طرف من الأنباء والمناقب

طرف من الأنباء والمناقب9%

طرف من الأنباء والمناقب مؤلف:
المحقق: الشيخ قيس العطّار
الناشر: انتشارات تاسوعاء
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 653

طرف من الأنباء والمناقب
  • البداية
  • السابق
  • 653 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 210587 / تحميل: 6558
الحجم الحجم الحجم
طرف من الأنباء والمناقب

طرف من الأنباء والمناقب

مؤلف:
الناشر: انتشارات تاسوعاء
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

الجغرافيين العرب لم يتّفقوا على رأيٍ واحدٍ بصدده.

فالمقدسي المعروف بالبشاري يقول: (أمّا جبل اللكام، فإنّه أعمر جبال الشام، وأكبرها وأكثرها ثماراً، وهو اليوم بِيَد الأرمن، وطرسوس ورائه، وأنطاكية دونه)(1) .

أمّاالاصطخري فيذكر: (وكورة الشام إنّما هي من حدّ فلسطين، وحدّ الشام، وثغور الجزيرة جبل اللكام، وهو الفاصل بين الثغرين، وجبل اللكام داخل في بلد الروم، وينتهي إلى نحو مئتي فرسخ، ويظهر في بلاد الإسلام من مرعش والهارونية وعين زربة فيسمّى لكام، إلى أن يجاوز اللاذقية ثمّ تسمّى بهراء وتنوخ، إلى حمص ثمّ تسمّى جبل لبنان)(2) .

وياقوت الحموي يقول: (اللكام وهو الجبل المشرف على أنطاكية، وبلاد ابن ليون والمصيصة وطرسوس، وتلك الثغور)(3) .

وفي لبنان توجد النصيرية في شمال عكار(4) ، وفي وادي التيم(5) ، كما توجد في جبال الظنيين.

ويقولابن الوردي : (أحاطت عساكر الشام بجبال الظنيين المنيعة، وكانوا عصاة مارقين، وترجّلوا عن الخيل، وصعدوا في تلك الجبال من كل جانب، وقتلوا وأسّروا جميع مَن فيها من النصيرية)(6) .

ولم يحدّد ابن الوردي مكان وجود هذه الجبال، ونعتقد أنّه المقصود بجبال الظنيين هو جبل الضنية أو الظنية، الواقع إلى الشمال من بشري.

يقولأنطوان شكر الله حيدر: (وهذا الجبل يحمِل إلى هذا اليوم اسم الجماعة الشيعية التي استقرّت به، وهي الضنية أو الظنية على الأصحّ، وهو

____________________

(1) أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم.

(2) كتاب الأقاليم.

(3) معجم البلدان: الجزء5، ص22.

(4) أحد الآباء اليسوعيين: مختصر تاريخ سورية ولبنان.

(5) الدكتور محمد علي مكي: لبنان من الفتح العربي إلى الفتح العثماني.

(6) تتمة المختصر في أخبار البشر.

٤١

الاسم الذي أُطلق على عدد من الفِرق الباطنية، وبخاصة الإسماعيلية)(1) .

وبهذا المعنى كتبَ الشيخ طه الولي (وكان آل عمار على مذهب الشيعة الإمامية، وقد امتدّ سلطانهم حتى شملت - بالإضافة إلى طرابلس - مناطق عكار، والضنية، وبلاد جبيل، والبترون، وما تزال الجبال المطلّة على طرابلس من جهة الشرق تحمل حتى اليوم اسم (الضنية)، والضاد هنا حلّت مكان الظاء، وهذه الكلمة أُطلقت في الماضي على هذه الجبال ؛ لأنّ أهلَها كانوا يُعرفون آنذاك باسم الظنية، وهو الاسم الذي اشتهروا به ؛ لأنّهم كانوا على مذهب الشيعة، الذين يقولون بالظنّ والتأويل في تفسير أحكام الشريعة الإسلامية، الواردة في القرآن الكريم والسنّة الشريفة)(2) .

وتوجد النصيرية أيضاً في العراق، في الشرطة، وهي كما يذكر ياقوت الحموي في معجم البلدان: (كورة كبيرة من أعمال واسط، بينها وبين البصرة، لكنّها عن يمين المنحدر إلى البصرة).

كما توجد في بعض أجزاء شمال فلسطين.

أمّا في البلاد الأوروبية، فتوجد النصيرية في كلٍّ من: تركيا، واليونان، وبلغاريا، وألبانيا السفلى.

وبنتيجة الهجرة، توطّنت جماعات كثيرة منهم في أمريكا الجنوبية، وبشكلٍ خاص في الأرجنتين والبرازيل.

____________________

(1) مجلّة الحوادث: العدد 1143 تاريخ 29/9/1987.

(2) جريدة اللواء، العدد 3381، تاريخ 29/6/1980.

٤٢

عقائدُ النصيرية

ذهبت أقوال المؤرّخين حول عقائد النصيرية في كلّ اتجاه، واختلطت الأقوال اختلاطاً عجيباً، وتشابكت وبَلَغ تشابكها حدّاً استحالَ معه إيجاد نقطة تلاقٍ واحدة، ما بين قول وقول، وبالتالي أصبحت معرفة ما هو حقيقي، وما هو موضوع مدسوس من أشقّ الأمور على الباحث.

وليس بخافٍ أنّ اصطلاح (نصيرية) ظهرَ في عدد كثُرت فيه الفتن، والانقسامات والميول، والأهواء والنزعات، والمذاهب الفلسفية، والعداوات المذهبية، كما كثر فيه الدسّ والاختلاق والتحريف، وتزييف الحقائق وتشويهها.

وأوّل ما يلاحظ أنّ عقائد النصيرية - كما وردتنا - مأخوذة كلّها من خصوم هذا المذهب، ولم نرَ أيّاً من المؤرّخين مَن ذَكر اسم كتابٍ واحدٍ من كتب النصيرية، أو ذَكر اسم رجلٍ واحدٍ من رجالاتها.

ولمـّا كان أخذ المذهب من خصومه مغامرة جريئة، تحتاج إلى كثيرٍ من التحرّي والدقّة، لذلك فإنّنا تعامَلنا مع مختلف الأقوال بمنتهى الحيطة والحذر، ووقفنا عند كلّ نقطة، وحاولنا جهد المستطاع إرجاع الأشياء إلى أُصولها، ولا غنى عن القول: إنّه لابدّ عند البحث عن عقائد النصيرية من التمييز ما بين نوعين من الكتابات:

٤٣

الأوّل: كتابات المؤرّخين الأقدَمين.

الثاني: كتابات المؤرّخين المحدَثين، ثمّ المعاصرين، وهناك اختلافُ كبير، بين هذين النوعين من الكتابات.

ونحن في هذا الفصل، سنتكلّم عن عقائد النصيرية كما تحدّث عنها القدماء، ثمّ كما تحدّث عنها المحدّثون، ثمّ كما تحدّث عنها رجالات العلويين وشيوخهم، وكما تظهر في كتاباتهم وأشعارهم.

٤٤

النصيريةُ عند الأقْدمين

كان ما كتَبه حمزة بن علي (ت 433هـ)، أحد مؤسّسي المذهب الدرزي، في رسالته المسمّاة(الرسالة الدامغة في الردّ على النصيري)، أوّل إشارة وصَلت إلينا عن عقائد النصيرية.

وهذه الرسالة جاءت ردّاً على كتاب(الحقائق وكشف المحجوب) ، الذي ألّفه شخصٌ من النصيرية لم نعرف اسمه، أثارتهُ - على ما يبدو - دعوى القائلين بتأليه الحاكم، فصنّفَ كتابه للتشنيع عليهم، والطعن في مقالتهم، كما يُفهم ممّا أورده حمزة في رسالته، لم يكن لهذا الفاسق النصيري - لعنة المولى عليه - بُغية غير الفساد في دين مولانا جلّ ذِكره، ودين المؤمنين، ودين مولانا لا ينفسد أبداً.

لذلك رأينا حمزة يُحذّر من قبول كلام هذا النصيري، مُعلناً أنّ (مَن قَبِل كلامه عَبَد إبليس، واعتقد التناسخ، وحلّل الفروج، واستحلّ الكذب والبهتان).

ومن خلال ردّ حمزة على (النصيري) قارنَ بين أقوال النصيرية، وأقوال القائلين بإلوهية الحاكم، موضّحاً حقيقة أقوال مؤلّهة الحاكم، من ذلك مثلاً قوله: (مَن اعتقدَ التناسخ مثل النصيرية المعنوية، في علي بن أبي طالب وعَبَده - خسرَ الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين).

وقوله: (ثمّ إنّه إذا ذكرَ علياً يقول: علينا سلامه ورحمته، وإذا ذكرَ مولانا جلّ ذكره يقول: علينا سلامه. فيطلب الرحمة من المفقود المعدوم

٤٥

ويجحد الموجود الحاكم بذاته المنفرد عن مبدعاته، ولا يكون في الكفر أعظم من هذا، فصحّ عند الموحّد العارف بأنّ الشرك الذي لا يُغفر أبداً (هو): بأن يُشرك بين علي بن أبي طالب وبين مولانا جلّ ذكره، ويقول: علي مولانا الموجود، ومولانا هو علي، لا فرق بينهما، والكفر ما اعتقدهُ هذا الفاسق من العبادة في علي بن أبي طالب والجحود لمولانا جلّ ذكره).

وإلى جانب اتّهام حمزة بن علي النصيرية، باعتقادهم التناسخ، وعبادة علي بن أبي طالب، فقد اتّهمهم بأمورٍ أخلاقية تنال من سمعتهم وشرفهم، من ذلك: (إنّ النصيريين لا يُحرّمون القتل ولا السرقة، ولا الكذب ولا الافتراء، ولا الزنا حتى ولا اللواطة، ولا يحجب عريقو النصيرية نساءهم وبناتهم عن بعضهم، ولا يعبأون بكلّ ما يمكن حدوثه بين الرجال والنساء، وإلاّ فلا يكمل إيمانهم).

وكان هذا الاتّهام ردّاًَ على اتّهام النصيريين، القائلين بإلوهية الحاكم بأنّ (جميع ما حرّموه من القتل والسرقة والكذب والبهتان والزنا والفاحشة، فهو مطلق للعارف والعارفة)، ونحن لا نستطيع أن نطمئن إلى صحة اتّهامات كل واحدٍ منهما إلى الآخَر ؛ لأنّ الدافع إليها خلاف عقائدي شديد، فلا عجب إذاً أن يَصمَ كلٌ منهما الآخَر بأقبح وأشنع التّهم ؛ للحطّ من مقامه.

وأوّل مَن تنبّه إلى بطلان الاتّهامات التي كالَها حمزة بن علي إلى النصيرية، صاحبا (ولاية بيروت)، رفيق التميمي، ومحمد بهجت، إذ قالا: (لعلّ هذه الاتّهامات مختلَقة، إذ لا يُعثر في كتب النصيرية، ولا في أغانيهم أدنى إشارة تدلّ على صحتها، وقد أجمعَ كلّ مَن احتكّ بهذه الطائفة واختبرها أنْ لا صحة لوجود تلك الرذائل الأخلاقية فيهم، ولعلّ مؤلّف الرسالة الدامغة استهجنَ من النصيريين عدم الاحتجاب فضربَ أخماسه بأسداسه، وتشفّى منهم بهذه التّهمة المشينة).

وقد تناسى المؤرّخون كتاب النصيري، وتمسّكوا بكل ما جاء في رسالة حمزة التي ذاعت وانتشرت، وكانت نقطة الانطلاق لكلّ مَن يريد أن يطعن في أخلاقيات النصيرية.

٤٦

ومن القدماء الذين أشاروا إلى شيء من عقائد النصيرية أيضاً، المعرّي في (اللزوميات)، بقوله:

يا آكِلَ التُفّاحِ لا تَبعَدَن

وَلا يُقِم يَومُ رَدىً ثاكِلَك

قالَ النُصَيريُّ وَما قُلتُهُ

فَاِسمَع وَشَجِّع في الوَغى ناكَلَك

قَد كُنتَ في دَهرِكَ تُفّاحَةً

وَكانَ تُفّاحُكَ ذا آكِلَك

وَحَرفَ هاجٍ لُحتَ فيما مَضى

وَطالَما تَشكُلُهُ شاكَلَك

وفي(رسالة الغفران) عند حديثه عن التناسخ، إذ قال: (وتؤدّي هذه النحلة إلى التناسخ، وهو مذهبٌ عتيقٌ يقول به أهل الهند، وقد كثر في جماعة من الشيعة، نسأل الله التوفيق والكفاية، وينشد لرجلٍ من النصيرية:

أعَجَبي أمنّا لصرف الليالي

جعلتْ أختَنا سكينة قاره

فازجري هذه السنانير عنها

واتركيها وما تضمّ الغراره

وقال آخَرٌ منهم:

تبارك الله كاشفَ المِحن

فقد أرانا عجائب الزمن

حمار شيبان شيخُ بلدتنا

صيّره جارنا أبو السكن

بدّل من مَشيته بحلته

مَشيته في الحزام والرسن

وهذه الأبيات - التي رواها المعرّي عن اثنين من النصيرية لم يسمِّهما - لا تعطينا أيّة فكرة عن مذهب النصيرية، وهي تفيد السخرية والدعابة لا أكثر.

