طرف من الأنباء والمناقب

طرف من الأنباء والمناقب9%

طرف من الأنباء والمناقب مؤلف:
المحقق: الشيخ قيس العطّار
الناشر: انتشارات تاسوعاء
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 653

طرف من الأنباء والمناقب
  • البداية
  • السابق
  • 653 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 210722 / تحميل: 6561
الحجم الحجم الحجم
طرف من الأنباء والمناقب

طرف من الأنباء والمناقب

مؤلف:
الناشر: انتشارات تاسوعاء
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

الفصل الثالث : الإمام الصادق في ظل جدّه وأبيهعليهم‌السلام

ملامح عصر الإمام زين العابدين ومواقفه

لقد واجه الإمام زين العابدينعليه‌السلام بعد استشهاد أبيه الحسينعليه‌السلام ما يلي :

١ ـ التعاطف مع أهل البيتعليهم‌السلام تعاطفاً كان يفتقد الوعي ويقتصر على الشعور الإيجابي بالولاء مع خلوّه عن الموقف العملي الجادّ .

٢ ـ ثورات انتقاميّة كانت تتحرّك نحو هدف محدود ، وثورات نفعية مصلحيّة ، ونشوء حركات منافقة ، وظهور وعّاظ السلاطين لإسباغ الشرعية على السلطة القائمة .

٣ ـ بروز ظاهرة الشعور بالإثم عند الأمة بسبب ما ارتكبته من خذلان لأبيه الحسين السبطعليه‌السلام لكن هذا الشعور كما هو معروف كان بلا ترشيد واضح ، والعقليات المدبّرة للثورة على الوضع القائم كانت تفكر بالثأر فحسب وهنا خطط الإمام زين العابدينعليه‌السلام لعمله على مرحلتين أو خطوتين :

الخطوة الأولى : تناول الإمامعليه‌السلام ظاهرة الشعور بالإثم وعمل على ترشيدها بعد أن عمّقها بشكل متواصل عبر تذكيره الأمة بمأساة كربلاء والمظالم التي لحقت بآل البيتعليهم‌السلام وقد استغرق هذا التذكير زمناً طويلاً ،

٤١

حيث حاول إعطاء ظاهرة الشعور بالإثم بُعداً فكرياً صحيحاً ليجعل منه أداة دفع وتأثير في عملية البناء والتغيير .

وبعد أن تراكم هذا الشعور شكّل في نهاية الأمر خزيناً داخلياً كانت لا تقوى الأمة أن تصبر عليه طويلاً ، وأصبح الإلحاح على مخرج تعبّر به الأمّة عن ألمها أمراً جدّياً ، حتَّى حدثت الثورة الكبرى وطبيعي أنّ هذا الجو المشحون الذي كان ينبئ بالثورة والإطاحة بالأمويين جعلهم يشددّون الرقابة على الإمام زين العابدينعليه‌السلام باعتباره الرأس المدبّر لهذه المطالبة ولكونه الوريث الشرعي للخلافة بعد أبيه الحسينعليه‌السلام ومن هنا كانت الحكومة الأموية تفسّر أيّ حركة تصدر من الإمامعليه‌السلام على أنّها تمهيد للثورة .

الخطوة الثانية : توزّع نشاط الإمامعليه‌السلام في هذه الخطوة على عدّة اتّجاهات .

الاتجاه الأوّل : قام الإمامعليه‌السلام ببلورة العواطف الهائجة وحاول أن يدفعها باتّجاه الفكر الصحيح ويضع لها الأسس العقائديّة ويجعل منها مقدمة لعملية التغيير التي ينشدها الإمامعليه‌السلام ، وقد تمثّلت في إيجاد الفكر الإسلامي الصحيح الذي طالما تعرّض للتشويه والتحريف ثم إعداد الطليعة الواعية التي تشعر بالمسؤولية وتكون أهلاً لحمل الأمانة الإلهيّة .

الاتّجاه الثاني : تحرّك الإمام زين العابدينعليه‌السلام انطلاقاً من مسؤوليته في حماية الإسلام وبقائه كشريعة دون تحريف وتشويه لمحتواه ضمن عدة نشاطات :

١ ـ النشاط الأول : واجه الإمامعليه‌السلام الحركات الانحرافية والفرق الضالّة والمغالية التي كانت تستهدف الفكر الإسلامي وتعتمد الإسرائيليات والنظريات الهندية واليونانية حول الكون والحياة في فهم القرآن والحديث

٤٢

الشريف ، وقام بنشر مختلف العلوم والفنون وتبيان الصيغة الصحيحة للعلاقات الاجتماعية والسياسية والأخلاقية التي كان قد أصابها الفساد ، كما يتّضح ذلك بجلاء في رسالته المعروفة برسالة الحقوق ، كما ساهم في حل المشاكل التي كانت تهدّد كرامة الدولة الإسلامية كما يلاحظ ذلك جليّاً فيما حدث في جوابه على رسالة ملك الروم حين هدّد الخليفة بالحصار الاقتصادي(١) .

النشاط الثاني : إنّ الأمويين كانوا قد ضيّقوا على حركة الإمامعليه‌السلام ونشاطه مع الأمة إلاَّ أنّ الإمامعليه‌السلام استخدم الدعاء سلاحاً للارتباط الفكري والمعنوي بها ، وحيث إنّ هذا السلاح لم يستهدف الأمويين مباشرة ، توفّر للإمامعليه‌السلام مجالٌ أوسع لمعالجة الظواهر المرضية والانحرافات الأخلاقية .

الاتّجاه الثالث : التأكيد على أهمية العمل الثوري ومكافحة الظلم والانحراف ، وإيقاد روح الجهاد التي كانت خمدت في الأمة عبر سنوات الانحراف ، كما يتجلّى ذلك في دعائه للمختار الذي طالب بثأر الحسين وكان على اتصال دائم بالإمامعليه‌السلام أثناء ثورته من خلال عمّه محمد ابن الحنفيّة .

الاتّجاه الرابع : لم يكن موقف الإمامعليه‌السلام من الحكّام موقف المواجهة والتحدّي المباشر ; إذ لو كان قد فعل الإمام زين العابدينعليه‌السلام ؛ ذلك لما كان يستطيع أن يحقق ما حققه من مكاسب في الأمة في مجال التربية ، ولما توفّرت أجواء سليمة وفرص واسعة لنشاط الإمام الباقرعليه‌السلام من بعده وللجماعة الصالحة التي ربّاها .

لكن هذا لا يعني أن الإمامعليه‌السلام لم يوضح رأيه في الحكومة فلم يترك

ـــــــــــــــــ

(١) البداية والنهاية : ٩/١٢٢ .

٤٣

الأمر ملتبساً على شيعته ، بل كانت للإمام زين العابدينعليه‌السلام مواقف مع الحكّام سوف نشير إلى بعض منها ، وكان هدفه منها إعطاء خطّ في التربية والتغيير حفاظاً على الشيعة من الضياع ; إذ لم تكن الجماعة الصالحة على سبيل المواجهة ولكنها كانت كافية في التحصين في تلك المرحلة على مستوى التربية والإعداد وتأسيساً لمستقبل سياسي أفضل .

ونستطيع أن نلاحظ موقف الإمامعليه‌السلام مع السلطة من خلال رسالته الجوابية إلى عبد الملك حين لامَ عبد الملك الإمامعليه‌السلام على زواجه بأمته التي كان قد أعتقها .

إنّ ردّ الإمامعليه‌السلام على عبد الملك كان يتضمّن تحدّياً للخليفة الذي كان يفكرّ بعقلية جاهلية ; فإنّ الإمامعليه‌السلام وضّح فيها الموقف الإسلامي الذي يلغي كل الامتيازات التي وضعتها الجاهلية بقولهعليه‌السلام :( فلا لؤم على امرئ مسلم إنَّما اللؤمُ لؤم الجاهلية ) .

يظهر هذا التحدّي ممَّا جاء في مصادر التأريخ من أن الخليفة الأموي بعد أن قرأها هو وابنه سليمان ، قال الابن : يا أمير المؤمنين لَشدَّ ما فخر عليك علي بن الحسين !! فردّ الخليفة على ابنه قائلاً : ( يا بنيّ لا تَقل ذلك فإنّها ألسن بني هاشم التي تَفلق الصخر وتغرف من بحر ، إنّ عليّ بن الحسين يا بني يرتفع من حيث يتّضع الناس(١) .

وفي هذا الجواب إشارة إلى أنّ المواجهة مع الإمام من قبل الخليفة لا تخدم سلطان بني أمية .

ومن مواقف الإمام زين العابدينعليه‌السلام تجاه السلطة أيضاً موقفه من

ـــــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار : ٤٦/١٦٥ ، والعقد الفريد : ٧/١٢١ .

٤٤

الزهري ذلك المحدث الذي كان مرتبطاً بالبلاط الأموي ـ فقَد أرسل إليه الإمامعليه‌السلام رسالة قَرعه فيها على شنيع فعله(١) ، وان كان قد علم الإمام بأنّه غارق إلى هامته في موائد السلطان ولهوه ، إلاَّ أنّها رسالة للأجيال .

ومن الأحاديث التي وضعها هذا الرجل دعماً لسياسة بني أمية حينما منعوا حج بيت الله الحرام لمّا كان ابن الزبير مسيطراً على الحرمين الشريفين ما رواه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : لا تشد الرحال إلاَّ إلى ثلاثة : مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى .

ملامح عصر الإمام محمد الباقرعليه‌السلام

استشهد الإمام زين العابدينعليه‌السلام سنة ( ٩٥ هـ ) في أيام حكم الوليد ابن عبد الملك وتوّلى الإمام محمد بن علي الباقرعليه‌السلام مسؤولية الإمامة بوصية من أبيه حيث أعلن عن إمامته أمام سائر أبنائه وعشيرته حين سلّمه صندوقاً فيه سلاح رسول اللهعليه‌السلام وقال له :( يا محمَّد هذا الصندوق فاذهب به إلى بيتك ، ثم قالعليه‌السلام :أما إنّه لم يكن فيه دينار ولا درهم ولكنه مملوءٌ علم ) (٢) .

إذن فهو صندوق يرمز لمسؤولية القيادة الفكرية والعلمية كما أنّ السلاح يرمز لمسؤولية القيادة الثورية .

وبالرغم من توالي الثورات التي تلت واقعة الطف والتي كان الإمام الباقرعليه‌السلام قد عاصرها جميعاً مع أبيهعليه‌السلام بقي موقف الأعمّ الأغلب من الناس الاستجابة لمنطق السيف الأموي إلى جانب القسم الآخر الذي آمن بأنّ الحكّام الأمويين يمثّلون الخلافة الإسلامية .

ـــــــــــــــــ

(١) تحف العقول : ٢٧٢ ـ ٢٧٧ .

(٢) بصائر الدرجات ٤/٤٤ و٤٨ ، وأصول الكافي ١/٣٠٥ وعنهما في بحار الأنوار : ٤٦/٢٢٩ .

٤٥

كما أنّه عاصر عمليات الهدم الفكري والتحريف والمسخ الثقافي الذي مارسه الأمويون بحق الرسالة والقيم الإسلامية .

وعند مجيء سليمان بن عبد الملك إلى الحكم بعد وفاة أخيه الوليد بن عبد الملك سنة ( ٩٦ هـ ) أصدر قرارات جديدة استراحت الأمة بسببها قليلاً حيث أمر بالتَنكيل ( بآل ) الحجاج بن يوسف الثقفي وطرد كلّ عمّاله وولاته(١) كما أطلق سراح المسجونين في سجون الحجّاج(٢) .

وفي سنة ( ٩٩ هـ ) تقلّد الحكم الأموي عمر بن عبد العزيز فازدادت الحريّات في مدّة خلافته القصيرة ، كما يراه بعض المؤرّخين ، كما أنّه عالج مشكلة الخراج التي قال عنها بأنّها سنّة خبيثة سنّها عمّال السوء(٣) .

