طرف من الأنباء والمناقب

طرف من الأنباء والمناقب0%

طرف من الأنباء والمناقب مؤلف:
المحقق: الشيخ قيس العطّار
الناشر: انتشارات تاسوعاء
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 653

طرف من الأنباء والمناقب

مؤلف: ابو القاسم علی بن موسی بن جعفر بن محمد بن طاووس حلّی (سيد بن طاووس)
المحقق: الشيخ قيس العطّار
الناشر: انتشارات تاسوعاء
تصنيف:

الصفحات: 653
المشاهدات: 202742
تحميل: 5683

توضيحات:

طرف من الأنباء والمناقب
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 653 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 202742 / تحميل: 5683
الحجم الحجم الحجم
طرف من الأنباء والمناقب

طرف من الأنباء والمناقب

مؤلف:
الناشر: انتشارات تاسوعاء
العربية

أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ ) (١) . وفي شواهد التنزيل عدّة أحاديث بعدّة أسانيد، فراجعه ( ج ١؛ ٥٢٦ - ٥٢٩ ) في تفسير الآيات ( ٩٣ - ٩٥ ) من سورة « المؤمنون »، وفيه أيضا ( ج ٢؛ ٢١٦ ) في تفسير الآيتين ( ٤٢، ٤٣ ) من سورة « الزخرف ».

وانظر تفسير فرات ( ٢٧٨ - ٢٨٠ ) ففيه عدّة أحاديث بعدّة أسانيد، وتفسير مجمع البيان ( ج ٩؛ ٤٩ ) في تفسير قوله تعالى:( فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ * أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ ) (٢) ، وإعلام الورى (٨٢) وخصائص الوحي المبين (١٥٢) ومناقب ابن المغازلي ( ٢٧٤ - ٢٧٥ ) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ٢١٩ ) وأمالي الطوسي ( ٥٠٢، ٥٠٣ / الحديثان ١١٠١، ١١٠٢ ) والمسترشد في الإمامة (٢٢٩) والعمدة ( ٣٥٣ - ٣٥٤ ).

وقد صرّح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّ الشيخين هما اللّذان يتركان الناس يضرب بعضهم رقاب بعض، ففي الاحتجاج ( ج ١؛ ٤٢٥ ) عن عبادة بن الصامت في رواية - قدّمنا ذكرها - قال: أنّ النبي قال للشيخين فيها: وكأنّي بكما قد سلبتماه [ يعني عليّاعليه‌السلام ] ملكه، وتحاربتما عليه، وأعانكما على ذلك أعداء الله وأعداء رسوله، وكأنّي بكما قد تركتما المهاجرين والأنصار بعضهم يضرب وجوه بعض بالسيف على الدنيا ....

__________________

(١) المؤمنون؛ ٩٣ - ٩٥.

(٢) الزخرف؛ ٤٢ - ٤٣.

٤٦١

٤٦٢

الطّرفة الثانية والعشرون

روى هذه الطّرفة - عن كتاب الطّرف - العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٢٢؛ ٤٨٨ ).

يا عليّ من شاقّك من نسائي وأصحابي فقد عصاني، ومن عصاني فقد عصى الله، وأنا منهم بريء، فابرأ منهم

يدلّ على هذا المعنى الكثير ممّا مرّ، كقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الطّرفة السادسة « وطاعته طاعة الله ورسوله »، وكقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأصحاب الكساء وفيهم عليّعليه‌السلام : « أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم »، وغيرها من النصوص السالفة، والنصوص كلّها عامّة شاملة لنساء النبي وأصحابه، ويدلّ عليه ما سيأتي من حديث كلاب الحوأب ونهي النبي عائشة عن الخروج وتحذيرها من ذلك.

ونذكر هنا بعض الروايات في ذلك ترسيخا للمطلب، وتثبيتا لما نقلناه؛ فقد روى الصدوق في معاني الأخبار ( ٣٧٢ - ٣٧٣ ) بسنده عن ابن عبّاس في كلام كثير للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال فيه: أيّها الناس، من عصى عليّا فقد عصاني، ومن عصاني فقد عصى الله عزّ وجلّ، ومن أطاع عليّا فقد أطاعني، ومن أطاعني فقد أطاع الله، أيّها الناس من ردّ على عليّ في قول أو فعل فقد ردّ عليّ، ومن ردّ عليّ فقد ردّ على الله فوق عرشه ....

وفي أمالي الصدوق (٢٤٧) بسنده عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام : يا عليّ أنت إمام المسلمين، وأمير المؤمنين، يا عليّ إنّه لمّا عرج بي

٤٦٣

إلى السماء السابعة، ومنها إلى سدرة المنتهى، ومنها إلى حجب النور، وأكرمني ربّي جلّ جلاله بمناجاته، قال لي: يا محمّد، قلت: لبيك ربي وسعديك تباركت وتعاليت، قال: إنّ عليّا إمام أوليائي، ونور لمن أطاعني، وهو الكلمة الّتي الزمتها المتقين، من أطاعه أطاعني ومن عصاه عصاني ....

وفي الاحتجاج (٥٧) بسنده عن الإمام الباقرعليه‌السلام أنّه قال: حجّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من المدينة [ ثمّ روى خبر الغدير، وفيه قول جبرئيل عن الله للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ] فاليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام دينا، بولاية وليّي، ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة، عليّ، عبدي، ووصي نبيّي، والخليفة من بعده، وحجّتي البالغة، من أطاعه فقد أطاعني، ومن عصاه عصاني، جعلته علما بيني وبين خلقي ....

وفي بشارة المصطفى (٢٧٤) بسنده عن يعلى بن مرّة، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: يا عليّ، أنت خير الناس بعدي، وأنت أوّل الناس تصدّرا، من أطاعك فقد أطاعني، ومن أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاك فقد عصاني، ومن عصاني فقد عصى الله ....

