طرف من الأنباء والمناقب

طرف من الأنباء والمناقب9%

طرف من الأنباء والمناقب مؤلف:
المحقق: الشيخ قيس العطّار
الناشر: انتشارات تاسوعاء
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 653

طرف من الأنباء والمناقب
  • البداية
  • السابق
  • 653 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 210634 / تحميل: 6559
الحجم الحجم الحجم
طرف من الأنباء والمناقب

طرف من الأنباء والمناقب

مؤلف:
الناشر: انتشارات تاسوعاء
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

[ المقام الأسنى في تفسير الأسماء الحسنى]

الأسماء الحسنى

وسنوردها هنا بثلاث عبارات :

الاُولى : ما ذكرها الشيخ جمال الدين أحمد بن فهد(1) رحمه‌الله في عدّته ، أنّ الرضاعليه‌السلام روى عن أبيه عن آبائه عن علي(2) عليه‌السلام : أنّ لله تسعة وتسعين اسماً من دعا بها استجيب له ومن أحصاها(3) دخل الجنّة ، وهي هذه :

الله ، الواحد ، الأحد ، الصمد ، الأول ، الآخر ، السميع ، البصير ، القدير ، القاهر ، العليّ ، الأعلى ، الباقي ، البديع ، الباري ، الأكرم ، الظاهر ، الباطن ، الحيّ ، الحكيم ، العليم ، الحليم ، الحفيظ ، الحقّ ، الحسيب ، الحميد ، الحفيّ ، الربّ ، الرحمن ، الرحيم ، الذاري ، الرازق ، الرقيب ، الرؤوف ، الرائي ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبّار ، المتكبّر ، السيّد ، السبّوح ، الشهيد ، الصادق ، الصانع ، الطاهر ،

__________________

(1) أبو العباس أحمد بن فهد الحلي ، يروي عن الشيخ أبي الحسن علي بن الخازن تلميذ الشهيد وغيره ، له عدة مصنفات ، منها : عدّة الداعي ونجاح الساعي ، في آداب الدعاء ، مشهور نافع مفيد في تهذيب النفس ، مرتّب على مقدّمة في تعريف الدعاء وستّة أبواب ، توفي سنة ( 841 ه‍ ).

الكنى والألقاب 1: 368 ، أعيان الشيعة 3: 147 ، الذريعة 15 : 228 ، معجم رجال الحديث 2 : 189.

(2) في العدة : « عن علي بن موسى الرضاعليه‌السلام عن آبائه عن عليعليهم‌السلام ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ لله عزّ وجلّ تسعة وتسعين اسماً من دعا الله بها استجاب له ومن أحصاها دخل الجنة ».

(3) في هامش (ر) : « قال الصدوقرحمه‌الله : معنى إحصائها هو الإحاطة بها والوقوف على معانيها ، وليس معنى الإحصاء عدّها ، قاله الشيخ جمال الدين في عدته.

ووجدتُ بخط الشيخ الزاهدرحمه‌الله : أن هذه الأسماء حجاب من كل سوء ، وهي للطاعة والمحبة وعقد الألسن ولإبطال السحر ولجلب الرزق نافع إن شاء الله تعالى. منهرحمه‌الله ».

اُنظر : التوحيد : 195 ، عدّة الداعي : 298.

٢١

العدل ، العفوّ ، الغفور ، الغنيّ ، الغياث ، الفاطر ، الفرد ، الفتّاح ، الفالق ، القديم ، الملك ، القدّوس ، القويّ ، القريب ، القيّوم ، القابض ، الباسط ، القاضي(4) ، المجيد ، الولي ، المنّان ، المحيط ، المبين ، المقيت ، المصوّر ، الكريم ، الكبير ، الكافي ، كاشف الضرّ ، الوتر ، النور ، والوّهاب ، الناصر ، الواسع ، الودود ، الهادي ، الوفيّ ، الوكيل ، الوارث ، البرّ ، الباعث ، التوّاب ، الجليل ، الجواد ، الخبير ، الخالق ، خير الناصرين ، الديّان ، الشكور ، العظيم ، اللطيف ، الشافي(5) .

الثانية : ما ذكرها الشهيد(6) رحمه‌الله في قواعده ، وهي : الله ، الرحمن ، الرحيم ، الملك ، القدّوس ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبّار ، المتكبّر ، الباري ، الخالق ، المصوّر ، الغفّار ، الوّهاب ، الرزّاق ، الخافض ، الرافع ، المعزّ ، المذلّ ، السميع ، البصير ، الحليم ، العظيم ، العليّ ، الكبير ، الحفيظ ، الجليل ، الرقيب ، المجيب ، الحكيم ، المجيد ، الباعث ، الحميد ، المبدي ، المعيد ، المحيي ، المميت ، الحيّ ، القيّوم ، الماجد ، التوّاب ، المنتقم ، الشديد العقاب ، العفّو ، الرؤوف ، الوالي ، الغني ، المغني ، الفتّاح ، القابض ، الباسط ، الحكم ، العدل ، اللطيف ، الخبير ، الغفور ، الشكور ، المقيت ، الحسيب ، الواسع ، الودود ، الشهيد ، الحقّ ، الوكيل ، القويّ ، المتين ، الوليّ ، المحصي ، الواجد ، الواحد ، الأحد ، الصمد ، القادر ، المقتدر ، المقدّم ، المؤخّر ، الأول ، الآخر ، الظاهر ، الباطن ، البرّ ، ذو الجلال والإكرام ، المُقِسط ، الجامع ، المانع ، الضارّ ، النافع ، النور ، البديع ، الوارث ، الرشيد ، الصبور ، الهادي ، الباقي(7) .

__________________

(4) في هامش (ر) : « قاضي الحاجات / خ ل ».

(5) عدّة الداعي : 298 ـ 299.

(6) أبو عبدالله محمد بن مكي العاملي الجزيني ، الشهيد الأول ، روى عن الشيخ فخر الدين محمد بن العلاّمة وغيره ، يروي عنه جماعة كثيرة منهم أولاده وبنته وزوجته ، له عدّة مصنّفات ، منها : القواعد والفوائد ، كتاب مختصر مشتمل على ضوابط كلية اُصولية وفرعية يستنبط منها الأحكام الشرعية ، استشهد مظلوماً سنة ( 786 ه‍ ).

رياض العلماء 5 : 185 ، الكنى والألقاب 2 : 342 ، تنقيح المقال 3 : 191 ، الذريعة 17 : 193.

(7) القواعد والفوائد 2: 166 ـ 174.

٢٢

قالرحمه‌الله : ورد في الكتاب العزيز من(8) الأسماء الحسنى : الربّ ، والمولى ، والنصير ، والمحيط ، والفاطر ، والعلاّم ، والكافي ، وذو الطّول ، وذو المعارج(9) .

الثالثة : ما ذكرها فخر الدين محمد بن محاسن(10) رحمه‌الله في جواهره ، وهي :

الله ، الرحمن ، الرحيم ، الملك ، القدّوس ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبّار ، المتكبّر ، الخالق ، الباري ، المصوّر ، الغفّار ، القهّار ، الوهّاب ، الرزّاق ، الفتّاح ، العليم ، القابض ، الباسط ، الخافض ، الرافع ، المعزّ ، المذلّ ، السميع ، البصير ، الحكم ، العدل ، اللطيف ، الخبير ، الحليم ، العظيم ، الغفور ، الشكور ، العليّ ، الكبير ، الحفيظ ، المقيت ، الحسيب ، الجليل ، الكريم ، الرقيب ، المجيب ، الواسع ، الحكيم ، الودود ، المجيد ، الماجد ، الباعث ، الشهيد ، الحقّ ، الوكيل ، القويّ ، المتين ، الوليّ ، الحميد ، المحصي ، المبدي ، المعيد ، المحيي ، المميت ، الحيّ ، القيوم ، الواحد ، الأحد ، الصمد ، القادر ، المقتدر ، المقدّم ، المؤخّر ، الأوّل ، الآخر ، الظاهر ، الباطن ، الوالي ، المتعالي ، البرّ ، التوّاب ، المنتقم ، العفوّ ، الرؤوف ، مالك الملك ، ذو الجلال والإكرام ، المُقسِط ، الجامع ، الغنيّ ، المُغني ، المانع ، الضارّ ، النافع ، النور ، الهادي ، البديع ، الباقي ، الوارث ، الرشيد ، الصبور. فهذه تسعة وتسعون اسماً رواها محمد بن إسحاق(11) في المأثور.

__________________

(8) في ( القواعد ) و (ر) و (م) : « في » وما أثبتناه من (ب) وهو الأنسب.

(9) القواعد والفوائد 2 : 174 ـ 175.

(10) لم أجد من تعرّض لترجمته ، حتّى أن الشيخ العلاّمة الطهراني في الذريعة 5 : 257 حينما ذكر الجواهر ، قال : للشيخ فخر الدين محمد بن محاسن ينقل عنه الكفعمي في آخر البلد الأمين ، فالظاهر أنّه لم يجد له ترجمة أيضاً ، بل إنّما عرف كتابه واسمه من نقل الكفعمي عنه ، ومحمد بن محاسن نفسه الذي يأتي بعنوان البادرائي.

(11) يحتمل أن يكون هو : محمد بن إسحاق بن محمد بن يوسف بن علي القونوي الرومي ، من كبار تلاميذ الشيخ محيي الدين ابن العربي ، بينه وبين نصير الدين الطوسي مكاتبات في بعض المسائل الحكمية ، له عدّة مصنّفات ، منها : شرح الأسماء الحسنى ، مات سنة ( 673 ه‍ ).

كشف الظنون 2: 1956 ، أعلام الزركلي 6 : 30.

٢٣

ولمّا كانت كلّ واحدة من هذه العبارات الثلاث تزيد على صاحبتيها بأسماء وتنقص عنهما بأسماء ، أحببت أن أضع عبارة رابعة مشتملة على أسماء العبارات الثلاث ، مع الإشارة إلى شرح كلّ اسم منها ، من غير إيجاز مخلّ ولا إسهاب مملّ.

وسمّيت ذلك بالمقام الأسنى في تفسير الأسماء الحسنى.

فنقول وبالله التوفيق :

الله :

اسم ، علم ، مفرد ، موضوع على ذات واجب الوجود.

وقال الغزّالي(12) : الله اسم للموجود الحق ، الجامع لصفات الإلهية ، المنعوت بنعوت الربوبية ، المتفرّد بالوجود الحقيقي ، فإن كلّ موجود سواه غير مستحقّ للوجود بذاته ، وإنّما استفاد الوجود منه(13) .

وقيل : الله اسم لمن هو الخالق لهذا العالم والمدبر له.

وقال الشهيد في قواعده : الله اسم للذات لجريان النعوت عليه ، وقيل : هو اسم للذات مع جملة الصفات الإلهية ، فإذا قلنا : الله ، فمعناه الذات الموصوفة بالصفات الخاصة ، وهي صفات الكمال ونعوت الجلال.

قالرحمه‌الله : وهذا المفهوم هو الذي يعبد ويوحد وينزه عن الشريك والنظير والمثل والند والضد(14) .

وقد اختلف في اشتقاق هذا الاسم المقدّس على وجوه عشرة ، ذكرناها

__________________

(12) أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الغزّالي ، الملقّب بحجّة الإسلام الطوسي ، تفقّه على أبي المعالي الجويني ، له عدّة مصنّفات ، منها : إحياء علوم الدين ، والمقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى وغيرهما ، مات سنة ( 502 ه‍ ).

المنتظم 9 : 168 ، وفيات الأعيان 4 : 216 ، الكنى والألقاب 2 : 450.

(13) المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى : 14.

(14) القواعد والفوائد 2: 166.

٢٤

على حاشية الصحيفة في دعاء زين العابدينعليه‌السلام إذا أحزنه أمر(15) .

واعلم أنّ هذا الاسم الشريف قد امتاز عن غيره من أسمائه ـ تعالى ـ الحسنى بوجوه عشرة :

أ : أنّه أشهر أسماء الله تعالى.

ب : أنّه أعلاها محلاًّ في القرآن.

ج : أنّه أعلاها محلاًّ في الدعاء.