وعامل العلويين معاملة خالف فيها أسلافه فقد جاء في كتابه لعامله على المدينة : ( فأقسم في ولد علي من فاطمة رضوان الله عليهم عشرة آلاف دينار فطالما تخطّتهم حقوقهم )(٤) ورَدَّ فدكاً ـ التي كان قد صادرها الخليفة الأوّل ـ على الإمام الباقرعليه‌السلام (٥) ورفع سبّ الإمام عليّعليه‌السلام الذي كان قد سنّه معاوية(٦) .

أمّا الناحية الفكرية : فتبعاً للتغيّرات السياسية نلمس تطوّراً في الجانب الفكري أيضاً ؛ فقد برزت في هذا الظرف تيارات فكريّة جديدة واتجّه الناس

ـــــــــــــــــ

(١) الكامل ، ابن الأثير : ٤/١٣٨ .

(٢) تاريخ ابن عساكر : ٤/٨٠ .

(٣) الكامل : ٥/٢٩ وتاريخ الطبري : ٨/١٣٩ .

(٤) مروج الذهب : ٣/١٩٤ .

(٥) الكامل : ٤/١٦٤ والمناقب : ٤/٢٠٧ وسفينة البحار : ٢/٣٧٢ .

(٦) انظر الفكر السامي ١/٢٧٦ عن صحيح مسلم ، وتاريخ اليعقوبي ٢/٢٢٣ و٢٣٠ و٢٣٥ و٣٠٥ ، وشرح النهج للمعتزلي ٥/٩٨ تاريخ الخميس : ٢/٣١٧ .

٤٦

للبحث والدرس وتلقّي المعرفة الإسلامية ورفع المنع الحكومي عن تدوين الحديث النبوي وبدأت تتميّز مدرسة أهل الحديث عن مدرسة أهل الرأي ومال الموالي من غير العرب إلى مدرسة أهل الرأي في الكوفة ، وتزعّم أبو حنيفة هذه المدرسة في حينها ضد مدرسة أهل الحديث في المدينة(١) .

وكنتيجة طبيعية للإخفاق الذي سجّلته الحركات الفكرية ، ظهرت فكرة الاعتزال التي نادى بها ( واصل بن عطاء ) في البصرة عندما اعتزل حلقة درس أستاذه ( الحسن البصري ) وهي تعتبر تعديلاً لفكرة الخوارج التي لم تلقَ رواجاً حينما قالت بكفر مرتكب الكبيرة(٢) ، والمرجئة التي قالت بأنّه لا تضر مع الإيمان معصية(٣) فقال واصل ( مؤسس اتّجاه الاعتزال والمتوفى في ١٣١هـ ) : إنّ صاحب الكبيرة ليس بمؤمن بإطلاق بل هو في منزلة بين منزلتين أي إنّ مرتكب الكبيرة ليس بمؤمن ولا كافر لكنّه فاسق والفاسق يستحق النار بفسقه(٤) .

هذه صورة مجملة عن الواقع الذي عايشه الإمام الصادقعليه‌السلام خلال مرحلة قيادة أبيه الباقرعليه‌السلام .

متطلّبات عصر الإمام الباقرعليه‌السلام

ونلخّص دور الإمام الباقرعليه‌السلام في ثلاثة خطوط أساسية :

الخط السياسي ، وإكمال بناء الجماعة الصالحة ، وتأسيس جامعة أهل البيتعليه‌السلام العلمية .

ـــــــــــــــــ

(١) ضحى الإسلام لأحمد أمين : ٢/١٧٨ .

(٢) الملل والنحل : ١/١٥٨ .

(٣) تاج العروس ، مادة رجأ .

(٤) الأغاني : ٧ / ١٥ .

٤٧

١ ـ الخط السياسي للإمام الباقر عليه‌السلام

لقد كان الخيار السياسي للإمام الباقرعليه‌السلام في فترة تصدّيه للإمامة هو الابتعاد عن الصدام والمواجهة مع الأمويين وهذا واضح من خلال تصريحه الذي تضمّن بياناً للجوّ السائد وحالة الأمة ومستوى وعيها آنذاك :( إنْ دَعَوْناهم لم يستجيبوا لنا ) (١) .

كما نجده فيما بعد يستوعب سياسة الانفتاح والاعتدال التي أبداها عمر ابن عبد العزيز ، سواء كان هذا الاعتدال بدافع ذاتي لعلاقته بالإمامعليه‌السلام ، أم بدافع الضغوط الخارجيّة وخوفه من انهيار الدولة الأموية .

إنّ الإمام قد رسم خطّه السياسي في هذه المرحلة بأسلوبين :

الأسلوب الأول : تصريح الإمامعليه‌السلام برأيه حول عمر بن عبد العزيز وحكومته قبل تصدّي عمر للخلافة فعن أبي بصير ، قال : كنت مع أبي جعفر الباقرعليه‌السلام في المسجد ودخل عمر بن عبد العزيز وعليه ثوبان ممصّران متكئاً على مولى له فقالعليه‌السلام :( لَيَلِيَنَّ هذا الغلام [ أي سوف يتولّى السُلطة ]فيظهر العدل ) (٢) .

ولكن الإمامعليه‌السلام قدح في ولايته باعتبار وجود مَن هو أولى منه .

الأسلوب الثاني : أسلوب المراسلة واللقاء فقد روي أنّ عمر بن

ـــــــــــــــــ

(١) الإرشاد ، للشيخ المفيد : ٢٨٤ .

(٢) سفينة البحار : ٢/١٢٧ .

٤٨

عبد العزيز كرّم الإمام أبا جعفرعليه‌السلام وعظّمه وقد أرسل خلفه فنون ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود وكان من عُبّاد أهل الكوفة فاستجاب له الإمامعليه‌السلام وسافر إلى دمشق فاستقبله عمر استقبالاً رائعاً واحتفى به وجَرَت بينهما أحاديث وبقي الإمام أيّاماً في ضيافته(١) .

ومن المراسلات ما جاء أنّه : كتب عمر للإمامعليه‌السلام بقصد الاختبار فأجابه الإمام برسالة فيها موعظة ونصيحة له(٢) ، ولكن سياسة الابتعاد عن الصدام المباشر لم تمنع الإمام الباقرعليه‌السلام من أن يقف من الأمة بشكل عام ومن الأمويين وهشام بن عبد الملك بشكل خاص موقف التحدّي الفكري والعقائدي والعلمي لبيان الحق المغتصب وكشف ستار الباطل الذي كان قد أسدله الحكّام على الحق ورموزه .

وحين حجّ هشام بن عبد الملك بن مروان سنة من السنين وكان قد حجّ في تلك السنة محمّد بن علي الباقرعليه‌السلام وابنه جعفر ، قال جعفر بن محمدعليه‌السلام في بعض كلامه :( الحمد لله الذي بعث محمّداً نبيّاً وأكرمنا به ، فنحن صفوة الله على خلقه وخيرته من عباده فالسعيد مَن اتّبعنا والشقيّ مَن خالفَنَا ، ومن الناس مَن يقول : إنّه يتولاَّنا وهو يتولّى أعدائنا ومَن يليهم من جلسائهم وأصحابهم ، فهو لم يسمع كلام ربّنا ولم يعمل به ) (٣) .

فبيّنعليه‌السلام مفهوم القيادة الإلهية ومصداقها الحقيقي الذي يمثّلها آنئذ .

وهذا الطرح وان كان فيه نوع مجابهة صريحة للحاكم وما يدور في

ـــــــــــــــــ

(١) تاريخ دمشق : ٥١/٣٨ .

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢/٣٠٥ .

(٣) دلائل الإمامة : ١٠٤ ـ ١٠٩ ، بحار الأنوار : ٤٦/٣٠٦ .

٤٩

أذهان الناس لكنّه لم يكن مغامرة ; لأنّ الظرف كان بحاجة إلى مثل هذا الطرح والتوضيح ، بالرغم من أنّه قد أدّى إلى أن يستدعي هشام الإمامين الباقر والصادقعليهما‌السلام إلى الشام فيما بعد .

٢ ـ إكمال بناء الجماعة الصالحة

لم تكن عملية بناء الجماعة الصالحة وليدة عصر الإمام الباقرعليه‌السلام فقد باشرها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم لإمام عليعليه‌السلام ، حيث نجد لأشخاص أمثال مالك الأشتر وهاشم المرقال ، ومحمد بن أبي بكر ، وحجر بن عدي ، وميثم التمّار ، وكميل بن زياد ، وعبد الله بن العباس ، دوراً كبيراً في الصراع الذي خاضه الإمام عليعليه‌السلام مع مناوئيه .

واستمرت عملية البناء بشكل فاعل في عصر الإمامين الحسن والحسينعليهما‌السلام ، ثم تقلّص النشاط المباشر في بناء هذه القاعدة وتوسيعها ، ثم استمرّت عملية البناء في العقود الأخيرة من حياة الإمام زين العابدينعليه‌السلام وتكاملت في عصر الإمام الباقرعليه‌السلام حيث سنحت الفرصة له بأن يتحرك نحو تطوير الجماعة الصالحة بتوضيح أهدافها التي تمثّلت في الدفاع عن المجتمع الإسلامي وحفظ الشريعة الإسلامية من التحريف إلى جانب توسيع القاعدة كمّاً مع تطويرها كيفاً .

ونقتصر فيما يلي على بعض ما قام به الإمام الباقرعليه‌السلام من خطوات :

الخطوة الأولى : أخذ الإمامعليه‌السلام يعمّق ويوضّح صفات الجماعة الصالحة الموالية لأهل البيتعليهم‌السلام ودورها في المجتمع ، فقد جاء في وصفه لهذه الجماعة قولهعليه‌السلام :( إنّما شيعتنا ـ شيعة علي ـالمتباذلون في ولايتنا المتحابّون في

٥٠

مودّتنا ، المتزاورون لإحياء أمرنا ، الذين إذا غضبوا لم يظلموا ، وإذا رضوا لم يسرفوا ، بركة على مَنْ جاوروا ، سلم لمَن خالطوا ) (١) ، وقال أيضاً :( شيعتنا من أطاع الله ) (٢) .

وبهذا أراد الإمامعليه‌السلام أن يرسّخ الكمالات الإنسانية في جانبي الأخلاق والعبادة التي تعرّضت للضياع طيلة سنوات المحنة ، ويوضّح أن الانتماء لخطّ أهل البيتعليهم‌السلام هو بالعمل والتحلّي بهذه الصفات .

الخطوة الثانية : قام الإمامعليه‌السلام ـ بالإضافة إلى توضيح مستوى الروح الإيمانية التي ينبغي أن يتَمتّع بها أفراد الجماعة الصالحة ـ بشحذِ هممها وتربيتها على روح الصبر والمقاومة لكي تمتلك القدرة على مواصلة العمل في سبيل الله ومواجهة التحدّيات المستمرّة وعدم التنازل أمام الإغراءات أو الضغوط الظالمة ، فقد جاء في كلامهعليه‌السلام لرجل حين قال له : والله إنّي لأحبّكم أهل البيت فقالعليه‌السلام :( فاتّخذ للبلاء ، جلباباً ، فو الله إنّه لأسرع إلينا وإلى شيعتنا من السيل في الوادي ، وبنا يبدو البلاء ثم بكم ، وبنا يبدو الرخاء ثم بكم ) (٣) .

هكذا رسم الإمامعليه‌السلام معالم الطريق الشائك أمامه ، إنّه طريق مفروش بالدماء والدموع ، والإمام رائد المسيرة على هذا الطريق يصيبه البلاء أوّلاً قبل أن يصيب شيعتَه .

