طرف من الأنباء والمناقب

طرف من الأنباء والمناقب9%

طرف من الأنباء والمناقب مؤلف:
المحقق: الشيخ قيس العطّار
الناشر: انتشارات تاسوعاء
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 653

طرف من الأنباء والمناقب
  • البداية
  • السابق
  • 653 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 210700 / تحميل: 6560
الحجم الحجم الحجم
طرف من الأنباء والمناقب

طرف من الأنباء والمناقب

مؤلف:
الناشر: انتشارات تاسوعاء
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

ثُمّ إنّ القرآن في الأصل مصدر نحو رجحان ، قال سبحانه :( إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ ) .(١)

قال ابن عبّاس : إذا جمعناه وأثبتناه في صدرك فاعمل به

وقد خُصّ بالكتاب المُنزَّل على نبيِّنا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فصار له كالعَلَم ، كما أنّ التوراة لمّا أُنزل على موسىعليه‌السلام ، والإنجيل لمّا أُنزل على عيسىعليه‌السلام

قال بعض العلماء : تسمية هذا الكتاب قُرآناً من بين كتب اللّه ، لكونه جامعاً لثَمرَة كُتبِه ، بل لجمعه ثَمرَة جميع العلوم ، كما أشار تعالى إليه بقوله :( وَتَفصيلاً لكلِّ شيء ) .(٢)

وعلى هذا ، فالقرآن مِن قَرَأَ بمعنى : جمع ، ولكن يُحتمل أن يكون بمعنى القراءة ، كما في قوله سبحانه : ( وَقُرآنَ الفَجْر ) (٣) ، أي : قراءته

الحلف بالكتاب :

حلف سبحانه بالكتاب مرَّتين وقال :

١ ـ( حم * والكتابِ المُبِين * إِنّا أَنْزَلْناهُ في لَيْلَةٍ مُبارَكةٍ إِنّا كُنّا مُنْذِرين ) (٤)

٢ ـ( حم * وَالكتابِ المُبِين * إِنّا جَعَلْناهُ قُرآناً عَرَبياً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون ) (٥)

ــــــــــــــــ

(١) القيامة : ١٧ـ ١٨

(٢) الأنعام : ١٥٤

(٣) الإسراء : ٧٨

(٤) الدخان : ١ـ٣

(٥) الزخرف : ١ـ٣

٦١

فالمُقسَم به هو الكتاب ، والمُقسَم عليه في الآية الأولى قوله :( إِنّا أنْزَلْناهُ في لَيْلَة مُباركة ) ، والصِلة بينهما واضحة ، حيث يحلف بالكتاب على أنّه مُنزَّل من جانبه سبحانه في ليلة مباركة

كما أنّ المُقسَم به في الآية الثانية هو الكتاب المبين ، والمُقسَم عليه هو الحلف على أنّه سبحانه جعله قرآناً عربيّاً للتعقّل ، والصِلة بينهما واضحة

ووُصف الكتاب بالمُبين دون غيره ؛ لاَنّ الغاية من نزول الكتاب هو إنذارهم وتعقّلهم ، كما جاء في الآيتين ، حيث قال :( إِنّا كُنّا مُنذرين ) ، وقال :( لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون ) ، وهذا النوع من الغاية ، أي : الإنذار والتعقّل ، يطلب لنفسه أن يكون الكتاب واضحاً مفهوماً ، لا مجهولاً ومعقداً

والكتاب في الأصل مصدر ، ثُمّ سُمّي المكتوب فيه كتاباً

إلى هنا تمّ الحلف بالقرآن والكتاب

بقي هنا الكلام في عظمة المُقسَم به

ويكفي في ذلك أنّه فعله سبحانه ، حيث أنزله لهداية الناس وإنقاذهم من الضلالة

وقد تكلّم غير واحد من المُفكّرين الغربيّين حول عظمة القرآن ، والأحرى بنا أن نرجع إلى نفس القرآن ونَستنطِقه حتى يُبدي رأيه في حقِّ نفسه

أ ـ القرآن نور ينير الطريق لطلاّب السعادة ، قال سبحانه :( قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِين ) (١)

ب ـ إنّه هدى للمُتَّقين ، قال سبحانه : ( هُدىً لِلْمُتَّقين ) (٢) فهو وإن كان هدى لعامّة الناس ، إلاّ أنّه لا يستفيد منه إلاّ المُتَّقون ؛ ولذلك خصَّهم بالذِكر

ــــــــــــــــ

(١) المائدة : ١٥

(٢) البقرة : ٢

٦٢

ج ـ هو الهادي إلى الشريعة الأقوَم ، قال سبحانه :( إِنَّ هذا القُرآنَ يَهدِي لِلَّتي هِي أَقْوم ) (١)

د ـ الغاية من إنزاله قيام الناس بالقِسط ، قال سبحانه :( وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النّاسُ بِالقِسْطِ ) .(٢)

هـ ـ لا يتطرَّق إليه الاختلاف في فصاحته وبلاغته ، ولا في مضامينه ولا محتواه ، قال سبحانه :( وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيرِ اللّهِ لوَجَدُوا فِيهِ اختلافاً كَثِيراً ) (٣)

و ـ يحثّ الناس إلى التدبُّر والتفكّر فيه :( كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُباركٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ ) (٤)

ز ـ تبيان لكلّ شيء :( وَنَزلْنا عَليْكَ الكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيء ) (٥)

ح ـ نذير للعالمين :( تَبارَكَ الَّذي نَزَّل الفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً ) (٦)

ط ـ فيه أحسن القَصص :( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القَصَص ) (٧)

ــــــــــــــــ

(١) الإسراء : ٩

(٢) الحديد : ٢٥

(٣) النساء : ٨٢

(٤) ص : ٢٩

(٥) النحل : ٨٩

(٦) الفرقان : ١

(٧) يوسف : ٣

٦٣

ي ـ ضُرب فيه للناس من كلِّ مَثل :( وَلَقَدْ صَرَّفْنا في هذا الْقُرآنِ لِلنّاسِ من كُلِّ مَثَل ) (١)

هذه نماذج من الآيات الّتي تصف القرآن ببعض الأوصاف

وللنبي والأئمّة المعصومين كلمات قيِّمة حول التعريف بالقرآن ، ننقل شذرات منها :

قام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطيباً ، فقال :( أيّها الناس ، إنّكم في دار هُدنة ، وأنتم على ظَهرِ سفر ، والسير بكم سريع ، وقد رأيتم الليل والنهار والشمس والقمر يُبليان كلّ جديد ، ويُقرّبان كلّ بعيد ، ويأتيان بكلّ موعود ، فأعدّوا الجهاز لبُعد المُجاز )

فقام المُقداد بن الأسود وقال : يا رسول اللّه ، و ما دار الهُدنة ؟

قال : ( دار بلاغٍ وانقطاعٍ .

فإذا التبست عليكم الفِتن كقطع اللّيل المُظلِم ، فعليكم بالقرآن ، فإنّه شافِع مُشفَّع وماحِل مُصدَّق ، ومَن جعله أَمامَه قادَه إلى الجنّة ، ومَن جعله خلفه ساقه إلى النار

وهو الدليل ، يدلُّ على خير سبيل ، وهو كتاب فيه تفصيل وبيان وتحصيل ، وهو الفَصل ليس بالهَزل ، وله ظَهْر وبَطْن ، فظاهره حكم وباطنه عِلم ، ظاهره أنيق وباطنه عَميق ، له نجوم وعلى نجومه نجوم ، لا تُحصى عجائبه ولا تبلَى غرائبه ، فيه مصابيح الهدى ومنار الحكمة ، ودليل على المعرفة لمَن عرف الصِفة

فليَجل جال بَصَره ، وليبلغ الصِفة نظره ، ينج مَن عطب ، ويتخلَّص مَن نشب ، فإنّ التَفكُّر حياة قلبِ البصير ، كما يمشي المُستنير في الظلمات بالنور ، فعليكم بحُسنِ التخلّص وقلَّة التربّص ) (٢)

ــــــــــــــــ

(١) الكهف : ٥٤

(٢) الكافي : ٢/٥٩٩ ، كتاب فضل القرآن

٦٤

وقال الإمام علي أمير المؤمنينعليه‌السلام في وصف القرآن :

( ثُمّ أنزلَ عليه الكتاب نوراً لا تطفأ مصابيحه ، وسراجاً لا يخبُو توقُّده ،وبحراً لا يُدرك قعرُه ، فهو ينابيع العلم وبحوره ، وبحر لا يَنزِفه المُستنزفون ، وعيون لا يُنضِبُها الماتِحُون ، ومناهل لا يَغيضُها الواردون ) (١)

إلى غير ذلك من الخُطب والكلم حول التعريف بالقرآن ، الواردة عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام

ــــــــــــــــ

(١) نهج البلاغة : الخطبة ١٩٨

٦٥

الفصل الخامس : القَسَمُ بالعَصْر

حلف سبحانه بالعصر مرّةً واحدة ، دون أن يقرنه بمُقسَمٍ به آخر ، وقال :( وَالعَصْر * إِنّ الإنْسانَ لَفي خُسْر ) (١)

تفسير الآيات :

العَصْر يُطلق ويراد منه تارة : الدَهر ، وجَمْعه عصور

وأُخرى : العَشيّ مقابل الغداة ، يُقال : العصران : الغداة والعشي ، والعصران : الليل والنهار ، كالقمرين للشمس و القمر

وثالثة : بمعنى الضَغْط ، فيكون مصدر عَصَرْتُ ، والمَعصور الشيء العصر ، والعُصارة نفاية ما يُعصَر ، قال سبحانه :( أَراني أَعْصِرُ خَمراً ) (٢) ، وقال :( وفيهِ يَعْصِرُون ) (٣) ، وقال :( وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجّاجاً ) (٤) أي : السُّحُب الّتي تعتصرُ بالمَطَر

ورابعة : بمعنى ما يُثير الغبار ، قال سبحانه :( فَأَصابَها إعصار ) (٥) .(٦)

والمُراد من الآية أحد المَعنيين الأوّليين :

الأوّل : الدَهر والزمان

الثاني : العَصْر مقابل الغداة

ولا يناسب المعنى الثالث ، أعني : الضغط ، ولا الرابع ، كما هو واضح

ــــــــــــــــ

(١) العصر : ١ـ٢

(٢) يوسف : ٣٦

(٣) يوسف : ٤٩

(٤) النبأ : ١٤

(٥) البقرة : ٢٦٦

(٦) مفردات القرآن : مادّة عصر ، و مجمَع البيان : ٥/٥٣٥

٦٦

وإليك بيان المَعنَيين الأوّلين

١ ـ العَصْر : الدَهْر . وإنّما حلف به ؛ لأنّ فيه عبرة لذوي الأبصار من جهة مرور الليل والنهار

