طرف من الأنباء والمناقب

طرف من الأنباء والمناقب9%

طرف من الأنباء والمناقب مؤلف:
المحقق: الشيخ قيس العطّار
الناشر: انتشارات تاسوعاء
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 653

طرف من الأنباء والمناقب
  • البداية
  • السابق
  • 653 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 210723 / تحميل: 6561
الحجم الحجم الحجم
طرف من الأنباء والمناقب

طرف من الأنباء والمناقب

مؤلف:
الناشر: انتشارات تاسوعاء
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

الفصل الثالث : الإمام الصادق في ظل جدّه وأبيهعليهم‌السلام

ملامح عصر الإمام زين العابدين ومواقفه

لقد واجه الإمام زين العابدينعليه‌السلام بعد استشهاد أبيه الحسينعليه‌السلام ما يلي :

١ ـ التعاطف مع أهل البيتعليهم‌السلام تعاطفاً كان يفتقد الوعي ويقتصر على الشعور الإيجابي بالولاء مع خلوّه عن الموقف العملي الجادّ .

٢ ـ ثورات انتقاميّة كانت تتحرّك نحو هدف محدود ، وثورات نفعية مصلحيّة ، ونشوء حركات منافقة ، وظهور وعّاظ السلاطين لإسباغ الشرعية على السلطة القائمة .

٣ ـ بروز ظاهرة الشعور بالإثم عند الأمة بسبب ما ارتكبته من خذلان لأبيه الحسين السبطعليه‌السلام لكن هذا الشعور كما هو معروف كان بلا ترشيد واضح ، والعقليات المدبّرة للثورة على الوضع القائم كانت تفكر بالثأر فحسب وهنا خطط الإمام زين العابدينعليه‌السلام لعمله على مرحلتين أو خطوتين :

الخطوة الأولى : تناول الإمامعليه‌السلام ظاهرة الشعور بالإثم وعمل على ترشيدها بعد أن عمّقها بشكل متواصل عبر تذكيره الأمة بمأساة كربلاء والمظالم التي لحقت بآل البيتعليهم‌السلام وقد استغرق هذا التذكير زمناً طويلاً ،

٤١

حيث حاول إعطاء ظاهرة الشعور بالإثم بُعداً فكرياً صحيحاً ليجعل منه أداة دفع وتأثير في عملية البناء والتغيير .

وبعد أن تراكم هذا الشعور شكّل في نهاية الأمر خزيناً داخلياً كانت لا تقوى الأمة أن تصبر عليه طويلاً ، وأصبح الإلحاح على مخرج تعبّر به الأمّة عن ألمها أمراً جدّياً ، حتَّى حدثت الثورة الكبرى وطبيعي أنّ هذا الجو المشحون الذي كان ينبئ بالثورة والإطاحة بالأمويين جعلهم يشددّون الرقابة على الإمام زين العابدينعليه‌السلام باعتباره الرأس المدبّر لهذه المطالبة ولكونه الوريث الشرعي للخلافة بعد أبيه الحسينعليه‌السلام ومن هنا كانت الحكومة الأموية تفسّر أيّ حركة تصدر من الإمامعليه‌السلام على أنّها تمهيد للثورة .

الخطوة الثانية : توزّع نشاط الإمامعليه‌السلام في هذه الخطوة على عدّة اتّجاهات .

الاتجاه الأوّل : قام الإمامعليه‌السلام ببلورة العواطف الهائجة وحاول أن يدفعها باتّجاه الفكر الصحيح ويضع لها الأسس العقائديّة ويجعل منها مقدمة لعملية التغيير التي ينشدها الإمامعليه‌السلام ، وقد تمثّلت في إيجاد الفكر الإسلامي الصحيح الذي طالما تعرّض للتشويه والتحريف ثم إعداد الطليعة الواعية التي تشعر بالمسؤولية وتكون أهلاً لحمل الأمانة الإلهيّة .