وقد كان الإمامعليه‌السلام يذكّرهم بمعاناة الشيعة قبل هذا الظرف بقولهعليه‌السلام :( قتلت شيعتنا بكلّ بلدة وقُطِعت الأيدي والأرجل على الظنة وكان مَن يذكر بحبّنا والانقطاع إلينا سُجن ونُهب مالُه وهُدِمَت داره ) (٤) .

ومن الأعمال التي قام بها الإمامعليه‌السلام في بناء الجماعة الصالحة هو إلزام

ـــــــــــــــــ

(١) تحف العقول : ٢٩٥و ٣٠٠ .

(٢) تحف العقول : ٢٩٥و ٣٠٠ .

(٣) بحار الأنوار : ٤٦/٣٦٠ ، وأمالي الشيخ الطوسي : ٩٥ .

(٤) حياة الإمام الحسنعليه‌السلام دراسة وتحليل : ٢/٢٥٧ .

٥١

أتباعه وخاصّته بمبدأ التقية ؛ حفاظاً عليهم من القمع والإرهاب والإبادة التي طالما تعرّضوا لها وقد اعتبر هذا المبدأ من الواجبات الشرعية ذات العلاقة بالإيمان ، فكان يوصيِهم بالتقية قائلاً :( التقيّة ديني ودين آبائي ، ومَن لا إيمان له لا تقيّة له ) (١) .

ومن المبادئ التي تتداخل مع التقيّة : كتمان السرّ ، فقد جاء عنهعليه‌السلام في وصيّته لجابر بن يزيد الجعفي في أوّل لقاء له بالإمامعليه‌السلام : أن لا يقول لأحد أنّه من أهالي الكوفة ، وليظهر بمظهر رجل من أهل المدينة وجابر الجعفي هذا قد أصبح فيما بعد صاحب سرّ الإمامعليه‌السلام ، ولشدّة فاعليّته وتأثيره في الأمة أمر هشام بن عبد الملك واليه في الكوفة بأن يأتيه برأس جابر ، لكنّ جابراً قد تظاهر بالجنون قبل أن يصدر الأمر بقتله حسب إرشادات الإمام الباقرعليه‌السلام التي كانت تصله سرّاً ، فقد جاء في كتاب هشام إلى واليه : أن أُنظر رجلاً يقال له جابر بن يزيد الجعفي فاضرب عنقه وابعث إليَّ برأسه .

فالتفت إلى جلسائه فقال لهم : مَن جابر بن يزيد الجعفي ؟ قالوا : أصلحك الله ، كان رجلاً له علم وفضل وحديث وحجّ فجنّ وهو ذا في الرحبة مع الصبيان على القصب يلعب معهم .

قال : فأشرف عليه فإذا هو مع الصبيان يلعب على القصب فقال : الحمد لله الذي عافاني من قتله(٢) .

وكان في هذه المرحلة رجال كتموا تشيّعهم وما رسوا نشاطات مؤثرة في حياة الأمة فكرية وعسكرية وفقهية مع الاحتفاظ بعلاقاتهم ، فمن فقهاء الشيعة : سعيد بن المسيّب ، والقاسم بن محمد ، فقد كانا بارزين بين علماء ذلك العصر

ـــــــــــــــــ

(١) أصول الكافي : ٢/١٧٤ .

(٢) بحار الأنوار : ٤٦/٢٨٢ ، والكافي : ١/٣٩٦ .

٥٢

في الفقه وغيره إلاَّ أنّه لم تكن لهم صبغة التشيّع الصريح ، فقد شاع عن سعيد بن المسيّب أنّه كان يجيب أحياناً برأي غيره من علماء عصره أو برأي مَن سبقه من الصحابة ؛ مخافة أن يصيبه ما أصاب سعيد بن جبير ويحيى بن أم الطويل وغيرهما ممّن تعرّضوا للقتل والتشريد بسبب تشيّعهم .

وهذا موسى بن نصير من رجالات الكوفة العسكريين وزهّادها المؤمنين ممّن عرف بولائه لأهل البيتعليهم‌السلام هو وأبوه نصير ، ولقد غضب عليه معاوية إذ لم يخرج معه لصفِّين ، وموسى هو الذي فتح الفتوحات العظيمة في بلاد المغرب وكان تحت إمرته مولاه طارق بن زياد وولده عبد العزيز وبسبب تشيّعه غضب عليه سليمان بن عبد الملك وقبل أن يقتله عرّضه لأنواع العذاب فقتل ولده أمامه وألزمه بدفع مبلغ كبير(١) .

وكان لجابر الجعفي وزرارة وأبان بن تغلب وغيرهم دور بالغ في نجاح حركة الإمام الفكريّة ، وأصبحوا ـ فيما بعد ـ النواة لجامعته ، وبقي هؤلاء بعد وفاة الإمام الباقرعليه‌السلام بصحبة ولده الصادقعليه‌السلام ليمارسوا مسؤولياتهم بحجم أكبر كما سيأتي توضيحه .

٣ ـ تأسيس جامعة أهل البيت عليهم‌السلام

جاءت فكرة زرع البذرة الفكرية وتشكيل النواة الأولى لجامعة علمية إسلامية في هذهِ المرحلة كضرورة حضارية لمواجهة التحدّي الحاضر ونسف البنى الفكرية لكل الأطروحات السابقة التي وجدت من ظروف المحنة مناخاً مناسباً لبثّ أفكارها .

كما تأتي ضرورة وجود تيّار فكري يبلور الأفكار الإسلامية الأصيلة

ـــــــــــــــــ

(١) تاريخ اليعقوبي : ٢/٢٩٤ .

٥٣

ويعبّئ بها ذهن الأمة ويفوّت الفرصة على الظالمين في حالة تبدّل الظروف .

ويمكن تلخيص الأسباب التي شكّلت عاملاً مهمّاً في التهيئة لنجاح هذه الجامعة فيما يلي :

١ ـ لقد عُزلت الأمة عن تبني أفكار الأئمة من أهل البيتعليهم‌السلام وفقههم أكثر من قرن وبقيت تتناقله الخواص في هذه الفترة عن طريق الكتابة والحفظ شفاهاً وبالطرق السرّية .

٢ ـ في هذه الفترة طرحت على العالم الإسلامي تساؤلات فكريّة ومستجدّات كثيرة لم تمتلك الأمة لها حلاًّ بسبب اتّساع البلاد الإسلامية وتبدّل الظروف وحاجات المسلمين .

٣ ـ شعر المسلمون في هذا الظرف بأهمية البحث عن مبدأ فكري يتكفّل حلّ مشكلاتهم ; لأنّ النصّ المحرّف واجتهادات الصحابة أصبح متخلّفاً عن المواكبة ، بل أصبح بنفسه مشكلة أمام المسلم لتعارضه مع العقل والحياة .

٤ ـ في هذا العصر ظهرت مدارس فكرية متطرّفة مثل مدرسة الرأي القائلة بالقياس والاستحسان ، زاعمة أنّ للنصوص التي نقلت عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قليلة(١) لا تفي بالغرض ، الأمر الذي تسرّب فيه العنصر الذاتي للمجتهد ودخل الإنسان بذوقه الخاص إلى التشريع(٢) ، كما ظهرت مدرسة الحديث قِبال

ـــــــــــــــــ

(١) هذا في غير مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام الذين حرصوا على نقل تراث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وواجهوا منع تدوين السنّة النبوية بالحث على التدوين والنقل والتعليم ؛ لئلاَّ تندرس معالم الدين .

(٢) فقد عرف حسن أبي حنيفة أنّه لم يصح عنده من أحاديث الرسول الفقهية سوى سبعة حشر حديثاً راجع مقدمة ابن خلدون : ٣٧٢ .

٥٤

مدرسة الرأي والتي عرفت بالجمود على ظاهر النص ولم تتفرّغ لتمييز صحيح النصوص من غيره .

٥ ـ غياب القدوة الحسنة والجماعة الصالحة التي تشكّل مناخاً لنمو الفضيلة وزرع الأمل في نفوس الأمة باتّجاه الأهداف الربّانيّة .

في هذا الظرف الذي ذهب فيه الخوف واستطاع المسلم أن يبحث عن المعرفة وعن حل لمشكلاته الفكرية ، قام الإمام الباقرعليه‌السلام بتشكيل حلقاته العلمية في مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ؛ فكان وجودهعليه‌السلام مركز جذب لقلوب طلاب الحقيقة فالتفّ حوله صحابة أبيه الإمام زين العابدينعليه‌السلام ، وبدأ منذ ذلك الحين بالتركيز على بناء الكادر العلمي آملاً أن يواجه به المشكلات الفكرية التي بدأت تغزو الأمة المسلمة وكان يشكّل هذا الكادر فيما بعد الأرضية اللازمة لمشروع الإمام الصادقعليه‌السلام المرتقب ، فتناول الإمامعليه‌السلام أهمّ المشكلات الفكرية التي كان لها ارتباط وثيق بحياة الناس العقائدية والأخلاقية والسياسية .

وزجّ الإمام بكادره العلمي وسط الأمة بعد أن عبّأه بكل المؤهّلات التي تمكّنهُ من خوض المعركة الفكرية حينما قال لأبان بن تغلب :( اجلس في مسجد المدينة وافت الناس فإنّي أحبّ أن أرى في شيعتي مثلك ) (١) .

وعندما يدرك الأصحاب مغزى هدف الإمام من هذا التوجيه وضرورة الحضور مع الناس ؛ يتصدّى هؤلاء بأنفسهم لمعالجة المشكلات الفكرية وإبطال الشبه عن طريق الحوار والمناظرة حسب الخط الذي رسمه لهم الإمامعليه‌السلام في وقت سابق .

ـــــــــــــــــ

(١) اختيار معرفة الرجال للكشي ٢/٦٢٢ ، ح ٦٠٣ .

٥٥

قال عبد الرحمن بن الحجاج : كنّا في مجلس أبان بن تغلب فجاء شاب فقال له : يا أبا سعيد أخبرني كم شهد مع علي بن أبي طالب من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ وأدرك أبان مراده فانبرى قائلاً : كأنّك تريد أن تعرف عليّاً بمَن تبعه من أصحاب رسول الله ؟ فقال هو ذاك .

فأجابه أبان : والله ما عرفنا فضلهم ـ أي الصحابة ـ إلاَّ باتّباعهم إيّاه .

وتعميقاً لهذا التوجيه وبنفس السياق يبادر محبوب أهل البيت ولسانهم مؤمن الطاق ليواجه أفكار حركة الخوارج ويردّ على جرأتها في التشكيك بموقف الإمام عليعليه‌السلام من مسألة التحكيم(١) .

يدخل مؤمن الطاق على بعض زعماء الخوارج في الكوفة فيقول له : أنا على بصيرة من ديني وقد سمعتك تصف العدل فأحببت الدخول معك ، فيقول الخارجي لأصحابه إن دخل هذا معكم نفعكم.

فيقول له مؤمن الطاق : لِمَ تبرّأتم من عليّ بن أبي طالب واستحللتم قتله وقتاله ؟

يجيبه الخارجي : لأنّه حكّم الرجال في دين الله .

فيقول له : وكلَّ من حكّم في دين الله استحللتم قتله ؟

فيجيب الخارجي : نعم .

فيقول له : أخبرني عن الدين الذي جئت أُنظارك به لأدخل معك فيه ، إن غَلَبَتْ حجّتي حجّتك ، من يوقِفُ المخطئ منّا عن خطئه ويحكم للمصيب بصوابه ؟

فيشير الضحّاك إلى رجل من أصحابه ويقول : هذا هو الحكم بيننا .

ـــــــــــــــــ

(١) معجم رجال الحديث : ١/٢١ ـ ٢٢ وتنقيح المقال : ١/٤ .

٥٦

هنا يتوجّه مؤمن الطاق إلى مَن كان حاضراً من الخوارج ويقول : زعيمكم هذا قد حكّم في دين الله(١) وهكذا يفحمهم بحجّته البالغة ومنطقه القويم .