وقد نُسب ذلك القول إلى ابن عبّاس ، والكلبي ، والجبائي

قال الزَمخشري : وأقسَمَ بالزمان ؛ لما في مروره من أصناف العجائب(١)

ولعلّ المُراد من الدهر والزمان اللّذين يُفسِّرون بهما العصر هو تاريخ البشريّة ؛ وذلك لأنّه سبحانه جعل المُقسَم عليه كون الإنسان لفي خسر إلاّ طائفة خاصّة ، ومن المعلوم أنّ خسران الإنسان أنّه هو مِن تصرّم عُمْره ، ومضي حياته من دون أن ينتفع بأغلى رأس مالٍ وقع في يده

وقد نقل الرازي هنا حكاية طريفة ، نأتي بنصِّها :

قال : وعن بعضِ السَلَف ، تعلّمتُ معنى السورة من بائع الثلج ، كان يصيح ويقول : ارحموا مَن يذوب رأس ماله ، ارحموا مَن يذوب رأس ماله ، فقلت : هذا معنى أنّ الإنسان لفي خُسْر ؛ يمرّ به العصر فيمضي عمره ولا يكتسب ، فإذا هو خاسر(٢)

٢ ـ العصر : أحدُ طَرفَي النهار . وأقسم بالعَصر كما أَقسم بالضُحى ، وقال :( والضحى * واللَّيل إذا سَجى ) (٣) ، كما أقسم بالصبح وقال :( والصُّبح إِذا أَسفَر ) (١)

وإنّما أقسَمَ بالعَصرِ لأهمّيّته ، إذ هو في وقت من النهار يحدث فيه تغيير في نظام المَعيشة وحياة البشر ، فالأعمال اليوميّة تنتهي ، والطيور تعود إلى أوكارها ، وتبدأ الشمس بالميل نحو الغروب ، ويستولي الظلام على السماء ، ويخلد الإنسان إلى الراحة

ــــــــــــــــ

(١) الكشّاف : ٣/٣٥٧

(٢) تفسير الفخر الرازي : ٣٢/٨٥

(٣) الضحى : ١ـ٢

٦٧

وهناك قولان آخران :

أ ـ المرادُ عَصْر الرسول ذلك لما تضمَّنته الآيتان التاليتان من شمول الخسران للعالم الإنساني ، إلاّ لمَن اتَّبع الحقّ وصبر عليه ، وهم المؤمنون الصالحون عملاً ، وهذا يؤكّد على أن يكون المراد من العصر عصر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو عصر بزوغ نجم الإسلام في المجتمع البشري ، وظهور الحقّ على الباطل

ب ـ المراد به وقت العصر وهو المروي عن مقاتل ، وإنّما أقسَمَ بها ، لفضلها ، بدليل قوله :( حافِظُوا عَلى الصَّلواتِ وَالصَّلاةِ الوُسْطى ) (٢) ، كما قيل أنّ المراد من قوله تعالى :( تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللّهِ ) (٣) هو صلاة العصر

أضف إلى ذلك ، أنّ صلاة العصر يحصل بها ختم طاعات النهار ، فهي كالتوبةِ تُختَم بها الأعمال.

ولا يخفى أنّ القول الأخير في غاية الضعف ؛ إذ لا صِلة بين القَسَم بصلاة العصر والمُقسَم عليه ، أعني :( الإنْسان لفي خُسر ) ، على أنّه لو كان المُقسَم به هو صلاة العصر ، لماذا اكتفى بالمضاف إليه وحذف المضاف ، مع عدم توفُّر قرينة عليه ؟! ومنه يظهر حال الوجه المُتقدّم عليه

والظاهر أنّ الوجه الأوّل هو الأقوى ؛ حيث أنّ الحلف بالزمان وتاريخ البشرية يتناسب مع الجواب ، أي : خسران الإنسان في الحياة ، كما سيوافيك بيانه

ــــــــــــــــ

(١) المُدّثّر : ٣٤

(٢) البقرة : ٢٣٨

(٣) المائدة : ١٠٦

٦٨

وأمّا المُقسَم عليه ، فهو قوله سبحانه :( إِنَّ الإنسانَ لَفي خُسْر ) ، والمراد من الخسران هو : مضيّ أثمَن شيء لديه وهو عمره ، فالإنسانُ في كلّ لحظة يفقد رأس ماله ، بنحوٍ لا يُعوَّض بشيء أبداً ، وهذه هي سُنَّة الحياة الدنيويّة ، حيث ينصرم عمره ووجوده بالتدريج ، كما تنصرم طاقاته إلى أن يهرم ويموت ، فأيُّ خسران أعظم من ذلك ؟!

وأمّا الصِلة بين المُقسَم به والمُقسَم عليه فأوضح من أن يخفى ؛ لاَنّ حقيقة الزمان حقيقة مُتصرّمة غير قارة ، فهي تنقضي شيئاً فشيئاً ، وهكذا الحال في عمر الإنسان ، فيخسر وينقص رأس ماله بالتدريج

ثُمّ أنّه سبحانه استثنى من الخسران مَن آمن وعمل صالحاً ، وتواصى بالحقِّ وتواصى بالصبر

ووجه الاستثناء واضح ؛ لأنّه بدَّلّ رأس ماله بشيء أغلى وأثمَن ، يستطيع أن يقوم مقام عمره المُنقضي ، فهو بإيمانه وعمله الصالح اشترى حياة دائمة ، حافلة برضوانه سبحانه ونِعمه المادِّية والمعنويّة

يقول سبحانه :( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) (١)

ــــــــــــــــ

(١) التوبة : ١١١

٦٩

الفصل السادس : القَسَم بالنَجْم

وردتْ كلمة النجم في القرآن الكريم أربع مرّات في أربع سور(١) ، وحلف به مرَّة واحدة وقال :( وَالنَّجمِ إِذا هَوى * ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى * وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهوى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى ) (٢) ، وهي من السور المكِّية

تفسير الآيات :

النَجْمُ في اللغة : الكوكب الطالِع ، وجمعه نُجوم ، فالنجوم مرّة اسم كالقلوب والجيوب ، ومرّة مصدر كالطلوع والغروب

وأمّا ( هوى ) في قوله :( إِذا هَوى ) ، فيُطلق تارة على ميل النفس إلى الشهوة ، وأُخرى على السقوط من علوٍ إلى سفل

ولكنّ تفسيره بسقوط النجم وغروبه لا يُساعده اللفظ ، وإنّما المُراد هو ميله

وسيوافيك وجه الحلف بالنجم إذا هوى ، أي : إذا مالَ

ثُمّ إنّ المراد من النجم أحد الأمرين :

أ ـ أمّا مُطلَق النجم ، فيشمل كافّة النجوم الّتي هي من آيات عظمة اللّه سبحانه ، ولها أسرار ورموز يعجز الذهن البشري عن الإحاطة بها

ــــــــــــــــ

(١) وهي : النحل : ١٦ ، النجم : ١ ، الرحمن : ٦ ، الطارق : ٣

(٢) النجم : ١ـ٤

٧٠

ب ـ المراد هو نجم الشِعْرَى ، الّذي جاء في نفس السورة ، قال سبحانه :( وَانَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعرى ) (١)

ونظيره القول بأنّ المراد هو الثُريّا ، وهي مجموعة من سبعة نجوم ، ستَّة منها واضحة وواحد خافت النور ، وبه تُختبر قوَّة البَصَرِ

وربّما فُسّر بالقرآن الّذي نزل على قلب رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طيلة ٢٣ سنة ؛ لنزوله نجوماً(٢) ، لكنّ لفظ الآية لا يُساعد على هذا المعنى ، فاللّه سبحانه إمّا أن يحلف بعامّة النجوم ، أو بنجم خاصِّ يهتدي به السائر

ويدلّ على ذلك أنّه قيَّد القَسَم بوقت هويِّه ، ولعلّ الوجه هو أنّ النجم إذا كان في وسط السماء يكون بعيداً عن الأرضِ لا يهتدي به الساري ، لأنّه لا يعلم به المشرق من المغرب ولا الجنوب من الشمال ، فإذا زال ، تبيَّن بزواله جانب المغرب من المشرق(٣)

وأمّا المُقسَم عليه ، فهو قوله سبحانه :( ما ضَلَّ صاحِبكُمْ وَما غوى * وما ينطق عن الهَوى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحيٌ يُوحى )

جمع سبحانه هناك بين الضلال والغَيِّ فنفاهما عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والقرآنُ يستعمل الضلالة في مقابل الهدى ، يقول سبحانه :( يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذا اهْتَدَيْتُمْ ) (٤)

ــــــــــــــــ

(١) النجم : ٤٩

(٢) انظر الميزان : ١٩/٢٧ ، مجمع البيان : ٥/١٧٢

(٣) تفسير الفخر الرازي : ٢٨/٢٧٩

(٤) المائدة : ١٠٥

٧١

كما يستعمل الغَيّ في مقابل الرُشد ، يقول سبحانه :( وَإِنْ يَرَوا سَبيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخذوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوا سَبيلَ الغَىِّ يَتَّخِذُوهُ سَبيلاً ) (١)

والمُهمُّ بيان الفرق بين الضلالةِ والغواية ، فنقول :

ذكرَ الرازي : أنّ الضلال أن لا يجد السالك إلى مقصَده طريقاً أصلاً ، والغِواية أن لا يكون له طريق مُستقيم إلى المقصَد يدلّك على هذا أنّك تقول للمؤمن الّذي ليس على طريق السَداد : إنّه سَفيه غير رشيد ، ولا تقول إنّه ضالّ ، والضالّ كالكافر ، والغاوي كالفاسق(٢)

وإلى ذلك يرجع ما يقول الراغب : الغيّ جهلٌ من اعتقادٍ فاسد ، وذلك أنّ الجهل قد يكون من كون الإنسان غير معتقد اعتقاداً لا صالحاً ولا فاسداً ، وقد يكون من اعتقاد شيء ، وهذا النحو الثاني يُقال له : غَيّ(٣)

وعلى هذا ، فالآية بصَدَد بيان نفي الضلالة والغَي عن النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وردّ كلّ نوع من أنواع الانحراف والجهل والضلال والخطأ عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ليردّ به التُهم المُوجّهة إليه من جانب أعدائه

