طرف من الأنباء والمناقب

طرف من الأنباء والمناقب9%

طرف من الأنباء والمناقب مؤلف:
المحقق: الشيخ قيس العطّار
الناشر: انتشارات تاسوعاء
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 653

طرف من الأنباء والمناقب
  • البداية
  • السابق
  • 653 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 210927 / تحميل: 6564
الحجم الحجم الحجم
طرف من الأنباء والمناقب

طرف من الأنباء والمناقب

مؤلف:
الناشر: انتشارات تاسوعاء
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

الفقيه في باب ما أحلّ الله من النكاح وما حرّم.

وحبابة بنت جعفر الأسديّة التي روت عن أمير المؤمنينعليه‌السلام وقالت: رأيت أمير المؤمنين في شرطة الخميس ومعه درّة يضرب بها بيّاع الجريّ والمارماهيّ، والمزماريّ ويقول لهم: « يا بُيّاع مُسوُخ بني إسرائيل » إلى آخر الحديث.

وحكيمة بنت الإمام أبي جعفر محمّد بن عليّ الجوادعليه‌السلام .

وحميدة البربريّة اُمّ الإمام أبي الحسن موسى بن جعفرعليه‌السلام وهي من الثقات التقيّات، وكان مولانا الإمام الصادقعليه‌السلام يرسلها مع اُمّ فروة تقضيان حقوق أهل المدينة.

وزينب بنت أبي سلمة التي كانت من أفقه نساء زمانها، وكانت كثيرة الخير والصدقة وكانت صنّاع تعمل بيدها وتتصدّق بيدها.

وسعيدة التي وقع اسمها في إسناد الكافي فقد روى في باب النوادر من آخر كتاب النكاح عن سعيدة .

وغيرهنّ كثيرات لم نذكر أسماءهنّ اختصاراً وإيجازاً(١) .

وقد برزت هذه النسوة وصعدن إلى تلك المرتبة من العلم والفضيلة، وضاهين الرجال في المقام والمنزلة بفضل الإسلام.

فقد ربّى في حجره مثل هذه النساء العالمات التقيّات ذوات الشخصيّة الرشيدة والمواقف البارزة، والصفحات البيض، والتواريخ المشرقة في شتّى مناحي الحياة الإسلاميّة ولولا الإسلام، وما أولاهن من المنزلة والحظوة لبقيت المرأة تعاني من ما كانت تعانيه من ظلم الجاهليّة وعسفها، وكبتها وتحقيرها.

فقد كانت المرأة في زمن الجاهليّة محرومة من كلّ مزايا الرجال، تحتقر كما يحتقر

__________________

(١) من أراد الوقوف على تفصيل ذكرهنّ وأسمائهنّ فعليه أن يراجع كتاب: أعلام النساء، بلاغات النساء، الخيرات الحسان، والاستيعاب، والإصابة.

٤٤١

الحيوان، وتباع وتشترى كما يشترى ويباع المتاع، حتّى جاء الإسلام وأولاهنّ ما أولاه من الرفعة بعد الضعة، والشرف بعد المقت والعزّة بعد الإهانة والذّل، فتخرّج منهنّ الكاتبات والأديبات والعالمات، والراويات، وربّات الفكر والرأي، وذوات الشخصيّة والشأن الكبير.

على أنّ النساء لم يحصلن على حقوقهنّ في التعليم في ظلّ الحكومة والشريعة الإسلاميّة فقط، بل حصلن على حقوق عادلة في التسوية مع الرجال في اعتناق الدين، واستحقاق الثواب الاُخرويّ، والاحترام الدنيويّ، والميراث، والزواج وحقوق الزوجيّة، والطلاق، والنفقة، والوصيّة.

وجملة القول ؛ أنّه ما وجد دين ولا شرع ولا قانون في أمّة من الأمم أعطى النساء ما أعطاهنّ الإسلام من الحقوق والعناية والكرامة، في جميع المجالات الإنسانيّة.

هذا ولقد كان الإسلام أوّل من عمل على محو الاُميّة ونشر الثقافة والعلم وتعميمها في أوساط الناس فيما كانت الحكومات المعاصرة لعصر النبوّة المحمديّة ـ كالأجهزة الحاكمة في إيران ـ تحظر العلم والثقافة على طبقات الشعب وتحرم اكتسابهما إلّا على الأُمراء وأبناء الاُمراء، وطبقة المؤبذين ( وهم رجال الدين الزرادشتي )(١) .

وإنّ أدلّ دليل على سعي الإسلام لمحو الاُميّة قبل أي أحد هو ما فعله النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله مع أسرى بدر حيث جعل فداء بعض الأسرى الذين كانوا يعرفون القراءة والكتابة، تعليم أولاد المسلمين: القراءة والكتابة.

فقد روى الحلبي في سيرته ذلك قائلاً: ( بعثت قريش في فداء الأسارى وكان الفداء فيهم على قدر أموالهم، وكان من أربعة آلاف إلى ثلاثة آلاف درهم إلى ألفين إلى ألف. ومن لم يكن معه فداء وهو يحسن الكتابة دفع إليه عشرة غلمان من غلمان المدينة ليعلّمهم الكتابة فإذا تعلّموا كان ذلك فداء )(٢) .

__________________

(١) الشاهنامة للفردوسيّ ٦: ٢٥٧ ـ ٢٦٠.

(٢) السيرة الحلبيّة ٢: ٢٠٤.

٤٤٢

على أنّ المنهج الذي اختاره الإسلام هو جعل الإيمان مقروناً بالعلم، والعلم مقروناً بالإيمان فالمكتفي بأحدهما كطائر يحلّق بجناح واحد ولذلك نرى أنّ الله سبحانه يقرن أحدهما بالآخر في كتابه إذ يقول:( يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ) ( المجادلة: ١١ ).

وكقوله:( وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ ) ( الروم: ٥٦ ).

وممّا يدلّ على ذلك ما نراه ـ إذا سرنا في البلاد الإسلاميّة ـ من بناء الجامعات إلى جنب المساجد الذي يشير بوضوح إلى عدم التفكيك بين العلم والإيمان، وبين الدين والمعرفة في الحوزات الإسلاميّة العلميّة المبثوثة في كلّ أرجاء العالم الإسلاميّ أو انعقاد الحلقات الدراسيّة في المساجد. ولقد بلغ حثّ الإسلام على اكتساب العلم والمعرفة حدّاً بليغاً حتّى أنّه حرّض على الهجرة في سبيل اكتساب العلم، عندما حثّ على أن يخرج من كلّ فريق طائفة تسافر إلى المدينة، ليدركوا حضرة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وليتعلّموا منه ما يحتاجون إليه من العلوم والمعارف الإلهيّة المفيدة ثم يرجعوا إلى قومهم وهو أمر يدلّ ضمناً على أنّ الإسلام كان ممن أسّس بنيان الحوزات العلميّة والجامعات وهي حقيقة يدلّ عليها قوله سبحانه:( فَلَوْلا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) ( التوبة: ١٢٢ ).

فإنّ هذه الآية وإن فسّرت بوجوه غير أنّ الأظهر في تفسير الآية ما روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام :

قال عبد الله بن المؤمن الأنصاريّ قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : إنّ قوماً يروون أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: « اختلافُ اُمّتي رحمة » فقال: « صدقُوا » فقال: إن كان اختلافهم رحمة فاجتماعهم عذاب ؟ قال: « ليس حيثُ تذهب وذهبُوا، إنّما أراد قول الله عزّ وجلّ:( فَلَوْلا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) فأمرهم أن ينفروا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ويختلفوا إليه فيتعلّموا ثمّ يرجعوا إلى قومهم فيعلّموهم، إنّما أراد اختلافهم من البلدان لا اختلافاً في دين الله إنّما الديّن

٤٤٣

واحد »(١) .

وهذه الآية مضافاً إلى كونها دالّة على وجود مركز أو مراكز علميّة في زمن النبيّ يسافر إليها الأفراد ليتلقّوا فيها العلوم والمعارف اللازمة ؛ تدلّ على وجوب هذا الأمر وجوباً كفائيّاً، ولقد استمرّ وجود هذه المراكز والحوزات العلميّة في زمن الأئمّة: وفي زمن الإمام الصادق خاصّة.

فقد روى أحمد بن محمّد بن عيسى وقال: خرجت إلى الكوفة في طلب الحديث فلقيت بها الحسن بن عليّ الوشا، فسألته أن يخرج لي كتاب العلا بن رزين وأبان بن عثمان، فأخرجهما إليّ فقلت له: أحبّ أن يجيزهما لي فقال: يرحمك الله وما عجلتك، اذهب فاكتبهما واسمع من بعد ذلك، فقال: لا آمن الحدثان، فقال: لو علمت هذا الحديث يكون له هذا الطلب لاستكثرت منه فإنّي أدركت في هذا المسجد ( بالكوفة ) تسعمائة شيخ كلّ يقول حدّثني جعفر ( أي الإمام الصادقعليه‌السلام )(٢) .

وبالتالي فإنّ ما يدلّ على اهتمام الدين الإسلاميّ بانتشار العلوم والأخذ بالمعارف المتنوّعة هو ازدهار العلوم المختلفة بين المسلمين ونبوغهم المطّرد والبارز في شتّى مجالات المعرفة، وتنوّع الكتب والمصنفات التي خلّفها المسلمون وصنّفها علماؤهم وكتّابهم، وكانت أساساً لكثير من العلوم الحديثة.

يبقى أن نعرف أنّ الإسلام لا يطرح صيغة خاصّة لمنهج التعليم، وقد سبق أن قلنا: إنّ خاتمية الدين الإسلاميّ تقتضي أن يبيّن الإسلام الجوهر واللب، وأمّا الصور والأشكال فمتروكة للأجيال والعصور، ومقتضياتها فلا مانع من أن يستفيد المسلمون من أي منهج تعليميّ، وأن يستخدموا أي جهاز يضمن تعميم العلم كالتلفزيون والمذياع شريطة الحفاظ على خلق المجتمع، وقيمه الإسلاميّة العليا. فإنّ الإسلام يخالف كلّ علم يتنافى مع سعادة البشر ويهدّد استقراره.

__________________

(١) نور الثقلين ٢: ٢٣٨.

(٢) رجال النجاشيّ: ٢٨ وتنقيح المقال للمامقانيّ ١: ٢٩٤.

٤٤٤

هذا ولعلّك تعجب إذا علمت أنّ تحصيل العلم في الفنون المختلفة من الطبّ والاقتصاد والحقوق السياسيّة والصنائع المتنوّعة فريضة إسلاميّة يجب على الجميع تعلّمه على نحو الواجب الكفائيّ لكي ترتفع حاجة المسلمين إلى غيرهم، ويأمنوا بذلك من تدخّل الأجانب في شؤونهم، بل الأعجب من ذلك أنّ التحصيل في بعض الشؤون واجب عينيّ وذلك فيما يتعلّق بمعرفة الأحكام الدينيّة من أحكام العبادات والمعاملات كما حقّق في موضعه(١) ، ولأجل ذلك وجب على الحكومة الإسلاميّة أن تخصّص قسماً كبيراً من ميزانيّتها لتأسيس الجامعات الدينيّة، والعلميّة وتهيئة ظروف التعليم والتعلّم حتّى يتسنّى لأبناء الاُمّة تحصيل المعرفة في أي مجال مفيد، وضروريّ لحياة الاُمّة. فإنّ جميع ما سقناه إليك من أدلّة حاثّة على طلب العلم، وإنّ ما وصل إليه المسلمون القدامى من أزدهار، وتقدّم عظيم، في العلوم يستدعيان أن تكون الحكومة الإسلاميّة هي التي تتولّى تهيئة أجواء العلم والتعلّم والتعليم، وإلاّ فكيف يمكن أن يتحقّق ذلك الازدهار ويتحقّق هذا الهدف العظيم، والأمر خارج عن نطاق الأفراد بل هو ميسّر للحكومة وإمكانيّاتها، ولوجوب أن تقتدي هذه الحكومة بسيرة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله حيث تولّى بنفسه تهيئة أجواء التعليم والتعلّم لأبناء المدينة كما مرّ عليك في قصّة أسرى بدر.