وقبل أن ننتهي من حياة الإمامعليه‌السلام نشير إلى ثلاث وقائع تاريخية لها صلة بالمرحلة التي سوف يتصدّى لها الإمام الصادقعليه‌السلام .

الواقعة الأولى : إنّ هشام بن عبد الملك هو واحد من الحكّام الأمويين الَّذين نصبوا العداوة لأهل البيت ، بل نراه قد زاد على غيره حتَّى أنّه على أثر الخطبة التي خطبها الإمام الصادقعليه‌السلام في مكة والتي أوضح فيها معنى القيادة ولمَن تكون القيادة ، يأمر هشام فور رجوعه إلى الشام بجلب الإمامين الباقر والصادقعليهما‌السلام إلى دمشق لغرض التنكيل بهما .

وبعد اللقاء بهشام تفوّق الإمام الباقرعليه‌السلام في البلاط الأموي في الحوار الذي أجراه مع هشام ثم حواره مع عالم النصارى في الشام ، يسمح لهما هشام بالرجوع إلى المدينة ولكنّه يأمر أمير ( مدين ) ـ وهي المدينة الواقعة في طريقهما ـ بإيذائهما فقد جاء في رسالته : إنّ ابن أبي تراب الساحر محمّد بن علي وابنه جعفر الكذابين فيما يظهران من الإسلام ، قد وردا عليّ فلمّا صرفتهما إلى يوم الدين مالا إلى القسسين والرهبان ، وتقربّا إليهم بالنصرانية فكرهت النكال لقربهما ، فإذا مرّا بانصرافهما عليكم فليناد في الناس : برئت الذمّة ممّن باعهما وشاراهما وصافحهما وسلّم عليهما ، ورأى أمير المؤمنين قتلهما ودوابّهما وغلمانهما لارتدادهما والسلام(٢) .

ولم يترك هشام الإمام الباقرعليه‌السلام حُرّاً يتحرّك في المدينة ، ولم يسترح

ـــــــــــــــــ

(١) الإمام الصادق والمذاهب الأربعة : ٢/ ٧٢ .

(٢) دلائل الإمامة : ١٠٤ ـ ١٠٩ وبحار الأنوار : ٤٦ ـ ٣٠٦ .

٥٧

من تواجده في الساحة الإسلامية حتَّى أقدم على قتله غيلةً بالسمّ سنة (١١٤هـ)(١) .

الواقعة الثانية : في هذهِ الفترة تحفّز زيد بن علي بن الحسينعليه‌السلام وصمّم على الثورة ضد هشام بن عبد الملك على أثر تصرّفات الأمويين ، ولا سيّما تصرّف هشام المهين بحق زيد ، والنيل من كرامته ، وما كان يفعله هشام بحق الشيعة بشكل خاص .

لقد دخل زيد على هشام فسلّم عليه بالإمرة فلم يردّ السلام إهانةً له ، بل أغلظ في الكلام ولم يفسح له في المجلس .

فقال زيد : السلام عليك يا أحول ، فإنّك ترى نفسك أهلاً لهذا الاسم فغضب هشام وجرت بينهما محاورة كان نصيب هشام فيها الفشل ، وخرج زيد وهو يقول : ما كره قومٌ حرّ السيوف إلاَّ ذلّوا .

وأمر هشام بردّه وقال له : اُذكر حوائجك ، فقال زيد : أما وأنت ناظر على أمور المسلمين فلا وخرج من عنده وقال : مَن أحبّ الحياة ذلّ(٢) .

ومضى زيد إلى الكوفة ثمّ خطّط للثورة واستشار بذلك الإمام الباقرعليه‌السلام .

قال الإمام الصادقعليه‌السلام :إنّ عمّي أتى أبي فقال إنّي أريد الخروج على هذا الطاغية .

ولمّا أزمع على الخروج أتاه جابر بن يزيد الجعفي فقال له : إنّي سمعت أخاك أبا جعفر يقول :إنّ أخي زيد بن علي خارج ومقتول وهو على الحق فالويل لمَن خذله ، والويل لمَن حاربه ، والويل لمَن يقتله فقال له زيد : يا جابر لم يسعني أن أسكت وقد خولف كتاب الله تعالى

ـــــــــــــــــ

(١) شذرات الذهب : ١/١٤٩ ، تاريخ بن الأثير : ٤/٢١٧ ، طبقات الفقهاء : ٣٦ .

(٢) تاريخ الطبري : حوادث سنة ( ١٢١ ) ، وتاريخ ابن عساكر : ٦ / ٢٢ ـ ٢٣ .

٥٨

وتحوكم بالجبت والطاغوت(١) .

الواقعة الثالثة : ولمّا قربت وفاة الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام دعا بأبي عبد الله جعفر الصادقعليه‌السلام فقال له :إنّ هذه الليلة التي وُعدت فيها ثم سلّم إليه الاسم الأعظم ومواريث الأنبياء والسلاح وقال له :يا أبا عبد الله ، الله الله في الشيعة فقال أبو عبد الله :لا تركتهم يحتاجون إلى أحد ... (٢) .

بهذا العرض ننتهي من تصوير حياة الإمام الصادق مع أبيه لتبدأ مرحلة تصدّيه للإمامة ، وبها يبدأ عصر جديد من العمل والجهاد والإصلاح .

ـــــــــــــــــ

(١) راجع تيسير المطالب : ١٠٨ ـ ١٠٩ .

(٢) إثبات الهداة : ٥/٣٣٠ .

٥٩

الباب الثالث :

وفيه فصول :

الفصل الأوّل : ملامح عصر الإمام الصادقعليه‌السلام .

الفصل الثاني : دور الإمامعليه‌السلام في تثبيت معالم الرسالة .

الفصل الثالث : دور الإمامعليه‌السلام في بناء الجماعة الصالحة .

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

فأنزل الله( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (١) ونحن ندلّكم على الناس. ثمّ قال: أخرجه ابن منده.

وفي هذه الروايات دلالة على أنّ عليا وفاطمة والحسنين والتسعة من أولاد الحسين هم قربى محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله المعنيّون بالآية، وكان المسلمون يعرفون ذلك حق اليقين.

وإخراج الخمس من كلّ ما يملكه أحد من الناس حتّى يدفعه إلى وليّ المؤمنين

أجمعت الإماميّة على وجوب إخراج الخمس من كلّ ما يملكه المسلم من أرباح التجارات، والصناعات، والزراعات وغيرها من ضروب المكاسب، أخذا عن أئمّة آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويدلّ أيضا عليه قوله:( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ ) (٢) ، فإنّ الغنيمة تطلق على كلّ ما يغنمه الإنسان من الحرب وغيرها.

وقد قام إجماع مخالفي أهل البيتعليهم‌السلام على عدم وجوبه إلاّ في خصوص غنيمة الحرب، ولم يعمّوا به ضروب المكاسب.

ويدلّ عليه أيضا الروايات الصحيحة المتظافرة عن أهل البيتعليهم‌السلام ، انظر الكافي ( ج ١؛ ٥٤٥ / الحديث ١١ ) وعنه في الوسائل ( ج ٩؛ ٥٠٣ ) عن سماعة، قال: سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن الخمس؟ فقال: في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير.

وفي التهذيب ( ج ٤؛ ١٢٢ / الحديث ٣٤٨ ) والاستبصار ( ج ٢؛ ٥٥ / الحديث ١٨٠ ) وعنهما في الوسائل ( ج ٩؛ ٥٠٣ ) عن عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : على كلّ امرئ غنم أو اكتسب الخمس ممّا أصاب لفاطمةعليها‌السلام ولمن يلي أمرها من بعدها من ذريتها، حجج الله على الناس، فذلك لهم خاصة يضعونه حيث شاءوا، وحرّم

__________________

(١) الشورى؛ ٢٣

(٢) الأنفال؛ ٤١

٢٦١

عليهم الصدقة، حتّى الخيّاط يخيط قميصا بخمسة دوانيق فلنا منه دانق، إلاّ من أحللناه من شيعتنا لتطيب لهم به الولادة.

وانظر بصائر الدرجات (٤٩) وأمالي الصدوق (٥١٦) ومستدرك الوسائل ( ج ٧؛ ٢٨٤ ) وشرائع الإسلام ( ج ١؛ ١٨٠ ) وتفسير القمّي ( ج ١؛ ٢٧٨ )، وتفسير فرات (١٥٤) والتهذيب ( ج ٤؛ ١٢٣ / الحديث ٣٥٢ و ١٢٣ / الحديث ٣٥٣ ) والاستبصار ( ج ٢؛ ٥٥ الحديثان ١٨١، ١٨٢ ) والوسائل ( ج ٩؛ ٤٩٨ - ٥٠٤ ) وفيه عشرة أحاديث.

وأما إجماع الطائفة على ذلك، فقد صرح به في مدارك الأحكام ( ج ٥؛ ٣٧٨ ) وتذكرة الفقهاء ( ج ٥؛ ٤٢١ ) والخلاف ( ج ٢؛ ١١٦ ) والانتصار (٨٦) ومجمع البيان ( ج ٢؛ ٣٤٨، ٥٤٤ ) والمنتهى ( ج ١؛ ٥٤٨ ) والتبيان ( ج ٥؛ ١٢٣ ) والغنية في ضمن الجوامع الفقهيّة (٥٦٩).

وفي أمالي المفيد: ١٨٢ عن الباقرعليه‌السلام : يا أبا النعمان لا تستأكل بنا الناس فلا يزيدك الله بذلك إلاّ فقرا. وهذا معنى « فلشيعتهم ممن لا يأكل بهم الناس » وهو معنى لا يحتاج إلى استدلال، والروايات فيه وفي معناه في كتب الفريقين.

والمسح على الرأس والقدمين إلى الكعبين، لا على خفّ ولا على خمار ولا على عمامة

أجمعت الطائفة الإماميّة على عدم جواز المسح على الخفّين في الوضوء، وكذا كلّ حاجب من خمار أو عمامة أو غيرهما حال الاختيار، وقد حكى هذا الإجماع العاملي في المدارك ( ج ١؛ ٢٢٣ ) والعلاّمة في المنتهى ( ج ١؛ ٦٦ ) وتذكرة الفقهاء ( ج ١؛ ١٧٢ / المسألة ٥٣ ) والشهيد الأوّل في ذكرى الشيعة (٨٩) والشهيد الثاني في روض الجنان (٣٦) والمسالك ( ج ١؛ ٦ ) وشيخ الطائفة الطوسي في الخلاف ( ج ١؛ ٢٠٤ / المسألة ١٦٨ ) والكركي في جامع المقاصد ( ج ١؛ ٢٦ ) والمحقّق الحلي في المعتبر ( ج ١؛ ١٥٤ ) وغيرهم من أعلام وعلماء الطائفة الإماميّة.

٢٦٢

وقد دلّت على عدم الجواز روايات كثيرة، وصحاح كثيرة، حتّى كادت المرويات في هذا المطلب تصل حدّ التواتر، فمن ذلك.

ما في التّهذيب ( ج ١؛ ٣٦١ / الحديث ١٠٩١ ) ووسائل الشيعة ( ج ١؛ ٤٥٨ / الباب ٣٨ ) من أبواب الوضوء / الحديث ٦ رواه زرارة في الصحيح، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، عن عليّعليه‌السلام : أنّه قال لجمع من الصحابة فيهم عمرو بن المغيرة: سبق الكتاب الخفّين.

وفي الكافي ( ج ٣؛ ٣٢ / الحديث ٢ ) ومن لا يحضره الفقيه ( ج ١؛ ٣٠ / الحديث ٩٥ ) والتهذيب ( ج ١؛ ٣٦٢ / الحديث ١٠٩٣ ) والاستبصار ( ج ١؛ ٧٦ / الحديث ٢٣٧ ) ووسائل الشيعة ( ج ١؛ ٤٥٧ / الباب ٣٨ ) من أبواب الوضوء / الحديث ١ ) ما رواه زرارة أيضا في الصحيح عن أبي جعفرعليه‌السلام أنّه قال: ثلاث لا أتّقي فيهنّ أحدا وعدّ منها المسح على الخفّين.