الاتّجاه الثاني : تحرّك الإمام زين العابدينعليه‌السلام انطلاقاً من مسؤوليته في حماية الإسلام وبقائه كشريعة دون تحريف وتشويه لمحتواه ضمن عدة نشاطات :

١ ـ النشاط الأول : واجه الإمامعليه‌السلام الحركات الانحرافية والفرق الضالّة والمغالية التي كانت تستهدف الفكر الإسلامي وتعتمد الإسرائيليات والنظريات الهندية واليونانية حول الكون والحياة في فهم القرآن والحديث

٤٢

الشريف ، وقام بنشر مختلف العلوم والفنون وتبيان الصيغة الصحيحة للعلاقات الاجتماعية والسياسية والأخلاقية التي كان قد أصابها الفساد ، كما يتّضح ذلك بجلاء في رسالته المعروفة برسالة الحقوق ، كما ساهم في حل المشاكل التي كانت تهدّد كرامة الدولة الإسلامية كما يلاحظ ذلك جليّاً فيما حدث في جوابه على رسالة ملك الروم حين هدّد الخليفة بالحصار الاقتصادي(١) .

النشاط الثاني : إنّ الأمويين كانوا قد ضيّقوا على حركة الإمامعليه‌السلام ونشاطه مع الأمة إلاَّ أنّ الإمامعليه‌السلام استخدم الدعاء سلاحاً للارتباط الفكري والمعنوي بها ، وحيث إنّ هذا السلاح لم يستهدف الأمويين مباشرة ، توفّر للإمامعليه‌السلام مجالٌ أوسع لمعالجة الظواهر المرضية والانحرافات الأخلاقية .

الاتّجاه الثالث : التأكيد على أهمية العمل الثوري ومكافحة الظلم والانحراف ، وإيقاد روح الجهاد التي كانت خمدت في الأمة عبر سنوات الانحراف ، كما يتجلّى ذلك في دعائه للمختار الذي طالب بثأر الحسين وكان على اتصال دائم بالإمامعليه‌السلام أثناء ثورته من خلال عمّه محمد ابن الحنفيّة .

الاتّجاه الرابع : لم يكن موقف الإمامعليه‌السلام من الحكّام موقف المواجهة والتحدّي المباشر ; إذ لو كان قد فعل الإمام زين العابدينعليه‌السلام ؛ ذلك لما كان يستطيع أن يحقق ما حققه من مكاسب في الأمة في مجال التربية ، ولما توفّرت أجواء سليمة وفرص واسعة لنشاط الإمام الباقرعليه‌السلام من بعده وللجماعة الصالحة التي ربّاها .

لكن هذا لا يعني أن الإمامعليه‌السلام لم يوضح رأيه في الحكومة فلم يترك

ـــــــــــــــــ

(١) البداية والنهاية : ٩/١٢٢ .

٤٣

الأمر ملتبساً على شيعته ، بل كانت للإمام زين العابدينعليه‌السلام مواقف مع الحكّام سوف نشير إلى بعض منها ، وكان هدفه منها إعطاء خطّ في التربية والتغيير حفاظاً على الشيعة من الضياع ; إذ لم تكن الجماعة الصالحة على سبيل المواجهة ولكنها كانت كافية في التحصين في تلك المرحلة على مستوى التربية والإعداد وتأسيساً لمستقبل سياسي أفضل .

ونستطيع أن نلاحظ موقف الإمامعليه‌السلام مع السلطة من خلال رسالته الجوابية إلى عبد الملك حين لامَ عبد الملك الإمامعليه‌السلام على زواجه بأمته التي كان قد أعتقها .

إنّ ردّ الإمامعليه‌السلام على عبد الملك كان يتضمّن تحدّياً للخليفة الذي كان يفكرّ بعقلية جاهلية ; فإنّ الإمامعليه‌السلام وضّح فيها الموقف الإسلامي الذي يلغي كل الامتيازات التي وضعتها الجاهلية بقولهعليه‌السلام :( فلا لؤم على امرئ مسلم إنَّما اللؤمُ لؤم الجاهلية ) .