وأمّا بيان الصِلة بين المُقسَم به والمُقسَم عليه فواضح ، لما ذكرنا من أنّ النجم عند الهوى والميل يهتدي به الساري ، كما أنّ النبي يهتدي به الناس ، أي : بقوله وفعله وتقريره

فكما أنّه لا خطأ في هداية النجم لأنّها هداية تكوينيّة ، وهكذا لا خطأ في هداية الوحي المُوحى إليه ، ولذلك قال :( إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى )

ــــــــــــــــ

(١) الأعراف : ١٤٦

(٢) تفسير الفخر الرازي : ٢٨/٢٨٠

(٣) مفردات الراغب : ٣٦٩

٧٢

الفصل السابع : القسم بمواقع النجوم

حَلَفَ سبحانه وتعالى في سورة الواقعة بمواقع النجوم وقال :( فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُوم * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظيم * إِنَّهُ لَقُرآنٌ كَرِيم * فِي كِتابٍ مَكْنُون * لا يَمَسُّهُ إِلاّ المُطَهَّرُون ) (١)

تفسير الآيات :

المُراد من مواقع النجوم مساقِطها حيث تغيب

قال الراغب : الوقوع : ثبوت الشيء وسقوطه ، يُقال : وقع الطائر وقوعاً ، وعلى ذلك يراد منه مطالِعها ومَغاربها ، يقال : مواقع الغَيث أي : مَساقِطه(٢)

ويدلُّ على أنّ المراد هو مطالع النجوم ومغاربها ، أنّ اللّه سبحانه يُقسِم بالنجوم وطلوعها وجَريها وغروبها ، إذ فيها وفي حالاتها الثلاث آية وعبرة ودلالة ، كما في قوله تعالى :( فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الجَوارِ الكُنَّس ) (٣) ، وقال :( وَالنَّجْم إِذا هَوى ) ، وقال :( فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِب )

ــــــــــــــــ

(١) الواقعة : ٧٥ـ ٧٩

(٢) مفردات الراغب : ٥٣٠ ، مادَّة وَقَعَ

(٣) التكوير : ١٥ـ ١٦ .

٧٣

ويرجح هذا القول أيضاً : أنّ النجوم حيث وقعت في القرآن ، فالمراد منها الكواكب ، كقوله تعالى :( وَإدْبار النُّجوم ) (١) ، وقوله :( وَالشَّمْسُ وَالْقَمرُ وَالنُّجُوم ) (٢)

وأمّا المُقسَم عليه : فهو قوله سبحانه :( إِنَّهُ لَقُرآنٌ كَريم * في كِتابٍ مَكْنُون * لا يَمَسُّهُ إِلاّ الْمُطَّهَرُون )

وصفَ القرآن بصفاتٍ أربع :

أ ـ ( لقُرآنٌ كَريم ) والكريم هو البَهيّ الكثير الخير العظيم النفع ، وهو من كلّ شيء أحسنه وأفضله ، فاللّه سبحانه كريم ، وفعله ـ أعني القرآن ـ مثله

وقال الأزهري : الكريم : اسم جامع لما يُحمَد ، فاللّه كريم يُحمَد فِعاله ، والقرآن كريم يُحمَد ؛ لما فيه من الهدى والبيان والعلم والحكمة

ب ـ( في كتابٍ مَكنُون ) ولعلّ المراد منه هو اللوح المحفوظ ، بشهادة قوله :( بَلْ هُوَ قُرآنٌ مَجيد * في لَوحٍ مَحْفُوظ ) (٣) ويُحتمَل أن يكون المراد الكتاب الّذي بأيدي الملائكة ، قال سبحانه :( في صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرةٍ * بِأَيدِي سَفَرَةٍ * كِرامٍ بَررَةٍ ) (٤)

ج ـ( لا يَمَسُّه إِلاّ المُطهَّرون ) فلو رجع الضمير إلى قوله :( لقُرآنٌ كَريم ) ، كما هو المتبادَر ، لأنّ الآيات بصَدَد وصفه وبيان منزلته ، فلا يمسّ المصحف إلاّ طاهر ، فيكون الإخبار بمعنى الإنشاء ، كما في قوله سبحانه :( وَالمُطلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوء ) (٥)

ــــــــــــــــ

(١) الطور : ٤٩

(٢) الحجّ : ١٨

(٣) البروج : ٢١ ـ ٢٢

(٤) عبس : ١٣ ـ ١٦

(٥) البقرة : ٢٢٨

٧٤

ولو قيل برجوع الضمير إلى ( كتابٍ مَكنُون ) ، فيكون المعنى لا يمسّ الكتاب المَكنون إلاّ المطهَّرون

وربّما يُؤيَّد هذا الوجه بأنّ الآية سيقت تنزيهاً للقرآن من أن ينزل به الشياطين ، وأنّ محلّه لا يصل إليه ، فلا يمسّه إلاّ المطهّرون ، فيستحيل على أخابثِ خلق اللّه وأنجسِهم أن يصلوا إليه أو يَمسُّوه ، قال تعالى :( وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطين * وَما يَنْبَغي لَهُمْ وَما يَسْتَطيعُون ) (١)

د ـ( تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمين ) وهذا هو الّذي يُركِّز عليه القرآن في مواقف مختلفة ، وأنّه كتاب اللّه وليس من صنع البشر

وأمّا الصِلة بين القَسَمِ والمُقسَم به فهو واضح ؛ فلاَنّ النجوم بمواقعها ـ أي طلوعها وغروبها ـ يهتدي بها البشر في ظلمات البرِّ والبحر ، فالقرآن الكريم كذلك ، يهتدي به الإنسان في ظلمات الجهل والغَي ، فالنجوم مصابيح حسّية في عالم المادَّة ، كما أنّ آيات القرآن مصابيح معنويَّة في عالم المُجرَّدات

إكمال :

إنّه سبحانه قال :( فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُوم ) ، فالمراد منه القَسَم بلا شكّ ، بشهادة أنّه قال بعده :( وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظيم ) ، فلو كان معنى الآية هو نفي القَسَم ، فلا يُناسب ما بعده ؛ حيث يصفه بأنّه حلف عظيم

وقد اختلف المفسِّرون في هذه الآيات ونظائرها إلى أقوال :

١ ـ ( لا ) زائدة ، مثلها قوله سبحانه :( لئلاّ يَعْلَم )

٢ ـ أصلها ( لأُقسِمُ ) بلام التأكيد ، فلمّا أُشبعَت فتحتها صارت ( لا ) كما في الوقف

٣ ـ ( لا ) نافية ، بمعنى نفي المعنى الموجود في ذهن المُخاطَب ، ثُمّ الابتداء بالقَسَمِ ، كما نقول : لا واللّه ، لا صحَّة لقول الكفّار ، أُقسِم عليه

ــــــــــــــــ

(١) الشعراء : ٢١٠ـ٢١١

٧٥

ثُمّ إنّه سبحانه يصف هذا القَسَم بكونه عظيماً ، كما في قوله :( وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ) ، فقوله : ( عظيم ) وصف ( القَسَم ) ، أُخِّر لحفظِ فواصل الآيات

وهذا القَسَم هو القَسَم الوحيد الّذي وصفه سبحانه بأنّه عظيم

فالحديث هنا هو حديث على الأبعاد ، أبعاد النجوم عنّا وعن بعضها البعض ، في مجرّتنا وفي كلّ المَجرّات

ولأنّها كلّها تتحرَّك ، فإنّ الحديث عن مواقعها يصير أيضاً حديثاً على مداراتها ، وحركاتها الأُخرى العديدة ، وسرعاتها ، وعلى علاقاتها بالنجوم الأُخرى ، وعلى القوى العظيمة والحسابات المُعقَّدة الّتي وضعت كلّ نجم في موقعه الخاصّ به ، وحفظته في علاقات متوازنة دقيقة مُحكمَة ، فهي لا يعتريها الاضطراب ، ولا تتغيَّر سُنَنها وقوانينها ، وهي لا تسير خَبطَ عَشواء ، أو في مساراتٍ متقاطعةٍ أو متعارضة ، بل هي تسير كلّها بتساوق وتناغم ، وانسجام وانتظام تامّين دائمين ، آيات على قدرة القادر سبحانه(١)

يقول الفلكيُّون : إنّ من هذه النجوم والكواكب ـ الّتي تزيد على عدَّة بلايين نجم ـ ما يمكن روَيته بالعين المُجرَّدة ، وما لا يُرى إلاّ بالمجاهر والأجهزة ، وما يمكن أن تَحسَّ به الأجهزة دون أن تراه

هذه كلّها تسبحُ في الفلك الغامض ، ولا يوجد أيّ احتمال أن يقترب مجال مغناطيسي لنجمٍ من مجال نجمٍ آخر ، أو يصطدم كوكب بآخر ، إلاّ كما يُحتمَل تصادم مركب في البحر الأبيض المتوسّط بآخر في المحيط الهادي ، يسيران في اتّجاه واحد وبسرعة واحدة ، وهو احتمال بعيد ، وبعيداً جداً ، إن لم يكن مستحيلاً(٢)

ــــــــــــــــ

(١) أسرار الكون في القرآن : ١٩٢

(٢) اللّه والعلم الحديث : ٢٤

٧٦

الفصل الثامن : القَسَمُ بالسماءِ ذات الحُبُك

حَلَفَ سبحانه في سورة الذاريات بأُمورٍ خمسة ، وجعل للأربعة الأُوَل جواباً خاصّاً ، كما جعل للخامس من الأقسام جواباً آخر ، وبما أنّ المُقسَم عليه مُتعدِّد ؛ فصلنا القَسَم الخامس عن الأقسام الأربعة ، وعقدنا له فصلاً في ضمن فصول القَسَمِ المُفرَد

قال سبحانه :( وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا * فَالْحَامِلاتِ وِقْرًا * فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا * فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا * إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ * وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ ) (١)

ترى أنّه ذكر للأقسام الأربعة جواباً خاصاً ، أعني قوله :( إِنّما تُوعَدُون لَصادِق * وانّ الدِّين لواقِع )

ثُمّ شرع بحلفٍ آخر ، وقال :( وَالسَّماءِ ذات الحُبُكِ * إِنَّكُم لَفِي قَولٍ مُختَلِف ) (٢)

فهناك قَسَم خامس وهو : ( والسماء ذات الحُبُك ) ، وله جواب خاصّ لا يمتّ لجواب الأقسام الأربعة ، وهو قوله :( إِنَّكُمْ لَفي قولٍ مختلِف )

ــــــــــــــــ

(١) الذاريات : ١ـ ٦

(٢) الذاريات : ٧ـ ٨

٧٧

تفسير الآيات :