الإسلام والعلوم الطبيعيّة

ثمّ انّه لم يكن تأكيد الإسلام على تحصيل العلم ليختصّ بعلم دون علم وبباب دون آخر، وإن كان التأكيد على اكتساب الفقه والعلم بأحكام الدين أشدّ، وأكثر.

فالعلم بأحكام الدين واُصوله وفروعه، أو العلم بما يجري في الطبيعة من السنن والقوانين وكشف غوامض الحياة ومعضلاتها واختراع ما يكون مفيداً للحياة البشريّة ممّا دعا إليه الإسلام من غير فرق بين علم وعلم. ولذلك أمر سبحانه في الكثير من الآيات القرآنيّة بالتدبّر في الكون والسنن الحاكمة فيه، كما هو غير خفيّ على من له إلمام بالكتاب

__________________

(١) راجع فرائد الشيخ الأنصاريّ: ٣٠٠ ـ ٣٠١.

٤٤٥

الكريم.

وتقسيم العلوم إلى دينيّة وغير دينيّة ( أو قديمة وحديثة ) مجرّد اصطلاح وإلاّ فكلّ علم نافع ناجع قد دعا إليه الدين وأمر به الكتاب، وأخذ به المسلمون، وما يعدّ علوماً حديثة فلها جذور في القديم وإنّما حدث التطوّر والتكامل حسب مرور الزمان شأن كلّ ظاهرة وعلم.

ولأجل ذلك نرى أنّ المسلمين اهتمّوا ـ منذ بزوغ الإسلام ـ بمختلف العلوم والمعارف، وبرعوا فيها، وكانوا لكثير منها مكتشفين، وكان منهم المخترعون، والمبدعون.

وقد اعترف بذلك كثير من علماء الغرب والشرق، وأقرّوا للمسلمين به، وبيّنوا جهود المسلمين في هذا المضمار، وعدّوهم آباء العلم الحديث في كثير من المجالات والأصعدة.

ونحن هنا نشير إلى طائفة ممّن كان لهم من المسلمين اكتشافات علميّة :

١. جابر بن حيّان، تلميذ الإمام جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام كان من أشهر علماء الكيمياء. هذا وللرازي وأبو ريحان البيرونيّ بحوث شيّقة وهامّة في الكيمياء أيضاً.

٢. يعقوب ابن إسحاق الكندي ؛ له ١٥ كتاباً في معرفة أحوال الجوّ.

٣. الحسن بن الهيثم ؛ المتولّد عام ٣٠٤ ألّف كتباً عديدة في الضوء وخواصّ المرايا المقعّرة والمحدّبة والمنكسرة.

٤. محمد بن إبراهيم الفزاري، والحجاج بن يوسف بن مطر ؛ لهما ولغيرهما من المسلمين جهود علميّة كبرى في الرياضيّات.

٥. الخواجا نصير الدين الطوسيّ، وأبو معشر البلخيّ، يعود إليهما الكثير من الاختراعات والاكتشافات في علم الهيئة والفلك.

٦. محمّد بن زكريّا الرازي، وأبو عليّ بن سينا، وابن رشد الأندلسيّ يعود إليهما

٤٤٦

الكثير من الأبحاث الطبيّة، ومسائل العلاجات والأدوية.

٧. الكندي والدميريّ والقزوينيّ وابن بطوطة وابن خلدون ؛ ممّن لهم كتب ومؤلّفات واسعة في علم الأحياء، والجغرافيه، وغيرهما من العلوم والمعارف، وغيرهم ممّن لا يمكن إحصاء أسمائهم لكثرتهم وكثرة مؤلّفاتهم.

ويكفي دلالة على تشجيع الإسلام للصناعة ما قاله الإمام الصادقعليه‌السلام في حديث مفصّل: « كلّ ما يتعلّم العبادُ أو يُعلّمون غيرهُم من صُنوف الصناعات مثل الكتابة والحساب والنّجارة والصّياغة والسّراجة والبناء والحياكة والقُصارة والخياطة وصُنعة صنوف التصاوير ما لم يكُن مثل الرّوحانيّ وأنواع صنوف الآلات التي يحتاجُ إليها العبادُ التي منها منافعهُم وبها قوامُهم وفيها بُلغةُ جميع حوائجهم فحلال فعلهُ، وتعليمهُ والعملُ به وفيه لنفسه أو لغيره »(١) .

ثمّ انّ عناية الإسلام بالكتابة وتقييد العلم بواسطتها يعتبر من أبرز الأدلّة على تبنيّ الإسلام للعلم وحرصه عليه فقد كان الإسلام أوّل من روّج الكتابة وحثّ على تعلّمها، وكان ذلك الموقف من الكتابة والتدوين هو السبب الرئيسيّ في كتابة المؤلّفات وتأليف الكتب العديدة الذي كان ـ بدوره ـ خير وسيلة لأحياء العلم، والابقاء عليه فقد روي أنّه كتب الشيعة وحدهم ما يقارب (١٠) آلاف كتاب خلال عهد الإمامين الباقرين خاصّة(٢) .

ولقد وردت أحاديث كثير في هذا الصدد يضيق المجال بذكرها في هذه العجالة ولكنّنا ندرج هنا بعضها على سبيل المثال :

عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: « قيّدُوا العلم بالكتابة »(٣) .

__________________

(١) تحف العقول: ٢٤٦.

(٢) المراجعات: ٣٣٧ المراجعة (١١٠).

(٣) تحف العقول كما في الذريعة ١: ٦، المستدرك للحاكم ١: ١٠٦، كنز العمال ٥: ٢٧٧، البيان والتبيين ١: ١٦١.

٤٤٧

وعن عبد الله بن عمر قال قلت لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أقيّد العلم ؟ قال: « نعم »، قيل وما تقييده ؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « كتابتُهُ »(١) .

وعن أبي بصير قال دخلت على أبي عبد الله ( الصادق ) فقال: « ما يمنعُكُم من الكتابة، إنّكُم لن تحفظُوا حتّى تكتبُوا »(٢) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إذا مات ابنُ آدم انقطع عملهُ إلّا من ثلاث :

صدقة جارية، أو علم ينتفعُ به أو ولد صالح يستغفُر لهُ »(٣) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « المُؤمنُ إذا مات وترك ورقةً واحدةً عليها علم تكُونُ تلك الورقةُ سُتراً فيما بينهُ وبين النّار وأعطاهُ الله بكُلّ حرف مكتُوب عليها مدينةً في الجنّة »(٤) .

وعنهعليه‌السلام أيضاً أنّه قال: « احتفظُوا بكُتبكُم فسوف تحتاجُون إليها »(٥) .

وقالعليه‌السلام : « القلبُ يتّكلُ على الكتابة »(٦) .

وقالعليه‌السلام : « اُكتُب وبُث علمك في إخوانك فإن متّ فأورث كُتُبك بنيك فإنّهُ يأتي على النّاس زمان هرج ما يأنسُون إلّا بكُتُبهم »(٧) .

وعن الإمام الحسنعليه‌السلام أنّه دعا بنيه وبني أخيه فقال: « إنّكُم صغار قوم ويُوشكُ أن تكُونُوا كبار قوم آخرين فتعلّمُوا العلم فمن لم يستطع منكُم أن يحفظهُ فليكتُبهُ وليضعهُ في بيته »(٨) .

هذا وللإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام تعاليم لطيفة في مجال الكتابة وتحسين الخطّ فقد قال لكاتبه عبيد الله بن أبي رافع: « ألق دواتك، وأطل جلفة(٩) قلمك ،

__________________

(١) راجع الذريعة ١: ٦، التاج ١: ٦١.

(٢) مشكاة الأنوار للطبرسيّ: ١٤٢، وروي في الكافي ١: ٥٢ بهذه الصورة: « اكتُبُوا فإنّكُم لا تحفظُون حتّى تكتبُوا ».

(٣) رواه الخمسة إلّا البخاريّ، راجع التاج ١: ٦٦.

(٤) أوثق الوسائل: المقدّمة.

(٥ و ٦ و ٧) الكافي ١: ٥٢.

(٨) بحار الأنوار ٢: ١٥٢.

(٩) الجلفة ما بين مبراه وسنته.

٤٤٨

وفرّج بين السّطُور وقرمط(١) بين الحُرُوف، فإنّ ذلك أجدرُ بصباحة الخطّ »(٢) .

كما روي عنهعليه‌السلام قوله: « الخطّ الحسن يزيد الحقّ وضوحاً »(٣) .

هكذا حثّ الإسلام على الكتابة حثّا بليغاً، وأكيداً، وكفى في ذلك أنّ الله تعالى أقسم بالقلم باعتباره وسيلة فعّالة لنقل المعرفة وتدوينها، وإبقائها.

بحث وتنقيب

ولعلّك تقول: لو حثّ الإسلام مثل هذا الحثّ على الكتابة والتدوين فلماذا نهى الخليفة الثاني عن كتابة الحديث في حين كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يحثّ أصحابه على كتابة ما يسمعونه منه. فقد أخرج صاحب غوالي اللئالي عن عمر بن شعيب عن أبيه وجدّه قال قلت: يا رسول الله أكتب كلّ ما أسمع منك ؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « نعم »، قال: قلت في الرضا والغضب ؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « نعم فإنّي لا أقول في ذلك كلّه إلّا الحقّ »(٤) .

وقد أملىصلى‌الله‌عليه‌وآله كتباً في الشرائع والأحكام كان قد جهّز بها رسله وعمّاله في الأقطار المفتوحة وقد احتفظ بها المسلمون وأوردها أصحاب السير والمعاجم وأهل الحديث والتفسير في كتبهم وهذه الصحف تعرب قبل كلّ شيء عن عناية الرسول بحفظ علوم الرسالة وذخائر النبوّة وأحكام الدين ودساتيره ليستفيد منها القريب ويرجع إليها النائي.

وقد تواتر عن الفريقين أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قبض وفي قراب سيفه أو ذؤابة سيفه كتاب أو كتابان(٥) .

__________________

(١) القرمطة بين الحروف، المقاربة بينها وتضييق فواصلها.

(٢) نهج البلاغة: قصار الكلم ( الرقم ٣١٥ ).

(٣) حديث مشهور.

(٤) راجع الذريعة ١: ٦، التاج ١: ٦١.

(٥) صرّح بذلك إمام الحنابلة في مواضع من مسنده راجع المسند ١: ٨١، ١٠٠، ١١٩، ١٢٦، ١٣٢، صحيح مسلم ٤: ٢١٧، السنن الكبرى ٨: ٣٠.

٤٤٩

وقد اعتمد على هذا الكتاب أئمّة أهل الحديث في مختلف الأبواب والأحكام واكثر النقل عنه المحدّث الحرّ العامليّ في جامعه الكبير وينهي إسناده إلى أئمّة أهل البيت(١) .

قال ابن عمر: إنّ قريشاً قالت: إنّك تكتب عن رسول الله وهو بشر يغضب يعنون به أنّه يقول عند الغضب باطلاً، فعرضت كلامهم على رسول الله قال: « اكتب فإنّي لا أقُولُ إلّا حقّاً » أو أشار إلى شفتيه وقال: « لا يخرُجُ منهُما إلّا الحقّ اكتُب »(٢) .

