طرف من الأنباء والمناقب

طرف من الأنباء والمناقب9%

طرف من الأنباء والمناقب مؤلف:
المحقق: الشيخ قيس العطّار
الناشر: انتشارات تاسوعاء
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 653

طرف من الأنباء والمناقب
  • البداية
  • السابق
  • 653 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 210699 / تحميل: 6560
الحجم الحجم الحجم
طرف من الأنباء والمناقب

طرف من الأنباء والمناقب

مؤلف:
الناشر: انتشارات تاسوعاء
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

ثُمّ إنّ القرآن في الأصل مصدر نحو رجحان ، قال سبحانه :( إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ ) .(١)

قال ابن عبّاس : إذا جمعناه وأثبتناه في صدرك فاعمل به

وقد خُصّ بالكتاب المُنزَّل على نبيِّنا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فصار له كالعَلَم ، كما أنّ التوراة لمّا أُنزل على موسىعليه‌السلام ، والإنجيل لمّا أُنزل على عيسىعليه‌السلام

قال بعض العلماء : تسمية هذا الكتاب قُرآناً من بين كتب اللّه ، لكونه جامعاً لثَمرَة كُتبِه ، بل لجمعه ثَمرَة جميع العلوم ، كما أشار تعالى إليه بقوله :( وَتَفصيلاً لكلِّ شيء ) .(٢)

وعلى هذا ، فالقرآن مِن قَرَأَ بمعنى : جمع ، ولكن يُحتمل أن يكون بمعنى القراءة ، كما في قوله سبحانه : ( وَقُرآنَ الفَجْر ) (٣) ، أي : قراءته

الحلف بالكتاب :

حلف سبحانه بالكتاب مرَّتين وقال :

١ ـ( حم * والكتابِ المُبِين * إِنّا أَنْزَلْناهُ في لَيْلَةٍ مُبارَكةٍ إِنّا كُنّا مُنْذِرين ) (٤)

٢ ـ( حم * وَالكتابِ المُبِين * إِنّا جَعَلْناهُ قُرآناً عَرَبياً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون ) (٥)

ــــــــــــــــ

(١) القيامة : ١٧ـ ١٨

(٢) الأنعام : ١٥٤

(٣) الإسراء : ٧٨

(٤) الدخان : ١ـ٣

(٥) الزخرف : ١ـ٣

٦١

فالمُقسَم به هو الكتاب ، والمُقسَم عليه في الآية الأولى قوله :( إِنّا أنْزَلْناهُ في لَيْلَة مُباركة ) ، والصِلة بينهما واضحة ، حيث يحلف بالكتاب على أنّه مُنزَّل من جانبه سبحانه في ليلة مباركة

كما أنّ المُقسَم به في الآية الثانية هو الكتاب المبين ، والمُقسَم عليه هو الحلف على أنّه سبحانه جعله قرآناً عربيّاً للتعقّل ، والصِلة بينهما واضحة

ووُصف الكتاب بالمُبين دون غيره ؛ لاَنّ الغاية من نزول الكتاب هو إنذارهم وتعقّلهم ، كما جاء في الآيتين ، حيث قال :( إِنّا كُنّا مُنذرين ) ، وقال :( لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون ) ، وهذا النوع من الغاية ، أي : الإنذار والتعقّل ، يطلب لنفسه أن يكون الكتاب واضحاً مفهوماً ، لا مجهولاً ومعقداً

والكتاب في الأصل مصدر ، ثُمّ سُمّي المكتوب فيه كتاباً

إلى هنا تمّ الحلف بالقرآن والكتاب

بقي هنا الكلام في عظمة المُقسَم به

ويكفي في ذلك أنّه فعله سبحانه ، حيث أنزله لهداية الناس وإنقاذهم من الضلالة

وقد تكلّم غير واحد من المُفكّرين الغربيّين حول عظمة القرآن ، والأحرى بنا أن نرجع إلى نفس القرآن ونَستنطِقه حتى يُبدي رأيه في حقِّ نفسه

أ ـ القرآن نور ينير الطريق لطلاّب السعادة ، قال سبحانه :( قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِين ) (١)

ب ـ إنّه هدى للمُتَّقين ، قال سبحانه : ( هُدىً لِلْمُتَّقين ) (٢) فهو وإن كان هدى لعامّة الناس ، إلاّ أنّه لا يستفيد منه إلاّ المُتَّقون ؛ ولذلك خصَّهم بالذِكر

ــــــــــــــــ

(١) المائدة : ١٥

(٢) البقرة : ٢

٦٢

ج ـ هو الهادي إلى الشريعة الأقوَم ، قال سبحانه :( إِنَّ هذا القُرآنَ يَهدِي لِلَّتي هِي أَقْوم ) (١)

د ـ الغاية من إنزاله قيام الناس بالقِسط ، قال سبحانه :( وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النّاسُ بِالقِسْطِ ) .(٢)

هـ ـ لا يتطرَّق إليه الاختلاف في فصاحته وبلاغته ، ولا في مضامينه ولا محتواه ، قال سبحانه :( وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيرِ اللّهِ لوَجَدُوا فِيهِ اختلافاً كَثِيراً ) (٣)

و ـ يحثّ الناس إلى التدبُّر والتفكّر فيه :( كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُباركٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ ) (٤)

ز ـ تبيان لكلّ شيء :( وَنَزلْنا عَليْكَ الكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيء ) (٥)

ح ـ نذير للعالمين :( تَبارَكَ الَّذي نَزَّل الفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً ) (٦)

ط ـ فيه أحسن القَصص :( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القَصَص ) (٧)

ــــــــــــــــ

(١) الإسراء : ٩

(٢) الحديد : ٢٥

(٣) النساء : ٨٢

(٤) ص : ٢٩

(٥) النحل : ٨٩

(٦) الفرقان : ١

(٧) يوسف : ٣

٦٣

ي ـ ضُرب فيه للناس من كلِّ مَثل :( وَلَقَدْ صَرَّفْنا في هذا الْقُرآنِ لِلنّاسِ من كُلِّ مَثَل ) (١)

هذه نماذج من الآيات الّتي تصف القرآن ببعض الأوصاف

وللنبي والأئمّة المعصومين كلمات قيِّمة حول التعريف بالقرآن ، ننقل شذرات منها :

قام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطيباً ، فقال :( أيّها الناس ، إنّكم في دار هُدنة ، وأنتم على ظَهرِ سفر ، والسير بكم سريع ، وقد رأيتم الليل والنهار والشمس والقمر يُبليان كلّ جديد ، ويُقرّبان كلّ بعيد ، ويأتيان بكلّ موعود ، فأعدّوا الجهاز لبُعد المُجاز )

فقام المُقداد بن الأسود وقال : يا رسول اللّه ، و ما دار الهُدنة ؟

قال : ( دار بلاغٍ وانقطاعٍ .

فإذا التبست عليكم الفِتن كقطع اللّيل المُظلِم ، فعليكم بالقرآن ، فإنّه شافِع مُشفَّع وماحِل مُصدَّق ، ومَن جعله أَمامَه قادَه إلى الجنّة ، ومَن جعله خلفه ساقه إلى النار

وهو الدليل ، يدلُّ على خير سبيل ، وهو كتاب فيه تفصيل وبيان وتحصيل ، وهو الفَصل ليس بالهَزل ، وله ظَهْر وبَطْن ، فظاهره حكم وباطنه عِلم ، ظاهره أنيق وباطنه عَميق ، له نجوم وعلى نجومه نجوم ، لا تُحصى عجائبه ولا تبلَى غرائبه ، فيه مصابيح الهدى ومنار الحكمة ، ودليل على المعرفة لمَن عرف الصِفة

فليَجل جال بَصَره ، وليبلغ الصِفة نظره ، ينج مَن عطب ، ويتخلَّص مَن نشب ، فإنّ التَفكُّر حياة قلبِ البصير ، كما يمشي المُستنير في الظلمات بالنور ، فعليكم بحُسنِ التخلّص وقلَّة التربّص ) (٢)

ــــــــــــــــ

(١) الكهف : ٥٤

(٢) الكافي : ٢/٥٩٩ ، كتاب فضل القرآن

٦٤

وقال الإمام علي أمير المؤمنينعليه‌السلام في وصف القرآن :

( ثُمّ أنزلَ عليه الكتاب نوراً لا تطفأ مصابيحه ، وسراجاً لا يخبُو توقُّده ،وبحراً لا يُدرك قعرُه ، فهو ينابيع العلم وبحوره ، وبحر لا يَنزِفه المُستنزفون ، وعيون لا يُنضِبُها الماتِحُون ، ومناهل لا يَغيضُها الواردون ) (١)

إلى غير ذلك من الخُطب والكلم حول التعريف بالقرآن ، الواردة عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام

ــــــــــــــــ

(١) نهج البلاغة : الخطبة ١٩٨

٦٥

الفصل الخامس : القَسَمُ بالعَصْر

حلف سبحانه بالعصر مرّةً واحدة ، دون أن يقرنه بمُقسَمٍ به آخر ، وقال :( وَالعَصْر * إِنّ الإنْسانَ لَفي خُسْر ) (١)

تفسير الآيات :

العَصْر يُطلق ويراد منه تارة : الدَهر ، وجَمْعه عصور

وأُخرى : العَشيّ مقابل الغداة ، يُقال : العصران : الغداة والعشي ، والعصران : الليل والنهار ، كالقمرين للشمس و القمر

وثالثة : بمعنى الضَغْط ، فيكون مصدر عَصَرْتُ ، والمَعصور الشيء العصر ، والعُصارة نفاية ما يُعصَر ، قال سبحانه :( أَراني أَعْصِرُ خَمراً ) (٢) ، وقال :( وفيهِ يَعْصِرُون ) (٣) ، وقال :( وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجّاجاً ) (٤) أي : السُّحُب الّتي تعتصرُ بالمَطَر

ورابعة : بمعنى ما يُثير الغبار ، قال سبحانه :( فَأَصابَها إعصار ) (٥) .(٦)

والمُراد من الآية أحد المَعنيين الأوّليين :

الأوّل : الدَهر والزمان

الثاني : العَصْر مقابل الغداة

ولا يناسب المعنى الثالث ، أعني : الضغط ، ولا الرابع ، كما هو واضح

ــــــــــــــــ

(١) العصر : ١ـ٢

(٢) يوسف : ٣٦

(٣) يوسف : ٤٩

(٤) النبأ : ١٤

(٥) البقرة : ٢٦٦

(٦) مفردات القرآن : مادّة عصر ، و مجمَع البيان : ٥/٥٣٥

٦٦

وإليك بيان المَعنَيين الأوّلين

١ ـ العَصْر : الدَهْر . وإنّما حلف به ؛ لأنّ فيه عبرة لذوي الأبصار من جهة مرور الليل والنهار

وقد نُسب ذلك القول إلى ابن عبّاس ، والكلبي ، والجبائي

قال الزَمخشري : وأقسَمَ بالزمان ؛ لما في مروره من أصناف العجائب(١)

ولعلّ المُراد من الدهر والزمان اللّذين يُفسِّرون بهما العصر هو تاريخ البشريّة ؛ وذلك لأنّه سبحانه جعل المُقسَم عليه كون الإنسان لفي خسر إلاّ طائفة خاصّة ، ومن المعلوم أنّ خسران الإنسان أنّه هو مِن تصرّم عُمْره ، ومضي حياته من دون أن ينتفع بأغلى رأس مالٍ وقع في يده

