طرف من الأنباء والمناقب

طرف من الأنباء والمناقب9%

طرف من الأنباء والمناقب مؤلف:
المحقق: الشيخ قيس العطّار
الناشر: انتشارات تاسوعاء
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 653

طرف من الأنباء والمناقب
  • البداية
  • السابق
  • 653 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 210724 / تحميل: 6561
الحجم الحجم الحجم
طرف من الأنباء والمناقب

طرف من الأنباء والمناقب

مؤلف:
الناشر: انتشارات تاسوعاء
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

٦١

بعد معرفة أنّ الأصل الأوّلي ومقتضى القاعدة الأوّليّة، هو أنّ الشارع إذا أوردً عنواناً معيّناً في دليلٍ من الأدلّة فإنّه يجب أن يبقى على معناه اللغوي.

أي أنّ كلّ دليل وردَ من الشارع يبقى على معناه اللغوي ما لم ينقله الشارع إلى الحقيقة الشرعيّة، هذا من جهة.

ومن جهةٍ أخرى، هناك أمر آخر يضيفه الأصوليّون، وهو تحقّق هذا العنوان وحصوله في الخارج.

فنحن تارة نتكلّم في مرحلة التأطير والتنظير، وفي أفق الذهن، أو في أفق اللوح باعتباره القانون، فحينئذٍ يبقى المعنى على حاله.

وتارةً نتكلّم عن مرحلة أخرى هي غير التنظير القانوني، بل هي مرحلة التطبيق في الخارج والوجود في الخارج، في هذه المرحلة أيضاً، فما لم يعبّدنا الشارع ويتصرّف في الوجود الخارجيّ لأيّ عنوان، فالأصل الأوّلي هو أن يكون وجوده ومجاله أيضاً عرفيّاً، سواء كان له وجودٌ تكويني، أو كان له وجود اعتباري لدى العرف، إلاّ أن يجعل الشارع له وجوداً خاصّاً بأن ينصب دليلاً على ذلك.

٦٢

أمثلةٌ على تحديد الوجود الخارجي للموضوع من الشارع المقدّس

مثال 1: في تحقّق الطلاق، لو قال الزوج: طلّقتُ امرأتي، أو أطلّقُكِ، أو سأُطلّقك، فكلّ هذه الصيغ لا يمضيها الشارع ولا يقرّها، وهي غير محقّقة، ولا موجّدة للطلاق، وإن كانت في العرف موجدةً له، لكن عند الشارع لا أثر لها، إلاّ أن يقول: أنتِ طالق، بلفظ اسم الفاعل المراد منه اسم المفعول.

هنا الشارع وإن لم يتصرّف في ماهيّة الطلاق ولم يتصرّف في عنوانه، بل أبقاه على معناه اللغوي، لكنّه تصرّف في كيفيّة وجوده وحصوله في الخارج.

مثال 2: الحلف لا يكون حلفاً شرعيّاً بالله، والنذر لا يكون نذراً لله إلاّ أن تأتي به بالصيغة الخاصّة، فهذا تصرّف في كيفيّة الوجود، فإن دلّ الدليل على كيفيّة تصرّف خاصّة من الشارع وفي كيفيّة الوجود، فلا يتحقّق ذلك الأمر إلاّ بها.

أمّا إذا لم يقم الدليل من الشارع على ذلك، فمقتضى القاعدة الأوّليّة أنّ وجوده يكون وجوداً عرفيّاً - تكوينيّاً كان أو اعتباريّاً - ما لم يرد دليل من الشارع لتحديد وجوده وحصوله في الخارج.

نرجع إلى محلّ البحث، لو لم يكن دليل إلاّ عموم آية( لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ ) .

وعموم آية:( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) ، وقلنا: إنّ المعنى يبقى على حاله، حيث إنّ الشارع لم يتصرّف في معناه

٦٣

اللغوي الذي هو ما يقال عنه مرحلة تقنين القانون، ولم يتصرّف أيضاً في مرحلة التطبيق الخارجي من جهة خارجيّة، فما يتّفق عليه العرف بحيث يصبح تبياناً وإضاءةً لمعنى من المعاني الدينيّة، يصبح شعيرةً وشعاراً.

ويجدر التنبيه هنا على أنّ وجودات الأشياء على قسمين:

الوجودُ التكويني والوجود الاعتباري للأشياء

القسم الأوّل: هو الوجود التكويني مثل: وجود الماء، الحجر، الشجر، الإنسان، الحيوان.

القسم الثاني: وجود غير تكويني، بل هو اعتباري - أي فرضي، ولو من العرف - مثل: البيع، فالبائع والمشتري يتّفقان على البيع بخصوصيّاته، فيتقيّدان بألفاظ الإيجاب والقبول فيها، فحينئذٍ: هذا البيع، أو الإجارة، أو الوصيّة، أو المعاملة ليس لها وجود حسّي خارجيّ؛ وإنّما وجودها بكيفيّات اعتباريّة فرضيّة في عالَم فرضي يُمثّل القانون، سواء قانون الوضع البشري، أو حتّى قانون الوضع الشرعي عند الفقهاء، إذ يحملون هذا على الاعتبار الفرضي، فهو عالَم اعتبار لمَا يتّخذه العقلاء من فرضيّات.

العقلاء يفترضون عالَماً فرضيّاً معيّناً، لوحة خاصّة بالعقلاء، لوحة القانون العقلائي.

فوجودات الأشياء على أنحاء: تارةً نَسق الوجود التكويني، وتارة نَسق الوجود الاعتباري، وإن كانت اعتبارات الشارع، وتقنينات الشارع، وفرضيّات الشارع وقوانينه، يُطلق عليها أيضاً اعتبار شرعي، ولكن من الشارع.

٦٤

خلاصةُ القول

إنّ كلّ عنوان أُخذ في دليلٍ - كالبيع، أو الهبة، أو الوصيّة، أو الشعائر، أو الطلاق، أو الزوجيّة - إذا أُبقيَ على معناه اللغوي، وأيضاً أُبقي على ما هو عليه من الوجود عند العرف فبها، غاية الأمر أنّ الوجود عند العرف ليس وجوداً تكوينيّاً، بل وجودٌ طارئ اعتباري في لوحة تقنيناتهم وفي لوحة اعتبارهم، مثلاً: حينما يقول الشارع في الآية الكريمة:( أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ ) (1) ليس معناه: أنّ البيع الذي هو بيع عند الشارع قد أحلّه الله ؛ لأنّ ذلك يكون تحصيل الحاصل، لأنّ البيع الذي عند الشارع هو حلال من أساسه، بل المقصود من:( أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ ) ، وكذلك:( أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ ) (2) المراد أنّ البيع والعقود التي تكون متداولة في أُفق اعتباركم أنتم أيها العقلاء قد أوجبتُ - أنا الشارع - الوفاء بها، وقد أحللتُها لكم، فإذاً قد أبقاها الشارع على ما هي عليه من وجود ومعنىً لغوي عند العقلاء والعرف.

وقد يتصرّف الشارع في بعض الموارد - كما بينّا في الطلاق - حيث يقيّدها بوجود خاص.

فحينئذٍ، يتبيّن أنّ الأشياء قد يبقيها الشارع على معناها اللغوي، ويبقي وجودها في المقام الآخر على ما هي عليه من وجود إمّا تكويني أو

____________________

(1) البقرة: 275.

(2) المائدة: 1.

٦٥

اعتباري.

ومن جهةٍ أخرى، فإنّ العلامة أو (الدال) إمّا عقليّة أو طبعيّة، أو وضعية..

فهل الشعائر أو الشعيرة هي علامة تكوينيّة، أم عقليّة، أم طبعيّة، أم هي وضعيّة؟

الشعيرةُ علامة وضعيّة

نرى أنّ الشعيرة والشعار هي علامة وضعيّة وليست عقليّة ولا طبعيّة، وهنا مفترق خطير في تحليل الماهيّة؛ للتصدّي للكثير من الإشكالات أو النظريّات التي تُقال في قاعدة الشعائر.

نقول: إنّ الشعيرة هي علامة وضعيّة، بمعنى أنّ لها نوعاً من الاقتران والربط والعلقة الاعتباريّة، فالوضع هو اعتباري وفرضي بين الشيئين.

والأمر كذلك في الأمور الدينيّة أيضاً، مثلاً كان شعار المسلمين في بدر: (يا منصور أمِت)(1) ، حيث يستحب في باب الجهاد أن يضع قائد جيش المسلمين علامة وشعاراً معيّناً للجيش.

الشعائر أو الشعارة: هي ربط اعتباري ووضع جعلي فطبيعتها عند العرف هو الاعتبار، حتّى شعار الدولة، وشعار المؤسّسات، وشعار الأندية، والوزارات..

والشركات التجارية، والفِرق الرياضيّة، لكنّ كلّ ذلك أمر اعتباري..

____________________

(1) المنصور من أسماء الله سبحانه، أمِت: يعني أمِت الكافرين.

٦٦

فهو علامة حسّيّة دالّة على معنى معيّن، لكنّ الوضع والعلقة فيه اعتباريّة.

فلابدّ من الالتفات إلى تحليلٍ أعمق لماهيّة الشعائر والشعيرة، فماهيّة الشعار والشعيرة علامة حسّيّة لمعنى من المعاني الدينيّة، ولكنّ هذه العلامة ليست تكوينيّة، ولا عقليّة، ولا طبعيّة، وإنّما هي علامة وضعيّة.

فالشعائر هي التي تفيد الإعلام، وكلّ ما يُعلِم على معنى من المعاني الدينيّة، أو يدلّ على شيء له نسبة إلى الله عزّ وجل، فإنّ هذا الإعلام والربط بين الـمَعلم والـمُعلم به، وهذا الربط هو في الماهيّة وضعي اعتباري.

فالموضوع يتحقّق بالعُلقة، والوضع الاعتباري.

وإذا كان تحقّق ماهيّة الشعائر والشعيرة بالعُلقة الوضعيّة الاعتباريّة، وافتراضنا أنّ الشارع لم يتصرّف في كيفيّة الوجود، بمعنى أنّ المتشرّعة إذا اختاروا واتّخذوا سلوكاً ما علامة لمعنى ديني معيّن، فبالتالي يكون ذلك السلوك من مصاديق الشعائر.