وأوّل مَن تعرّض للحديث عن النصيرية - من كتّاب الفِرق - الشهرستاني في(الملل والنحل) ، وجميع الذين كَتبوا عن الفِرق الإسلامية من قَبله، وهم: ابن قتيبة (ت 276هـ)، النوبختي (ت: 288هـ)، الأشعري القمي (ت: 301هـ)، أحمد بن حمدان الرازي (ت 332هـ)، الأشعري (ت 324هـ)، البلخي (ت: 340هـ)، المسعودي (ت 346هـ)، الملطي (ت 377هـ)، البغدادي (ت: 429هـ)، لم يأتِ

٤٧

أيٌ منهم على ذكر للنصيرية، والشهرستاني عندما تكلّم عن النصيرية، لم يتكلّم عنها لوحدها، وإنّما تكلّم عنها وعن الإسحاقية معاً، معتبراً إيّاهما فرقة واحدة، قال:

(النصيرية والإسحاقية من جملة غلاة الشيعة، ولهم جماعة ينصرون مذهبهم، ويذبّون عن أصحاب مقالاتهم، وبينهم خلافٌ في كيفية إطلاق اسم الإلهية على الأئمة أهل البيت).

قالوا: ظهور الروحاني بالجسد الجسماني أمرٌ لا ينكره عاقل، أمّا في جانب الخير فكظهور جبريلعليه‌السلام ببعض الأشخاص والتصوّر بصورة أعرابي، والتمثّل بصورة البشر، وأمّا في جانب الشر فكظهور الشيطان بصورة إنسان حتى يعمل الشرّ بصورته، وظهور الجن بصورة بشر حتى يتكلّم بلسانه.

فكذلك نقول: إنّ الله تعالى ظهرَ بصورة أشخاص، ولمـّا لم يكن بعد رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) شخص أفضل من علي (رضي الله عنه) وبعده أولاده المخصوصون، وهُم خيرُ البريّة، فظهرَ الحقّ بصورتهم، ونطق بلسانهم، وأخذ بأيديهم، فعن هذا أطلقنا اسم الإلهية عليهم، وإنّما أثبتنا الاختصاص لعليعليه‌السلام دون غيره ؛ لأنّه كان مخصوصاً بتأييد إلهي من عند الله تعالى، فيما يتعلّق بباطن الأسرار.

قال النبي (صلّى الله عليه وسلّم): (أنا أحكم بالظاهر والله يتولّى السرائر)، وعن هذا كان قتال المشركين إلى النبي (صلّى الله عليه وسلّم)، وقتال المنافقين إلى علي (رضي الله عنه)، ومن هذا شبّهه بعيسى بن مريمعليه‌السلام فقال النبي (صلّى الله عليه وسلّم): (لولا أن يقولَ الناس فيكَ ما قالوا في عيسى بن مريم عليه السلام لقلتُ فيكَ مقالاً)، وربّما أثبتوا له شركة في الرسالة ؛ إذ قال النبي (صلّى الله عليه وسلّم): (فيكم مَن يقاتل على تأويله، كما قاتلتُ على تنزيله، ألا وهو خاصف النعل).

فعِلم التأويل، وقتال المنافقين، ومكالمة الجن، وقلع باب خيبر لا بقوّة جسدانية، من أوّل الدليل على أنّ فيه جزءاً إلهياً وقوّة ربّانية، أو يكون هو الذي ظهرَ الإله بصورته وخلق بِيَده وأمر بلسانه. وعن هذا قالوا: كان هو موجوداً قبل خلق السماوات والأرض، قال: (كنّا أظلّة على يمين العرش، فسبّحنا فسبّحت الملائكة بتسبيحنا)، فتلك الظِلال وتلك الصور التي تُنبئ عن الظِلال هي

٤٨

 حقيقته، وهي مشرقة بنور الربّ، إشراقاً لا ينفصل عنها، فسواء كانت في هذا العالَم أو في ذلك العالم، وعن هذا قال علي (رضي الله عنه): (أنا مِن أحمد كالضوء من الضوء، لا فرق بين النورين، إلاّ أنّ أحدهما سابقٌ، والثاني لاحقٌ به تالٍ له).

قالوا: وهذا يدلّ على نوع من الشركة، فالنصيرية أمْيَل إلى تقرير الجزء الإلهي، والإسحاقية أمْيَل إلى تقرير الشركة في النبوّة، ولهم اختلافات أُخرى لا نذكرها.

وقد نجزت الفِرق الإسلامية وما بقيت إلاّ فرقة الباطنية....).

وتستوقفنا في هذا النص الملاحظات التالية:

1 - لم يذكر الشهرستاني أسماء أصحاب مقالة النصيرية والإسحاقية، كما أنّه لم يَنسب أيّاً من الفرقتين إلى شخصٍ معيّن بالذات.

2 - ذكرَ للبيانية مقالة تشبه مقالة النصيرية شبهاً كاملاً، هي: (أتباع بيان بن سمعان التميمي، قال: حلّ في علي جزء إلهي، واتّحد بجسده، فبه كان يعلم الغيب ؛ إذ أخبرَ عن الملاحم وصحّ الخبر، وبه كان يحارب الكفار وله النصرة والظفر، وبه قلع باب خيبر، وعن هذا قال: (والله، ما قلعتُ باب خيبر بقوّة جسدانية، ولا بحركة غذائية، ولكن قلعته بقوّة رحمانية ملكوتية بنور ربّها مضيئة).

3 - إذا تأمّلنا قوله: (وقد نجزت الفِرق الإسلامية وما بقيت إلاّ فرقة الباطنية)، وقارنّاه بما ذكره عن الإسماعيلية (وأشهر ألقابهم الباطنية، وإنّما لزمَهم هذا اللقب لحُكمهم بأنّ لكلّ ظاهر باطناً، ولكلّ تنزيل تأويل، ولهُم ألقابٌ كثيرة، سوى هذه على لسان قوم قوم، فبالعراق يسمّون الباطنية، والقرامطة، والمزدكية، وبخراسان التعليمية، والملحدة...) تبيّن لنا أنّ النصيرية غير القرامطة والباطنية، وأنّه لا رابطة تجمع ما بينهم وبين هؤلاء.

4 - يُفهم من كلامه: أنّ مقالة الإسحاقية هي ذاتها مقالة النصيرية، والخلاف ما بينهما محصور فقط في كيفية إطلاق اسم الإلهية على الأئمة أهل البيت، وأنّ النصيرية أمْيَل إلى تقرير الجزء الإلهي، بينما الإسحاقية

٤٩

أمْيَل إلى تقرير الشركة في النبوّة.

لكنّه أوقَع نفسه في تناقضٍ كبير، حينما ذكر للإسحاقية مقالة تختلف تماماً مع ما تقدّم بيانه ؛ وذلك عند حديثه عن الكرامية، قال:

(أصحاب أبي عبد الله محمد بن كرام،... وهُم طوائف بَلَغ عددهم اثنتي عشرة فرقة، وأصولها ستة: العابدية، والتونية، والزرينية، والإسحاقية، والواحدية، وأقربهم الهيصمية، ولكلّ واحدٍ منهم رأي، إلاّ أنّه لمـّا لم يصدر ذلك عن علماء معتبرين، بل عن سفهاء اغتام جاهلين، لم نفردها مذهباً، وأوردنا مذهب صاحب المقالة، وأشرنا إلى ما يتفرّع منه.

نصّ أبو عبد الله على أنّ معبوده على العرش استقراراً، وعلى أنّه بجهة فوق ذاتاً، وأطلقَ عليه اسم الجوهر، فقال في كتابه المسمّى عذاب القبر: إنّه أحَدي الذات، أحَدي الجوهر، وإنّه مماس للعرش من الصفحة العليا، وجوّز الانتقال، والتحوّل، والنزول،... وأطلق أكثرهم لفظ الجسم عليه....

ومن مذهبهم جميعاً: جواز قيام كثير من الحوادث بذات الباري تعالى، ومن أصلهم: أنّ ما يحدث في ذاته فإنّما يحدث بقدرته، وما يحدث مبايناً لذاته فإنّما يحدث بواسطة الأحداث... ويفرّقون بين الخلق والمخلوق، والإيجاد والموجود والموجِد، وكذلك بين الإعدام والمعدوم.....

وزعموا أنّ في ذاته سبحانه حوادث كثيرة، مثل: الإخبار عن الأمور الماضية والآتية، والكتب المنزلة على الرسلعليهم‌السلام ، والقصص والوعد والوعيد والأحكام، ومن ذلك المـُسمعات والمـُبصرات فيما يجوز أن يُسمع ويُبصر، والإيجاد والإعدام هو القول والإرادة، وذلك قوله (كُن) للشيء الذي يريد كونه، وإرادته لوجود ذلك الشيء، وقوله للشيء كُن، صورتان.

وعلى قول الأكثرين منهم: الخلق عبارة عن القول والإرادة.

ومن أصلهم: أنّ الحوادث التي يحدثها في ذاته واجبة البقاء، حتى يستحيل عدمها.

ومن أصلهم: أنّ المـُحدث إنّما يحدث في ثاني حال ثبوت الأحداث بلا فصل، ولا أثَر للأحداث في حال بقائه.

ومن أصلهم: أن ما يحدث في ذاته من الأمر فمنقسم إلى أمر

٥٠

التكوين، وإلى ما ليس أمر التكوين،..... وممّا أجمعوا عليه من إثبات الصفات قولهم: الباري تعالى عالِم بعلم، قادر بقدرة، حيٌّ بحياة، شاءٍ بمشيئة، وجميع هذه الصفات صفات قديمة أزلية قائمة بذاته.

واتّفقوا على أنّ العقل يحسّن ويقبّح قبل الشرع، وتجب معرفة الله تعالى بالعقل.

وقالوا: الإيمان هو الإقرار باللسان فقط دون التصديق بالقلب، ودون سائر الأعمال.

وقالوا في الإمامة: إنّها تثبت بإجماع الأمّة، دون النصّ والتعيين كما قال أهل السنّة، إلاّ أنّهم جوّزوا عقد البيعة لإمامين في قطرين.

ومذهبهم الأصلي: اتّهام علي (رضي الله عنه) في الصبر على ما جرى مع عثمان (رضي الله عنه) والسكوت عنه، وذلك عرق نزع).

وإزاء هذا التناقض بتنا لا نعلم أيّ القولين هو الصحيح. وتزداد حيرتنا إذا عَلمنا أنّ كتّاب الفِرق، نقلوا عن الإسحاقية كلاماً يختلف جذرياً، عمّا أوردهُ الشهرستاني.

فالخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد) يذكر(1) :

(سمعتُ أبا القاسم عبد الواحد بن علي الأسدي يقول: إسحاق بن محمد بن أبان النخعي الأحمر كان خبيث المذهب، رديء الاعتقاد، يقول: إنّ علياً هو الله جلّ جلاله وأعز، قال: وكان أبرص، فكان يطلي البرص بما يُغيّر لونه فسمّي الأحمر لذلك، قال: وبالمدائن جماعة من الغلاة يُعرفون بالإسحاقية، يُنسبون إليه.

سألتُ بعض الشيعة ممّن يعرف مذاهبهم، ويخبر أحوال شيوخهم عن إسحاق، فقال: لي مثل ما قاله عبد الواحد بن علي سواء.

وقال: لإسحاق مصنّفات في المقالة المنسوبة إليه، التي يعتقدها الإسحاقية، ثمّ وقَع إليّ كتاب لأبي محمد الحسن بن يحيى النوبختي من تصنيفه، في الردّ على الغلاة، وكان النوبختي هذا من متكلّمي الشيعة الإمامية، فذكرَ أصناف مقالات الغلاة، إلى أن قال: وقد كان ممّن جوَّد الجنون في الغلو في عصرنا، إسحاق بن محمد المعروف بالأحمر، وكان ممّن يزعم

____________________

(1) المجلّد 6، ص380.

٥١

أنّ علياً هو الله، وأنّه يظهر في كلّ وقت، فهو الحسن في وقت الحسن، وكذلك هو الحسين، وهو واحد، وأنّه هو الذي بعثَ بمحمد (صلّى الله عليه وسلّم)، وقال في كتابٍ له: لو كانوا ألْفاً لكانوا واحداً.

وكان راوية للحديث، وعمل كتاباً ذَكر أنّه كتاب التوحيد، فجاء فيه بجنون وتخليط لا يتوهّمان، فضلاً مَن يدلّ عليهما، وكان ممّن يقول: باطن صلاة الظهر محمد (صلّى الله عليه وسلّم) ؛ لإظهاره الدعوة، قال: ولو كان باطنها هو هذه التي هي الركوع والسجود، لم يكن لقوله: ( إِنّ الصّلاَةَ تَنْهَى‏ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَر ) يعني أنّ النهي لا يكون إلاّ من حي قادر.