وقد أملى رسول الله كثيراً من الأحكام على ( علي ) فدوّن أمالي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حياته، واشتهر بكتاب عليّ، وقد روى عنه البخاريّ في صحيحه في باب كتابة الحديث وباب « إثم من تبرّأ من مواليه ».

وقد أكثر عنه النقل الإمامان الباقر والصادقعليهما‌السلام ورآه كثير من أصحابهما كزرارة بن اُعين ومحمد بن مسلم وأبي بصير ونظرائهم.

وأخرج الشيخ أو العباس النجاشي ( المتوفّى عام ٤٥٠ ) في ترجمة « محمّد بن عذافر » عن عذار الصيرفيّ قال: كنت مع الحكم بن عيينة، عند أبي جعفر محمّد بن علي الباقرعليه‌السلام فجعل يسأله وكان أبو جعفر له مكرهاً فاختلفا في شيء، فقال أبو جعفر: « يا بنيّ قم فأخرج كتاب عليّ » فاخرج كتاباً مدرجاً عظيماً، ففتح وجعل ينظر حتى أخرج المسألة، فقال أبو جعفر: « هذا خطّ عليّ وإملاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأقبل على الحكم وقال: « يا أبا محمّد: إذهب وسلمة والمقداد حيث شئتم يميناً وشمالاً، فوالله لا تجدون العلم أوثق منه عند قوم كان ينزل عليهم جبرائيل »(٣) .

والحديث عمّا كتبه عليّعليه‌السلام كثير، وأخرج المشايخ والمحمّدون الثلاثة روايات جمّة عنه ينتهون بإسنادها إلى أئمة الحديث مبثوثة في كتب الطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحجّ والجهاد والأمر بالمعروف والتجارة والوصايا والطلاق والنكاح

__________________

(١) راجع وسائل الشيعة كتاب القصاص.

(٢) مستدرك الحاكم ١: ٤.

(٣) فهرست النجاشيّ: ٢٥٥ ( طبعة الهند ).

٤٥٠

والأطعمة والأشربة والحدود والقصاص والديات والقضاء والأيمان والصيد والميراث وإحياء الموات(١) .

ثمّ إنّ الشيعة في الصدر الأوّل اقتفوا أثر إمامهم في الكتابة والتأليف فاهتمّوا بجمع أحاديث الأحكام والفرائض والقضايا وأخبار المغازي، وتراجم الرجال وقد جمع أسماءهم الشيخ أبو العباس النجاشيّ في أوّل رجاله.

ثمّ الذين نشأوا بعد الطبقة الاُولى نهجوا منهاج سلفهم، حذو القذّة بالقذّة في كلّ قرن وجيل ؛ رغم ما كانت تواجههم من الظروف القاسية والكوارث الداهمة ورغم ما كانوا يعانون من السلطات الغاشمة

فإنّ الشيعة رغم كلّ تلك المصاعب ألّفوا كتباً ثمينة جمعوا فيها شذرات الحديث وشوارد السير واُصول الأخلاق، ونهضوا بهذه المهمّة بعزم راسخ لا يعرف الكلل والملل مثابرين على العمل، ومعانين في طريق هدفهم كثيراً من الأذى حفاظاً على حياض الشريعة الإسلاميّة وصوناً لكنوزها، وبثّاً لتعاليم الحنيفيّة البيضاء.

وقد ترجم الشيخ أبو العباس النجاشيّ صاحب الفهرست المعروف في صدر كتابه بعض رجال الشيعة ممّن يعدّون من المؤلّفين في الطبقة الاُولى.

ودونك أسماء عدّة منهم من الذين ذكرهم الشيخ أبو العباس النجاشيّ بهذا العنوان في أوّل فهرسته :

١. أبو رافع ؛ مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وصاحب بيت مال أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام صنف كتاب السنن والأحكام والقضايا.

٢. عبيد الله بن أبي رافع ؛ كاتب أمير المؤمنين وأوّل من ألّف في الرجال، ترجم من أصحاب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله من شهد منهم حروب أمير المؤمنينعليه‌السلام الجمل وصفين.

__________________

(١) راجع وسائل الشيعة في هذه الكتب وقد جمع العلاّمة الشيخ الأحمديّ في كتابه القيّم « مكاتيب الرسول » ١: ٨٢ ـ ٨٨ ما بثّه صاحب الوسائل في جامعه على نسق الكتب الفقهيّة.

٤٥١

٣. عليّ بن أبي رافع ؛ كاتب أمير المؤمنينعليه‌السلام صنف كتاباً في فنون من الفقه: الوضوء والصلاة وسائر الأبواب.

٤. ربيعة بن سميع ؛ صنّف كتاب زكاة النعم على ما سمعه عن أمير المؤمنينعليه‌السلام في صدقات النعم وما يؤخذ من ذلك.

٥. أبو صادق سليم بن قيس الهلالي ؛ صاحب أمير المؤمنين ألّف أصله المعروف المطبوع.

٦. الأصبغ بن نباتة المجاشعيّ، من خيار أصحاب أمير المؤمنين ومن شرطة الخميس له كتاب عهد أمير المؤمنين إلى مالك الأشتر النخعيّ ووصيّته إلى ابنه محمّد بن الحنفيّة.

٧. أبو عبد الله سلمان الفارسي ؛ له كتاب ( خبر جاثليق ) وقد أملى الخطبة الطويلة والاحتجاجات.

٨. أبو ذرّ الغفاري ؛ له كتاب وصايا النبيّ وشرحه العلاّمة المجلسي وأسماه عين الحياة.

هذا حال الطبقة الاُولى منهم وأمّا الذين أتوا بعدهم فالرواة منهم المعاصرون للأئمّة الهداة في مجموع القرنين منذ قبض الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى عصر العسكريعليه‌السلام لم يؤثر عنهم فتور في تدوين العلوم وضبط الحديث، وجمع قواعد الفقه وتنسيق طبقات الرجال وضمّ حلقات التفسير وإتقان مباني واُسس الكلام إلى غير ذلك.

كلّ ذلك يشهد على مبلغ اهتمامهم بتلقّي أنواع المعارف والعلوم من معادنها في السرّ والعلانية، وتغنينا عن إفاضة القول وسرد الشواهد، الفهارس المؤلّفة لكتب الشيعة في القرون الإسلاميّة الغابرة ولا سيّما ما ألّفه العلاّمة المتتبّع المغفور له الشيخ أغا بزرگ الطهرانيّ في أثره الخالد ( الذريعة إلى تصانيف الشيعة ) المطبوع في خمسة وعشرين جزء.

٤٥٢

وأظنّ أنّ الموضوع لا يحتاج إلى أن نتوسّع فيه أكثر من ذلك وهذا كتاب الله سبحانه يحثّ في أطول آيات كتابه(١) على كتابة ما يتوصّل بها إلى حفظ عرض دنيويّ زائل ومتاع مندثر، أفلا يجوز لنا من هذا الحثّ الأكيد استنباط لزوم الاهتمام بما ننال به المقاصد العالية ويفوز الإنسان به بالسعادة الخالدة ؟

حول الحديث الموضوع

وبعد ذلك كله لا اعتبار بما نسبوه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من أنّه قال: « لا تكتبوا عنّي شيئاً سوى القرآن فمن كتب عنّي غير القرآن فليمحه »(٢) أو أنّه لم يأذن بكتابة الحديث على ما رواه الترمذيّ عن أبي سعد قال: استأذنا النبيّ في الكتابة فلم يأذن لنا(٣) .

وأغرب منه ما رواه الحاكم بسنده عن عائشة قالت: جمع أبي الحديث عن رسول الله فكانت خمسمائة حديث فبات يتقلّب، قالت فغمّني كثيراً، فقلت يتقلّب لشكوى أو لشيء بلغه، فلّما أصبح قال: أي بنيّة هلمّي الأحاديث التي عندك ! فجئته بها فأحرقها، وقال خشيت أن أمُوت وهي عندك فيكون فيها أحاديث عن رجل ائتمنته ووثقت به ولم يكن كما حدّثني فأكون قد تقلّدت ذلك(٤) .

وأظنّ أنّ ما اُلصق برسول الله من مختلقات الحديث وضعها القائل أو القائلون لأغراض وغايات سياسيّة وأظنّ أنّ الذي دفع الوضّاعين إلى إعزاء ما اختلقوه إلى رسول الله أحد أمرين أو كليهما :

إمّا لأنّ المعتمد في كتابة أحاديث الرسول آنذاك كان هو الإمام عليّعليه‌السلام دون سائر الصحابة، وكان ذلك يعدّ فضيلة رابية للإمام، فحاول أعداؤه ومناوؤه طمسها فاختلقوا ما اختلقوا لكي يصبح عمل الإمام في استقلاله بالتدوين، أو تبرّزه في هذا الباب عملاً غير مشروع.

__________________

(١) سورة البقرة ٢: الآية (٢٨٢) آية الدين.

(٢) رواه الدارميّ في مقدّمة سننه.

(٣) صحيح الترمذيّ ٢: ٩١ ( طبعة الهند ).

(٤) جمع الجوامع للسيوطيّ ٢: ١٤٧.

٤٥٣

وإمّا لأنّ تلك الأحاديث فيها الكثير ممّا قاله النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في فضل عليّعليه‌السلام وعظم شأنه، فلو سوّغت كتابة الأحاديث وأحاط بها الناس علماً وتناقلها المسلمون في شتّى الأقطار، لأدّت إلى ظهور الإمامعليه‌السلام على سائر الصحابة، وكونه الأحقّ في تسنّم منصب الخلافة بعد الرسول وفي ذلك ما فيه من الخطر على من تسنّموا عرشها بغير حقّ وبغير دليل.

فلو كان كتابة الحديث وضبطه في الصحائف والجلود أمراً مرغوباً عنه فلماذا أملى النبيّ بنفسه كتباً في الشرائع والأحكام وجهّز بها رسله وعماله في الأقطار المفتوحة.

ولو كان نهي النبيّ بمرأى ومسمع من أصحابه وأنصاره، فلماذا استفتى عمر أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك فأشاروا عليه أن يكتب فطفق عمر يستخير الله شهراً ثمّ أصبح يوماً وقد عزم الله له فقال: إنّي كنت اُريد أن أكتب السنن وإنّي ذكرت قوماً كانوا قبلكم كتبوا كتباً فأكبّوا عليها وتركوا كتاب الله وإنّي والله لا أشوب كتاب الله بشيء أبداً ولا اُلبس كتاب الله بشيء أبداً(١) .

والعذر الذي جاء به الخليفة في كلامه يشبه ما في كلام بعضهم في تفسير نهي النبيّ عن الكتابة من أنّ نهيهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن كتابة الحديث كان لخوفهصلى‌الله‌عليه‌وآله من اختلاط الحديث بالقرآن.

ولا يخفى ما فيه من الخبط والخطأ فإنّ ما يفسده أكثر ممّا يصلحه إذ معنى ما ذكره هو إبطال معجزة القرآن وهدم اُصولها من القواعد، وإنّ معنى ذلك كون بلاغة القرآن والحديث والخطب المرويّة من باب واحد هو باطل، والله سبحانه يقول:( قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ) ( الإسراء: ٨٨ ).

وقد حقّق في محلّه أنّ القرآن وحي بلفظه ومعناه، لا يشبه كلام الإنسان من حيث

__________________

(١) رواه الكاتب المتتبع المعاصر أبو ريّه عن الحافظ بن عبد ربه والبيهقي في أضواء على السنّة المحمديّة ص ٤٣.

٤٥٤

الصياغة والانسجام، والحديث وحي بمعناه دون لفظه، فهو من جهة اللفظ والصياغة كلام بشريّ يمكن مباراته.