الحُبُك : جمع الحِباك ، كالكتب جمع كتاب ، تُستعمَل تارة في الطرائق ، كالطرائق الّتي تُرى في السماء ، وأُخرى في الشَعْرِ المجعد ، وثالثة في حُسن أثرِ الصنعة في الشيء واستوائه

قال الراغب :( والسَّماء ذات الحُبُك ) أي : ذات الطرائق ، فمن الناس مَن تصوّر منها الطرائق المحسوسة بالنجوم والمجرّة

ولعلّ المراد منه هو المعنى الأوّل ، أي : السماء ذات الطرائق المختلفة ، ويؤيّده جواب القَسَم ، وهو اختلاف الناس وتشتُّت طرائقهم ، كما في قوله :( إنّكم لفي قولٍ مختلِف )

وربّما يحتمل أنّ المراد هو المعنى الثالث ، أي : أُقسم بالسماء ذات الحُسنِ والزينة ، نظير قوله تعالى :( إِنّا زَيَّنا السَّماءَ الدُّنيا بزِينةٍ الكَواكِب ) .(١)

ولكنّه لا يناسبه الجواب ، إذ لا يصحّ أن يحلفَ حالِف بالأمواج الجميلة الّتي ترتَسِم بالسُحب أو بالمجرّات العظيمة ، الّتي تبدو كأنّها تجاعيد الشَعْرِ على صفحة السماء ، ثُمّ يقول :( إِنّكم لفي قولٍ مختلِف ) ، أي : إنّكم متناقضون في الكلام

وعلى كلّ حال ، فالمُقسَم عليه هو : التركيز على أنّهم متناقضون في الكلام ، فتارة ينسبون عقائدهم إلى آبائهم وأسلافهم ، فينكرون المعاد ، وأُخرى يستبعدون إحياء الموتى بعد صيرورتهم عظاماً رميم ، وثالثة يرفضون القرآن والدعوة النبويّة ويصفونه بأنّه قول شاعر ، أو ساحر ، أو مجنون ، أو ممّا علّمه بشر ، أو هي من أساطير الأوَّلين

وهذا الاختلاف دليل على بطلان ادّعائكم ، إذ لا تعتمدون على دليلٍ خاصّ ، فانّ تناقض المُدَّعي في كلامه أقوى دليل على بطلانه ونفاقه

ــــــــــــــــ

(١) الصافّات : ٦

٧٨

ثُمّ إنّه سبحانه يقول : إنّ الإعراض عن الإيمان بالمعاد ليس أمراً مختصَّاً بشخصٍ أو بطائفة ، بل هو شيمة كلّ مُخالِف للحقِّ يقول :( يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ ) . (١)

والأفْك : الصَرف ، والضمير في ( عنه ) يرجع إلى الكتاب ، من حيث اشتماله على وعد البأس والجزاء ، أي : يُصرَف عن القرآن من صُرف وخالفَ الحقّ

وأمّا الصِلة بين المُقسَم به والمُقسَم عليه فقد ظهر ممّا ذكرنا ؛ لما عرفتَ من أنّ معنى الحُبُك هو الطرائق المختلفة المتنوِّعة ، فناسب أن يحلفَ به سبحانه على اختلافهم وتشتّت آرائهم ، في إنكارهم نبوّة النبي ورسالته ، والكتاب الّذي أُنزل معه ، والمعاد الّذي يدعو إليه

ــــــــــــــــ

(١) الذاريات : ٩

٧٩

القسم الثاني : القَسَم المُتَعدِّد

وفيه فصول :

الفصل الأوّل : القَسَم في سورة الصافّات

حلف سبحانه بالملائكة في السور الأربع التالية :

١ ـ الصافّات ، ٢ ـ الذاريات ، ٣ ـ المُرسلات ، ٤ ـ النازعات

وليس المُقسَم به هو لفظ المَلَكِ أو الملائكة ، وإنّما هو الصِفات البارزة للملائكة ، وأفعالها ، وإليك الآيات :

١ ـ( وَالصّافاتِ صَفّاً * فَالزّاجراتِ زَجْراً * فَالتّالياتِ ذِكراً *إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحد ) .(١)

٢ ـ( والذّارِياتِ ذَرْواً * فَالحامِلاتِ وِقْراً * فَالجارِياتِ يُسراً * فَالمُقَسِّماتِ أَمْراً * إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادق * وَانَّ الدِّين لواقع ) (٢)

٣ ـ( وَالْمُرسَلات عُرفاً * فَالعاصِفاتِ عَصْفاً * وَالنّاشراتِ نَشْراً * فالفارِقات فَرقاً * فالمُلقِياتِ ذِكراً * عُذراً أَو نُذراً * إنّما تُوعَدُونَ لَواقِع ) (٣)

ــــــــــــــــ

(١) الصافّات : ١ـ٤

(٢) الذاريات : ١ـ٦

(٣) المُرسَلات : ١ـ٧

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

الطّرفة التاسعة

روى هذه الطّرفة - عن كتاب الطّرف - العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٦٥؛ ٣٩٦ ) ونقلها العلاّمة البياضي في الصراط المستقيم ( ج ٢؛ ٩٠ ) مختصرة.

لقد وردت روايات كثيرة في مدح العبّاس بن عبد المطلّب، كما وردت رواية صحيحة في ذمّه، انظر معجم رجال الحديث ( ج ١٠؛ ٢٥٣، ٢٥٤ ). وليس هاهنا موضع بحثها رجاليّا بالتفصيل، وإنّما نقول: أنّ ما في هذه الطّرفة ورد مثله وله شواهد كثيرة.

ففي تفسير الإمام الحسن العسكريّعليه‌السلام ( ٥ - ٧ ) قال الباقر: لمّا أمرصلى‌الله‌عليه‌وآله العبّاس وغيره بسدّ الأبواب وأذن لعليّ بترك بابه، جاء العبّاس وغيره من آل محمّد، فقالوا: يا رسول الله ما بال عليّ يدخل ويخرج؟ فقال رسول الله: ذاك إلى الله فسلّموا لله حكمه، هذا جبرئيل جاءني عن الله عزّ وجلّ بذلك، ثمّ أخذهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما كان يأخذه إذا نزل الوحي، فسرّي عنه، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عبّاس، يا عمّ رسول الله، إنّ جبرئيل يخبرني عن الله « انّ عليّا لم يفارقك في وحدتك، وآنسك في وحشتك، فلا تفارقه في مسجدك »، لو رأيت عليّا وهو تيضوّر على فراش محمّد واقيا روحه بروحه، متعرضا لأعدائه، مستسلما لهم أن يقتلوه، كافيا شرّ قتلهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لعلمت أنّه يستحقّ من محمّد الكرامة والتفضيل، ومن الله التعظيم والتبجيل، إنّ عليّا قد انفرد عن الخلق في المبيت على فراش محمّد، ووقاية روحه بروحه، فأفرده الله تعالى دونهم بسلوكه في مسجده.

ولو رأيت عليّا - يا عمّ رسول الله - وعظيم منزلته عند ربّ العالمين، وشريف محلّه

٣٠١

عند الملائكة المقرّبين، وعظيم شأنه في أعلى علّيين، لا ستقللت ما تراه له هاهنا.

إيّاك يا عمّ رسول الله أن تجد له في قلبك مكروها فتصير كأخيك أبي لهب، فإنّكما شقيقان.

يا عمّ رسول الله، لو أبغض عليّا أهل السماوات والأرضين لأهلكهم الله ببغضه، ولو أحبّه الكفّار أجمعون لأثابهم الله عن محبّته بالعاقبة المحمودة؛ بأن يوفّقهم للإيمان ثمّ يدخلهم الجنّة برحمته.

يا عمّ رسول الله، إنّ شأن عليّ عظيم، إنّ حال عليّ جليل، إنّ وزن عليّ ثقيل، ما وضع حبّ عليّ في ميزان أحد إلاّ رجح على سيئاته، ولا وضع بغضه في ميزان إلاّ رجح على حسناته.

فقال العبّاس: قد سلّمت ورضيت يا رسول الله.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عمّ، انظر إلى السماء، فنظر العبّاس، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما ذا ترى؟ قال: أرى شمسا طالعة نقيّة من سماء صافيه جليّة، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عمّ رسول الله، إنّ حسن تسليمك لما وهب الله عزّ وجلّ لعلي من الفضيلة أحسن من هذه الشمس في هذه السماء، وعظم بركة هذا التسليم عليك أكثر من عظيم بركة هذه الشمس على النبات والحبوب والثمار حيث تنضجها وتنميها وتربّيها، فاعلم أنّه قد صافاك بتسليمك لعلي قبيلة من الملائكة المقربين أكثر من عدد قطر المطر وورق الشجر ورمل عالج وعدد شعور الحيوانات وأصناف النباتات، وعدد خطى بني آدم وأنفاسهم وألفاظهم وألحاظهم؛ كلّ يقولون: اللهم صلّ على العبّاس، عمّ نبيّك في تسليمه لنبيّك فضل أخيه عليّ، فاحمد الله واشكره، فلقد عظم ربحك وجلّت رتبتك في ملكوت السماوات.

ولتسليمه لعلي بالولاية جاء التسليم عليه في زيارة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من البعد - كما في مفاتيح الجنان (٦١٨) نقلا عن المفيد والشهيد والسيّد ابن طاوس - حيث جاء في الزيارة « السلام عليك وعلى أهل بيتك الطيّبين الطاهرين الهادين المهديّين السلام على عمّك حمزة سيّد الشهداء، السلام على عمّك العبّاس بن عبد المطّلب، السلام على عمّك وكفيلك أبي طالب، السلام على ابن عمّك جعفر الطيّار في جنان الخلد ».

وقال العبّاس لعليعليه‌السلام - حين قلع عمر ميزاب العبّاس عن ظهر الكعبة -: يا بن أخي،

٣٠٢

إنّه كان لي عينان أنظر بهما، فمضت إحداهما وهي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبقيت الأخرى وهي أنت يا عليّ انظر بحار الأنوار ( ج ٨؛ ٢٤٤ ).

وفي إرشاد القلوب للديلمي ( ٣٩٠، ٣٩١ ) ذكر مشادّة وقعت للعبّاس وعليّعليه‌السلام مع أبي بكر، فيها قول العبّاس لعليعليه‌السلام : يا بن أخي أليس قد كفيتك؟ وإن شئت حتّى أعود إليه فاعرّفه مكانه وأنزع عنه سلطانه، فأقسم عليه عليّعليه‌السلام فسكت.