وعن الإسحاقية، قال ابن الجوزي في (تلبيس إبليس): (قالوا: إنّ النبوّة متّصلة إلى يوم القيامة، وكلّ مَن يعلم علم أهل البيت فهو نبي).

فخر الدين الرازي في(اعتقادات فِرق المسلمين والمشركين) ، يسمّي الإسحاقية (الإسجافية) ويقول عنها: (ويزعمون أنّ الله تعالى كان يحلّ في علي في بعض الأوقات، وفي اليوم الذي قلعَ علي باب خيبر كان الله تعالى قد حلّ فيه).

5 - ما تجدر الإشارة إليه: أنّ الشهرستاني كان يتلاعب في الأقوال، ويورد النصّ بصيغة بعيدة عن الحقيقة، مثال ذلك قوله: (عن هذا قالوا: كان هو موجوداً قبل خلق السموات والأرض، قال...)، بحيث يُفهم من صيغة هذا الكلام: أنّ قائله هو جماعة النصيرية أو الإسحاقية، مع أنّ الحقيقة خلاف ذلك، وعبارة (كان هو موجوداً قبل خلق السماوات والأرض)... ليست من كلام النصيرية أو الإسحاقية، وإنّما هي نصّ حديث شريف، جاء في كتاب(غاية المرام) للعلاّمة البحريني، عن(فرائد السمطين)، و(مسند أحمد)، و(فضائل الخوارزمي) ، و(مناقب الخطيب) أنّ النبي (صلّى الله عليه وسلّم)، قال: ( كنتُ أنا وعلي نوراً بين يدي الله تعالى، قبل أن يخلق الخلق، فلمّا خلقَ آدم ركّبَ ذلك النور في صلبه، فلم يزل في شيء واحد حتى أفرق في صلب عبد المطلب).

وهو حديث مشهور ذكره المعري في قصيدته ذات المطلع:

٥٢

علّلاني فإنّ بيضَ الأماني

فنيتُ والزمان ليس بفانِ

يقول:

أحَد الخمسة الذين هُم الأغراض

في كلّ منطقٍ والمعاني

والشخوص الذين خَلقن ضياء

قبل خلق المِرّيخ والميزان

قبل أن تُخلق السماوات أو تؤمر

أفلاكهنّ بالدوران ...

هذا التلاعب في الأقوال من قِبَل الشهرستاني، يجعلنا نتساءل: هل كان الشهرستاني يختلق الأقوال ويحرِّفها؟ لا نستبعد ذلك، وهو على كلّ حال متّهم في عقيدته، وفي نزاهته، وفي أمانته العلمية.

يقول معاصره أبو محمد الخوارزمي: (ولولا تخبّطه في الاعتقاد، ومَيله إلى هذا الإلحاد لكانَ هو الإمام، وكثيراً ما كنّا نتعجّب من وفور فضله وكمال عقله، وكيف مالَ إلى شيء لا أصل له، واختارَ أمراً لا دليل عليه لا معقولاً ولا منقولاً، ونعوذ بالله من الخذلان والحرمان من نور الإيمان)(1) ، ومثل هذا الكلام عن الشهرستاني يروي السبكي في(طبقات الشافعية) .

ويذكر ظهير الدين البيهقي في(تاريخ حكماء الإسلام): إنّ الشهرستاني كان يصنّف تفسيراً ويؤّول الآيات على قوانين الشريعة والحكمة وغيرها، فلمّا قيل له: هذا عدول عن الصواب، امتلأَ من ذلك غضباً.

وكان ممّن جرَحوا الشهرستاني أيضاً، عبد الحسين أحمد الأميني في (الغدير)، الذي سجّلَ عليه كثيراً من المآخذ والسقطات ؛ وذلك في تعليقه على قول الشهرستاني: (اختلفَ الشيعة بعد موت علي بن محمد العسكري أيضاً، فقال قوم: بإمامة جعفر بن علي، وقال قوم: بإمامة الحسن بن علي، وكان لهم رئيس يقال له علي بن فلان الطاحن، وكان من أهل الكلام، قوّى أسباب جعفر بن علي،

____________________

(1) ياقوت الحموي: معجم البلدان، مادة شهرستان.

٥٣

وأمالَ الناس إليه، وأعانه فارس بن حاتم بن ماهويه ؛ وذلك أنّ محمداً قد مات، وخلّف الحسن العسكري، قالوا: امتحنّا الحسن ولم نَجِد عنده عِلماً، ولقّبوا مَن قال بإمامة الحسن الحمارية، وقوّوا أمر جعفر بعد موت الحسن، واحتجّوا بأنّ الحسين مات بلا خلف، فبطلت إمامته ؛ لأنّه لم يعقّب، والإمام لا يكون إلاّ ويكونَ له خلفٌ وعَقب، وحاز جعفر ميراث الحسن بعد دعوةٍ ادّعاها عليه، أنّه فعلَ ذلك من صلب جواريه وغيره، وانكشفَ أمرهم عند السلطان والرعية وخواصّ الناس وعوامّهم، وتشتّتت كلمة مَن قال بإمامة الحسن، وتفرّقوا أصنافاً كثيرة، فثبتت هذه الفرقة على إمامة جعفر، ورجع إليهم كثير ممّن قال بإمامة الحسن، منهم الحسن بن علي بن فضّال، وهو من أجَلّ أصحابهم وفقهائهم، كثير الفقه والحديث، ثمّ قالوا بعد جعفر، بعلي بن جعفر، وفاطمة بنت علي أخت جعفر، وقال قومٌ: بإمامة علي بن جعفر دون فاطمة السيدة، ثمّ اختلفوا بعد موت علي وفاطمة اختلافاً كثيراً).

فكان ردّ الأميني على هذا الكلام: (ليتَ شِعري متى وقعَ الخلاف في الإمامة بين الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام ، وبين أخيه جعفر، الذي ادّعى الإمامة بعد وفاة أخيه؟ ومَن هو علي بن فلان الطاحن، الذي قوّى أسباب جعفر، وأمالَ الناس إليه؟! ومتى خُلق؟! ومتى مات؟ ولستُ أدري أي هي بن بي هو؟ وهل وجَد لنفسه مقيلاً في مستوى الوجود؟

أنا لا أدري والشهرستاني لا يدري والمنجّم أيضاً لا يدري، وكيف أعانَ جعفراً فارس بن حاتم بن ماهويه، وقد قتلهُ جنيد بأمر والده الإمام علي الهاديعليه‌السلام ، ومَن هو محمد الذي خَلف الإمام الحسن العسكري؟! أهو الإمام محمد الجواد؟! ولم يَخلف إلاّ ابنه الإمام الهادي سلام الله عليه، أو هو أبو جعفر محمد بن علي صاحب البقعة المعظّمة بمقربة بلد، وقد مات بحياة أبيه الطاهر والإمامة مستقرّة لوالده، ومتى كان إماماً أو مدّعياً الإمامة حتى يخلف غيره عليها؟! ومَن هؤلاء الذين امتحنوا الحسن الزكي العسكري فلم يجدوا عنده عِلماً؟! ثمّ وجدوه في جعفر، الذي لم يُعرف عنه شيء غير أنّه ادّعى الإمامة باطلاً بعد أخيه؟!

٥٤

وقصارى ما عندنا: أنّه أدرَكته التوبة، ولم يوجد له ذكر بعلم أو ترجمة في أيّ من الكتب، ولا نَشرت عنه كتب الأحاديث شيئاً من علومه المدّعاة له عند الشهرستاني، لو صدقت الأوهام، وهذا الحسن العسكريعليه‌السلام تجده في التراجم والمعاجم من الفريقين مذكوراً بالعلم والثقة، وملأ كتب العلم والحديث تعاليمه ومعارفه، ومَن هُم الذين لقّبوا أتباع الحسنعليه‌السلام بالحمارية؟!

نعم، أهل بيت النبوّة محسودون في كل وقت، فكان يحصل لكلّ منهم في وقته مَن يسبّه حسداً، ويسبّ أتباعه، لكن لا يذهب لقباً له أو لأشياعه، وإنّما يتدهور في مهوى الضعة.

ومتى كان الحسن بن علي بن فضّال في عهد الإمام الحسن العسكري؟! حتى يرجع عنه جعفر إلى جعفر، وقد توفّي ابن فضّال سنة 221 ونطفة الحسن وجعفر بعدُ لم تنعقد، وقبل أن يبلغ الحُلم والدهما الطاهر الإمام الهادي المتولّد سنة 212هـ، ومَن ذا الذي ذَكر للإمام الهادي بنتاً اسمها فاطمة؟! حتى يقولَ أحدٌ بإمامتها ؛ فإنّ الإمامعليه‌السلام لم يُخلّف من الذكور إلاّ الحسن والحسين وجعفراً، ومن الإناث إلاّ عليّة، باتّفاق المؤرّخين).

ومهما يكن من أمر، فإنّ لظهور الروحاني بالجسد الجسماني، أدلّة كثيرة في الكتاب والسنّة، قال تعالى في سورة مريم:( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً * فَاتّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً * قَالَتْ إِنّي أَعُوذُ بِالرّحْمنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً... ) .

وفي السنّة عن عمر (رحمه الله)، قال: (بينما نحن جلوس عند رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) ذات يوم، إذ طلعَ علينا رجلٌ شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منّا أحد، حتى جلسَ إلى النبي (صلّى الله عليه وسلّم) فأسندَ ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفّيه على فخذيه، وقال: يا محمد، أخبِرني عن الإسلام؟ فقال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): (الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت إن

٥٥

 استطعتَ إليه سبيلاً) قال: صدقتَ. فعجبنا له، يسأله ويصدّقه!.

قال: فأخبِرني عن الإيمان؟ قال: (أن تؤمن بالله وملائكته، وكتبهُ ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشرّه).

قال: صدقتَ.

قال: فأخبِرني عن الإحسان؟

قال: (أن تعبد الله كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك).

قال: فأخبِرني عن الساعة؟

قال: (ما المسئول عنها بأعلم من السائل).

قال: فأخبِرني عن إماراتها؟

قال: (أن تلد الأمَة ربّتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان).

ثمّ انطلقَ، فلبثتُ مليّاً، ثمّ قال: (يا عمر، أتدري مَن السائل؟)، قلتُ: الله ورسوله أعلم، قال: (فإنّه جبريل، أتاكم يعلّمكم دينكم) (رواه مسلم، متن الأربعين النووية، الحديث الثاني).

فنحن إذاً لا نستطيع أن نُنزّل كلام الشهرستاني منزلة اليقين ونعطيه الحجّية المطلقة، وعلينا أن نتعامل معه بمنتهى الحذر، وأن نضعه في غربال التدقيق والتمحيص. ومع ذلك، فإنّ ما كُتب عن النصيرية في مرحلة ما بعد الشهرستاني لا يتلاقى مع ما كَتبه الشهرستاني، ولا في نقطةٍ واحدة، مثال ذلك: ما رواه ابن الأثير في (الكامل) عند حديثه عن الشلمغاني ومذهبه، قال(1) : (وكان مذهبهُ أنّه إله الآلهة، يحقّ الحقّ. وأنّه الأوّل القديم الظاهر الباطن الرازق التام، الموما إليه بكلّ معنى. وكان يقول: إنّ الله سبحانه وتعالى يحلّ في كل شيء على قدر ما يحتمل، وإنّه خلقَ الضدّ ليدلّ على المضدود، فمِن ذلك أنّه حلّ في آدم لمـّا خلقهُ، وفي إبليسه أيضاً، وكلاهما ضدّ لصاحبه ؛ لمضادّته إيّاه في معناه، وأنّ الدليل على الحقّ أفضل من الحق، وأنّ الضد أقرب الشيء من شبهه، وأنّ الله عزّ وجل إذا حلّ في جسد ناسوتي ظهرَ من القدرة والمعجزة ما يدلّ على أنّه هو، وأنّه لمـّا غابَ آدم ظهرَ اللاهوت في خمسة ناسوتية، كلمّا غابَ منهم واحد ظهرَ مكانه آخَر. وفي

____________________

(1) حوادث سنة 322هـ.

٥٦

خمسة أبالسة أضداد لتلك الخمسة. ثمّ اجتمعت اللاهوتية في إدريس وإبليسه، وتفرّقت بعدهما، كما تفرّقت بعد آدم. واجتمعت في نوحعليه‌السلام وإبليسه، وتفرّقت عند غيبتهما. واجتمعت في إبراهيمعليه‌السلام وإبليسه نمرود، وتفرّقت لمـّا غابا. واجتمعت في هارون وإبليسه فرعون، وتفرّقت بعدهما. واجتمعت في سليمان وإبليسه، وتفرّقت بعدهما. واجتمعت في عيسى وإبليسه، فلمّا غابا تفرّقت في تلامذة عيسى وأبالستهم. ثمّ اجتمعت في علي بن أبي طالب وإبليسه.

