا عليه؟ فيقوم سلمان والمقداد وأبو ذرّ.

وفي أمالي الصدوق: ٥٣ قال أبو ذرّ: أشهد لعليّ بالولاء والوصيّة وبمثل ذلك سلمان الفارسي والمقداد. ومثله في المسترشد (٢٧٠).

الكافي ( ج ١؛ ٤٢٦ ) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ٩٦ ) عن الصادقعليه‌السلام في قوله تعالى:( وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ ) (١) قال: ذلك حمزة وجعفر وعبيدة وسلمان وأبو ذرّ والمقداد وعمّار هدوا إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام .

وفي تفسير فرات (٥٧٧) عن الصادقعليه‌السلام - في قوله تعالى:( إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ) (٢) - قال: المؤمنون هم سلمان والمقداد وعمّار وأبو ذرّ،( فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ) (٣) هو أمير المؤمنين.

وفي تفسير القمّي ( ج ١؛ ٣٠٣ ) عن الباقرعليه‌السلام في قوله( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ ) (٤) وهم النقباء أبو ذرّ والمقداد وسلمان وعمّار ومن آمن وصدّق وثبت على ولاية أمير المؤمنين.

وانظر مبايعة سلمان لعليّعليه‌السلام وإقراره به وبجميع الأئمة عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في دلائل الإمامة ( ٢٣٧، ٢٣٨ ). وانظر سؤالهرحمه‌الله النبي عن الوصي في المسترشد: ٢٦٢ و ٥٨٠، وتاريخ دمشق ( ج ١؛ ١٣٠ ).

وفي الاحتجاج ( ج ١؛ ٤٥ ) قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : وإن جبرئيل عن الله تعالى يقول: يا محمّد، سلمان والمقداد أخوان متصافيان في ودادك ووداد عليّ أخيك ووصيّك وصفيّك ....

__________________

(١) الحجّ؛ ٢٤

(٢) التين؛ ٦

(٣) التين؛ ٦

(٤) التوبة؛ ١٠٠

٢٥٧

وطاعته طاعة الله ورسوله والأئمّة من ولده

في بشارة المصطفى (١٥١) عن عليّعليه‌السلام ، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول ...: أنت يا عليّ والأئمّة من بعدك سادة أمّتي، من أحبّنا فقد أحبّ الله، ومن أبغضنا فقد أبغض الله، ومن والانا فقد والى الله، ومن عادانا فقد عادى الله، ومن أطاعنا فقد أطاع الله، ومن عصانا فقد عصى الله. وانظر نفس المصدر: ٢٠.

وفي أمالي الصدوق (٤٣٥) عن أبي ذرّ الغفاريّ، قال: كنّا ذات يوم عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في مسجد قبا، ونحن نفر من أصحابه، إذ قال: معاشر أصحابي يدخل عليكم من هذا الباب رجل هو أمير المؤمنين وإمام المسلمين، قال: فنظروا وكنت فيمن نظر، فإذا نحن بعلي بن أبي طالبعليه‌السلام قد طلع، فقام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فاستقبله وعانقه وقبّل ما بين عينيه، وجاء حتّى أجلسه إلى جانبه، ثمّ أقبل علينا بوجهه الكريم، فقال: هذا إمامكم من بعدي، طاعته طاعتي، ومعصيته معصيتي، وطاعتي طاعة الله، ومعصيتي معصية الله. وانظر نفس المصدر ( ٢٨٩، ٥١٠ ).

وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ٢٠٣ ) قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عليّ من أطاعك فقد أطاعني، ومن أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاك فقد عصاني، ومن عصاني فقد عصى الله.

وفي مناقب ابن المغازلي: ١١٥ في حديث مناشدة عليّعليه‌السلام يوم الشورى، وفيه قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : طاعته كطاعتي ومعصيته كمعصيتي.

وانظر الاحتجاج ( ج ١؛ ١٥٣ ) ومناقب الخوارزمي ( ٣٦، ٤٣، ٢٢٢ ) وفرائد السمطين ( ج ١؛ ١٧٩، ٣١٦، ٣١٨، ٣٣٢ ) ومستدرك الحاكم ( ج ٣؛ ١٢١، ١٢٨ ) والفتوح ( ج ١؛ ٤٥٦ ) وتاريخ دمشق ( ج ٢؛ ١٨٨ / الحديث ٦٧١ ) ونهج الحق (١٠٩) ودلائل الصدق ( ج ٢؛ ٤٩٨ ) وينابيع المودّة ( ج ١؛ ٨٠ ) و ( ج ٢؛ ٨٢ ) وأمالي الطوسي (٥٥٢) وكشف الغمّة ( ج ١؛ ٣٨٧ ) والرياض النضرة ( ج ٢؛ ١٦٧ ) وجواهر المطالب ( ج ١؛ ٦٦ ) رواه عن أبي ذر، ثم قال: « خرّجه أبو بكر الاسماعيلي في معجمه وخرّجه الخجندي »، ونزل الأبرار ( ٥٥، ٥٦ ).

٢٥٨

وأنّ مودّة أهل بيته مفروضة واجبة على كلّ مؤمن ومؤمنة

تقدّم ما يتعلّق بهذا المطلب في صدر الطّرفة الرابعة، وأنّ المنافقين استاءوا من ذلك.