د : أنّه جعل أمام سائر الأسماء.

ه‍ : أنّه خصّت به كلمة الإخلاص.

و : أنّه وقعت به الشهادة.

ز : أنّه علم على الذات المقدّسة ، وهو مختصّ بالمعبود الحقّ تعالى ، فلا

__________________

(15) وهي كما في حاشية المصباح : 315 نقلاً عن الفوائد الشريفة في شرح الصحيفة :

« الأول : أنّه مشتقّ من لاه الشيء إذا خفي ، قال شعر :

لاهت فما عرفت يوماً بخارجةٍ

يا ليتها خرجت حتى عرفناها

الثاني : أنّه مشتقّ من التحيّر ، لتحيّر العقول في كنه عظمته ، قال :

ببيداء تيه تأله العير وسطها

مخفقـة بالآل جرد وأملق

الثالث : أنّه مشتقّ من الغيبوبة ، لأنّه سبحانه لا تدركه الأبصار ، قال الشاعر :

لاه ربّي عن الخلائق طراً

خالق الخلق لا يُرى ويرانا

الرابع : أنّه مشتقّ من التعبّد ، قال الشاعر :

لله درّ الغانيــات المُـدَّهِ

آلهن واسترجعن من تألّهي

الخامس : أنّه مشتق من أله بالمكان إذا أقام به ، قال شعر :

ألهنا بدارٍ لا يدوم رسومها

كأن بقاها وشامٌ على اليدِ

السادس : أنّه مشتقّ من لاه يلوه بمعنى ارتفع.

السابع : أنّه مشتقّ من وَلَهَ الفصيلُ باُمّه إذا ولع بها ، كما أنّ العباد مولهون ، أي : مولعون بالتضرّع إليه تعالى.

الثامن : أنّه مشتقّ من الرجوع ، يقال : ألهت إلى فلان ، أي : فزعت إليه ورجعت ، والخلق يفزعون إليه تعالى في حوائجهم ويرجعون إليه ، وقيل للمألوه [ إليه ] إله ، كما قيل للمؤتمّ به إمام.

التاسع : أنّه مشتقّ من السكون ، وألهت إلى فلان أي : سكنت ، والمعنى أنّ الخلق يسكنون إلى ذكره.

العاشر : أنّه مشتقّ من الإلهيّة. وهي القدرة على الاختراع ».

٢٥

يطلق على غيره حقيقةً ولا مجازاً ، قال تعالى :( هل تَعلَمُ لهُ سَميّاً ) (16) أي : هل تعلم أحداً يسمّى الله ؟ وقيل : سميّاً أي : مثلاً وشبيهاً.

ح : أنّ هذا الاسم الشريف دالّ على الذات المقدّسة الموصوفة بجميع الكمالات ، حتى لا يشذّ به شيء ، وباقي أسمائه تعالى لا تدلّ آحادها إلاّ على آحاد المعاني ، كالقادر على القدرة والعالم على العلم. أو فعل منسوب إلى الذات ، مثل قولنا : الرحمن ، فإنّه اسم للذات مع اعتبار الرحمة ، وكذا الرحيم والعليم. والخالق : اسم للذات مع اعتبار وصف وجودي خارجي. والقدّوس : اسم للذات مع وصف سلبي ، أعني التقديس الذي هو التطهير عن النقائص. والباقي : اسم اللذات مع نسبة وإضافة ، أعني البقاء ، وهو نسبة بين الوجود والأزمنة ، إذ هو استمرار الوجود في الأزمنة. والأبديّ : هو المستمرّ في جميع الأزمنة ، فالباقي أعمّ منه. والأزلي : هو الذي قارن وجوده جميع الأزمنة الماضية المحقّقة والمقدّرة. فهذه الاعتبارات تكاد تأتي على الأسماء الحسنى بحسب الضبط(17) .

ط : أنّه اسم غير صفة ، بخلاف سائر أسمائه تعالى ، فإنها تقع صفات ، أمّا أنّه اسم غير صفة ، فلأنّك تصف ولا تصف به ، فتقول : إله واحد ، ولا تقول : شيء إله ، وأمّا وقوع ما عداه من أسمائه الحسنى صفات ، فلأنّه يقال : شيء قادر وعالم وحيّ إلى غير ذلك.

ي : أن جميع أسمائه الحسنى يتسمّى بهذا الاسم ولا يتسمّى هو بشيء منها ، فلا يقال : الله اسم من أسماء الصبور أو الرحيم أو الشكور ، ولكن يقال : الصبور اسم من أسماء الله تعالى.

إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّه قد قيل : إنّ هذا الاسم المقدّس هو الاسم الأعظم. قال ابن فهد في عدّته : وهذا القول قريب جداً ، لأنّ الوارد في هذا المعنى

__________________

(16) مريم 19 : 65.

(17) القواعد والفوائد 2: 166.

٢٦

كثيراً(18) .

ورأيت في كتاب الدرّ المنتظم في السرّ الأعظم ، للشيخ محمد بن طلحة بن محمد ابن الحسين(19) : أنّ هذا الاسم المقدّس يدلّ على الأسماء الحسنى كلّها التي هي تسعة وتسعون اسماً ، لأنك إذا قسمت الاسم المقدّس في علم الحروف على قسمين كان كلّ قسم ثلاثة وثلاثين ، فتضرب الثلاثة والثلاثين في حروف الاسم المقدّس بعد إسقاط المكرر وهي ثلاثة تكون عدد الأسماء الحسنى ، وذكر أمثلة اُخر في هذا المعنى تركناها اختصاراً(20) .

ورأيت في كتاب مشارق الأنوار وحقائق الأسرار ، للشيخ رجب بن محمد بن رجب الحافظ(21) : أن هذا الاسم المقدس أربعة أحرف ـ الله ـ فإذا وقفت على الأشياء عرفت أنها منه وبه وإليه وعنه ، فإذ أُخذ منه الألف بقي لله ، ولله كلّ شيء ، فإن اُخذ اللام وترك الألف بقي إله ، وهو إله كلّ شيء ، وإن اُخذ

__________________

(18) عدّة الداعي : 50.

(19) أبو سالم محمد بن طلحة بن محمد بن الحسن القرشي الشافعي ، له عدّة مصنفات ، منها : الدرّ المنظم في السرّ الأعظم أو الدرّ المنظم في اسم الله الأعظم ، مات سنة ( 652 ه‍ ).

شذرات الذهب 5 : 259 ، أعلام الزركلي 6 : 175.

علماً بأنّ في (ر) و (ب) و (م) ذكر : الدرّ المنتظم وفي مصادر الترجمة : الدر المنظم ، وكذا ذكر في (ر) و (ب) : محمد بن طلحة بن محمد بن الحسين ، وفي المصادر : ابن الحسن ، فتأمّل.

(20) في حاشية (ر) : « منها : أنك إذا جمعت من الاسم المقدّس طرفيه ، وقسّمت عددهما على حروفه الأربعة ، وضربت ما يخرج القسمة فيما له من العدد في علم الحروف ، يكون عدد الأسماء الحسنى. وبيانه : أن تأخذ الألف والهاء وهما بستة ، وتقسِّمها على حروف الأربعة ، يقوم لكل حرف واحد ونصف ، فتضربة به فيما للإسم المقدّس من العدد وهو ستة وستين ، تبلغ تسعة وتسعين عدد الأسماء الحسنى. منهرحمه‌الله ».

(21) رضي الدين رجب بن محمد بن رجب البرسي الحلي المعروف بالحافظ ، من متأخّري علماء الإمامية ، كان ماهراً في أكثر العلوم ، له يد طولى في علم أسرار الحروف والأعداد ونحوها ، وقد أبدع في كتبه حيث استخرج أسامي النبي والأئمةعليهم‌السلام من الآيات ونحو ذلك من غرائب الفوائد وأسرار الحروف ، له أشعار لم يرعين الزمان مثلها في مدح أهل البيتعليهم‌السلام ، من مصنافته : مشارق أنوار اليقين في كشف حقائق أسرار أمير المؤمنين ، توفي في حدود سنة ( 813 ه‍ ).

رياض العلماء 2 : 304 ، الكُنى والألقاب 2 : 148 ، أعيان الشيعة 6 : 46.

٢٧

الألف من إله بقي له ، وله كلّ شيء ، فإن اُخذ من له اللام بقي هو ، وهو هو وحده لا شريك له ، وهو لفظ يوصل إلى ينبوع العزة ، ولفظ هو مركب من حرفين ، والهاء أصل الواو ، فهو حرف واحد يدل على الواحد الحق ، والهاء أول المخارج والواو أخرها ، فهو الأول والآخر والظاهر والباطن(22) .

ولمّا كان الاسم المقدّس الأقدس أرفع أسماء الله تعالى شأناً وأعلاها مكاناً ، وكان لكمالها جمالاً ولجمالها كمالاً ، خرجنا فيه بالإسهاب عن مناسبة الكتاب ، والله الموفّق للصواب.

الرحمن الرحيم :

قال الشهيدرحمه‌الله : هما اسمان للمبالغة من رحم ، كغضبان من غضب وعليم من علم ، والرحمة لغة : رقّة القلب وانعطاف يقتضي التفضل والإحسان ، ومنه : الرحم ، لانعطافها على ما فيها ، وأسماء الله تعالى إنّما تؤخذ باعتبار الغايات التي هي أفعال دون المبادئ التي هي انفعال(23) (24) .

وقال صاحب العدّة : الرحمن الرحيم مشتقّان من الرحمة وهي النعمة ،

__________________

(22) مشارق الأنوار : 32 ـ 33 ، وفيه : « والقرآن له ظاهر وباطن ، ومعانيه منحصرة في أربع أقسام ، وهي أربع أحرف وعنها ظهر باقي الكلام ، وهي ( أل‍ ل‍ ه ) ، والألف واللام منه آلة التعريف ، فإذا وضعت على الأشياء عرفتها أنّها منه وله ، وإذا اُخذ منه الألف بقي لله ، ولله كل شيء ، وإذا اُخذ منه ( ل‍ ) بقي إله ، وهو إله كلّ شيء ، وإذا اُخذ منه الألف واللام بقي له ، وله كلّ شيء ، وإذا اُخذ الألف واللامان بقي هو ، وهو هو وحده لا شريك له. والعارفون يشهدون من الألف ويهيمنون من اللام ويصلون من الهاء. والألف من هذا الاسم إشارة إلى الهويّة التي لا شيء قبلها ولا بعدها وله الروح ، واللام وسطاً وهو إشارة إلى أنّ الخلق منه وبه وإليه وعنه ، وله العقل وهو الأول والآخر ، وذلك لأنّ الألف صورة واحدة في الخطّ وفي الهجاء ».

(23) القواعد والفوائد 2 : 166 ـ 167.

(24) في هامش (ر) : « وقال السيد المرتضى : ليست الرحمة عبارة عن رقّة القلب والشفقة ، وإنّما هي عبارة عن الفضل والإنعام وضروب الإحسان ، فعلى هذا يكون إطلاق لفظ الرحمة عليه تعالى حقيقة وعلى الأول مجاز. منهرحمه‌الله تعالى ».

٢٨

ومنه :( وما أرسلناك إلاّ رحمّة للعالمينّ ) (25) أي : نعمة ، ويقال للقرآن رحمة وللغيث رحمة ، أي : نعمة ، وقد يتسمّى بالرحيم غيره تعالى ولا يتسمّى بالرحمن سواه ، لأن الرحمن هو الذي يقدر على كشف الضر والبلوى ، ويقال لرقيق القلب من الخلق : رحيم ، لكثرة وجود الرحمة منه بسبب الرقة ، وأقلها الدعاء للمرحوم والتوجع له ، وليست في حقّه تعالى كذلك ، بل معناها إيجاد النعمة للمرحوم وكشف البلوى عنه ، فالحدّ الشامل أن تقول : هي التخلص من أقسام الآفات ، وإيصال الخيرات إلى أرباب الحاجات(26) .