يظهر هذا التحدّي ممَّا جاء في مصادر التأريخ من أن الخليفة الأموي بعد أن قرأها هو وابنه سليمان ، قال الابن : يا أمير المؤمنين لَشدَّ ما فخر عليك علي بن الحسين !! فردّ الخليفة على ابنه قائلاً : ( يا بنيّ لا تَقل ذلك فإنّها ألسن بني هاشم التي تَفلق الصخر وتغرف من بحر ، إنّ عليّ بن الحسين يا بني يرتفع من حيث يتّضع الناس(١) .

وفي هذا الجواب إشارة إلى أنّ المواجهة مع الإمام من قبل الخليفة لا تخدم سلطان بني أمية .

ومن مواقف الإمام زين العابدينعليه‌السلام تجاه السلطة أيضاً موقفه من

ـــــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار : ٤٦/١٦٥ ، والعقد الفريد : ٧/١٢١ .

٤٤

الزهري ذلك المحدث الذي كان مرتبطاً بالبلاط الأموي ـ فقَد أرسل إليه الإمامعليه‌السلام رسالة قَرعه فيها على شنيع فعله(١) ، وان كان قد علم الإمام بأنّه غارق إلى هامته في موائد السلطان ولهوه ، إلاَّ أنّها رسالة للأجيال .

ومن الأحاديث التي وضعها هذا الرجل دعماً لسياسة بني أمية حينما منعوا حج بيت الله الحرام لمّا كان ابن الزبير مسيطراً على الحرمين الشريفين ما رواه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : لا تشد الرحال إلاَّ إلى ثلاثة : مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى .

ملامح عصر الإمام محمد الباقرعليه‌السلام

استشهد الإمام زين العابدينعليه‌السلام سنة ( ٩٥ هـ ) في أيام حكم الوليد ابن عبد الملك وتوّلى الإمام محمد بن علي الباقرعليه‌السلام مسؤولية الإمامة بوصية من أبيه حيث أعلن عن إمامته أمام سائر أبنائه وعشيرته حين سلّمه صندوقاً فيه سلاح رسول اللهعليه‌السلام وقال له :( يا محمَّد هذا الصندوق فاذهب به إلى بيتك ، ثم قالعليه‌السلام :أما إنّه لم يكن فيه دينار ولا درهم ولكنه مملوءٌ علم ) (٢) .

إذن فهو صندوق يرمز لمسؤولية القيادة الفكرية والعلمية كما أنّ السلاح يرمز لمسؤولية القيادة الثورية .

وبالرغم من توالي الثورات التي تلت واقعة الطف والتي كان الإمام الباقرعليه‌السلام قد عاصرها جميعاً مع أبيهعليه‌السلام بقي موقف الأعمّ الأغلب من الناس الاستجابة لمنطق السيف الأموي إلى جانب القسم الآخر الذي آمن بأنّ الحكّام الأمويين يمثّلون الخلافة الإسلامية .

ـــــــــــــــــ

(١) تحف العقول : ٢٧٢ ـ ٢٧٧ .

(٢) بصائر الدرجات ٤/٤٤ و٤٨ ، وأصول الكافي ١/٣٠٥ وعنهما في بحار الأنوار : ٤٦/٢٢٩ .

٤٥

كما أنّه عاصر عمليات الهدم الفكري والتحريف والمسخ الثقافي الذي مارسه الأمويون بحق الرسالة والقيم الإسلامية .

وعند مجيء سليمان بن عبد الملك إلى الحكم بعد وفاة أخيه الوليد بن عبد الملك سنة ( ٩٦ هـ ) أصدر قرارات جديدة استراحت الأمة بسببها قليلاً حيث أمر بالتَنكيل ( بآل ) الحجاج بن يوسف الثقفي وطرد كلّ عمّاله وولاته(١) كما أطلق سراح المسجونين في سجون الحجّاج(٢) .