وفي تفسير فرات ( ٤٩٩ - ٥٠٠ ) بسنده عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله:( وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ ) (١) قال: الأذن الواعية عليّعليه‌السلام ، وهو حجّة الله على خلقه، من أطاعه أطاع الله، ومن عصاه فقد عصى الله ....

ونضيف هنا ما رواه الديلمي في إرشاد القلوب (٣٣٧) من خبر حذيفة، حيث قال: ثمّ أمرصلى‌الله‌عليه‌وآله خادمة لأم سلمة، فقال اجمعي لي هؤلاء - يعني نساءه - فجمعتهن له في منزل أم سلمة، فقال لهنّ: اسمعن ما أقول لكنّ - وأشار بيده إلى عليّ بن أبي طالب - فقال لهنّ: هذا أخي، ووصيّي، ووارثي، والقائم فيكنّ وفي الأمّة من بعدي، فأطعنه فيما يأمركنّ به، ولا تعصينه فتهلكن لمعصيته ....

وسيأتي ما يتعلق بلعن المضلّين، وأنّ أصحاب الجمل ملعونون على لسان

__________________

(١) الحاقة؛ ١٢.

٤٦٤

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا يدخلون الجنّة حتّى يدخل الجمل في سمّ الخياط، وسيأتي لعن الإمام عليّعليه‌السلام - بوصيّة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - معاوية وأصحابه، وأنّه كان يقنت بذلك ويلعنهم في صلاته، وهذه هي البراءة منهم.

يا عليّ، إنّ القوم يأتمرون بعدي على قتلك، يظلمون ويبيتون على ذلك

أخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاعليه‌السلام بأنّ الأمّة ستغدر به من بعده، وذكر له ما سيكون من أمر أبي بكر وعمر وعثمان، وما سيكون من قتاله للناكثين والقاسطين والمارقين، وأسرّ له أسراره، وأعلمه بما كان وما هو كائن، وأنّه ستخضب لحيته من رأسه بدم عبيط. وقد أخرجنا كلّ ذلك فيما مضى وما سيأتي، وكان من جملة ما أخبره بأنّ القوم يأتمرون على قتله، وقد حصل ذلك بالفعل، فقد كانت هناك - رغم إعمال عليّعليه‌السلام للتقيّة - محاولات لقتله، وبشتى الأساليب، والمحاولات الأساسيّة منها هي ثلاث محاولات: الأولى في بيعة السقيفة واقتحام الدار، والثانية محاولة اغتياله في المسجد بعد صلاة الفجر، والثالثة في يوم الشورى، وسنذكر هذه المحاولات الثلاث من خلال عرض النصوص والوقائع التاريخية في ذلك.

أمّا المحاولة الأولى:

فقد روى الصدوق في الخصال (٤٦٢) بسنده عن زيد بن وهب [ في قضية الاثني عشر الّذين أنكروا على أبي بكر جلوسه في الخلافة وتقدّمه على عليّعليه‌السلام ، حيث إنّ أولئك الاثني عشر ذهبوا إلى عليّعليه‌السلام يستشيرونه في ذلك ]، فقال لهم عليّعليه‌السلام : لو فعلتم ذلك ما كنتم إلاّ حربا لهم ولقد شاورت في ذلك أهل بيتي فأبوا إلاّ السكوت؛ لما تعلمون من وغر صدور القوم وبغضهم لله ولأهل بيت نبيّه، وأنّهم يطالبون بثارات الجاهليّة، والله لو فعلتم ذلك لشهروا سيوفهم مستعدين للحرب والقتال؛ كما فعلوا ذلك حتّى قهروني وغلبوني على نفسي، ولبّبوني وقالوا لي: بايع وإلاّ قتلناك، فلم أجد حيلة إلاّ أن أدفع القوم عن نفسي، وذاك أنّي ذكرت قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عليّ، إنّ القوم نقضوا أمرك واستبدوا بها دونك،

٤٦٥

وعصوني فيك، فعليك بالصبر حتّى ينزل الأمر، وإنّهم سيغدرون بك لا محالة، فلا تجعل لهم سبيلا إلى إذلالك وسفك دمك، فإنّ الأمّة ستغدر بك بعدي، كذلك أخبرني جبرئيل.

وروى السيّد ابن طاوس في كتاب اليقين (٣٣٧) عن أحمد بن محمّد الطبريّ الخليلي، بسنده إلى زيد بن وهب، ورواه الطبريّ في كتاب مناقب أهل البيت، مثله.

وفي كتاب سليم بن قيس ( ٨٤ - ٨٦ ) قال: ثمّ انطلق بعلي يعتل عتلا، حتّى انتهي به إلى أبي بكر، وعمر قائم بالسيف على رأسه، وخالد بن الوليد، وأبو عبيدة بن الجراح، وسالم مولى أبي حذيفة، ومعاذ بن جبل، والمغيرة بن شعبة، وأسيد بن حضير، وبشير بن سعد، وسائر الناس حول أبي بكر عليهم السلاح ولمّا انتهي بعليّعليه‌السلام إلى أبي بكر انتهره عمر، وقال له: بايع ودع عنك هذه الأباطيل، فقال له عليّعليه‌السلام : فإن لم أفعل فما أنتم صانعون؟ قالوا: نقتلك ذلاّ وصغارا، فقال: إذا تقتلون عبد الله وأخا رسوله، قال أبو بكر: أمّا عبد الله فنعم، وأمّا أخو رسول الله فما نقرّ بهذا ...

وفي الشافي ( ج ٣؛ ٢٤٤ ) قال: وروى إبراهيم، عن يحيى بن الحسن، عن عاصم بن عامر، عن نوح بن درّاج، عن داود بن يزيد الأودي، عن أبيه، عن عدي بن حاتم، قال: ما رحمت أحدا رحمتي عليّا حين أتي به ملبّبا، فقيل له: بايع، قال: فإن لم أفعل؟ قالوا: إذا نقتلك، قال: إذا تقتلون عبد الله وأخا رسوله، ثمّ بايع كذا، وضمّ يده اليمنى.