ثمّ إنّ الله يظهر في كلّ شيء، وكلّ معنى، وإنّه في كلِ أحَد، بالخاطر الذي يخطر بقلبه، فيتصوّر له ما يغيب عنه، حتى كأنّه يشاهده. وإنّ الله اسم لمعنى، وإنّ مَن احتاج الناس إليه فهو إله ؛ ولهذا المعنى يستوجب كل أحَد أن يسمّى إلهاً. وإنّ كل أحَد من أشياعه يقول: إنّه ربّ لِمَن هو دون درجته، وإنّ الرجلَ منهم يقول: أنا ربٌّ لفلان، وفلان ربٌّ لفلان، وفلان ربُّ ربّي، حتى يقع الانتهاء إلى ابن أبي القراقر، فيقول: أنا ربُّ الأرباب، لا ربوبية بعده، ولا يُنسب الحسن والحسين (رضي الله عنهما) إلى علي (كرم الله وجهه) ؛ لأنّ مَن اجتمعت له الربوبية لا يكون له ولَد ولا والد.

وكانوا يسمّون موسى ومحمداً (صلّى الله عليه وسلّم) الخائنين ؛ لأنّهم يدّعون أنّ هارون أرسلَ موسى، وعلياً أرسلَ محمداً، فخاناهما.

ويزعمون أنّ علياً أمهلَ محمداً عدد سِنين أصحاب الكهف، فإذا انقضت هذه المدّة - وهي ثلاثمئة وخمسون سنة - انتقلت الشريعة، ويقولون: إنّ الملائكة كلّ مَن مَلَك نفسه وعرفَ الحق، وإنّ الجنة مَعرفتهم وانتحال مذهبهم، والنار الجهل بهم والعدول عن مذهبهم.

ويعتقدون تَرك الصلاة والصيام وغيرهما من العبادات، ولا يتناكحون بعقدٍ، ويبيحون الفروج، ويقولون: أن يمتحنَ الناس بإباحة فروج نسائهم، وإنّه يجوز أن يجامع الإنسان مَن يشاء من ذوي رحمه، وحَرَم صديقه وابنه، بعد أن يكون على مذهبه، وأن لابدّ للفاضل منهم أن ينكح المفضول ؛ ليولج النور فيه، ومَن امتنعَ عن ذلك قُلب في الدَّور الذي يأتي بعدَ هذا العالَم امرأة ؛ إذ كان من مذهبهم التناسخ.

وكانوا يعتقدون إهلاك الطالبيين والعباسيين (تعالى الله عمّا يقول الظالمون والجاحدون علوّاً كبيراً)، وما أشبه هذه المقالة بمقالة النصيرية، ولعلّها هي هي ؛ فإنّ النصيرية يعتقدون في ابن

٥٧

الفرات ويجعلونه رأساً في مذهبهم...).

وإذا كان ابن الأثير شبّه مقالة الشلمغاني بمقالة النصيرية، وصرّح: (لعلّها هي هي) ؛ فإنّ الحقيقة خلاف ما يزعمه، والأدلّة على ذلك كثيرة، منها:

1 - الشلمغاني مات قتلاً سنة 322هـ، واصطلاح النصيرية - كما رأينا - ظهرَ لأوّل مرّة في مطلع المئة الرابعة.

2 - ياقوت الحموي - الذي نقلَ ابن الأثير عنه - لم يقُل: إنّ مقالة الشلمغاني تشبه مقالة النصيرية، ولم ترد على لسانه كلمة نصيرية(1) .

وكذلك فإنّ جميع المؤرّخين الذين كتبوا عن الشلمغاني: كالمسعودي (ت 345هـ)، وابن النديم (ت 385هـ)، والبغدادي (ت 429هـ)، والأسفرايني (ت 471هـ)، وابن الجوزي (ت 597هـ)، والحموي (ت 626هـ)، وابن خلّكان (ت 681هـ)، وأبي الفداء (ت 732هـ)، واليافعي اليمني (ت 768هـ)، والسيوطي (ت 911هـ)، وابن العماد (ت 1089هـ)، والمؤلّف المجهول، لم يقُل أيّ منهم: إنّ مقالة الشلمغاني تشبه مقالة النصيرية، ومنهم مَن جاء قبل ابن الأثير، ومنهم بعده.

3 - ما وردنا من أخبار عن مقالة النصيرية على لسان الشهرستاني، لا يأتلف مع ما ذكره ابن الأثير.

4 - ثمّة أقوال أوردها ابن الأثير على أنّها من مذهب الشلمغاني، قرأناها في كتب الفِرق منسوبة إلى القرامطة، كالقول بالتناسخ وإباحة نساء بعضهم لبعض، والقول بالناسوت في اللاهوت، وإسقاط فرائض العبادات.

يقول الملطي في(التنبيه والرد) عن القرامطة: (وقومٌ منهم يقولون

____________________

(1) إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب: الجزء الأوّل، ص (296) تحت عنوان (إبراهيم بن أبي عون).

٥٨

بتناسخ الروح، وهم يقولون: بالناسوت في اللاهوت، على قول النصارى سواء، وزعموا أنّ نساء بعضهم حلال لبعض، وكذلك أولادهم وأبدانهم، مباحة من بعضهم لبعض، لا تحظير بينهم ولا منع...).

وفي كُتب الفِرق: أنّ فرقة المخمِّسة هي التي تقول: إنّ الله حلّ في خمسة أشخاص.

وذكرَ البغدادي في (الفَرق بين الفِرق) عند حديثه عن الشريعية: أنّ الشريعي هو الذي زعمَ أنّ الله تعالى حلّ في خمسة أشخاص، وهُم: النبي (صلّى الله عليه وسلّم)، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين، وزعموا أنّ هؤلاء الخمسة آلهة، ولها أضداد خمسة.

ولم يقُل أيُّ أحدٍ من كتّاب الفِرق: إنّ المخمسة، أو الشريعية هي النصيرية، أو أنّ مقالتها تشبه مقالة النصيرية.

5 - على رأي الشلمغاني، كما ذكرَ ابن الأثير: يوجد أربابٌ عديدون على شكلٍ هَرَمي، رأسه الشلمغاني (ربّ الأرباب، لا ربوبية بعده)، بينما مقالة النصيرية - كما ذكرَ الشهرستاني -: أنّ في عليعليه‌السلام جزءٌ إلهي وقوةٌ ربّانية، أو يكون هو الذي ظهرَ الإله بصورته.

6 - ولنا أن نتساءل: مَن هو (ابن الفرات) الذي قال ابن الأثير: إنّ النصيرية يعتقدون فيه، ويجعلونه رأساً في مذهبهم، وما مقام هذا الكلام هنا؟!

ابن الأثير لم يُصرّح باسمه، وكُتب التاريخ ذكرتْ لنا أسماءً كثيرةً من بني الفرات، منهم: علي بن محمد بن موسى بن الفرات وزير المقتدر، وأسد بن الفرات فاتح صقلية، وإسحاق بن الفرات قاضي ديار مصر، وجعفر بن الفضل بن الفرات، والفضل بن جعفر بن موسى بن الفرات، وأحمد بن الفرات، والمحسن بن فرات، ووثيمة بن الفرات، وعمر بن الفرات.

وكتّاب الفِرق ذَكروا اثنين من بني الفرات:

الأوّل : هو عمر بن الفرات، والفرقة التي تُنسب إليه تسمّى بالعمرية، على ما يذكر الحافظ رجب البرسي

٥٩

في(مشارق أنوار اليقين) . والثاني : هو محمد بن موسى بن الحسن بن الفرات، الذي كان يقوّي أسباب النميري، على ما روى النوبختي في(فِرق الشيعة) .

ويميل ذهننا إلى الظنّ بأنّ المقصود هو علي بن محمد بن موسى بن الفرات، وزير المقتدر ؛ لأنّ ابن الأثير في أخبار سنة اثنتي عشرة وثلاثمئة - عند ذكره اعتراض أبي طاهر القرمطي الحاج في طريق مكّة - قال: (انقلبت بغداد واجتمعَ حرم المأخوذين إلى حرم المنكوبين، الذين نكبهم ابن الفرات، وجعلنَ ينادين: القرمطي الصغير أبو طاهر قَتل المسلمين في طريق مكّة، والقرمطي الكبير ابن الفرات قَتل المسلمين ببغداد،... فقال له نصر الحاجب: ومَن الذي سَلّم الناس إلى القرمطي غيرك ؛ لِمَا يجمع بينكما من التشيّع والرفض).

7 - وأخيراً نشير إلى أنّ البغدادي في(الفَرق بين الفِرق) أطلقَ على الفرقة التي تُنسب إلى الشلمغاني، اسم العذاقرية، وذكرها مرّتين: مرّة عند حديثه عن مذاهب المشبّهة وأصنافهم، ومرّة ثانية عند ذكر أصناف الحلولية، وفي المرّتين لم يذكر أنّ مقالة الشلمغاني أو العذاقرية، تشبه مقالة النصيرية، ولم يشِر إلى وجود أيّة صلة ما بين العذاقرية والنصيرية.

ما دام الأمر كذلك، لماذا شبّه ابن الأثير مقالة الشلمغاني بمقالة النصيرية، واعتبرها هي نفسها؟!

الجواب برأينا ؛ لأنّ الشلمغاني اتُّهم بالرفض، وهذا ما يُفهم من أقوال المؤرّخين: (أظهر الرفض)، و(دعا إلى الرفض)، و(إنّ زعيم الرافضة الحسين بن روح أظهرَ شأنه)، وكذلك لِمَا نُقل عنه من قول: (إنّ الله عزّ وجل إذا حلّ في هيكل ناسوتي أظهرَ من القدرة والمعجزة ما يدلّ على أنّه هو).

***

[تغيُّر وتبدُّل أقوال النصيرية بحسب مؤرِّخي الفِرق:

أ - فتواى ابن تيميَّة. ]

وممّا يسترعي الانتباه: أنّه كلمّا تقدّمنا في الزمن، وجَدنا أقوال النصيرية تتغيّر وتتبدّل عند كتّاب الفِرق والمؤرّخين، بحيث تختلف هذه

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

الطّرفة الثالثة والعشرون

روى هذه الطّرفة - عن كتاب الطّرف - العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٢٢؛ ٤٨٨ ) والعلاّمة البياضي في الصراط المستقيم ( ج ٣؛ ١٦٩ ) باختصار.

وتخرج فلانة عليك في عساكر الحديد

في إرشاد القلوب (٣٣٧) في خبر حذيفة بن اليمان، قال: ثمّ أمرصلى‌الله‌عليه‌وآله خادمة لأم سلمة، فقال لها: اجمعي لي هؤلاء - يعني نساءه - فجمعتهنّ له في منزل أم سلمة، فقال لهنّ: اسمعن ما أقول لكنّ - وأشار بيده إلى عليّ بن أبي طالب - فقال لهن: هذا أخي، ووصيّي، ووارثي، والقائم فيكنّ وفي الأمّة من بعدي، فأطعنه فيما يأمركنّ به، ولا تعصينه فتهلكن لمعصيته.

ثمّ قال: يا عليّ أوصيك بهنّ، فأمسكهنّ ما أطعن الله وأطعنك، وأنفق عليهنّ من مالك، وأمرهنّ بأمرك، وانههنّ عمّا يريبك، وخلّ سبيلهن إن عصينك.

فقال عليّعليه‌السلام : يا رسول الله، إنّهنّ نساء، وفيهنّ الوهن وضعف الرأي، فقال: أرفق بهنّ ما كان الرفق أمثل، فمن عصاك منهنّ فطلّقها طلاقا يبرأ الله ورسوله منها.

قال: كلّ نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قد صمتن فما يقلن شيئا، فتكلّمت عائشة، فقالت: يا رسول الله ما كنّا لتأمرنا بشيء فنخالفه إلى ما سواه.

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله لها: بلى، قد خالفت أمري أشدّ الخلاف [ في إفشائها ما أسرّه النبي إليها ]، وأيم الله لتخالفين قولي هذا، ولتعصينه بعدي، ولتخرجين من البيت الّذي أخلّفك فيه،

٤٨١

متبرّجة، قد حفّ بك فئات من الناس، فتخالفينه ظالمة له، عاصية لربّك، ولتنبحنّك في طريقك كلاب الحوأب، ألا إنّ ذلك كائن، ثمّ قال: قمن فانصرفن إلى منازلكنّ، فقمن فانصرفن.