وبقي أن نثبت هنا أن أهل البيتعليهم‌السلام المفروضة مودّتهم هم عليّ وفاطمة والحسن والحسين، والأئمّة من ولد عليّ وفاطمةعليهم‌السلام .

ففي مجمع البيان ( ج ٥؛ ٢٩ ) في تفسير( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (١) : وروى إسماعيل بن عبد الخالق، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه قال: إنّها نزلت فينا أهل البيت أصحاب الكساء. رواه في الكافي ( ج ٨؛ ٩٣ ).

وفي مستدرك الحاكم ( ج ٣؛ ١٧٢ ) عن السجادعليه‌السلام ، قال: خطب الحسن بن عليّعليهما‌السلام على الناس حين قتل عليّعليه‌السلام فقال: وأنا من أهل البيت الذين افترض الله مودّتهم على كلّ مسلم، فقال تبارك وتعالى لنبيّه:( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (٢) . وذكر هذا الحديث الطبريّ في ذخائر العقبى (١٣٨) والهيثمي في مجمع الزوائد ( ج ٩؛ ١٤٦ ) وابن حجر في الصواعق المحرقة (١٠١). وقال الطبرسي في مجمع البيان ( ج ٥؛ ٢٩ ) « وصح عن الحسنعليه‌السلام أنّه خطب الناس » ثم ساق الحديث.

وفي تفسير فرات (٣٨٩) عن ابن عبّاس، قال: لمّا نزلت هذه الآية( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (٣) قالوا: يا رسول الله من قرابتك الذين افترض الله علينا مودّتهم؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : عليّ وفاطمة وولدهما.

وانظر هذا المعنى بلفظ « عليّ وفاطمة وولدهم » أو « عليّ وفاطمة وولدها » أو « عليّ وفاطمة وابناهما » في حيلة الأولياء ( ج ٣؛ ٢٠١ ) وتفسير الفخر الرازيّ ( ج ٢٧؛ ١٦٦ ) وكشف الغمّة ( ج ١؛ ٣٢٤ ) وتفسير ابن كثير ( ج ٤؛ ١١٢ ) والمعجم الكبير ( ج ٣؛ ٣٩ / الحديث ١١٣ من ترجمة الإمام الحسنعليه‌السلام ) وفي ( ج ٣؛ ١٥٢ ) في ترجمة عبد الله بن عباس،

__________________

(١) الشورى؛ ٢٣

(٢) الشورى؛ ٢٣

(٣) الشورى؛ ٢٣

٢٥٩

ومجمع الزوائد ( ج ٧؛ ١٠٣ ) و ( ج ٩؛ ١٦٨ ) وكفاية الطالب (٩٠) والكشّاف ( ج ٢؛ ٣٣٩ ) وذخائر العقبى (٢٥) ونور الأبصار (١٠١) والصواعق المحرقة (١٠١) ومناقب ابن المغازلي ( ٣٠٧ الحديث ٣٥٢ ) وانظر شواهد التنزيل ( ج ٢؛ ١٨٩ - ١٩٦ ) ففيه سبعة أحاديث في ذلك، وتفسير فرات ( ٣٨٩ - ٣٩١ ) ففيه خمسة أحاديث في ذلك وهي برقم ٥١٦، ٥١٧، ٥١٨، ٥١٩، ٥٢٠، وخصائص الوحي المبين ( ٨١ - ٨٥ ) ففيه ثلاثة أحاديث، في الفصل الخامس / الأحاديث رقم ٥٠، ٥٣، ٥٧.

وفي تفسير فرات ( ٣٩١، ٣٩٢ ) عن حكيم بن جبير أنّه قال: سألت عليّ بن الحسين بن عليّعليهم‌السلام عن هذه الآية( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (١) قال: هي قرابتنا أهل بيت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وفي تفسير الطبريّ ( ج ٢٥؛ ١٦ ) روى بسنده عن أبي الديلم، قال: لمّا جيء بعليّ بن الحسين أسيرا فأقيم على درج دمشق، قام رجل من أهل الشام فقال: الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم وقطع قرني الفتنة، فقال له عليّ بن الحسينعليهما‌السلام : أقرأت القرآن؟ قال: نعم، قال: أقرأت حم؟ قال: قرأت القرآن ولم أقرأ آل حم؟! قال: ما قرأت( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (٢) ؟ قال: وإنّكم لأنتم هم؟ قالعليه‌السلام : نعم. وذكره ابن حجر في الصواعق المحرقة (١٠١) وقال: « أخرجه الطبراني ». وأخرجه السيوطي في الدّر المنثور ( ج ٦؛ ٧ ).

وفي أسد الغابة ( ج ٥؛ ٣٦٧ ) قال: روى حكيم بن جبير، عن حبيب بن أبي ثابت، قال: كنت أجالس أشياخا لنا، إذ مرّ علينا عليّ بن الحسينعليهما‌السلام ، وقد كان بينه وبين أناس من قريش منازعة في امرأة تزوّجها منهم لم يرض منكحها، فقال أشياخ الأنصار: ألا دعوتنا أمس لما كان بينك وبين بني فلان؟! إنّ أشياخنا حدّثونا أنّهم أتوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا: يا محمّد ألا نخرج إليك من ديارنا ومن أموالنا لما أعطانا الله بك وفضّلنا بك وأكرمنا بك؟

__________________

(١) الشورى؛ ٢٣

(٢) الشورى؛ ٢٣

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653