وفي كتاب الرسالة الواضحة(27) : أنّ الرحمن الرحيم من أبنية المبالغة ، إلاّ أنّ فعلان أبلغ من فعيل ، ثم هذه المبالغة قد توجد تارة باعتبار الكمّية ، واُخرى باعتبار الكيفية :

فعلى الأول قيل : يا رحمن الدنيا ـ لأنّه يعمّ المؤمن والكافر ـ ورحيم الآخرة لأنه يخص الرحمة بالمؤمنين ، لقوله تعالى :( وكان بالمؤمنين رحيماً ) (28) .

وعلى الثاني قيل : يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا ، لأنّ النعم الاُخروية كلّها جسام ، وأمّا النعم الدنيوية فجليلة وحقيرة.

وعن الصادقعليه‌السلام : الرحمن اسم خاصّ بصفة عامة ، والرحيم اسم عامّ بصفة خاصة(29) .

وعن أبي عبيدة(30) : الرحمن ذو الرحمة ، والرحيم الراحم ، وكرر لضرب

__________________

(25) الأنبياء 21 : 107.

(26) عدّة الداعي : 303 ـ 304 ، باختلاف.

(27) الرسالة الواضحة في تفسير سورة الفاتحة ، للمصنف الشيخ علي بن إبراهيم الكفعمي : مخطوطة.

(28) الأحزاب 33 : 43.

(29) مجمع البيان 1 : 21.

(30) أبو عبيدة معمّر بن المثنى البصري النحوي اللغوي ، أول من صنّف غريب الحديث ، وكان أبو نؤاس الشاعر يتعلّم منه ويصفه ويذمّ الأصمعي ، له عدّة مصنفات ، منها : مجاز القرآن الكريم وغريب القرآن ومعاني القرآن ، مات سنة ( 209 ه‍ ) وقيل غير ذلك.

وفيات الأعيان 5 : 235 ، الكنى والألقاب 1 : 116.

٢٩

من التأكيد(31) .

وعن السيد المرتضى(32) رحمه‌الله : أن الرحمن مشترك فيه اللغة العربية والعبرانية والسريانية ، والرحيم مختصّ بالعربية.

قال الطبرسي(33) : وإنّما قدّم الرحمن على الرحيم ، لأن الرحمن بمنزلة الاسم العلم ، من حيث أنه لا يوصف به إلاّ الله تعالى ، ولهذا جمع بينهما تعالى في قوله :( قلِ ادعوا اللهَ أو ادعوا الرحمنَ ) (34) فوجب لذلك تقديمه على الرحيم ، لأنه يطلق عليه وعلى غيره(35) .

الملك :

التامّ الملك ، الجامع لأصناف المملوكات ، قاله البادرائي في جواهره.

__________________

(31) اُنظر : مجمع البيان 1 : 20.

(32) أبو القاسم علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام ، المشهور بالسيد المرتضى ، جمع من العلوم ما لم يجمعه أحد وحاز من الفضائل ما تفرّد به وتوحّد وأجمع على فضله المخالف والمؤالف ، كيف لا وقد أخذ من المجد طرفيه واكتسى بثوبيه وتردّى ببرديه ، روى عن جماعة عديدة من العامة والخاصة منهم الشيخ المفيد والحسين بن علي بن بابويه أخي الصدوق والتلعكبري ، روى عنه جماعة كثيرة من العامة والخاصة منهم : أبو يعلى سلار وأبو الصلاح الحلبي وأبو يعلى الكراجكي ومن العامة : الخطيب البغدادي والقاضي بن قدامة ، له عدّة مصنفات مشهورة ، منها الشافي في الإمامة لم يصنّف مثله والذخيرة ، توفي سنة ( 433 ه‍ ) وقيل ( 436 ه‍ ).

وفيات الأعيان 3 : 313 ، رياض العلماء 4 : 14، الكنى والألقاب 2 : 439.

(33) أبو علي الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي المشهدي ، من أكابر مجتهدي علمائنا ، يروي عن الشيخ أبي علي بن الشيخ الطوسي وغيره ، يروي عنه ولده الحسن وابن شهرآشوب والشيخ منتجب الدين وغيرهم ، له عدة مصنفات ، منها : مجمع البيان لعلوم القرآن ، وهو تفسير لم يعمل مثله عيّن كل سورة أنّها مكّية أو مدنية ثم يذكر مواضع الاختلاف في القراءة ثم يذكر اللغة والعربية ثم يذكر الإعراب ثم الأسباب والنزول ثم المعنى والتأويل والأحكام والقصص ثم يذكر انتظام الآيات ، توفي سنة ( 548 ه‍ ) في سبزوار وحمل نعشه إلى المشهد الرضوي ودفن في مغتسل الرضاعليه‌السلام وقبره مزار.

رياض العلماء 4 : 340 ، الكنى والألقاب 2 : 403 ، الذريعة 20 : 24.

(34) الإسراء 17 : 110.

(35) مجمع البيان 1 : 21 ، باختلاف.

٣٠

وقال الشهيد : الملك المتصرف بالأمر والنهي في المأمورين ، أو الذي يستغني في ذاته وصفاته عن كل موجود ، ويحتاج إليه كلّ موجود في ذاته وصفاته(36) .

والملكوت : ملك الله ، زيدت فيه التاء كما زيدت في رهبوت ورحموت ، من الرهبة والرحمة.

القدوس :

فعول من القدس وهو الطهارة ، فالقدّوس : الطاهر من العيوب المنزّه عن الأضداد والأنداد ، والتقديس : التطهير ، وقوله تعالى حكاية عن الملائكة :( ونحنُ نسبّحُ بحمدكَ ونقدّسُ لكَ ) (37) أي : ننسبك إلى الطهارة.

وسمّي بيت المقدس بذلك ، لأنه المكان الذي يتطهر فيه من الذنوب. وقيل للجنة : حظيرة القدس ، لأنها موضع الطهارة من الأدناس والآفات التي تكون في الدنيا.

السلام :

معناه ذو السلامة ، أي : سلم في ذاته عن كل عيب ، وفي صفاته عن كل نقص وآفة تلحق المخلوقين ، والسلام مصدر وصف به تعالى للمبالغة. وقيل : معناه المسلم ، لأن السلامة تنال من قبله.

وقوله :( لهم دارُ السلام ) (38) يجوز أن تكون مضافة إليه تعالى ، ويجوز أن يكون تعالى قد سمّى الجنة سلاماً ، لأن الصائر إليها يسلم من كلّ آفة.

* * *

__________________

(36) القواعد والفوائد 2 : 167.

(37) البقرة 2 : 30.

(38) الأنعام 6 : 127.

٣١

المؤمن :

المصدّق ، لأن الإيمان في اللغة التصديق ، ويحتمل ذلك وجهان :

أ : أنّه يصدق عبادّه وعده ، ويفي لهم بما ضمنه لهم.

ب : أنّه يصدق ظنون عباده المؤمنين ولا يخيّب آمالهم ، قاله البادرائي.

وعن الصادقعليه‌السلام : سمّي تعالى مؤمناً ، لأنه يؤمن عذابه من أطاعه(39) .

وفي الصحاح(40) : الله تعالى مؤمن ، وهو : الذي آمن عباده ظلمه(41) .

المهيمن :

قال العزيزي(42) في غريبه والشهيد في قواعده : هو القائم على خلقه بأعمالهم وآجالهم وأرزاقهم(43) .

وقال صاحب العدّة : المهيمن : الشاهد ، ومنه قوله تعالى :( ومهيمناً عليه ) (44) أي : شاهداً ، فهو تعالى الشاهد على خلقه بما يكون منهم من قول أو فعل ، وقيل : هو الرقيب على الشيء والحافظ له ، وقيل : هو الأمين(45) .

__________________

(39) التوحيد : 205.

(40) كتاب الصحاح لأبي نصر إسماعيل بن حمّاد الجوهري الفارابي ، ابن اُخت أبي إسحاق الفارابي صاحب ديوان الأدب ، له عدّة مصنّفات ، منها : هذا الكتاب ـ الصحاح ـ وهو أحسن من الجمهرة وأوقع من التهذيب وأقرب متناولاً من مجمل اللغة ، مات سنة ( 393 ه‍ ).

يتيمة الدهر 4 : 468 ، معجم الاُدباء 5 : 151، النجوم الزاهرة 4 : 207.

(41) الصحاح 5 : 2071 ، أمن.

(42) أبو بكر محمد بن عزيز السجستاني العزيزي. اشتهر بكتابه غريب القرآن ، وهو على حروف المعجم صنّفه في (15) سنة ، مات سنة ( 330 ه‍ ).

أعلام الزركلي 6 : 268.

(43) غريب القرآن ـ نزهة القلوب ـ : 209 ، القواعد والفوائد 2 : 167.

(44) المائدة 5 : 48.

(45) عدّة الداعي : 304 ـ 305 ، باختلاف.

٣٢

وإلى القول الأوسط ذهب الجوهري ، فقال : المهيمن الشاهد ، وهو من آمن غيره من الخوف(46) .

قلت : إنّما كان المهيمن من آمن ، لأن أصل مهيمن مؤيمن ، فقلبت الهمزة هاء لقرب مخرجهما ، كما في هرقت الماء وأرقته ، وإيهاب وهيهات ، وإبرية وهبرية للخزاز الذي في الرأس ، وقرأ أبو السرائر الغنوي(47) : هياك نعبد وهياك نستعين(48) .

قال الشاعر :

وهياك والأمر الذي إن توسعت

موارده ضاقت عليك مصادره

العزيز :

الغالب القاهر ، أو ما يمتنع الوصول إليه ، قاله الشهيد في قواعده(49) .

وقال الشيخ علي بن يوسف بن عبد الجليل(50) في كتابه منتهى السّؤول في شرح الفصول : العزيز هو الحظير الذي يقلّ وجود مثله ، وتشتدّ الحاجة إليه ، ويصعب الوصول إليه ، فليس العزيز المطلق إلاّ هو تعالى.

وقال صاحب العدّة : العزيز المنيع الذي لا يُغلب ، ويقال : من عزّ بزّ ،

__________________

(46) الصحاح 6 : 2217 ، همن.

(47) كذا ، ولم أجد هذا الاسم في كتب التراجم.

(48) قال الزمخشري في الكشّاف 1 : 62 : « وقرئ إياك بتخفيف الياء واياك بفتح الهمزة والتشديد وهياك بقلب الهمزة هاء ».

قال طفيل الغنوي :

فهياك والأمر الذي ان تراحبت موارده ضاقت عليك مصادره.

(49) القواعد والفوائد 2 : 167.

(50) ظهير الدين علي بن يوسف بن عبد الجليل النيلي ، عالم فاضل كامل ، من أجلة متكلمي الإمامية وفقهائهم ، يروي عن الشيخ فخر الدين ولد العلاّمة ، يروى عنه ابن فهد الحلي ، له عدة مصنفات ، منها : منتهى السّؤول في شرح الفصول ، وهو شرح على فصول خواجه نصير الدين الطوسي في اُصول الدين ، وهو شرحُ بالقول يعني قوله قوله.

رياض العلماء 4 : 293 ، الذريعة 23 : 10.

٣٣

أي : من غلب سلب ، ومنه قوله تعالى :( وعزّني في الخطابِ ) (51) أي : غلبني في محاورة الكلام ، وقد يقال العزيز للملك ، ومنه قوله تعالى :( يا أيها العزيزُ ) (52) أي : يا أيها الملك(53) .

والعزيز أيضاً : الذي لا يعادله شيء ، والذي لا مثل له ولا نظير.

الجبار :

القهار ، أو المتكبر ، أو المتسلّط ، أو الذي جبر مفاقر الخلق وكفاهم أسباب المعاش والرزق ، أو الذي تنفذ مشيته على سبيل الإجبار في كل أحد ولا تنفذ فيه مشية أحد. ويقال : الجبّار العالي فوق خلقه ، ويقال للنخل الذي طال وفات اليد : جبّار.

المتكبّر :

ذو الكبرياء ، وهو : الملك ، أو ما يرى الملك حقيراً بالنسبة إلى عظمته ، قاله الشهيد(54) .

وقال صاحب العدّة : المتكبّر المتعالي عن صفات الخلق ، ويقال : المتكبّر على عتاة خلقه ، وهو مأخوذ من الكبرياء ، وهم اسم التكبّر والتعظّم(55) .