وروى إبراهيم بن عثمان بن أبي شيبة، عن خالد بن مخلّد البجلّي، عن داود بن يزيد الأودي، عن أبيه، عن عدي بن حاتم، قال: إنّي لجالس عند أبي بكر إذ جيء بعليعليه‌السلام ، فقال له أبو بكر: بايع، فقال له عليّعليه‌السلام : فإن لم أفعل؟ فقال: أضرب الذي فيه عيناك، فرفع رأسه إلى السماء ثمّ قال: اللهمّ اشهد، ثمّ مدّ يده.

قال الشريف المرتضى في الشافي ( ج ٣؛ ٢٤٤ - ٢٤٥ ): وقد روي هذا المعنى من طرق مختلفة، وبألفاظ متقاربة المعنى وإن اختلفت ألفاظها، وأنّهعليه‌السلام كان يقول في ذلك اليوم - لمّا أكره على البيعة وحذّر من التقاعد عنها -: يا( ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا

٤٦٦

يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) (١) ، ويردد ذلك ويكرّره، وذكر أكثر ما روي في هذا المعنى يطول فضلا عن ذكر جميعه.

وفي الإمامة والسياسة ( ج ١؛ ٣٠ ) قال: وبقي عمر ومعه قوم، فأخرجوا عليّا فمضوا به إلى أبي بكر، فقالوا له: بايع، فقال: إن أنا لم أفعل فمه؟ قالوا: إذا - والله الّذي لا إله إلاّ هو - نضرب عنقك، فقال: إذا تقتلون عبد الله وأخا رسوله، قال عمر: أما عبد الله فنعم، وأما أخو رسوله فلا، وأبو بكر ساكت لا يتكلم، فقال له عمر: ألا تأمر فيه بأمرك؟! فقال: لا أكرهه على شيء ما كانت فاطمة إلى جنبه، فلحق بقبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يصيح ويبكي وينادي: يا( ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي ) (٢) .

فلا حظ استفهام عمر، فإنّه يشير إلى المؤامرة السابقة بأن يضربوا عنق عليّعليه‌السلام إن لم يبايع، وذلك بعينه ما تقدّم نقله عن الخصال؛ حيث أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاعليه‌السلام بأن لا يجعل لهم سبيلا إلى قتله وسفك دمه، وذلك ما فعله عليّعليه‌السلام .

وانظر - تصريحهم بالتهديد لعليّ بضرب عنقه، وقراءتهعليه‌السلام الآية المباركة - المسترشد في الإمامة (٣٧٨) واليقين (٣٣٧) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ١١٥ ) وتفسير العياشي ( ج ٢؛ ٧٠ ) والاحتجاج (٨٣) وإثبات الوصيّة (١٢٤) وتقريب المعارف (٢٣٧) والتهاب نيران الأحزان ( ٧١ - ٧٢ ) وغيرها من المصادر المصرّحة بذلك من الفريقين من المسلمين.

وقد مرّ خبر الخصال واليقين، وأن عليّاعليه‌السلام كان يعلم بتفاصيل ما يفعلونه، ولكنّه سكت التزاما بوصيّة رسول الله، فلم يكن منه إلاّ الصبر.

وقد صرّح في كثير من المصادر أنّه كان يعلم بذلك، وصبر عليه بوصيّته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل إنّ تلاوة عليّعليه‌السلام للآية المباركة يشير إلى أنّ النبي كان قد أخبره بذلك، كما أنّ هارون كان على وصيّة من موسى، فعصوه؛ ولم يقاتلهم خشية التفريق بين

__________________

(١) الأعراف؛ ١٥٠.

(٢) الأعراف؛ ١٥٠.

٤٦٧

بني إسرائيل، وكذلك فعل عليّعليه‌السلام ؛ التزاما بما قاله له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وأمّا المحاولة الثانية:

فهي المؤامرة الدنيئة الّتي خطط لها أبو بكر وعمر، على أن ينفّذها خالد بن الوليد عند صلاة الفجر في غلس اللّيل - لأنّهم كانوا يغلّسون بالصلاة لأجل أن لا تعرف النساء - وأرادوا أن يضيع دمهعليه‌السلام ، وكان لأسماء بنت عميس الدور المشرّف في الدفاع عن وصي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ففي كتاب سليم بن قيس (٢٥٦) قال ابن عبّاس: ثمّ إنّهم تآمروا وتذاكروا فقالوا: لا يستقيم لنا أمر ما دام هذا الرجل حيّا، فقال أبو بكر: من لنا بقتله؟ فقال عمر: خالد ابن الوليد، فأرسلا إليه، فقالا: يا خالد ما رأيك في أمر نحملك عليه؟ قال: احملاني على ما شئتما، فو الله إن حملتماني على قتل ابن أبي طالب لفعلت، فقالا: والله ما نريد غيره، قال: فإنّي لها، فقال أبو بكر: إذا قمنا في الصلاة - صلاة الفجر - فقم إلى جانبه ومعك السيف، فإذا سلّمت فاضرب عنقه، قال: نعم، فافترقوا على ذلك، ثمّ إنّ أبا بكر تفكّر فيما أمر به من قتل عليّعليه‌السلام ، وعرف أنّه إن فعل ذلك وقعت حرب شديدة وبلاء طويل، فندم على أمره، فلم ينم ليلته تلك، حتّى أتى المسجد وقد أقيمت الصلاة، فتقدّم فصلى بالناس مفكّرا لا يدري ما يقول، وأقبل خالد بن الوليد متقلّدا بالسيف، حتّى قام إلى جانب عليّعليه‌السلام ، وقد فطن عليّ ببعض ذلك، فلمّا فرغ أبو بكر من تشهّده صاح قبل أن يسلّم: « يا خالد لا تفعل ما أمرتك، فإن فعلت قتلتك »، ثمّ سلّم عن يمينه وشماله، فوثب عليّعليه‌السلام فأخذ بتلابيب خالد وانتزع السيف من يده، ثمّ صرعه وجلس على صدره، وأخذ سيفه ليقتله، واجتمع عليه أهل المسجد ليخلّصوا خالدا فما قدروا عليه، فقال العبّاس: حلّفوه بحقّ القبر لما كففت، فحلّفوه بالقبر، فتركه، وقام فانطلق إلى منزله.