وكما قلنا: إنّ ماهيّة الشعائر تتجسّد في كلّ ما يوجب الإعلام والدلالة فيها وضعيّة، والواضع ليس هو الشارع ؛ لأنّه لم يتصرّف بالموضوع، فبذلك يكون الوضع قد أُجيز للعرف والعقلاء.

كما ذكرنا في البيع أنّ له ماهيّة معيّنة، وكيفيّة خاصّة حسب ما يقرِّره العقلاء، وكيفيّة وجوده اعتباريّة، وذَكرنا أنّ الشارع إن لم يتصرّف في الماهيّة والمعنى في الدليل الشرعي، ولم يتصرّف في كيفيّة الوجود، فالماهيّة تبقى على حالها عند العقلاء، بخلاف الطلاق الذي تصرّف الشارع في كيفيّة وجوده في الخارج.

٦٧

الشعائرُ ومناسك الحج

وممّا تقدّم: تبيّن خطأ عدّ مناسك الحجّ - بما هي مناسك - شعائر.

حيث إنّ الشعائر صفة عارضة لها، وليست الشعائر هي عين مناسك الحجّ كما فسّرها بعض اللغويّين.

بيان ذلك: حينما نقول مثلاً: (الإنسانُ أبيض)، هل يعني أنّ الماهيّة النوعيّة للإنسان هي البياض، كلاّ، أو حين نقول: (الإنسان قائم)، فهل يعني أنّ الماهيّة النوعيّة للإنسان هي القيام، كلاّ، إذ القيام والبياض أو السمرة أو السواد ليست ماهيّةً للإنسان، وإنّما هذه عوارض قد تعرض على الماهيّة وقد تزول عنها.

إنّ كُنه الإنسان وماهيّته بشيء آخر، لا بهذه العوارض، وكذلك مناسك الحجّ، إذ ليست ماهيّة المنسك هي الشعار، بل الشِعار هو ما يكمُن وينطوي فيه جنبة الإعلام والعلانيّة لشيء من الأشياء.

مثال آخر: لفظة (زيد) كنهها ليس أنّها سِمة لهذا الإنسان، كُنهها: هو صوت متموّج يتركّب من حروف معيّنة، نعم، من عوارضها الطارئة عليها أنّها سِمة واسم وعلامة لهذا الإنسان، وهذا من عوارضها الاعتباريّة لا الحقيقيّة، حيث إنّها علامة على ذلك الجسم.

إذاً جنبة العلاميّة لون عارض على أعمال الحج، أو على العبادات، أو على الموارد الأخرى، لا أنّها عين كنه أعمال الحج، وليس كون الشعائر هي نفس العباديّة، ولا كون العباديّة هي الشعائر.

أمّا كيف يسمح الشارع في أن يتصرّف العرف بوضع الشعائر أو غير ذلك، فهذا ما سنقف عليه لاحقاً إن شاء الله تعالى.

٦٨

الترخيصُ في جَعل الشعائر بيد العُرف

إنّ الشارع حينما لا يتصرّف في معنى معيّن، ولا في وجوده في الخارج، فهل يعني هذا تسويغاً من الشارع في أن يتّخذ العرف والعقلاء ما شاءوا من علامة لمعاني الدين وبشكلٍ مطلق؟ أم هناك حدود وقيود، وما الدليل على ذلك؟

هل اتّخاذ المسلمين لهذه المعالِم الحسّيّة مَعلماً وشعاراً، سواء كانت مَعالم جغرافيّة: كموقع بدر، وغدير خمّ، أو مَعلماً زمنيّاً: كمولد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهجرته، وتواريخ الوقائع المهمّة، أو مَعلماً آخر غير زماني ولا مكاني، كأن يكون ممارسةً فعليّة، هل هذا فيه ترخيص من الشارع أم لا؟

للإجابة على هذا السؤال المهمّ لابدّ من تحرير النقاط التالية:

النقطة الأولى: وهذه هي جهة الموضوع في قاعدة الشعائر الدينيّة، وهي: أنّ العناوين التي ترد في لسان الشارع إذا لم يرد دليل آخر يدلّ على نقلها من الوضع اللغوي إلى الوضع الجديد والمعنى الجديد، فهي تبقى على حالها، وعلى معانيها الأوّليّة اللغويّة.

النقطة الثانية: أنّ تحقّق تلك الموضوعات وكيفيّة وجودها في الخارج، إن كان الشارع صرّح وتصرّف بها فنأخذ بذلك، وإلاّ فإنّها ينبغي أن تبقى على كيفيّة وجودها العرفي أو التكويني.

النقطة الثالثة: أنّ وجودات الأشياء على نسقَين:

( أ ) بعض الوجودات وجودات تكوينيّة.

٦٩

(ب) وبعض الوجودات وجودات اعتباريّة.

وقد أشرنا سابقاً لذلك، ولكن لزيادة التوضيح نقول: إنّ عناوين أغلب المعاملات وجودها اعتباري: كالبيع، والإجارة، والهبة، والوصيّة، والطلاق، والنكاح وما شابه ذلك، كلّ هذه العناوين كانت وجودات لدى العرف والعقلاء( أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ... ) ،( أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ... ) وغيرها من العناوين.

فآية:( أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ... ) لسانٌ شرعي وقضيّة شرعيّة تتضمّن حكماً شرعيّاً وهو الحلّيّة، بمعنى حلّيّة البيع وصحّته وجوازه، ولم يتصرّف الشارع بماهيّة البيع، ولا بكيفيّة وجوده، إلاّ ما استُثني(1) ، فكيفيّة وجوده عند العرف والعقلاء تكون معتبرة، فما يصدق عليه وما يسمّى وما يطلق عليه (بيع) في عرف العقلاء جُعل موضوعاً لقضيّة شرعيّة، وهي حلّيّة ذلك البيع، وإلاّ فإنّ هذا الدليل( أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ... ) ليس المقصود منه البيع الشرعي، إذ البيع الشرعيّ أحلّه الله، ولو كان البيع المراد في هذا اللسان هو البيع الشرعي، لمَا كان هناك معنىً لحلّيّته؛ لأنّه سوف يكون تحصيلاً للحاصل، البيع الشرعي إذا كان شرعيّاً فهو حلال بذاته، فكيف يُرتّب عليه الشارع حكماً زائداً وهو الحلّيّة.

فلسان الأدلّة الشرعيّة - والتي وردت فيها عناوين معيّنة - إذا لم يتصرّف الشارع بها ولم يتعبّد بدلالة زائدة، تبقى على ما هي عليه من المعاني

____________________

(1) مثل: حُرمة وفساد بيع المكيل والموزون بجنسه مع التفاضل؛ لأنّه ربا، ومثل: بطلان بيع الكالئ بالكالئ وغيرها.

٧٠

الأوّليّة، وتبقى على ما هي عليه عند عُرف العقلاء.

حينئذٍ يأتي البيان المزبور في لفظة (الشعائر) الواردة في عموم الآيات:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ ) (1) أو:( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ.. ) (2) وقد مرّ بنا أنّ ماهيّة الشعيرة، أو الشعائر التي هي بمعنى العلامة إذا أُضيفت إلى الله عزّ وجل، أو أُضيفت إلى الدين الإسلامي، أو أُضيفت إلى باب من أبواب الشريعة، فإنّها تعني علامة ذلك الباب، أو علامة أمر الله، أو علامة أحكام الله وما شابه ذلك.

والعلامة - كما ذكرنا - ليست عين المنسك، وليست عين العبادة، وليست عين الأحكام الأخرى في الأبواب المختلفة؛ وإنّما العلامة أو الإعلام شيء طارئ زائد على هذه الأمور، كاللون الذي يكون عارضاً وطارئاً على الأشياء، فيكون طارئاً على العبادة، أو المنسك، أو الحُكم المعيّن.

فجنبة الإعلام والنشر في ذلك الحُكم، أو في تلك العبادة، أو ذلك المنسك، تتمثّل بالشعيرة والشعائر، وبهذا النحو أيضاً تُستعمل في شعائر الدولة أو شعائر المؤسّسة والوزارة - مثلاً - فهي ليست جزءاً من أجزاء الوزارة أو المؤسّسة مثلاً، وإنّما هي علامةٌ عليها.

فالنتيجة: أنّ الشعيرة والشعائر والشِعار تبقى على حالها دون تغيير في كلا الصعيدين: صعيد المعنى اللغوي، وصعيد كيفيّة الوجود في الخارج.

____________________

(1) المائدة: 2.

(2) الحجّ: 32.

(1) الحجّ: 36.

٧١

فإطلاق الشعائر على مناسك الحجّ ليس من جهة وجودها التكويني أو الطبعي، بل من جهة الجعل والاتّخاذ من الله عزّ وجل:( وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ) (1) يعني: باتّخاذ وضعي واعتباري أصبحت علامة ونبراساً للدين.

هذه الشعائر في مناسك الحج، جُعلت - بالوضع والاعتبار - علامةً للدين، ولعلوّ الدين، ولرقيّه وانتشاره وعزّته ونشر أحكامه.

بعد هذا البسط يتّضح من ماهيّة الشعيرة ومن وجود الشعيرة، أنّ وجودها ليس تكوينيّاً، والمقصود ليس نفي تكوينيّة وجود ذات الشعيرة، بل إنّ تَعَنون الشيء بأنّه شعيرة وجعله علامة على شيء آخر تَعنونه هذا، وجعله كذلك ليس تكوينيّاً بل اعتباريّاً، وإلاّ فالبُدن هي من الإبل، ووجودها تكويني.

ولكن كونها شعيرة وعلامة على حُكم من أحكام الدين، أو على عزّة الإسلام شيء اعتباري، نظير بقيّة الدلالات التي تدلّ على مدلولات أخرى بالاعتبار والجعل.

فالشعائر وإن كانت وجودات في أنفسها تكوينيّة، ولكن عُلقتها ودلالتها على المعاني اتّخاذيّة واعتباريّة، بواسطة عُلقة وضعيّة ربطيّة اعتباريّة، هذا من جهة وجودها.

ومن جهةٍ أخرى، فقد دلّلنا على أنّ الشعائر والشعيرة تكون بحسب ما تُضاف إليه، كما قد يتّخذ المسلمون الشعائر في الحرب مثلاً، كما وردَ

____________________

(1) الحجّ: 36.

٧٢

دليل خاص في باب الجهاد على استحباب اتّخاذ المسلمين شعاراً لهم، مثل ما اتّخذه المسلمون في غزوة بدر، وهو شعار: (يا منصور أمِت).