وهناك عذر آخر لا يقلّ في الوهن والضعف عن الأوّل جاء به بعض المعاصرين قال: يمكن أن تكون حكمة النهي عن كتابة الحديث هو أن لا تكثر أوامر التشريع، ولا تتّسع أدلّة الأحكام وهو ما كان يتحاشاهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى كان يكره كثرة السؤال، أو يكون من أحاديث في اُمور خاصّة بوقتها بحيث لا يصح الاستمرار في العمل بها. ونحن لا نعلّق عليها إلّا شيئاً طفيفاً إذ القارئ الكريم أعرف بحالها، إذ أي صلة بين كتابة حديث نافع وسنّة متّبعة تتّصل بحياة المسلمين الفرديّة والاجتماعيّة وتحتلّ مكاناً سامياً في استنباط كثير من الأحكام التي كانوا يواجهونها بعد عصر الرسالة عندما توسّعت الحكومة الإسلاميّة وتلوّنت حياتهم بألوان حضارة جديدة، ولم يكن لهم بها عهد في عصر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وبين كثرة السؤال عن أشياء لا تهمّ السائل معرفتها.

على أنّ ما اعتذر به الكاتب في تصحيح النهي عن تدوين السنّة يستدعي النهي عن كتابة القرآن وهما في المقام سواسية، لأنّ عمق معاني القرآن وغزارة مقاصده تؤدّي بالباحث إلى كثرة التساؤل واتّساع أدلّة الأحكام وتكثر أوامر التشريع، وبالتالي يستلزم تسلسل الأسئلة.

ولا يتردّد المحقّق الباحث في أنّ ما عزوه إلى النبيّ من مخاريق الأوهام الباطلة التي نحتوها لأغراض سياسيّة، لتصحيح فعل الخليفة ونهيه عن كتابة الحديث وسنّة النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وما ارتكبه الخليفة عثرة لا تقال، فالله يعلم كم خسر الإسلام والمسلمون من جرّائها لولا أن تدارك الخسران العظيم عمر بن عبد العزيز فكتب من الشام إلى أبي بكر ابن حزم وهو من كبار المحدّثين بالمدينة: انظر من حديث رسول الله فاكتبه، فإنّي خفت دروس العلم وذهاب العلماء(١) .

__________________

(١) صحيح البخاريّ ١: ٢٧ كتاب العلم.

٤٥٥

برامج الحكومة الإسلاميّة ووظائفها

٢

الحكومة الإسلاميّة

والحقوق الفرديّة والاجتماعيّة

حاجة المجتمعات إلى الحقوق

بما أنّ الإنسان بطبيعته ذو تطلّعات وحاجات تزداد بتوسّع التمدّن وتقدّم الحضارة، وبما أنّ الحياة الاجتماعيّة لا تنفكّ عن إقامة العلاقات والروابط بين أبناء البشريّة، وبما أنّ وصول الأفراد إلى تطلّعاتهم وحاجاتهم لا ينفكّ عن التزاحم والتصادم والاختلاف والتشاجر، كان لا بدّ من حلّ هذا الاختلاف والتنازع، ووضع العلاقات الاجتماعيّة في الإطار الصحيح.

وقد كان هذا الحلّ يتمّ ـ في العصور السابقة ـ بالقوّة، وقدرة السلاح وكان المنطق الحاكم هو ( الحقّ لمن غلب )، غير أنّ تقدّم البشريّة في مدارج التربية أوجد لديها فكرة التنظيم وحلّ الاختلافات بين أفراد البشر بغير وسيلة القوّة، والسلاح، ومن هنا تكوّن ما يسمّى بعلم الحقوق، فعلم الحقوق عبارة عن الاُصول والقواعد التي تنظّم علاقات الأفراد، والتي يجب أن تسود المجتمعات حتماً، ولا يتخلّف عنها أحد أبداً.

٤٥٦

وبعبارة اُخرى ؛ إنّ الحقوق عبارة عن ( مجموع القواعد والقوانين المقرّرة لحفظ الأفراد وترقية المجتمع البشريّ، وعلى ذلك ينطبق علم الحقوق على قسم من الفقه الإسلاميّ، ويكون شعبة من الفقه ).

ولقد كان الفقه الإسلاميّ القانون الوحيد الحافظ لحقوق الأفراد والجماعات في الشرق الإسلاميّ إلى أوائل القرن الرابع عشر حتّى أن قامت الثورات الشعبية (؟) وأسّست مجالس الاُمّة، وسنّت القوانين الجديدة، وتركت القوانين الإسلاميّة جانباً وقد خسر المسلمون، بالعدول عن القوانين الإسلاميّة إلى تلك القوانين البشريّة المقتبسة من الغرب، خسر المسلمون ـ بسبب ذلك ـ العدل والرحمة، والإنسانيّة والاستقرار والدقّة.

تقسيمات الحقوق

لقد قسّم علماء الحقوق القوانين والحقوق(١) إلى :

أ ـ داخليّة ؛ تختصّ بالعلاقات المتقابلة بين أفراد الاُمّة الواحدة.

ب ـ خارجيّة ؛ تختص بالعلاقات المتقابلة بين الأمم والدول المختلفة.

وكلّ من الداخليّة والخارجيّة ينقسمان إلى خاصّة، وعامّة، وإليك فيما يأتي تفصيل هذه التقسيمات إجمالاً :

أ ـ الحقوق الداخليّة

والعامّة منها تنقسم إلى ثلاث شعب هي :

الاُولى / القانون الأساسيّ الذي يقوم في إطاره كلّ الروابط والعلاقات بين الأفراد، وتقوم كلّ التشكيلات الحاكمة على حياة الاُمّة فهو بمثابة ( الاُسس الكليّة لأي

__________________

(١) ليس المراد بالحقوق ـ هنا ـ هو المعنى الخاصّ له، بل هو مطلق القوانين ولذلك يكون الحقوق بمعناه الخاصّ المصطلح فقهياً جزءاً من هذا البحث.

٤٥٧

نظام ).

الثانية / القوانين المختصّة بالدوائر الحكوميّة وحدود وظائفها، وما يحدّد علاقات الأفراد ( موظّفين ومراجعين ) بها.

الثالثة / الحقوق والقوانين الجزائيّة التي يتميّز بها المعتدي عن غير المعتدي والمجرم عن غير المجرم، وتكون مانعة للأفراد عن الأعمال والتصرّفات المخلّة بالنظام.

وأمّا الخاصّة فهي تنقسم أيضاً إلى ثلاث شعب هي :

الاُولى / الحقوق المدنيّة وهي المتعلّقة بالأفراد في إطار العلاقات العائليّة والتي تسمّى الآن بالأحوال الشخصيّة، كالنكاح والطلاق والميراث وما شابه.

الثانية / القوانين والمسائل المرتبطة بالقضاء التي يستطيع الأفراد بالتوسّل بها أن يستوفوا حقوقهم الضائعة.

الثالثة / القوانين المتعلّقة بالعلاقات والمبادلات التجاريّة.

ب ـ الحقوق الخارجيّة ( الدوليّة )

والعامّة منها هي التي تبيّن وترسم كيفية علاقات الدول مع الدول، والحكومات مع الحكومات، ويندرج في ذلك المعاهدات وغيرها ممّا يدور بين الدول.

والخاصّة، هي التي ترتبط بعلاقة الدولة أو أفراد الشعب مع أتباع دولة اُخرى.

هذه هي ثمانية أنواع من القوانين والحقوق حسب التقسيم الحديث.

الإسلام والحقوق

لقد حظيت الحقوق ـ في الفقه الإسلاميّ ـ بأفضل مكانة في تشريعاته وتعاليمه بل إنّ الحقوق التي رسمها الإسلام وبيّنها على لسان القرآن أو السنّة الشريفة تعتبر من أدقّ، وأمتن الحقوق، وأكثرها إنسانيّة ورحمة وعقلانيّة. غير أنّ هناك ـ مضافاً إلى ذلك ـ خصائص تمتاز بها الحقوق الإسلاميّة عن الحقوق التي تطرحها القوانين البشريّة

٤٥٨

الوضعيّة هي :

أوّلاً: انّ الحقوق والقوانين التي جاء بها الإسلام تستمدّ اُصولها، وجزئياتها من ( الوحي الإلهيّ )، ولذلك فهي لا تقبل التغيير والتبديل، ولكنّ الحقوق التي طرحتها الأنظمة البشريّة فحيث أنّها تنبع من العلم البشريّ المحدود فهي تتعرّض دائماً للتغيير والتطوير لضيق آفاق العقل البشريّ.

ثانياً: أنّ الحقوق في الإسلام حيث تكون تابعة للمصالح والمفاسد الواقعية ونابعة من الملاكات الحقيقيّة فإنّها لا تخضع لأيّ زيادة أو نقصان وأيّ تطوير وتحوير، لانّها تقوم على أساس الواقع الإنسانيّ الثابت، والفطرة الحقيقيّة التي لا تتغيّر، والمصالح والمفاسد الموجودة في أفعال الإنسان وأعماله، ولكنّ الحقوق التي عرضتها الأنظمة والقوانين الوضعيّة حيث تنبع من الأهواء والميول والرغبات الفرديّة أو الجماعيّة فإنّها كثيراً ما تنالها أيدي التطوير والحذف لما يظهر فيها من عجز وضعف.

نعم إنّ القوانين والحقوق الإسلاميّة وإن كان بعضها يتغيّر شكلاً وإطاراً لكنّها لا تتغيّر جوهراً ومضموناً، ولقد أشبعنا القول في هذا الأمر في بحث الخاتميّة(١) .

ثالثاً: إنّ القوانين الإسلاميّة حيث تكون صادرة من مصدر ربّانيّ وتكون موجّهة إلى مؤمنين معتقدين بشرائعه ووعوده ومواعيده تتمتّع طبعاً وبالذات بخاصّية الانقياد النفسيّ والخضوع الكامل والطاعة التامّة لها.

وحيث تكون القوانين الوضعيّة البشريّة صادرة من الأدمغة البشريّة لا يجد الإنسان أي دافع ذاتيّ إلى التقيّد بها وتطبيق العمل عليها إلّا بدافع الإكراه وتحت طائلة القانون، وخوفاً من سلطات الدولة.

ولا يخفى على أي ذي لبّ رجحان الأوّل على الثاني في ميزان الحياة.

ثمّ إنّ اُمّهات هذه التقسيمات الحديثة الثمانية من القوانين والحقوق موجودة

__________________

(١) راجع هذا البحث في الجزء الثالث من المجموعة القرآنيّة التي تفسير الآيات تفسيراً موضوعياً وفي ضوء القرآن.

٤٥٩

بمغزاها في التشريع الإسلاميّ وإن لم تكن تحت العناوين والتسميات الحديثة فالقانون الأساسيّ في الإسلام هو عبارة عن الأحكام والاُصول الكليّة الموجودة في الكتاب والسنّة غير المتغيّرة عبر الزمان والمكان، والتي يجب أن يقوم عليها كلّ تخطيط وتنظيم لحياة المسلمين في جميع المجالات.

أمّا النظام الإداريّ ( وهو القسم الثاني من الحقوق الداخليّة العامّة ) فتجدها مذكورة بتوسّع وتفصيل في كتب الفقه وقد أخذها فقهاء الإسلام من سيرة النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله وسنّته الشريفة، وسيرة الإمام عليّ وكلماتهعليه‌السلام وغيرهما في المجال الإداريّ والتدبير الحكوميّ، ويمكن للقارئ الكريم أن يقف على الكثير منها في الكتابين التاليين :

١. الراعي والرعيّة للفكيكيّ.

٢. نظام الحكم والإدارة في الإسلام للقرشيّ وغيرهما.

وأمّا الحقوق والقوانين الجزائيّة فقد ألّف فيها علماء الإسلام المطوّلات والمختصرات التي تحتوي على تفصيلاتها وجزئيّاتها فلاحظ كتب الحدود والقصاص والديات هذا كلّه في مجال الحقوق والقوانين الداخليّة العامّة.