وفيه (٤٠٣) مرفوعا إلى سلمان الفارسيرضي‌الله‌عنه ، قال: كنت جالسا عند النبي المكرّم، إذ دخل العبّاس بن عبد المطّلب، فسلّم، فردّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عليه ورحّب به، فقال: يا رسول الله بم فضّل علينا عليّ بن أبي طالب أهل البيت، والمعادن واحدة؟ فقال له النبي المكرم: إذن أخبرك يا عمّ [ ثمّ ذكر له أنّ الله خلقه وخلق عليّا قبل خلق العالم، ثمّ مزج روحيهما، وخلق من نورهما نور الحسن والحسين وفاطمة ] قال سلمان: فخرج العبّاس فلقيه أمير المؤمنين، فضمّه إلى صدره، فقبّل ما بين عينيه، فقال: بأبي عترة المصطفى من أهل بيت، ما أكرمكم على الله.

وقد أكّد النبي البيعة لعلي على العبّاس قبل وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لعلمه بما ستؤول إليه الأمور من ظلم عليّ وغضب حقّه، ولذلك أطبق المؤرّخون على أنّ العبّاس وقف بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بجانب عليّعليه‌السلام ودعا إلى بيعته، فقال له: امدد يدك أبايعك، فيقول الناس: عمّ رسول الله بايع ابن عمّه فلا يختلف عليك اثنان. انظر في هذا الأحكام السلطانيّة للماورديّ (٤) وتاريخ دمشق ( ج ٧؛ ٢٤٥ ) والصراط المستقيم ( ج ٣؛ ١٥٨ ) وطبقات ابن سعد ( ج ٢؛ ٢٤٦ ) والإمامة والسياسة ( ج ١؛ ٢١ ) والدرجات الرفيعة (٩٧).

وفي شرح النهج لابن ميثم ( ج ٢؛ ٢٦ ) أنّ عليّا امتنع من البيعة لأبي بكر بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وامتنع معه جماعة بني هاشم كالزبير والعبّاس وبنيه وغيرهم، وقالوا: لا نبايع إلاّ عليّا.

وفي الإمامة والسياسة ( ج ١؛ ٢١ ) قول العبّاس لعليعليه‌السلام : ابسط يدك أبايعك ويبايعك أهل بيتي.

وفيه ( ج ١؛ ٩٨ ) قول العبّاس لعلي: فقد أوصيت عبد الله بطاعتك وبعثته على

٣٠٣

متابعتك، وأو جرته محبّتك. فكان العبّاس يوالي عليّا، وقد ناصره ودعا إلى بيعته، وأمر ولده وأهل بيته بذلك لمعرفته بحقّ عليّعليه‌السلام بالإمامة والولاية.

وفي شرح النهج ( ج ٦؛ ١٨ ) نقلا عن كتاب السقيفة للجوهريّ، أنّ أبا سفيان قال للعبّاس: يا أبا الفضل أنت أحقّ بميراث ابن أختك، امدد يدك لأبايعك فلا يختلف عليك الناس بعد بيعتي إيّاك، فضحك العبّاس، وقال: يا أبا سفيان، يدفعها عليّ ويطلبها العبّاس؟!

وانظر في عدم مبايعة العبّاس لأبي بكر وانضمامه إلى عليّ ومحاجته للشيخين، وأنّه كان من المتحصنين في الدار حين أراد عمر أن يحرق عليهم البيت، انظر تاريخ اليعقوبي ( ج ٢؛ ١٢٤ - ١٢٦ ) وسليم بن قيس (٧٧) والعقد الفريد ( ج ٥؛ ١٣ ) والإمامة والسياسة ( ج ١؛ ٢٨ ).

وفي الصراط المستقيم ( ج ٣؛ ١٠٦ ) قال: وأخرج مسلم أنّه قيل للزهريّ: لم يبايع عليّ ستّة أشهر؟ فقال: لا والله ولا واحد من بني هاشم.

وقد مرّت في ثنايا تخريجاتنا السالفة أكثر مطالب هذه الطّرفة، ودلّت عليها رواية تفسير الإمام العسكريّ أيضا، فانظر ما سلف.

فمن صدّق عليّا ووازره وأطاعه ونصره وقبله وأدى ما عليه من فرائض الله فقد بلغ حقيقة الإيمان

لقد دلّت الروايات من طرق الفريقين على أنّ الأعمال لا تقبل بدون ولاية عليّ بن أبي طالب، وأنّ المرء لو عبد الله ما عبده حتّى يكون كالشنّ البالي ثمّ جاء ببغض عليّ لأدخله الله النار، واستقصاء الروايات في ذلك يحتاج - بلا مبالغة - إلى مجلدات وأسفار، لكننا هنا نشير إلى بعضها لئلاّ يخلو منها الكتاب.

ففي إرشاد القلوب (٢٥٣): روي عن ابن عباس، قال: سأل رجل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن عمل يدخل به الجنّة، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : صلّ المكتوبات، وصم شهر رمضان، واغتسل من الجنابة، وأحبّ عليّا وادخل الجنّة من أيّ باب شئت، فو الّذي بعثني بالحقّ لو صلّيت

٣٠٤

ألف عام، وحججت ألف حجّة، وغزوت ألف غزوة، وأعتقت ألف رقبة، وقرأت التوراة والانجيل والزبور والفرقان، ولقيت الأنبياء كلّهم، وعبدت الله مع كلّ نبي ألف عام، وجاهدت معهم ألف غزوة، وحججت مع كلّ نبي ألف حجّة، ثمّ متّ ولم يكن في قلبك حبّ عليّ وأولاده، أدخلك الله النار مع المنافقين.

وفيه (٢٥٣) عن الصادقعليه‌السلام : أنّ الله تعالى ضمن للمؤمنين ضمانا، قال: قلت: وما هو؟ قال: ضمن له إن أقرّ لله بالربوبيّة، ولمحمّد بالنبوّة، ولعلي بالإمامة، وأدّى ما افترض عليه، أن يسكنه في جواره وهو في كشف الغمّة ( ج ١؛ ٣٨٩ ) أيضا.

وفي تفسير العيّاشي ( ج ٢؛ ١٢٣ ) عن هشام بن عجلان، قال: قلت للصادقعليه‌السلام : أسألك عن شيء لا أسأل عنه أحدا، أسألك عن الإيمان الذي لا يسع الناس جهله؟ فقالعليه‌السلام : شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّدا رسول الله، والإقرار بما جاء من عند الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحجّ البيت، وصوم شهر رمضان، والولاية لنا، والبراءة من عدونا، وتكون من الصدّيقين.

وفي مناقب ابن المغازلي (٤٠) بسنده عن موسى بن إسماعيل، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن جدّه عليّعليهم‌السلام ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من أسبغ وضوءه، وأحسن صلاته، وأدّى زكاة ماله، وكفّ غضبه، وسجن لسانه، وبذل معروفه، واستغفر لذنبه، وأدّى النصيحة لأهل بيتي، فقد استكمل حقائق الإيمان، وأبواب الجنّة له مفتّحة.

وفي أمالي المفيد (١٣٩) بسنده عن أبي هارون العبديّ، قال: كنت أرى رأي الخوارج لا رأي لي غيره، حتّى جلست إلى أبي سعيد الخدريّ، فسمعته يقول: أمر الناس بخمس، فعملوا بأربع وتركوا واحدة، فقال له رجل: يا أبا سعيد ما هذه الأربع الّتي عملوا بها؟ قال: الصلاة، والزكاة، والحجّ، وصوم شهر رمضان، قال: فما الواحدة الّتي تركوها؟ قال: ولاية عليّ بن أبي طالب! قال الرجل: وإنّها لمفترضة معهنّ؟ قال أبو سعيد: نعم وربّ الكعبة، قال الرجل: فقد كفر الناس إذن؟! قال أبو سعيد: فما ذنبي. وهي أيضا

٣٠٥

في المسترشد (٤٧٥) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ١٩٩ ).

وانظر الفرائض مقرونة أو مختومة بالولاية لعلي وولدهعليهم‌السلام في إثبات الوصيّة (١٠١) والاحتجاج ( ج ١؛ ١٤٨ ) وكتاب سليم بن قيس (١٨٨) وكفاية الأثر ( ٢٨٣، ٢٨٤ ) في شروط الإسلام الّتي عرضها عبد العظيم الحسني على الإمام الهادي، وقول الإمام له: « هذا والله دين الله الذي ارتضاه لعباده »، وأمالي الطوسي (١٢٤) وتفسير العيّاشي ( ج ١؛ ٣٢٢ ) وبشارة المصطفى (١٠٨) والخصال ( ٤٣٢، ٤٣٣ ) وتفسير القمّي ( ج ١؛ ١٦٢ ) والكافي ( ج ١؛ ٢٠٠، ٢٨٩، ٢٩٠ ) و ( ج ٢؛ ١٨ ) وتفسير فرات (١٠٩).

وفي كفاية الأثر (١١٠) والصراط المستقيم ( ج ٢؛ ١١٦ ) عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: لا يتم الإيمان إلاّ بمحبّتنا أهل البيت، وإنّ الله تعالى عهد إليّ أنّه لا يحبّنا أهل البيت إلاّ مؤمن تقي ولا يبغضنا إلاّ منافق شقّي.

وفي شرح النهج ( ج ٦؛ ٢١٧ ) قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : والله لا يبغضه [ أي عليّاعليه‌السلام ] أحد من أهل بيتي ولا من غيرهم من الناس إلاّ وهو خارج من الإيمان.

وفي تاريخ بغداد ( ج ٤؛ ٤١٠ ) وكنوز الحقائق (٩٣) وبشارة المصطفى (١٥٤) قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : عنوان صحيفة المؤمن حبّ عليّ بن أبي طالب. وهو حديث مخرّج في الصحاح والمسانيد الإماميّة، والعاميّة وقد ذاع صيته في الآفاق، وهو أشهر من أن يخفى.

وفي المسترشد (٢٩٢) قال عليّعليه‌السلام - في خطبة له -: حبّنا أهل البيت والإيمان معا.

وفي نهج الحقّ (٢٣٢) قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يقبل الله إيمان عبد إلاّ بولايته والبراءة من أعدائه. وهو في المناقب عن الصادق كما في ينابيع المودّة ( ج ١؛ ١٢١ ) وكفاية الطالب (٢٥١).