فالمقصود إذا لم يرد لدينا دليل خاصّ على التصرّف في معنى الشعائر أو الشعيرة - التي هي بمعنى العلامة كما ذكرنا - فإنّه يبقى على معناه اللغوي الأوّلي.

الوجودُ الاعتباري للشعيرة

وكذلك في الوجود الخارجي، إذ المفروض أنّ المتشرّعة إذا اتّخذوا شيئاً ما كشعيرة، يعني علامة على معنى ديني سامي، معنىً من المعاني الدينيّة السامية، أو حكماً من الأحكام العالية، وجعلوا له علامة، شعيرة وشِعار وشعائر. فالمفروض جَعل ذلك بما هي شعيرة لا بما هي هي، أي: بوجودها النفسي، لكن بما هي شعيرة، (كاللفظ بما هو دال على المعنى، لا يكون دالاً على المعنى إلاّ بالوضع..) فالشعيرة بما هي شعيرة، أي بما هي علامة دالّة على معنى سامي من المعاني الدينيّة، وتشير بما هي علامة على حُكم من الأحكام الدينيّة الركنيّة مثلاً، أو الأصليّة وهي دلالة اعتباريّة اتّخاذيّة وضعيّة.

وهذا يعني أنّها مجعولة في ذهن الجاعل، وبالتبادل وبالاتفاق تصبح شيئاً فشيئاً شعيرة وشِعار، مثل ما يجري في العرف بأن يضعوا للمنطقة الفلانيّة اسماً معيّناً مثلاً، وبكثرة الاستعمال شيئاً فشيئاً ينتشر بينهم ذلك الاسم فيتواضعون عليه، ويتعارف بينهم أنّ هذه المنطقة تُعرف باسم كذا، ويحصل الاستئناس في استعمال اللفظ في ذلك المعنى، فينتشر ويتداول، فحينئذٍ يكون اللفظ المخصوص له دلالة على المعنى المعيّن دلالةً وضعيّةً.

٧٣

خلاصةُ القول

إلى هنا عرفنا أنّ في آية:( لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ ) (1) ، وآية:( وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) (2) ثلاثة مَحاور:

محور الحُكم، ومحور المتعلّق، ومحور الموضوع.

فنقول: لو كنّا نحن ومقتضى القاعدة، لو كنّا نحن وهاتين الآيتين الشريفتين فقط وفقط فحينئذٍ، نقول: إنّ المعنى لشعائر الله - كالزوال، وكدِلوك الشمس - بقيَ على ما هو عليه في المعنى، ووجوده أيضاً على ما هو عليه من وجود، وقد بيّنّا في كيفيّة وجوده أنّها ليست تكوينيّة، بل هي وضعيّة واعتباريّة واتخاذيّة، كما في آية( أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ... ) نبقيه على ما هو عليه من معنى، ونُبقيه على ما هو عليه من وجود، ووجوده هو وجود اعتباري لدى العقلاء.

وكذلك الأمر في شعائر الله، حيث هناك موارد قد تصرَّف فيها الشارع بنفسه وجعلَ شيئاً ما علامة، وغاية هذا التصرّف هو جعل أحد مصاديق الشعائر، كالمناسك في الحجّ.

وهناك موارد لم يتصرّف الشارع بها ولم يتّخذ بخصوصها علامات معيّنة.

وإنّما اتّخذ المتشرِّعة والمكلّفون شيئاً فشيئاً فعلاً من الأفعال - مثلاً -

____________________

(1) المائدة: 2.

(2) سورة الحج: 32.

٧٤

علامة وشعاراً على معنى من المعاني الإسلاميّة، فتلك الموارد يشملها عموم الآية:( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) (1) ، وكذلك يشملها عموم:( لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ ) (2) .

فلو كنّا نحن وهاتين الآيتين فقط، يتقرّر أنّ معنى الشعائر ووجودها هو اتّخاذي بحسب اتّخاذ العرف.

لكن قبل أن يتّخذها العرف شعيرة ومشاعر، وقبل أن يتواضع عليها العرف، والمتشرِّعة والعقلاء والمكلّفون لا تكون شعيرة، وإنّما تتحقّق شعيريّتها بعد أن تتفشّى وتنتشر ويتداول استعمالها، فتصبح رسماً شعيرة وشعائر، ويشملها عموم( لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ ) ، و( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ... ) .

فالمفروض أنّ المعنى اللغوي لشعائر الله، هو معنىً عام طُبّق في آية سورة المائدة، أو في آية سورة الحجّ على مناسك الحجّ.

ولكن لم تُحصر الشعائر بمناسك الحجّ، بل الآية الكريمة دالّة على عدمه:( وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ) (3) ، و (من) دالّة على التبعيض والتعميم.

فإذن، اللفظ حسب معناه اللغوي عام، ونفس السياق - الذي هو سياق تطبيقي - ليس من أدوات الحصر، كما ذكرَ علماء البلاغة ؛ فإنّهم لم يجعلوا

____________________

(1) الحجّ: 32.

(2) المائدة: 2.

(3) الحج: 36.

٧٥

تطبيق العام على المصداق من أدوات الحصر.

بل عُلّل تعظيم مناسك الحج لكونها من الشعائر، فيكون من باب تطبيق العام على أفراده، وذَكرنا أنّ أغلب علماء الإماميّة - من مفسّريهم، وفقهائهم، ومحدّثيهم - ذَهبوا في فتاواهم وتفاسيرهم إلى عموم الآية لا إلى خصوصها، ومنهم: الشيخ الطوسي في التبيان، حيث ذَكر أقوالاً كثيرة نقلاً عن علماء العامّة، ثُمّ بعد ذلك ذهب إلى أقوائيّة عموم الآية، وإنّه لا دليل على تخصيصها.

كما أنّ هناك دليلاً على ذلك من الآية الشريفة( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ) (1) ، حيث إنّ من الواضح أنّ حُرمات الله أعمّ من حُرمات الحجّ، هنا الموضوع للحُكم هو مُطلق حُرمات الله، وكذلك الأمر بالنسبة لشعائر الله في الآية الأخرى.

فإذن لو كنّا نحن ومقتضى هاتين الآيتين، فهاتان الآيتان - بحسب معناهما اللغوي، وبحسب وجودهما بين العقلاء وعُرف المكلّفين - وجودهما اعتباري اتّخاذي، ولو من قِبَل المتشرِّعة.

هذا الكلام بحسب اللسان الأوّلي في أدلّة الشعائر وقاعدة الشعائر، أمّا بحسب اللسان الإلزامي، فالأمر أوضح بكثير كما سنتعرّض إليه.

الاعتراضُ بتوقيفيّة الشعائر

في مقابل ذلك، أدُّعي وجود أدلّة تُثبت اختصاص جعل الشعائر بيد

____________________

(1) الحج: 30.

٧٦

الشارع المقدّس من حيث تطبيق وجودها، كما أنّ الشارع حينما جعل البيع، صار له وجود وكيفيّة خاصّة، وهو ذلك الوجود الذي رتّب عليه الحلّيّة، وأخذَ فيه قيوداً معيّنة.

ويقرِّر ذلك بعينه في بحث الشعائر، كما هو الحال في الطلاق، حيث إنّ الشارع جعلَ له كيفيّة وجود خاصّة.

فالشعائر لابد أن تُتّخذ وتُجعل من قِبَل الشارع، ومن ثُمّ يَحرم انتهاكها، أمّا مجرّد اتّخاذها - والتعارف عليها والتراضي بها من قِبَل العرف والعقلاء - لا يجعلها شعيرة ولا يترتّب عليها الحُكم، أي: وجوب التعظيم وحرمة الهتك.

أدلّةُ المُعترض:

الأوّل: باعتبار أنّ الشعائر تعني أوامر الله، ونواهي الله، وأحكام الله، فلابدّ أن تكون الشعائر من الله، فكيف يوكَّل تشريعها غير الله سبحانه( إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ ) (1) .

الثاني: ما في الآية من سورة الحجّ( وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ) (2) من كونها شعائر الله، إنّما هو بجعل الشارع لا بجعل المتشرِّعة.

وآية( لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ ) (3) ، وآية:( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ

____________________

(1) الأنعام: 57.

(2) الحج: 36.

(3) المائدة: 2.

٧٧

فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ) (1) ترتبط كلّ منها بموارد مناسك الحجّ، ومناسك الحجّ مجعولة بجعل الشارع.

فالحاصل أنّ ألفاظ الآيات ظاهرة في أنّ جعل الشعائر إنّما هو جعل من الله، وليس هو جعل وإنشاءٌ واتخاذٌ حسب قريحة واختيار المتشرِّعة.

الثالث: لو كانت الشعائر بيد العرف لاتّسع هذا الباب وترامى، ولمَا حُدّ بحدّ، بحيث يُعطى الزمام للعرف وللمتشرِّعة بأن يجعلوا لأنفسهم شعائر كيف ما اختاروا واقترحوا، وبالتالي سوف تطرأ على الدين تشريعات جديدة وأحكام مستحدَثة ورسوم وطقوس متعدّدة، حسب ما يراه العرف والمتشرِّعة، فتُجعل شعائر دينيّة.

فإيكال الشعائر إلى العرف والمتشرّعة وإلى عامّة الناس المتديّنين، سوف يستلزم إنشاء تشريع دين جديد وفقَ ما تُمليه عليهم رغباتهم وخلفيّاتهم الذهنيّة والاجتماعيّة.

الرابع: يلزم من ذلك تحليل الحرام، وتحريم الحلال، حيث سيتّخذون بعض ما هو محرّم شعائر فيجعلونها عَلَماً وعلامة على أمر ديني، وهذا تحليل للحرام، أو قد يجعلون لأشياء محلّلة حرمة معيّنة مثلاً ؛ لأنّها إذا اتُّخذت شعيرة وعُظِّمت فسوف يُجعل لها حرمة، مع أنّ حكمها في الأصل كان جواز الإحلال والابتذال.

أمّا بعد اتّخاذها شعيرة فقد أصبح ابتذالها حراماً وتعظيمها واجباً، فيلزم من ذلك تحريم الحلال.

____________________

(1) الحج: 30.