وأمّا الداخليّة الخاصّة الراجعة إلى العلاقات العائليّة والشخصيّة فقد بسط فيها الفقهاء القول تحت عنوان « الأحوال الشخصيّة » والمذكورة ـ قديماً ـ تحت عناوين النكاح والطلاق والميراث والوصايا وما شابهها.

وأمّا ما يرجع إلى القضاء فقد بحث عنها الفقهاء تحت عنوان القضاء والشهادات.

وأمّا ما يرجع إلى ( العلاقات التجاريّة ) فقد بيّن الفقهاء أحكامها المفصّلة في كتبهم تحت العناوين التالية: التجارة، الخيار، السلف، المفلس، الحجر، الضمان، الصلح، العارية، الوديعة، الشركة، المضاربة، المزارعة، المساقاة، الإجارة، الوكالة، الوقف، السبق والرماية.

٤٦٠

أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ ) (١) . وفي شواهد التنزيل عدّة أحاديث بعدّة أسانيد، فراجعه ( ج ١؛ ٥٢٦ - ٥٢٩ ) في تفسير الآيات ( ٩٣ - ٩٥ ) من سورة « المؤمنون »، وفيه أيضا ( ج ٢؛ ٢١٦ ) في تفسير الآيتين ( ٤٢، ٤٣ ) من سورة « الزخرف ».

وانظر تفسير فرات ( ٢٧٨ - ٢٨٠ ) ففيه عدّة أحاديث بعدّة أسانيد، وتفسير مجمع البيان ( ج ٩؛ ٤٩ ) في تفسير قوله تعالى:( فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ * أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ ) (٢) ، وإعلام الورى (٨٢) وخصائص الوحي المبين (١٥٢) ومناقب ابن المغازلي ( ٢٧٤ - ٢٧٥ ) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ٢١٩ ) وأمالي الطوسي ( ٥٠٢، ٥٠٣ / الحديثان ١١٠١، ١١٠٢ ) والمسترشد في الإمامة (٢٢٩) والعمدة ( ٣٥٣ - ٣٥٤ ).

وقد صرّح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّ الشيخين هما اللّذان يتركان الناس يضرب بعضهم رقاب بعض، ففي الاحتجاج ( ج ١؛ ٤٢٥ ) عن عبادة بن الصامت في رواية - قدّمنا ذكرها - قال: أنّ النبي قال للشيخين فيها: وكأنّي بكما قد سلبتماه [ يعني عليّاعليه‌السلام ] ملكه، وتحاربتما عليه، وأعانكما على ذلك أعداء الله وأعداء رسوله، وكأنّي بكما قد تركتما المهاجرين والأنصار بعضهم يضرب وجوه بعض بالسيف على الدنيا ....

__________________

(١) المؤمنون؛ ٩٣ - ٩٥.

(٢) الزخرف؛ ٤٢ - ٤٣.

٤٦١

٤٦٢

الطّرفة الثانية والعشرون

روى هذه الطّرفة - عن كتاب الطّرف - العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٢٢؛ ٤٨٨ ).

يا عليّ من شاقّك من نسائي وأصحابي فقد عصاني، ومن عصاني فقد عصى الله، وأنا منهم بريء، فابرأ منهم

يدلّ على هذا المعنى الكثير ممّا مرّ، كقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الطّرفة السادسة « وطاعته طاعة الله ورسوله »، وكقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأصحاب الكساء وفيهم عليّعليه‌السلام : « أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم »، وغيرها من النصوص السالفة، والنصوص كلّها عامّة شاملة لنساء النبي وأصحابه، ويدلّ عليه ما سيأتي من حديث كلاب الحوأب ونهي النبي عائشة عن الخروج وتحذيرها من ذلك.

ونذكر هنا بعض الروايات في ذلك ترسيخا للمطلب، وتثبيتا لما نقلناه؛ فقد روى الصدوق في معاني الأخبار ( ٣٧٢ - ٣٧٣ ) بسنده عن ابن عبّاس في كلام كثير للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال فيه: أيّها الناس، من عصى عليّا فقد عصاني، ومن عصاني فقد عصى الله عزّ وجلّ، ومن أطاع عليّا فقد أطاعني، ومن أطاعني فقد أطاع الله، أيّها الناس من ردّ على عليّ في قول أو فعل فقد ردّ عليّ، ومن ردّ عليّ فقد ردّ على الله فوق عرشه ....

وفي أمالي الصدوق (٢٤٧) بسنده عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام : يا عليّ أنت إمام المسلمين، وأمير المؤمنين، يا عليّ إنّه لمّا عرج بي

٤٦٣

إلى السماء السابعة، ومنها إلى سدرة المنتهى، ومنها إلى حجب النور، وأكرمني ربّي جلّ جلاله بمناجاته، قال لي: يا محمّد، قلت: لبيك ربي وسعديك تباركت وتعاليت، قال: إنّ عليّا إمام أوليائي، ونور لمن أطاعني، وهو الكلمة الّتي الزمتها المتقين، من أطاعه أطاعني ومن عصاه عصاني ....

وفي الاحتجاج (٥٧) بسنده عن الإمام الباقرعليه‌السلام أنّه قال: حجّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من المدينة [ ثمّ روى خبر الغدير، وفيه قول جبرئيل عن الله للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ] فاليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام دينا، بولاية وليّي، ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة، عليّ، عبدي، ووصي نبيّي، والخليفة من بعده، وحجّتي البالغة، من أطاعه فقد أطاعني، ومن عصاه عصاني، جعلته علما بيني وبين خلقي ....

وفي بشارة المصطفى (٢٧٤) بسنده عن يعلى بن مرّة، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: يا عليّ، أنت خير الناس بعدي، وأنت أوّل الناس تصدّرا، من أطاعك فقد أطاعني، ومن أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاك فقد عصاني، ومن عصاني فقد عصى الله ....

وفي تفسير فرات ( ٤٩٩ - ٥٠٠ ) بسنده عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله:( وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ ) (١) قال: الأذن الواعية عليّعليه‌السلام ، وهو حجّة الله على خلقه، من أطاعه أطاع الله، ومن عصاه فقد عصى الله ....

ونضيف هنا ما رواه الديلمي في إرشاد القلوب (٣٣٧) من خبر حذيفة، حيث قال: ثمّ أمرصلى‌الله‌عليه‌وآله خادمة لأم سلمة، فقال اجمعي لي هؤلاء - يعني نساءه - فجمعتهن له في منزل أم سلمة، فقال لهنّ: اسمعن ما أقول لكنّ - وأشار بيده إلى عليّ بن أبي طالب - فقال لهنّ: هذا أخي، ووصيّي، ووارثي، والقائم فيكنّ وفي الأمّة من بعدي، فأطعنه فيما يأمركنّ به، ولا تعصينه فتهلكن لمعصيته ....

وسيأتي ما يتعلق بلعن المضلّين، وأنّ أصحاب الجمل ملعونون على لسان

__________________

(١) الحاقة؛ ١٢.

٤٦٤

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا يدخلون الجنّة حتّى يدخل الجمل في سمّ الخياط، وسيأتي لعن الإمام عليّعليه‌السلام - بوصيّة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - معاوية وأصحابه، وأنّه كان يقنت بذلك ويلعنهم في صلاته، وهذه هي البراءة منهم.

يا عليّ، إنّ القوم يأتمرون بعدي على قتلك، يظلمون ويبيتون على ذلك

أخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاعليه‌السلام بأنّ الأمّة ستغدر به من بعده، وذكر له ما سيكون من أمر أبي بكر وعمر وعثمان، وما سيكون من قتاله للناكثين والقاسطين والمارقين، وأسرّ له أسراره، وأعلمه بما كان وما هو كائن، وأنّه ستخضب لحيته من رأسه بدم عبيط. وقد أخرجنا كلّ ذلك فيما مضى وما سيأتي، وكان من جملة ما أخبره بأنّ القوم يأتمرون على قتله، وقد حصل ذلك بالفعل، فقد كانت هناك - رغم إعمال عليّعليه‌السلام للتقيّة - محاولات لقتله، وبشتى الأساليب، والمحاولات الأساسيّة منها هي ثلاث محاولات: الأولى في بيعة السقيفة واقتحام الدار، والثانية محاولة اغتياله في المسجد بعد صلاة الفجر، والثالثة في يوم الشورى، وسنذكر هذه المحاولات الثلاث من خلال عرض النصوص والوقائع التاريخية في ذلك.

أمّا المحاولة الأولى:

فقد روى الصدوق في الخصال (٤٦٢) بسنده عن زيد بن وهب [ في قضية الاثني عشر الّذين أنكروا على أبي بكر جلوسه في الخلافة وتقدّمه على عليّعليه‌السلام ، حيث إنّ أولئك الاثني عشر ذهبوا إلى عليّعليه‌السلام يستشيرونه في ذلك ]، فقال لهم عليّعليه‌السلام : لو فعلتم ذلك ما كنتم إلاّ حربا لهم ولقد شاورت في ذلك أهل بيتي فأبوا إلاّ السكوت؛ لما تعلمون من وغر صدور القوم وبغضهم لله ولأهل بيت نبيّه، وأنّهم يطالبون بثارات الجاهليّة، والله لو فعلتم ذلك لشهروا سيوفهم مستعدين للحرب والقتال؛ كما فعلوا ذلك حتّى قهروني وغلبوني على نفسي، ولبّبوني وقالوا لي: بايع وإلاّ قتلناك، فلم أجد حيلة إلاّ أن أدفع القوم عن نفسي، وذاك أنّي ذكرت قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عليّ، إنّ القوم نقضوا أمرك واستبدوا بها دونك،

٤٦٥

وعصوني فيك، فعليك بالصبر حتّى ينزل الأمر، وإنّهم سيغدرون بك لا محالة، فلا تجعل لهم سبيلا إلى إذلالك وسفك دمك، فإنّ الأمّة ستغدر بك بعدي، كذلك أخبرني جبرئيل.

وروى السيّد ابن طاوس في كتاب اليقين (٣٣٧) عن أحمد بن محمّد الطبريّ الخليلي، بسنده إلى زيد بن وهب، ورواه الطبريّ في كتاب مناقب أهل البيت، مثله.

وفي كتاب سليم بن قيس ( ٨٤ - ٨٦ ) قال: ثمّ انطلق بعلي يعتل عتلا، حتّى انتهي به إلى أبي بكر، وعمر قائم بالسيف على رأسه، وخالد بن الوليد، وأبو عبيدة بن الجراح، وسالم مولى أبي حذيفة، ومعاذ بن جبل، والمغيرة بن شعبة، وأسيد بن حضير، وبشير بن سعد، وسائر الناس حول أبي بكر عليهم السلاح ولمّا انتهي بعليّعليه‌السلام إلى أبي بكر انتهره عمر، وقال له: بايع ودع عنك هذه الأباطيل، فقال له عليّعليه‌السلام : فإن لم أفعل فما أنتم صانعون؟ قالوا: نقتلك ذلاّ وصغارا، فقال: إذا تقتلون عبد الله وأخا رسوله، قال أبو بكر: أمّا عبد الله فنعم، وأمّا أخو رسول الله فما نقرّ بهذا ...

وفي الشافي ( ج ٣؛ ٢٤٤ ) قال: وروى إبراهيم، عن يحيى بن الحسن، عن عاصم بن عامر، عن نوح بن درّاج، عن داود بن يزيد الأودي، عن أبيه، عن عدي بن حاتم، قال: ما رحمت أحدا رحمتي عليّا حين أتي به ملبّبا، فقيل له: بايع، قال: فإن لم أفعل؟ قالوا: إذا نقتلك، قال: إذا تقتلون عبد الله وأخا رسوله، ثمّ بايع كذا، وضمّ يده اليمنى.