وفي إثبات الوصيّة (١٢٤) قال المسعوديّ: وهمّوا بقتل أمير المؤمنين، وتواصوا وتواعدوا بذلك، وأن يتولى قتله خالد بن الوليد، فبعثت أسماء بنت عميس إلى

٤٦٨

أمير المؤمنين بجارية لها، فأخذت بعضادتي الباب ونادت( إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ) (١) ، فخرج مشتملا سيفه، وكان الوعد في قتله أن ينتهي إمامهم من صلاته بالتسليم، فيقوم خالد إليه بسيفه، فأحسّوا بأسهعليه‌السلام ، فقال الإمام قبل أن يسلّم: لا يفعلنّ خالد ما أمرته به.

وفي شرح النهج ( ج ١٣؛ ٣٠١ - ٣٠٢ ) قال ابن أبي الحديد: سألت النقيب أبا جعفر يحيى بن أبي زيد فقلت له: أحقّ ما يقال في حديث خالد؟

فقال: إنّ قوما من العلويّة يذكرون ذلك، ثمّ قال: وقد روي أن رجلا جاء إلى زفر ابن الهذيل صاحب أبي حنيفة، فسأله عما يقول أبو حنيفة في جواز الخروج من الصلاة بأمر غير التسليم؛ نحو الكلام والفعل الكثير أو الحدث؟ فقال: إنّه جائز؛ قد قال أبو بكر في تشهّده ما قال، فقال الرجل: وما الّذي قاله أبو بكر؟ قال: لا عليك، فأعاد عليه السؤال ثانية وثالثة، فقال: أخرجوه، قد كنت أحدّث أنّه من أصحاب أبي خطّاب.

وقد روى السمعاني في الأنساب ٣: ٩٥ في ترجمة الرواجنيّ - عباد بن يعقوب، المتوفى سنة ٢٥٠ ه‍، وهو من شيوخ البخاريّ - أنّه روى حديث أبي بكر، وأنّه قال: لا يفعل خالد ما أمر به. وروى الحادثة العلاّمة العلياريّ في ترجمة سفيان الثوريّ في بهجة الآمال ( ج ٤؛ ٣٨٠ ) ورواها الكشي في اختيار معرفة الرجال ( ج ٢؛ ٦٩٥ ) عن كتاب أبي محمّد جبرئيل بن أحمد الفاريابي بخطه بسنده عن ميمون بن عبد الله، وذلك عن سفيان الثوريّ في ترجمته. وانظر محاولة الاغتيال في المسترشد في الإمامة ( ٤٥٠ - ٤٥٤ ) وتفسير القمّي ( ج ٢؛ ١٥٨ ) والتهاب نيران الأحزان (٩٣) والاحتجاج ( ج ١؛ ٨٩ - ٩٠ ) والخرائج والجرائح ( ج ٢؛ ٧٥٧ / الحديث ٧٥ من الطبعة الجديدة ) وعلل الشرائع ( ١٩٠ - ١٩٢ ).

وقد سكت عليّعليه‌السلام ، عن خالد لوصيّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك، وإخبارهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاعليه‌السلام بأنّ ابن ملجم قاتله لا غير، وقد صرّح بذلك في كثير من المصادر، فمن ذلك ما في الاحتجاج

__________________

(١) القصص؛ ٢٠.

٤٦٩

( ج ١؛ ٩٠ ) حيث قال: فالتفت عليّعليه‌السلام فإذا خالد مشتمل على السيف إلى جانبه، فقال: يا خالد، ما الّذي أمرك به؟ قال: بقتلك يا أمير المؤمنين، قال: أو كنت فاعلا؟ فقال: إي والله لو لا أنّه نهاني لو ضعته في أكثرك شعرا، فقال له عليّعليه‌السلام : كذبت لا أمّ لك، من يفعله أضيق حلقة است منك، أما والّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة، لو لا ما سبق به القضاء لعلمت، أيّ الفريقين شرّ مكانا وأضعف جندا.

وأمّا المحاولة الثالثة:

وهي محاولة قتله فيما يسمّى ب « الشورى »، مع أنّها ليست بشورى، لأنّها كانت ذات قوانين مبتنية على العسف والجور والقوّة، لأن عمر بن الخطّاب جعل الشورى طبق ما دبّره هو لكي تؤول الخلافة إلى عثمان.

قال العلاّمة في نهج الحقّ ( ٢٨٥ - ٢٨٦ ): وجعل الأمر إلى ستّة، ثمّ إلى أربعة، ثمّ إلى واحد وصفه بالضعف والقصور، وقال: إن اجتمع عليّ وعثمان فالقول ما قالاه، وإن صاروا ثلاثة وثلاثة، فالقول للذين فيهم عبد الرحمن بن عوف، وذلك لعلمه بأنّ عليّا وعثمان لا يجتمعان، وأنّ عبد الرحمن بن عوف لا يكاد يعدل بالأمر عن ختنه وابن عمّه، وأنّه أمر بضرب أعناقهم إن تأخّروا عن البيعة فوق ثلاثة أيّام، وأنّه أمر بقتل من يخالف الأربعة منهم، والّذين ليس فيهم عبد الرحمن بن عوف.

وفي الإمامة والسياسة ( ج ١؛ ٤٢ - ٤٣ ) قال ابن قتيبة: ثمّ قال [ أي عمر ]: إن استقام أمر خمسة منكم وخالف واحد فاضربوا عنقه، وإن استقام أربعة واختلف اثنان فاضربوا أعناقهما، وإن استقرّ ثلاثة واختلف ثلاثة فاحتكموا إلى ابني عبد الله، فلأيّ الثلاثة قضى فالخليفة منهم وفيهم، فإن أبى الثلاثة الآخرون ذلك فاضربوا أعناقهم.