وانظر في أنّ الإيمان لا يتم إلاّ بولايتهعليه‌السلام ، والبراءة من أعدائه، الخصال (٣٤٦) واليقين (٣٥٣) وبصائر الدرجات (٤٣٣) وكفاية الأثر (١٢١) وتفسير فرات ( ٢٨٣، ٢٨٥، ٣١٠ ) والصراط المستقيم ( ج ٢؛ ١١٦ ) وتفسير العيّاشي ( ج ١؛ ٢٨٥، ٢٨٦، ٣٢٦، ٣٩٦، ٤١٣ ) والكافي ( ج ١؛ ١٨١، ١٨٢، ١٨٥، ١٩٣، ١٩٤، ٢٠٨، ٢٠٩ ) وينابيع المودّة ( ج ٢؛ ١٢٨ ).

٣٠٦

وفي الكافي ( ج ١؛ ٣٩١ ) بسنده، عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال: من سرّه أن يستكمل الإيمان كلّه فليقل: القول منّي في جميع الأشياء قول آل محمّد، فيما اسروا وما أعلنوا، وفيما بلغني عنهم وفيما لم يبلغني.

بل إنّ عمر بن الخطّاب كان قد سمع ذلك من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال مشيرا إلى عليّعليه‌السلام : هذا مولاي ومولى كلّ مؤمن، ومن لم يكن مولاه فليس بمؤمن. انظر الرياض النضرة ( ج ٢؛ ١٧٠ ) ومناقب الخوارزمي (٩٧) والصواعق المحرقة (١٠٧) وذخائر العقبى (٦٨) وفرائد السمطين ( ج ١؛ ٧٨، ٧٩ / الأحاديث ٤٦، ٤٧، ٤٨، ٤٩ ).

وفي دلائل الإمامة (٢٣٧) بسنده، أنّ سلمان قال لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : وهل يكون إيمان بغير معرفة [ أي معرفة الأئمة ] بأسمائهم وأنسابهم؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا.

٣٠٧

٣٠٨

الطّرفة العاشرة

روى هذه الطّرفة - عن كتاب الطّرف - العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٢٢؛ ٤٧٦، ٤٧٧ ) ونقلها العلاّمة البياضي في الصراط المستقيم ( ج ٢؛ ٩٠ ) باختصار.

لقد ذكرت المصادر الإسلاميّة، وروت كتب الفريقين، خطبة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عند منصرفه من حجّة الوداع، ومن ثمّ خطبته في المدينة قبل وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبلّغ في كلا الموضعين - غير المواضع الأخرى الكثيرة - ولاية عليّعليه‌السلام ، وأوصى المسلمين بالتمسّك بكتاب الله وعترته أهل بيته. وهذا ممّا لا يتنازع في صدوره عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله اثنان.

وأمّا سبب تخصيص هذه الطّرفة بالأنصار، فلأنّهم أطوع الناس للرسول والوصي، ولم تكن في قلوبهم الأحقاد الّتي كانت في صدور المهاجرين - أعني قريشا - لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام ، الّذي وترهم في الله بسيفه، وقد صرّحت الزهراءعليها‌السلام بذلك في خطبتها بعد غصب حقّها، وصرّح عليّعليه‌السلام طيلة عمره الشريف بظلم قريش له وحقدهم عليه وحسدهم له، بخلاف الأنصار الذين آزروا عليّا ونصروه وتابعوه حتّى آخر لحظة من عمره، حتّى أنّه لم يتخلّف عن بيعته - بعد عثمان - سوى نفر من الأنصار لا يتجاوزون عدد الأصابع، بخلاف قريش الّتي حاربته وألّبت عليه، وقد ثبت في التواريخ والسير أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مدح الأنصار، وأوصى بهم، وشكر لهم نصرتهم للإسلام، وبذلهم الأموال، ومواساتهم للمسلمين، وهذا بمنزلة الضروري من المطالب.

٣٠٩

قال لهمصلى‌الله‌عليه‌وآله : كتاب الله وأهل بيتي فإنّ اللّطيف الخبير أخبرني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض

اعلم أنّ حديث الثقلين من الأحاديث المتواترة عند الفريقين، قال المناوي في فيض القدير ( ج ٣؛ ١٤ ): « قال السمهوديّ: وفي الباب ما يزيد عن عشرين من الصحابة »، وقال ابن حجر في الصواعق المحرقة (١٣٦): « اعلم أنّ الحديث التمسك بذلك طرقا كثيرة، وردت عن نيّف وعشرين صحابيا ».

وقد رواه عن النبي أكثر من ثلاثين صحابيا، وما لا يقل عن ثلاثمائة عالم من كبار علماء أهل السنة. انظر نفحات الأزهار ( ج ١؛ ١٨٥، ١٨٦ ).

وقد أفرد العلاّمة السيّد مير حامد حسين جزءين من « عبقات الأنوار » في طرق هذا الحديث، وانظر بعض تخريجاته في كتاب قادتنا ( ج ٧؛ ٣٥٤ - ٣٧٣ ).

وفي أمالي الطوسي (٢٥٥) بسنده، عن أبي سعيد الخدريّ، أنّه سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: إنّي تارك فيكم الثقلين، ألا إنّ أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض. وقال: ألا إنّ أهل بيتي عيبتي الّتي آوي إليها، وإنّ الأنصار كرشي، فاعفوا عن مسيئهم وأعينوا محسنهم.

وفي صحيح مسلم ( ج ٧؛ ١٢٢ / باب فضائل عليّ ) ما روى بإسناده عن زيد بن أرقم، قال فيه: قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوما فينا خطيبا بماء يدعى خمّا بين مكّة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكّر، ثمّ قال: أما بعد، ألا أيّها الناس، فإنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربّي، فأجيب، وأنا تارك فيكم الثقلين: أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه، ثمّ قال: وأهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي.

فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ فقال: نساؤه من أهل بيته؟! ولكنّ أهل بيته من حرم الصدقة عليه بعده.

وفي حديث آخر أخرجه مسلم في صحيحه ( ج ٧؛ ١٢٣ ) عن زيد، وفيه: فقلنا: من

٣١٠

أهل بيته، نساؤه؟ قال: لا، وأيم الله إنّ المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر، ثمّ يطلّقها فترجع إلى أبيها وقومها، أهل بيته أصله وعصبته الّذين حرموا الصدقة بعده.

وقال ابن حجر في الصواعق المحرقة (١٣٧) ثمّ أحقّ من يتمسك به منهم إمامهم عليّ ابن أبي طالب، لما قلنا من مزيد علمه ودقائق مستنبطاته.

وفي كتاب مائة منقبة لابن شاذان ( ١٤٠ / المنقبة ٨٦ ) رواه بسنده عن زيد بن ثابت، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعليّ بن أبي طالب.

وفي معاني الأخبار (٩١) قال: فقام إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله جابر بن عبد الله، فقال: يا رسول الله ومن عترتك؟ قال: عليّ والحسن والحسين والأئمّة من ولد الحسين إلى يوم القيامة.

وانظر بعض تخريجات حديث الثقلين في تفسير العيّاشي ( ج ١؛ ١٥، ١٦ ) وتفسير القمّي ( ج ١؛ ١٧٢، ١٧٣ ) وأمالي الطوسي ( ١٦٢، ٥٤٨ ) وكشف الغمّة ( ج ١؛ ٤٩ ) وتقريب المعارف (١١١) ومعاني الأخبار ( ٩٠، ٩١ ) وفيه خمسة أحاديث، ونهج الحق ( ٢٢٥ - ٢٢٨ ) والعمدة لابن البطريق ( ٦٨ - ٧٦ ) وفيه أحد عشر حديثا، والكافي ( ج ١؛ ٢٩٤ ) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ٤١ ).

وجواهر العقدين المخطوط (١٧٢) وكنز العمال ( ج ١٣؛ ١٤٠ ) وشرح النهج ( ج ٦؛ ٣٧٥ ) وينابيع المودّة ( ج ١؛ ٢٠، ٢٩ ) وسنن الترمذيّ ( ج ٥؛ ٣٢٩ ) والدرّ المنثور ( ج ٦؛ ٧ ) ومسند أحمد ( ج ٢؛ ٥٨٥ ) و ( ج ٣؛ ٢٦ ) و ( ج ٤؛ ٣٦٦ ) والسنن الكبرى ( ج ٢؛ ١٤٨ ) ونظم درر السمطين (٢٣١) وتذكرة الخواص (٣٢٢) ومناقب ابن المغازلي ( ١٨، ٢٣٥ ) وصحيح مسلم ( ج ٤؛ ١٨٧٣ / باب فضائل عليّ ) وفيه عدّة أحاديث، وسنن ابن ماجة ( ج ٢؛ ٤٧٩ / باب افتراق الأمم ) وسنن أبي داود ( ج ٤؛ ١٩٧، ١٩٨ ) ومجمع الزوائد ( ج ٩؛ ١٦٣ ) وكفاية الطالب (٥٢) وأسد الغابة ( ج ٢؛ ١٢ ).

وهاهنا ملاحظة لا بدّ من التنبيه عليها، وهي أنّ الأسانيد الصحاح روت هذا الحديث في أماكن مختلفة، وأنّ النبي قاله في مواطن متعددة.

ففي الصواعق المحرقة (١٣٦) قال ابن حجر: اعلم أنّ لحديث التمسك بذلك طرقا كثيرة،

٣١١

وردت عن نيّف وعشرين صحابيا، وفي بعض تلك الطرق أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال ذلك بحجّة الوداع بعرفة، وفي أخرى أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قاله بالمدينة في مرضه وقد امتلأت الحجرة بأصحابه، وفي أخرى أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال ذلك بغدير خمّ، وفي أخرى أنّه لمّا قام خطيبا بعد انصرافه من الطائف، ولا تنافي؛ إذ لا مانع من أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله كرر عليهم ذلك في هذه المواطن وغيرها، اهتماما بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة.

ألا وإن الإسلام سقف تحته دعامة الدعامة دعامة الإسلام، وذلك قوله تعالى:( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) (١) فالعمل الصالح طاعة الإمام ولي الأمر والتمسك بحبل الله

يدلّ على هذا المطلب كلّ ما دلّ على أنّ قبول الفرائض والأعمال مشروط بمعرفة الأئمّةعليهم‌السلام ، كما مرّ تخريجه؛ فإنّ دعائم الإسلام كلّها تنتهي إلى دعامة طاعة الإمام ومتابعته ومعرفته، وقد ورد التصريح بذلك في روايات أهل البيتعليهم‌السلام وأنّهم دعائم الإسلام.

ففي تفسير القمّي ( ج ٢؛ ٢٠٨ ) عن الصادقعليه‌السلام : وقوله:( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) (٢) ، قال: كلمة الإخلاص، والإقرار بما جاء من عند الله من الفرائض، والولاية ترفع العمل الصالح إلى الله.