الخالق :

هو المبدئ للخلق والمخترع لهم على غير مثال سبق ، قاله البادرائي في جواهره.

__________________

(51) ص 38 : 23.

(52) يوسف 12 : 78 ، 88.

(53) عدّة الداعي : 305.

(54) القواعد والفوائد 2 : 167.

(55) عدّة الداعي : 305 ، باختلاف.

٣٤

وقال الشهيد : الخالق ، المقدّر(56) .

قلت : وهو حسن ، إذ قد يراد بالخلق التقدير ، ومنه قوله تعالى :( إنّي أخلقُ لكم منَ الطينِ كهيئةِ الطيرِ ) (57) أي : اُقدّر.

البارئ :

الخالق ، والبرية : الخلق ، وبارئ البرايا أي : خالق الخلائق.

المصوّر :

الذي أنشأ خلقه على صور مختلفه ليتعارفوا بها ، قال تعالى :( وصوّركم فأحسنَ صوَركُم ) (58) .

وقال الغزّالي في تفسير أسماء الله تعالى الحسنى : قد يظنّ أنّ الخالق والبارئ والمصور ألفاظ مترادفة ، وأن الكلّ يرجع إلى الخلق والاختراع ، وليست كذلك ، بل كل ما يخرج من العدم إلى الوجود مفتقر إلى تقديره أولاً ، وإلى إيجاده على وفق التقدير ثانياً ، وإلى التصوير بعد الإيجاد ثالثاً ، والله تعالى خالق من حيث أنّه مقدر ، وبارئ من حيث أنه مخترع موجد ، ومصوّر من حيث أنه مرتب صور المخترعات أحسن ترتيب. وهذا كالبناء مثلاً ، فإنه يحتاج إلى مقدّر يقدّر ما لابدّ منه : من الخشب ، واللبن ، ومساحة الأرض ، وعدد الأبنية وطولها وعرضها ، وهذا يتولاّه المهندس فيرسمه ويصوّره ، ثم يحتاج إلى بنّاء يتولّى الأعمال التي عندها تحدث اُصول الأبنية ، ثم يحتاج إلى مزيّن ينقش ظاهره ويزيّن صورته ، فيتولاه غير البناء. هذه هي العادة في التقدير في البناء والتصوير ، وليس كذلك في أفعاله تعالى ، بل هو المقدّر والموجد والصانع ، فهو الخالق والبارئ والمصور(59) .

__________________

(56) القواعد والفوائد 2 : 167.

(57) آل عمران 3 : 49.

(58) غافر 40 : 64 ، التغابن 64 : 3.

(59) المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى : 18.

٣٥

الغفّار :

هو الذي أظهر الجميل وستر القبيح ، قاله الشهيد(60) .

وقال البادرائي : هو الذي يغفر ذنوب عباده ، وكلّما تكررت التوبة من المذنب تكررت منه تعالى المغفرة ، لقوله :( وإني لغفّارٌ لِمن تابَ ) (61) الآية. والغفر في اللغة : الستر والتغطية ، فالغفّار : الستّار لذنوب عباده.

القهّار القاهر :

بمعنى ، وهو : الذي قهر الجبابرة وقهر العباد بالموت ، غير أنّ قهّار وغفّار وجبّار ووهّاب ورزّاق وفتاح ونحو ذلك من أبنية المبالغة ، لأنّ العرب قد بنت مثال من كرر الفعل على فعّال ، ولهذا يقولون لكثير السؤال : سأّال وسأّالة.

قال :

سَأّالةٌ للفتى ما ليس في يده

ذهّابة بعقول القوم والمالي

وكذا ما بني على فعلان وفعيل كرحمن ورحيم ، إلاّ أن فعلان أبلغ من فعيل. وبنت مثال من بالغ في الأمر وكان قوياً عليه على فعول ، كصبور وشكور. وبنت مثال من فعل الشيء مرّة على فاعل ، نحو سائل وقاتل. وبنت مثال من اعتاد الفعل على مِفعال ، مثل امرأة مذكار إذا كان من عادتها أن تلد الذكور ، ومئناث إذا كان من عادتها أن تلد الإناث ، ومعقاب إذا كان من عادتها أن تلد نوبة ذكراً ونوبة اُنثى ، ورجل منعال ومفضال إذا كان ذلك من عادته.

الوهّاب :

هو من أبنية المبالغة كما مرّ آنفاً ، وهو الذي يجود بالعطايا التي لا تفنى ، وكّل من وهب شيئاً من أعراض الدنيا فهو واهب ولا يسمّى وهّاباً ، بل الوهّاب

__________________

(60) القواعد والفوائد 2 : 168.

(61) طه 20 : 82.

٣٦

من تصرّفت مواهبه في أنواع العطايا ودامت ، والمخلوقون إنّما يملكون أن يهبوا مالاً أو نوالاً في حال دون حال ، ولا يملكون أن يهبوا شفاء لسقيم ولا ولداً لعقيم ، قاله البادرائي.

وقال صاحب العدّة : الوّهاب الكثير الهبة ، والمفضال في العطية(62) .

وقال الشهيد : الوهّاب المعطي كل ما يحتاج إليه لكلّ من يحتاج إليه(63) .

الرزّاق الرازق :

بمعنى ، وهو : خالق الأرزقة والمرتزقة والمتكفّل بإيصالها لكلّ نفس ، من مؤمن وكافر ، غير أنّ في الرزّاق المبالغة.

الفتاح :

الحاكم بين عباده ، وفتح الحاكم بين الخصمين : إذا قضى بينهما ، ومنه :( ربّنا افتح بيننا وبينَ قومنا بالحقِ ) (64) أي : احكم.

وهو أيضاً الذي يفتح أبواب الرزق والرحمة لعباده ، وهو الذي بعنايته ينفتح كل مغلق.

العليم :

العالم بالسرائر والخفيات وتفاصيل المعلومات قبل حدوثها وبعد وجودها(65) .

__________________

(62) عدّة الداعي : 311.

(63) القواعد والفوائد 2 : 68.

(64) الأعراف 7 : 89.

(65) في هامش (ر) : « والعليم مبالغة في العالم ، لأنّ قولنا : عالم ، يفيد أنّ له معلوماً ، كما أنّ قولنا : سامع ، يفيد أنّ له مسموعاً ، وإذا وصفناه بأنّه عليم أفاد أنّه متى صحّ معلوم فهو عالم به ، كما أنّ سميعاً يفيد

٣٧

القابض الباسط :

هوالذي يوسع الرزق ويقدره بحسب الحكمة.

ويحسن القران بين هذين الاسمين ونظائرهما ـ كالخافض والرافع ، والمعزّ والمذلّ ، والضارّ والنافع ، والمبدئ والمعيد ، والمحيي والمميت ، والمقدّم والمؤخّر ، والأول ، والآخر ، والظاهر والباطن ـ لأنّه أنبأ عن القدرة ، وأدلّ على الحكمة ، قال الله تعالى :( واللهُ يقبضُ ويبسطُ ) (66) فإذا ذكرت القابض مفرداً عن الباسط كنت كأنك قد قصرت الصفة على المنع والحرمان ، وإذا وصلت أحدهما بالآخر فقد جمعت بين الصفتين. فالأولى لمن وقف بحسن الأدب بين يدي الله تعالى أن لا يفرد كلّ اسم عن مقابله ، لما فيه من الإعراب عن وجه الحكمة.

الخافض الرافع :

هو الذي يخفض الكفار بالإشقاء ويرفع المؤمنين بالاسعاد. وقوله :( خافضةُ رافعةٌ ) (67) أي : تخفض أقواماً إلى النار وترفع أقواماً إلى الجنة ، يعني : القيامة.

المعزّ المذلّ :

الذي يؤتي الملك من يشاء وينزعه ممّن يشاء ، أو الذي أعزّ بالطاعة أولياءه ، فأظهرهم على أعدائه في الدنيا وأحلّهم دار الكرامة في العقبى ، وأذل أهل

__________________

أنّه متى وجد مسموع فلابدّ أن يكون سامعاً له ، والعلوم كلّها من جهته تعالى ، لأنّها لا تخلو من أن تكون ضرورية فهو الذي فعلها ، أو استدلالية فهو الذي أقام الأدلة عليها ، فلا علم لأحد إلاّ الله تعالى. منهرحمه‌الله ».

(66) البقرة 2 : 245.

(67) الواقعة 56 : 3.

٣٨

الكفر في الدنيا ، بأن ضربهم بالرق والجزية والصغار ، وفي الآخرة بالخلود في النار(68) .

السميع :

بمعنى السامع ، يسمع السّر والنجوى ، سواء عنده الجهر والخفوت والنطق والسكوت. وقد يكون السميع بمعنى القبول والإجابة ، ومنه قول المصلّي : سمع الله لمن حمده ، معناه : قبل الله حمد من حمده واستجاب له. وقيل : السميع العليم بالمسوعات ، وهي : الأصوات والحروف.

البصير :

العالم بالخفيّات ، وقيل : العالم بالمبصرات.

وفي عبارة الشهيد ،السميع : الذي لا يعزب عن إداركه مسموع خفيّ أو ظاهر ، والبصير : الذي لا يعزب عنه ما تحت الثرى ، ومرجعهما إلى العلم ، لتعاليه سبحانه عن الحاسّة والمعاني القديمة(69) .

الحَكَم :

هو الحاكم الذي سلّم له الحكم ، وسمّي الحاكم حاكماً لمنعه الناس من التظالم(70) .

__________________

(68) في هامش (ر) : « وقيل يعزّ المؤمن بتعظيمه والثناء عليه ، ويذلّ الكافر بالجزية والسبي ، وهو سبحانه وإن أفقر أولياءه وابتلاهم في الدنيا ، فإنّ ذلك ليس على سبيل الإذلال ، بل ليكرمهم بذلك في الآخرة ، ويحلّهم غاية الإغزاز والإجلال ، ذكر ذلك الكفعمي في كتابه جُنّة الأمان الواقية. منهرحمه‌الله ».

انظر : جُنّة الأمان الواقية ـ المصباح ـ : 322.

(69) القواعد والفوائد 2 : 168.

(70) في هامش (ر) : « قلت : ومن ذلك اُخذ معنى الحكمة ، لأنّها تمنع من الجهل. وحكمة الدابة ما أحاط بالحنك ، سمّيت بذلك لمنعها من الجماح ، وحكمت السفيه وأحكمته إذا أخذت على يده

٣٩

العدل :

أي : ذو العدل ، وهو مصدر اُقيم مقام الأصل ، وحفّ به تعالى للمبالغة لكثرة عدله. والعدل : هو الذي يجوز في الحكم ، ورجل عدل وقوم عدل وامرأة عدل ، يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث.

اللطيف :

العالم بغوامض الأشياء ، ثم يوصلها إلى المستصلح برفق دون العنف ، أو البرّ بعباده الذي يوصل إليهم ما ينتفعون به في الدارين ويهيّئ لهم أسباب مصالحهم من حيث لا يحتسبون ، قاله الشهيد في قواعده(71) .

وقيل : اللطيف فاعل اللطف ، وهو ما يقرب معه العبد من الطاعة ويبعد من المعصية ، واللطف من الله التوفيق.

وفي كتاب التوحيد(72) عن الصادقعليه‌السلام : أنّ معنى اللطيف هو :

__________________

ومنعته مما أراد ، وحكمته أيضاً إذا فوّضت إليه الحكم ، وفي حديث النخعي : حكّم اليتيم كما تحكّم ولدك ، أي : امنعه من الفساد ، وقيل : أي حكّمه في ماله إذا صلح لذلك ، وفي الحديث : إنّ في الشعر لحكمة ، أي : من الشعر كلاماً نافعاً يمنع عن الجهل والسفه وينهى عنهما ، والحكم : الحكمة ، ومنه :( وآتيناه الحكم صبيّاً [ 19 : 12 ]) أي : الحكمة ، وقوله تعالى :( فوهب لي ربيّ حكماً [ 26 : 21 ]) أي : حكمة ، والصمت : حكم وقوله تعالى عن داودعليه‌السلام :( وآتيناه الحكمة [ 38 : 20 ]) قيل : هي الزبور ، وقيل : هي كلّ كلام وافق الحق ، والمحاكمة : المخاصمة إلى الحاكم ، من مغرب المطرزي ، وغريبي الهروي وصحاح الجوهري. منهرحمه‌الله ».