وروى إبراهيم بن عثمان بن أبي شيبة، عن خالد بن مخلّد البجلّي، عن داود بن يزيد الأودي، عن أبيه، عن عدي بن حاتم، قال: إنّي لجالس عند أبي بكر إذ جيء بعليعليه‌السلام ، فقال له أبو بكر: بايع، فقال له عليّعليه‌السلام : فإن لم أفعل؟ فقال: أضرب الذي فيه عيناك، فرفع رأسه إلى السماء ثمّ قال: اللهمّ اشهد، ثمّ مدّ يده.

قال الشريف المرتضى في الشافي ( ج ٣؛ ٢٤٤ - ٢٤٥ ): وقد روي هذا المعنى من طرق مختلفة، وبألفاظ متقاربة المعنى وإن اختلفت ألفاظها، وأنّهعليه‌السلام كان يقول في ذلك اليوم - لمّا أكره على البيعة وحذّر من التقاعد عنها -: يا( ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا

٤٦٦

يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) (١) ، ويردد ذلك ويكرّره، وذكر أكثر ما روي في هذا المعنى يطول فضلا عن ذكر جميعه.

وفي الإمامة والسياسة ( ج ١؛ ٣٠ ) قال: وبقي عمر ومعه قوم، فأخرجوا عليّا فمضوا به إلى أبي بكر، فقالوا له: بايع، فقال: إن أنا لم أفعل فمه؟ قالوا: إذا - والله الّذي لا إله إلاّ هو - نضرب عنقك، فقال: إذا تقتلون عبد الله وأخا رسوله، قال عمر: أما عبد الله فنعم، وأما أخو رسوله فلا، وأبو بكر ساكت لا يتكلم، فقال له عمر: ألا تأمر فيه بأمرك؟! فقال: لا أكرهه على شيء ما كانت فاطمة إلى جنبه، فلحق بقبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يصيح ويبكي وينادي: يا( ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي ) (٢) .

فلا حظ استفهام عمر، فإنّه يشير إلى المؤامرة السابقة بأن يضربوا عنق عليّعليه‌السلام إن لم يبايع، وذلك بعينه ما تقدّم نقله عن الخصال؛ حيث أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاعليه‌السلام بأن لا يجعل لهم سبيلا إلى قتله وسفك دمه، وذلك ما فعله عليّعليه‌السلام .

وانظر - تصريحهم بالتهديد لعليّ بضرب عنقه، وقراءتهعليه‌السلام الآية المباركة - المسترشد في الإمامة (٣٧٨) واليقين (٣٣٧) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ١١٥ ) وتفسير العياشي ( ج ٢؛ ٧٠ ) والاحتجاج (٨٣) وإثبات الوصيّة (١٢٤) وتقريب المعارف (٢٣٧) والتهاب نيران الأحزان ( ٧١ - ٧٢ ) وغيرها من المصادر المصرّحة بذلك من الفريقين من المسلمين.

وقد مرّ خبر الخصال واليقين، وأن عليّاعليه‌السلام كان يعلم بتفاصيل ما يفعلونه، ولكنّه سكت التزاما بوصيّة رسول الله، فلم يكن منه إلاّ الصبر.

وقد صرّح في كثير من المصادر أنّه كان يعلم بذلك، وصبر عليه بوصيّته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل إنّ تلاوة عليّعليه‌السلام للآية المباركة يشير إلى أنّ النبي كان قد أخبره بذلك، كما أنّ هارون كان على وصيّة من موسى، فعصوه؛ ولم يقاتلهم خشية التفريق بين

__________________

(١) الأعراف؛ ١٥٠.

(٢) الأعراف؛ ١٥٠.

٤٦٧

بني إسرائيل، وكذلك فعل عليّعليه‌السلام ؛ التزاما بما قاله له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وأمّا المحاولة الثانية:

فهي المؤامرة الدنيئة الّتي خطط لها أبو بكر وعمر، على أن ينفّذها خالد بن الوليد عند صلاة الفجر في غلس اللّيل - لأنّهم كانوا يغلّسون بالصلاة لأجل أن لا تعرف النساء - وأرادوا أن يضيع دمهعليه‌السلام ، وكان لأسماء بنت عميس الدور المشرّف في الدفاع عن وصي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ففي كتاب سليم بن قيس (٢٥٦) قال ابن عبّاس: ثمّ إنّهم تآمروا وتذاكروا فقالوا: لا يستقيم لنا أمر ما دام هذا الرجل حيّا، فقال أبو بكر: من لنا بقتله؟ فقال عمر: خالد ابن الوليد، فأرسلا إليه، فقالا: يا خالد ما رأيك في أمر نحملك عليه؟ قال: احملاني على ما شئتما، فو الله إن حملتماني على قتل ابن أبي طالب لفعلت، فقالا: والله ما نريد غيره، قال: فإنّي لها، فقال أبو بكر: إذا قمنا في الصلاة - صلاة الفجر - فقم إلى جانبه ومعك السيف، فإذا سلّمت فاضرب عنقه، قال: نعم، فافترقوا على ذلك، ثمّ إنّ أبا بكر تفكّر فيما أمر به من قتل عليّعليه‌السلام ، وعرف أنّه إن فعل ذلك وقعت حرب شديدة وبلاء طويل، فندم على أمره، فلم ينم ليلته تلك، حتّى أتى المسجد وقد أقيمت الصلاة، فتقدّم فصلى بالناس مفكّرا لا يدري ما يقول، وأقبل خالد بن الوليد متقلّدا بالسيف، حتّى قام إلى جانب عليّعليه‌السلام ، وقد فطن عليّ ببعض ذلك، فلمّا فرغ أبو بكر من تشهّده صاح قبل أن يسلّم: « يا خالد لا تفعل ما أمرتك، فإن فعلت قتلتك »، ثمّ سلّم عن يمينه وشماله، فوثب عليّعليه‌السلام فأخذ بتلابيب خالد وانتزع السيف من يده، ثمّ صرعه وجلس على صدره، وأخذ سيفه ليقتله، واجتمع عليه أهل المسجد ليخلّصوا خالدا فما قدروا عليه، فقال العبّاس: حلّفوه بحقّ القبر لما كففت، فحلّفوه بالقبر، فتركه، وقام فانطلق إلى منزله.

وفي إثبات الوصيّة (١٢٤) قال المسعوديّ: وهمّوا بقتل أمير المؤمنين، وتواصوا وتواعدوا بذلك، وأن يتولى قتله خالد بن الوليد، فبعثت أسماء بنت عميس إلى

٤٦٨

أمير المؤمنين بجارية لها، فأخذت بعضادتي الباب ونادت( إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ) (١) ، فخرج مشتملا سيفه، وكان الوعد في قتله أن ينتهي إمامهم من صلاته بالتسليم، فيقوم خالد إليه بسيفه، فأحسّوا بأسهعليه‌السلام ، فقال الإمام قبل أن يسلّم: لا يفعلنّ خالد ما أمرته به.

وفي شرح النهج ( ج ١٣؛ ٣٠١ - ٣٠٢ ) قال ابن أبي الحديد: سألت النقيب أبا جعفر يحيى بن أبي زيد فقلت له: أحقّ ما يقال في حديث خالد؟

فقال: إنّ قوما من العلويّة يذكرون ذلك، ثمّ قال: وقد روي أن رجلا جاء إلى زفر ابن الهذيل صاحب أبي حنيفة، فسأله عما يقول أبو حنيفة في جواز الخروج من الصلاة بأمر غير التسليم؛ نحو الكلام والفعل الكثير أو الحدث؟ فقال: إنّه جائز؛ قد قال أبو بكر في تشهّده ما قال، فقال الرجل: وما الّذي قاله أبو بكر؟ قال: لا عليك، فأعاد عليه السؤال ثانية وثالثة، فقال: أخرجوه، قد كنت أحدّث أنّه من أصحاب أبي خطّاب.

وقد روى السمعاني في الأنساب ٣: ٩٥ في ترجمة الرواجنيّ - عباد بن يعقوب، المتوفى سنة ٢٥٠ ه‍، وهو من شيوخ البخاريّ - أنّه روى حديث أبي بكر، وأنّه قال: لا يفعل خالد ما أمر به. وروى الحادثة العلاّمة العلياريّ في ترجمة سفيان الثوريّ في بهجة الآمال ( ج ٤؛ ٣٨٠ ) ورواها الكشي في اختيار معرفة الرجال ( ج ٢؛ ٦٩٥ ) عن كتاب أبي محمّد جبرئيل بن أحمد الفاريابي بخطه بسنده عن ميمون بن عبد الله، وذلك عن سفيان الثوريّ في ترجمته. وانظر محاولة الاغتيال في المسترشد في الإمامة ( ٤٥٠ - ٤٥٤ ) وتفسير القمّي ( ج ٢؛ ١٥٨ ) والتهاب نيران الأحزان (٩٣) والاحتجاج ( ج ١؛ ٨٩ - ٩٠ ) والخرائج والجرائح ( ج ٢؛ ٧٥٧ / الحديث ٧٥ من الطبعة الجديدة ) وعلل الشرائع ( ١٩٠ - ١٩٢ ).

وقد سكت عليّعليه‌السلام ، عن خالد لوصيّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك، وإخبارهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاعليه‌السلام بأنّ ابن ملجم قاتله لا غير، وقد صرّح بذلك في كثير من المصادر، فمن ذلك ما في الاحتجاج

__________________

(١) القصص؛ ٢٠.

٤٦٩

( ج ١؛ ٩٠ ) حيث قال: فالتفت عليّعليه‌السلام فإذا خالد مشتمل على السيف إلى جانبه، فقال: يا خالد، ما الّذي أمرك به؟ قال: بقتلك يا أمير المؤمنين، قال: أو كنت فاعلا؟ فقال: إي والله لو لا أنّه نهاني لو ضعته في أكثرك شعرا، فقال له عليّعليه‌السلام : كذبت لا أمّ لك، من يفعله أضيق حلقة است منك، أما والّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة، لو لا ما سبق به القضاء لعلمت، أيّ الفريقين شرّ مكانا وأضعف جندا.

وأمّا المحاولة الثالثة:

وهي محاولة قتله فيما يسمّى ب « الشورى »، مع أنّها ليست بشورى، لأنّها كانت ذات قوانين مبتنية على العسف والجور والقوّة، لأن عمر بن الخطّاب جعل الشورى طبق ما دبّره هو لكي تؤول الخلافة إلى عثمان.

قال العلاّمة في نهج الحقّ ( ٢٨٥ - ٢٨٦ ): وجعل الأمر إلى ستّة، ثمّ إلى أربعة، ثمّ إلى واحد وصفه بالضعف والقصور، وقال: إن اجتمع عليّ وعثمان فالقول ما قالاه، وإن صاروا ثلاثة وثلاثة، فالقول للذين فيهم عبد الرحمن بن عوف، وذلك لعلمه بأنّ عليّا وعثمان لا يجتمعان، وأنّ عبد الرحمن بن عوف لا يكاد يعدل بالأمر عن ختنه وابن عمّه، وأنّه أمر بضرب أعناقهم إن تأخّروا عن البيعة فوق ثلاثة أيّام، وأنّه أمر بقتل من يخالف الأربعة منهم، والّذين ليس فيهم عبد الرحمن بن عوف.

وفي الإمامة والسياسة ( ج ١؛ ٤٢ - ٤٣ ) قال ابن قتيبة: ثمّ قال [ أي عمر ]: إن استقام أمر خمسة منكم وخالف واحد فاضربوا عنقه، وإن استقام أربعة واختلف اثنان فاضربوا أعناقهما، وإن استقرّ ثلاثة واختلف ثلاثة فاحتكموا إلى ابني عبد الله، فلأيّ الثلاثة قضى فالخليفة منهم وفيهم، فإن أبى الثلاثة الآخرون ذلك فاضربوا أعناقهم.