وقد نقل الرازي هنا حكاية طريفة ، نأتي بنصِّها :

قال : وعن بعضِ السَلَف ، تعلّمتُ معنى السورة من بائع الثلج ، كان يصيح ويقول : ارحموا مَن يذوب رأس ماله ، ارحموا مَن يذوب رأس ماله ، فقلت : هذا معنى أنّ الإنسان لفي خُسْر ؛ يمرّ به العصر فيمضي عمره ولا يكتسب ، فإذا هو خاسر(٢)

٢ ـ العصر : أحدُ طَرفَي النهار . وأقسم بالعَصر كما أَقسم بالضُحى ، وقال :( والضحى * واللَّيل إذا سَجى ) (٣) ، كما أقسم بالصبح وقال :( والصُّبح إِذا أَسفَر ) (١)

وإنّما أقسَمَ بالعَصرِ لأهمّيّته ، إذ هو في وقت من النهار يحدث فيه تغيير في نظام المَعيشة وحياة البشر ، فالأعمال اليوميّة تنتهي ، والطيور تعود إلى أوكارها ، وتبدأ الشمس بالميل نحو الغروب ، ويستولي الظلام على السماء ، ويخلد الإنسان إلى الراحة

ــــــــــــــــ

(١) الكشّاف : ٣/٣٥٧

(٢) تفسير الفخر الرازي : ٣٢/٨٥

(٣) الضحى : ١ـ٢

٦٧

وهناك قولان آخران :

أ ـ المرادُ عَصْر الرسول ذلك لما تضمَّنته الآيتان التاليتان من شمول الخسران للعالم الإنساني ، إلاّ لمَن اتَّبع الحقّ وصبر عليه ، وهم المؤمنون الصالحون عملاً ، وهذا يؤكّد على أن يكون المراد من العصر عصر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو عصر بزوغ نجم الإسلام في المجتمع البشري ، وظهور الحقّ على الباطل

ب ـ المراد به وقت العصر وهو المروي عن مقاتل ، وإنّما أقسَمَ بها ، لفضلها ، بدليل قوله :( حافِظُوا عَلى الصَّلواتِ وَالصَّلاةِ الوُسْطى ) (٢) ، كما قيل أنّ المراد من قوله تعالى :( تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللّهِ ) (٣) هو صلاة العصر

أضف إلى ذلك ، أنّ صلاة العصر يحصل بها ختم طاعات النهار ، فهي كالتوبةِ تُختَم بها الأعمال.

ولا يخفى أنّ القول الأخير في غاية الضعف ؛ إذ لا صِلة بين القَسَم بصلاة العصر والمُقسَم عليه ، أعني :( الإنْسان لفي خُسر ) ، على أنّه لو كان المُقسَم به هو صلاة العصر ، لماذا اكتفى بالمضاف إليه وحذف المضاف ، مع عدم توفُّر قرينة عليه ؟! ومنه يظهر حال الوجه المُتقدّم عليه

والظاهر أنّ الوجه الأوّل هو الأقوى ؛ حيث أنّ الحلف بالزمان وتاريخ البشرية يتناسب مع الجواب ، أي : خسران الإنسان في الحياة ، كما سيوافيك بيانه

ــــــــــــــــ

(١) المُدّثّر : ٣٤

(٢) البقرة : ٢٣٨

(٣) المائدة : ١٠٦

٦٨

وأمّا المُقسَم عليه ، فهو قوله سبحانه :( إِنَّ الإنسانَ لَفي خُسْر ) ، والمراد من الخسران هو : مضيّ أثمَن شيء لديه وهو عمره ، فالإنسانُ في كلّ لحظة يفقد رأس ماله ، بنحوٍ لا يُعوَّض بشيء أبداً ، وهذه هي سُنَّة الحياة الدنيويّة ، حيث ينصرم عمره ووجوده بالتدريج ، كما تنصرم طاقاته إلى أن يهرم ويموت ، فأيُّ خسران أعظم من ذلك ؟!

وأمّا الصِلة بين المُقسَم به والمُقسَم عليه فأوضح من أن يخفى ؛ لاَنّ حقيقة الزمان حقيقة مُتصرّمة غير قارة ، فهي تنقضي شيئاً فشيئاً ، وهكذا الحال في عمر الإنسان ، فيخسر وينقص رأس ماله بالتدريج

ثُمّ أنّه سبحانه استثنى من الخسران مَن آمن وعمل صالحاً ، وتواصى بالحقِّ وتواصى بالصبر

ووجه الاستثناء واضح ؛ لأنّه بدَّلّ رأس ماله بشيء أغلى وأثمَن ، يستطيع أن يقوم مقام عمره المُنقضي ، فهو بإيمانه وعمله الصالح اشترى حياة دائمة ، حافلة برضوانه سبحانه ونِعمه المادِّية والمعنويّة

يقول سبحانه :( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) (١)

ــــــــــــــــ

(١) التوبة : ١١١

٦٩

الفصل السادس : القَسَم بالنَجْم

وردتْ كلمة النجم في القرآن الكريم أربع مرّات في أربع سور(١) ، وحلف به مرَّة واحدة وقال :( وَالنَّجمِ إِذا هَوى * ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى * وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهوى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى ) (٢) ، وهي من السور المكِّية

تفسير الآيات :

النَجْمُ في اللغة : الكوكب الطالِع ، وجمعه نُجوم ، فالنجوم مرّة اسم كالقلوب والجيوب ، ومرّة مصدر كالطلوع والغروب

وأمّا ( هوى ) في قوله :( إِذا هَوى ) ، فيُطلق تارة على ميل النفس إلى الشهوة ، وأُخرى على السقوط من علوٍ إلى سفل

ولكنّ تفسيره بسقوط النجم وغروبه لا يُساعده اللفظ ، وإنّما المُراد هو ميله

وسيوافيك وجه الحلف بالنجم إذا هوى ، أي : إذا مالَ

ثُمّ إنّ المراد من النجم أحد الأمرين :

أ ـ أمّا مُطلَق النجم ، فيشمل كافّة النجوم الّتي هي من آيات عظمة اللّه سبحانه ، ولها أسرار ورموز يعجز الذهن البشري عن الإحاطة بها

ــــــــــــــــ

(١) وهي : النحل : ١٦ ، النجم : ١ ، الرحمن : ٦ ، الطارق : ٣

(٢) النجم : ١ـ٤

٧٠

ب ـ المراد هو نجم الشِعْرَى ، الّذي جاء في نفس السورة ، قال سبحانه :( وَانَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعرى ) (١)

ونظيره القول بأنّ المراد هو الثُريّا ، وهي مجموعة من سبعة نجوم ، ستَّة منها واضحة وواحد خافت النور ، وبه تُختبر قوَّة البَصَرِ

وربّما فُسّر بالقرآن الّذي نزل على قلب رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طيلة ٢٣ سنة ؛ لنزوله نجوماً(٢) ، لكنّ لفظ الآية لا يُساعد على هذا المعنى ، فاللّه سبحانه إمّا أن يحلف بعامّة النجوم ، أو بنجم خاصِّ يهتدي به السائر

ويدلّ على ذلك أنّه قيَّد القَسَم بوقت هويِّه ، ولعلّ الوجه هو أنّ النجم إذا كان في وسط السماء يكون بعيداً عن الأرضِ لا يهتدي به الساري ، لأنّه لا يعلم به المشرق من المغرب ولا الجنوب من الشمال ، فإذا زال ، تبيَّن بزواله جانب المغرب من المشرق(٣)

وأمّا المُقسَم عليه ، فهو قوله سبحانه :( ما ضَلَّ صاحِبكُمْ وَما غوى * وما ينطق عن الهَوى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحيٌ يُوحى )

جمع سبحانه هناك بين الضلال والغَيِّ فنفاهما عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والقرآنُ يستعمل الضلالة في مقابل الهدى ، يقول سبحانه :( يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذا اهْتَدَيْتُمْ ) (٤)

ــــــــــــــــ

(١) النجم : ٤٩

(٢) انظر الميزان : ١٩/٢٧ ، مجمع البيان : ٥/١٧٢

(٣) تفسير الفخر الرازي : ٢٨/٢٧٩

(٤) المائدة : ١٠٥

٧١

كما يستعمل الغَيّ في مقابل الرُشد ، يقول سبحانه :( وَإِنْ يَرَوا سَبيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخذوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوا سَبيلَ الغَىِّ يَتَّخِذُوهُ سَبيلاً ) (١)

والمُهمُّ بيان الفرق بين الضلالةِ والغواية ، فنقول :

ذكرَ الرازي : أنّ الضلال أن لا يجد السالك إلى مقصَده طريقاً أصلاً ، والغِواية أن لا يكون له طريق مُستقيم إلى المقصَد يدلّك على هذا أنّك تقول للمؤمن الّذي ليس على طريق السَداد : إنّه سَفيه غير رشيد ، ولا تقول إنّه ضالّ ، والضالّ كالكافر ، والغاوي كالفاسق(٢)

وإلى ذلك يرجع ما يقول الراغب : الغيّ جهلٌ من اعتقادٍ فاسد ، وذلك أنّ الجهل قد يكون من كون الإنسان غير معتقد اعتقاداً لا صالحاً ولا فاسداً ، وقد يكون من اعتقاد شيء ، وهذا النحو الثاني يُقال له : غَيّ(٣)

وعلى هذا ، فالآية بصَدَد بيان نفي الضلالة والغَي عن النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وردّ كلّ نوع من أنواع الانحراف والجهل والضلال والخطأ عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ليردّ به التُهم المُوجّهة إليه من جانب أعدائه

وأمّا بيان الصِلة بين المُقسَم به والمُقسَم عليه فواضح ، لما ذكرنا من أنّ النجم عند الهوى والميل يهتدي به الساري ، كما أنّ النبي يهتدي به الناس ، أي : بقوله وفعله وتقريره

فكما أنّه لا خطأ في هداية النجم لأنّها هداية تكوينيّة ، وهكذا لا خطأ في هداية الوحي المُوحى إليه ، ولذلك قال :( إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى )

ــــــــــــــــ

(١) الأعراف : ١٤٦

(٢) تفسير الفخر الرازي : ٢٨/٢٨٠

(٣) مفردات الراغب : ٣٦٩

٧٢

الفصل السابع : القسم بمواقع النجوم

حَلَفَ سبحانه وتعالى في سورة الواقعة بمواقع النجوم وقال :( فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُوم * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظيم * إِنَّهُ لَقُرآنٌ كَرِيم * فِي كِتابٍ مَكْنُون * لا يَمَسُّهُ إِلاّ المُطَهَّرُون ) (١)

تفسير الآيات :

المُراد من مواقع النجوم مساقِطها حيث تغيب

قال الراغب : الوقوع : ثبوت الشيء وسقوطه ، يُقال : وقع الطائر وقوعاً ، وعلى ذلك يراد منه مطالِعها ومَغاربها ، يقال : مواقع الغَيث أي : مَساقِطه(٢)

ويدلُّ على أنّ المراد هو مطالع النجوم ومغاربها ، أنّ اللّه سبحانه يُقسِم بالنجوم وطلوعها وجَريها وغروبها ، إذ فيها وفي حالاتها الثلاث آية وعبرة ودلالة ، كما في قوله تعالى :( فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الجَوارِ الكُنَّس ) (٣) ، وقال :( وَالنَّجْم إِذا هَوى ) ، وقال :( فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِب )

ــــــــــــــــ

(١) الواقعة : ٧٥ـ ٧٩

(٢) مفردات الراغب : ٥٣٠ ، مادَّة وَقَعَ

(٣) التكوير : ١٥ـ ١٦ .