وفي الكافي أيضا ( ج ٨؛ ٥٨ / الحديث ٢١ ) ووسائل الشيعة ( ج ١؛ ٤٥٧ / الباب ٣٨ ) من أبواب الوضوء / الحديث ٣ روي عن عليّعليه‌السلام أنّه خطب يوما فقال: قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله متعمّدين لخلافه، ولو حملت الناس على تركها لتفرّق عنّي جندي، أ رأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم فرددته إلى الموضع الذي كان فيه وحرّمت المسح على الخفّين ....

وفي الكافي أيضا ( ج ٣؛ ٣٢ / الحديث ١ ) ووسائل الشيعة ( ج ١؛ ٤٥٧ / الباب ٣٨ ) من أبواب الوضوء - الحديث ٢ في معتبرة إسحاق بن عمّار أنّه سأل الصادقعليه‌السلام عن جواز المسح على الخفّين للمريض؟ فقالعليه‌السلام : لا.

وفي التهذيب ( ج ١؛ ٣٦١ / الحديث ١٠٩٠ ) منها صحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهماعليهما‌السلام : أنّه سئل عن المسح على الخفّين والعمامة؟ قال: لا تمسح عليهما.

ومنها ما رواه عليّ بن جعفر في مسائله ( ١١٠ / الحديث ٢٢ )، عن أخيهعليه‌السلام ، قال: سألته عن المرأة هل يصلح لها أن تمسح على الخمار؟ قال: لا يصلح حتّى تمسح على رأسها.

وانظر وسائل الشيعة ( ج ١؛ ٤٥٥، ٤٥٦ / الباب ٣٧، و ٤٥٧ - ٤٦٢ / الباب ٣٨ ) ومستدرك الوسائل ( ج ١؛ ٣٣٠ - ٣٣٦ / الباب ٣٢ و ٣٣ من الوضوء ).

٢٦٣

وعلى أن تردّوا المتشابه إلى أهله

انظر ما تقدّم في الطّرفة الأولى، عند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « والوقوف عند الشبهة إلى الإمام فإنّه لا شبهة عنده ».

فمن عمي عليه من عمله شيء لم يكن علمه منّي ولا سمعه فعليه بعلي بن أبي طالب؛ فإنّه قد علم كلّ ما قد علّمته، ظاهره وباطنه، ومحكمه ومتشابهه

الأحاديث والروايات الآمرة بالرجوع إلى عليّ وأهل البيتعليهم‌السلام فيما لا يعرفه المسلم تفوق الحصر والتعداد، بمختلف الألفاظ والطرق والأدلّة، ونحن نقتصر هنا على الإشارة إلى بعضها على سبيل التنبيه، ونقتنص بعض ما ورد في وجوب الرجوع إليهعليه‌السلام في خصوص علوم القرآن:

ففي كتاب التحصين (٥٨٩) قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : معاشر الناس أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة كما أمرتكم، فإن طال عليكم الأمد فقصرتم أو نسيتم فعلي وليّكم الذي نصبه الله لكم يخبركم عمّا تسألون ويبيّن لكم ما لا تعلمون.

وفي المصدر نفسه (١٣٨) قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام : وتبيّن لهم ما اختلفوا فيه من بعدي، وتعلّمهم من بعدي، وتعلّمهم من تأويل القرآن ما لم يعلموا. وانظر بهذا المعنى المصدر نفسه ( ١٣٦، ١٧٩، ١٨٧، ١٩٦، ١٩٧، ٢٤٣ ) بأسانيد متعدّدة.

وفي تقريب المعارف (٢٠٢) قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام : أنت تؤدي عنّي وتبرئ ذمّتي، وتبلّغ رسالتي، فقال: يا رسول الله أولم تبلّغ الرسالة؟ قال: بلى، ولكن تعلّم الناس من بعدي تأويل القرآن وما لم يعلموا، أو تخبرهم.

وفي المسترشد (٣٦٣) قول عليّعليه‌السلام في احتجاجه على القوم: أفيكم أحد يرد عليه من أمر دينه ما لا يعلمه الناس إلاّ فزعتم إليه غيري؟!

وفي كتاب سليم بن قيس (١٨٨) قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أمرني الله أن أعلّمه إيّاه، وأعلمكم بأنّه عنده، فاسألوه وتعلّموا منه ومن أوصيائه بعده. وانظر الكافي ( ج ١؛ ١٦٨، ١٦٩، ١٨٩ ).

٢٦٤

وأما الأحاديث والروايات الدالّة على أنّ عليّاعليه‌السلام علم جميع علوم القرآن من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهي أيضا كثيرة غير منحصرة، منها:

ما في بصائر الدرجات (٢١٨) حدّثنا محمّد بن الحسين، عن محمّد بن أسلم، عن أذينة، عن أبان، عن سليم بن قيس، عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قال: كنت إذا سألت رسول الله أجابني، وإن فنيت مسائلي ابتدأني، فما نزلت عليه آية في ليل ولا نهار، ولا سماء ولا أرض، ولا دنيا ولا آخرة، ولا جنّة ولا نار، ولا سهل ولا جبل، ولا ضياء ولا ظلمة، إلاّ أقرأنيها وأملاها عليّ، وكتبتها بيدي، وعلّمني تأويلها وتفسيرها، ومحكمها ومتشابهها، وخاصّها وعامّها، وكيف نزلت وأين نزلت وفيمن أنزلت إلى يوم القيامة، دعا الله أن يعطيني فهما وحفظا فما نسيت آية من كتاب الله ولا على من أنزلت إلاّ أملاه عليّ.

وفي المصدر السابق (٢١٨) عن يعقوب بن جعفر فقال أبو الحسنعليه‌السلام : علينا نزل قبل الناس، ولنا فسّر قبل أن يفسّر في الناس، فنحن نعرف حلاله وحرامه، وناسخه ومنسوخه، وسفريّه وحضريّه، وفي أي ليلة نزلت كم من آية، وفيمن نزلت، وفيما نزلت ...

وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ٣٠ ) النقاش في تفسيره، قال ابن عبّاس: عليّعليه‌السلام علم علما علّمه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ورسول الله علّمه الله، فعلم النبي من علم الله، وعلم عليّ من علم النبي، وعلمي من علم عليّ، وما علمي وعلم أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله في علم عليّعليه‌السلام إلاّ كقطرة في سبعة أبحر.

وانظر مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ٤٣ ) وأسمى المناقب: (٨٢)، وفرائد السمطين ( ج ١؛ ٣٥٥ ) والاحتجاج ( ج ١؛ ١٤٨ ) ودلائل الإمامة (١٠٦) وروضة الواعظين (١١٨) وبصائر الدرجات (١٥٥) وتفسير العيّاشي ( ج ١؛ ٢٦، ٢٩، ٢٨٠ ) والكافي ( ج ١؛ ١٦٨، ١٦٩ ) والخصال (٥٧٦) وكفاية الطالب (١٩٩) وحلية الأولياء ( ج ١؛ ٦٥ ) وتفسير فرات (٦٨).

هذا وقد نزل كتاب الله المجيد بأنّ عليّاعليه‌السلام عنده علم الكتاب، ونقل ذلك رواة وعلماء الفريقين.

٢٦٥

ففي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ٢٩ ) عن ابن عبّاس في تفسير قوله تعالى:( وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ ) (١) قال: لا والله ما هو إلاّ عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، لقد كان عالما بالتفسير والتأويل والناسخ والمنسوخ والحلال والحرام.

وفي أمالي الشيخ الصدوق ( ٤٥٣ / المجلس ٨٣ - الحديث ٣ ) قال: حدّثنا محمّد بن موسى المتوكّل، قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى، عن القاسم بن يحيى، عن جدّه الحسن بن راشد، عن عمرو بن مغلس، عن خلف، عن عطيّة العوفي، عن أبي سعيد الخدريّ، قال: سألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن قول الله تعالى:( قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ ) (٢) قال: ذاك وصي أخي سليمان بن داود، فقلت له: يا رسول الله فقول الله عزّ وجلّ:( قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ ) (٣) ، قال: ذاك أخي عليّ بن أبي طالب.

وانظر في هذا المعنى مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ٢٩ ) وخصائص الوحي المبين ( ٢٠٩ - ٢١٢ ) ففيه أربعة أحاديث، وتفسير الحبريّ (٢٨٥) وكشف الغمّة ( ج ١؛ ٣١٢ ) والنور المشتعل (١٢٥) وتفسير القرطبي ( ج ٩؛ ٣٣٩ ) ومناقب ابن المغازلي ( ٣١٣، ٣١٤ ) والدرّ المنثور ( ج ٤؛ ٦٩ ) وشواهد التنزيل ( ج ١؛ ٤٠٠ - ٤٠٥ ) ففيه ستة أحاديث في أنّ عليّاعليه‌السلام هو الذي عنده علم الكتاب، وينابيع المودّة ( ج ١؛ ١٠٢، ١٠٣ ).

كلّ هذا، وفوقه ثبوت أنّ عليّاعليه‌السلام كان مستودع مختصّات وأسرار علوم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كلّها، ففي الخصال ( ج ٢؛ ٦٤٣ ) قال عليّعليه‌السلام : دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في مرضه الذي توفّي فيه حتّى قال: أسرّ إليّ ألف باب في كلّ باب ألف باب، وقال رسول الله: وعيته؟ قالعليه‌السلام : نعم، وعقلته.

وانظر في هذا الخصال ( ٦٤٢، ٦٤٦ ) وتفسير فرات (٣١٩) ومناقب ابن شهرآشوب

__________________

(١) الرعد؛ ٤٣

(٢) النمل؛ ٤٠

(٣) الرعد؛ ٤٣

٢٦٦

( ج ٢؛ ٣٦ ) وكشف الغمّة ( ج ١؛ ١٣٢ ) وروضة الواعظين (٧٥) وفرائد السمطين ( ج ١؛ ١٠١ ) وأمالي المفيد (٦) وأمالي الصدوق (٥٠٩) وبشارة المصطفى (٤) والأربعين عن الأربعين (٧٨). وغيرها من المصادر.

وهو يقاتل على تأويله كما قاتلت على تنزيله

في الإرشاد (٩٦) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ألا وإنّ عليّ بن أبي طالب أخي ووصيي، يقاتل بعدي على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله.

وفي فرائد السمطين ( ج ١؛ ١٦٠ ) عن أبي سعيد الخدريّ، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: إنّ منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله، قال أبو بكر: أنا هو يا رسول الله؟ وقال عمر: أنا يا رسول الله؟ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا ولكنّه خاصف النعل.

وانظر رواية هذا المضمون في أمالي الطوسي ( ٢٤٥، ٣١٥، ٥٤٧ ) وسليم بن قيس ( ٩٤، ١٩٤ ) والخصال ( ٢٧٦، ٦٥٠ ) وبشارة المصطفى (٥٥) والاحتجاج ( ج ١؛ ١٢٥ ) والمسترشد (٣٥٧) وكفاية الأثر ( ٧٦، ١١٧، ١٢١، ١٣٥ ) ودلائل الإمامة (١٠٦) والتهاب نيران الأحزان (٣٤) واليقين (١٣٨) وتفسير العيّاشي ( ج ١؛ ٢٧ ) وإرشاد القلوب (٢٦٠) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ١٢٨ ) وفيه قول الشاعر:

عليّ على التأويل لا شك قاتل

كقتلي على تأويله كلّ مجرم

ومناقب الخوارزمي (٢٢٣) وحلية الأولياء ( ج ١؛ ٦٧ ) وأسد الغابة ( ج ٤؛ ٣٢ ) وكفاية الطالب (٩٧) وكنز العمال ( ج ٦؛ ٤٠٧ ) و ( ج ١١؛ ٦١٣ ) وخصائص النسائي ( ١٣١، ومستدرك الحاكم ( ج ٢؛ ١٣٧ ) و ( ج ٣؛ ١٢٢ ) و ( ج ٤؛ ٢٩٨ ) وتذكرة الخواص (٥٤) ومناقب ابن المغازلي (١١٦) ومسند أحمد ( ج ٣؛ ٣٣ ) وأسنى المطالب (١١٣) ومفتاح النجا المخطوط (١٠٢) وينابيع المودّة ( ج ١؛ ١٣٤ ) و ( ج ٢؛ ٥٨، ١٠٧ ) و ( ج ٣؛ ٩٨ ).