وفي رواية الطبريّ ( ج ٥؛ ٣٥ ) وابن الأثير ( ج ٣؛ ٦٧ ) قال: فإن لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر فكونوا مع الّذين فيهم عبد الرحمن بن عوف.

وفي رواية الطبريّ وابن الأثير أيضا: فخرجوا، فقال عليّ لقوم كانوا معه من

٤٧٠

بني هاشم: إن أطيع فيكم قومكم لم تؤمّروا أبدا، وتلقّاه العبّاس، فقال: عدلت عنا، فقال: وما علمك؟ قال: قرن بي عثمان وقال: كونوا مع الأكثر، فإن رضي رجلان رجلا ورجلان رجلا فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف، فسعد لا يخالف ابن عمّه عبد الرحمن، وعبد الرحمن صهر عثمان، لا يختلفون، فيولّيها عبد الرحمن عثمان، أو يولّيها عثمان عبد الرحمن، فلو كان الآخران معي لم ينفعاني ....

وقد مرّ بيان الشورى قبل قليل عند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله « إيّاكم وبيعات الضلالة والشورى للجهالة »، لكنّ المهم هو تهديدهم، بالقتل لمن يخالف الأربعة من أصحاب الشورى، أو الثلاثة الذين ليس فيهم عبد الرحمن بن عوف، فإنّ عمر بن الخطّاب كان يعرف - طبق ما أسلفنا بيانه - أنّ عليّاعليه‌السلام والزبير أو عليّا لوحده هو المخالف قطعا، وكان غرضه أن يعارض عليّعليه‌السلام فيقتل لذلك.

وانظر - أمره بقتل من يخالف الأربعة، أو الثلاثة الذين ليس فيهم ابن عوف - شرح النهج ( ج ١٢؛ ٢٥٦ ) وطبقات ابن سعد ( ج ٣؛ ٦١ - ٦٢ ) وتاريخ اليعقوبي ( ج ٢؛ ١٦٠ ) والفتوح ( ج ١؛ ٣٢٧، ٣٢٨ ) والفخريّ (٩٧).

وإضافة إلى هذه المعادلة الظالمة الّتي جعلها عمر في الشورى، والّتي تؤدي إلى قتل عليّعليه‌السلام إن عارضهم، نرى تصريحات عليّعليه‌السلام بأنّه كان هو المراد من هذه المؤامرة، وأنّها كانت محاولة لقتله.

ففي أمالي المفيد ( ١٥٣ - ١٥٤ ) بسنده عن زيد بن عليّ بن الحسين، يقول: حدّثني أبي، عن أبيهعليهما‌السلام ، قال: سمعت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام يخطب الناس، فقال في خطبته: والله لقد بايع الناس أبا بكر وأنا أولى الناس بهم منّي بقميصي هذا، فكظمت غيظي، وانتظرت أمر ربّي، وألصقت كلكلي بالأرض، ثمّ إن أبا بكر هلك واستخلف عمر، وقد علم والله أنّي أولى الناس بهم منّي بقميصي هذا، فكظمت غيظي، وانتظرت أمر ربّي، ثمّ إنّ عمر هلك وقد جعلها شورى، فجعلني سادس ستّة كسهم الجدّة، وقال: اقتلوا الأقلّ، وما أراد غيري وروى هذا الخبر أبو الصلاح في تقريب المعارف: ٢٤١ قائلا

٤٧١

« وقولهعليه‌السلام المستفيض: بايع والله ».

وفي تاريخ الطبريّ ( ج ٥؛ ٤١ ) قال: فقعد عبد الرحمن مقعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من المنبر، وأقعد عثمان على الدرجة الثانية، فجعل الناس يبايعونه، وتلكّأ عليّعليه‌السلام ، فقال عبد الرحمن:( فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ، وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ) (١) ، فرجع عليّ يشق الناس حتّى بايع وهو يقول: خدعة وأيّما خدعة.

وفي تقريب المعارف (٣٥١) قال: وامتنع عليّعليه‌السلام ، فقال له عبد الرحمن: بايع وإلاّ ضربت عنقك، في تاريخ البلاذريّ وغيره.

ومن طريق آخر: إنّ عليّاعليه‌السلام ، خرج مغضبا، فلحقه أصحاب الشورى، فقالوا له: بايع وإلاّ جاهدناك، فقال له: يا عبد الرحمن خئونة خنت دهرا. ومن طرق أخر عن الطبريّ وغيره: نصعت الخئونة يا بن عوف، ليس هذا أوّل يوم تظاهرتم علينا فيه، فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون، والله ما ولّيت عثمان إلاّ ليردّ الأمر إليك، والله كلّ يوم في شأن، فقال له عبد الرحمن: لا تجعل على نفسك سبيلا، إنّي نظرت وشاورت الناس، فإذا هم لا يعدلون بعثمان.

وقال أبو الصلاح الحلبي في تقريب المعارف (٣٥٣) بعد شرحه لمؤامرة الشورى: ولم يخف ذلك عليهعليه‌السلام ؛ لأنّه قال لابن عبّاس: إنّ القوم قد عادوكم بعد نبيّكم لعداوتهم له في حياته، ألا ترى إلى قول عمر: إن يبايع اثنان لواحد واثنان لواحد فالحقّ حقّ عبد الرحمن واقتلوا الثلاثة الأخر، أما والله ما أراد غيري؛ لأنّه علم أنّ الزبير لا يكون إلاّ في حيّزي، وطلحة لا يفارق الزبير، فلم يبال إذا قتلني والزبير أن يقتل طلحة، أما والله لئن عاش عمره لأعرّفنه سوء رأيه فينا قديما وحديثا، ولئن مات ليجمعني وإيّاه يوم يكون فصل الخطاب.

فهذه هي المحاولات الرئيسية لقتل واغتيال الإمام عليّعليه‌السلام ، أخبر النبي بها عليّاعليه‌السلام

__________________

(١) الفتح؛ ١٠.

٤٧٢

بخصوصها تارة، ومن جملة ما أخبره به من الحوادث تارة أخرى، وقد نجّاه الله منها، إلى أن استشهدعليه‌السلام على يد أشقى الأولين والآخرين.

وفيهم نزلت( بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ ) (١)

جاءت الرواية عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام في تفسير قوله تعالى:( إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ ) (٢) أنّهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة، وهم الثلاثي المشؤوم الذي تحمّل العبء الأكبر من وزر غصب الخلافة، وسحب عليّ إلى البيعة قسرا، لكن المحدّث البحرانيرحمه‌الله في كتابه البرهان ( ج ١؛ ٣٩٦ ) ذكر تفسير هذه الآية( بَيَّتَ طائِفَةٌ ) (٣) في ضمن تفسيره الآية( إِذْ يُبَيِّتُونَ ) (٤) ، ممّا يعني أنّ المراد في الآيتين نفس المبيّتين؛ وهم الثلاثة المذكورون، ويؤيد هذا أنّ المفسرين ذكروا في تفسير قوله( إِذْ يُبَيِّتُونَ ) (٥) انّ المبيتين هم المنافقون، ومن المسلّم المقطوع به في روايات الأئمّةعليهم‌السلام أنّ المذكورين من المنافقين.

وفي الكافي ( ج ٨؛ ٣٣٤ ) بسنده عن سليمان الجعفريّ، قال: سمعت أبا الحسنعليه‌السلام يقول: في قوله الله تبارك وتعالى:( إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ ) (٦) قال: يعني فلانا وفلانا وأبا عبيدة بن الجراح.

وفي تفسير العيّاشي ( ج ١؛ ٣٠١ ) بسنده عن أبي جعفرعليه‌السلام - في قوله( إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ ) (٧) - قال: فلان وفلان وأبو عبيدة بن الجراح.

وفي رواية عمر بن سعيد، عن أبي الحسنعليه‌السلام قال: هما وأبو عبيدة بن الجراح.

__________________

(١) النساء؛ ٨١.

(٢) النساء؛ ١٠٨.

(٣) النساء؛ ٨١.

(٤) النساء؛ ١٠٨.

(٥) النساء؛ ١٠٨.

(٦) النساء؛ ١٠٨.

(٧) النساء؛ ١٠٨.

٤٧٣

وفي رواية عمر بن صالح، قال: الأوّل والثاني وأبو عبيدة بن الجراح. وانظر إرشاد القلوب (٣٣٦) حيث قرأ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله هذه الآية في أصحاب الصحيفة الملعونة.

هذا، وكان أبو عبيدة بن الجراح من أصحاب الصحيفة الملعونة كما سيأتي، وهل بعد هذا النفاق من نفاق، وبعد ذلك التبييت من تبييت؟!

ثمّ يميتك شقيّ هذه الأمّة

أخبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاعليه‌السلام أمام الملأ بأنّ قاتله أشقى البرية وأشقى الناس، وأنّ أشقى الأولين عاقر الناقة، وأشقى الآخرين قاتل عليّعليه‌السلام ، وقد وردت بذلك الروايات المتظافرة الصريحة الصحيحة من طرق الفريقين.

ففي عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ( ج ١؛ ٢٣٠ - ٢٣٢ ) بسنده عن الرضا، عن الكاظم، عن الصادق، عن الباقر، عن السجاد، عن الحسين، عن الإمام عليّعليهم‌السلام ، قال: إنّ رسول الله خطبنا ذات يوم، فقال: أيّها الناس، إنّه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة فقمت فقلت: يا رسول الله، ما أفضل الأعمال في هذا الشهر؟ فقال: يا أبا الحسن أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله، ثمّ بكىصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقلت: يا رسول الله ما يبكيك؟ فقال: يا عليّ، أبكي لما يستحلّ منك في هذا الشهر؛ كأنّي بك وأنت تصلّي لربّك، وقد انبعث أشقى الأوّلين والآخرين، شقيق عاقر ناقة ثمود، فضربك ضربة على قرنك، فخضب منها لحيتك ومثله في أمالي الصدوق ( ٨٤ - ٨٦ ).

وفي كامل الزيارات ( ٢٥٩ - ٢٦٦ ) في خبر طويل رواه السجادعليه‌السلام ، عن عمته زينب بنت عليّعليه‌السلام ، عن أم سلمة، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفيه: ثمّ قال جبرئيل: يا محمّد، إنّ أخاك مضطهد بعدك، مغلوب على أمّتك، متعوب من أعدائك، ثمّ مقتول بعدك، يقتله أشرّ الخلق والخليقة، وأشقى البريّة، نظير عاقر الناقة، ببلد تكون إليه هجرته، وهو مغرس شيعته وشيعة ولده ...

وفي كتاب سليم بن قيس (٢١١) قال أبان: قال سليم: لمّا التقى أمير المؤمنينعليه‌السلام

٤٧٤

وأهل البصرة يوم الجمل، نادىعليه‌السلام الزبير: « يا أبا عبد الله اخرج إليّ »، فقال له أصحابه: يا أمير المؤمنين، تخرج إلى الزبير الناكث بيعته وهو على فرس شاك في السلاح، وأنت على بغلة بلا سلاح؟! فقال عليّعليه‌السلام : إنّ عليّ جبّة واقية، لن يستطيع أحد فرارا من أجله، وإنّي لا أموت، ولا أقتل إلاّ على يدي أشقاها، كما عقر ناقة الله أشقى ثمود.