وفي رواية الطبريّ ( ج ٥؛ ٣٥ ) وابن الأثير ( ج ٣؛ ٦٧ ) قال: فإن لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر فكونوا مع الّذين فيهم عبد الرحمن بن عوف.

وفي رواية الطبريّ وابن الأثير أيضا: فخرجوا، فقال عليّ لقوم كانوا معه من

٤٧٠

بني هاشم: إن أطيع فيكم قومكم لم تؤمّروا أبدا، وتلقّاه العبّاس، فقال: عدلت عنا، فقال: وما علمك؟ قال: قرن بي عثمان وقال: كونوا مع الأكثر، فإن رضي رجلان رجلا ورجلان رجلا فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف، فسعد لا يخالف ابن عمّه عبد الرحمن، وعبد الرحمن صهر عثمان، لا يختلفون، فيولّيها عبد الرحمن عثمان، أو يولّيها عثمان عبد الرحمن، فلو كان الآخران معي لم ينفعاني ....

وقد مرّ بيان الشورى قبل قليل عند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله « إيّاكم وبيعات الضلالة والشورى للجهالة »، لكنّ المهم هو تهديدهم، بالقتل لمن يخالف الأربعة من أصحاب الشورى، أو الثلاثة الذين ليس فيهم عبد الرحمن بن عوف، فإنّ عمر بن الخطّاب كان يعرف - طبق ما أسلفنا بيانه - أنّ عليّاعليه‌السلام والزبير أو عليّا لوحده هو المخالف قطعا، وكان غرضه أن يعارض عليّعليه‌السلام فيقتل لذلك.

وانظر - أمره بقتل من يخالف الأربعة، أو الثلاثة الذين ليس فيهم ابن عوف - شرح النهج ( ج ١٢؛ ٢٥٦ ) وطبقات ابن سعد ( ج ٣؛ ٦١ - ٦٢ ) وتاريخ اليعقوبي ( ج ٢؛ ١٦٠ ) والفتوح ( ج ١؛ ٣٢٧، ٣٢٨ ) والفخريّ (٩٧).

وإضافة إلى هذه المعادلة الظالمة الّتي جعلها عمر في الشورى، والّتي تؤدي إلى قتل عليّعليه‌السلام إن عارضهم، نرى تصريحات عليّعليه‌السلام بأنّه كان هو المراد من هذه المؤامرة، وأنّها كانت محاولة لقتله.

ففي أمالي المفيد ( ١٥٣ - ١٥٤ ) بسنده عن زيد بن عليّ بن الحسين، يقول: حدّثني أبي، عن أبيهعليهما‌السلام ، قال: سمعت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام يخطب الناس، فقال في خطبته: والله لقد بايع الناس أبا بكر وأنا أولى الناس بهم منّي بقميصي هذا، فكظمت غيظي، وانتظرت أمر ربّي، وألصقت كلكلي بالأرض، ثمّ إن أبا بكر هلك واستخلف عمر، وقد علم والله أنّي أولى الناس بهم منّي بقميصي هذا، فكظمت غيظي، وانتظرت أمر ربّي، ثمّ إنّ عمر هلك وقد جعلها شورى، فجعلني سادس ستّة كسهم الجدّة، وقال: اقتلوا الأقلّ، وما أراد غيري وروى هذا الخبر أبو الصلاح في تقريب المعارف: ٢٤١ قائلا

٤٧١

« وقولهعليه‌السلام المستفيض: بايع والله ».

وفي تاريخ الطبريّ ( ج ٥؛ ٤١ ) قال: فقعد عبد الرحمن مقعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من المنبر، وأقعد عثمان على الدرجة الثانية، فجعل الناس يبايعونه، وتلكّأ عليّعليه‌السلام ، فقال عبد الرحمن:( فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ، وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ) (١) ، فرجع عليّ يشق الناس حتّى بايع وهو يقول: خدعة وأيّما خدعة.

وفي تقريب المعارف (٣٥١) قال: وامتنع عليّعليه‌السلام ، فقال له عبد الرحمن: بايع وإلاّ ضربت عنقك، في تاريخ البلاذريّ وغيره.

ومن طريق آخر: إنّ عليّاعليه‌السلام ، خرج مغضبا، فلحقه أصحاب الشورى، فقالوا له: بايع وإلاّ جاهدناك، فقال له: يا عبد الرحمن خئونة خنت دهرا. ومن طرق أخر عن الطبريّ وغيره: نصعت الخئونة يا بن عوف، ليس هذا أوّل يوم تظاهرتم علينا فيه، فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون، والله ما ولّيت عثمان إلاّ ليردّ الأمر إليك، والله كلّ يوم في شأن، فقال له عبد الرحمن: لا تجعل على نفسك سبيلا، إنّي نظرت وشاورت الناس، فإذا هم لا يعدلون بعثمان.

وقال أبو الصلاح الحلبي في تقريب المعارف (٣٥٣) بعد شرحه لمؤامرة الشورى: ولم يخف ذلك عليهعليه‌السلام ؛ لأنّه قال لابن عبّاس: إنّ القوم قد عادوكم بعد نبيّكم لعداوتهم له في حياته، ألا ترى إلى قول عمر: إن يبايع اثنان لواحد واثنان لواحد فالحقّ حقّ عبد الرحمن واقتلوا الثلاثة الأخر، أما والله ما أراد غيري؛ لأنّه علم أنّ الزبير لا يكون إلاّ في حيّزي، وطلحة لا يفارق الزبير، فلم يبال إذا قتلني والزبير أن يقتل طلحة، أما والله لئن عاش عمره لأعرّفنه سوء رأيه فينا قديما وحديثا، ولئن مات ليجمعني وإيّاه يوم يكون فصل الخطاب.