٧٣

ويرجح هذا القول أيضاً : أنّ النجوم حيث وقعت في القرآن ، فالمراد منها الكواكب ، كقوله تعالى :( وَإدْبار النُّجوم ) (١) ، وقوله :( وَالشَّمْسُ وَالْقَمرُ وَالنُّجُوم ) (٢)

وأمّا المُقسَم عليه : فهو قوله سبحانه :( إِنَّهُ لَقُرآنٌ كَريم * في كِتابٍ مَكْنُون * لا يَمَسُّهُ إِلاّ الْمُطَّهَرُون )

وصفَ القرآن بصفاتٍ أربع :

أ ـ ( لقُرآنٌ كَريم ) والكريم هو البَهيّ الكثير الخير العظيم النفع ، وهو من كلّ شيء أحسنه وأفضله ، فاللّه سبحانه كريم ، وفعله ـ أعني القرآن ـ مثله

وقال الأزهري : الكريم : اسم جامع لما يُحمَد ، فاللّه كريم يُحمَد فِعاله ، والقرآن كريم يُحمَد ؛ لما فيه من الهدى والبيان والعلم والحكمة

ب ـ( في كتابٍ مَكنُون ) ولعلّ المراد منه هو اللوح المحفوظ ، بشهادة قوله :( بَلْ هُوَ قُرآنٌ مَجيد * في لَوحٍ مَحْفُوظ ) (٣) ويُحتمَل أن يكون المراد الكتاب الّذي بأيدي الملائكة ، قال سبحانه :( في صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرةٍ * بِأَيدِي سَفَرَةٍ * كِرامٍ بَررَةٍ ) (٤)

ج ـ( لا يَمَسُّه إِلاّ المُطهَّرون ) فلو رجع الضمير إلى قوله :( لقُرآنٌ كَريم ) ، كما هو المتبادَر ، لأنّ الآيات بصَدَد وصفه وبيان منزلته ، فلا يمسّ المصحف إلاّ طاهر ، فيكون الإخبار بمعنى الإنشاء ، كما في قوله سبحانه :( وَالمُطلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوء ) (٥)

ــــــــــــــــ

(١) الطور : ٤٩

(٢) الحجّ : ١٨

(٣) البروج : ٢١ ـ ٢٢

(٤) عبس : ١٣ ـ ١٦

(٥) البقرة : ٢٢٨

٧٤

ولو قيل برجوع الضمير إلى ( كتابٍ مَكنُون ) ، فيكون المعنى لا يمسّ الكتاب المَكنون إلاّ المطهَّرون

وربّما يُؤيَّد هذا الوجه بأنّ الآية سيقت تنزيهاً للقرآن من أن ينزل به الشياطين ، وأنّ محلّه لا يصل إليه ، فلا يمسّه إلاّ المطهّرون ، فيستحيل على أخابثِ خلق اللّه وأنجسِهم أن يصلوا إليه أو يَمسُّوه ، قال تعالى :( وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطين * وَما يَنْبَغي لَهُمْ وَما يَسْتَطيعُون ) (١)

د ـ( تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمين ) وهذا هو الّذي يُركِّز عليه القرآن في مواقف مختلفة ، وأنّه كتاب اللّه وليس من صنع البشر

وأمّا الصِلة بين القَسَمِ والمُقسَم به فهو واضح ؛ فلاَنّ النجوم بمواقعها ـ أي طلوعها وغروبها ـ يهتدي بها البشر في ظلمات البرِّ والبحر ، فالقرآن الكريم كذلك ، يهتدي به الإنسان في ظلمات الجهل والغَي ، فالنجوم مصابيح حسّية في عالم المادَّة ، كما أنّ آيات القرآن مصابيح معنويَّة في عالم المُجرَّدات

إكمال :

إنّه سبحانه قال :( فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُوم ) ، فالمراد منه القَسَم بلا شكّ ، بشهادة أنّه قال بعده :( وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظيم ) ، فلو كان معنى الآية هو نفي القَسَم ، فلا يُناسب ما بعده ؛ حيث يصفه بأنّه حلف عظيم

وقد اختلف المفسِّرون في هذه الآيات ونظائرها إلى أقوال :

١ ـ ( لا ) زائدة ، مثلها قوله سبحانه :( لئلاّ يَعْلَم )

٢ ـ أصلها ( لأُقسِمُ ) بلام التأكيد ، فلمّا أُشبعَت فتحتها صارت ( لا ) كما في الوقف

٣ ـ ( لا ) نافية ، بمعنى نفي المعنى الموجود في ذهن المُخاطَب ، ثُمّ الابتداء بالقَسَمِ ، كما نقول : لا واللّه ، لا صحَّة لقول الكفّار ، أُقسِم عليه

ــــــــــــــــ

(١) الشعراء : ٢١٠ـ٢١١

٧٥

ثُمّ إنّه سبحانه يصف هذا القَسَم بكونه عظيماً ، كما في قوله :( وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ) ، فقوله : ( عظيم ) وصف ( القَسَم ) ، أُخِّر لحفظِ فواصل الآيات

وهذا القَسَم هو القَسَم الوحيد الّذي وصفه سبحانه بأنّه عظيم

فالحديث هنا هو حديث على الأبعاد ، أبعاد النجوم عنّا وعن بعضها البعض ، في مجرّتنا وفي كلّ المَجرّات

ولأنّها كلّها تتحرَّك ، فإنّ الحديث عن مواقعها يصير أيضاً حديثاً على مداراتها ، وحركاتها الأُخرى العديدة ، وسرعاتها ، وعلى علاقاتها بالنجوم الأُخرى ، وعلى القوى العظيمة والحسابات المُعقَّدة الّتي وضعت كلّ نجم في موقعه الخاصّ به ، وحفظته في علاقات متوازنة دقيقة مُحكمَة ، فهي لا يعتريها الاضطراب ، ولا تتغيَّر سُنَنها وقوانينها ، وهي لا تسير خَبطَ عَشواء ، أو في مساراتٍ متقاطعةٍ أو متعارضة ، بل هي تسير كلّها بتساوق وتناغم ، وانسجام وانتظام تامّين دائمين ، آيات على قدرة القادر سبحانه(١)

يقول الفلكيُّون : إنّ من هذه النجوم والكواكب ـ الّتي تزيد على عدَّة بلايين نجم ـ ما يمكن روَيته بالعين المُجرَّدة ، وما لا يُرى إلاّ بالمجاهر والأجهزة ، وما يمكن أن تَحسَّ به الأجهزة دون أن تراه

هذه كلّها تسبحُ في الفلك الغامض ، ولا يوجد أيّ احتمال أن يقترب مجال مغناطيسي لنجمٍ من مجال نجمٍ آخر ، أو يصطدم كوكب بآخر ، إلاّ كما يُحتمَل تصادم مركب في البحر الأبيض المتوسّط بآخر في المحيط الهادي ، يسيران في اتّجاه واحد وبسرعة واحدة ، وهو احتمال بعيد ، وبعيداً جداً ، إن لم يكن مستحيلاً(٢)

ــــــــــــــــ

(١) أسرار الكون في القرآن : ١٩٢

(٢) اللّه والعلم الحديث : ٢٤

٧٦

الفصل الثامن : القَسَمُ بالسماءِ ذات الحُبُك

حَلَفَ سبحانه في سورة الذاريات بأُمورٍ خمسة ، وجعل للأربعة الأُوَل جواباً خاصّاً ، كما جعل للخامس من الأقسام جواباً آخر ، وبما أنّ المُقسَم عليه مُتعدِّد ؛ فصلنا القَسَم الخامس عن الأقسام الأربعة ، وعقدنا له فصلاً في ضمن فصول القَسَمِ المُفرَد

قال سبحانه :( وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا * فَالْحَامِلاتِ وِقْرًا * فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا * فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا * إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ * وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ ) (١)

ترى أنّه ذكر للأقسام الأربعة جواباً خاصاً ، أعني قوله :( إِنّما تُوعَدُون لَصادِق * وانّ الدِّين لواقِع )

ثُمّ شرع بحلفٍ آخر ، وقال :( وَالسَّماءِ ذات الحُبُكِ * إِنَّكُم لَفِي قَولٍ مُختَلِف ) (٢)

فهناك قَسَم خامس وهو : ( والسماء ذات الحُبُك ) ، وله جواب خاصّ لا يمتّ لجواب الأقسام الأربعة ، وهو قوله :( إِنَّكُمْ لَفي قولٍ مختلِف )

ــــــــــــــــ

(١) الذاريات : ١ـ ٦

(٢) الذاريات : ٧ـ ٨

٧٧

تفسير الآيات :

الحُبُك : جمع الحِباك ، كالكتب جمع كتاب ، تُستعمَل تارة في الطرائق ، كالطرائق الّتي تُرى في السماء ، وأُخرى في الشَعْرِ المجعد ، وثالثة في حُسن أثرِ الصنعة في الشيء واستوائه

قال الراغب :( والسَّماء ذات الحُبُك ) أي : ذات الطرائق ، فمن الناس مَن تصوّر منها الطرائق المحسوسة بالنجوم والمجرّة

ولعلّ المراد منه هو المعنى الأوّل ، أي : السماء ذات الطرائق المختلفة ، ويؤيّده جواب القَسَم ، وهو اختلاف الناس وتشتُّت طرائقهم ، كما في قوله :( إنّكم لفي قولٍ مختلِف )

وربّما يحتمل أنّ المراد هو المعنى الثالث ، أي : أُقسم بالسماء ذات الحُسنِ والزينة ، نظير قوله تعالى :( إِنّا زَيَّنا السَّماءَ الدُّنيا بزِينةٍ الكَواكِب ) .(١)

ولكنّه لا يناسبه الجواب ، إذ لا يصحّ أن يحلفَ حالِف بالأمواج الجميلة الّتي ترتَسِم بالسُحب أو بالمجرّات العظيمة ، الّتي تبدو كأنّها تجاعيد الشَعْرِ على صفحة السماء ، ثُمّ يقول :( إِنّكم لفي قولٍ مختلِف ) ، أي : إنّكم متناقضون في الكلام

وعلى كلّ حال ، فالمُقسَم عليه هو : التركيز على أنّهم متناقضون في الكلام ، فتارة ينسبون عقائدهم إلى آبائهم وأسلافهم ، فينكرون المعاد ، وأُخرى يستبعدون إحياء الموتى بعد صيرورتهم عظاماً رميم ، وثالثة يرفضون القرآن والدعوة النبويّة ويصفونه بأنّه قول شاعر ، أو ساحر ، أو مجنون ، أو ممّا علّمه بشر ، أو هي من أساطير الأوَّلين

وهذا الاختلاف دليل على بطلان ادّعائكم ، إذ لا تعتمدون على دليلٍ خاصّ ، فانّ تناقض المُدَّعي في كلامه أقوى دليل على بطلانه ونفاقه

ــــــــــــــــ

(١) الصافّات : ٦

٧٨

ثُمّ إنّه سبحانه يقول : إنّ الإعراض عن الإيمان بالمعاد ليس أمراً مختصَّاً بشخصٍ أو بطائفة ، بل هو شيمة كلّ مُخالِف للحقِّ يقول :( يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ ) . (١)