اُنظر : المغرب 1 : 133 حكم ، الصحاح 5 : 1901 حكم.

(71) القواعد والفوائد 2 : 170.

(72) كتاب التوحيد لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ، شيخ الحفظة ووجه الطائفة المستحفظة ، ولد بدعاء مولانا صاحب الأمر روحي له الفداء ، وصفه الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف في التوقيع الخارج من الناحية المقدّسة بأنّه : فقيه خيِّر مبارك ينفع الله به ، فعّمت بركته ببركة الإمام وانتفع به الخاصّ والعامّ ، له عدّة مصنفات ، منها : هذا الكتاب ـ التوحيد ـ توفي سنة ( 381 ه‍ ) بالري ، وقبره قرب قبر عبد العظيم الحسني معروف.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

وفي شرح النهج ( ج ٣؛ ١٩٠ ) من كتاب لمعاوية يردّ فيه على كتاب كتبه محمّد بن أبي بكر إليه، يقول فيه معاوية: فكان أبوك وفاروقه أوّل من ابتزه [ أي عليّاعليه‌السلام ] وخالفه، على ذلك اتّفقا واتّسقا، ثمّ دعواه إلى أنفسهما، فأبطأ عنهما، وتلكّأ عليهما، فهمّا به الهموم، وأراد به العظيم أبوك مهّد له مهاده، وبنى ملكه وشاده، فإن يكن ما نحن فيه صوابا فأبوك أوّله، وإن يكن جورا فأبوك أسّه ونحن شركاؤه، فبهداه أخذنا، وبفعله اقتدينا، رأينا أباك فعل ما فعل، فاحتذينا مثاله، واقتدينا بفعاله، فعب أباك بما بدا لك، أودع، والسلام على من أناب، ورجع عن غوايته وتاب.

وروى الطبريّ كتاب معاوية هذا في المسترشد (٥٠٩) وفيه: يا محمّد أبوك مهّد مهاده، وثنى لملكه وساده، ووافقه على ذلك فاروقه، فإن يكن ما نحن فيه حقّا فأبوك أوّله، وإن يكن باطلا فأبوك أساسه، فعب أباك بما بدا لك، أودع، والسلام.

وهذا المعنى من المسلّمات، ويدل عليه النظر والاعتبار التاريخي، وقد أجاد الشاعر محمّد بن عبد الرحمن المعروف ب « ابن قريعة » المتوفى سنة ٣٦٧، حيث قال - كما في الوافي بالوفيّات ( ج ٣؛ ٢٢٧ - ٢٢٨ ) -:

لو لا اعتذار رعيّة

ألغى سياستها الخليفة

وسيوف أعداء بها

هاماتنا أبدا نقيفه

لكشفت من أسرار آ

ل محمّد جملا طريفه

تغنى بها عمّا روا

ه مالك وأبو حنيفة

ونشرت طي صحيفة

فيها أحاديث « الصحيفة »

وأريتكم أنّ الحسي

ن أصيب في يوم السقيفة

ولأيّ حال ألحدت

بالليل فاطمة الشريفة

ولما ختت شيخيكم

عن وطء حجرتها المنيفة

آه لبنت محمّد

ماتت بغصتها أسيفه

وروى الأربلي في كشف الغمّة ( ج ١؛ ٥٠٥ ) قصيدة ابن قريعة هذه قائلا: أنشدني

٥٠١

بعض الأصحاب للقاضي أبي بكر ابن قريعةرحمه‌الله :

يا من يسائل دائبا

عن كلّ معضلة سخيفه

لا تكشفنّ مغطّأ

فلربّما كشّفت جيفه

ولربّ مستور بدا

كالطبل من تحت القطيفة

إنّ الجواب لحاضر

لكنّني أخفيه خيفه

لو لا اعتداء رعيّة

ألغى سياستها الخليفة

وسيوف أعداء بها

هاماتنا أبدا نقيفه

لنشرت من أسرار آ

ل محمّد جملا طريفه

تغنيكم عمّا روا

ه مالك وأبو حنيفة

وأريتكم أنّ الحسي

ن أصيب في يوم السقيفة

ولأيّ حال ألحدت

باللّيل فاطمة الشريفة

ولما حمت شيخيكم

عن وطء حجرتها المنيفة

آه لبنت محمّد

ماتت بغصّتها أسيفه

٥٠٢

الطّرفة الرابعة والعشرون

روى هذه الطّرفة - عن كتاب الطّرف - العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٢؛ ٤٨٨ - ٤٨٩ ) ونقلها مختصرة العلاّمة البياضي في الصراط المستقيم ( ج ٢؛ ٨٩ ) حيث ذكرها في سياق واحد مع الطّرفة الحادية والعشرين، عادّا لهما طرفة واحدة.

يا عليّ اصبر على ظلم الظالمين ما لم تجد أعوانا

مرّ ما يتعلّق بصبر عليّعليه‌السلام في الطّرفة الرابعة عشر، عند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « يا عليّ توفي فيها على الصبر منك والكظم لغيظك على ذهاب حقّك »، وسنذكر هنا ما يتعلّق بصبر عليّعليه‌السلام لأنّه لم يجد أعوانا، وأنّه لو وجد أعوانا لجاهدهم، وأنّ ذلك كان بوصية من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ففي كتاب سليم بن قيس (٧٢) قال سليم: سمعت سلمان الفارسي، قال: كنت جالسا بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في مرضه الذي قبض فيه ثمّ نظر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى فاطمة وإلى بعلها وإلى ابنيهما، فقال: يا سلمان، أشهد الله أنّي حرب لمن حاربهم، وسلم لمن سالمهم، أما إنّهم معي في الجنّة، ثمّ أقبل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على عليّعليه‌السلام ، فقال: يا عليّ، إنّك ستلقى من قريش شدّة من تظاهرهم عليك وظلمهم لك، فإن وجدت أعوانا فجاهدهم، وقاتل من خالفك بمن وافقك، فإن لم تجد أعوانا فاصبر واكفف يدك، ولا تلق بيدك إلى التهلكة، فإنّك منّي بمنزلة هارون من موسى ولك بهارون أسوة حسنة، إنّه قال لأخيه موسى( إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي

٥٠٣

وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي ) (١) .

وفيه أيضا ( ١٢٦ - ١٣٠ ): فقال الأشعث بن قيس: فما يمنعك يا بن أبي طالب - حين بويع أبو بكر أخو بني تيم، وأخو بني عدي بن كعب، وأخو بني أميّة بعدهم - أن تقاتل وتضرب بسيفك؟ وأنت لا تخطبنا خطبة - منذ كنت قدمت العراق - إلاّ قلت فيها قبل أن تنزل عن المنبر: والله إنّي لأولى الناس بالناس، ما زلت مظلوما منذ قبض محمّد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فما منعك أن تضرب بسيفك دون مظلمتك؟

قالعليه‌السلام : يا بن قيس، اسمع الجواب، لم يمنعني من ذلك الجبن ولا كراهيّة للقاء ربّي، وأن لا أكون أعلم أنّ ما عند الله خير لي من الدنيا والبقاء فيها، ولكن منعني من ذلك أمر رسول الله وعهده إليّ، أخبرني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بما الأمّة صانعة بعده، فلم أك بما صنعوا حين عاينته بأعلم ولا أشدّ استيقانا منّي قبل ذلك، بل أنا بقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أشدّ يقينا منّي بما عاينت وشهدت، فقلت: يا رسول الله، فما تعهد إليّ إذا كان ذلك؟ قال: إن وجدت أعوانا فانبذ إليهم وجاهدهم، وإن لم تجد أعوانا فاكفف يدك واحقن دمك، حتّى تجد على إقامة الدين وكتاب الله وسنّتي أعوانا أما والّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة، لو وجدت يوم بويع أبو بكر - الّذي عيرتني بدخولي في بيعته - أربعين رجلا كلّهم على مثل بصيرة الأربعة الذين وجدت، لما كففت يدي، ولنا هضت القوم، ولكن لم أجد خامسا.

قال الأشعث: ومن الأربعة يا أمير المؤمنين؟

قال: سلمان وأبو ذرّ والمقداد والزبير بن صفيّة قبل نكثه بيعتي، فإنّه بايعني مرتين، أمّا بيعته الأولى الّتي وفى بها؛ فإنّه لمّا بويع أبو بكر أتاني أربعون رجلا من المهاجرين والأنصار، فبايعوني - وفيهم الزبير - فأمرتهم أن يصبحوا عند بأبي محلّقين رءوسهم عليهم السلاح، فما وفى منهم أحد، ولا صبّحني منهم غير أربعة: سلمان وأبو ذرّ والمقداد والزبير، وأمّا بيعته الأخرى؛ فإنّه أتاني هو وصاحبه طلحة بعد قتل عثمان، فبايعاني طائعين غير مكرهين،

__________________

(١) الأعراف؛ ١٥٠

٥٠٤

ثمّ رجعا عن دينها مرتدّين ناكثين مكابرين معاندين حاسدين، فقتلهما الله إلى النار، وأمّا الثلاثة - سلمان وأبو ذرّ والمقداد - فثبتوا على دين محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وملّة إبراهيم، حتّى لقوا الله.

يا بن قيس، فو الله لو أنّ أولئك الأربعين الذين بايعوني وفوا لي - وأصبحوا على بابي محلقين، قبل أن تجب لعتيق في عنقي بيعة - لنا هضته وحاكمته إلى الله، ولو وجدت قبل بيعة عمر أعوانا، لنا هضتهم وحاكمتهم إلى الله.

وفيه أيضا ( ٨٦ - ٨٧ ) فقالعليه‌السلام : أنت يا زبير، وأنت يا سلمان، وأنت يا أبا ذرّ، وأنت يا مقداد، أسألكم بالله وبالإسلام، أما سمعتم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول ذلك وأنتم تسمعون: إنّ فلانا وفلانا - حتّى عدهم هؤلاء الخمسة - قد كتبوا بينهم كتابا، وتعاهدوا فيه وتعاقدوا على ما صنعوا؟ فقالوا: اللهمّ نعم، قد سمعنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول ذلك؛ إنّهم قد تعاهدوا وتعاقدوا على ما صنعوا، وكتبوا بينهم كتابا « إن قتلت أو متّ أن يزووا عنك هذا يا عليّ »، قلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فما تأمرني إذا كان ذلك أن أفعل؟ فقال لك: إن وجدت عليهم أعوانا فجاهدهم ونابذهم، وإن أنت لم تجد أعوانا فبايع واحقن دمك، فقال عليّعليه‌السلام : أما والله، لو أنّ أولئك الأربعين رجلا - الذين بايعوني - وفوا لي لجاهدتكم في الله، ولكن أما والله لا ينالها أحد من عقبكما إلى يوم القيامة.

وانظر في ذلك الاحتجاج ( ٧٥، ٨٤ ) وعلل الشرائع ( ١٤٨ / الباب ١٢٢ - الحديثان ٥، ٦ ) والغيبة للطوسي (٢٠٣) والمسترشد ( ٣٧٠ - ٣٧١ ) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ١٩٤ ) والكافي ( ج ٨؛ ٣٢ - ٣٣ ) وإرشاد القلوب ( ٣٩٤ - ٣٩٨ ) واختيار معرفة الرجال ( ج ١؛ ٣٨ - ٣٩ ) وتقريب المعارف (٢٤٥) وفيه قول الباقرعليه‌السلام : « والله لو وجد عليهما أعوانا لجاهدهما »، يعني أبا بكر وعمر.

وقد صرّح الإمام عليّعليه‌السلام بأنّه سكت لقلّة ناصره، وعدم وجود المساعد والمعاضد.