وأمّا رواية: وهو يقاتل على تأويله كما قاتل على تنزيله

فهي صحيحة أيضا، باعتبار أنّ عليّاعليه‌السلام قاتل قريشا كافرين تحت لواء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ،

٢٦٧

وقاتلهم مفتونين بوصية منهصلى‌الله‌عليه‌وآله . قال الإمام عليّعليه‌السلام - كما في نهج البلاغة ( ج ١؛ ٨١ ) -: مالي ولقريش، والله لقد قاتلتهم كافرين ولأقاتلنّهم مفتونين.

وفي تفسير القمّي ( ج ٢؛ ٣٣٩ ) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لفاطمةعليها‌السلام : [ عليّ ] يقاتل المشركين على تنزيل القرآن، والمنافقين من أهل البغي والنكث والفسوق على تأويله.

وفي الاحتجاج ( ج ١؛ ١٥٧ ) عن سليم بن قيس قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام : فتقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت معي على تنزيله.

وموالاة أولياء الله، محمّد وذريته والأئمة خاصة، ويتوالى من والاهم وشايعهم، والبراءة والعداوة لمن عاداهم وشاقّهم

إنّ الموالاة لأولياء الله - محمّد وآل محمّد صلوات الله عليهم - والمعاداة لأعدائهم، هي ما يعبر عنه بالتولّي والتبرّي، وهما عند الإماميّة من فروع الدين العشرة، وقد وردت الروايات الصحيحة المتضافرة بتعداد شرائع الدين وشروط الإسلام، واشتراطها جميعا بالتولّي والتبرّي. وقد روى الصدوق في الخصال شرائط الإسلام، وفيها الشروط المذكورة في الطّرف وزيادة، وفي هذه الرواية، جاء في ص ٦٠٧ من الخصال قول الإمام الصادقعليه‌السلام :

وحبّ أولياء الله والولاية لهم واجبة، والبراءة من أعدائهم واجبة، ومن الذين ظلموا آل محمّد، وهتكوا حجابه، فأخذوا من فاطمة فدك، ومنعوها ميراثها، وغصبوها وزوجها حقهما، وهمّوا بإحراق بيتها، وأسّسوا الظلم، وغيّروا سنّة رسول الله، والبراءة من الناكثين والقاسطين والمارقين واجبة، والبراءة من الأنصاب والأزلام؛ أئمّة الضلال وقادة الجور كلّهم، أوّلهم وآخرهم واجبة، والبراءة من أشقى الأوّلين والآخرين شقيق عاقر ناقة ثمود؛ قاتل أمير المؤمنين واجبة، والبراءة من جميع قتلة أهل البيت واجبة، والولاية للمؤمنين الذين لم يغيروا ولم يبدلوا بعد نبيّهم واجبة ...

وفي قرب الإسناد ( ٣٥١ / الحديث ١٢٦٠ ) عن أبي نصر البزنطيّ، قال كتبت إلى الرضا فكتبعليه‌السلام : بسم الله الرحمن الرحيم، قد وصل كتابك إليّ وقال أبو جعفرعليه‌السلام : من سرّه أن لا يكون بينه وبين الله حجاب فليتولّ آل محمّد ويبرأ من عدوّهم، ويأتمّ

٢٦٨

بالإمام منهم، فإنّه إذا كان كذلك نظر الله إليه ونظر إلى الله ...

وفي بصائر الدرجات: ٥٣، بسنده عن جابر، عن الصادقعليه‌السلام ، قال: لمّا نزلت هذه الآية( يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ ) (١) قال: فقال المسلمون: يا رسول الله ألست إمام الناس كلّهم أجمعين؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا رسول الله إلى الناس أجمعين، ولكن سيكون بعدي أئمة على الناس من الله من أهل بيتي، يقومون في الناس، فيكذّبون، ويظلمهم أئمّة الكفر والضلال وأشياعهم، ألا ومن والاهم واتّبعهم وصدّقهم فهو منّي ومعي، وسيلقاني، ألا ومن ظلمهم وأعان على ظلمهم، وكذّبهم، فليس منّي ولا معي وأنا منه بريء.

وفي تفسير فرات (٣٠٦) بسنده عن ابن عبّاس، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال في خطبة له: أيّها الناس، إنّه سيكون بعدي قوم يكذبون عليّ، فلا تقبلوا إذا كان ذلك فعليكم بالسمع والطاعة للسابقين من عترتي هؤلاء البررة المهتدون المهتدى بهم، من جاءني بطاعتهم وولايتهم أولجته جنّتي وأبحته كرامتي، ومن جاءني بعداوتهم والبراءة منهم أولجته ناري وضاعفت عليه عذابي، وذلك جزاء الظالمين ومثله في معاني الأخبار (١١٣) وعيون أخبار الرضا ( ج ١؛ ١٦١ ) وعلل الشرائع (٥٨) وإرشاد القلوب ( ٢٥٣ - ٢٥٨، ٤٢٤ - ٤٢٦ ) وانظر بحار الأنوار ( ج ٢٧؛ ٥١ - ٦٣ ) الباب الأول من أبواب ولايتهم وحبّهم وبغضهمعليهم‌السلام .

هذا مضافا إلى ما صحّ في خصوص عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، وقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فيه: لا يقبل الله إيمان عبد إلاّ بولايته والبراءة من أعدائه. كما في نهج الحق (٢٣٢) وينابيع المودّة ( ج ١؛ ١٢١ ) وكفاية الطالب (٢٥١) وغيرها من المصادر، ومضافا إلى أنّ التولّي والتبرّي من أصول وضروريات المذهب الحقّ، مذهب الإماميّة.

اعلموا أنّي لا أقدّم على عليّ أحدا، فمن تقدّمه فهو ظالم

إنّ تقديم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاعليه‌السلام على جميع المسلمين ثابت قطعا ولا يشك فيه مسلم، فقد قرّر هذه الحقيقة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قولا وعملا، فإنّهعليه‌السلام كان صاحب لوائهصلى‌الله‌عليه‌وآله والمبلّغ

__________________

(١) الإسراء؛ ٧١

٢٦٩

عنه، وأخاه، ووصيّه، وأنّ النبي أمّره على جميع الصحابة ولم يؤمّر أحدا عليه، وأما النصوص القوليّة فإليك بعضها:

في أمالي الصدوق ( ٣٣٥، ٥٢٢ ) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من فضّل أحدا من أصحابي على عليّ فقد كفر.

في كشف الغمّة ( ج ١؛ ٣٨١ ) قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لابن عبّاس: يا بن عبّاس إنّ من علامة بغضهم له تفضيل من هو دونه عليه ....

وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ٥٤ ) قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام : لا يتقدّمك إلاّ كافر.

وفي بشارة المصطفى (٤٣) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تضادّوا بعلي أحدا فتكفروا وتضلوا، ولا تفضّلوا عليه أحدا فترتدّوا.

وفي أمالي الصدوق (٢٢٥) وبشارة المصطفى (٤٣) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من تقدّم على عليّ فقد تقدّم عليّ.

وفي التهاب نيران الأحزان (١٦) قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في خطبة الغدير: ملعون ملعون من قدّم أو تقدّم عليه.

وفي كتاب اليقين (٤٢٦) قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يتقدّمه أحد غيري.

وفي كتاب اليقين ( ٢٤١، ٢٤٢ عن « المائة حديث » ) وفي كتاب التحصين (٥٦٩) عن كتاب « نور الهدى » بسند عامّي إلى ابن عباس، في حديث قال فيه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام : فأنت يا عليّ أمير من في السماء، وأمير من في الأرض، ولا يتقدّمك بعدي إلاّ كافر، ولا يتخلّف عنك بعدي إلاّ كافر ....

وسيأتي المزيد من ذلك في الطّرفة الحادية عشر، عند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ عليّا هو العلم، فمن قصر دون العلم فقد ضلّ، ومن تقدّمه تقدّم إلى النار.

البيعة بعدي لغيره ضلالة وفلتة وزلة

هذه الفقرة مبتنية على ما تقدّمها؛ لأنّ من بايع غير من نصّ عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يكون ظالما، فتكون بيعته ضلالة وفلتة وزلّة لا محالة، وقد وردت النصوص في ذلك عن أئمّة

٢٧٠

آل محمّد صلوات الله عليهم، وعن عليّعليه‌السلام على وجه الخصوص.

ففي الخصال ( ٣٦٥ - ٣٨٢ ) بسنده عن الإمام الباقرعليه‌السلام ، قال: أتى رأس اليهود عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام عند منصرفه عن وقعة النهروان فقال له عليّعليه‌السلام : وأمّا الثانية يا أخا اليهود؛ فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمّرني في حياته على جميع أمّته، وأخذ على جميع من حضره منهم البيعة بالسمع والطاعة لأمري، وأمرهم أن يبلّغ الشاهد الغائب ذلك وأقبلوا يتبادرون على الخيل ركضا إلى حلّ عقدة عقدها الله لي ولرسوله في أعناقهم فحلّوها، وعهد عاهدوا الله ورسوله فنكثوه وأمّا الثالثة يا أخا اليهود؛ فإنّ القائم بعد النبيّ كان يلقاني معتذرا في كلّ أيّامه ويلزم غيره ما ارتكبه من أخذ حقّي ونقض بيعتي فلمّا دنت وفاة القائم وانقضت أيّامه صيّر الأمر بعده لصاحبه وأخذ منّي ما جعله الله لي وقد قبض محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وإنّ ولاية الأمّة في يده وفي بيته، لا في يد الألى تناولوها ولا في بيوتهم ثمّ لم تطل الأيّام بالمستبدّ بالأمر ابن عفّان حتّى كفّروه وتبرءوا منه، ومشى إلى أصحابه خاصّة وسائر أصحاب رسول الله عامّة يستقيلهم من بيعته، ويتوب إلى الله من فلتته وروى هذا الخبر الديلمي في إرشاد القلوب ( ٣٤٨ - ٣٥٠ ).

والروايات في ذلك متضافرة، وحسبك منها الخطبة الشقشقيّة المذكورة في نهج البلاغة، وغيرها من كلمات عليّعليه‌السلام والأئمّة، الصريحة في ظلم المتقدّمين واغتصابهم للخلافة.

وقد اعترف أبو بكر بأنّ بيعته كانت فلتة، حيث صعد المنبر فقال: إنّ بيعتي كانت فلتة وقى الله شرّها. كما في السقيفة وفدك (٧٠) وشرح النهج ( ج ٦؛ ٤٧ ).

وفي الرياض النضرة ( ج ١؛ ٢٥١ ) عن زيد بن أسلم، قال: دخل عمر على أبي بكر وهو آخذ بطرف لسانه، وهو يقول: إنّ هذا أوردني الموارد، ثمّ قال: يا عمر لا حاجة لي في إمارتكم.

وطار قول عمر في ذلك كلّ مطار، ففي الملل والنحل ( ج ١؛ ٣٠، ٣١ ) قول عمر: ألا إنّ بيعة أبي بكر فلتة وقى الله المسلمين شرّها، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه، فأيّما رجل بايع رجلا

٢٧١

من غير مشورة من المسلمين فإنّهما تغرّة يجب أن يقتلا.