وفي كمال الدين ( ج ١؛ ٢٧ ) بسنده عن عبد الله بن مسعود، قال: قلت للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا رسول الله من يغسّلك إذا متّ؟ قال: يغسّل كلّ نبي وصيّه، قلت: فمن وصيّك يا رسول الله؟ قال: عليّ بن أبي طالب، قلت: كم يعيش بعدك يا رسول الله؟ قال: ثلاثين سنة؛ فإنّ يوشع بن نون - وصي موسى - عاش بعد موسى ثلاثين سنة، وخرجت عليه صفراء بنت شعيب؛ زوجة موسى، فقالت: أنا أحقّ منك بالأمر، فقاتلها فقتل مقاتلتها، وأسرها فأحسن أسرها، وإنّ ابنة أبي بكر ستخرج على عليّ في كذا وكذا ألفا من أمّتي، فيقاتلها فيقتل مقاتليها، ويأسرها فيحسن أسرها، وفيها أنزل الله عزّ وجلّ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى ) (١) يعني صفراء بنت شعيب. وروى هذا الخبر الطبريّ الإمامي في بشارة المصطفى ( ٢٧٧ - ٢٧٨ ) بسنده عن عبد الله بن مسعود أيضا.

وقال العلاّمة البياضي في خبر رواه في الصراط المستقيم ( ج ٢؛ ٤٥ ): فلمّا ماتا [ هارون وموسى ] كان وصي موسى يوشع بن نون، فخرجت عليه صافورا، وهي غير صفراء بنت شعيب امرأة موسى ....

وفي كتاب اليقين ( ١٩٩ - ٢٠٠ ) نقلا من كتاب المعرفة لإبراهيم الثقفيّ، بإسناده عن نافع مولى عائشة، قال: كنت خادما لعائشة وأنا غلام ثمّ جاء جاء فدقّ الباب، فخرجت إليه، فإذا عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فرجعت إلى النبي وأخبرته، فقال: أدخله، فدخل عليّعليه‌السلام ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : مرحبا وأهلا، لقد تمنّيتك حتّى لو أبطأت عليّ لسألت الله أن يجيء بك، اجلس فكل، فجلس فأكل، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : قاتل الله من يقاتلك ومن يعاديك، قالت عائشة: ومن يعاديه؟، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنت ومن معك، أنت ومن معك. وروى نحوه في ( ٢٤٦ - ٢٤٧ )

__________________

(١) الأحزاب؛ ٣٣

٤٨٢

عن كتاب « المائة حديث » بطرق العامة، ورواه الطبريّ الإمامي في المسترشد (٦٠٣).

وقال ابن حجر في تطهير الجنان (٥٠): وبسند رجاله ثقات أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: يا عليّ، إنّه سيكون بينك وبين عائشة أمر إذا كان كذلك فارددها إلى مأمنها.

وفي ينابيع المودّة ( ج ٢؛ ١٠٥ ) عن أم سلمة، قالت: ذكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خروج واحدة من أمّهات المؤمنين، فضحكت عائشة، فقال: يا حميراء، إيّاك أن تكوني أنت، ثمّ التفت إلى عليّعليه‌السلام ، فقال: إن وليت من أمرها شيئا فأرفق بها. وهو في مناقب الخوارزمي (١١٠).

وحديث كلاب الحوأب من الأحاديث الصحيحة المتواترة معنى؛ فقد قال ابن حجر في تطهير الجنان (٥٠): وبسند رجاله رجال الصحيح: أن عائشة لمّا نزلت على الحوأب سمعت نباح الكلاب، فقالت: ما أظنني إلاّ راجعة، سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لنا: أيّتكنّ تنبح عليها كلاب الحوأب؟! فقال لها الزبير: لا ترجعين، عسى الله أن يصلح بك الناس.

وقال: وبسند رجاله ثقات، أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لنسائه: أيّتكنّ صاحبة الجمل الأزيب - أي بزاي فتحتية فموحّدة، الطويل أو الضامر - تخرج فتنبحها كلاب الحوأب، تقتل عن يمينها وعن يسارها قتلى كثيرة، ثمّ تنجو بعد ما كادت تهلك.

وفي شرح النهج ( ج ٩؛ ٣١١ ) قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لنسائه، وهنّ جميعا عنده: أيّتكنّ صاحبة الجمل الأدبب، تنبحها كلاب الحوأب، يقتل عن يمينها وشمالها قتلى كثيرة كلّهم في النار، وتنجو بعد ما كادت.

وفيه أيضا ( ج ٦؛ ٢١٧ - ٢١٨ ) قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أيّتكنّ صاحبة الجمل الأدبب، تنبحها كلاب الحوأب فتكون ناكبة عن الصراط.

وفي الصراط المستقيم ( ج ٣؛ ١٦٣ ) قالت أم سلمة لعائشة: ألا تذكرين قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تذهب الأيّام واللّيالي حتّى تنابح كلاب الحوأب على امرأة من نسائي في فئة طاغية؟!

وفي ينابيع المودّة ( ج ٢؛ ٧١ ) عائشة، رفعته: أنّ الله قد عهد إليّ أنّ من خرج على عليّعليه‌السلام فهو كافر في النار، قيل: لم خرجت عليه؟ قالت: أنا نسيت هذا الحديث يوم الجمل حتّى ذكرته بالبصرة، وأنا أستغفر الله.

٤٨٣

وانظر حديث كلاب الحوأب في الفائق ( ج ١؛ ١٩٠ ) والنهاية في غريب الحديث والأثر ( ج ١؛ ٤٥٦ « حوب » ) و ( ج ٢؛ ٩٦ « دبب » ) وكفاية الطالب (١٧١) والمواهب اللّدنيّة ( ج ٢؛ ١٩٥ ) ومجمع الزوائد ( ج ٧؛ ٢٣٤ ) وكنز العمال ( ج ٦؛ ٨٣ ) والسيرة الحلبية ( ج ٣؛ ٣١٢ ) وإسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار (٦٧) والمحاسن والمساوئ (٤٩) وحياة الحيوان ( ج ١؛ ٢٨٢ ) والإمامة والسياسة ( ج ١؛ ٨٢ ) والفتوح ( ج ١؛ ٤٥٦ - ٤٥٧ ) ومروج الذهب ( ج ٢؛ ٣٦٦ ) وتاريخ ابن الأثير ( ج ٣؛ ٢١٠ ) وتاريخ الطبريّ ( ج ٥؛ ١٧١ ) والأعلام للماورديّ (٨٢) وتاريخ اليعقوبي ( ج ٢؛ ١٨١ ) وتاريخ ابن خلدون ( ج ٢؛ ٦٠٨ ) ومسند أحمد ( ج ٦؛ ٩٧ ) والمستدرك للحاكم ( ج ٣؛ ١١٩ ) والفخريّ (٨٦) ومناقب الخوارزمي (١١٤).

وفي دلائل الإمامة ( ١٢٠ - ١٢١ ) بسنده عن سليمان بن خالد، قال: كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام جالسا قالوا: فإن طلحة والزبير صنعا ما صنعا، فما حال المرأة؟ قالعليه‌السلام : المرأة عظيم إثمها، ما أهرقت محجمة من دم إلاّ وإثم ذلك في عنقها وعنق صاحبيها.

وتتخلّف الأخرى تجمع إليها الجموع، هما في الأمر سواء

قال الطبريّ في تاريخه ( ج ٥؛ ١٦٧ ): وانطلق القوم بعدها [ أي بعد عائشة ] إلى حفصة، فقالت: رأيي تبع لرأي عائشة وتجهزوا بالمال ونادوا بالرحيل، واستقلّوا ذاهبين، وأرادت حفصة الخروج، فأتاها عبد الله بن عمر فطلب إليها أن تقعد، فقعدت، وبعثت إلى عائشة « أن عبد الله حال بيني وبين الخروج »، فقالت: يغفر الله لعبد الله.

وفي شرح النهج ( ج ١٦؛ ٢٢٥ ) قال أبو مخنف: وأرسلت إلى حفصة تسألها الخروج والمسير معها، فبلغ ذلك عبد الله بن عمر، فأتى أخته فعزم عليها، فأقامت وحطّت الرحال بعد ما همّت.

وفي الفتوح ( ج ١؛ ٤٥٧ ) قال: فخرجت عائشة من عند أم سلمة وهي حنقة عليها، ثمّ إنّها بعثت إلى حفصة، فسألتها أن تخرج معها إلى البصرة، فأجابتها حفصة إلى ذلك.

٤٨٤

وفي الفتوح ( ج ١؛ ٤٦٧ ): وبلغ ذلك [ خروج عائشة والحشود ] حفصة بنت عمر بن الخطّاب، فأرسلت إلى أم كلثوم بنت عليّعليه‌السلام ، فدعتها، ثمّ أخبرتها باجتماع الناس إلى عائشة، كلّ ذلك لتغمّها بكثرة الجموع إلى عائشة، فقالت لها أم كلثوم: على رسلك يا حفصة، فإنّكم إن تظاهرتم على أبي فقد تظاهرتم على رسول الله، فكان الله مولاه وجبرئيل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير.

وفي تاريخ ابن الأثير ( ج ٣؛ ٢٠٨ ): وأجابتهم حفصة إلى المسير معهم، فمنعها أخوها عبد الله بن عمر.

وفي كتاب الجمل ( ٢٧٦ - ٢٧٧ ) قال: ولمّا بلغ عائشة نزول أمير المؤمنينعليه‌السلام بذي قار كتبت إلى حفصة بنت عمر: « أمّا بعد، فإنا نزلنا البصرة، ونزل عليّ بذي قار، والله داقّ عنقه كدقّ البيضة على الصفا، إنّه بذي قار بمنزلة الأشقر، إن تقدّم نحر وإن تأخر عقر »، فلمّا وصل الكتاب إلى حفصة استبشرت بذلك، ودعت صبيان بني تيم وعدي، وأعطت جواريها دفوفا وأمرتهنّ أن يضربن بالدفوف، ويقلن: « ما الخبر ما الخبر * عليّ كالاشقر * إن تقدّم نحر * وإن تأخّر عقر »، فبلغ أمّ سلمةرضي‌الله‌عنها اجتماع النسوة على ما اجتمعن عليه من سبّ أمير المؤمنين والمسرّة بالكتاب الوارد عليهن من عائشة، فبكت وقالت: أعطوني ثيابي حتّى أخرج إليهن وأقع بهن.

فقالت أمّ كلثوم بنت أمير المؤمنينعليه‌السلام : أنا أنوب عنك، فإنّني أعرف منك، فلبست ثيابها وتنكّرت وتخفّرت، واستصحبت جواريها متخفّرات، وجاءت حتّى دخلت عليهن كأنّها من النظّارة، فلمّا رأت ما هنّ فيه من العبث والسفه كشفت نقابها، وأبرزت لهنّ وجهها، ثمّ قالت لحفصة: « إن تظاهرت أنت وأختك على أمير المؤمنين، فقد تظاهرتما على أخيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من قبل، فأنزل الله عزّ وجلّ فيكما ما أنزل، والله من وراء حربكما »، فانكسرت حفصة وأظهرت خجلا، وقالت: إنّهنّ فعلن هذا بجهل، وفرّقتهن في الحال، فانصرفن من المكان.

وروى الخبر ابن أبي الحديد في شرح النهج ( ج ١٤؛ ١٣ ) ثمّ قال: قال أبو مخنف:

٤٨٥

« روى هذا الخبر جرير بن يزيد، عن الحاكم، ورواه الحسن بن دينار، عن الحسن البصريّ »، وذكر الواقديّ مثل ذلك، وذكر المدائني أيضا مثله.

وانظر الصراط المستقيم ( ج ٣؛ ١٦٩ ) ومثالب النواصب ( ج ٣؛ ٣٧ - ٣٨ ) والدر النظيم ( ج ١؛ ١٢٣ ) وبحار الأنوار ( ج ٣٢؛ ٩٠ - ٩١ ).

وفي هذه النصوص وغيرها أكبر دلالة على أنّ حفصة كانت تحارب عليّا إعلاميّا، وتحشّد الناس فكريّا ضد عليّعليه‌السلام ، ليخفّوا إلى عائشة، ويقعدوا عن نصرة عليّعليه‌السلام .

قال عليّعليه‌السلام : يا رسول الله إن فعلتا ذلك تلوت عليهما كتاب الله، وهو الحجّة فيما بيني وبينهما

في مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ١٥٥ ) قال عليّعليه‌السلام : اللهمّ إنّي أعذرت وأنذرت، فكن لي عليهم من الشاهدين، ثمّ أخذ المصحف وطلب من يقرأ عليهم( وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما ) (١) ، فقال مسلم المجاشعيّ: ها أنا ذا، فخوّفه بقطع يمينه وشماله وقتله، فقال: يا أمير المؤمنين فهذا قليل في ذات الله، فأخذه ودعاهم إلى الله، فقطعت يده اليمنى، فأخذه بيده اليسرى، فقطعت، فأخذه بأسنانه، فقالعليه‌السلام : الآن طاب الضراب.