وفي سنة ( ٩٩ هـ ) تقلّد الحكم الأموي عمر بن عبد العزيز فازدادت الحريّات في مدّة خلافته القصيرة ، كما يراه بعض المؤرّخين ، كما أنّه عالج مشكلة الخراج التي قال عنها بأنّها سنّة خبيثة سنّها عمّال السوء(٣) .

وعامل العلويين معاملة خالف فيها أسلافه فقد جاء في كتابه لعامله على المدينة : ( فأقسم في ولد علي من فاطمة رضوان الله عليهم عشرة آلاف دينار فطالما تخطّتهم حقوقهم )(٤) ورَدَّ فدكاً ـ التي كان قد صادرها الخليفة الأوّل ـ على الإمام الباقرعليه‌السلام (٥) ورفع سبّ الإمام عليّعليه‌السلام الذي كان قد سنّه معاوية(٦) .

أمّا الناحية الفكرية : فتبعاً للتغيّرات السياسية نلمس تطوّراً في الجانب الفكري أيضاً ؛ فقد برزت في هذا الظرف تيارات فكريّة جديدة واتجّه الناس

ـــــــــــــــــ

(١) الكامل ، ابن الأثير : ٤/١٣٨ .

(٢) تاريخ ابن عساكر : ٤/٨٠ .

(٣) الكامل : ٥/٢٩ وتاريخ الطبري : ٨/١٣٩ .

(٤) مروج الذهب : ٣/١٩٤ .

(٥) الكامل : ٤/١٦٤ والمناقب : ٤/٢٠٧ وسفينة البحار : ٢/٣٧٢ .

(٦) انظر الفكر السامي ١/٢٧٦ عن صحيح مسلم ، وتاريخ اليعقوبي ٢/٢٢٣ و٢٣٠ و٢٣٥ و٣٠٥ ، وشرح النهج للمعتزلي ٥/٩٨ تاريخ الخميس : ٢/٣١٧ .

٤٦

للبحث والدرس وتلقّي المعرفة الإسلامية ورفع المنع الحكومي عن تدوين الحديث النبوي وبدأت تتميّز مدرسة أهل الحديث عن مدرسة أهل الرأي ومال الموالي من غير العرب إلى مدرسة أهل الرأي في الكوفة ، وتزعّم أبو حنيفة هذه المدرسة في حينها ضد مدرسة أهل الحديث في المدينة(١) .

وكنتيجة طبيعية للإخفاق الذي سجّلته الحركات الفكرية ، ظهرت فكرة الاعتزال التي نادى بها ( واصل بن عطاء ) في البصرة عندما اعتزل حلقة درس أستاذه ( الحسن البصري ) وهي تعتبر تعديلاً لفكرة الخوارج التي لم تلقَ رواجاً حينما قالت بكفر مرتكب الكبيرة(٢) ، والمرجئة التي قالت بأنّه لا تضر مع الإيمان معصية(٣) فقال واصل ( مؤسس اتّجاه الاعتزال والمتوفى في ١٣١هـ ) : إنّ صاحب الكبيرة ليس بمؤمن بإطلاق بل هو في منزلة بين منزلتين أي إنّ مرتكب الكبيرة ليس بمؤمن ولا كافر لكنّه فاسق والفاسق يستحق النار بفسقه(٤) .

هذه صورة مجملة عن الواقع الذي عايشه الإمام الصادقعليه‌السلام خلال مرحلة قيادة أبيه الباقرعليه‌السلام .

متطلّبات عصر الإمام الباقرعليه‌السلام

ونلخّص دور الإمام الباقرعليه‌السلام في ثلاثة خطوط أساسية :

الخط السياسي ، وإكمال بناء الجماعة الصالحة ، وتأسيس جامعة أهل البيتعليه‌السلام العلمية .

ـــــــــــــــــ

(١) ضحى الإسلام لأحمد أمين : ٢/١٧٨ .

(٢) الملل والنحل : ١/١٥٨ .

(٣) تاج العروس ، مادة رجأ .