وفي تاريخ الطبريّ ( ج ٣؛ ٢٠٠ ) قول عمر في خطبة له: ثمّ إنّه بلغني أنّ قائلا منكم يقول: لو مات عمر بن الخطاب بايعت فلانا، فلا يغرّن امرأ أن يقول: إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة، فقد كانت كذلك، غير أنّ الله وقى شرّها.

وقد كان المسلمون يعلمون أنّ بيعة أبي بكر فلتة وصرّحوا بذلك، فادّعى عمر أنّ الله وقى شرّها، وكيف يصحّ ذلك وشرّها باق حتّى اليوم؟! نعم، إنّ المسلمين كانوا يعلمون ذلك، فحاول عمر استدراك الموقف؛ ففي تاريخ الطبريّ ( ج ٣؛ ٢١٠ ) عن الضحاك بن خليفة، قال: وكانت فلتة كفلتات الجاهليّة.

وفي كتاب سليم بن قيس (١٤٥) عن عليّعليه‌السلام : وأنّهم أقرّوا بالشورى، ثمّ أقرّوا أنّهم لم يشاوروا، وأنّ بيعته كانت فلتة، وأيّ ذنب أعظم من الفلتة؟!.

انظر الشافي في الإمامة ( ج ٤؛ ١٢٤ ) وتذكرة الخواص (٦١) وتقريب المعارف (٣٧٦) وسيرة ابن هشام ( ج ٤؛ ٣٠٧ ) والرياض النضرة ( ج ١؛ ٢٣٣ ) وتاريخ الخلفاء (٦٧) والسيرة الحلبيّة ( ج ٣؛ ٣٦٣ ) وكنز العمال ( ج ٥؛ ٦٠١، ٦٠٧، ٦٣٦ ) والمصنّف لعبد الرزاق ( ج ٥؛ ٤٤١ ) والصواعق المحرقة ( ٥، ٨، ٢١ ) والنهاية لابن الأثير ( ج ٥؛ ٢٢٨ ) ولسان العرب ( ج ٢؛ ٦٧ ) والروض الأنف ( ج ٧؛ ٥٥٣ ).

وسيأتي المزيد في الطّرفة(٢٠) ، عند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إيّاكم وبيعات الضلالة والشورى للجهالة » في أثناء بيان ما يتعلّق بالشورى.

بيعة الأوّل ضلالة، ثمّ الثاني، ثمّ الثالث

روى الكليني في الكافي ( ج ١؛ ١٧١ - ١٨٢ ) بإسناده، عن الصادقعليه‌السلام ، قال: إنّكم لا تكونون صالحين حتّى تعرفوا، ولا تعرفوا حتّى تصدّقوا، ولا تصدّقوا حتّى تسلّموا؛ أبوابا أربعة [ وهي التوبة عن الشرك، والإيمان بالوحدانيّة، والعمل الصالح، والاهتداء إلى الحججعليهم‌السلام ] لا يصلح أوّلها إلاّ بآخرها، ضلّ أصحاب الثلاثة وتاهوا تيها بعيدا، إنّ الله

٢٧٢

تبارك وتعالى لا يقبل إلاّ العمل الصالح، ولا يقبل الله إلاّ الوفاء بالشروط والعهود اقتصّوا الطريق بالتماس المنار، والتمسوا من وراء الحجب الآثار، تستكملوا أمر دينكم وتؤمنوا بالله ربّكم.

وفي بصائر الدرجات: ٥٣٨ بسنده، عن الصادقعليه‌السلام - في قوله تعالى:( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى ) (١) - قال: نحن والله أولو النهى، قلت ما معنى:( لِأُولِي النُّهى ) ؟ قال: ما أخبر الله رسوله، ممّا يكون من بعده من ادّعاء فلان الخلافة والقيام بها، والآخر من بعده، والثالث من بعدهما، وبني أميّة، فأخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاعليه‌السلام فكان ذلك كما أخبر الله رسوله، وكما أخبر رسوله عليّا.

وفي الكافي أيضا ( ج ١؛ ٤٢٦ ) بسنده، عن الصادقعليه‌السلام في قوله تعالى:( حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ ) (٢) قال: يعني أمير المؤمنين،( وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ ) (٣) الأوّل والثاني والثالث.

وفيه أيضا ( ج ١؛ ٤٢٦ ) بسنده عن الإمام الكاظمعليه‌السلام قال: لمّا رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تيما وعديّا وبني أميّه يركبون منبره أفظعه، فأنزل الله تبارك وتعالى قرآنا يتأسى به( وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى ) (٤) ثمّ أوحى إليه: يا محمّد إنّي أمرت فلم أطع فلا تجزع أنت إذا أمرت فلم تطع في وصيّك.

وفيه أيضا ( ج ١؛ ١٩٥ ) بإسناده، عن الصادقعليه‌السلام في قوله تعالى:( أَوْ كَظُلُماتٍ ) (٥) قال: الأوّل وصاحبه( يَغْشاهُ مَوْجٌ ) (٦) الثالث( مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ ) (٧) ظلمات الثاني( بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ ) (٨) معاوية لعنه الله وفتن بني أميّة وذكر الكلينيّ بإسناد آخر إلى الإمام الكاظمعليه‌السلام مثله.

__________________

(١) طه؛ ١٢٨

(٢) الحجرات؛ ٧

(٣) الحجرات؛ ٧

(٤) طه؛ ١١٦

(٥ - ٨) النور: ٤٠.

٢٧٣

وفيه ( ج ١؛ ٤٢٠ ) بإسناده، عن الصادقعليه‌السلام في قول الله عزّ وجلّ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً ) (١) ( لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ ) (٢) قال: نزلت في فلان وفلان وفلان، آمنوا بالنبيّ في أوّل الأمر، وكفروا حيث عرضت عليهم الولاية؛ حين قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه، ثمّ آمنوا بالبيعة لأمير المؤمنين، ثمّ كفروا حيث مضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فلم يقرّوا بالبيعة، ثمّ ازدادوا كفرا بأخذهم من بايعه بالبيعة لهم، فهؤلاء لم يبق فيهم من الإيمان شيء.

وفي تقريب المعارف (٢٤٢) عن أبي كدينة، عن عليّعليه‌السلام أنّه قال: إنّ الله لا يرضى عنهما حتّى يرضياني، وأيم الله لا يرضياني أبدا.

وفيه أيضا (٣٣٠) قول عليّعليه‌السلام : ولئن تقمّصها دوني الأشقيان، ونازعاني فيما ليس لهما بحقّ، وهما يعلمان، وركباها ضلالة، واعتقداها جهالة ....

وأشهر من ذلك ما قاله الإمام عليّعليه‌السلام في الخطبة الشقشقيّة - كما في نهج البلاغة ( ج ١؛ ٣٠ ) - حيث بيّن ضلالة بيعة من قبله، فقال: أما والله لقد تقمّصها فلان وإنّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرحى حتّى مضى الأوّل لسبيله فأدلى بها إلى فلان بعده حتّى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أنّي أحدهم، فيا لله وللشورى ....

وهذا المعنى من المسلّمات والمتواترات في التاريخ، يعلمه كلّ من تصفّح بيعة السقيفة، وإعطاء أبي بكر الأمر لعمر بعده، ومن ثمّ الشورى الكاذبة الّتي حاولوا فيها قتل عليّعليه‌السلام كما سيأتي، وفي كلّ هذه البيعات تظهر جليّا الآثار القبليّة والتآمر على عليّعليه‌السلام ، وآثار الفلتة والضلالة.

وانظر تذكرة الخواص ( ١٢٤، ١٢٥ ) والخصال ( ٣٧١ - ٣٨٢ ) والكافي ( ج ١؛ ١٨٣، ٣٧٣، ٣٧٤، ٤١٣، ٤٢٠ ) وتقريب المعارف ( ٢٤٧، ٢٤٨ ) وبصائر الدرجات (٥٣٨) وتفسير العيّاشي ( ج ١؛ ١٢١ ) و ( ج ٢؛ ٢٨٩ ) وتفسير القمّي ( ج ٢؛ ٤٧ ) وروايات

__________________

(١) النساء؛ ١٣٧

(٢) آل عمران؛ ٩٠

٢٧٤

أهل البيتعليهم‌السلام متّفقة على هذا المعنى، ومن شاء المزيد فليراجع المجلّد الثامن من بحار الأنوار ( ٢٠٧ - ٢٥٠ / باب كفر الثلاثة ونفاقهم ) وكتاب سليم بن قيس ففيه إيضاح علي وأصحابه وأئمّة أهل البيت لضلالة بيعة الثلاثة.

وويل للرابع، ثمّ الويل له ولأبيه

لقد لعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبا سفيان ومعاوية قبل إسلامهما في فتح مكّة، وذلك أنّهما كانا - وبالأخص أبو سفيان - يقاتلان رسول الله ويحرّضان عليه، وكذلك لعنهما الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد إظهارهما الإسلام ونفاقهما.

ففي تذكرة الخواص ( ٢٠٠، ٢٠١ ) نقلا عن أهل السير، لقول الحسنعليه‌السلام لمعاوية: وأنت يا معاوية نظر النبي إليك يوم الأحزاب، فرأى أباك على جمل يحرّض الناس على قتاله، وأخوك يقود الجمل، وأنت تسوقه، فقال: لعن الله الراكب والقائد والسائق، وما قابله أبوك في موطن إلاّ ولعنه وكنت معه ....

وفي الاحتجاج ( ج ١؛ ٢٧٤ ) عن الشعبي وأبي مخنف، ويزيد بن أبي حبيب المصريّ أنّ الحسنعليه‌السلام قال في احتجاجه على جماعة من المنكرين لفضله وفضل أبيه من قبل بحضرة معاوية: أنشدكم بالله هل تعلمون أنّ ما أقول حقّا؟ إنّك يا معاوية كنت تسوق بأبيك على جمل أحمر يقوده أخوك هذا القاعد، وهذا يوم الأحزاب، فلعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله القائد والراكب والسائق، فكان أبوك الراكب، وأنت يا أزرق السائق، وأخوك هذا القاعد القائد؟ أنشدكم بالله هل تعلمون أنّ رسول الله لعن أبا سفيان في سبعة مواطن [ ثمّ عدّد الإمام الحسنعليه‌السلام المواطن السبعة ].

وفي تاريخ الطبريّ ( ج ١١؛ ٣٥٧ ) ومنه قول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله - وقد رآه مقبلا على حمار، ومعاوية يقوده، ويزيد ابنه يسوق به -: لعن الله القائد والراكب والسائق.

وانظر في لعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أبا سفيان ومعاوية شرح النهج ( ج ٤؛ ٧٩ ) و ( ج ٦؛ ٢٧، ٢٨ ) ومعاني الأخبار (٣٤٥) وكتاب صفين ( ٢١٧، ٢١٨، ٢٢٠ ) والخصال (١٩١) ونهج الحقّ

٢٧٥

(٣١٠) وتطهير الجنان (٥٥) والمحاسن والمساوئ ( ٨٤ - ٨٦ ).

وفي نهج الحقّ (٣٠٩) إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يلعن معاوية دائما ويقول: الطليق ابن الطليق، اللّعين ابن اللّعين.

وفي كتاب صفين ( ٢١٩، ٢٢٠ ) أسند نصر، عن عبد الله بن عمر، أنّه قال:

أتيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فسمعته يقول: يطلع عليكم من هذا الفج رجل يموت حين يموت على غير سنّتي، فطلع معاوية.

وانظر نهج الحقّ (٣١٠) وتاريخ الطبريّ ( ج ١١؛ ٣٥٧ ) وتقوية الإيمان (٨٩) حيث نقله عن الجزء الأوّل من تاريخ البلاذريّ.