فهذه هي المحاولات الرئيسية لقتل واغتيال الإمام عليّعليه‌السلام ، أخبر النبي بها عليّاعليه‌السلام

__________________

(١) الفتح؛ ١٠.

٤٧٢

بخصوصها تارة، ومن جملة ما أخبره به من الحوادث تارة أخرى، وقد نجّاه الله منها، إلى أن استشهدعليه‌السلام على يد أشقى الأولين والآخرين.

وفيهم نزلت( بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ ) (١)

جاءت الرواية عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام في تفسير قوله تعالى:( إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ ) (٢) أنّهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة، وهم الثلاثي المشؤوم الذي تحمّل العبء الأكبر من وزر غصب الخلافة، وسحب عليّ إلى البيعة قسرا، لكن المحدّث البحرانيرحمه‌الله في كتابه البرهان ( ج ١؛ ٣٩٦ ) ذكر تفسير هذه الآية( بَيَّتَ طائِفَةٌ ) (٣) في ضمن تفسيره الآية( إِذْ يُبَيِّتُونَ ) (٤) ، ممّا يعني أنّ المراد في الآيتين نفس المبيّتين؛ وهم الثلاثة المذكورون، ويؤيد هذا أنّ المفسرين ذكروا في تفسير قوله( إِذْ يُبَيِّتُونَ ) (٥) انّ المبيتين هم المنافقون، ومن المسلّم المقطوع به في روايات الأئمّةعليهم‌السلام أنّ المذكورين من المنافقين.

وفي الكافي ( ج ٨؛ ٣٣٤ ) بسنده عن سليمان الجعفريّ، قال: سمعت أبا الحسنعليه‌السلام يقول: في قوله الله تبارك وتعالى:( إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ ) (٦) قال: يعني فلانا وفلانا وأبا عبيدة بن الجراح.

وفي تفسير العيّاشي ( ج ١؛ ٣٠١ ) بسنده عن أبي جعفرعليه‌السلام - في قوله( إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ ) (٧) - قال: فلان وفلان وأبو عبيدة بن الجراح.

وفي رواية عمر بن سعيد، عن أبي الحسنعليه‌السلام قال: هما وأبو عبيدة بن الجراح.

__________________

(١) النساء؛ ٨١.

(٢) النساء؛ ١٠٨.

(٣) النساء؛ ٨١.

(٤) النساء؛ ١٠٨.

(٥) النساء؛ ١٠٨.

(٦) النساء؛ ١٠٨.

(٧) النساء؛ ١٠٨.

٤٧٣

وفي رواية عمر بن صالح، قال: الأوّل والثاني وأبو عبيدة بن الجراح. وانظر إرشاد القلوب (٣٣٦) حيث قرأ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله هذه الآية في أصحاب الصحيفة الملعونة.

هذا، وكان أبو عبيدة بن الجراح من أصحاب الصحيفة الملعونة كما سيأتي، وهل بعد هذا النفاق من نفاق، وبعد ذلك التبييت من تبييت؟!

ثمّ يميتك شقيّ هذه الأمّة

أخبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاعليه‌السلام أمام الملأ بأنّ قاتله أشقى البرية وأشقى الناس، وأنّ أشقى الأولين عاقر الناقة، وأشقى الآخرين قاتل عليّعليه‌السلام ، وقد وردت بذلك الروايات المتظافرة الصريحة الصحيحة من طرق الفريقين.

ففي عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ( ج ١؛ ٢٣٠ - ٢٣٢ ) بسنده عن الرضا، عن الكاظم، عن الصادق، عن الباقر، عن السجاد، عن الحسين، عن الإمام عليّعليهم‌السلام ، قال: إنّ رسول الله خطبنا ذات يوم، فقال: أيّها الناس، إنّه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة فقمت فقلت: يا رسول الله، ما أفضل الأعمال في هذا الشهر؟ فقال: يا أبا الحسن أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله، ثمّ بكىصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقلت: يا رسول الله ما يبكيك؟ فقال: يا عليّ، أبكي لما يستحلّ منك في هذا الشهر؛ كأنّي بك وأنت تصلّي لربّك، وقد انبعث أشقى الأوّلين والآخرين، شقيق عاقر ناقة ثمود، فضربك ضربة على قرنك، فخضب منها لحيتك ومثله في أمالي الصدوق ( ٨٤ - ٨٦ ).

وفي كامل الزيارات ( ٢٥٩ - ٢٦٦ ) في خبر طويل رواه السجادعليه‌السلام ، عن عمته زينب بنت عليّعليه‌السلام ، عن أم سلمة، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفيه: ثمّ قال جبرئيل: يا محمّد، إنّ أخاك مضطهد بعدك، مغلوب على أمّتك، متعوب من أعدائك، ثمّ مقتول بعدك، يقتله أشرّ الخلق والخليقة، وأشقى البريّة، نظير عاقر الناقة، ببلد تكون إليه هجرته، وهو مغرس شيعته وشيعة ولده ...

وفي كتاب سليم بن قيس (٢١١) قال أبان: قال سليم: لمّا التقى أمير المؤمنينعليه‌السلام

٤٧٤

وأهل البصرة يوم الجمل، نادىعليه‌السلام الزبير: « يا أبا عبد الله اخرج إليّ »، فقال له أصحابه: يا أمير المؤمنين، تخرج إلى الزبير الناكث بيعته وهو على فرس شاك في السلاح، وأنت على بغلة بلا سلاح؟! فقال عليّعليه‌السلام : إنّ عليّ جبّة واقية، لن يستطيع أحد فرارا من أجله، وإنّي لا أموت، ولا أقتل إلاّ على يدي أشقاها، كما عقر ناقة الله أشقى ثمود.