وفي إرشاد القلوب ( ٣٤١ - ٣٤٢ ): لمّا صافّ القوم واجتمعوا على الحرب، أحبّ أمير المؤمنينعليه‌السلام أن يستظهر عليهم بدعائهم إلى القرآن وحكمه، فدعا بمصحف، وقال: من يأخذ هذا المصحف؛ يعرضه عليهم، ويدعوهم إلى ما فيه، فيحيي ما أحياه، ويميت ما أماته؟ قال: فقام الفتى وقال: يا أمير المؤمنين، أنا آخذه وأعرضه عليهم وأدعوهم إلى ما فيه، قال: فأعرض عنه أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ثمّ نادى الثانية ثمّ نادى الثالثة، فلم يقم إليه أحد من الناس إلاّ الفتى، فقال: أنا آخذه وأعرضه عليهم، وأدعوهم إلى ما فيه، فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : إنّك إن فعلت ذلك فأنت مقتول، فقال: والله يا أمير المؤمنين ما شيء أحبّ

__________________

(١) الحجرات؛ ٩

٤٨٦

إليّ من أن أرزق الشهادة بين يديك، وأن أقتل في طاعتك.

فأعطاه أمير المؤمنينعليه‌السلام المصحف، فتوجّه به نحو عسكرهم، فنظر إليه أمير المؤمنين، فقال: إنّ الفتى ممّن حشا الله قلبه نورا وإيمانا، وهو مقتول، ولقد أشفقت عليه من ذلك، ولن يفلح القوم بعد قتلهم إيّاه.

فمضى الفتى بالمصحف حتّى وقف بإزاء عسكر عائشة، وطلحة والزبير حينئذ عن يمين الهودج وشماله، وكان له صوت فنادى بأعلى صوته: معاشر الناس، هذا كتاب الله، وإنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام يدعوكم إلى كتاب الله والحكم بما أنزل الله فيه، فأنيبوا إلى طاعة الله والعمل بكتابه.

قال: وكانت عائشة وطلحة والزبير يسمعون قوله، فأمسكوا، فلمّا رأى ذلك أهل عسكرهم بادروا إلى الفتى - والمصحف في يمينه - فقطعوا يده اليمنى، فتناول المصحف بيده اليسرى، وناداهم بأعلى صوته مثل ندائه أوّل مرّة، فبادروا إليه وقطعوا يده اليسرى، فتناول المصحف واحتضنه ودماؤه تجري عليه، وناداهم مثل ذلك، فشدّوا عليه فقتلوه، ووقع ميّتا فقطّعوه إربا إربا، ولقد رأينا شحم بطنه أصفر.

قال: وأمير المؤمنينعليه‌السلام واقف يراهم، فأقبل على أصحابه، وقال: إنّي والله ما كنت في شكّ ولا لبس من ضلالة القوم وباطلهم، ولكن أحببت أن يتبين لكم جميعا ذلك من بعد قتلهم الرجل الصالح حكيم بن جبلة العبدي في رجال صالحين معه، ووثوبهم بهذا الفتى وهو يدعوهم إلى كتاب الله والحكم به والعمل بموجبه، فثاروا إليه فقتلوه، لا يرتاب بقتلهم إيّاه مسلم، ووقدت الحرب ....

قال عبد الله بن سلمة: كنت ممّن شهد حرب الجمل، فلمّا وضعت الحرب أوزارها، رأيت أم ذلك الفتى واقفة عليه، فجعلت تبكي عليه، ثمّ أنشأت تقول:

يا ربّ إنّ مسلما أتاهم

يتلو كتاب الله لا يخشاهم

يأمرهم بأمر من ولاهم

فخضّبوا من دمه قناهم

وأمّه قائمة تراهم

تأمرهم بالغي لا تنهاهم

٤٨٧

وانظر بعث عليّعليه‌السلام الغلام بكتاب الله ليدعوهم إليه، وقتلهم الفتى، في تاريخ الطبريّ ( ج ٥؛ ٢٠٥ - ٢٠٦ ) وتاريخ ابن الأثير ( ج ٣؛ ٢٦١ - ٢٦٢ ) والفتوح ( ج ١؛ ٤٧٧ ) ومروج الذهب ( ج ٢؛ ٣٧٠ ) وشرح النهج ( ج ٩؛ ١١٢ ) ومناقب الخوارزمي ( ١١٢ - ١١٣ ) وفيه « أنّ المقتولين الذين بعثهم عليّ بالقرآن ثلاثة، كلّ يوم واحد »، و (١١٩) والجمل ( ٣٣٦ - ٣٤٠ ) وفيه « أنّ عليّاعليه‌السلام بعث ابن عبّاس بكتاب الله ليحاججهم، ثمّ بعث الفتى فقتلوه بأمر عائشة؛ حيث قالت: اشجروه بالرماح قبّحه الله »، وتذكرة الخواص ( ٧١ - ٧٢ ). وانظر تاريخ اليعقوبي ( ج ٢؛ ١٨٢ ).

فإن قبلتاه وإلاّ أخبرتهما بالسنة وما يجب عليهما من طاعتي وحقّي المفروض عليهما

الثابت تاريخيّا أن عليّاعليه‌السلام احتجّ على عائشة وطلحة والزبير بأبلغ الاحتجاج، فلم يرعووا ولم يرتدعوا؛ إذ احتجّ عليهم بالكتاب كما تقدّم، وبالسنّة كما سنذكره هنا؛ حيث احتجّ على عائشة - وهو مرادنا هنا - كما احتجّ على طلحة والزبير، ولم يحتجّ على حفصة مباشرة، وإنّما لزمتها الحجّة الّتي أقامها عليّعليه‌السلام على أصحاب الجمل وأتباعهم، وقد تقدّم أنّ أم كلثوم بنت عليّ وأم سلمة أقامتا الحجّة على حفصة، فتكون الحجّة لازمة لها وإن أقامها عليّعليه‌السلام على عائشة مباشرة.

ففي بصائر الدرجات (٢٦٤) بسنده عن محمّد بن سنان، يرفعه، قال: إنّ عائشة قالت: التمسوا لي رجلا شديد العداوة لهذا الرجل حتّى أبعثه إليه، قال: فأتيت به قالعليه‌السلام : أرجع إليها كتابي هذا، وقل لها: ما أطعت الله ولا رسوله حيث أمرك الله بلزوم بيتك، فخرجت تردّدين في العساكر.

وفي الخصال (٣٧٧) بسنده عن الباقرعليه‌السلام ، في رواية طويلة في بيان عليّعليه‌السلام للمواطن الّتي امتحن الله بها الأوصياء، قال عليّعليه‌السلام فيها: فقدّمت الحجّة بالإعذار والإنذار، ودعوت المرأة إلى الرجوع إلى بيتها، والقوم الذين حملوها على الوفاء ببيعتهم لي ....

٤٨٨

وفي الفتوح ( ج ١؛ ٤٧١ ): فلمّا كان الغد دعا عليّعليه‌السلام بزيد بن صوحان وعبد الله بن عبّاس، فقال لهما: امضيا إلى عائشة، فقولا لها: ألم يأمرك الله أن تقرّي في بيتك؟ فخدعت وانخدعت، واستنفرت فنفرت، فاتّقي الله الّذي إليه مرجعك ومعادك، وتوبي إليه فإنّه يقبل التوبة عن عباده، ولا يحملنّك قرابة طلحة وحبّ عبد الله بن الزبير على الأعمال الّتي تسعى بك إلى النار، قال: فانطلقا إليها وبلّغاها رسالة عليّعليه‌السلام ، فقالت: ما أنا برادّة عليكم شيئا، فإنّي أعلم أنّي لا طاقة لي بحجج عليّ بن أبي طالب.

وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ١٥٢ ) عن ابن أعثم في الفتوح ( ج ١؛ ٤٦٨ ) قال: ثمّ كتبعليه‌السلام إلى عائشة: أمّا بعد، فإنّك قد خرجت من بيتك عاصية لله تعالى ولرسول محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، تطلبين أمرا كان عنك موضوعا، ثمّ تزعمين أنّك تريدين الإصلاح بين المسلمين، فأخبريني ما للنساء وقود العساكر والإصلاح بين الناس؟! فطلبت كما زعمت بدم عثمان، وعثمان رجل من بني أميّة، وأنت امرأة من بني تيم بن مرّة، ولعمري إنّ الذي عرّضك للبلاء، وحملك على المعصية لأعظم إليك ذنبا من قتلة عثمان، وما غضبت حتّى أغضبت، ولا هجت حتّى هيّجت، فاتقي الله يا عائشة وارجعي إلى منزلك، وأسبلي عليك سترك، والسلام.

قال ابن شهرآشوب: قالت عائشة: قد جلّ الأمر عن الخطاب.

وروى الأربلي في كشف الغمّة ( ج ١؛ ٢٣٩ - ٢٤٠ ) كتاب عليّ هذا، ثمّ قال:

فجاء الجواب إليه: يا بن أبي طالب جلّ الأمر عن العتاب، ولن ندخل في طاعتك أبدا فاقض ما أنت قاض، والسلام. وهو في الإمامة والسياسة ( ج ١؛ ٩٠ - ٩١ ) ثمّ قال: وكتبت عائشة: جلّ الأمر عن العتاب، والسلام.

وروى كتاب عليّ هذا الخوارزمي في مناقبه (١١٧) وسبط ابن الجوزيّ في تذكرة الخواص (٦٩).

وقال أبو الصلاح الحلبي في تقريب المعارف ( ٣٠٠ - ٣٠١ ): فلمّا انتهىعليه‌السلام إليهم دعاهم إلى الله، وإلى كتابه، وسنّة نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والدخول في الجماعة، وخوّفهم الفتنة والفرقة، فأبوا إلاّ القتال أو خلع نفسه من الأمر ليولّوه من شاءوا، أو يسلّم إليهم قتلة عثمان ليروا رأيهم

٤٨٩

فيهم، فسألهم ذكر حدث يوجب خلعه، أو تقصير يمنع من إمامته، فلم يجيبوه، فكرّر الإعذار، وبالغ في النصيحة والدعوة إلى كتاب الله والسنّة، والتخويف من الفتنة والفرقة، على الانفراد بكلّ منهم بنفسه وبرسله، والاجتماع فكرر التذكار والوعظ، فلم يزدهم ذلك إلاّ طغيانا وإصرارا، فأمسك عن قتالهم واقتصر على الدعاء، حتّى بدءوه بالحرب، وقتلوا داعيه بالمصحف إلى ما فيه، وهو مسلم، ورشقوا أصحابهعليه‌السلام بالسهام، فجرحوا قوما وقتلوا آخرين، وحملوا على أصحابه من كلّ جانب، وعائشة على جملها مجفّفا، وعلى هودجها الدروع، بارزة بين الصفّين تحرّض على القتال، فحينئذ أذنعليه‌السلام لأنصاره بالقتال ...

وقال الدينوريّ في الأخبار الطوال (١٤٧) قالوا: وأقام عليّعليه‌السلام ثلاثة أيّام يبعث رسله إلى أهل البصرة، فيدعوهم إلى الرجوع إلى الطاعة والدخول في الجماعة، فلم يجد عند القوم إجابة.

وفي تاريخ اليعقوبي ( ج ٢؛ ١٨٢ ): واصطفّ أصحاب عليّعليه‌السلام ، فقال لهم: لا ترموا بسهم، ولا تطعنوا برمح، ولا تضربوا بسيف أعذروا، فرمى رجل من عسكر القوم بسهم فقتل رجلا من أصحاب أمير المؤمنين، فأتي به إليه، فقال: اللهمّ اشهد، ثمّ رمى آخر فقتل رجلا من أصحاب عليّ، فقال: اللهمّ اشهد، ثمّ رمى رجل آخر، فأصاب عبد الله بن بديل ابن ورقاء الخزاعي ....

يضاف إلى ما ذكرنا ما أطبقت عليه المصادر التاريخية من تذكير عليّ الزبير بحقّه بنص رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ورجوع الزبير، كما أطبقت المصادر على احتجاج عليّ على طلحة ومحاججته بالسنّة، وكذلك عائشة، وهذا كلّه تعلّما من رسول الله، وأخذا عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد اعترفت عائشة وكانت تعرف ذلك جيدا، وأنّ عليّا ابن عمّ الرسول والمترسّم لخطاه، قال ابن أعثم في الفتوح ( ج ١؛ ٤٧٦ - ٤٧٧ ): ونظرت إليه [ إلى عليّعليه‌السلام ] عائشة وهو يجول بين الصفوف، فقالت: انظروا إليه، كأنّ فعله فعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم بدر، أما والله ما ينتظر

٤٩٠

بكم إلاّ زوال الشمس، فقال عليّعليه‌السلام : يا عائشة( عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ ) (١) .

قال: وعقر الجمل وإن وقع في النار

في الفتوح ( ج ١؛ ٤٨٩ ) قال ابن أعثم: واحمرت الأرض بالدماء، وعقر من ورائه، فعجّ ورغا، فقال عليّعليه‌السلام : عرقبوه فإنّه شيطان.

وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج ( ج ١؛ ٢٥٧ ): وزحف عليّعليه‌السلام نحو الجمل بنفسه في كتيبته الخضراء من المهاجرين والأنصار، وحوله بنوه حسن وحسينعليهما‌السلام ومحمّد، ودفع الراية إلى محمّد، وقال: اقدم بها حتّى تركزها في عين الجمل.