وعن الصادقعليه‌السلام أنّه قال:( الْكَلِمُ الطَّيِّبُ ) قول المؤمن « لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله، عليّ ولي الله وخليفة رسول الله »، وقال:( وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ ) الاعتقاد بالقلب أنّ هذا هو الحقّ من عند الله لا شكّ فيه من ربّ العالمين. وانظر تفسير البرهان ( ج ٣؛ ٣٥٩ / الحديث ٦ ) نقلا عن القمّي.

وفي البرهان ( ج ٣؛ ٣٥٨ / الحديث ١ ) نقلا عن الكليني بسنده إلى الصادقعليه‌السلام ، قال:

__________________

(١) فاطر؛ ١٠

(٢) فاطر؛ ١٠

٣١٢

( الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) ولا يتنا أهل البيت - وأهوى بيده إلى صدره - فمن لم يتولّنا لم يرفع الله له عملا.

وفي أمالي المفيد (٢١٧) بسنده، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام : يا عليّ أنا وأنت وابناك الحسن والحسين، وتسعة من ولد الحسين أركان الدين ودعائم الإسلام. وروى مثله ابن جرير الطبريّ الإمامي في بشارة المصطفى (٤٩) ورواه والد الشيخ الصدوق في الإمامة والتبصرة (١١١) وفيه زيادة « من تبعنا نجا ومن تخلف عنّا فإلى النار ».

وفي بصائر الدرجات (٨٣) بسنده إلى الباقرعليه‌السلام قال: ونحن دعائم الإسلام.

وفي ينابيع المودّة ( ج ٣؛ ١٤٧ ) عن الإمام الباقرعليه‌السلام ، قال: نحن حجج الله، ونحن أركان الإيمان، ونحن دعائم الإسلام. نقله عن فرائد السمطين ( ج ٢؛ ٢٥٣ ) بسنده إلى الباقرعليه‌السلام .

وفي أمالي الصدوق (٥٠٠) بسنده عن عليّعليه‌السلام ، أنّه قال لقنبر: يا قنبر ألا إنّ لكلّ شيء دعامة، ودعامة الإسلام الشيعة.

وفي أمالي المفيد (٣٥٣) بسنده إلى الصادقعليه‌السلام ، قال: بني الإسلام على خمس دعائم: إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم شهر رمضان، وحجّ البيت الحرام، والولاية لنا أهل البيت. ورواه الصدوق في أماليه (٢٢١) والطبريّ الإمامي في بشارة المصطفى (٦٩).

وفي تفسير العيّاشي ( ج ١؛ ٢٧٩ ) عن يحيى السري، قال: قلت للصادق: أخبرني عن دعائم الإسلام الّتي بني عليها الدين، ولا يسع أحد التقصير في شيء منها؛ الّتي من قصر عن معرفة شيء منها فسد عليه دينه ولم يقبل منه عمله، ومن عرفها وعمل بها صلح له دينه وقبل منه عمله، ولم يضرّ ما هو فيه بجهل شيء من الأمور إن جهله؟ فقالعليه‌السلام : نعم، شهادة أن لا إله إلاّ الله، والإيمان برسوله، والإقرار بما جاء من عند الله، وحقّ من الأموال الزكاة، والولاية الّتي أمر الله بها ولاية آل محمّد ومثله في ينابيع المودّة ( ج ١؛ ١١٦ ).

وانظر الكافي ( ج ٢؛ ١٨ - ٢٠ ) ففيه خمسة عشر حديثا في دعائم الإسلام وأنّها مشروطة بالإمامة والولاية لأهل بيت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وكتب الصدوقرحمه‌الله - الذي تعد أقواله مضامين الروايات - لمن سأله عن وصف

٣١٣

دين الإماميّة على الإيجاز والاختصار: إنّ الدعائم الّتي بني عليها خمس: الصلاة والزكاة والصوم والحج وولاية النبي والأئمّة من بعده، وهم اثنا عشر؛ أوّلهم أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام وآخرهم الحجّة بن الحسنعليهم‌السلام .

الله الله في أهل بيتي، مصابيح الهدى، ومعادن العلم، وينابيع الحكم

هذا وما سيأتي في الطّرفة (٢٠) من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « الله الله في أهل بيتي، فإنّهم أركان الدين ومصابيح الظلم ومعدن العلم » مضمون واحد.

وهذا المضمون لا يكاد يحصى في روايات أهل البيت، وفي روايات العامة أيضا، وهو مذكور في جلّ المصادر والكتب الّتي خرّجت حديث الثقلين، وبيعة غدير خم، فراجعها.

وفي الكافي ( ج ١؛ ٢٢١ ) عقد بابا أسند فيه ثلاثة أحاديث تحت عنوان « أنّ الأئمّة معدن العلم وشجرة النبوة ومختلف الملائكة »، في الثالث منها بإسناده إلى الصادقعليه‌السلام أنّه قال لخيثمة: يا خيثمة، نحن شجرة النبوة، وبيت الرحمة، ومفاتيح الحكمة، ومعدن العلم، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، وموضع سرّ الله، ونحن وديعة الله في عباده، ونحن حرم الله الأكبر، ونحن ذمّة الله، ونحن عهد الله، فمن وفى بعهدنا فقد وفي بعهد الله، ومن خفرها فقد خفر ذمة الله وعهده.

وفي بصائر الدرجات ( ٣٨٢ - ٣٨٥ ) عقد ابن فروخ الصفّار في الجزء السابع / الباب ١٩ في ذلك، تحت عنوان « ما جاء عن الأئمّة من أحاديث رسول الله الّتي صارت إلى العامّة وما خصّوا به من دونهم ».

وفي الحديث التاسع من الباب المذكور بسنده عن عليّعليه‌السلام أنّه: صعد على منبر الكوفة، فحمد الله وأثنى عليه وشهد بشهادة الحقّ، ثمّ قال: إنّ الله بعث محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله بالرسالة، واختصّه بالنبوّة، وأنبأه بالوحي، وأنال الناس وأنال، وفينا أهل البيت معاقل العلم، وأبواب الحكم، وضياء الأمر، فمن يحبّنا أهل البيت ينفعه إيمانه ويقبل عمله، ومن لا يحبّنا أهل البيت فلا ينفعه إيمانه ولا يقبل منه عمله ولو صام النهار وقام اللّيل.

٣١٤

وفي المسترشد (٢٩٢) قال عليّ في خطبة له: نحن والله الّذي لا إله غيره أئمّة العرب ومنار الهدى ...

وفي فرائد السمطين ( ج ١؛ ٤٤ ) وينابيع المودّة ( ج ١؛ ٢٠ ) قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : نحن أهل البيت مفاتيح الرحمة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، ومعدن العلم.

وفي بشارة المصطفى (١٦) بسنده، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: عليّ وفاطمة والحسن والحسين أهل بيتي وثقلي.

وقد نبّهنا على أنّ الأحاديث في مضمون الطّرفة كثيرة جدا يصعب حصرها، حتّى أنّ الأئمّة كانوا يقولون: إنّ في بيوتنا زغب جناح جبرئيل، كما في بصائر الدرجات ( ٣١، ٣٢ ) بأسانيده إلى الحسين والسجاد والصادقعليهم‌السلام ، وإنّما اقتصرنا على بعض ما ورد في ذلك، فإنّها لا يكاد يخلو منها كتاب من كتب الإماميّة.

ومن هو منّي بمنزلة هارون من موسى

حديث المنزلة من الأحاديث المتواترة عند المسلمين، وقد رواه الأئمّة والحفّاظ في كتبهم وتصانيفهم، وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يصدع به على رءوس الملأ من المسلمين، وفي عدّة مواطن، وقد رواه جمّ غفير من الصحابة، كما روي عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، فلا يكاد يخلو منه مصنف إمامي، وهو موجود في احتجاجات الإمام عليّعليه‌السلام ومناشداته في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي الشورى، وبعد بيعة عثمان، وفي الرحبة، وفي الكوفة، وقد رواه الأعلام، حتّى قال أبو الصلاح الحلبي في تقريب المعارف (٢٠٥): « إنّ كلّ ناقل لغزاة تبوك ناقل لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي: أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي ».

وخلاصة الحادثة هي ما رواه أبو جعفر الطبريّ الإمامي في بشارة المصطفى (٢٠٥) عن سعد بن مالك، قال: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله غزا [ غزوة تبوك ] على ناقته الحمراء، وخلف عليّا، فنفست عليه قريش، وقالوا: إنّما خلّفه لما استثقله وكره صحبته، فجاء عليّعليه‌السلام حتّى أخذ بغرز الناقة، فقال: يا نبي الله لأتبعنّك - أو إنّي تابعك - زعمت قريش أنّك لما استثقلتني

٣١٥

وكرهت صحبتي، قال: وبكى عليّعليه‌السلام ، فنادى رسول الله في الناس فاجتمعوا، فقال: يا أيها الناس ما منكم من أحد إلاّ وله خاصة، ثمّ قال لعلي: أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي؟ قالعليه‌السلام : رضيت عن الله وعن رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وهذا أشهر موارد الحديث، فإنّ النبي بلّغ ذلك للمسلمين في موارد وأماكن أخرى تظهر بمتابعة المرويّات.

انظر الكافي ( ج ٨؛ ١٠٧ ) وتفسير العيّاشي ( ج ٢؛ ١٣٥ ) وتفسير القمّي ( ج ٢؛ ١٠٩ ) وتفسير فرات ( ١٣٧، ١٥٩، ٣٤٢، ٤٢١ ) وبشارة المصطفى ( ١٤٧، ١٥٥، ١٦٧، ٢٠٣ ) وأمالي الصدوق ( ٤٧، ٨١، ١٤٧، ٢٦٦، ٣٣٢ ) والاحتجاج ( ج ١؛ ٥١، ٧٥ ) والإرشاد (٨٣) وكشف الغمّة ( ج ١؛ ٢٨٨ ) وأمالي الطوسي ( ٥٤٨، ٥٥٥، ٥٦٠ ) والخصال ( ٥٥٤، ٥٧٢ ) وكتاب سليم بن قيس: ١١٨، وورد في أكثر من خمسة عشر موردا من الكتاب، وأمالي المفيد (٧٥٧) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ١٨٦ - ١٩١ ) و ( ج ٣؛ ١٥، ١٦ ).