ففي نهج البلاغة ( ج ١؛ ٣٠ - ٣١ ) في الخطبة الشقشقية: أما والله لقد تقمّصها ابن أبي قحافة، وإنّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرّحى، ينحدر عنّي السيل، ولا يرقى إليّ الطير، فسدلت دونها ثوبا، وطويت عنها كشحا، وطفقت أرتئي؛ بين أن أصول بيد

٥٠٥

جذّاء، أو أصبر على طخية عمياء.

وفي كتاب كشف المحجّة ( ٢٣٥ - ٢٦٩ ) قال محمّد بن يعقوب في كتاب الرسائل: عن عليّ بن إبراهيم، بإسناده، قال: كتب أمير المؤمنينعليه‌السلام كتابا بعد منصرفه من النهروان، وأمر أن يقرأ على الناس [ وفيه قولهعليه‌السلام : ] فأتاني رهط يعرضون عليّ النصر، منهم ابنا سعيد، والمقداد بن الأسود، وأبو ذرّ الغفاريّ، وعمّار بن ياسر، وسلمان الفارسيّ، والزبير ابن العوام، والبراء بن عازب، فقلت لهم: إنّ عندي من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عهدا، وله إليّ وصيّة، لست أخالفه عمّا أمرني به، فو الله لو خزموني بأنفي لأقررت لله تعالى سمعا وطاعة وقد كان رسول الله عهد إليّ عهدا، فقال: « يا بن أبي طالب لك ولاء أمّتي، فإن ولّوك في عافيه وأجمعوا عليك بالرضا فقم بأمرهم، وإن اختلفوا عليك فدعهم وما هم فيه، فإنّ الله سيجعل لك مخرجا »، فنظرت فإذا ليس لي رافد، ولا معي مساعد إلاّ أهل بيتي، فضننت بهم عن الهلاك، ولو كان لي بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عمّي حمزة وأخي جعفر لم أبايع كرها فضننت بأهل بيتي عن الهلاك، فأغضيت عيني على القذى، وتجرّعت ريقي على الشجا، وصبرت على أمرّ من العلقم، وآلم للقلب من حزّ الشّفار انظر الكتاب في الإمامة والسياسية ( ج ١؛ ١٧٤ - ١٧٩ ) والغارات ( ١٩٩ - ٢١٢ ) والمسترشد ( ٧٧، ٩٨، ٤٢٦ ).

وفي نهج البلاغة ( ج ١؛ ٦٧ ) من خطبة لهعليه‌السلام : فنظرت فإذا ليس لي معين إلاّ أهل بيتي، فضننت بهم عن الموت، وأغضيت على القذى، وشربت على الشجا، وصبرت على أخذ الكظم، وعلى أمرّ من طعم العلقم. وانظر مثله في نهج البلاغة أيضا ( ج ٢؛ ٢٠٢ ).

وفي الإرشاد (١٢٩): ما رواه عبد الرحمن بن جندب بن عبد الله، قال: دخلت على عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام بالمدينة، بعد بيعة الناس لعثمان، فوجدته مطرقا كئيبا، فقلت له: ما أصاب قومك؟ فقال: صبر جميل، فقلت له: سبحان الله! والله إنّك لصبور!! قال: فأصنع ما ذا؟ قلت: تقوم في الناس فتدعوهم إلى نفسك، وتخبرهم أنّك أولى بالنبي وبالفضل والسابقة، وتسألهم النصر على هؤلاء المتمالئين عليك، فإن أجابك عشرة من مائة شددت بالعشرة على المائة فقال: أتراه يا جندب يبايعني عشرة من مائة؟ قلت: أرجو ذلك،

٥٠٦

قالعليه‌السلام : لكنّي لا أرجو ولا من كل مائة اثنين ...

فالكفر مقبل والردّة والنفاق، بيعة الأوّل، ثمّ الثاني وهو شرّ منه وأظلم، ثمّ الثالث

مرّ الكلام عن هذا المعنى في الطّرفة السادسة، عند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « بيعة الأوّل ضلالة، ثمّ الثاني، ثمّ الثالث ». وقد وصف الثلاثة في روايات أهل البيتعليهم‌السلام - التي ذكرنا بعضها ودللنا على البعض الآخر - بالكفر والردّة والنفاق، وتظافرت الروايات عنهمعليهم‌السلام ، بأنّ الناس كانوا بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أهل ردّة إلاّ ثلاثة، سلمان والمقداد وأبو ذرّ، ثمّ لحق بهم جماعة آخرون.

ففي اختيار معرفة الرجال ( ج ١؛ ٣٨ ) بسنده عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : ارتدّ الناس إلاّ ثلاثة: أبو ذرّ وسلمان والمقداد؟ قال: فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : فأين أبو ساسان وأبو عمرة الأنصاريّ؟

وفيه ( ج ١؛ ٢٦ - ٣٢ ) بسنده عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: كان الناس أهل ردّة بعد النبي إلاّ ثلاثة، فقلت: ومن الثلاثة؟ فقال: المقداد بن الأسود وأبو ذرّ الغفاريّ وسلمان الفارسي، ثمّ عرف الناس بعد يسير، قال: هؤلاء الذين دارت عليهم الرحى، وأبوا أن يبايعوا لأبي بكر حتّى جاءوا بأمير المؤمنينعليه‌السلام مكرها فبايع، وذلك قول الله عزّ وجلّ:( وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ) (١) .

وفي الكافي ( ج ١؛ ٤٢٠ ) بسنده عن عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام - في قول الله عزّ وجلّ:( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً ) (٢) ( لَنْ تُقْبَلَ

__________________

(١) آل عمران؛ ١٤٤

(٢) النساء؛ ١٣٦

٥٠٧

تَوْبَتُهُمْ ) (١) - قال: نزلت في فلان وفلان، آمنوا بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في أوّل الأمر، وكفروا حيث عرضت عليهم الولاية - حين قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه » - ثمّ آمنوا بالبيعة لأمير المؤمنينعليه‌السلام ، ثمّ كفروا حيث مضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ فلم يقرّوا بالبيعة، ثمّ ازدادوا كفرا بأخذهم من بايعه بالبيعة لهم، فهؤلاء لم يبق فيهم من الإيمان شيء.

وفي الكافي أيضا ( ج ١؛ ٤٢٠ - ٤٢١ ) بسنده عن الصادقعليه‌السلام - في قول الله تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى ) (٢) -: فلان وفلان وفلان، ارتدوا عن الإيمان في ترك ولاية أمير المؤمنينعليه‌السلام .

وفي كتاب سليم بن قيس ( ١٤٩ - ١٥٠ ): وقال [ أي عمر ] لأصحابه الأربعة - أصحاب الكتاب -: الرأي والله أن ندفع محمّدا إليهم برمّته، ونسلم من ذلك، حين جاء العدوّ من فوقنا ومن تحتنا، كما قال الله تعالى:( وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً ) (٣) وظنّوا( بِاللهِ الظُّنُونَا ) (٤) وقال( الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً ) (٥) ، فقال صاحبه: لا ولكن نتخذ صنما عظيما نعبده؛ لأنّا لا نأمن أن يظفر ابن أبي كبشة فيكون هلاكنا، ولكن يكون هذا الصنم؛ لنا ذخرا، فإن ظفرت قريش أظهرنا عبادة هذا الصنم وأعلمناهم أنّا لن نفارق ديننا، وإن رجعت دولة ابن أبي كبشة كنا مقيمين على عبادة هذا الصنم سرّا. وروى هذا الخبر الشيخ حسن بن سليمان الحلي في كتاب المحتضر ( ٥٨ - ٥٩ ) عن أبان بن أبي عيّاش، عن سليم بن قيس الهلالي، عن أمير المؤمنينعليه‌السلام .

وهذه الروايات على التسلسل تصرّح بكفرهم وردّتهم ونفاقهم، ومن شاء المزيد من ذلك فليراجع باب « كفر الثلاثة ونفاقهم وفضائح أعمالهم وقبائح آثارهم وفضل التبري منهم ولعنهم » في المجلد الثامن من بحار الأنوار.

__________________

(١) آل عمران: ٩٠.

(٢) محمّد؛ ٢٥

(٣) الأحزاب؛ ١١

(٤) الأحزاب؛ ١٠

(٥) الأحزاب؛ ١٢

٥٠٨

وأمّا أنّ الثاني أشرّ من الأوّل وأظلم، فمما عليه المحقّقون، وقد أكّدت الروايات بأنّه هو الذي أضلّ الأوّل عن الذكر، كما أنّ الوقائع والأحداث تدلّ على أنّه كان رأس الحربة في ظلم وإيذاء آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد مرّ توثيق كثير من أعماله في الحرق والضرب وإسقاط الجنين وغيرها من أعماله.

وفي معاني الأخبار (٤١٢) بسنده عن أبي بصير، قال: سألتهعليه‌السلام عمّا روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: « إنّ ولد الزنا شرّ الثلاثة »؟ قالعليه‌السلام : عنى به الأوسط، إنّه شرّ ممّن تقدّمه وممّن تلاه.

وفي بصائر الدرجات ( ٣٠٦ - ٣٠٧ ) بسنده عن أبي الصخر، قال: أخبرني أبي، عن جدّي، أنّه كان مع أبي جعفر محمّد بن عليّ بمنى وهو يرمي الجمرات، وأنّ أبا جعفر رمى الجمرات، قال: فاستتمّها، ثمّ بقي في يده بعد خمس حصيّات، فرمى اثنتين في ناحية وثلاث في ناحية، فقال له جدّي، جعلت فداك، لقد رأيتك صنعت شيئا ما صنعه أحد قطّ؛ رأيتك رميت الجمرات، ثمّ رميت بخمسة بعد ذلك؛ ثلاثة في ناحية واثنتين في ناحية؟

قالعليه‌السلام : نعم، إنّه إذا كان كلّ موسم أخرجا - الفاسقين الغاصبين - ثمّ يفرّق بينهما هاهنا، لا يراهما إلاّ إمام عدل، فرميت الأوّل اثنتين والآخر ثلاثة، لأنّ الآخر أخبث من الأوّل.

ثمّ تجتمع لك شيعة تقاتل بهم الناكثين والقاسطين والمارقين.

لقد أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاعليه‌السلام بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، وذلك على تأويل القرآن كما قاتلصلى‌الله‌عليه‌وآله على تنزيله، وقد مرّ تخريج قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في عليّ أنّه يقاتل على التأويل كما قاتلصلى‌الله‌عليه‌وآله على التنزيل في الطّرفة السادسة، وسنذكر هنا أمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله صريحا بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، ومعلوم بالضرورة - مضافا إلى ما تقدّم قبل قليل - اشتراط المقاتلة بوجود الناصر المعين، ووجود شيعة مخلصين يقاتلون مع عليّعليه‌السلام .

ففي نهج البلاغة ( ج ١؛ ٣٥ - ٣٧ ): فما راعني إلاّ والناس كعرف الضّبع إليّ، ينثالون عليّ من كلّ جانب، حتّى لقد وطئ الحسنان، وشقّ عطفاي، مجتمعين حولي كربيضة الغنم، فلمّا

٥٠٩

نهضت بالأمر نكثت طائفة، ومرقت أخرى، وقسط آخرون، كأنّهم لم يسمعوا كلام الله حيث يقول:( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) (١) ، بلى والله، لقد سمعوها ووعوها، ولكنّهم حليت الدنيا في أعينهم، وراقهم زبرجها، أما والّذي فلق الحبّة، وبرأ النسمة، لو لا حضور الحاضر، وقيام الحجّة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء أن لا يقاروا على كظّة ظالم، ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أوّلها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز.

قال أبو الصلاح الحلبي في تقريب المعارف (٢٤١) معلّقا على هذه الفقرة: فوصفهم بإيثار الدنيا على الآخرة، على وجه يوجب على المتمكّن من ذلك منعهم بالقهر، وسوّى بينهم وبين المتقدّمين عليه بجعلهم آخرا لأوّلهم، وصرّح باستحقاق الجميع الموافقة على الظلم وإيثار العاجلة، وأنّهعليه‌السلام إنّما أمسك عن أولئك وقاتل هؤلاء؛ لعدم التمكّن هناك؛ لفقد الناصر، وحصوله هاهنا لكثرته، وهذا تصريح منهعليه‌السلام بظلم القوم له.