٧٨

جوابُ الاعتراض:

والجواب تارةً إجمالاً وأخرى تفصيلاً.. أمّا الجواب الإجمالي: فهو وجود طائفة الأدلّة من النوع الثاني والثالث، حيث مرّ أنّ لقاعدة الشعائر الدينيّة ثلاثة أنواع من الأدلّة:(1)

النوع الأول: لسان الآيات التي وردت فيها نفس لفظة الشعيرة والشعائر.

النوع الثاني: لسان آخر، وهو ظاهر الآيات التي وردت في وجوب نشر الدين، وإعلاء كلمة الله سبحانه، وبثّ الشريعة السمحاء.

وقد قلنا: إنّ قاعدة الشعائر الدينيّة تتقوّم برُكنين:

ركن الإعلام والنشر والبثّ، والانتشار لتلك العلامة الدينيّة ولِذيها.

وركن علوّ الدين واعتزازه، وهذا اللسان نلاحظه في جميع الألسن لبيان القاعدة، سواء كان في اللسان الأوّل الذي وردت فيه بلفظ الشعائر، أو في اللسان الثاني الذي لم يرد فيه لفظ الشعائر.

النوع الثالث : أو اللسان الثالث من الأدلّة: الذي ذكرنا بأنّه العناوين الخاصّة في الألفاظ الخاصّة.

فلو بنينا على نظريّة هذا المعترض؛ فإننّا لن ننتهي إلى النتيجة التي يتوخّاها بأنّ الشعائر حقيقة شرعيّة، أو وجودها حقيقة شرعيّة، لأنّ النتيجة

____________________

(1) راجع ص: 31 - 38 من هذا الكتاب.

٧٩

التي يريد أن يتوصّل إليها هي الحكم ببدعيّة كثير من الرسوم والطقوس التي تمارَس باسم الشعائر الدينيّة المستجدّة والمستحدَثة، وهذه النتيجة سوف لا يصل إليها حتّى لو سلّمنا بأنّ الشعائر الدينيّة هي بوضع الشارع وبتدخّله؛ لعدم انسجام ذلك مع النَمَطين الأخيرين من لسان أدلّ الشعائر، والوجه في ذلك يتّضح بتقرير الجواب التفصيلي على إشكالات المعترِض.

الجوابُ التفصيلي الأوّل

يتمّ بيانه عبر ثلاث نقاط:

النقطة الأولى: تعلّق الأوامر بطبيعة الكلّي

ما ذكرهُ علماء الأصول: من أنّ الشارع إذا أمرَ بفعل كلّي، مثل: الأمر بالصلاة( أَقِيمُواْ الصَّلاَةَ ) (1) ، أو الأمر بعتق رقبة، أو الاعتكاف، ولم يُخصِّص ذلك الفعل بزمن معيّن، أو بمكان معيّن، أو بعوامل معيّنة؛ وإنّما أمرَ بهذه الطبيعة على حدودها الكلّيّة، كأن يأمر الشارع مثلاً بصلاة الظهرين بين الحدّين، أي: بين الزوال والغروب، فالمكلّف يختار الصلاة في أيّ فردٍ زمني من هذه الأفراد، وإن كان بعض الأفراد له فضيلة، إلاّ أنّ المكلّف مُفوّض في إيجاد طبيعة الصلاة، وماهيّة الصلاة، وفعل الصلاة في أيّ فرد شاء، وفي أيّ آنٍ من الآنات بين الزوال والغروب، سواء في أوّل الوقت، أو وسط الوقت، أو آخر الوقت، كما أنّه مفوّض ومخيّر في إيقاع الصلاة في هذا المسجد، أو في ذلك المسجد، أو في منزل، جماعة أو فرادى، وبعبارة

____________________

(1) البقرة: 43، 83، 110.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

الطّرفة التاسعة

روى هذه الطّرفة - عن كتاب الطّرف - العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٦٥؛ ٣٩٦ ) ونقلها العلاّمة البياضي في الصراط المستقيم ( ج ٢؛ ٩٠ ) مختصرة.

لقد وردت روايات كثيرة في مدح العبّاس بن عبد المطلّب، كما وردت رواية صحيحة في ذمّه، انظر معجم رجال الحديث ( ج ١٠؛ ٢٥٣، ٢٥٤ ). وليس هاهنا موضع بحثها رجاليّا بالتفصيل، وإنّما نقول: أنّ ما في هذه الطّرفة ورد مثله وله شواهد كثيرة.

ففي تفسير الإمام الحسن العسكريّعليه‌السلام ( ٥ - ٧ ) قال الباقر: لمّا أمرصلى‌الله‌عليه‌وآله العبّاس وغيره بسدّ الأبواب وأذن لعليّ بترك بابه، جاء العبّاس وغيره من آل محمّد، فقالوا: يا رسول الله ما بال عليّ يدخل ويخرج؟ فقال رسول الله: ذاك إلى الله فسلّموا لله حكمه، هذا جبرئيل جاءني عن الله عزّ وجلّ بذلك، ثمّ أخذهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما كان يأخذه إذا نزل الوحي، فسرّي عنه، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عبّاس، يا عمّ رسول الله، إنّ جبرئيل يخبرني عن الله « انّ عليّا لم يفارقك في وحدتك، وآنسك في وحشتك، فلا تفارقه في مسجدك »، لو رأيت عليّا وهو تيضوّر على فراش محمّد واقيا روحه بروحه، متعرضا لأعدائه، مستسلما لهم أن يقتلوه، كافيا شرّ قتلهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لعلمت أنّه يستحقّ من محمّد الكرامة والتفضيل، ومن الله التعظيم والتبجيل، إنّ عليّا قد انفرد عن الخلق في المبيت على فراش محمّد، ووقاية روحه بروحه، فأفرده الله تعالى دونهم بسلوكه في مسجده.

ولو رأيت عليّا - يا عمّ رسول الله - وعظيم منزلته عند ربّ العالمين، وشريف محلّه

٣٠١

عند الملائكة المقرّبين، وعظيم شأنه في أعلى علّيين، لا ستقللت ما تراه له هاهنا.

إيّاك يا عمّ رسول الله أن تجد له في قلبك مكروها فتصير كأخيك أبي لهب، فإنّكما شقيقان.

يا عمّ رسول الله، لو أبغض عليّا أهل السماوات والأرضين لأهلكهم الله ببغضه، ولو أحبّه الكفّار أجمعون لأثابهم الله عن محبّته بالعاقبة المحمودة؛ بأن يوفّقهم للإيمان ثمّ يدخلهم الجنّة برحمته.

يا عمّ رسول الله، إنّ شأن عليّ عظيم، إنّ حال عليّ جليل، إنّ وزن عليّ ثقيل، ما وضع حبّ عليّ في ميزان أحد إلاّ رجح على سيئاته، ولا وضع بغضه في ميزان إلاّ رجح على حسناته.

فقال العبّاس: قد سلّمت ورضيت يا رسول الله.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عمّ، انظر إلى السماء، فنظر العبّاس، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما ذا ترى؟ قال: أرى شمسا طالعة نقيّة من سماء صافيه جليّة، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عمّ رسول الله، إنّ حسن تسليمك لما وهب الله عزّ وجلّ لعلي من الفضيلة أحسن من هذه الشمس في هذه السماء، وعظم بركة هذا التسليم عليك أكثر من عظيم بركة هذه الشمس على النبات والحبوب والثمار حيث تنضجها وتنميها وتربّيها، فاعلم أنّه قد صافاك بتسليمك لعلي قبيلة من الملائكة المقربين أكثر من عدد قطر المطر وورق الشجر ورمل عالج وعدد شعور الحيوانات وأصناف النباتات، وعدد خطى بني آدم وأنفاسهم وألفاظهم وألحاظهم؛ كلّ يقولون: اللهم صلّ على العبّاس، عمّ نبيّك في تسليمه لنبيّك فضل أخيه عليّ، فاحمد الله واشكره، فلقد عظم ربحك وجلّت رتبتك في ملكوت السماوات.

ولتسليمه لعلي بالولاية جاء التسليم عليه في زيارة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من البعد - كما في مفاتيح الجنان (٦١٨) نقلا عن المفيد والشهيد والسيّد ابن طاوس - حيث جاء في الزيارة « السلام عليك وعلى أهل بيتك الطيّبين الطاهرين الهادين المهديّين السلام على عمّك حمزة سيّد الشهداء، السلام على عمّك العبّاس بن عبد المطّلب، السلام على عمّك وكفيلك أبي طالب، السلام على ابن عمّك جعفر الطيّار في جنان الخلد ».

وقال العبّاس لعليعليه‌السلام - حين قلع عمر ميزاب العبّاس عن ظهر الكعبة -: يا بن أخي،

٣٠٢

إنّه كان لي عينان أنظر بهما، فمضت إحداهما وهي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبقيت الأخرى وهي أنت يا عليّ انظر بحار الأنوار ( ج ٨؛ ٢٤٤ ).

وفي إرشاد القلوب للديلمي ( ٣٩٠، ٣٩١ ) ذكر مشادّة وقعت للعبّاس وعليّعليه‌السلام مع أبي بكر، فيها قول العبّاس لعليعليه‌السلام : يا بن أخي أليس قد كفيتك؟ وإن شئت حتّى أعود إليه فاعرّفه مكانه وأنزع عنه سلطانه، فأقسم عليه عليّعليه‌السلام فسكت.

وفيه (٤٠٣) مرفوعا إلى سلمان الفارسيرضي‌الله‌عنه ، قال: كنت جالسا عند النبي المكرّم، إذ دخل العبّاس بن عبد المطّلب، فسلّم، فردّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عليه ورحّب به، فقال: يا رسول الله بم فضّل علينا عليّ بن أبي طالب أهل البيت، والمعادن واحدة؟ فقال له النبي المكرم: إذن أخبرك يا عمّ [ ثمّ ذكر له أنّ الله خلقه وخلق عليّا قبل خلق العالم، ثمّ مزج روحيهما، وخلق من نورهما نور الحسن والحسين وفاطمة ] قال سلمان: فخرج العبّاس فلقيه أمير المؤمنين، فضمّه إلى صدره، فقبّل ما بين عينيه، فقال: بأبي عترة المصطفى من أهل بيت، ما أكرمكم على الله.