وفي كتاب صفين (٢١٨) أسند نصر، عن عليّعليه‌السلام ، قال: رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فشكوت إليه، فقال: هذه جهنم فانظر من فيها، فإذا معاوية وعمرو بن العاص معلّقين بأرجلهما منكّسين، ترضخ رءوسهما بالحجارة. أو قال: تشدخ. وانظر شرح النهج ( ج ٤؛ ١٠٩ ) والخرائج والجرائح ( ٢٢٣، ٢٢٤ ).

وفي الكتاب الّذي كتبه المعتضد العبّاسي - كما في تاريخ الطبري ( ج ١١؛ ٣٥٧ ) - فيه، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قوله: إنّ معاوية في تابوت من نار في أسفل درك من جهنّم، ينادي: يا حنّان يا منّان، فيقال له:( آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ) (١) . وانظر شرح النهج ( ج ١٥؛ ١٧٦ ).

وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ١٦٤ ) عن الإمام الباقرعليه‌السلام قال: قال أمير المؤمنين - وهو يقاتل معاوية في قوله تعالى:( فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ ) (٢) -: هم هؤلاء وربّ الكعبة. قال ابن مسعود: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أئمّة الكفر معاوية وعمرو.

وفي كتاب سليم بن قيس (١٩٦) من جملة كتاب كتبه الإمام عليّعليه‌السلام إلى معاوية، وفيه: وأنت صاحب السلسلة الّذي يقول:( يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ ما

__________________

(١) يونس؛ ٩١

(٢) التوبة؛ ١٢

٢٧٦

حِسابِيَهْ ) (١) سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول ذلك، وكذلك كلّ إمام ضلالة كان قبلك أو يكون بعدك، له مثل ذلك من خزي الله وعذابه.

وفي تأويل الآيات الظاهرة ( ج ٢؛ ٦٩٤ ) عن الصادقعليه‌السلام : إن معاوية صاحب السلسلة وهو فرعون هذه الأمّة.

وفي بصائر الدرجات (٣٠٥) باسناده إلى الصادقعليه‌السلام قال: بينا أنا وأبي متوجّهان إلى مكّة وأبي قد تقدّمني في موضع يقال له: ضجنان، إذ جاء رجل وفي عنقه سلسلة يجرّها، فأقبل عليّ فقال: اسقني اسقني اسقني، قال: فصاح بي أبي: لا تسقه لا سقاه الله، قال: فرجل يتبعه حتّى جذب سلسلته جذبة فألقاه وطرحه في أسفل درك من النار.

وفيه أيضا (٣٠٥) بإسناده عن عليّ بن المغيرة، قال: نزل أبو جعفر بوادي ضجنان، فقال ثلاث مرّات: لا غفر الله لك، ثمّ قال لأصحابه: أتدرون لم قلت ما قلت؟ قالوا: لم قلت جعلنا الله فداك؟ قال: مرّ معاوية يجرّ سلسلة، قد أدلى لسانه يسألني أن أستغفر له، وإنّه يقال: هذا وادي ضجنان من أودية جهنّم. وانظر بصائر الدرجات ( ٣٠٤ - ٣٠٧ ) ففيه عدّة أحاديث في ذلك.

هذا، وقد أخبر عليّعليه‌السلام بسوء عاقبة معاوية، فقالعليه‌السلام : لا يموت ابن هند حتّى يعلّق الصليب في عنقه، فكان كما قالعليه‌السلام . وقد رواه الأحنف بن قيس، وابن شهاب الزهريّ، وابن أعثم الكوفي، وأبو حيان التوحيديّ، وأبو الثلاج في جماعة. انظر المناقب لابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ٢٥٩ ) والصراط المستقيم ( ج ٣؛ ٥٠ ) حيث نقلاه عن محاضرات الراغب أيضا.

مع ويل لمن كان قبله

إنّ استحقاق عثمان للعذاب واضح من أفعاله وتحريفاته في الدين، حتّى ثار عليه الصحابة فقتلوه، وقد لعنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في عدّة مواطن، غير المواطن الّتي فرّ فيها

__________________

(١) الحاقة: ٢٥ - ٢٦.

٢٧٧

من الزحف، فهو ملعون فيها بنصّ القرآن المجيد.

ففي الكافي ( ج ٣؛ ٢٥١ / الحديث ٨ بسنده )، عن يزيد بن خليفة الخولاني، قال: سأل عيسى بن عبد الله أبا عبد اللهعليه‌السلام - وأنا حاضر - فقال: تخرج النساء إلى الجنازة؟ وكانعليه‌السلام متكئا فاستوى جالسا، ثمّ قال: إنّ الفاسق عليه لعنة الله [ يعني عثمان ] آوى عمّه المغيرة بن أبي العاص، وكان ممّن هدر رسول الله دمه، فقال لابنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تخبري أباك بمكانه؛ كأنّه لا يوقن أنّ الوحي يأتي محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالت: ما كنت لأكتم رسول الله عدوّه، فجعله بين مشجب له ولحّفه بقطيفة، فأتى رسول الله الوحي فأخبره بمكانه، فبعث إليه عليّاعليه‌السلام ، وقال: اشتمل على سيفك، وائت بيت ابنة ابن عمّك، فإن ظفرت بالمغيرة فاقته، فأتى البيت فجال فيه فلم يظفر به، فرجع إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبره، فقال: يا رسول الله لم أره، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الوحي قد أتاني فأخبرني أنّه في المشجب.

ودخل عثمان بعد خروج عليّعليه‌السلام ، فأخذ بيد عمّه، فأتى به إلى النبي، فلمّا رآه أكبّ عليه ولم يلتفت إليه، وكان نبي الله حييّا كريما، فقال: يا رسول الله هذا عمّي، هذا المغيرة بن أبي العاص وقد - والّذي بعثك بالحقّ - أمّنته.

قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : وكذب، والذي بعثه بالحقّ ما أمّنه، فأعادها ثلاثا، وأعادها أبو عبد الله ثلاثا « أنّى أمّنه »، إلاّ أنّه يأتيه عن يمينه، ثمّ يأتيه عن يساره، فلمّا كان في الرابعة رفعصلى‌الله‌عليه‌وآله رأسه إليه فقال له: قد جعلت لك ثلاثا، فإن قدرت عليه بعد ثالثة قتلته.

فلمّا أدبر قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : اللهم العن المغيرة بن أبي العاص، والعن من يؤويه، والعن من يحمله، والعن من يطعمه، والعن من يسقيه، والعن من يجهّزه، والعن من يعطيه سقاء أو حذاء أو رشاء أو وعاء، وهوصلى‌الله‌عليه‌وآله يعدّهنّ بيمينه، وانطلق به عثمان وآواه وأطعمه وسقاه وحمله وجهزة حتّى فعل جميع ما لعن النبي من يفعله به [ ثمّ أخرج المغيرة في اليوم الرابع فعطبت راحلته في الطريق ونقب حذاؤه وورمت قدماه، فأخبر جبرئيل النبي بمكانه، فبعثصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّا ومعه رجلان، فأتى المغيرة تحت الشجرة فقتله، فضرب عثمان زينب بنت رسول الله متّهما لها بأنّها هي الّتي أخبرت النبي، فأرسلت إلى النبي مرارا وهو يأمرها

٢٧٨

بالجلوس في بيتها، حتّى أرسلت إليه: إنّه قد قتلني، فأرسلصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّا فجاء بها ] ثمّ أدخلها منزلهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكشفت عن ظهرها، فلمّا رأى ما بظهرها قال ثلاث مرّات: ما له قتلك قتله الله وانظر الحادثة في التهذيب ( ج ٣؛ ٣٣٣ ) والخرائج والجرائح ( ٨٦، ٨٧ ).

وفي كتاب سليم بن قيس: ٩٢ فقال عثمان: يا أبا الحسن ما عندك وعند أصحابك هؤلاء حديث في؟ فقال عليّعليه‌السلام : بلى، سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يلعنك ثمّ لم يستغفر الله لك بعد ما لعنك.

وفيه (١٣١) قول عليّعليه‌السلام : ثمّ بايع ابن عوف عثمان، فبايعوه، وقد سمعوا من رسول الله في عثمان ما سمعوه من لعنه إياه في غير موطن.

وفي تقريب المعارف (٢٨٧) قالت عائشة لعثمان: لقد لعنك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ ما استغفر لك حتّى مات.

وفيه (٢٩٥) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: إنّ عثمان جيفة على الصراط يعطف عليه من أحبّه ويجاوزه عدوّه.

وفيه (٢٧٥) عن عبيدة السلماني، قال: سمعت عبد الله بن مسعود يلعن عثمان، فقلت له في ذلك، فقال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يشهد له بالنار.

وانظر في ذلك المسترشد في الإمامة ( ١٦٤، ١٦٥، ٢٢٠ ) والصراط المستقيم ( ج ٣؛ ٤٥ ).

هذا كلّه بناء على اختصاص « من كان قبله » بعثمان، والأظهر من العبارة إرادة جميع من قبل معاوية، أعني الأوّل والثاني والثالث، ولذلك فصّلهما من حيث الظلم لأمير المؤمنين واغتصابهم الخلافة، فقال: « ويل لهما ولصاحبهما » أي ويل للشيخين، ولصاحبهما عثمان، وإنّما خصّهما أوّلا ثمّ ذكر عثمان باعتبارهما رأس الحربة في غصب الخلافة، وعثمان تبع لهما في ذلك. وإنّما خصصنا الفقرة السابقة بعثمان لبيان حاله على حدة؛ لأنّ لسان أغلب الروايات منصبّ على الشيخين بالذات، فلذلك أفردنا الويل واللّعن لعثمان في الفقرة السالفة، وسنذكر هنا ما يفي بكل الموضوع إجمالا، حيث خصّ الأوّلان بالويل واللّعن ثمّ الثالث ثمّ معاوية وبني أميّة، وربّما جاء ذكر عثمان ومعاوية في الروايات داخلا في جملة بني أميّة دون ذكرهما بالخصوص.

٢٧٩

ويل لهما ولصاحبهما، لا غفر الله له ولهما زلّة

في كتاب سليم بن قيس (١٩٦) من كتاب كتبه عليّعليه‌السلام إلى معاوية، فيه: ونزل فيكم قول الله عزّ وجلّ( وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ) (١) وذلك أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رأى اثني عشر إماما من أئمّة الضلالة على منبره يردّون الناس على أدبارهم القهقرى؛ رجلان من قريش، وعشرة من بني أميّة، أوّل العشرة صاحبك [ أي عثمان ] الذي تطلب بدمه، وأنت وسبعة من ولد الحكم بن أبي العاص، أوّلهم مروان، وقد لعنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ....

وفي تفسير العيّاشي ( ج ٢؛ ٣٢٠ ) عن زرارة وحمران ومحمّد بن مسلم، قالوا: سألناه عن قوله:( وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ ) (٢) قال: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أري أنّ رجالا على المنابر يردّون الناس ضلاّلا، زريق وزفر. وقوله:( وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ) (٣) ، قال: هم بنو أميّة.

وفي بصائر الدرجات (٤٤١) بإسناده عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنّه قال للحارث الأعور - وهو عنده -: هل ترى ما أرى؟ فقال: كيف أرى ما ترى وقد نوّر الله لك وأعطاك ما لم يعط أحدا؟

قالعليه‌السلام : هذا فلان - الأوّل - على ترعة من ترع النار يقول: يا أبا الحسن استغفر لي، لا غفر الله له هذا فلان - الثاني - على ترعة من ترع النار يقول: يا أبا الحسن استغفر لي، لا غفر الله له.

وفي تقريب المعارف (٢٤١) عن عليّعليه‌السلام أنّه قال: والله لأخاصمنّ أبا بكر وعمر إلى الله تعالى، والله ليقضينّ لي الله عليهما.

__________________

(١) الإسراء؛ ٦٠

(٢) الإسراء؛ ٦٠

(٣) الإسراء؛ ٦٠

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653