وفي كتاب سليم بن قيس (٩٤) قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام : وستبقى بعدي ثلاثين سنة، تعبد الله، وتصبر على ظلم قريش، ثمّ تجاهد في سبيل الله إذا وجدت أعوانا، تقاتل على تأويل القرآن - كما قاتلت على تنزيله - الناكثين والقاسطين والمارقين من هذه الأمّة.

وفي أمالي الصدوق (٣١٢) بسنده عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله الصادق، عن أبيه، عن جدّهعليهم‌السلام ، قال: بلغ أمّ سلمة زوجة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ مولى لها ينتقص عليّا ويتناوله، فأرسلت إليه، فلمّا أن صار إليها قالت له: يا بني بلغني أنّك تنتقص عليّا وتتناوله؟ قال لها: نعم يا أمّاه، قالت: اقعد ثكلتك أمّك حتّى أحدّثك بحديث سمعته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ اختر لنفسك: إنّا كنّا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تسع نسوة، وكانت ليلتي، ويومي من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فدخل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو متهلّل، أصابعه في أصابع عليّعليه‌السلام ، واضعا يده عليه، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ...

__________________

(١) القصص؛ ٨٣

٥١٠

يا أمّ سلمة اسمعي واشهدي، هذا عليّ بن أبي طالب سيّد المسلمين، وإمام المتّقين، وقائد الغرّ المحجّلين، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، قلت: يا رسول الله من الناكثون؟ قال: الذين يبايعونه بالمدينة وينكثون بالبصرة، قلت: من القاسطون؟ قال: معاوية وأصحابه من أهل الشام، قلت: من المارقون؟ قال: أصحاب النهروان، فقال مولى أمّ سلمة: فرّجت عنّي فرّج الله عنك، والله لا سببت عليّا أبدا. وهو في التحصين ( ٦٠٦ - ٦٠٧ ) وأمالي الطوسي ( ٤٢٤ - ٤٢٦ ) وبشارة المصطفى ( ٥٨ - ٥٩ ) وكشف الغمّة ( ج ١؛ ٤٠٠ - ٤٠١ ).

وفي المستدرك على الصحيحين ( ج ٣؛ ١٣٩ ) روى بسنده عن الأصبغ بن نباتة، عن أبي أيّوب الأنصاريّ، قال: سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام : تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين بالطرقات والنهروانات وبالسعفات، قال أبو أيوب: قلت: يا رسول الله مع من نقاتل هؤلاء الأقوام؟ قال: مع عليّ بن أبي طالب.

وفي أسد الغابة ( ج ٤؛ ٣٣ ) بسنده عن أبي سعيد الخدريّ، قال: أمرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، فقلنا: يا رسول الله أمرتنا بقتال هؤلاء، فمع من؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : مع عليّ بن أبي طالب، معه يقتل عمّار بن ياسر.

وفي كنز العمال ( ج ٨؛ ٢١٥ ) بسنده عن يحيى بن عبد الله بن الحسن، عن أبيه، قال: كان عليّعليه‌السلام يخطب، فقام إليه رجل، فقال: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن الفتنة، هل سألت عنها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قالعليه‌السلام : نعم، إنّه لمّا نزلت هذه الآية من قول الله عزّ وجلّ:( الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ) (١) علمت أنّ الفتنة لا تنزل بنا ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حي بين أظهرنا، فقلت: ما هذه الفتنة الّتي أخبرك الله بها؟ فقال: يا عليّ، إنّ أمّتي سيفتنون من بعدي ....

فقلت: بأبي أنت وأمّي، بيّن لي ما هذه الفتنة الّتي يبتلون بها؟ وعلى ما أجاهدهم بعدك؟ فقال: إنّك ستقاتل بعدي الناكثة والقاسطة والمارقة، وحلاّهم وسمّاهم رجلا رجلا.

__________________

(١) العنكبوت؛ ٢

٥١١

وانظر شرح الأخبار ( ج ١؛ ١٤١ ) والخرائج والجرائح (١١٥) والمسترشد (٢٩٦) وكشف اليقين ( ٢٢٤، ٣٥٢ ) وكفاية الأثر ( ١١٧، ١٢٢ ) والخصال (١٤٥) وبشارة المصطفى ( ٥٩، ١٤٢ ) وتفسير القمّي ( ج ١؛ ٢٨٣ ) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ١٤٧ ) والجمل ( ٥٠، ٨٠ ) وتقريب المعارف (٢١٣) وإثبات الوصيّة (١٢٧) وأمالي الطوسي ( ٣٦٦، ٧٢٦ ) وتفسير العيّاشي ( ج ٢؛ ٨٤ ).

والمستدرك للحاكم ( ج ٣؛ ١٣٩ ) وفرائد السمطين ( ج ١؛ ٢٧٨ - ٢٨٦ ) وتاريخ بغداد ( ج ٨؛ ٣٤٠ - ٣٤١ ) و ( ج ١٣؛ ١٨٦ - ١٨٧ ) وأنساب الأشراف ( ج ٢؛ ١٣٨ ) وكفاية الطالب ( ١٦٧ - ١٧١ ) ومطالب السئول ( ٦١ - ٦٣ ) وأسد الغابة ( ج ٤؛ ٣٢ - ٣٣ ) والدرّ المنثور ( ج ٦؛ ١٨ ) والاستيعاب ( ج ٣؛ ١١١٧ ) وينابيع المودّة ( ج ١؛ ٧٩، ١٢٨ ) و ( ج ٢؛ ٥٩ ) وتذكرة الخواص (٥) وكنوز الحقائق (١٦١) وكنز العمال ( ج ٦؛ ٧٢، ٨٢، ٨٨، ١٥٤، ٣١٩، ٣٩٢ ) ومناقب الخوارزمي (١١٠) والرياض النضرة ( ج ٢؛ ٢٤٠ ) ومجمع الزوائد ( ج ٧؛ ٢٣٨ ) و ( ج ٩؛ ٢٣٥ ).

العن المضلّين المصلّين واقنت عليهم، هم الأحزاب

لا شكّ عند المسلمين في جواز لعن البغاة على الإمام العادل، ولا خلاف بين أهل القبلة أنّ الخارج على عليّعليه‌السلام باعتباره رابع الخلفاء الراشدين يعدّ باغيا، فيجوز لعنه والبراءة منه.

قال الحمويني في فرائد السمطين ( ج ١؛ ٢٨٨ ): قال الإمام أبو بكر: فنشهد أنّ كلّ من نازع أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام في خلافته فهو باغ، على هذا عهدت مشايخنا.

وروى الشيخ الصدوق في الخصال (٦٠٧) بسنده عن الإمام الصادقعليه‌السلام ، قال: هذه شرائع الدين لمن أراد أن يتمسّك بها وأراد الله هداه والبراءة من الناكثين والقاسطين والمارقين واجبة، والبراءة من الأنصاب والأزلام - أئمّة الضلال، وقادة الجور كلّهم؛ أوّلهم وآخرهم - واجبة.

وفي أمالي الصدوق ( ٤٨٤ - ٤٨٥ ) بسنده عن الأصبغ بن نباتة، قال: قال

٥١٢

أمير المؤمنينعليه‌السلام في بعض خطبه: أيّها الناس، اسمعوا قولي واعتقلوه عنّي؛ فإنّ الفراق قريب لقد علم المستحفظون من أصحاب رسول الله محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ الناكثين والقاسطين والمارقين ملعونون على لسان النبي الأمي، وقد خاب من افترى. ومثله في بشارة المصطفى (١٩١).

وفي كتاب سليم بن قيس (٢١١) قال أبان: قال سليم: لمّا التقى أمير المؤمنينعليه‌السلام وأهل البصرة يوم الجمل، نادىعليه‌السلام الزبير: يا أبا عبد الله، اخرج إليّ، فخرج إليه الزبير، فقالعليه‌السلام : أين طلحة؟ ليخرج، فخرج طلحة، فقال: نشدتكما الله أتعلمان - وأولو العلم من آل محمّد وعائشة بنت أبي بكر - أنّ أصحاب الجمل وأهل النهروان ملعونون على لسان محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد خاب من افترى.

وفي تفسير فرات (١٤١) في تفسير قوله تعالى:( وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ ) (١) بسنده عن أبي الطفيل، قال: سمعت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام يقول: لقد علم المستحفظون من أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعائشة بنت أبي بكر، أنّ أصحاب الجمل وأصحاب النهروان ملعونون على لسان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا يدخلون الجنّة حتّى يلج الجمل في سمّ الخياط. وانظر تفسير القمّي ( ج ١؛ ٢٣٠ ) وتفسير العيّاشي ( ج ٢؛ ٢١ ).

وفي تفسير القمّي ( ج ١؛ ٢٨٣ ) بسنده عن الإمام السجادعليه‌السلام في قوله:( وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ، فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ ) (٢) : فإنّها نزلت في أصحاب الجمل، وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام يوم الجمل: والله ما قاتلت هذه الفئة الناكثة إلاّ بآية من كتاب الله عزّ وجلّ؛ يقول الله:( وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ ) (٣) الآية. وانظر تفسير العيّاشي ( ج ٢؛ ٨٣ - ٨٥ ) وشواهد التنزيل ( ج ١؛ ٢٧٥ - ٢٧٦ ).

وفي تفسير فرات (١٦٣) بسنده عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام ، قال: قال أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب: يا معشر المسلمين،( فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ ) (٤) ، ثمّ

__________________

(١) الأعراف؛ ٤٠

(٢) التوبة؛ ١٢

(٣) التوبة؛ ١٢

(٤) التوبة؛ ١٢

٥١٣

قال: هؤلاء القوم هم وربّ الكعبة، يعني أهل صفين والبصرة والخوارج.

وفي تفسير العيّاشي ( ج ٢؛ ٨٤ ) عن الحسن البصري، قال: خطبنا عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام على هذا المنبر، وذلك بعد ما فرغ من أمر طلحة والزبير وعائشة، صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وصلّى على رسوله، ثمّ قال: أيّها الناس، والله ما قاتلت هؤلاء بالأمس إلاّ بآية تركتها في كتاب الله، إنّ الله يقول:( وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ ) (١) ، أما والله لقد عهد إليّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال لي: يا عليّ، لتقاتلنّ الفئة الباغية، والفئة الناكثة، والفئة المارقة. وانظر مجمع البيان ( ج ٣؛ ١١ ) والتبيان ( ج ٥؛ ١٨٣ ) وفيهما: « وكان حذيفة يقول: لم يأت أهل هذه الآية ». وقال شيخ الطائفةرحمه‌الله : « وروي عن أبي جعفرعليه‌السلام أنّها نزلت في أهل الجمل، وروي ذلك عن عليّعليه‌السلام وعمّار، وغيرهما ».

هذا كلّه، مضافا إلى الأحاديث الصريحة الواردة في لعن من يقاتل عليّاعليه‌السلام ، ويتقدّمه، والأحاديث الواردة في لعن الخوارج خصوصا، وأنّهم كلاب أهل النار، كما رواه الطوسي في أماليه (٤٨٧) بسنده عن عبد الله بن أبي أوفى، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله . وبالجملة فلا شبهة ولا إشكال في جواز بل استحباب - وربّما الوجوب إذا توقفت البراءة من أعداء الله على - لعن الناكثين والقاسطين والمارقين، ومضافا إلى ما تقدّم في لعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله معاوية وأخاه وأباه في عدّة مواطن.

وقد كان أمير المؤمنينعليه‌السلام إذا صلّى بالناس فقنت في الركعة الثانية، لعن معاوية وعمرو ابن العاص، وأبا الأعور السلمي، والوليد بن عقبة، والمغيرة بن شعبة، والضحاك بن قيس، وبسر بن أرطأة، وحبيب بن مسلمة، وأبا موسى الأشعري، ومروان بن الحكم. انظر في ذلك الأصول الستّة عشر (٨٨) وعنه في بحار الأنوار ( ج ٨؛ ٥٦٦ ) وشرح النهج ( ج ٤؛ ٧٩ ) وتذكرة الخواص (١٠٢) وأمالي الطوسي (٧٢٥).