(٤) الأغاني : ٧ / ١٥ .

٤٧

١ ـ الخط السياسي للإمام الباقر عليه‌السلام

لقد كان الخيار السياسي للإمام الباقرعليه‌السلام في فترة تصدّيه للإمامة هو الابتعاد عن الصدام والمواجهة مع الأمويين وهذا واضح من خلال تصريحه الذي تضمّن بياناً للجوّ السائد وحالة الأمة ومستوى وعيها آنذاك :( إنْ دَعَوْناهم لم يستجيبوا لنا ) (١) .

كما نجده فيما بعد يستوعب سياسة الانفتاح والاعتدال التي أبداها عمر ابن عبد العزيز ، سواء كان هذا الاعتدال بدافع ذاتي لعلاقته بالإمامعليه‌السلام ، أم بدافع الضغوط الخارجيّة وخوفه من انهيار الدولة الأموية .

إنّ الإمام قد رسم خطّه السياسي في هذه المرحلة بأسلوبين :

الأسلوب الأول : تصريح الإمامعليه‌السلام برأيه حول عمر بن عبد العزيز وحكومته قبل تصدّي عمر للخلافة فعن أبي بصير ، قال : كنت مع أبي جعفر الباقرعليه‌السلام في المسجد ودخل عمر بن عبد العزيز وعليه ثوبان ممصّران متكئاً على مولى له فقالعليه‌السلام :( لَيَلِيَنَّ هذا الغلام [ أي سوف يتولّى السُلطة ]فيظهر العدل ) (٢) .

ولكن الإمامعليه‌السلام قدح في ولايته باعتبار وجود مَن هو أولى منه .

الأسلوب الثاني : أسلوب المراسلة واللقاء فقد روي أنّ عمر بن

ـــــــــــــــــ

(١) الإرشاد ، للشيخ المفيد : ٢٨٤ .

(٢) سفينة البحار : ٢/١٢٧ .

٤٨

عبد العزيز كرّم الإمام أبا جعفرعليه‌السلام وعظّمه وقد أرسل خلفه فنون ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود وكان من عُبّاد أهل الكوفة فاستجاب له الإمامعليه‌السلام وسافر إلى دمشق فاستقبله عمر استقبالاً رائعاً واحتفى به وجَرَت بينهما أحاديث وبقي الإمام أيّاماً في ضيافته(١) .

ومن المراسلات ما جاء أنّه : كتب عمر للإمامعليه‌السلام بقصد الاختبار فأجابه الإمام برسالة فيها موعظة ونصيحة له(٢) ، ولكن سياسة الابتعاد عن الصدام المباشر لم تمنع الإمام الباقرعليه‌السلام من أن يقف من الأمة بشكل عام ومن الأمويين وهشام بن عبد الملك بشكل خاص موقف التحدّي الفكري والعقائدي والعلمي لبيان الحق المغتصب وكشف ستار الباطل الذي كان قد أسدله الحكّام على الحق ورموزه .

وحين حجّ هشام بن عبد الملك بن مروان سنة من السنين وكان قد حجّ في تلك السنة محمّد بن علي الباقرعليه‌السلام وابنه جعفر ، قال جعفر بن محمدعليه‌السلام في بعض كلامه :( الحمد لله الذي بعث محمّداً نبيّاً وأكرمنا به ، فنحن صفوة الله على خلقه وخيرته من عباده فالسعيد مَن اتّبعنا والشقيّ مَن خالفَنَا ، ومن الناس مَن يقول : إنّه يتولاَّنا وهو يتولّى أعدائنا ومَن يليهم من جلسائهم وأصحابهم ، فهو لم يسمع كلام ربّنا ولم يعمل به ) (٣) .

فبيّنعليه‌السلام مفهوم القيادة الإلهية ومصداقها الحقيقي الذي يمثّلها آنئذ .

وهذا الطرح وان كان فيه نوع مجابهة صريحة للحاكم وما يدور في

ـــــــــــــــــ

(١) تاريخ دمشق : ٥١/٣٨ .