والأفْك : الصَرف ، والضمير في ( عنه ) يرجع إلى الكتاب ، من حيث اشتماله على وعد البأس والجزاء ، أي : يُصرَف عن القرآن من صُرف وخالفَ الحقّ

وأمّا الصِلة بين المُقسَم به والمُقسَم عليه فقد ظهر ممّا ذكرنا ؛ لما عرفتَ من أنّ معنى الحُبُك هو الطرائق المختلفة المتنوِّعة ، فناسب أن يحلفَ به سبحانه على اختلافهم وتشتّت آرائهم ، في إنكارهم نبوّة النبي ورسالته ، والكتاب الّذي أُنزل معه ، والمعاد الّذي يدعو إليه

ــــــــــــــــ

(١) الذاريات : ٩

٧٩

القسم الثاني : القَسَم المُتَعدِّد

وفيه فصول :

الفصل الأوّل : القَسَم في سورة الصافّات

حلف سبحانه بالملائكة في السور الأربع التالية :

١ ـ الصافّات ، ٢ ـ الذاريات ، ٣ ـ المُرسلات ، ٤ ـ النازعات

وليس المُقسَم به هو لفظ المَلَكِ أو الملائكة ، وإنّما هو الصِفات البارزة للملائكة ، وأفعالها ، وإليك الآيات :

١ ـ( وَالصّافاتِ صَفّاً * فَالزّاجراتِ زَجْراً * فَالتّالياتِ ذِكراً *إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحد ) .(١)

٢ ـ( والذّارِياتِ ذَرْواً * فَالحامِلاتِ وِقْراً * فَالجارِياتِ يُسراً * فَالمُقَسِّماتِ أَمْراً * إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادق * وَانَّ الدِّين لواقع ) (٢)

٣ ـ( وَالْمُرسَلات عُرفاً * فَالعاصِفاتِ عَصْفاً * وَالنّاشراتِ نَشْراً * فالفارِقات فَرقاً * فالمُلقِياتِ ذِكراً * عُذراً أَو نُذراً * إنّما تُوعَدُونَ لَواقِع ) (٣)

ــــــــــــــــ

(١) الصافّات : ١ـ٤

(٢) الذاريات : ١ـ٦

(٣) المُرسَلات : ١ـ٧

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

الطّرفة الثالثة والعشرون

روى هذه الطّرفة - عن كتاب الطّرف - العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٢٢؛ ٤٨٨ ) والعلاّمة البياضي في الصراط المستقيم ( ج ٣؛ ١٦٩ ) باختصار.

وتخرج فلانة عليك في عساكر الحديد

في إرشاد القلوب (٣٣٧) في خبر حذيفة بن اليمان، قال: ثمّ أمرصلى‌الله‌عليه‌وآله خادمة لأم سلمة، فقال لها: اجمعي لي هؤلاء - يعني نساءه - فجمعتهنّ له في منزل أم سلمة، فقال لهنّ: اسمعن ما أقول لكنّ - وأشار بيده إلى عليّ بن أبي طالب - فقال لهن: هذا أخي، ووصيّي، ووارثي، والقائم فيكنّ وفي الأمّة من بعدي، فأطعنه فيما يأمركنّ به، ولا تعصينه فتهلكن لمعصيته.

ثمّ قال: يا عليّ أوصيك بهنّ، فأمسكهنّ ما أطعن الله وأطعنك، وأنفق عليهنّ من مالك، وأمرهنّ بأمرك، وانههنّ عمّا يريبك، وخلّ سبيلهن إن عصينك.

فقال عليّعليه‌السلام : يا رسول الله، إنّهنّ نساء، وفيهنّ الوهن وضعف الرأي، فقال: أرفق بهنّ ما كان الرفق أمثل، فمن عصاك منهنّ فطلّقها طلاقا يبرأ الله ورسوله منها.

قال: كلّ نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قد صمتن فما يقلن شيئا، فتكلّمت عائشة، فقالت: يا رسول الله ما كنّا لتأمرنا بشيء فنخالفه إلى ما سواه.

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله لها: بلى، قد خالفت أمري أشدّ الخلاف [ في إفشائها ما أسرّه النبي إليها ]، وأيم الله لتخالفين قولي هذا، ولتعصينه بعدي، ولتخرجين من البيت الّذي أخلّفك فيه،

٤٨١

متبرّجة، قد حفّ بك فئات من الناس، فتخالفينه ظالمة له، عاصية لربّك، ولتنبحنّك في طريقك كلاب الحوأب، ألا إنّ ذلك كائن، ثمّ قال: قمن فانصرفن إلى منازلكنّ، فقمن فانصرفن.

وفي كمال الدين ( ج ١؛ ٢٧ ) بسنده عن عبد الله بن مسعود، قال: قلت للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا رسول الله من يغسّلك إذا متّ؟ قال: يغسّل كلّ نبي وصيّه، قلت: فمن وصيّك يا رسول الله؟ قال: عليّ بن أبي طالب، قلت: كم يعيش بعدك يا رسول الله؟ قال: ثلاثين سنة؛ فإنّ يوشع بن نون - وصي موسى - عاش بعد موسى ثلاثين سنة، وخرجت عليه صفراء بنت شعيب؛ زوجة موسى، فقالت: أنا أحقّ منك بالأمر، فقاتلها فقتل مقاتلتها، وأسرها فأحسن أسرها، وإنّ ابنة أبي بكر ستخرج على عليّ في كذا وكذا ألفا من أمّتي، فيقاتلها فيقتل مقاتليها، ويأسرها فيحسن أسرها، وفيها أنزل الله عزّ وجلّ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى ) (١) يعني صفراء بنت شعيب. وروى هذا الخبر الطبريّ الإمامي في بشارة المصطفى ( ٢٧٧ - ٢٧٨ ) بسنده عن عبد الله بن مسعود أيضا.

وقال العلاّمة البياضي في خبر رواه في الصراط المستقيم ( ج ٢؛ ٤٥ ): فلمّا ماتا [ هارون وموسى ] كان وصي موسى يوشع بن نون، فخرجت عليه صافورا، وهي غير صفراء بنت شعيب امرأة موسى ....

وفي كتاب اليقين ( ١٩٩ - ٢٠٠ ) نقلا من كتاب المعرفة لإبراهيم الثقفيّ، بإسناده عن نافع مولى عائشة، قال: كنت خادما لعائشة وأنا غلام ثمّ جاء جاء فدقّ الباب، فخرجت إليه، فإذا عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فرجعت إلى النبي وأخبرته، فقال: أدخله، فدخل عليّعليه‌السلام ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : مرحبا وأهلا، لقد تمنّيتك حتّى لو أبطأت عليّ لسألت الله أن يجيء بك، اجلس فكل، فجلس فأكل، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : قاتل الله من يقاتلك ومن يعاديك، قالت عائشة: ومن يعاديه؟، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنت ومن معك، أنت ومن معك. وروى نحوه في ( ٢٤٦ - ٢٤٧ )

__________________

(١) الأحزاب؛ ٣٣

٤٨٢

عن كتاب « المائة حديث » بطرق العامة، ورواه الطبريّ الإمامي في المسترشد (٦٠٣).

وقال ابن حجر في تطهير الجنان (٥٠): وبسند رجاله ثقات أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: يا عليّ، إنّه سيكون بينك وبين عائشة أمر إذا كان كذلك فارددها إلى مأمنها.

وفي ينابيع المودّة ( ج ٢؛ ١٠٥ ) عن أم سلمة، قالت: ذكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خروج واحدة من أمّهات المؤمنين، فضحكت عائشة، فقال: يا حميراء، إيّاك أن تكوني أنت، ثمّ التفت إلى عليّعليه‌السلام ، فقال: إن وليت من أمرها شيئا فأرفق بها. وهو في مناقب الخوارزمي (١١٠).

وحديث كلاب الحوأب من الأحاديث الصحيحة المتواترة معنى؛ فقد قال ابن حجر في تطهير الجنان (٥٠): وبسند رجاله رجال الصحيح: أن عائشة لمّا نزلت على الحوأب سمعت نباح الكلاب، فقالت: ما أظنني إلاّ راجعة، سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لنا: أيّتكنّ تنبح عليها كلاب الحوأب؟! فقال لها الزبير: لا ترجعين، عسى الله أن يصلح بك الناس.

وقال: وبسند رجاله ثقات، أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لنسائه: أيّتكنّ صاحبة الجمل الأزيب - أي بزاي فتحتية فموحّدة، الطويل أو الضامر - تخرج فتنبحها كلاب الحوأب، تقتل عن يمينها وعن يسارها قتلى كثيرة، ثمّ تنجو بعد ما كادت تهلك.

وفي شرح النهج ( ج ٩؛ ٣١١ ) قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لنسائه، وهنّ جميعا عنده: أيّتكنّ صاحبة الجمل الأدبب، تنبحها كلاب الحوأب، يقتل عن يمينها وشمالها قتلى كثيرة كلّهم في النار، وتنجو بعد ما كادت.

وفيه أيضا ( ج ٦؛ ٢١٧ - ٢١٨ ) قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أيّتكنّ صاحبة الجمل الأدبب، تنبحها كلاب الحوأب فتكون ناكبة عن الصراط.

وفي الصراط المستقيم ( ج ٣؛ ١٦٣ ) قالت أم سلمة لعائشة: ألا تذكرين قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تذهب الأيّام واللّيالي حتّى تنابح كلاب الحوأب على امرأة من نسائي في فئة طاغية؟!

وفي ينابيع المودّة ( ج ٢؛ ٧١ ) عائشة، رفعته: أنّ الله قد عهد إليّ أنّ من خرج على عليّعليه‌السلام فهو كافر في النار، قيل: لم خرجت عليه؟ قالت: أنا نسيت هذا الحديث يوم الجمل حتّى ذكرته بالبصرة، وأنا أستغفر الله.

٤٨٣

وانظر حديث كلاب الحوأب في الفائق ( ج ١؛ ١٩٠ ) والنهاية في غريب الحديث والأثر ( ج ١؛ ٤٥٦ « حوب » ) و ( ج ٢؛ ٩٦ « دبب » ) وكفاية الطالب (١٧١) والمواهب اللّدنيّة ( ج ٢؛ ١٩٥ ) ومجمع الزوائد ( ج ٧؛ ٢٣٤ ) وكنز العمال ( ج ٦؛ ٨٣ ) والسيرة الحلبية ( ج ٣؛ ٣١٢ ) وإسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار (٦٧) والمحاسن والمساوئ (٤٩) وحياة الحيوان ( ج ١؛ ٢٨٢ ) والإمامة والسياسة ( ج ١؛ ٨٢ ) والفتوح ( ج ١؛ ٤٥٦ - ٤٥٧ ) ومروج الذهب ( ج ٢؛ ٣٦٦ ) وتاريخ ابن الأثير ( ج ٣؛ ٢١٠ ) وتاريخ الطبريّ ( ج ٥؛ ١٧١ ) والأعلام للماورديّ (٨٢) وتاريخ اليعقوبي ( ج ٢؛ ١٨١ ) وتاريخ ابن خلدون ( ج ٢؛ ٦٠٨ ) ومسند أحمد ( ج ٦؛ ٩٧ ) والمستدرك للحاكم ( ج ٣؛ ١١٩ ) والفخريّ (٨٦) ومناقب الخوارزمي (١١٤).