وقد أكّد النبي البيعة لعلي على العبّاس قبل وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لعلمه بما ستؤول إليه الأمور من ظلم عليّ وغضب حقّه، ولذلك أطبق المؤرّخون على أنّ العبّاس وقف بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بجانب عليّعليه‌السلام ودعا إلى بيعته، فقال له: امدد يدك أبايعك، فيقول الناس: عمّ رسول الله بايع ابن عمّه فلا يختلف عليك اثنان. انظر في هذا الأحكام السلطانيّة للماورديّ (٤) وتاريخ دمشق ( ج ٧؛ ٢٤٥ ) والصراط المستقيم ( ج ٣؛ ١٥٨ ) وطبقات ابن سعد ( ج ٢؛ ٢٤٦ ) والإمامة والسياسة ( ج ١؛ ٢١ ) والدرجات الرفيعة (٩٧).

وفي شرح النهج لابن ميثم ( ج ٢؛ ٢٦ ) أنّ عليّا امتنع من البيعة لأبي بكر بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وامتنع معه جماعة بني هاشم كالزبير والعبّاس وبنيه وغيرهم، وقالوا: لا نبايع إلاّ عليّا.

وفي الإمامة والسياسة ( ج ١؛ ٢١ ) قول العبّاس لعليعليه‌السلام : ابسط يدك أبايعك ويبايعك أهل بيتي.

وفيه ( ج ١؛ ٩٨ ) قول العبّاس لعلي: فقد أوصيت عبد الله بطاعتك وبعثته على

٣٠٣

متابعتك، وأو جرته محبّتك. فكان العبّاس يوالي عليّا، وقد ناصره ودعا إلى بيعته، وأمر ولده وأهل بيته بذلك لمعرفته بحقّ عليّعليه‌السلام بالإمامة والولاية.

وفي شرح النهج ( ج ٦؛ ١٨ ) نقلا عن كتاب السقيفة للجوهريّ، أنّ أبا سفيان قال للعبّاس: يا أبا الفضل أنت أحقّ بميراث ابن أختك، امدد يدك لأبايعك فلا يختلف عليك الناس بعد بيعتي إيّاك، فضحك العبّاس، وقال: يا أبا سفيان، يدفعها عليّ ويطلبها العبّاس؟!

وانظر في عدم مبايعة العبّاس لأبي بكر وانضمامه إلى عليّ ومحاجته للشيخين، وأنّه كان من المتحصنين في الدار حين أراد عمر أن يحرق عليهم البيت، انظر تاريخ اليعقوبي ( ج ٢؛ ١٢٤ - ١٢٦ ) وسليم بن قيس (٧٧) والعقد الفريد ( ج ٥؛ ١٣ ) والإمامة والسياسة ( ج ١؛ ٢٨ ).

وفي الصراط المستقيم ( ج ٣؛ ١٠٦ ) قال: وأخرج مسلم أنّه قيل للزهريّ: لم يبايع عليّ ستّة أشهر؟ فقال: لا والله ولا واحد من بني هاشم.

وقد مرّت في ثنايا تخريجاتنا السالفة أكثر مطالب هذه الطّرفة، ودلّت عليها رواية تفسير الإمام العسكريّ أيضا، فانظر ما سلف.

فمن صدّق عليّا ووازره وأطاعه ونصره وقبله وأدى ما عليه من فرائض الله فقد بلغ حقيقة الإيمان

لقد دلّت الروايات من طرق الفريقين على أنّ الأعمال لا تقبل بدون ولاية عليّ بن أبي طالب، وأنّ المرء لو عبد الله ما عبده حتّى يكون كالشنّ البالي ثمّ جاء ببغض عليّ لأدخله الله النار، واستقصاء الروايات في ذلك يحتاج - بلا مبالغة - إلى مجلدات وأسفار، لكننا هنا نشير إلى بعضها لئلاّ يخلو منها الكتاب.

ففي إرشاد القلوب (٢٥٣): روي عن ابن عباس، قال: سأل رجل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن عمل يدخل به الجنّة، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : صلّ المكتوبات، وصم شهر رمضان، واغتسل من الجنابة، وأحبّ عليّا وادخل الجنّة من أيّ باب شئت، فو الّذي بعثني بالحقّ لو صلّيت

٣٠٤

ألف عام، وحججت ألف حجّة، وغزوت ألف غزوة، وأعتقت ألف رقبة، وقرأت التوراة والانجيل والزبور والفرقان، ولقيت الأنبياء كلّهم، وعبدت الله مع كلّ نبي ألف عام، وجاهدت معهم ألف غزوة، وحججت مع كلّ نبي ألف حجّة، ثمّ متّ ولم يكن في قلبك حبّ عليّ وأولاده، أدخلك الله النار مع المنافقين.

وفيه (٢٥٣) عن الصادقعليه‌السلام : أنّ الله تعالى ضمن للمؤمنين ضمانا، قال: قلت: وما هو؟ قال: ضمن له إن أقرّ لله بالربوبيّة، ولمحمّد بالنبوّة، ولعلي بالإمامة، وأدّى ما افترض عليه، أن يسكنه في جواره وهو في كشف الغمّة ( ج ١؛ ٣٨٩ ) أيضا.

وفي تفسير العيّاشي ( ج ٢؛ ١٢٣ ) عن هشام بن عجلان، قال: قلت للصادقعليه‌السلام : أسألك عن شيء لا أسأل عنه أحدا، أسألك عن الإيمان الذي لا يسع الناس جهله؟ فقالعليه‌السلام : شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّدا رسول الله، والإقرار بما جاء من عند الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحجّ البيت، وصوم شهر رمضان، والولاية لنا، والبراءة من عدونا، وتكون من الصدّيقين.

وفي مناقب ابن المغازلي (٤٠) بسنده عن موسى بن إسماعيل، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن جدّه عليّعليهم‌السلام ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من أسبغ وضوءه، وأحسن صلاته، وأدّى زكاة ماله، وكفّ غضبه، وسجن لسانه، وبذل معروفه، واستغفر لذنبه، وأدّى النصيحة لأهل بيتي، فقد استكمل حقائق الإيمان، وأبواب الجنّة له مفتّحة.

وفي أمالي المفيد (١٣٩) بسنده عن أبي هارون العبديّ، قال: كنت أرى رأي الخوارج لا رأي لي غيره، حتّى جلست إلى أبي سعيد الخدريّ، فسمعته يقول: أمر الناس بخمس، فعملوا بأربع وتركوا واحدة، فقال له رجل: يا أبا سعيد ما هذه الأربع الّتي عملوا بها؟ قال: الصلاة، والزكاة، والحجّ، وصوم شهر رمضان، قال: فما الواحدة الّتي تركوها؟ قال: ولاية عليّ بن أبي طالب! قال الرجل: وإنّها لمفترضة معهنّ؟ قال أبو سعيد: نعم وربّ الكعبة، قال الرجل: فقد كفر الناس إذن؟! قال أبو سعيد: فما ذنبي. وهي أيضا

٣٠٥

في المسترشد (٤٧٥) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ١٩٩ ).

وانظر الفرائض مقرونة أو مختومة بالولاية لعلي وولدهعليهم‌السلام في إثبات الوصيّة (١٠١) والاحتجاج ( ج ١؛ ١٤٨ ) وكتاب سليم بن قيس (١٨٨) وكفاية الأثر ( ٢٨٣، ٢٨٤ ) في شروط الإسلام الّتي عرضها عبد العظيم الحسني على الإمام الهادي، وقول الإمام له: « هذا والله دين الله الذي ارتضاه لعباده »، وأمالي الطوسي (١٢٤) وتفسير العيّاشي ( ج ١؛ ٣٢٢ ) وبشارة المصطفى (١٠٨) والخصال ( ٤٣٢، ٤٣٣ ) وتفسير القمّي ( ج ١؛ ١٦٢ ) والكافي ( ج ١؛ ٢٠٠، ٢٨٩، ٢٩٠ ) و ( ج ٢؛ ١٨ ) وتفسير فرات (١٠٩).

وفي كفاية الأثر (١١٠) والصراط المستقيم ( ج ٢؛ ١١٦ ) عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: لا يتم الإيمان إلاّ بمحبّتنا أهل البيت، وإنّ الله تعالى عهد إليّ أنّه لا يحبّنا أهل البيت إلاّ مؤمن تقي ولا يبغضنا إلاّ منافق شقّي.

وفي شرح النهج ( ج ٦؛ ٢١٧ ) قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : والله لا يبغضه [ أي عليّاعليه‌السلام ] أحد من أهل بيتي ولا من غيرهم من الناس إلاّ وهو خارج من الإيمان.

وفي تاريخ بغداد ( ج ٤؛ ٤١٠ ) وكنوز الحقائق (٩٣) وبشارة المصطفى (١٥٤) قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : عنوان صحيفة المؤمن حبّ عليّ بن أبي طالب. وهو حديث مخرّج في الصحاح والمسانيد الإماميّة، والعاميّة وقد ذاع صيته في الآفاق، وهو أشهر من أن يخفى.

وفي المسترشد (٢٩٢) قال عليّعليه‌السلام - في خطبة له -: حبّنا أهل البيت والإيمان معا.

وفي نهج الحقّ (٢٣٢) قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يقبل الله إيمان عبد إلاّ بولايته والبراءة من أعدائه. وهو في المناقب عن الصادق كما في ينابيع المودّة ( ج ١؛ ١٢١ ) وكفاية الطالب (٢٥١).

وانظر في أنّ الإيمان لا يتم إلاّ بولايتهعليه‌السلام ، والبراءة من أعدائه، الخصال (٣٤٦) واليقين (٣٥٣) وبصائر الدرجات (٤٣٣) وكفاية الأثر (١٢١) وتفسير فرات ( ٢٨٣، ٢٨٥، ٣١٠ ) والصراط المستقيم ( ج ٢؛ ١١٦ ) وتفسير العيّاشي ( ج ١؛ ٢٨٥، ٢٨٦، ٣٢٦، ٣٩٦، ٤١٣ ) والكافي ( ج ١؛ ١٨١، ١٨٢، ١٨٥، ١٩٣، ١٩٤، ٢٠٨، ٢٠٩ ) وينابيع المودّة ( ج ٢؛ ١٢٨ ).

٣٠٦

وفي الكافي ( ج ١؛ ٣٩١ ) بسنده، عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال: من سرّه أن يستكمل الإيمان كلّه فليقل: القول منّي في جميع الأشياء قول آل محمّد، فيما اسروا وما أعلنوا، وفيما بلغني عنهم وفيما لم يبلغني.