وفيه أيضا ( ج ١؛ ٢٥٣ ): صرخ عليّ بأعلى صوته: ويلكم اعقروا الجمل فإنّه شيطان، ثمّ قال: اعقروه وإلاّ فنيت العرب فصمدوا له حتّى عقروه، فسقط وله رغاء شديد، فلمّا برك كانت الهزيمة.

وفيه أيضا ( ج ١؛ ٢٦٦ ): وخلص عليّعليه‌السلام في جماعة من النّخع وهمدان إلى الجمل فما هو إلاّ أن صرع الجمل حتّى فرّت الرجال كما يطير الجراد في الريح الشديدة.

وفيه أيضا ( ج ١؛ ٢٦٢ ): فنادى عليّعليه‌السلام : ويحكم ارشقوا الجمل بالنبل، اعقروه لعنه الله.

وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ١٦١ ): وشكّت السهام الهودج حتّى كأنّه جناح نسر أو شوك قنفذ، فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ما أراه يقاتلكم غير هذا الهودج، اعقروا الجمل. وفي رواية: عرقبوه فإنّه شيطان.

وفي أمالي المفيد (٥٩): ثمّ نادى منادي أمير المؤمنينعليه‌السلام : عليكم بالبعير فإنّه شيطان، قال: فعقره برمحه، وقطع إحدى يديه رجل آخر، فبرك ورغا.

وانظر تاريخ الطبريّ ( ج ٥؛ ٢١٠ ) والجمل ( ٣٥٠، ٣٦٠، ٣٦٩، ٣٧٤ - ٣٧٥ ) وتاريخ ابن الأثير ( ج ٣؛ ٢٤٧ - ٢٤٨ ) ومناقب الخوارزمي (١٢١) ومروج الذهب

__________________

(١) المؤمنون؛ ٤٠

٤٩١

( ج ٢؛ ٣٧٥ - ٣٧٦ ) والأخبار الطوال ( ١٥٠ - ١٥١ ) والبداية والنهاية ( ج ٧؛ ٢٧٠ ).

وقال الشريف المرتضى في شرح القصيدة المذهّبة (٩٠) عند شرحه لقول السيّد الحميريّ:

أإلى أميّة أم إلى شيع الّتي

جاءت على الجمل الخدبّ الشوقب

قال: وقيل: أنّ اسم هذا الجمل « عسكر »، وشوهد من هذا الجمل في ذلك اليوم كلّ عجب، كلّما أثبتت منه قائمة من قوائمه ثبت على الأخرى، حتّى روي أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام نادى: اقتلوا الجمل فإنّه شيطان، وأنّ محمّد بن أبي بكر وعمّارا - رحمة الله عليهما - توليا عقره بعد طول زمانه، وروي أنّ هذا الجمل بقي باركا، ضاربا بجرانه سنة لا يأكل منه سبع ولا طائر.

وفي اختيار معرفة الرجال ( ج ١؛ ٥٧ - ٥٨ ) قال: كان سلمان إذا رأى الجمل - الّذي يقال له: عسكر - يضربه، فيقال له: يا أبا عبد الله، ما تريد من هذه البهيمة؟ فيقول: ما هذا بهيمة، ولكنّ هذا عسكر بن كنعان الجنّي، يا أعرابي لا ينفق جملك هاهنا، ولكن اذهب به إلى الحوأب؛ فإنّك تعطى ما تريد.

وفيه ( ج ١؛ ٥٨ ) عن الباقرعليه‌السلام ، قال: اشتروا عسكرا بسبعمائة درهم، وكان شيطانا.

وفي الاحتجاج (١٦٤) وقيل: أنّ اسم الجمل الّذي ركبته يوم الجمل عائشة « عسكر »، من ولد إبليس اللّعين، ورئي منه ذلك اليوم كلّ عجيب؛ لأنّه كلّما بتر منه قائمة من قوائمة ثبت على أخرى، حتّى نادى أمير المؤمنينعليه‌السلام : اقتلوا الجمل فإنّه شيطان.

وفي شرح النهج ( ج ١؛ ٢٦٦ ) عن أبي مخنف، قال: وحدّثنا مسلم الأعور، عن حبّة العرني، قال: فلمّا رأى عليّعليه‌السلام أنّ الموت عند الجمل، وأنّه ما دام قائما فالحرب لا تطفأ، وضع سيفه على عاتقه، وعطف نحوه، وأمر أصحابه بذلك، ومشى نحوه، والخطام مع بني ضبّة، فاقتتلوا قتالا شديدا، واستحرّ القتل في بني ضبّة، فقتل منهم مقتلة عظيمة، وخلص عليّعليه‌السلام في جماعة من النّخع وهمدان إلى الجمل، فقال لرجل من النخع « اسمه بجير »: دونك الجمل يا بجير، فضرب عجز الجمل بسيفه، فوقع لجنبه، وضرب بجرانه الأرض، وعجّ عجيجا لم يسمع بأشدّ منه، فما هو إلاّ أن صرع الجمل حتّى فرّت الرجال كما

٤٩٢

يطير الجراد في الريح الشديدة الهبوب وأمر عليّعليه‌السلام بالجمل أن يحرق ثمّ يذرّى في الريح، وقالعليه‌السلام : لعنه الله من دابّة، فما أشبهه بعجل بني إسرائيل، ثمّ قرأ( وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً ) (١) .

يا عليّ، إذا فعلتا ما شهد عليهما القرآن، فأبنهما منّي فإنّهما بائنتان.

في كمال الدين (٤٥٩) بسنده عن سعد بن عبد الله القمّي، في قضية وروده إلى سامراء ليسأل الإمام العسكريعليه‌السلام عن مسائل، حتّى قال: نظر إليّ مولانا أبو محمّد، فقال: ما جاء بك يا سعد؟ فقلت: شوّقني أحمد بن إسحاق على لقاء مولانا قال: والمسائل الّتي أردت أن تسأل عنها؟ قلت: على حالها يا مولاي، قال: فسل قرّة عيني - وأومأ إلى الغلام [ صاحب الأمر عجّل الله فرجه ] - فقال لي الغلام: سل عمّا بدا لك منها.

فقلت له: مولانا وابن مولانا، إنّا روينا عنكم أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جعل طلاق نسائه بيد أمير المؤمنينعليه‌السلام ، حتّى أرسل يوم الجمل إلى عائشة: إنّك قد أرهجت على الإسلام وأهله بفتنتك، وأوردت بنيك حياض الهلاك بجهلك، فإن كففت عنّي غربك وإلاّ طلقتك، ونساء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد كان طلاقهنّ وفاته؟!

قالعليه‌السلام : ما الطلاق؟

قلت: تخلية السبيل.

قال: فإذا كان طلاقهنّ وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد خلّيت لهنّ السبيل، فلم لا يحلّ لهنّ الأزواج؟

قلت: لأنّ الله تبارك وتعالى حرّم الأزواج عليهنّ.

قال: كيف، وقد خلّى الموت سبيلهنّ؟

قلت: فأخبرني يا بن مولاي عن معنى الطلاق الّذي فوّض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حكمه إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام .

__________________

(١) طه؛ ٩٧

٤٩٣

قالعليه‌السلام : إنّ الله تقدّس اسمه عظّم شأن نساء النبي، فخصهنّ بشرف الأمّهات، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أبا الحسن، إنّ هذا الشرف باق لهنّ ما دمن لله على الطاعة، فأيّتهن عصمت الله بعدي بالخروج عليك فأطلق لها في الأزواج، وأسقطها من شرف أمومة المؤمنين.

وفي الفتوح ( ج ١؛ ٤٩٣ - ٤٩٤ ) بعد أن ذكر محاججة ابن عبّاس لعائشة، قال: ثمّ أقبل عليّعليه‌السلام على عائشة، فجعل يوبّخها ويقول: أمرك الله أن تقرّي في بيتك، وتحتجبي بسترك، ولا تبرّجي، فعصيته وخضت الدماء، تقاتلينني ظالمة، وتحرّضين عليّ الناس، وبنا شرّفك الله وشرّف آباءك من قبلك، وسمّاك أم المؤمنين، وضرب عليك الحجاب، قومي الآن فارحلي، واختفي في الموضع الّذي خلّفك فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أن يأتيك فيه أجلك، ثمّ قام عليّعليه‌السلام فخرج من عندها.

قال: فلمّا كان من الغد بعث إليها ابنه الحسنعليه‌السلام ، فجاء الحسنعليه‌السلام فقال لها: يقول لك أمير المؤمنين « أما والّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة، لئن لم ترحلي الساعة لأبعثنّ إليك بما تعلمين »، قال: وعائشة في وقتها ذلك قد ضفرت قرنها الأيمن وهي تريد أن تضفر الأيسر، فلمّا قال لها الحسن ما قال، وثبت من ساعتها وقالت: رحّلوني.

فقالت لها امرأة من المهالبة: يا أم المؤمنين، جاءك عبد الله بن عبّاس فسمعناك وأنت تجاوبينه حتّى علا صوتك، ثمّ خرج من عندك وهو مغضب، ثمّ جاءك الآن هذا الغلام برسالة أبيه فأقلقك، وقد كان أبوه جاءك فلم نر منك هذا القلق والجزع!!

فقالت عائشة: إنّما أقلقني لأنّه ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فمن أحبّ أن ينظر إلى رسول الله فلينظر إلى هذا الغلام، وبعد فقد بعث إليّ أبوه ما قد علمت، ولا بدّ من الرحيل.

فقالت لها المرأة: سألتك بالله وبمحمّد إلاّ أخبرتني بما ذا بعث إليك عليّعليه‌السلام ؟

فقالت عائشة: ويحك، إنّ رسول الله أصاب من مغازيه نفلا، فجعل يقسم ذلك في أصحابه، فسألناه أن يعطينا منه شيئا، وألححنا عليه في ذلك، فلا منا عليّعليه‌السلام ، وقال: حسبكنّ أضجرتن رسول الله، فتجهّمناه وأغلظنا له في القول، فقال:( عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَ

٤٩٤

أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَ ) (١) ، فأغلظنا له أيضا في القول وتجهّمناه، فغضب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من ذلك وما استقبلنا به عليا، فأقبل عليه ثمّ قال: يا عليّ، إنّي قد جعلت طلاقهنّ إليك، فمن طلّقها منهنّ فهي بائنة، ولم يوقّت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك وقتا في حياة ولا موت، فهي تلك الكلمة، وأخاف أن أبين من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وروى هذا الخبر ابن شهرآشوب في مناقبه ( ج ٢؛ ١٣٤ ) وفيه: قالت [ عائشة ]: إنّ رسول الله جعل طلاق نسائه بيد عليّ، فمن طلّقها في الدنيا بانت منه في الآخرة، وفي رواية: كان النبي يقسم نفلا في أصحابه وساق معنى ما تقدّم.

وفي إرشاد القلوب (٣٣٧): ثمّ أمرصلى‌الله‌عليه‌وآله خادمة لأم سلمة، فقال: اجمعي لي هؤلاء - يعني نساءه - فجمعتهن له في منزل أم سلمة، فقال لهنّ: اسمعن ما أقول لكنّ - وأشار بيده إلى عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام - فقال لهنّ: هذا أخي، ووصيّي، ووارثي، والقائم فيكن وفي الأمّة من بعدي، فأطعنه فيما يأمركن به، ولا تعصينه فتهلكن لمعصيته.

ثمّ قال: يا عليّ، أوصيك بهنّ، فأمسكهنّ ما أطعن الله وأطعنك، وأنفق عليهن من مالك، وأمرهنّ بأمرك، وانههنّ عمّا يريبك، وخلّ سبيلهن إن عصينك.

فقال عليّعليه‌السلام : يا رسول الله، إنّهنّ نساء وفيهنّ الوهن وضعف الرأي.

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أرفق بهنّ ما كان الرفق أمثل، فمن عصاك منهنّ فطلّقها طلاقا يبرأ الله ورسوله منها. وروى نحوه الدرازي في التهاب نيران الأحزان (٣٤).

وفي بصائر الدرجات (٣١٤) بسنده عن يزيد بن شرحبيل: أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام : هذا أفضلكم حلما، وأعلمكم علما، وأقدمكم سلما، قال ابن مسعود: يا رسول الله فضلنا بالخير كلّه؟ فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما علّمت شيئا إلاّ وقد علّمته، وما أعطيت شيئا إلاّ وقد أعطيته، ولا استودعت شيئا إلاّ وقد استودعته، قالوا: فأمر نسائك إليه؟

__________________

(١) التحريم؛ ٥

٤٩٥

قال: نعم، قالوا: في حياتك؟ قال: من عصاه فقد عصاني، ومن أطاعه فقد أطاعني، فإن دعاكم فاشهدوا.

وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ١٣٣ - ١٣٤ ) قال: وإنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله جعل طلاق نسائه إليه. أبو الدر عليّ المرادي، وصالح مولى التؤمة، عن عائشة: أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جعل طلاق نسائه إلى عليّعليه‌السلام .

الأصبغ بن نباتة، قال: بعث عليّ يوم الجمل إلى عائشة: ارجعي وإلاّ تكلّمت بكلام تبرين من الله ورسوله.

وفي المسترشد (٣٥٤) في مناشدة عليّعليه‌السلام : أفيكم أحد جعله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في طلاق نسائه مثل نفسه غيري؟

وفي أمالي الطوسي (٥٥٠) قال الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام : فهل فيكم أحد استخلفه رسول الله في أهله، وجعل أمر أزواجه إليه من بعده غيري؟ وروى مثله الديلمي في إرشاد القلوب (٢٦١).

وفي الاحتجاج (١٣٨) قالعليه‌السلام : نشدتكم بالله، هل فيكم أحد جعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله طلاق نسائه بيده غيري؟!

وفي الخصال (٣٧٧) قول عليّعليه‌السلام في وصف الناكثين: فلمّا لم يجدوه عندي وثبوا بالمرأة عليّ، وأنا وليّ أمرها والوصي عليها. ومثله في شرح الأخبار ( ج ١؛ ٣٥٣ ).

وفي بصائر الدرجات (٢٩٩) بسنده عن معاوية الدهني، قال: دخل أبو بكر على عليّعليه‌السلام فقال له: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما تحدّث إلينا في أمرك حديثا بعد يوم الولاية، وإنّي أشهد أنّك مولاي، مقرّ لك بذلك، وقد سلّمت عليك على عهد رسول الله بإمرة المؤمنين، وأخبرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّك وصيّه ووارثه وخليفته في أهله ونسائه ....

ولم يختصّ هذا المطلب بعائشة فقط أو نساء النبي، وإنّما روي مثل ذلك في تطليق الإمام الرضاعليه‌السلام زوجة الإمام الكاظمعليه‌السلام بعد موته.

ففي الكافي ( ج ١؛ ٣١٦ ) بسنده عن يزيد بن سليط، في وصيّة الكاظمعليه‌السلام ، حيث ذكر

٤٩٦

فيها وصاياه عامّة، ومنها: وإنّي قد أوصيت إلى عليّ وبني بعد معه وأوصيت إليه بصدقاتي ومواليّ وصبياني الّذين خلّفت، وولدي إلى إبراهيم والعباس وقاسم وإسماعيل وأحمد وأمّ أحمد، وإلى عليّعليه‌السلام أمر نسائي دونهم.

وفي الكافي أيضا ( ج ١؛ ٣٨١ ) بسنده عن الوشاء، قال: قلت لأبي الحسن [ الرضاعليه‌السلام ]: إنّهم رووا عنك في موت أبي الحسن [ الكاظمعليه‌السلام ]: أنّ رجلا قال لك: علمت ذلك بقول سعيد؟ فقالعليه‌السلام : جاء سعيد بعد ما علمت به قبل مجيئة، قال: وسمعته يقول: طلّقت أم فروة بنت إسحاق [ إحدى نساء الكاظمعليه‌السلام ] في رجب، بعد موت أبي الحسن بيوم، قلت: طلّقتها وقد علمت بموت أبي الحسن؟ قال: نعم، قلت: قبل أن يقدم عليك سعيد؟ قال: نعم.

وفي بصائر الدرجات (٤٨٧) بسنده عن أحمد بن عمر، قال: سمعته يقول - يعني أبا الحسن الرضاعليه‌السلام -: إنّي طلّقت أمّ فروة بنت إسحاق في رجب، بعد موت أبي بيوم، قلت له: جعلت فداك طلّقتها وقد علمت موت أبي الحسن؟ قال: نعم.

وأبواهما شريكان لهما فيما فعلتا

مرّ قبل قليل أنّ الأوّل والثاني هما أساس الانحراف والظلم، وأنّه ما أسست بليّة ولا أريق دم إلاّ وفي أعناقهما وزر ذلك، مرّ هذا عند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « هم شركاؤه فيما يفعل ».

ونزيد هنا ما نقله العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٨؛ ٢٥١ ) عن كتاب قديم فيه دعاء(١) عن الإمام الصادقعليه‌السلام وقوله: اللهمّ العنهما وابنتيهما، وكلّ من مال ميلهم، وحذا حذوهم، وسلك طريقهم وهو في مهج الدعوات ( ٣٣٣ - ٣٣٤ ).

__________________

(١) ذكر ناسخه وهو مصنّفه أن اسمه محمّد بن محمّد بن عبد الله بن فاطر، رواه عن شيوخه، فقال ما هذا لفظه « حدّثنا محمّد بن عليّ بن رقاق القمّي، قال: حدّثنا أبو الحسن محمّد بن أحمد بن عليّ بن الحسن بن شاذان القمّي، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ بن بابويه القمّي، عن أبيه، قال: حدّثنا جعفر بن عبد الله الحميريّ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، قال: حدّثنا عبد الرحمن بن أبي هاشم، عن أبي يحيى المدنيّ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، أنّه قال: من حقّنا على أوليائنا وأشياعنا أن لا ينصرف الرجل منهم من صلاته حتّى يدعو بهذا الدعاء، وهو: ثمّ روى الدعاء وفيه ما نقلناه.

٤٩٧

وفي مصباح الكفعمي (٥٥٢) روى دعاء صنمي قريش عن ابن عبّاس: أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام كان يقنت به في صلاته، وهو: اللهمّ العن صنمي قريش وجبتيها وطاغوتيها وأفّاكيها وابنتيهما ....

وفي تأويل الآيات الظاهرة ( ج ٢؛ ٧١٤ / الحديث ١ ) بسنده عن حمران، قال: سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقرأ هذه الآية( وَجاءَ فِرْعَوْنُ ) (١) يعني الثالث( وَمَنْ قَبْلَهُ ) (٢) الأوّلين( وَالْمُؤْتَفِكاتُ ) (٣) أهل البصرة( بِالْخاطِئَةِ ) (٤) الحميراء.

وفيه أيضا ( ج ٢؛ ٧١٤ / الحديث ٢ ) بسنده عن حمران، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام مثله، قال:( وَجاءَ فِرْعَوْنُ ) (٥) يعني الثالث( وَمَنْ قَبْلَهُ ) (٦) يعني الأوّلين( بِالْخاطِئَةِ ) (٧) يعني عائشة.

قال المؤلف: فمعنى قوله( وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ ) (٨) في أقوالها وأفعالها، وفي كلّ خطأ وقع، فإنّه منسوب إليها، وكيف جاءوا بها، بمعنى أنّهم وثّبوها وسنّوا لها الخلاف لمولاها، ووزر ذلك عليهم، وفعل من تابعها إلى يوم القيامة.

وقوله: « والمؤتفكات أهل البصرة »، فقد جاء في كلام أمير المؤمنينعليه‌السلام لأهل البصرة:

يا أهل المؤتفكة، ائتفكت بأهلها ثلاث مرّات، وعلى الله تمام الرابعة. ومعنى « ائتفكت بأهلها » أي خسفت بهم.

وفي الخصال (٥٥٦) بسنده عن عامر بن واثلة، في احتجاج عليّعليه‌السلام يوم الشورى، وفيه قوله: « نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عليّ من أحبّك ووالاك

__________________

(١) الحاقة؛ ٩

(٢) الحاقة؛ ٩

(٣) الحاقة؛ ٩

(٤) الحاقة؛ ٩

(٥) الحاقة؛ ٩، ولعلّ المؤتفكات سقطت من هذه الرواية.

(٦) الحاقة؛ ٩

(٧) الحاقة؛ ٩

(٨) الحاقة؛ ٩

٤٩٨

سبقت له الرحمة، ومن أبغضك وعاداك سبقت له اللّعنة » فقالت عائشة: يا رسول الله ادع الله لي ولأبي لا نكون ممن يبغضه ويعاديه، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : اسكتي، إن كنت أنت وأبوك ممّن يتولاّه ويحبّه فقد سبقت لكما الرحمة، وإن كنتما ممّن يبغضه ويعاديه فقد سبقت لكما اللّعنة، ولقد جئت أنت وأبوك، إن كان أبوك أوّل من يظلمه، وأنت أوّل من يقاتله ....

وفي تفسير العيّاشي ( ج ١؛ ٢٢٤ ) عن الإمام الصادقعليه‌السلام ، قال: أتدرون مات النبي أو قتل؟ إنّ الله تعالى يقول:( أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ) (١) فسمّ قبل الموت، إنّهما سقتاه قبل الموت، فقلنا: إنّهما وأبواهما شرّ من خلق الله.

وانظر تفسير القمّي ( ج ٢؛ ٣٧٦ ) في اجتماعهما وأبويهما على أن يسمّوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وفيه أيضا ( ج ٢؛ ٢٩١ ) عن عبد الرحمن بن سالم الأشل، عن الصادقعليه‌السلام ، قال:( كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً ) (٢) عائشة هي نكثت إيمانها.

وفي الكافي ( ج ١؛ ٣٠٠ ) بسنده عن محمّد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول: لمّا حضر الحسن بن عليّعليهما‌السلام الوفاة وحمل وأدخل إلى المسجد، فلمّا أوقف على قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذهب ذو العوينتين [ أي الجاسوس ] إلى عائشة، فقال لها: إنّهم قد أقبلوا بالحسن ليدفنوه مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فخرجت مبادرة على بغل بسرج - فكانت أوّل امرأة ركبت في الإسلام سرجا - فقالت: نحّوا ابنكم عن بيتي؛ فإنّه لا يدفن في بيتي ويهتك على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حجابه، فقال لها الحسينعليه‌السلام : قديما هتكت أنت وأبوك حجاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأدخلت عليه بيته من لا يحبّ قربة، وإنّ الله سائلك عن ذلك يا عائشة.

وفيه أيضا ( ج ١؛ ٣٠٢ - ٣٠٣ ) بسنده عن محمّد بن مسلم، عن الباقرعليه‌السلام ، وفيه زيادة قول الحسينعليه‌السلام : وإنّ الله سائلك عن ذلك يا عائشة وقد أدخلت أنت بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الرجال بغير إذنه، وقد قال الله عزّ وجلّ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا

__________________

(١) آل عمران؛ ١٤٤

(٢) النحل؛ ٩٢

٤٩٩

أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِ ) (١) ولعمري لقد ضربت أنت - لأبيك وفاروقه - عند أذن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المعاول، وقال الله عزّ وجلّ:( إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى ) (٢) ، ولعمري لقد أدخل أبوك وفاروقه على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بقربهما منه الأذى، وما رعيا من حقّه ما أمرهما الله به على لسان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إنّ الله حرّم من المؤمنين أمواتا ما حرّم منهم أحياء.

وفي تقريب المعارف (٢٥٠): رووا عن العبّاس بن الوليد الأعذاريّ، قال: سئل زيد بن عليّ، عن أبي بكر وعمر، فلم يجب فيهما، فلمّا أصابته الرمية نزع الرمح من وجهه، واستقبل الدم بيده حتّى صار كأنّه كبد، فقال: أين السائل عن أبي بكر وعمر؟ هما والله شركاء في هذا الدم، ثمّ رمى به وراء ظهره.

وعن نافع الثقفي - وكان قد أدرك زيد بن عليّ - قال: سأله رجل عن أبي بكر وعمر، فسكت فلم يجبه، فلمّا رمي، قال: أين السائل عن أبي بكر وعمر؟ هما أوقفاني هذا الموقف.

وفي نهج الحقّ وكشف الصدق (٣٥٦): وروى البلاذريّ، قال: لمّا قتل الحسينعليه‌السلام كتب عبد الله بن عمر إلى يزيد بن معاوية: أمّا بعد، فقد عظمت الرزيّة، وجلّت المصيبة، وحدث في الإسلام حدث عظيم، ولا يوم كيوم قتل الحسين.

فكتب يزيد: أمّا بعد، يا أحمق، فإنا جئنا إلى بيوت مجدّدة، وفرش ممهّدة، ووسائد منضّدة، فقاتلنا عنها، فإن يكن الحقّ لنا فعن الحقّ قاتلنا، وإن كان الحقّ لغيرنا فأبوك أوّل من سنّ هذا، واستأثر بالحقّ على أهله. وانظر ما قاله المظفر ردّا على الفضل في دلائل الصدق ( ج ٣؛ ٥٧٦ - ٥٧٨ ). وانظر الكتاب الخطير الّذي أودعه عمر عند معاوية، وأراه يزيد لعبد الله بن عمر لمّا اعترض على قتل يزيد للحسينعليه‌السلام ؛ انظره في بحار الأنوار ( ج ٨؛ ٢٣ ) نقلا عن الجزء الثاني من دلائل الإمامة، بسنده عن جابر الجعفيّ، عن سعيد بن المسيّب.

__________________

(١) الحجرات؛ ٢

(٢) الحجرات؛ ٣

٥٠٠

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653