وفي دلائل الإمامة ( ١٢٠ - ١٢١ ) بسنده عن سليمان بن خالد، قال: كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام جالسا قالوا: فإن طلحة والزبير صنعا ما صنعا، فما حال المرأة؟ قالعليه‌السلام : المرأة عظيم إثمها، ما أهرقت محجمة من دم إلاّ وإثم ذلك في عنقها وعنق صاحبيها.

وتتخلّف الأخرى تجمع إليها الجموع، هما في الأمر سواء

قال الطبريّ في تاريخه ( ج ٥؛ ١٦٧ ): وانطلق القوم بعدها [ أي بعد عائشة ] إلى حفصة، فقالت: رأيي تبع لرأي عائشة وتجهزوا بالمال ونادوا بالرحيل، واستقلّوا ذاهبين، وأرادت حفصة الخروج، فأتاها عبد الله بن عمر فطلب إليها أن تقعد، فقعدت، وبعثت إلى عائشة « أن عبد الله حال بيني وبين الخروج »، فقالت: يغفر الله لعبد الله.

وفي شرح النهج ( ج ١٦؛ ٢٢٥ ) قال أبو مخنف: وأرسلت إلى حفصة تسألها الخروج والمسير معها، فبلغ ذلك عبد الله بن عمر، فأتى أخته فعزم عليها، فأقامت وحطّت الرحال بعد ما همّت.

وفي الفتوح ( ج ١؛ ٤٥٧ ) قال: فخرجت عائشة من عند أم سلمة وهي حنقة عليها، ثمّ إنّها بعثت إلى حفصة، فسألتها أن تخرج معها إلى البصرة، فأجابتها حفصة إلى ذلك.

٤٨٤

وفي الفتوح ( ج ١؛ ٤٦٧ ): وبلغ ذلك [ خروج عائشة والحشود ] حفصة بنت عمر بن الخطّاب، فأرسلت إلى أم كلثوم بنت عليّعليه‌السلام ، فدعتها، ثمّ أخبرتها باجتماع الناس إلى عائشة، كلّ ذلك لتغمّها بكثرة الجموع إلى عائشة، فقالت لها أم كلثوم: على رسلك يا حفصة، فإنّكم إن تظاهرتم على أبي فقد تظاهرتم على رسول الله، فكان الله مولاه وجبرئيل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير.

وفي تاريخ ابن الأثير ( ج ٣؛ ٢٠٨ ): وأجابتهم حفصة إلى المسير معهم، فمنعها أخوها عبد الله بن عمر.

وفي كتاب الجمل ( ٢٧٦ - ٢٧٧ ) قال: ولمّا بلغ عائشة نزول أمير المؤمنينعليه‌السلام بذي قار كتبت إلى حفصة بنت عمر: « أمّا بعد، فإنا نزلنا البصرة، ونزل عليّ بذي قار، والله داقّ عنقه كدقّ البيضة على الصفا، إنّه بذي قار بمنزلة الأشقر، إن تقدّم نحر وإن تأخر عقر »، فلمّا وصل الكتاب إلى حفصة استبشرت بذلك، ودعت صبيان بني تيم وعدي، وأعطت جواريها دفوفا وأمرتهنّ أن يضربن بالدفوف، ويقلن: « ما الخبر ما الخبر * عليّ كالاشقر * إن تقدّم نحر * وإن تأخّر عقر »، فبلغ أمّ سلمةرضي‌الله‌عنها اجتماع النسوة على ما اجتمعن عليه من سبّ أمير المؤمنين والمسرّة بالكتاب الوارد عليهن من عائشة، فبكت وقالت: أعطوني ثيابي حتّى أخرج إليهن وأقع بهن.

فقالت أمّ كلثوم بنت أمير المؤمنينعليه‌السلام : أنا أنوب عنك، فإنّني أعرف منك، فلبست ثيابها وتنكّرت وتخفّرت، واستصحبت جواريها متخفّرات، وجاءت حتّى دخلت عليهن كأنّها من النظّارة، فلمّا رأت ما هنّ فيه من العبث والسفه كشفت نقابها، وأبرزت لهنّ وجهها، ثمّ قالت لحفصة: « إن تظاهرت أنت وأختك على أمير المؤمنين، فقد تظاهرتما على أخيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من قبل، فأنزل الله عزّ وجلّ فيكما ما أنزل، والله من وراء حربكما »، فانكسرت حفصة وأظهرت خجلا، وقالت: إنّهنّ فعلن هذا بجهل، وفرّقتهن في الحال، فانصرفن من المكان.

وروى الخبر ابن أبي الحديد في شرح النهج ( ج ١٤؛ ١٣ ) ثمّ قال: قال أبو مخنف:

٤٨٥

« روى هذا الخبر جرير بن يزيد، عن الحاكم، ورواه الحسن بن دينار، عن الحسن البصريّ »، وذكر الواقديّ مثل ذلك، وذكر المدائني أيضا مثله.

وانظر الصراط المستقيم ( ج ٣؛ ١٦٩ ) ومثالب النواصب ( ج ٣؛ ٣٧ - ٣٨ ) والدر النظيم ( ج ١؛ ١٢٣ ) وبحار الأنوار ( ج ٣٢؛ ٩٠ - ٩١ ).

وفي هذه النصوص وغيرها أكبر دلالة على أنّ حفصة كانت تحارب عليّا إعلاميّا، وتحشّد الناس فكريّا ضد عليّعليه‌السلام ، ليخفّوا إلى عائشة، ويقعدوا عن نصرة عليّعليه‌السلام .

قال عليّعليه‌السلام : يا رسول الله إن فعلتا ذلك تلوت عليهما كتاب الله، وهو الحجّة فيما بيني وبينهما

في مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ١٥٥ ) قال عليّعليه‌السلام : اللهمّ إنّي أعذرت وأنذرت، فكن لي عليهم من الشاهدين، ثمّ أخذ المصحف وطلب من يقرأ عليهم( وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما ) (١) ، فقال مسلم المجاشعيّ: ها أنا ذا، فخوّفه بقطع يمينه وشماله وقتله، فقال: يا أمير المؤمنين فهذا قليل في ذات الله، فأخذه ودعاهم إلى الله، فقطعت يده اليمنى، فأخذه بيده اليسرى، فقطعت، فأخذه بأسنانه، فقالعليه‌السلام : الآن طاب الضراب.

وفي إرشاد القلوب ( ٣٤١ - ٣٤٢ ): لمّا صافّ القوم واجتمعوا على الحرب، أحبّ أمير المؤمنينعليه‌السلام أن يستظهر عليهم بدعائهم إلى القرآن وحكمه، فدعا بمصحف، وقال: من يأخذ هذا المصحف؛ يعرضه عليهم، ويدعوهم إلى ما فيه، فيحيي ما أحياه، ويميت ما أماته؟ قال: فقام الفتى وقال: يا أمير المؤمنين، أنا آخذه وأعرضه عليهم وأدعوهم إلى ما فيه، قال: فأعرض عنه أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ثمّ نادى الثانية ثمّ نادى الثالثة، فلم يقم إليه أحد من الناس إلاّ الفتى، فقال: أنا آخذه وأعرضه عليهم، وأدعوهم إلى ما فيه، فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : إنّك إن فعلت ذلك فأنت مقتول، فقال: والله يا أمير المؤمنين ما شيء أحبّ

__________________

(١) الحجرات؛ ٩

٤٨٦

إليّ من أن أرزق الشهادة بين يديك، وأن أقتل في طاعتك.

فأعطاه أمير المؤمنينعليه‌السلام المصحف، فتوجّه به نحو عسكرهم، فنظر إليه أمير المؤمنين، فقال: إنّ الفتى ممّن حشا الله قلبه نورا وإيمانا، وهو مقتول، ولقد أشفقت عليه من ذلك، ولن يفلح القوم بعد قتلهم إيّاه.

فمضى الفتى بالمصحف حتّى وقف بإزاء عسكر عائشة، وطلحة والزبير حينئذ عن يمين الهودج وشماله، وكان له صوت فنادى بأعلى صوته: معاشر الناس، هذا كتاب الله، وإنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام يدعوكم إلى كتاب الله والحكم بما أنزل الله فيه، فأنيبوا إلى طاعة الله والعمل بكتابه.

قال: وكانت عائشة وطلحة والزبير يسمعون قوله، فأمسكوا، فلمّا رأى ذلك أهل عسكرهم بادروا إلى الفتى - والمصحف في يمينه - فقطعوا يده اليمنى، فتناول المصحف بيده اليسرى، وناداهم بأعلى صوته مثل ندائه أوّل مرّة، فبادروا إليه وقطعوا يده اليسرى، فتناول المصحف واحتضنه ودماؤه تجري عليه، وناداهم مثل ذلك، فشدّوا عليه فقتلوه، ووقع ميّتا فقطّعوه إربا إربا، ولقد رأينا شحم بطنه أصفر.

قال: وأمير المؤمنينعليه‌السلام واقف يراهم، فأقبل على أصحابه، وقال: إنّي والله ما كنت في شكّ ولا لبس من ضلالة القوم وباطلهم، ولكن أحببت أن يتبين لكم جميعا ذلك من بعد قتلهم الرجل الصالح حكيم بن جبلة العبدي في رجال صالحين معه، ووثوبهم بهذا الفتى وهو يدعوهم إلى كتاب الله والحكم به والعمل بموجبه، فثاروا إليه فقتلوه، لا يرتاب بقتلهم إيّاه مسلم، ووقدت الحرب ....

قال عبد الله بن سلمة: كنت ممّن شهد حرب الجمل، فلمّا وضعت الحرب أوزارها، رأيت أم ذلك الفتى واقفة عليه، فجعلت تبكي عليه، ثمّ أنشأت تقول:

يا ربّ إنّ مسلما أتاهم

يتلو كتاب الله لا يخشاهم

يأمرهم بأمر من ولاهم

فخضّبوا من دمه قناهم

وأمّه قائمة تراهم

تأمرهم بالغي لا تنهاهم

٤٨٧

وانظر بعث عليّعليه‌السلام الغلام بكتاب الله ليدعوهم إليه، وقتلهم الفتى، في تاريخ الطبريّ ( ج ٥؛ ٢٠٥ - ٢٠٦ ) وتاريخ ابن الأثير ( ج ٣؛ ٢٦١ - ٢٦٢ ) والفتوح ( ج ١؛ ٤٧٧ ) ومروج الذهب ( ج ٢؛ ٣٧٠ ) وشرح النهج ( ج ٩؛ ١١٢ ) ومناقب الخوارزمي ( ١١٢ - ١١٣ ) وفيه « أنّ المقتولين الذين بعثهم عليّ بالقرآن ثلاثة، كلّ يوم واحد »، و (١١٩) والجمل ( ٣٣٦ - ٣٤٠ ) وفيه « أنّ عليّاعليه‌السلام بعث ابن عبّاس بكتاب الله ليحاججهم، ثمّ بعث الفتى فقتلوه بأمر عائشة؛ حيث قالت: اشجروه بالرماح قبّحه الله »، وتذكرة الخواص ( ٧١ - ٧٢ ). وانظر تاريخ اليعقوبي ( ج ٢؛ ١٨٢ ).