بل إنّ عمر بن الخطّاب كان قد سمع ذلك من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال مشيرا إلى عليّعليه‌السلام : هذا مولاي ومولى كلّ مؤمن، ومن لم يكن مولاه فليس بمؤمن. انظر الرياض النضرة ( ج ٢؛ ١٧٠ ) ومناقب الخوارزمي (٩٧) والصواعق المحرقة (١٠٧) وذخائر العقبى (٦٨) وفرائد السمطين ( ج ١؛ ٧٨، ٧٩ / الأحاديث ٤٦، ٤٧، ٤٨، ٤٩ ).

وفي دلائل الإمامة (٢٣٧) بسنده، أنّ سلمان قال لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : وهل يكون إيمان بغير معرفة [ أي معرفة الأئمة ] بأسمائهم وأنسابهم؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا.

٣٠٧

٣٠٨

الطّرفة العاشرة

روى هذه الطّرفة - عن كتاب الطّرف - العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٢٢؛ ٤٧٦، ٤٧٧ ) ونقلها العلاّمة البياضي في الصراط المستقيم ( ج ٢؛ ٩٠ ) باختصار.

لقد ذكرت المصادر الإسلاميّة، وروت كتب الفريقين، خطبة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عند منصرفه من حجّة الوداع، ومن ثمّ خطبته في المدينة قبل وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبلّغ في كلا الموضعين - غير المواضع الأخرى الكثيرة - ولاية عليّعليه‌السلام ، وأوصى المسلمين بالتمسّك بكتاب الله وعترته أهل بيته. وهذا ممّا لا يتنازع في صدوره عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله اثنان.

وأمّا سبب تخصيص هذه الطّرفة بالأنصار، فلأنّهم أطوع الناس للرسول والوصي، ولم تكن في قلوبهم الأحقاد الّتي كانت في صدور المهاجرين - أعني قريشا - لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام ، الّذي وترهم في الله بسيفه، وقد صرّحت الزهراءعليها‌السلام بذلك في خطبتها بعد غصب حقّها، وصرّح عليّعليه‌السلام طيلة عمره الشريف بظلم قريش له وحقدهم عليه وحسدهم له، بخلاف الأنصار الذين آزروا عليّا ونصروه وتابعوه حتّى آخر لحظة من عمره، حتّى أنّه لم يتخلّف عن بيعته - بعد عثمان - سوى نفر من الأنصار لا يتجاوزون عدد الأصابع، بخلاف قريش الّتي حاربته وألّبت عليه، وقد ثبت في التواريخ والسير أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مدح الأنصار، وأوصى بهم، وشكر لهم نصرتهم للإسلام، وبذلهم الأموال، ومواساتهم للمسلمين، وهذا بمنزلة الضروري من المطالب.

٣٠٩

قال لهمصلى‌الله‌عليه‌وآله : كتاب الله وأهل بيتي فإنّ اللّطيف الخبير أخبرني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض

اعلم أنّ حديث الثقلين من الأحاديث المتواترة عند الفريقين، قال المناوي في فيض القدير ( ج ٣؛ ١٤ ): « قال السمهوديّ: وفي الباب ما يزيد عن عشرين من الصحابة »، وقال ابن حجر في الصواعق المحرقة (١٣٦): « اعلم أنّ الحديث التمسك بذلك طرقا كثيرة، وردت عن نيّف وعشرين صحابيا ».

وقد رواه عن النبي أكثر من ثلاثين صحابيا، وما لا يقل عن ثلاثمائة عالم من كبار علماء أهل السنة. انظر نفحات الأزهار ( ج ١؛ ١٨٥، ١٨٦ ).

وقد أفرد العلاّمة السيّد مير حامد حسين جزءين من « عبقات الأنوار » في طرق هذا الحديث، وانظر بعض تخريجاته في كتاب قادتنا ( ج ٧؛ ٣٥٤ - ٣٧٣ ).

وفي أمالي الطوسي (٢٥٥) بسنده، عن أبي سعيد الخدريّ، أنّه سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: إنّي تارك فيكم الثقلين، ألا إنّ أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض. وقال: ألا إنّ أهل بيتي عيبتي الّتي آوي إليها، وإنّ الأنصار كرشي، فاعفوا عن مسيئهم وأعينوا محسنهم.

وفي صحيح مسلم ( ج ٧؛ ١٢٢ / باب فضائل عليّ ) ما روى بإسناده عن زيد بن أرقم، قال فيه: قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوما فينا خطيبا بماء يدعى خمّا بين مكّة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكّر، ثمّ قال: أما بعد، ألا أيّها الناس، فإنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربّي، فأجيب، وأنا تارك فيكم الثقلين: أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه، ثمّ قال: وأهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي.

فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ فقال: نساؤه من أهل بيته؟! ولكنّ أهل بيته من حرم الصدقة عليه بعده.

وفي حديث آخر أخرجه مسلم في صحيحه ( ج ٧؛ ١٢٣ ) عن زيد، وفيه: فقلنا: من

٣١٠

أهل بيته، نساؤه؟ قال: لا، وأيم الله إنّ المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر، ثمّ يطلّقها فترجع إلى أبيها وقومها، أهل بيته أصله وعصبته الّذين حرموا الصدقة بعده.

وقال ابن حجر في الصواعق المحرقة (١٣٧) ثمّ أحقّ من يتمسك به منهم إمامهم عليّ ابن أبي طالب، لما قلنا من مزيد علمه ودقائق مستنبطاته.

وفي كتاب مائة منقبة لابن شاذان ( ١٤٠ / المنقبة ٨٦ ) رواه بسنده عن زيد بن ثابت، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعليّ بن أبي طالب.

وفي معاني الأخبار (٩١) قال: فقام إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله جابر بن عبد الله، فقال: يا رسول الله ومن عترتك؟ قال: عليّ والحسن والحسين والأئمّة من ولد الحسين إلى يوم القيامة.

وانظر بعض تخريجات حديث الثقلين في تفسير العيّاشي ( ج ١؛ ١٥، ١٦ ) وتفسير القمّي ( ج ١؛ ١٧٢، ١٧٣ ) وأمالي الطوسي ( ١٦٢، ٥٤٨ ) وكشف الغمّة ( ج ١؛ ٤٩ ) وتقريب المعارف (١١١) ومعاني الأخبار ( ٩٠، ٩١ ) وفيه خمسة أحاديث، ونهج الحق ( ٢٢٥ - ٢٢٨ ) والعمدة لابن البطريق ( ٦٨ - ٧٦ ) وفيه أحد عشر حديثا، والكافي ( ج ١؛ ٢٩٤ ) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ٤١ ).

وجواهر العقدين المخطوط (١٧٢) وكنز العمال ( ج ١٣؛ ١٤٠ ) وشرح النهج ( ج ٦؛ ٣٧٥ ) وينابيع المودّة ( ج ١؛ ٢٠، ٢٩ ) وسنن الترمذيّ ( ج ٥؛ ٣٢٩ ) والدرّ المنثور ( ج ٦؛ ٧ ) ومسند أحمد ( ج ٢؛ ٥٨٥ ) و ( ج ٣؛ ٢٦ ) و ( ج ٤؛ ٣٦٦ ) والسنن الكبرى ( ج ٢؛ ١٤٨ ) ونظم درر السمطين (٢٣١) وتذكرة الخواص (٣٢٢) ومناقب ابن المغازلي ( ١٨، ٢٣٥ ) وصحيح مسلم ( ج ٤؛ ١٨٧٣ / باب فضائل عليّ ) وفيه عدّة أحاديث، وسنن ابن ماجة ( ج ٢؛ ٤٧٩ / باب افتراق الأمم ) وسنن أبي داود ( ج ٤؛ ١٩٧، ١٩٨ ) ومجمع الزوائد ( ج ٩؛ ١٦٣ ) وكفاية الطالب (٥٢) وأسد الغابة ( ج ٢؛ ١٢ ).

وهاهنا ملاحظة لا بدّ من التنبيه عليها، وهي أنّ الأسانيد الصحاح روت هذا الحديث في أماكن مختلفة، وأنّ النبي قاله في مواطن متعددة.

ففي الصواعق المحرقة (١٣٦) قال ابن حجر: اعلم أنّ لحديث التمسك بذلك طرقا كثيرة،

٣١١

وردت عن نيّف وعشرين صحابيا، وفي بعض تلك الطرق أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال ذلك بحجّة الوداع بعرفة، وفي أخرى أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قاله بالمدينة في مرضه وقد امتلأت الحجرة بأصحابه، وفي أخرى أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال ذلك بغدير خمّ، وفي أخرى أنّه لمّا قام خطيبا بعد انصرافه من الطائف، ولا تنافي؛ إذ لا مانع من أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله كرر عليهم ذلك في هذه المواطن وغيرها، اهتماما بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة.

ألا وإن الإسلام سقف تحته دعامة الدعامة دعامة الإسلام، وذلك قوله تعالى:( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) (١) فالعمل الصالح طاعة الإمام ولي الأمر والتمسك بحبل الله

يدلّ على هذا المطلب كلّ ما دلّ على أنّ قبول الفرائض والأعمال مشروط بمعرفة الأئمّةعليهم‌السلام ، كما مرّ تخريجه؛ فإنّ دعائم الإسلام كلّها تنتهي إلى دعامة طاعة الإمام ومتابعته ومعرفته، وقد ورد التصريح بذلك في روايات أهل البيتعليهم‌السلام وأنّهم دعائم الإسلام.

ففي تفسير القمّي ( ج ٢؛ ٢٠٨ ) عن الصادقعليه‌السلام : وقوله:( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) (٢) ، قال: كلمة الإخلاص، والإقرار بما جاء من عند الله من الفرائض، والولاية ترفع العمل الصالح إلى الله.

وعن الصادقعليه‌السلام أنّه قال:( الْكَلِمُ الطَّيِّبُ ) قول المؤمن « لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله، عليّ ولي الله وخليفة رسول الله »، وقال:( وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ ) الاعتقاد بالقلب أنّ هذا هو الحقّ من عند الله لا شكّ فيه من ربّ العالمين. وانظر تفسير البرهان ( ج ٣؛ ٣٥٩ / الحديث ٦ ) نقلا عن القمّي.