وفي مجمع البيان ( ج ٥؛ ٤٩٨ - ٤٩٩ ) في تفسير قوله:( إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها ) (١) أي كان تكذيبها حين انبعث أشقى ثمود للعقر والأشقى عاقر الناقة، وهو أشقى الأولين على لسان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد صحّت الرواية بالإسناد عن عثمان بن صهيب، عن أبيه، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام : « من أشقى الأولين »؟ قال: عاقر الناقة، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : صدقت، فمن أشقى الآخرين؟ قال: قلت: لا أعلم يا رسول الله، قال: الّذي يضربك على هذه - وأشار إلى يافوخه -.

وفي كشف الغمّة ( ج ١؛ ٤٢٧ ) قال: قال أبو المؤيد الخوارزمي في كتاب المناقب، يرفعه إلى أبي سنان الدؤلي، أنّه عاد عليّا في شكوى اشتكاها، قال: فقلت له: لقد تخوّفنا عليك يا أمير المؤمنين في شكواك هذه، فقال: لكنّي والله ما تخوفت على نفسي، لأنّي سمعت رسول الله الصادق المصدّق يقول: إنّك ستضرب هاهنا - وأشار إلى صدغيه - فيسيل دمها حتّى تخضب لحيتك، ويكون صاحبها أشقاها، كما كان عاقر الناقة أشقى ثمود.

قال الأربلي: قلت: الضمير في « أشقاها » يعود إلى الأمّة وإن لم يجر لها ذكر، كما قال تعالى:( حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ ) (٢) وكما قال:

حتّى إذا ألقت يدا من كافر

وأجنّ عورات الثغور ظلامها(٣)

ويدلّ عليه « أشقى ثمود »، انتهى.

وتوضيح ذلك أن الضمير في قوله « توارت » راجع إلى الشمس وإن لم تكن مذكورة،

__________________

(١) الشمس؛ ١٢.

(٢) ص؛ ٣٢.

(٣) ديوان لبيد بن ربيعة العامريّ: ١٧٦.

٤٧٥

لأنّه شيء قد عرف، وكذلك الضمير في قول لبيد « ألقت »؛ فإنّه راجع للشمس. وقال الطبرسيرحمه‌الله في مجمع البيان ( ج ٤؛ ٤٧٤ ): « توارت بالحجاب » أي توارت الشمس، ولم يجر لها ذكر؛ لأنّه شيء قد عرف، كقوله سبحانه( إِنَّا أَنْزَلْناهُ ) (١) يعني القرآن، ولم يجر له ذكر، وقوله( كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ ) (٢) يعني الأرض، قال الزّجّاج: في الآية دليل على الشمس؛ وهو قوله:( إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ ) (٣) ، فهو في معنى « عرض عليه بعد زوال الشمس حتّى توارت الشمس بالحجاب »، قال: وليس يجوز الإضمار إلاّ أن يجرى ذكر أو دليل بمنزلة الذكر.

وفي مسند أحمد ( ج ٤؛ ٢٦٣ ) بسنده عن عمّار بن ياسر، قال: كنت أنا وعليّعليه‌السلام رفيقين في غزوة ذات العشيرة، فلمّا نزلها رسول الله وأقام بها، رأينا ناسا من بني مدلج يعملون في عين لهم في نخل، فقال لي عليّعليه‌السلام : يا أبا اليقظان هل لك أن نأتي هؤلاء فننظر كيف يعملون؟ فجئناهم فنظرنا إلى عملهم ساعة، ثمّ غشينا النوم، فانطلقت أنا وعليّعليه‌السلام فاضطجعنا في صور من النخل في دقعاء من التراب، فنمنا، فو الله ما أهبّنا إلاّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يحرّكنا برجله وقد تترّبنا من تلك الدقعاء، فيومئذ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام : يا أبا تراب - لما يرى عليه من التراب - ألا أحدّثكما بأشقى الناس رجلين؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: أحيمر ثمود الّذي عقر الناقة، والّذي يضربك يا عليّ على هذه - يعني قرنه - حتّى تبلّ منه هذه - يعني لحيته -.

وفي شواهد التنزيل ( ج ٢؛ ٤٤٤ ) بسنده عن ابن عبّاس، قال: قال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أشقى الخلق قدار بن قدير عاقر ناقة صالح، وقاتل عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، ثمّ قال ابن عبّاس: ولقد أمطرت السماء يوم قتل عليّ دما يومين متتابعين.

وانظر مجمع البيان ( ج ٥؛ ٤٩٩ ) والتوحيد ( ٣٦٧ - ٣٦٨ ) والعمدة (٢٥) والخرائج والجرائح (١١٥) وإعلام الورى ( ٨٣ - ٨٤ ) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ١؛ ١٤٠ )

__________________

(١) القدر؛ ١.

(٢) الرحمن؛ ٢٦.

(٣) ص؛ ٣١.

٤٧٦

والإرشاد ( ١٣ - ١٤ ) وفرحة الغري ( ١٨ - ١٩ ) والبحار ( ج ٤٢؛ ١٩٥ ) عن كتاب العدد، والدرّ المنثور ( ج ٦؛ ٣٥٧ ) وشواهد التنزيل ( ج ٢؛ ٤٣٤ - ٤٤٤ ) وفيه ثلاثة عشر حديثا في ذلك، والمستدرك للحاكم ( ج ٣؛ ١١٣، ١٤٠ » وخصائص النسائي ( ١٢٩ - ١٣٠ ) وتاريخ دمشق ( ج ٣؛ ٢٧٦ / الحديث ١٣٦١ ) و ( ٢٧٩ / الحديث ١٣٦٥ ) ونزل الأبرار (٦٢) والاستيعاب ( ج ٣؛ ١١٢٥ ) وكنز العمال ( ج ٦؛ ٣٩٩ ) ومجمع الزوائد ( ج ٩؛ ١٣٦ - ١٣٧ ) وأنساب الأشراف ( ج ٢؛ ٤٩٩ / الحديث ٥٤٤ ) ومشكل الآثار للطحاويّ ( ج ١؛ ٣٥١ ) وسنن البيهقي ( ج ٨؛ ٥٨ ) وأسد الغابة ( ج ٤؛ ٣٣ ) وتاريخ بغداد ( ج ١؛ ١٣٥ ) ونور الأبصار (٩٧) والصواعق المحرقة (٨٠) وطبقات ابن سعد ( ج ٣؛ ٣٣ - ٣٥ ) والرياض النضرة ( ج ٢؛ ٢٢٣، ٢٤٨ ) وفتح الباري ( ج ٨؛ ٧٦ ) وتفسير الثعلبي المخطوط في ذيل الآية ١٨٠ من سورة الأعراف، وجواهر العقدين المخطوط / العقد الثاني - الذكر ١٤. وانظر تخريجاته في قادتنا ( ج ٤؛ ٩٨ - ١٠٤ ) وفضائل الخمسة ( ج ٣؛ ٨٢ - ٨٦ ).