فإن قبلتاه وإلاّ أخبرتهما بالسنة وما يجب عليهما من طاعتي وحقّي المفروض عليهما

الثابت تاريخيّا أن عليّاعليه‌السلام احتجّ على عائشة وطلحة والزبير بأبلغ الاحتجاج، فلم يرعووا ولم يرتدعوا؛ إذ احتجّ عليهم بالكتاب كما تقدّم، وبالسنّة كما سنذكره هنا؛ حيث احتجّ على عائشة - وهو مرادنا هنا - كما احتجّ على طلحة والزبير، ولم يحتجّ على حفصة مباشرة، وإنّما لزمتها الحجّة الّتي أقامها عليّعليه‌السلام على أصحاب الجمل وأتباعهم، وقد تقدّم أنّ أم كلثوم بنت عليّ وأم سلمة أقامتا الحجّة على حفصة، فتكون الحجّة لازمة لها وإن أقامها عليّعليه‌السلام على عائشة مباشرة.

ففي بصائر الدرجات (٢٦٤) بسنده عن محمّد بن سنان، يرفعه، قال: إنّ عائشة قالت: التمسوا لي رجلا شديد العداوة لهذا الرجل حتّى أبعثه إليه، قال: فأتيت به قالعليه‌السلام : أرجع إليها كتابي هذا، وقل لها: ما أطعت الله ولا رسوله حيث أمرك الله بلزوم بيتك، فخرجت تردّدين في العساكر.

وفي الخصال (٣٧٧) بسنده عن الباقرعليه‌السلام ، في رواية طويلة في بيان عليّعليه‌السلام للمواطن الّتي امتحن الله بها الأوصياء، قال عليّعليه‌السلام فيها: فقدّمت الحجّة بالإعذار والإنذار، ودعوت المرأة إلى الرجوع إلى بيتها، والقوم الذين حملوها على الوفاء ببيعتهم لي ....

٤٨٨

وفي الفتوح ( ج ١؛ ٤٧١ ): فلمّا كان الغد دعا عليّعليه‌السلام بزيد بن صوحان وعبد الله بن عبّاس، فقال لهما: امضيا إلى عائشة، فقولا لها: ألم يأمرك الله أن تقرّي في بيتك؟ فخدعت وانخدعت، واستنفرت فنفرت، فاتّقي الله الّذي إليه مرجعك ومعادك، وتوبي إليه فإنّه يقبل التوبة عن عباده، ولا يحملنّك قرابة طلحة وحبّ عبد الله بن الزبير على الأعمال الّتي تسعى بك إلى النار، قال: فانطلقا إليها وبلّغاها رسالة عليّعليه‌السلام ، فقالت: ما أنا برادّة عليكم شيئا، فإنّي أعلم أنّي لا طاقة لي بحجج عليّ بن أبي طالب.

وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ١٥٢ ) عن ابن أعثم في الفتوح ( ج ١؛ ٤٦٨ ) قال: ثمّ كتبعليه‌السلام إلى عائشة: أمّا بعد، فإنّك قد خرجت من بيتك عاصية لله تعالى ولرسول محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، تطلبين أمرا كان عنك موضوعا، ثمّ تزعمين أنّك تريدين الإصلاح بين المسلمين، فأخبريني ما للنساء وقود العساكر والإصلاح بين الناس؟! فطلبت كما زعمت بدم عثمان، وعثمان رجل من بني أميّة، وأنت امرأة من بني تيم بن مرّة، ولعمري إنّ الذي عرّضك للبلاء، وحملك على المعصية لأعظم إليك ذنبا من قتلة عثمان، وما غضبت حتّى أغضبت، ولا هجت حتّى هيّجت، فاتقي الله يا عائشة وارجعي إلى منزلك، وأسبلي عليك سترك، والسلام.

قال ابن شهرآشوب: قالت عائشة: قد جلّ الأمر عن الخطاب.

وروى الأربلي في كشف الغمّة ( ج ١؛ ٢٣٩ - ٢٤٠ ) كتاب عليّ هذا، ثمّ قال:

فجاء الجواب إليه: يا بن أبي طالب جلّ الأمر عن العتاب، ولن ندخل في طاعتك أبدا فاقض ما أنت قاض، والسلام. وهو في الإمامة والسياسة ( ج ١؛ ٩٠ - ٩١ ) ثمّ قال: وكتبت عائشة: جلّ الأمر عن العتاب، والسلام.

وروى كتاب عليّ هذا الخوارزمي في مناقبه (١١٧) وسبط ابن الجوزيّ في تذكرة الخواص (٦٩).

وقال أبو الصلاح الحلبي في تقريب المعارف ( ٣٠٠ - ٣٠١ ): فلمّا انتهىعليه‌السلام إليهم دعاهم إلى الله، وإلى كتابه، وسنّة نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والدخول في الجماعة، وخوّفهم الفتنة والفرقة، فأبوا إلاّ القتال أو خلع نفسه من الأمر ليولّوه من شاءوا، أو يسلّم إليهم قتلة عثمان ليروا رأيهم

٤٨٩

فيهم، فسألهم ذكر حدث يوجب خلعه، أو تقصير يمنع من إمامته، فلم يجيبوه، فكرّر الإعذار، وبالغ في النصيحة والدعوة إلى كتاب الله والسنّة، والتخويف من الفتنة والفرقة، على الانفراد بكلّ منهم بنفسه وبرسله، والاجتماع فكرر التذكار والوعظ، فلم يزدهم ذلك إلاّ طغيانا وإصرارا، فأمسك عن قتالهم واقتصر على الدعاء، حتّى بدءوه بالحرب، وقتلوا داعيه بالمصحف إلى ما فيه، وهو مسلم، ورشقوا أصحابهعليه‌السلام بالسهام، فجرحوا قوما وقتلوا آخرين، وحملوا على أصحابه من كلّ جانب، وعائشة على جملها مجفّفا، وعلى هودجها الدروع، بارزة بين الصفّين تحرّض على القتال، فحينئذ أذنعليه‌السلام لأنصاره بالقتال ...

وقال الدينوريّ في الأخبار الطوال (١٤٧) قالوا: وأقام عليّعليه‌السلام ثلاثة أيّام يبعث رسله إلى أهل البصرة، فيدعوهم إلى الرجوع إلى الطاعة والدخول في الجماعة، فلم يجد عند القوم إجابة.

وفي تاريخ اليعقوبي ( ج ٢؛ ١٨٢ ): واصطفّ أصحاب عليّعليه‌السلام ، فقال لهم: لا ترموا بسهم، ولا تطعنوا برمح، ولا تضربوا بسيف أعذروا، فرمى رجل من عسكر القوم بسهم فقتل رجلا من أصحاب أمير المؤمنين، فأتي به إليه، فقال: اللهمّ اشهد، ثمّ رمى آخر فقتل رجلا من أصحاب عليّ، فقال: اللهمّ اشهد، ثمّ رمى رجل آخر، فأصاب عبد الله بن بديل ابن ورقاء الخزاعي ....

يضاف إلى ما ذكرنا ما أطبقت عليه المصادر التاريخية من تذكير عليّ الزبير بحقّه بنص رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ورجوع الزبير، كما أطبقت المصادر على احتجاج عليّ على طلحة ومحاججته بالسنّة، وكذلك عائشة، وهذا كلّه تعلّما من رسول الله، وأخذا عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد اعترفت عائشة وكانت تعرف ذلك جيدا، وأنّ عليّا ابن عمّ الرسول والمترسّم لخطاه، قال ابن أعثم في الفتوح ( ج ١؛ ٤٧٦ - ٤٧٧ ): ونظرت إليه [ إلى عليّعليه‌السلام ] عائشة وهو يجول بين الصفوف، فقالت: انظروا إليه، كأنّ فعله فعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم بدر، أما والله ما ينتظر

٤٩٠

بكم إلاّ زوال الشمس، فقال عليّعليه‌السلام : يا عائشة( عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ ) (١) .

قال: وعقر الجمل وإن وقع في النار

في الفتوح ( ج ١؛ ٤٨٩ ) قال ابن أعثم: واحمرت الأرض بالدماء، وعقر من ورائه، فعجّ ورغا، فقال عليّعليه‌السلام : عرقبوه فإنّه شيطان.

وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج ( ج ١؛ ٢٥٧ ): وزحف عليّعليه‌السلام نحو الجمل بنفسه في كتيبته الخضراء من المهاجرين والأنصار، وحوله بنوه حسن وحسينعليهما‌السلام ومحمّد، ودفع الراية إلى محمّد، وقال: اقدم بها حتّى تركزها في عين الجمل.

وفيه أيضا ( ج ١؛ ٢٥٣ ): صرخ عليّ بأعلى صوته: ويلكم اعقروا الجمل فإنّه شيطان، ثمّ قال: اعقروه وإلاّ فنيت العرب فصمدوا له حتّى عقروه، فسقط وله رغاء شديد، فلمّا برك كانت الهزيمة.

وفيه أيضا ( ج ١؛ ٢٦٦ ): وخلص عليّعليه‌السلام في جماعة من النّخع وهمدان إلى الجمل فما هو إلاّ أن صرع الجمل حتّى فرّت الرجال كما يطير الجراد في الريح الشديدة.

وفيه أيضا ( ج ١؛ ٢٦٢ ): فنادى عليّعليه‌السلام : ويحكم ارشقوا الجمل بالنبل، اعقروه لعنه الله.

وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ١٦١ ): وشكّت السهام الهودج حتّى كأنّه جناح نسر أو شوك قنفذ، فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ما أراه يقاتلكم غير هذا الهودج، اعقروا الجمل. وفي رواية: عرقبوه فإنّه شيطان.

وفي أمالي المفيد (٥٩): ثمّ نادى منادي أمير المؤمنينعليه‌السلام : عليكم بالبعير فإنّه شيطان، قال: فعقره برمحه، وقطع إحدى يديه رجل آخر، فبرك ورغا.

وانظر تاريخ الطبريّ ( ج ٥؛ ٢١٠ ) والجمل ( ٣٥٠، ٣٦٠، ٣٦٩، ٣٧٤ - ٣٧٥ ) وتاريخ ابن الأثير ( ج ٣؛ ٢٤٧ - ٢٤٨ ) ومناقب الخوارزمي (١٢١) ومروج الذهب

__________________

(١) المؤمنون؛ ٤٠

٤٩١

( ج ٢؛ ٣٧٥ - ٣٧٦ ) والأخبار الطوال ( ١٥٠ - ١٥١ ) والبداية والنهاية ( ج ٧؛ ٢٧٠ ).

وقال الشريف المرتضى في شرح القصيدة المذهّبة (٩٠) عند شرحه لقول السيّد الحميريّ:

أإلى أميّة أم إلى شيع الّتي

جاءت على الجمل الخدبّ الشوقب

قال: وقيل: أنّ اسم هذا الجمل « عسكر »، وشوهد من هذا الجمل في ذلك اليوم كلّ عجب، كلّما أثبتت منه قائمة من قوائمه ثبت على الأخرى، حتّى روي أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام نادى: اقتلوا الجمل فإنّه شيطان، وأنّ محمّد بن أبي بكر وعمّارا - رحمة الله عليهما - توليا عقره بعد طول زمانه، وروي أنّ هذا الجمل بقي باركا، ضاربا بجرانه سنة لا يأكل منه سبع ولا طائر.