__________________

(١) التوبة؛ ١٢

٥١٤

وقد تقدّم في الطّرفة الأولى عند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « والبراءة من الأحزاب تيم وعدي وأميّة وأشياعهم وأتباعهم » ما يتعلق بالموضوع، وإنّهم يسمّون ب « الأحزاب » إمّا حقيقة لتحزّبهم ضد عليّ وأهل البيتعليهم‌السلام ، وإمّا مجازا باعتبار أنّ الكثير منهم هم بقيّة الأحزاب الذين قاتلوا رسول الله وآذوه وألّبوا عليه، ويشير إليه هنا قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « هم الأحزاب وشيعتهم » فإنّ الملاك واحد في جميع الخارجين والمقاتلين لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّ وأهل البيتعليهم‌السلام .

ونضيف هنا ما في كتاب عليّعليه‌السلام الّذي أخرجه للناس - كما في المسترشد (٤٢٦) - وفيه قولهعليه‌السلام : ثمّ نظرت في أهل الشام، فإذا هم بقيّة الأحزاب وحثالة الأعراب ليسوا من المهاجرين والأنصار، ولا التابعين بإحسان.

وفي الغارات (٢٠٦) قالعليه‌السلام في هذا الكتاب: ثمّ إنّي نظرت في أهل الشام، فإذا هم أعراب أحزاب، وأهل طمع جفاة طغام، يجتمعون من كلّ أوب، ومن كان ينبغي أن يؤدّب ويدرّب، أو يولّى عليه ويؤخذ على يديه، ليسوا من المهاجرين ولا الأنصار.

وفي كشف المحجّة ( ٢٥٩ - ٢٦٣ ) قول عليّعليه‌السلام في كتابه هذا: وقد نزل [ طلحة ] داران مع شكّاك اليمن، ونصارى ربيعة، ومنافقي مضر ونظرت إلى أهل الشام، فإذا هم بقيّة الأحزاب، فراش نار، وذباب طمع، تجمّع من كلّ أوب، ممّن ينبغي أن يؤدّب ويحمل على السنّة، ليسوا من المهاجرين ولا الأنصار، ولا التابعين بإحسان.

وفي الإمامة والسياسة ( ج ١؛ ١٧٦ - ١٧٨ ): ثمّ إنّي نظرت بعد ذلك في أهل الشام، فإذا هم أعراب وأحزاب، وأهل طمع، جفاة طغام، تجمّعوا من كلّ أوب، ممّن ينبغي أن يؤدّب، ويولّى عليه، ويؤخذ على يديه، ليسوا من المهاجرين والأنصار، ولا من التابعين بإحسان إنّما تقاتلون الطلقاء وأبناء الطلقاء، ممّن أسلم كرها، وكان لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حربا، أعداء السنّة والقرآن، وأهل الأحزاب والبدع والأحداث.

وفي الخصال (٣٩٨) بسنده عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، قال: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعن أبا سفيان في سبعة مواطن، في كلّهن لا يستطيع إلاّ أن يلعنه وأنزل الله عزّ وجلّ في القرآن آيتين في سورة الأحزاب، فسمّى أبا سفيان وأصحابه كفّارا، ومعاوية مشرك

٥١٥

عدوّ لله ولرسوله.

وفي تطهير الجنان (٥٤) أنّ عليّا قال: « انفروا إلى بقيّة الأحزاب، وانظروا إلى ما قال الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إنّا نقول: صدق الله ورسوله، ويقولون: كذب الله ورسوله »، والمراد ببقيّة الأحزاب معاوية؛ لأنّ أبا سفيان كان رئيس الأحزاب المجمع لهم، ومعنى « إلى ما قال الله » انفروا قائلين هذا القول الّذي قاله الصحابة لمّا نفروا إلى الأحزاب مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لا الّذي قاله المنافقون، قال تعالى حاكيا عن الفريقين:( وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ ) (١) ، وقال تعالى:( وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً ) (٢) .

__________________

(١) الأحزاب؛ ٢٢

(٢) الأحزاب؛ ١٢.

٥١٦

الطّرفة الخامسة والعشرون

روى هذه الطّرفة - عن كتاب الطّرفة - العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٢٢؛ ٤٨٩ - ٤٩٠ ) ونقلها - بكلتا روايتيها - مختصرة العلاّمة البياضي في الصراط المستقيم ( ج ٢؛ ٩٣ - ٩٤ ).

وقد روي مضمون الطّرفة كاملا في عدّة مصادر وبعدّة أسانيد، مع اختلافات في المتن والألفاظ. رواه فرات في تفسيره ( ٣٩٢ - ٣٩٤ ) بسنده عن فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام ، عن أبيها سيّد الشهداءعليه‌السلام ، وروى مثله في تفسيره أيضا ( ٥٤٤ - ٥٤٥ ) بسند آخر عن فاطمة بنت الحسين، عن أبيهاعليه‌السلام . ورواه الشيخ المفيد في أماليه ( ٣٥١ - ٣٥٣ ) بسنده عن الأصبغ بن نباتة العبدي، عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ورواه فرات في تفسيره ( ٣٩٤ - ٣٩٥ ) بسنده عن الأصبغ بن نباتة: أنّ رجلا من بجيلة يكنّى أبا خديجة جاء معه ستّون رجلا إلى عليّعليه‌السلام في مسجد الكوفة، فسأله أبو خديجة عن سرّ من أسرار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأمرعليه‌السلام قنبرا، فأتاه بكتاب ففضّه، وكان فيه مضمون الطّرفة. ورواه الشيخ الصدوق في معاني الأخبار (١١٨) بسنده عن أنس بن مالك، وأنّ عليّاعليه‌السلام أمر الحسنعليه‌السلام أن ينادي بها على المنبر. ورواه شيخ الطائفة الطوسي في أماليه ( ١٢٢ - ١٢٤ ) بسنده عن الأصبغ بن نباتة السعدي، عن أمير المؤمنينعليه‌السلام . ورواه العلاّمة البياضي في الصراط المستقيم ( ج ١؛ ٢٤٢ - ٢٤٣ ) قائلا: وقد روينا عن شيخنا زين الدين عليّ بن محمّد التوليني، أنّ الأصبغ بن نباتة دخل على عليّعليه‌السلام ثمّ ساق مضمون الطّرفة.

هذا، مع أنّنا لو أردنا استنتاج هذه المضامين عبر القياس المنطقي، المتألّف من

٥١٧

صغرى القياس وكبراه، لنتج مضمون الطّرفة بلا كلام، لأنّ كلّ مقدّمات الاستدلال ثابتة عند جميع المسلمين، والمضامين هي:

الأوّل: أ - من ظلم أجيرا أجره فعليه لعنة الله.

ب -( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (١) .

فينتج أنّ من ظلم ذوي القربى عليه لعنة الله.

الثاني: أ - من توالى غير مواليه فعليه لعنة الله.

ب - « من كنت مولاه فعلي مولاه ».

فينتج أنّ من توالى غير عليّعليه‌السلام فعليه لعنة الله.

الثالث: أ - من سبّ أبويه فعليه لعنة الله.

ب - « أنا وعليّ أبوا المؤمنين ».

فينتج أنّ من سبّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنينعليه‌السلام فعليه لعنة الله.

__________________

(١) الشورى؛ ٢٣

٥١٨

الطّرفة السادسة والعشرون

روى هذه الطرفة - عن كتاب الطّرف، - العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٢٢؛ ٢٤٩٠ - ٤٩٢ ).

الروايات في وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كلّها - أو جلّها - متّفقة على حضور الزهراء والحسنين بعد عليّعليهم‌السلام عند وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّه أوصى عليّا والزهراءعليهما‌السلام وأسرّ لهما بما لم يسرّ به إلى أحد غيرهما، والروايات من حيث التفصيل والجزئيّات مختلفة زيادة ونقيصة، إلاّ أنّها متواترة المعنى في أنّ النبي أفضى لهما ببعض الأسرار، ونبّأهما بما سيلقون من بعده، ولهذا كلّه رأينا أن ننقل بعض المرويّات في ذلك ونشير إلى باقي الروايات ليطّلع على التفاصيل من أراد ذلك.

ففي كتاب سليم بن قيس ( ٦٩ - ٧٢ ) قال سليم: سمعت سلمان الفارسي، قال: كنت جالسا بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في مرضه الّذي قبض فيه، فدخلت فاطمةعليها‌السلام ، فلمّا رأت ما برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خنقتها العبرة حتّى جرت دموعها على خدّيها، فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا بنيّة، ما يبكيك؟ قالت: يا رسول الله، أخشى على نفسي وولدي الضيعة من بعدك، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله واغرورقت عيناه: يا فاطمة، أو ما علمت أنّا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وأنّه حتم الفناء على جميع خلقه؟! إنّ الله تبارك وتعالى اطّلع إلى الأرض اطّلاعة فاختارني منهم فجعلني نبيّا، ثمّ اطّلع إلى الأرض ثانيا فاختار بعلك وأمرني أن أزوّجك إيّاه، وأن أتّخذه أخا ووزيرا ووصيّا، وأن أجعله خليفتي في أمّتي، فأبوك خير

٥١٩

أنبياء الله ورسله، وبعلك خير الأوصياء والوزراء، وأنت أوّل من يلحقني من أهلي، ثمّ اطّلع إلى الأرض اطّلاعة ثالثة، فاختارك وأحد عشر رجلا من ولدك وولد - أخي - بعلك، فأنت سيّدة نساء أهل الجنّة، وابناك سيّدا شباب أهل الجنّة، وأنا وأخي والأحد عشر إماما أوصيائي إلى يوم القيامة، كلّهم هاد مهتد فاستبشرت فاطمةعليها‌السلام بما قال وفرحت ثمّ نظر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى فاطمة، وإلى بعلها وإلى ابنيها، فقال: يا سلمان، أشهد الله أنّي حرب لمن حاربهم، وسلم لمن سالمهم، أما إنّهم معي في الجنّة، ثمّ أقبل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على عليّعليه‌السلام فقال: يا عليّ، إنّك ستلقى من قريش شدّة من تظاهرهم عليك وظلمهم لك، فإن وجدت أعوانا فجاهدهم، وقاتل من خالفك بمن وافقك، فإن لم تجد أعوانا فاصبر واكفف يدك، ولا تلق بيدك إلى التهلكة، فإنك منّي بمنزلة هارون من موسى، ولك بهارون أسوة حسنة؛ إنّه قال لأخيه موسى( إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي ) (١) . وروى هذا الخبر بتفاوت يسير في إكمال الدين ( ٢٦٢ - ٢٦٤ ) بسنده عن سليم بن قيس، وروى فرات في تفسيره ( ٤٦٤ - ٤٦٥ ) قريبا منه بسنده عن عبد الله بن عبّاس، عن سلمان. وانظر أمالي الطوسي ( ١٥٤ - ١٥٥ ) وإرشاد القلوب ( ٤١٩ - ٤٢١ ).

وفي أمالي الطوسي (١٨٨) بسنده عن عبد الله بن العبّاس، قال: لمّا حضرت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الوفاة بكى حتّى بلت دموعه لحيته، فقيل له: يا رسول الله ما يبكيك؟ فقال: أبكي لذرّيّتي، وما تصنع بهم شرار أمّتي من بعدي، كأنّي بفاطمة ابنتي وقد ظلمت بعدي، وهي تنادي: « يا أبتاه يا أبتاه »، فلا يعينها أحد من أمّتي، فسمعت ذلك فاطمةعليها‌السلام فبكت، فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تبكين يا بنيّة، فقالت: لست أبكي لما يصنع بي بعدك، ولكن أبكي لفراقك يا رسول الله، فقال لها: أبشري يا بنت محمّد بسرعة اللّحاق بي، فإنّك أوّل من يلحق بي من أهل بيتي.

وفي كشف الغمّة ( ج ١؛ ٤٩٧ - ٤٩٨ ) روى جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: دخلت

__________________

(١) الأعراف؛ ١٥٠

٥٢٠

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653