وفي البرهان ( ج ٣؛ ٣٥٨ / الحديث ١ ) نقلا عن الكليني بسنده إلى الصادقعليه‌السلام ، قال:

__________________

(١) فاطر؛ ١٠

(٢) فاطر؛ ١٠

٣١٢

( الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) ولا يتنا أهل البيت - وأهوى بيده إلى صدره - فمن لم يتولّنا لم يرفع الله له عملا.

وفي أمالي المفيد (٢١٧) بسنده، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام : يا عليّ أنا وأنت وابناك الحسن والحسين، وتسعة من ولد الحسين أركان الدين ودعائم الإسلام. وروى مثله ابن جرير الطبريّ الإمامي في بشارة المصطفى (٤٩) ورواه والد الشيخ الصدوق في الإمامة والتبصرة (١١١) وفيه زيادة « من تبعنا نجا ومن تخلف عنّا فإلى النار ».

وفي بصائر الدرجات (٨٣) بسنده إلى الباقرعليه‌السلام قال: ونحن دعائم الإسلام.

وفي ينابيع المودّة ( ج ٣؛ ١٤٧ ) عن الإمام الباقرعليه‌السلام ، قال: نحن حجج الله، ونحن أركان الإيمان، ونحن دعائم الإسلام. نقله عن فرائد السمطين ( ج ٢؛ ٢٥٣ ) بسنده إلى الباقرعليه‌السلام .

وفي أمالي الصدوق (٥٠٠) بسنده عن عليّعليه‌السلام ، أنّه قال لقنبر: يا قنبر ألا إنّ لكلّ شيء دعامة، ودعامة الإسلام الشيعة.

وفي أمالي المفيد (٣٥٣) بسنده إلى الصادقعليه‌السلام ، قال: بني الإسلام على خمس دعائم: إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم شهر رمضان، وحجّ البيت الحرام، والولاية لنا أهل البيت. ورواه الصدوق في أماليه (٢٢١) والطبريّ الإمامي في بشارة المصطفى (٦٩).

وفي تفسير العيّاشي ( ج ١؛ ٢٧٩ ) عن يحيى السري، قال: قلت للصادق: أخبرني عن دعائم الإسلام الّتي بني عليها الدين، ولا يسع أحد التقصير في شيء منها؛ الّتي من قصر عن معرفة شيء منها فسد عليه دينه ولم يقبل منه عمله، ومن عرفها وعمل بها صلح له دينه وقبل منه عمله، ولم يضرّ ما هو فيه بجهل شيء من الأمور إن جهله؟ فقالعليه‌السلام : نعم، شهادة أن لا إله إلاّ الله، والإيمان برسوله، والإقرار بما جاء من عند الله، وحقّ من الأموال الزكاة، والولاية الّتي أمر الله بها ولاية آل محمّد ومثله في ينابيع المودّة ( ج ١؛ ١١٦ ).

وانظر الكافي ( ج ٢؛ ١٨ - ٢٠ ) ففيه خمسة عشر حديثا في دعائم الإسلام وأنّها مشروطة بالإمامة والولاية لأهل بيت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وكتب الصدوقرحمه‌الله - الذي تعد أقواله مضامين الروايات - لمن سأله عن وصف

٣١٣

دين الإماميّة على الإيجاز والاختصار: إنّ الدعائم الّتي بني عليها خمس: الصلاة والزكاة والصوم والحج وولاية النبي والأئمّة من بعده، وهم اثنا عشر؛ أوّلهم أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام وآخرهم الحجّة بن الحسنعليهم‌السلام .

الله الله في أهل بيتي، مصابيح الهدى، ومعادن العلم، وينابيع الحكم

هذا وما سيأتي في الطّرفة (٢٠) من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « الله الله في أهل بيتي، فإنّهم أركان الدين ومصابيح الظلم ومعدن العلم » مضمون واحد.

وهذا المضمون لا يكاد يحصى في روايات أهل البيت، وفي روايات العامة أيضا، وهو مذكور في جلّ المصادر والكتب الّتي خرّجت حديث الثقلين، وبيعة غدير خم، فراجعها.

وفي الكافي ( ج ١؛ ٢٢١ ) عقد بابا أسند فيه ثلاثة أحاديث تحت عنوان « أنّ الأئمّة معدن العلم وشجرة النبوة ومختلف الملائكة »، في الثالث منها بإسناده إلى الصادقعليه‌السلام أنّه قال لخيثمة: يا خيثمة، نحن شجرة النبوة، وبيت الرحمة، ومفاتيح الحكمة، ومعدن العلم، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، وموضع سرّ الله، ونحن وديعة الله في عباده، ونحن حرم الله الأكبر، ونحن ذمّة الله، ونحن عهد الله، فمن وفى بعهدنا فقد وفي بعهد الله، ومن خفرها فقد خفر ذمة الله وعهده.

وفي بصائر الدرجات ( ٣٨٢ - ٣٨٥ ) عقد ابن فروخ الصفّار في الجزء السابع / الباب ١٩ في ذلك، تحت عنوان « ما جاء عن الأئمّة من أحاديث رسول الله الّتي صارت إلى العامّة وما خصّوا به من دونهم ».

وفي الحديث التاسع من الباب المذكور بسنده عن عليّعليه‌السلام أنّه: صعد على منبر الكوفة، فحمد الله وأثنى عليه وشهد بشهادة الحقّ، ثمّ قال: إنّ الله بعث محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله بالرسالة، واختصّه بالنبوّة، وأنبأه بالوحي، وأنال الناس وأنال، وفينا أهل البيت معاقل العلم، وأبواب الحكم، وضياء الأمر، فمن يحبّنا أهل البيت ينفعه إيمانه ويقبل عمله، ومن لا يحبّنا أهل البيت فلا ينفعه إيمانه ولا يقبل منه عمله ولو صام النهار وقام اللّيل.

٣١٤

وفي المسترشد (٢٩٢) قال عليّ في خطبة له: نحن والله الّذي لا إله غيره أئمّة العرب ومنار الهدى ...

وفي فرائد السمطين ( ج ١؛ ٤٤ ) وينابيع المودّة ( ج ١؛ ٢٠ ) قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : نحن أهل البيت مفاتيح الرحمة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، ومعدن العلم.

وفي بشارة المصطفى (١٦) بسنده، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: عليّ وفاطمة والحسن والحسين أهل بيتي وثقلي.

وقد نبّهنا على أنّ الأحاديث في مضمون الطّرفة كثيرة جدا يصعب حصرها، حتّى أنّ الأئمّة كانوا يقولون: إنّ في بيوتنا زغب جناح جبرئيل، كما في بصائر الدرجات ( ٣١، ٣٢ ) بأسانيده إلى الحسين والسجاد والصادقعليهم‌السلام ، وإنّما اقتصرنا على بعض ما ورد في ذلك، فإنّها لا يكاد يخلو منها كتاب من كتب الإماميّة.

ومن هو منّي بمنزلة هارون من موسى

حديث المنزلة من الأحاديث المتواترة عند المسلمين، وقد رواه الأئمّة والحفّاظ في كتبهم وتصانيفهم، وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يصدع به على رءوس الملأ من المسلمين، وفي عدّة مواطن، وقد رواه جمّ غفير من الصحابة، كما روي عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، فلا يكاد يخلو منه مصنف إمامي، وهو موجود في احتجاجات الإمام عليّعليه‌السلام ومناشداته في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي الشورى، وبعد بيعة عثمان، وفي الرحبة، وفي الكوفة، وقد رواه الأعلام، حتّى قال أبو الصلاح الحلبي في تقريب المعارف (٢٠٥): « إنّ كلّ ناقل لغزاة تبوك ناقل لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي: أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي ».

وخلاصة الحادثة هي ما رواه أبو جعفر الطبريّ الإمامي في بشارة المصطفى (٢٠٥) عن سعد بن مالك، قال: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله غزا [ غزوة تبوك ] على ناقته الحمراء، وخلف عليّا، فنفست عليه قريش، وقالوا: إنّما خلّفه لما استثقله وكره صحبته، فجاء عليّعليه‌السلام حتّى أخذ بغرز الناقة، فقال: يا نبي الله لأتبعنّك - أو إنّي تابعك - زعمت قريش أنّك لما استثقلتني

٣١٥

وكرهت صحبتي، قال: وبكى عليّعليه‌السلام ، فنادى رسول الله في الناس فاجتمعوا، فقال: يا أيها الناس ما منكم من أحد إلاّ وله خاصة، ثمّ قال لعلي: أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي؟ قالعليه‌السلام : رضيت عن الله وعن رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وهذا أشهر موارد الحديث، فإنّ النبي بلّغ ذلك للمسلمين في موارد وأماكن أخرى تظهر بمتابعة المرويّات.

انظر الكافي ( ج ٨؛ ١٠٧ ) وتفسير العيّاشي ( ج ٢؛ ١٣٥ ) وتفسير القمّي ( ج ٢؛ ١٠٩ ) وتفسير فرات ( ١٣٧، ١٥٩، ٣٤٢، ٤٢١ ) وبشارة المصطفى ( ١٤٧، ١٥٥، ١٦٧، ٢٠٣ ) وأمالي الصدوق ( ٤٧، ٨١، ١٤٧، ٢٦٦، ٣٣٢ ) والاحتجاج ( ج ١؛ ٥١، ٧٥ ) والإرشاد (٨٣) وكشف الغمّة ( ج ١؛ ٢٨٨ ) وأمالي الطوسي ( ٥٤٨، ٥٥٥، ٥٦٠ ) والخصال ( ٥٥٤، ٥٧٢ ) وكتاب سليم بن قيس: ١١٨، وورد في أكثر من خمسة عشر موردا من الكتاب، وأمالي المفيد (٧٥٧) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ١٨٦ - ١٩١ ) و ( ج ٣؛ ١٥، ١٦ ).