وفي اختيار معرفة الرجال ( ج ١؛ ٥٧ - ٥٨ ) قال: كان سلمان إذا رأى الجمل - الّذي يقال له: عسكر - يضربه، فيقال له: يا أبا عبد الله، ما تريد من هذه البهيمة؟ فيقول: ما هذا بهيمة، ولكنّ هذا عسكر بن كنعان الجنّي، يا أعرابي لا ينفق جملك هاهنا، ولكن اذهب به إلى الحوأب؛ فإنّك تعطى ما تريد.

وفيه ( ج ١؛ ٥٨ ) عن الباقرعليه‌السلام ، قال: اشتروا عسكرا بسبعمائة درهم، وكان شيطانا.

وفي الاحتجاج (١٦٤) وقيل: أنّ اسم الجمل الّذي ركبته يوم الجمل عائشة « عسكر »، من ولد إبليس اللّعين، ورئي منه ذلك اليوم كلّ عجيب؛ لأنّه كلّما بتر منه قائمة من قوائمة ثبت على أخرى، حتّى نادى أمير المؤمنينعليه‌السلام : اقتلوا الجمل فإنّه شيطان.

وفي شرح النهج ( ج ١؛ ٢٦٦ ) عن أبي مخنف، قال: وحدّثنا مسلم الأعور، عن حبّة العرني، قال: فلمّا رأى عليّعليه‌السلام أنّ الموت عند الجمل، وأنّه ما دام قائما فالحرب لا تطفأ، وضع سيفه على عاتقه، وعطف نحوه، وأمر أصحابه بذلك، ومشى نحوه، والخطام مع بني ضبّة، فاقتتلوا قتالا شديدا، واستحرّ القتل في بني ضبّة، فقتل منهم مقتلة عظيمة، وخلص عليّعليه‌السلام في جماعة من النّخع وهمدان إلى الجمل، فقال لرجل من النخع « اسمه بجير »: دونك الجمل يا بجير، فضرب عجز الجمل بسيفه، فوقع لجنبه، وضرب بجرانه الأرض، وعجّ عجيجا لم يسمع بأشدّ منه، فما هو إلاّ أن صرع الجمل حتّى فرّت الرجال كما

٤٩٢

يطير الجراد في الريح الشديدة الهبوب وأمر عليّعليه‌السلام بالجمل أن يحرق ثمّ يذرّى في الريح، وقالعليه‌السلام : لعنه الله من دابّة، فما أشبهه بعجل بني إسرائيل، ثمّ قرأ( وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً ) (١) .

يا عليّ، إذا فعلتا ما شهد عليهما القرآن، فأبنهما منّي فإنّهما بائنتان.

في كمال الدين (٤٥٩) بسنده عن سعد بن عبد الله القمّي، في قضية وروده إلى سامراء ليسأل الإمام العسكريعليه‌السلام عن مسائل، حتّى قال: نظر إليّ مولانا أبو محمّد، فقال: ما جاء بك يا سعد؟ فقلت: شوّقني أحمد بن إسحاق على لقاء مولانا قال: والمسائل الّتي أردت أن تسأل عنها؟ قلت: على حالها يا مولاي، قال: فسل قرّة عيني - وأومأ إلى الغلام [ صاحب الأمر عجّل الله فرجه ] - فقال لي الغلام: سل عمّا بدا لك منها.

فقلت له: مولانا وابن مولانا، إنّا روينا عنكم أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جعل طلاق نسائه بيد أمير المؤمنينعليه‌السلام ، حتّى أرسل يوم الجمل إلى عائشة: إنّك قد أرهجت على الإسلام وأهله بفتنتك، وأوردت بنيك حياض الهلاك بجهلك، فإن كففت عنّي غربك وإلاّ طلقتك، ونساء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد كان طلاقهنّ وفاته؟!

قالعليه‌السلام : ما الطلاق؟

قلت: تخلية السبيل.

قال: فإذا كان طلاقهنّ وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد خلّيت لهنّ السبيل، فلم لا يحلّ لهنّ الأزواج؟

قلت: لأنّ الله تبارك وتعالى حرّم الأزواج عليهنّ.

قال: كيف، وقد خلّى الموت سبيلهنّ؟

قلت: فأخبرني يا بن مولاي عن معنى الطلاق الّذي فوّض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حكمه إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام .

__________________

(١) طه؛ ٩٧

٤٩٣

قالعليه‌السلام : إنّ الله تقدّس اسمه عظّم شأن نساء النبي، فخصهنّ بشرف الأمّهات، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أبا الحسن، إنّ هذا الشرف باق لهنّ ما دمن لله على الطاعة، فأيّتهن عصمت الله بعدي بالخروج عليك فأطلق لها في الأزواج، وأسقطها من شرف أمومة المؤمنين.

وفي الفتوح ( ج ١؛ ٤٩٣ - ٤٩٤ ) بعد أن ذكر محاججة ابن عبّاس لعائشة، قال: ثمّ أقبل عليّعليه‌السلام على عائشة، فجعل يوبّخها ويقول: أمرك الله أن تقرّي في بيتك، وتحتجبي بسترك، ولا تبرّجي، فعصيته وخضت الدماء، تقاتلينني ظالمة، وتحرّضين عليّ الناس، وبنا شرّفك الله وشرّف آباءك من قبلك، وسمّاك أم المؤمنين، وضرب عليك الحجاب، قومي الآن فارحلي، واختفي في الموضع الّذي خلّفك فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أن يأتيك فيه أجلك، ثمّ قام عليّعليه‌السلام فخرج من عندها.

قال: فلمّا كان من الغد بعث إليها ابنه الحسنعليه‌السلام ، فجاء الحسنعليه‌السلام فقال لها: يقول لك أمير المؤمنين « أما والّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة، لئن لم ترحلي الساعة لأبعثنّ إليك بما تعلمين »، قال: وعائشة في وقتها ذلك قد ضفرت قرنها الأيمن وهي تريد أن تضفر الأيسر، فلمّا قال لها الحسن ما قال، وثبت من ساعتها وقالت: رحّلوني.

فقالت لها امرأة من المهالبة: يا أم المؤمنين، جاءك عبد الله بن عبّاس فسمعناك وأنت تجاوبينه حتّى علا صوتك، ثمّ خرج من عندك وهو مغضب، ثمّ جاءك الآن هذا الغلام برسالة أبيه فأقلقك، وقد كان أبوه جاءك فلم نر منك هذا القلق والجزع!!

فقالت عائشة: إنّما أقلقني لأنّه ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فمن أحبّ أن ينظر إلى رسول الله فلينظر إلى هذا الغلام، وبعد فقد بعث إليّ أبوه ما قد علمت، ولا بدّ من الرحيل.

فقالت لها المرأة: سألتك بالله وبمحمّد إلاّ أخبرتني بما ذا بعث إليك عليّعليه‌السلام ؟

فقالت عائشة: ويحك، إنّ رسول الله أصاب من مغازيه نفلا، فجعل يقسم ذلك في أصحابه، فسألناه أن يعطينا منه شيئا، وألححنا عليه في ذلك، فلا منا عليّعليه‌السلام ، وقال: حسبكنّ أضجرتن رسول الله، فتجهّمناه وأغلظنا له في القول، فقال:( عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَ

٤٩٤

أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَ ) (١) ، فأغلظنا له أيضا في القول وتجهّمناه، فغضب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من ذلك وما استقبلنا به عليا، فأقبل عليه ثمّ قال: يا عليّ، إنّي قد جعلت طلاقهنّ إليك، فمن طلّقها منهنّ فهي بائنة، ولم يوقّت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك وقتا في حياة ولا موت، فهي تلك الكلمة، وأخاف أن أبين من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وروى هذا الخبر ابن شهرآشوب في مناقبه ( ج ٢؛ ١٣٤ ) وفيه: قالت [ عائشة ]: إنّ رسول الله جعل طلاق نسائه بيد عليّ، فمن طلّقها في الدنيا بانت منه في الآخرة، وفي رواية: كان النبي يقسم نفلا في أصحابه وساق معنى ما تقدّم.

وفي إرشاد القلوب (٣٣٧): ثمّ أمرصلى‌الله‌عليه‌وآله خادمة لأم سلمة، فقال: اجمعي لي هؤلاء - يعني نساءه - فجمعتهن له في منزل أم سلمة، فقال لهنّ: اسمعن ما أقول لكنّ - وأشار بيده إلى عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام - فقال لهنّ: هذا أخي، ووصيّي، ووارثي، والقائم فيكن وفي الأمّة من بعدي، فأطعنه فيما يأمركن به، ولا تعصينه فتهلكن لمعصيته.

ثمّ قال: يا عليّ، أوصيك بهنّ، فأمسكهنّ ما أطعن الله وأطعنك، وأنفق عليهن من مالك، وأمرهنّ بأمرك، وانههنّ عمّا يريبك، وخلّ سبيلهن إن عصينك.

فقال عليّعليه‌السلام : يا رسول الله، إنّهنّ نساء وفيهنّ الوهن وضعف الرأي.

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أرفق بهنّ ما كان الرفق أمثل، فمن عصاك منهنّ فطلّقها طلاقا يبرأ الله ورسوله منها. وروى نحوه الدرازي في التهاب نيران الأحزان (٣٤).

وفي بصائر الدرجات (٣١٤) بسنده عن يزيد بن شرحبيل: أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام : هذا أفضلكم حلما، وأعلمكم علما، وأقدمكم سلما، قال ابن مسعود: يا رسول الله فضلنا بالخير كلّه؟ فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما علّمت شيئا إلاّ وقد علّمته، وما أعطيت شيئا إلاّ وقد أعطيته، ولا استودعت شيئا إلاّ وقد استودعته، قالوا: فأمر نسائك إليه؟

__________________

(١) التحريم؛ ٥

٤٩٥

قال: نعم، قالوا: في حياتك؟ قال: من عصاه فقد عصاني، ومن أطاعه فقد أطاعني، فإن دعاكم فاشهدوا.

وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ١٣٣ - ١٣٤ ) قال: وإنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله جعل طلاق نسائه إليه. أبو الدر عليّ المرادي، وصالح مولى التؤمة، عن عائشة: أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جعل طلاق نسائه إلى عليّعليه‌السلام .

الأصبغ بن نباتة، قال: بعث عليّ يوم الجمل إلى عائشة: ارجعي وإلاّ تكلّمت بكلام تبرين من الله ورسوله.

وفي المسترشد (٣٥٤) في مناشدة عليّعليه‌السلام : أفيكم أحد جعله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في طلاق نسائه مثل نفسه غيري؟

وفي أمالي الطوسي (٥٥٠) قال الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام : فهل فيكم أحد استخلفه رسول الله في أهله، وجعل أمر أزواجه إليه من بعده غيري؟ وروى مثله الديلمي في إرشاد القلوب (٢٦١).

وفي الاحتجاج (١٣٨) قالعليه‌السلام : نشدتكم بالله، هل فيكم أحد جعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله طلاق نسائه بيده غيري؟!

وفي الخصال (٣٧٧) قول عليّعليه‌السلام في وصف الناكثين: فلمّا لم يجدوه عندي وثبوا بالمرأة عليّ، وأنا وليّ أمرها والوصي عليها. ومثله في شرح الأخبار ( ج ١؛ ٣٥٣ ).

وفي بصائر الدرجات (٢٩٩) بسنده عن معاوية الدهني، قال: دخل أبو بكر على عليّعليه‌السلام فقال له: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما تحدّث إلينا في أمرك حديثا بعد يوم الولاية، وإنّي أشهد أنّك مولاي، مقرّ لك بذلك، وقد سلّمت عليك على عهد رسول الله بإمرة المؤمنين، وأخبرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّك وصيّه ووارثه وخليفته في أهله ونسائه ....