هم شركاؤه فيما يفعل

هذا ثابت من أحاديث أهل البيتعليهم‌السلام ، وثابت في الواقع الّذي حصل بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ إذ لو لا الأوّل لما جاء الثاني، ولو لا الثاني لما جاء الثالث، ولو لا الثاني والثالث لما تأمّر معاوية ومن بعده يزيد، ولما ابتلي الإمام عليّعليه‌السلام بانحرافات خطيرة عند المسلمين، فكان الأوّلون هم السبب في شهادتهعليه‌السلام ، وفي جميع المصائب الّتي حلّت بآل محمّد صلوات الله عليهم والمسلمين.

ففي تفسير القمّي ( ج ١؛ ٣٨٣ ) قال عليّ بن إبراهيم في قوله:( لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ) (١) قال: يحملون آثامهم، يعني الذين غصبوا أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وآثام كلّ من اقتدى بهم، وهو قول الصادقعليه‌السلام : والله ما أهريقت

__________________

(١) النحل؛ ٢٥.

٤٧٧

محجمة من دم، ولا قرعت عصا بعصا، ولا غصب فرج حرام، ولا أخذ مال من غير حلّه، إلاّ وزر ذلك في أعناقهما من غير أن ينقص من أوزار العالمين شيء.

وفي رجال الكشي ( ج ٢؛ ٤٦١ ) بسنده عن الورد بن زيد، قال: قلت لابي جعفرعليه‌السلام : جعلني الله فداك، قدم الكميت، فقال: أدخله، فسأله الكميت عن الشيخين؟ فقال له أبو جعفرعليه‌السلام : ما أهرق دم، ولا حكم بحكم غير موافق لحكم الله وحكم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وحكم عليّعليه‌السلام ، إلاّ وهو في أعناقهما، فقال الكميت: الله أكبر، الله أكبر، حسبي، حسبي.

وفي الكافي ( ج ٨؛ ١٠٢ - ١٠٣ ) بسنده عن الكميت بن زيد الأسديّ، قال: دخلت على أبي جعفرعليه‌السلام ، فقال: والله - يا كميت - لو كان عندنا مال لأعطيناك منه، ولكن لك ما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لحسّان بن ثابت: « لن يزال معك روح القدس ما ذببت عنّا » قال: قلت: خبّرني عن الرجلين؟ قال: فأخذ الوسادة فكسرها في صدره، ثمّ قال: والله - يا كميت - ما أهريق محجمة من دم، ولا أخذ مال من غير حلّه، ولا قلب حجر على حجر، إلاّ ذاك في أعناقهما.

وفي الكافي أيضا ( ج ٨؛ ١٠٢ ) بسنده عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله، قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : إنّ الله عزّ وجلّ منّ علينا بأن عرّفنا توحيده، ثمّ منّ علينا بأنّ أقررنا بمحمّد؛ بالرسالة، ثمّ اختصّنا بحبّكم أهل البيت، نتولاّكم ونتبرّأ من عدوكم، وإنّما نريد بذلك خلاص أنفسنا من النار، قال: ورققت فبكيت، فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : سلني، فو الله لا تسألني عن شيء إلاّ أخبرتك به - قال: فقال له عبد الملك بن أعين: ما سمعته قالها لمخلوق قبلك - قال: قلت: خبّرني عن الرجلين؟ قال: ظلمنا حقّنا في كتاب الله عزّ وجلّ، ومنعا فاطمة ميراثها من أبيها، وجرى ظلمهما إلى اليوم، قال - وأشار إلى خلفه -: ونبذا كتاب الله وراء ظهورهما.

وفي الكافي أيضا ( ج ٨؛ ٢٤٥ ) بسنده عن سدير الصيرفي، قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام عنهما، فقال: يا أبا الفضل ما تسألني عنهما!! فو الله، ما مات منّا ميّت قطّ إلاّ ساخطا عليهما، وما منّا اليوم إلاّ ساخط عليهما، يوصي بذلك الكبير منّا الصغير، إنّهما ظلمنا حقّنا، ومنعانا

٤٧٨

فيئنا، وكانا أوّل من ركب أعناقنا، وبثقا علينا بثقا في الإسلام لا يسكّر أبدا حتّى يقوم قائمنا، أو يتكلم متكلمنا، ثمّ قال: والله ما أسّست من بلية، ولا قضيّة تجري علينا أهل البيت، إلاّ هما أسّسا أوّلها، فعليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

وانظر تقريب المعارف ( ٢٣٧ - ٢٥٧ ) ففيه أحاديث كثيرة عن كثير من الأئمّة والصحابة، مفادها أنّ الغاصبين الأوائل كانوا هم السبب فيما يجري على آل محمّد - صلوات الله عليهم - من القتل والاهتضام وسفك دمائهم وتشريدهم، والروايات في ذلك كثيرة جدّا، أورد جلّها العلاّمة المجلسي في المجلد الثامن من بحار الأنوار / باب « كفر الثلاثة ونفاقهم وفضائح أعمالهم وقبائح آثارهم وفضل التبري منهم ولعنهم ».

٤٧٩

٤٨٠