وتاريخ دمشق ( ج ١؛ ٣٣٤ / الحديثان برقم ٤٠٣ و ٤٠٤ ) ومجمع الزوائد ( ج ٩؛ ١١٠ ) وأسنى المطالب ( ٢٧ و ٢٩ / الباب السادس - الحديثان ٩ و ٢٣ ) ومطالب السئول (٤٣) ومناقب الخوارزمي (٢١١) وكفاية الطالب (١١) ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ( ج ٥؛ ٣١ ) ومناقب ابن المغازلي ( ٢٧ - ٣٧ ) وصحيح مسلم ( ج ٤؛ ١٨٧٠ / باب فضائل عليّ ) وسنن ابن ماجة ( ج ١؛ ٤٢ ) وميزان الاعتدال ( ج ٣؛ ٥٤٠ ) وسنن الترمذيّ ( ج ٥؛ ٣٠٤ ) والمعيار والموازنة (٢١٩) وصحيح البخاري ( ج ٥؛ ٣ و ٢٤ / كتاب الفضائل ) ومسند أحمد ( ج ١؛ ١٧٠، ١٧٣، ١٧٥، ١٨٥ ) وسنن أبي داود ( ج ١؛ ٢٩ ) وأسد الغابة ( ج ٤؛ ٢٦ ) و ( ج ٥؛ ٨ ) وخصائص النسائي ( ١٥، ١٦ ) وكنز العمال ( ج ٦؛ ٤٠٢ ) وذخائر العقبى (١٢٠) وتذكرة الخواص (١٩) والفصول المهمة ( ٣٨، ٣٩ ) ومستدرك الحاكم ( ج ٣؛ ١٣٢ ) والإصابة ( ج ٢؛ ٥٠٧ ) وفرائد السمطين ( ج ١؛ ١٤٩ ) وحلية الأولياء ( ج ٧؛ ١٩٥، ١٩٦ ) تاريخ بغداد ( ج ١١؛ ٤٣٢ ). وانظر بعض تخريجاته في كتاب قادتنا ( ج ٢؛ ٤١١ - ٤٢٨ ).

٣١٦

ألا إنّ باب فاطمة بابي، وبيتها بيتي، فمن هتكه هتك حجاب الله قال الكاظمعليه‌السلام : هتك والله حجاب الله وحجاب الله حجاب فاطمة

معلوم بالضرورة أنّ باب عليّ وفاطمة وبيتها، هما باب وبيت رسول الله؛ لأنها بضعته وعليّا أخوه، ومعلوم أيضا أنّ حجاب فاطمة هو حجاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وحجاب رسول الله هو حجاب الله. وهذا لا شبهة فيه ولا غبار عليه، وقد ورد في النصوص ما يدلّ عليه.

ففي شواهد التنزيل ( ج ١؛ ٥٣٤ ) بإسناده، عن أنس وبريدة، قالا: قرأ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هذه الآية( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ) (١) فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله أيّ بيوت هذه؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : بيوت الأنبياء، فقام إليه أبو بكر فقال: يا رسول الله هذا البيت منها - لبيت عليّ وفاطمة -؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : نعم، من أفاضلها.

وأسند في شواهد التنزيل ( ج ١؛ ٥٣٢ - ٥٣٤ ) ثلاثة أحاديث في ذلك، عن أبي برزة وأنس بن مالك وبريدة. ورواه الثعلبي كما في خصائص الوحي المبين (٧٩) وأخرجه ابن مردويه كما في كشف الغمّة ( ج ١؛ ٣١٩ ) والدر المنثور للسيوطي ( ج ٥؛ ٥٠ ) ورواه محمّد ابن العبّاس الماهيار كما في تفسير البرهان ( ج ٣؛ ١٣٨ ) ورواه فرات في تفسيره ( ٢٨٦، ٢٨٧ ) عن زيد بن عليّ، ورواه القمّي في تفسيره ( ج ٢؛ ١٠٤ ) عن الباقرعليه‌السلام ، ورواه الطبرسي في مجمع البيان ( ج ٤؛ ١٤٤ ) مرفوعا عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فكيف صرّحصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّ بيت عليّ وفاطمة من بيوت الأنبياء لو لا أنّه بيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيكون حجاب من فيه حجاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وحجاب الرسول حجاب الله.

ففي بصائر الدرجات (٨٤) بإسناده عن الباقرعليه‌السلام قال: بنا عبد الله وبنا عرف الله وبنا وعد الله، ومحمّد حجاب الله.

وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ٢٧٣ ) في قوله تعالى:( تَجْرِي بِأَعْيُنِنا ) (٢) ،

__________________

(١) النور؛ ٣٦

(٢) القمر؛ ١٤

٣١٧

عن الأعمش قال: جاء رجل مشجوج الرأس يستعدي عمرا على عليّ، فقال عليّعليه‌السلام [ في رواية الأصمعي ]: رأيته ينظر في حرم الله إلى حريم الله، فقال عمر: اذهب وقعت عليك عين من عيون الله، وحجاب من حجب الله، تلك يد الله اليمنى يضعها حيث يشاء.

وفي الخصال (٦٠٧) بسنده عن الصادقعليه‌السلام في بيان شرائع الدين، قال في كلام طويل: وحبّ أولياء الله والولاية لهم واجبة، والبراءة من أعدائهم واجبة، ومن الّذين ظلموا آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وهتكوا حجابه ...

وفي الكافي ( ج ١؛ ٣٠٠ ) بسنده عن الباقرعليه‌السلام ، قال: فخرجت [ عائشة ] مبادرة على بغل بسرج فقالت: نحّوا ابنكم [ تعني الحسنعليه‌السلام ] عن بيتي، فإنّه لا يدفن في بيتي ويهتك على رسول الله حجابه، فقال لها الحسينعليه‌السلام : قديما هتكت أنت وأبوك حجاب رسول الله ومثله بتفصيل في ( ج ١؛ ٣٠٢ ) من الكافي عن الباقرعليه‌السلام أيضا.

وسيأتي هتكهم لحجاب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في حرقهم بابه، وشجّهم جنبي الزهراء الّتي هي روح النبي الّتي بين جنبيه، وإسقاطهم محسنا، وما فعلوه بعلي، وقد علمت أنّ محمّدا وعليّا وفاطمة وكلّ الأئمّة حجابهم حجاب الرسول، وحجاب الرسول حجاب الله.

٣١٨

الطّرفة الحادية عشر

روى هذه الطّرفة - عن كتاب الطّرف - العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٢٢؛ ٤٧٨ ) والعلاّمة البياضي في الصراط المستقيم ( ج ٢؛ ٩٠ - ٩١ ) باختصار.

ومضمون هذه الطّرفة صحيح ومتسالم عليه ومرويّ في كتب الأصحاب، إذ أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أخذ على الناس الإقرار بولاية عليّ وإمامته وإمرته للمؤمنين قبل حجّة الوداع وفيها وبعدها، وقد تقدّم مثله في حديث الثقلين، لكنّ تخصيص أخذ البيعة لوصيّه بالمهاجرين ممّا لم نعثر عليه في مصدر، ولكن يدلّ عليه أنّ المعارضين لهذه البيعة والولاية كانوا كلّهم من قريش - أي المهاجرين - وعلى رأسهم الشيخان، فإنّهما وغيرهما من قريش اعترضوا على النبي واستفهموا بقولهم: أمن الله ومن رسوله؟ فلذلك خصّهم الإمام بالذكر لأنّهم المقصودون بالذات من هذه البيعة، وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقصد تأكيد البيعة عليهم، لعلمهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّهم سينقضون العهد وينكثون البيعة، وسيأتي اعتراض بعضهم بعد قليل.

إنّي أعلمكم أنّي قد أوصيت وصيّي ولم أهملكم إهمال البهائم، ولم أترك من أموركم شيئا سدى

في كتاب سليم بن قيس (٢٣٦) قول ابن عبّاس في محاججة معاوية: يا معاوية أما علمت أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين بعث إلى مؤتة أمّر عليهم جعفر بن أبي طالب، ثمّ قال: إن هلك جعفر فزيد بن حارثة، فإن هلك زيد فعبد الله بن رواحة، ولم يرض لهم أن يختاروا

٣١٩

لأنفسهم، أفكان يترك أمّته لا يبيّن لهم خليفته فيهم!! بلى والله ما تركهم في عمياء ولا شبهة، بل ركب القوم ما ركبوا بعد نبيّهم، وكذبوا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهلكوا وهلك من شايعهم، وضلّوا وضلّ من تابعهم، فبعدا للقوم الظالمين.

وفي الكافي ( ج ١؛ ١٩٩ ) بسنده عن عبد العزيز بن مسلم، عن الإمام الرضاعليه‌السلام في كلام طويل له في الإمامة: إنّ الله عزّ وجلّ لم يقبض نبيّه حتّى أكمل له الدين وأنزل في حجّة الوداع - وهي آخر عمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله -( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) (١) وأمر الإمامة من تمام الدين، ولم يمضصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى بيّن لأمّته معالم دينهم، وأوضح لهم سبيلهم، وتركهم على قصد سبيل الحقّ، وأقام لهم عليّا علما وإماما، وما ترك شيئا يحتاج إليه الأمّة إلاّ بيّنه، فمن زعم أنّ الله عزّ وجلّ لم يكمل دينه ردّ كتاب الله، ومن ردّ كتاب الله فهو كافر به ....

وانظر هذه الرواية في عيون أخبار الرضا ( ١٧١ - ١٧٥ ) وأمالي الصدوق ( ٥٣٦ - ٥٤٠ ) وإكمال الدين ( ٦٧٥ - ٦٨١ ) ومعاني الأخبار ( ٩٦ - ١٠١ ) والمنقول هنا هو صدر الرواية.

وفي تفسير فرات (٣١٦) بسنده عن ابن عبّاس في قوله تعالى:( وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ ) (٢) ، قال: قضى إليه بالوصيّة إلى يوشع بن نون، وأعلمه أنّه لم يبعث نبيّا إلاّ وقد جعل له وصيّا، وإنّي باعث نبيّا عربيّا وجاعل وصيّه عليّا، قال ابن عبّاس: فمن زعم أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يوص فقد كذب على الله وجهّل نبيّه، وقد أخبر الله نبيّه بما هو كائن إلى يوم القيامة.

والأدلّة النقليّة والعقليّة قائمة على إيصاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّه لم يترك أمّته سدى، وقد ألّفت المؤلّفات في إثبات ذلك، وسيأتيك هنا أنّ النبي أوصى وصيّه عليّا وأمرهم بالتسليم عليه بإمرة المؤمنين والتسليم له، فاعترض الشيخان وغيرهما مستفهمين بقولهما: فبأمر من الله أوصيت أم بأمرك؟!.

__________________

(١) المائدة؛ ٣

(٢) القصص؛ ٤٤

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653