ولم يختصّ هذا المطلب بعائشة فقط أو نساء النبي، وإنّما روي مثل ذلك في تطليق الإمام الرضاعليه‌السلام زوجة الإمام الكاظمعليه‌السلام بعد موته.

ففي الكافي ( ج ١؛ ٣١٦ ) بسنده عن يزيد بن سليط، في وصيّة الكاظمعليه‌السلام ، حيث ذكر

٤٩٦

فيها وصاياه عامّة، ومنها: وإنّي قد أوصيت إلى عليّ وبني بعد معه وأوصيت إليه بصدقاتي ومواليّ وصبياني الّذين خلّفت، وولدي إلى إبراهيم والعباس وقاسم وإسماعيل وأحمد وأمّ أحمد، وإلى عليّعليه‌السلام أمر نسائي دونهم.

وفي الكافي أيضا ( ج ١؛ ٣٨١ ) بسنده عن الوشاء، قال: قلت لأبي الحسن [ الرضاعليه‌السلام ]: إنّهم رووا عنك في موت أبي الحسن [ الكاظمعليه‌السلام ]: أنّ رجلا قال لك: علمت ذلك بقول سعيد؟ فقالعليه‌السلام : جاء سعيد بعد ما علمت به قبل مجيئة، قال: وسمعته يقول: طلّقت أم فروة بنت إسحاق [ إحدى نساء الكاظمعليه‌السلام ] في رجب، بعد موت أبي الحسن بيوم، قلت: طلّقتها وقد علمت بموت أبي الحسن؟ قال: نعم، قلت: قبل أن يقدم عليك سعيد؟ قال: نعم.

وفي بصائر الدرجات (٤٨٧) بسنده عن أحمد بن عمر، قال: سمعته يقول - يعني أبا الحسن الرضاعليه‌السلام -: إنّي طلّقت أمّ فروة بنت إسحاق في رجب، بعد موت أبي بيوم، قلت له: جعلت فداك طلّقتها وقد علمت موت أبي الحسن؟ قال: نعم.

وأبواهما شريكان لهما فيما فعلتا

مرّ قبل قليل أنّ الأوّل والثاني هما أساس الانحراف والظلم، وأنّه ما أسست بليّة ولا أريق دم إلاّ وفي أعناقهما وزر ذلك، مرّ هذا عند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « هم شركاؤه فيما يفعل ».

ونزيد هنا ما نقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٨؛ ٢٥١ ) عن كتاب قديم فيه دعاء(١) عن الإمام الصادقعليه‌السلام وقوله: اللهمّ العنهما وابنتيهما، وكلّ من مال ميلهم، وحذا حذوهم، وسلك طريقهم وهو في مهج الدعوات ( ٣٣٣ - ٣٣٤ ).

__________________

(١) ذكر ناسخه وهو مصنّفه أن اسمه محمّد بن محمّد بن عبد الله بن فاطر، رواه عن شيوخه، فقال ما هذا لفظه « حدّثنا محمّد بن عليّ بن رقاق القمّي، قال: حدّثنا أبو الحسن محمّد بن أحمد بن عليّ بن الحسن بن شاذان القمّي، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ بن بابويه القمّي، عن أبيه، قال: حدّثنا جعفر بن عبد الله الحميريّ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، قال: حدّثنا عبد الرحمن بن أبي هاشم، عن أبي يحيى المدنيّ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، أنّه قال: من حقّنا على أوليائنا وأشياعنا أن لا ينصرف الرجل منهم من صلاته حتّى يدعو بهذا الدعاء، وهو: ثمّ روى الدعاء وفيه ما نقلناه.

٤٩٧

وفي مصباح الكفعمي (٥٥٢) روى دعاء صنمي قريش عن ابن عبّاس: أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام كان يقنت به في صلاته، وهو: اللهمّ العن صنمي قريش وجبتيها وطاغوتيها وأفّاكيها وابنتيهما ....

وفي تأويل الآيات الظاهرة ( ج ٢؛ ٧١٤ / الحديث ١ ) بسنده عن حمران، قال: سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقرأ هذه الآية( وَجاءَ فِرْعَوْنُ ) (١) يعني الثالث( وَمَنْ قَبْلَهُ ) (٢) الأوّلين( وَالْمُؤْتَفِكاتُ ) (٣) أهل البصرة( بِالْخاطِئَةِ ) (٤) الحميراء.

وفيه أيضا ( ج ٢؛ ٧١٤ / الحديث ٢ ) بسنده عن حمران، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام مثله، قال:( وَجاءَ فِرْعَوْنُ ) (٥) يعني الثالث( وَمَنْ قَبْلَهُ ) (٦) يعني الأوّلين( بِالْخاطِئَةِ ) (٧) يعني عائشة.

قال المؤلف: فمعنى قوله( وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ ) (٨) في أقوالها وأفعالها، وفي كلّ خطأ وقع، فإنّه منسوب إليها، وكيف جاءوا بها، بمعنى أنّهم وثّبوها وسنّوا لها الخلاف لمولاها، ووزر ذلك عليهم، وفعل من تابعها إلى يوم القيامة.

وقوله: « والمؤتفكات أهل البصرة »، فقد جاء في كلام أمير المؤمنينعليه‌السلام لأهل البصرة:

يا أهل المؤتفكة، ائتفكت بأهلها ثلاث مرّات، وعلى الله تمام الرابعة. ومعنى « ائتفكت بأهلها » أي خسفت بهم.

وفي الخصال (٥٥٦) بسنده عن عامر بن واثلة، في احتجاج عليّعليه‌السلام يوم الشورى، وفيه قوله: « نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عليّ من أحبّك ووالاك

__________________

(١) الحاقة؛ ٩

(٢) الحاقة؛ ٩

(٣) الحاقة؛ ٩

(٤) الحاقة؛ ٩

(٥) الحاقة؛ ٩، ولعلّ المؤتفكات سقطت من هذه الرواية.

(٦) الحاقة؛ ٩

(٧) الحاقة؛ ٩

(٨) الحاقة؛ ٩

٤٩٨

سبقت له الرحمة، ومن أبغضك وعاداك سبقت له اللّعنة » فقالت عائشة: يا رسول الله ادع الله لي ولأبي لا نكون ممن يبغضه ويعاديه، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : اسكتي، إن كنت أنت وأبوك ممّن يتولاّه ويحبّه فقد سبقت لكما الرحمة، وإن كنتما ممّن يبغضه ويعاديه فقد سبقت لكما اللّعنة، ولقد جئت أنت وأبوك، إن كان أبوك أوّل من يظلمه، وأنت أوّل من يقاتله ....

وفي تفسير العيّاشي ( ج ١؛ ٢٢٤ ) عن الإمام الصادقعليه‌السلام ، قال: أتدرون مات النبي أو قتل؟ إنّ الله تعالى يقول:( أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ) (١) فسمّ قبل الموت، إنّهما سقتاه قبل الموت، فقلنا: إنّهما وأبواهما شرّ من خلق الله.

وانظر تفسير القمّي ( ج ٢؛ ٣٧٦ ) في اجتماعهما وأبويهما على أن يسمّوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وفيه أيضا ( ج ٢؛ ٢٩١ ) عن عبد الرحمن بن سالم الأشل، عن الصادقعليه‌السلام ، قال:( كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً ) (٢) عائشة هي نكثت إيمانها.

وفي الكافي ( ج ١؛ ٣٠٠ ) بسنده عن محمّد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول: لمّا حضر الحسن بن عليّعليهما‌السلام الوفاة وحمل وأدخل إلى المسجد، فلمّا أوقف على قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذهب ذو العوينتين [ أي الجاسوس ] إلى عائشة، فقال لها: إنّهم قد أقبلوا بالحسن ليدفنوه مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فخرجت مبادرة على بغل بسرج - فكانت أوّل امرأة ركبت في الإسلام سرجا - فقالت: نحّوا ابنكم عن بيتي؛ فإنّه لا يدفن في بيتي ويهتك على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حجابه، فقال لها الحسينعليه‌السلام : قديما هتكت أنت وأبوك حجاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأدخلت عليه بيته من لا يحبّ قربة، وإنّ الله سائلك عن ذلك يا عائشة.

وفيه أيضا ( ج ١؛ ٣٠٢ - ٣٠٣ ) بسنده عن محمّد بن مسلم، عن الباقرعليه‌السلام ، وفيه زيادة قول الحسينعليه‌السلام : وإنّ الله سائلك عن ذلك يا عائشة وقد أدخلت أنت بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الرجال بغير إذنه، وقد قال الله عزّ وجلّ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا

__________________

(١) آل عمران؛ ١٤٤

(٢) النحل؛ ٩٢

٤٩٩

أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِ ) (١) ولعمري لقد ضربت أنت - لأبيك وفاروقه - عند أذن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المعاول، وقال الله عزّ وجلّ:( إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى ) (٢) ، ولعمري لقد أدخل أبوك وفاروقه على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بقربهما منه الأذى، وما رعيا من حقّه ما أمرهما الله به على لسان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إنّ الله حرّم من المؤمنين أمواتا ما حرّم منهم أحياء.

وفي تقريب المعارف (٢٥٠): رووا عن العبّاس بن الوليد الأعذاريّ، قال: سئل زيد بن عليّ، عن أبي بكر وعمر، فلم يجب فيهما، فلمّا أصابته الرمية نزع الرمح من وجهه، واستقبل الدم بيده حتّى صار كأنّه كبد، فقال: أين السائل عن أبي بكر وعمر؟ هما والله شركاء في هذا الدم، ثمّ رمى به وراء ظهره.

وعن نافع الثقفي - وكان قد أدرك زيد بن عليّ - قال: سأله رجل عن أبي بكر وعمر، فسكت فلم يجبه، فلمّا رمي، قال: أين السائل عن أبي بكر وعمر؟ هما أوقفاني هذا الموقف.

وفي نهج الحقّ وكشف الصدق (٣٥٦): وروى البلاذريّ، قال: لمّا قتل الحسينعليه‌السلام كتب عبد الله بن عمر إلى يزيد بن معاوية: أمّا بعد، فقد عظمت الرزيّة، وجلّت المصيبة، وحدث في الإسلام حدث عظيم، ولا يوم كيوم قتل الحسين.

فكتب يزيد: أمّا بعد، يا أحمق، فإنا جئنا إلى بيوت مجدّدة، وفرش ممهّدة، ووسائد منضّدة، فقاتلنا عنها، فإن يكن الحقّ لنا فعن الحقّ قاتلنا، وإن كان الحقّ لغيرنا فأبوك أوّل من سنّ هذا، واستأثر بالحقّ على أهله. وانظر ما قاله المظفر ردّا على الفضل في دلائل الصدق ( ج ٣؛ ٥٧٦ - ٥٧٨ ). وانظر الكتاب الخطير الّذي أودعه عمر عند معاوية، وأراه يزيد لعبد الله بن عمر لمّا اعترض على قتل يزيد للحسينعليه‌السلام ؛ انظره في بحار الأنوار ( ج ٨؛ ٢٣ ) نقلا عن الجزء الثاني من دلائل الإمامة، بسنده عن جابر الجعفيّ، عن سعيد بن المسيّب.

__________________

(١) الحجرات؛ ٢

(٢) الحجرات؛ ٣

٥٠٠

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653