وتاريخ دمشق ( ج ١؛ ٣٣٤ / الحديثان برقم ٤٠٣ و ٤٠٤ ) ومجمع الزوائد ( ج ٩؛ ١١٠ ) وأسنى المطالب ( ٢٧ و ٢٩ / الباب السادس - الحديثان ٩ و ٢٣ ) ومطالب السئول (٤٣) ومناقب الخوارزمي (٢١١) وكفاية الطالب (١١) ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ( ج ٥؛ ٣١ ) ومناقب ابن المغازلي ( ٢٧ - ٣٧ ) وصحيح مسلم ( ج ٤؛ ١٨٧٠ / باب فضائل عليّ ) وسنن ابن ماجة ( ج ١؛ ٤٢ ) وميزان الاعتدال ( ج ٣؛ ٥٤٠ ) وسنن الترمذيّ ( ج ٥؛ ٣٠٤ ) والمعيار والموازنة (٢١٩) وصحيح البخاري ( ج ٥؛ ٣ و ٢٤ / كتاب الفضائل ) ومسند أحمد ( ج ١؛ ١٧٠، ١٧٣، ١٧٥، ١٨٥ ) وسنن أبي داود ( ج ١؛ ٢٩ ) وأسد الغابة ( ج ٤؛ ٢٦ ) و ( ج ٥؛ ٨ ) وخصائص النسائي ( ١٥، ١٦ ) وكنز العمال ( ج ٦؛ ٤٠٢ ) وذخائر العقبى (١٢٠) وتذكرة الخواص (١٩) والفصول المهمة ( ٣٨، ٣٩ ) ومستدرك الحاكم ( ج ٣؛ ١٣٢ ) والإصابة ( ج ٢؛ ٥٠٧ ) وفرائد السمطين ( ج ١؛ ١٤٩ ) وحلية الأولياء ( ج ٧؛ ١٩٥، ١٩٦ ) تاريخ بغداد ( ج ١١؛ ٤٣٢ ). وانظر بعض تخريجاته في كتاب قادتنا ( ج ٢؛ ٤١١ - ٤٢٨ ).

٣١٦

ألا إنّ باب فاطمة بابي، وبيتها بيتي، فمن هتكه هتك حجاب الله قال الكاظمعليه‌السلام : هتك والله حجاب الله وحجاب الله حجاب فاطمة

معلوم بالضرورة أنّ باب عليّ وفاطمة وبيتها، هما باب وبيت رسول الله؛ لأنها بضعته وعليّا أخوه، ومعلوم أيضا أنّ حجاب فاطمة هو حجاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وحجاب رسول الله هو حجاب الله. وهذا لا شبهة فيه ولا غبار عليه، وقد ورد في النصوص ما يدلّ عليه.

ففي شواهد التنزيل ( ج ١؛ ٥٣٤ ) بإسناده، عن أنس وبريدة، قالا: قرأ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هذه الآية( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ) (١) فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله أيّ بيوت هذه؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : بيوت الأنبياء، فقام إليه أبو بكر فقال: يا رسول الله هذا البيت منها - لبيت عليّ وفاطمة -؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : نعم، من أفاضلها.

وأسند في شواهد التنزيل ( ج ١؛ ٥٣٢ - ٥٣٤ ) ثلاثة أحاديث في ذلك، عن أبي برزة وأنس بن مالك وبريدة. ورواه الثعلبي كما في خصائص الوحي المبين (٧٩) وأخرجه ابن مردويه كما في كشف الغمّة ( ج ١؛ ٣١٩ ) والدر المنثور للسيوطي ( ج ٥؛ ٥٠ ) ورواه محمّد ابن العبّاس الماهيار كما في تفسير البرهان ( ج ٣؛ ١٣٨ ) ورواه فرات في تفسيره ( ٢٨٦، ٢٨٧ ) عن زيد بن عليّ، ورواه القمّي في تفسيره ( ج ٢؛ ١٠٤ ) عن الباقرعليه‌السلام ، ورواه الطبرسي في مجمع البيان ( ج ٤؛ ١٤٤ ) مرفوعا عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فكيف صرّحصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّ بيت عليّ وفاطمة من بيوت الأنبياء لو لا أنّه بيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيكون حجاب من فيه حجاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وحجاب الرسول حجاب الله.

ففي بصائر الدرجات (٨٤) بإسناده عن الباقرعليه‌السلام قال: بنا عبد الله وبنا عرف الله وبنا وعد الله، ومحمّد حجاب الله.

وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ٢٧٣ ) في قوله تعالى:( تَجْرِي بِأَعْيُنِنا ) (٢) ،

__________________

(١) النور؛ ٣٦

(٢) القمر؛ ١٤

٣١٧

عن الأعمش قال: جاء رجل مشجوج الرأس يستعدي عمرا على عليّ، فقال عليّعليه‌السلام [ في رواية الأصمعي ]: رأيته ينظر في حرم الله إلى حريم الله، فقال عمر: اذهب وقعت عليك عين من عيون الله، وحجاب من حجب الله، تلك يد الله اليمنى يضعها حيث يشاء.

وفي الخصال (٦٠٧) بسنده عن الصادقعليه‌السلام في بيان شرائع الدين، قال في كلام طويل: وحبّ أولياء الله والولاية لهم واجبة، والبراءة من أعدائهم واجبة، ومن الّذين ظلموا آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وهتكوا حجابه ...

وفي الكافي ( ج ١؛ ٣٠٠ ) بسنده عن الباقرعليه‌السلام ، قال: فخرجت [ عائشة ] مبادرة على بغل بسرج فقالت: نحّوا ابنكم [ تعني الحسنعليه‌السلام ] عن بيتي، فإنّه لا يدفن في بيتي ويهتك على رسول الله حجابه، فقال لها الحسينعليه‌السلام : قديما هتكت أنت وأبوك حجاب رسول الله ومثله بتفصيل في ( ج ١؛ ٣٠٢ ) من الكافي عن الباقرعليه‌السلام أيضا.

وسيأتي هتكهم لحجاب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في حرقهم بابه، وشجّهم جنبي الزهراء الّتي هي روح النبي الّتي بين جنبيه، وإسقاطهم محسنا، وما فعلوه بعلي، وقد علمت أنّ محمّدا وعليّا وفاطمة وكلّ الأئمّة حجابهم حجاب الرسول، وحجاب الرسول حجاب الله.

٣١٨

الطّرفة الحادية عشر

روى هذه الطّرفة - عن كتاب الطّرف - العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٢٢؛ ٤٧٨ ) والعلاّمة البياضي في الصراط المستقيم ( ج ٢؛ ٩٠ - ٩١ ) باختصار.

ومضمون هذه الطّرفة صحيح ومتسالم عليه ومرويّ في كتب الأصحاب، إذ أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أخذ على الناس الإقرار بولاية عليّ وإمامته وإمرته للمؤمنين قبل حجّة الوداع وفيها وبعدها، وقد تقدّم مثله في حديث الثقلين، لكنّ تخصيص أخذ البيعة لوصيّه بالمهاجرين ممّا لم نعثر عليه في مصدر، ولكن يدلّ عليه أنّ المعارضين لهذه البيعة والولاية كانوا كلّهم من قريش - أي المهاجرين - وعلى رأسهم الشيخان، فإنّهما وغيرهما من قريش اعترضوا على النبي واستفهموا بقولهم: أمن الله ومن رسوله؟ فلذلك خصّهم الإمام بالذكر لأنّهم المقصودون بالذات من هذه البيعة، وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقصد تأكيد البيعة عليهم، لعلمهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّهم سينقضون العهد وينكثون البيعة، وسيأتي اعتراض بعضهم بعد قليل.

إنّي أعلمكم أنّي قد أوصيت وصيّي ولم أهملكم إهمال البهائم، ولم أترك من أموركم شيئا سدى

في كتاب سليم بن قيس (٢٣٦) قول ابن عبّاس في محاججة معاوية: يا معاوية أما علمت أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين بعث إلى مؤتة أمّر عليهم جعفر بن أبي طالب، ثمّ قال: إن هلك جعفر فزيد بن حارثة، فإن هلك زيد فعبد الله بن رواحة، ولم يرض لهم أن يختاروا

٣١٩

لأنفسهم، أفكان يترك أمّته لا يبيّن لهم خليفته فيهم!! بلى والله ما تركهم في عمياء ولا شبهة، بل ركب القوم ما ركبوا بعد نبيّهم، وكذبوا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهلكوا وهلك من شايعهم، وضلّوا وضلّ من تابعهم، فبعدا للقوم الظالمين.

وفي الكافي ( ج ١؛ ١٩٩ ) بسنده عن عبد العزيز بن مسلم، عن الإمام الرضاعليه‌السلام في كلام طويل له في الإمامة: إنّ الله عزّ وجلّ لم يقبض نبيّه حتّى أكمل له الدين وأنزل في حجّة الوداع - وهي آخر عمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله -( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) (١) وأمر الإمامة من تمام الدين، ولم يمضصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى بيّن لأمّته معالم دينهم، وأوضح لهم سبيلهم، وتركهم على قصد سبيل الحقّ، وأقام لهم عليّا علما وإماما، وما ترك شيئا يحتاج إليه الأمّة إلاّ بيّنه، فمن زعم أنّ الله عزّ وجلّ لم يكمل دينه ردّ كتاب الله، ومن ردّ كتاب الله فهو كافر به ....

وانظر هذه الرواية في عيون أخبار الرضا ( ١٧١ - ١٧٥ ) وأمالي الصدوق ( ٥٣٦ - ٥٤٠ ) وإكمال الدين ( ٦٧٥ - ٦٨١ ) ومعاني الأخبار ( ٩٦ - ١٠١ ) والمنقول هنا هو صدر الرواية.

وفي تفسير فرات (٣١٦) بسنده عن ابن عبّاس في قوله تعالى:( وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ ) (٢) ، قال: قضى إليه بالوصيّة إلى يوشع بن نون، وأعلمه أنّه لم يبعث نبيّا إلاّ وقد جعل له وصيّا، وإنّي باعث نبيّا عربيّا وجاعل وصيّه عليّا، قال ابن عبّاس: فمن زعم أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يوص فقد كذب على الله وجهّل نبيّه، وقد أخبر الله نبيّه بما هو كائن إلى يوم القيامة.

والأدلّة النقليّة والعقليّة قائمة على إيصاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّه لم يترك أمّته سدى، وقد ألّفت المؤلّفات في إثبات ذلك، وسيأتيك هنا أنّ النبي أوصى وصيّه عليّا وأمرهم بالتسليم عليه بإمرة المؤمنين والتسليم له، فاعترض الشيخان وغيرهما مستفهمين بقولهما: فبأمر من الله أوصيت أم بأمرك؟!.

__________________

(١) المائدة؛ ٣

(٢) القصص؛ ٤٤

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653