وفي مجمع البيان ( ج ٥؛ ٤٩٨ - ٤٩٩ ) في تفسير قوله:( إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها ) (١) أي كان تكذيبها حين انبعث أشقى ثمود للعقر والأشقى عاقر الناقة، وهو أشقى الأولين على لسان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد صحّت الرواية بالإسناد عن عثمان بن صهيب، عن أبيه، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام : « من أشقى الأولين »؟ قال: عاقر الناقة، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : صدقت، فمن أشقى الآخرين؟ قال: قلت: لا أعلم يا رسول الله، قال: الّذي يضربك على هذه - وأشار إلى يافوخه -.

وفي كشف الغمّة ( ج ١؛ ٤٢٧ ) قال: قال أبو المؤيد الخوارزمي في كتاب المناقب، يرفعه إلى أبي سنان الدؤلي، أنّه عاد عليّا في شكوى اشتكاها، قال: فقلت له: لقد تخوّفنا عليك يا أمير المؤمنين في شكواك هذه، فقال: لكنّي والله ما تخوفت على نفسي، لأنّي سمعت رسول الله الصادق المصدّق يقول: إنّك ستضرب هاهنا - وأشار إلى صدغيه - فيسيل دمها حتّى تخضب لحيتك، ويكون صاحبها أشقاها، كما كان عاقر الناقة أشقى ثمود.

قال الأربلي: قلت: الضمير في « أشقاها » يعود إلى الأمّة وإن لم يجر لها ذكر، كما قال تعالى:( حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ ) (٢) وكما قال:

حتّى إذا ألقت يدا من كافر

وأجنّ عورات الثغور ظلامها(٣)

ويدلّ عليه « أشقى ثمود »، انتهى.

وتوضيح ذلك أن الضمير في قوله « توارت » راجع إلى الشمس وإن لم تكن مذكورة،

__________________

(١) الشمس؛ ١٢.

(٢) ص؛ ٣٢.

(٣) ديوان لبيد بن ربيعة العامريّ: ١٧٦.

٤٧٥

لأنّه شيء قد عرف، وكذلك الضمير في قول لبيد « ألقت »؛ فإنّه راجع للشمس. وقال الطبرسيرحمه‌الله في مجمع البيان ( ج ٤؛ ٤٧٤ ): « توارت بالحجاب » أي توارت الشمس، ولم يجر لها ذكر؛ لأنّه شيء قد عرف، كقوله سبحانه( إِنَّا أَنْزَلْناهُ ) (١) يعني القرآن، ولم يجر له ذكر، وقوله( كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ ) (٢) يعني الأرض، قال الزّجّاج: في الآية دليل على الشمس؛ وهو قوله:( إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ ) (٣) ، فهو في معنى « عرض عليه بعد زوال الشمس حتّى توارت الشمس بالحجاب »، قال: وليس يجوز الإضمار إلاّ أن يجرى ذكر أو دليل بمنزلة الذكر.

وفي مسند أحمد ( ج ٤؛ ٢٦٣ ) بسنده عن عمّار بن ياسر، قال: كنت أنا وعليّعليه‌السلام رفيقين في غزوة ذات العشيرة، فلمّا نزلها رسول الله وأقام بها، رأينا ناسا من بني مدلج يعملون في عين لهم في نخل، فقال لي عليّعليه‌السلام : يا أبا اليقظان هل لك أن نأتي هؤلاء فننظر كيف يعملون؟ فجئناهم فنظرنا إلى عملهم ساعة، ثمّ غشينا النوم، فانطلقت أنا وعليّعليه‌السلام فاضطجعنا في صور من النخل في دقعاء من التراب، فنمنا، فو الله ما أهبّنا إلاّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يحرّكنا برجله وقد تترّبنا من تلك الدقعاء، فيومئذ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام : يا أبا تراب - لما يرى عليه من التراب - ألا أحدّثكما بأشقى الناس رجلين؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: أحيمر ثمود الّذي عقر الناقة، والّذي يضربك يا عليّ على هذه - يعني قرنه - حتّى تبلّ منه هذه - يعني لحيته -.

وفي شواهد التنزيل ( ج ٢؛ ٤٤٤ ) بسنده عن ابن عبّاس، قال: قال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أشقى الخلق قدار بن قدير عاقر ناقة صالح، وقاتل عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، ثمّ قال ابن عبّاس: ولقد أمطرت السماء يوم قتل عليّ دما يومين متتابعين.

وانظر مجمع البيان ( ج ٥؛ ٤٩٩ ) والتوحيد ( ٣٦٧ - ٣٦٨ ) والعمدة (٢٥) والخرائج والجرائح (١١٥) وإعلام الورى ( ٨٣ - ٨٤ ) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ١؛ ١٤٠ )

__________________

(١) القدر؛ ١.

(٢) الرحمن؛ ٢٦.

(٣) ص؛ ٣١.

٤٧٦

والإرشاد ( ١٣ - ١٤ ) وفرحة الغري ( ١٨ - ١٩ ) والبحار ( ج ٤٢؛ ١٩٥ ) عن كتاب العدد، والدرّ المنثور ( ج ٦؛ ٣٥٧ ) وشواهد التنزيل ( ج ٢؛ ٤٣٤ - ٤٤٤ ) وفيه ثلاثة عشر حديثا في ذلك، والمستدرك للحاكم ( ج ٣؛ ١١٣، ١٤٠ » وخصائص النسائي ( ١٢٩ - ١٣٠ ) وتاريخ دمشق ( ج ٣؛ ٢٧٦ / الحديث ١٣٦١ ) و ( ٢٧٩ / الحديث ١٣٦٥ ) ونزل الأبرار (٦٢) والاستيعاب ( ج ٣؛ ١١٢٥ ) وكنز العمال ( ج ٦؛ ٣٩٩ ) ومجمع الزوائد ( ج ٩؛ ١٣٦ - ١٣٧ ) وأنساب الأشراف ( ج ٢؛ ٤٩٩ / الحديث ٥٤٤ ) ومشكل الآثار للطحاويّ ( ج ١؛ ٣٥١ ) وسنن البيهقي ( ج ٨؛ ٥٨ ) وأسد الغابة ( ج ٤؛ ٣٣ ) وتاريخ بغداد ( ج ١؛ ١٣٥ ) ونور الأبصار (٩٧) والصواعق المحرقة (٨٠) وطبقات ابن سعد ( ج ٣؛ ٣٣ - ٣٥ ) والرياض النضرة ( ج ٢؛ ٢٢٣، ٢٤٨ ) وفتح الباري ( ج ٨؛ ٧٦ ) وتفسير الثعلبي المخطوط في ذيل الآية ١٨٠ من سورة الأعراف، وجواهر العقدين المخطوط / العقد الثاني - الذكر ١٤. وانظر تخريجاته في قادتنا ( ج ٤؛ ٩٨ - ١٠٤ ) وفضائل الخمسة ( ج ٣؛ ٨٢ - ٨٦ ).

هم شركاؤه فيما يفعل

هذا ثابت من أحاديث أهل البيتعليهم‌السلام ، وثابت في الواقع الّذي حصل بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ إذ لو لا الأوّل لما جاء الثاني، ولو لا الثاني لما جاء الثالث، ولو لا الثاني والثالث لما تأمّر معاوية ومن بعده يزيد، ولما ابتلي الإمام عليّعليه‌السلام بانحرافات خطيرة عند المسلمين، فكان الأوّلون هم السبب في شهادتهعليه‌السلام ، وفي جميع المصائب الّتي حلّت بآل محمّد صلوات الله عليهم والمسلمين.

ففي تفسير القمّي ( ج ١؛ ٣٨٣ ) قال عليّ بن إبراهيم في قوله:( لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ) (١) قال: يحملون آثامهم، يعني الذين غصبوا أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وآثام كلّ من اقتدى بهم، وهو قول الصادقعليه‌السلام : والله ما أهريقت

__________________

(١) النحل؛ ٢٥.

٤٧٧

محجمة من دم، ولا قرعت عصا بعصا، ولا غصب فرج حرام، ولا أخذ مال من غير حلّه، إلاّ وزر ذلك في أعناقهما من غير أن ينقص من أوزار العالمين شيء.

وفي رجال الكشي ( ج ٢؛ ٤٦١ ) بسنده عن الورد بن زيد، قال: قلت لابي جعفرعليه‌السلام : جعلني الله فداك، قدم الكميت، فقال: أدخله، فسأله الكميت عن الشيخين؟ فقال له أبو جعفرعليه‌السلام : ما أهرق دم، ولا حكم بحكم غير موافق لحكم الله وحكم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وحكم عليّعليه‌السلام ، إلاّ وهو في أعناقهما، فقال الكميت: الله أكبر، الله أكبر، حسبي، حسبي.

وفي الكافي ( ج ٨؛ ١٠٢ - ١٠٣ ) بسنده عن الكميت بن زيد الأسديّ، قال: دخلت على أبي جعفرعليه‌السلام ، فقال: والله - يا كميت - لو كان عندنا مال لأعطيناك منه، ولكن لك ما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لحسّان بن ثابت: « لن يزال معك روح القدس ما ذببت عنّا » قال: قلت: خبّرني عن الرجلين؟ قال: فأخذ الوسادة فكسرها في صدره، ثمّ قال: والله - يا كميت - ما أهريق محجمة من دم، ولا أخذ مال من غير حلّه، ولا قلب حجر على حجر، إلاّ ذاك في أعناقهما.

وفي الكافي أيضا ( ج ٨؛ ١٠٢ ) بسنده عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله، قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : إنّ الله عزّ وجلّ منّ علينا بأن عرّفنا توحيده، ثمّ منّ علينا بأنّ أقررنا بمحمّد؛ بالرسالة، ثمّ اختصّنا بحبّكم أهل البيت، نتولاّكم ونتبرّأ من عدوكم، وإنّما نريد بذلك خلاص أنفسنا من النار، قال: ورققت فبكيت، فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : سلني، فو الله لا تسألني عن شيء إلاّ أخبرتك به - قال: فقال له عبد الملك بن أعين: ما سمعته قالها لمخلوق قبلك - قال: قلت: خبّرني عن الرجلين؟ قال: ظلمنا حقّنا في كتاب الله عزّ وجلّ، ومنعا فاطمة ميراثها من أبيها، وجرى ظلمهما إلى اليوم، قال - وأشار إلى خلفه -: ونبذا كتاب الله وراء ظهورهما.

وفي الكافي أيضا ( ج ٨؛ ٢٤٥ ) بسنده عن سدير الصيرفي، قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام عنهما، فقال: يا أبا الفضل ما تسألني عنهما!! فو الله، ما مات منّا ميّت قطّ إلاّ ساخطا عليهما، وما منّا اليوم إلاّ ساخط عليهما، يوصي بذلك الكبير منّا الصغير، إنّهما ظلمنا حقّنا، ومنعانا

٤٧٨

فيئنا، وكانا أوّل من ركب أعناقنا، وبثقا علينا بثقا في الإسلام لا يسكّر أبدا حتّى يقوم قائمنا، أو يتكلم متكلمنا، ثمّ قال: والله ما أسّست من بلية، ولا قضيّة تجري علينا أهل البيت، إلاّ هما أسّسا أوّلها، فعليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

وانظر تقريب المعارف ( ٢٣٧ - ٢٥٧ ) ففيه أحاديث كثيرة عن كثير من الأئمّة والصحابة، مفادها أنّ الغاصبين الأوائل كانوا هم السبب فيما يجري على آل محمّد - صلوات الله عليهم - من القتل والاهتضام وسفك دمائهم وتشريدهم، والروايات في ذلك كثيرة جدّا، أورد جلّها العلاّمة المجلسي في المجلد الثامن من بحار الأنوار / باب « كفر الثلاثة ونفاقهم وفضائح أعمالهم وقبائح آثارهم وفضل التبري منهم ولعنهم ».

٤٧٩

٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653