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢/٣٠٥ .

(٣) دلائل الإمامة : ١٠٤ ـ ١٠٩ ، بحار الأنوار : ٤٦/٣٠٦ .

٤٩

أذهان الناس لكنّه لم يكن مغامرة ; لأنّ الظرف كان بحاجة إلى مثل هذا الطرح والتوضيح ، بالرغم من أنّه قد أدّى إلى أن يستدعي هشام الإمامين الباقر والصادقعليهما‌السلام إلى الشام فيما بعد .

٢ ـ إكمال بناء الجماعة الصالحة

لم تكن عملية بناء الجماعة الصالحة وليدة عصر الإمام الباقرعليه‌السلام فقد باشرها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم لإمام عليعليه‌السلام ، حيث نجد لأشخاص أمثال مالك الأشتر وهاشم المرقال ، ومحمد بن أبي بكر ، وحجر بن عدي ، وميثم التمّار ، وكميل بن زياد ، وعبد الله بن العباس ، دوراً كبيراً في الصراع الذي خاضه الإمام عليعليه‌السلام مع مناوئيه .

واستمرت عملية البناء بشكل فاعل في عصر الإمامين الحسن والحسينعليهما‌السلام ، ثم تقلّص النشاط المباشر في بناء هذه القاعدة وتوسيعها ، ثم استمرّت عملية البناء في العقود الأخيرة من حياة الإمام زين العابدينعليه‌السلام وتكاملت في عصر الإمام الباقرعليه‌السلام حيث سنحت الفرصة له بأن يتحرك نحو تطوير الجماعة الصالحة بتوضيح أهدافها التي تمثّلت في الدفاع عن المجتمع الإسلامي وحفظ الشريعة الإسلامية من التحريف إلى جانب توسيع القاعدة كمّاً مع تطويرها كيفاً .

ونقتصر فيما يلي على بعض ما قام به الإمام الباقرعليه‌السلام من خطوات :

الخطوة الأولى : أخذ الإمامعليه‌السلام يعمّق ويوضّح صفات الجماعة الصالحة الموالية لأهل البيتعليهم‌السلام ودورها في المجتمع ، فقد جاء في وصفه لهذه الجماعة قولهعليه‌السلام :( إنّما شيعتنا ـ شيعة علي ـالمتباذلون في ولايتنا المتحابّون في

٥٠

مودّتنا ، المتزاورون لإحياء أمرنا ، الذين إذا غضبوا لم يظلموا ، وإذا رضوا لم يسرفوا ، بركة على مَنْ جاوروا ، سلم لمَن خالطوا ) (١) ، وقال أيضاً :( شيعتنا من أطاع الله ) (٢) .

وبهذا أراد الإمامعليه‌السلام أن يرسّخ الكمالات الإنسانية في جانبي الأخلاق والعبادة التي تعرّضت للضياع طيلة سنوات المحنة ، ويوضّح أن الانتماء لخطّ أهل البيتعليهم‌السلام هو بالعمل والتحلّي بهذه الصفات .

الخطوة الثانية : قام الإمامعليه‌السلام ـ بالإضافة إلى توضيح مستوى الروح الإيمانية التي ينبغي أن يتَمتّع بها أفراد الجماعة الصالحة ـ بشحذِ هممها وتربيتها على روح الصبر والمقاومة لكي تمتلك القدرة على مواصلة العمل في سبيل الله ومواجهة التحدّيات المستمرّة وعدم التنازل أمام الإغراءات أو الضغوط الظالمة ، فقد جاء في كلامهعليه‌السلام لرجل حين قال له : والله إنّي لأحبّكم أهل البيت فقالعليه‌السلام :( فاتّخذ للبلاء ، جلباباً ، فو الله إنّه لأسرع إلينا وإلى شيعتنا من السيل في الوادي ، وبنا يبدو البلاء ثم بكم ، وبنا يبدو الرخاء ثم بكم ) (٣) .

هكذا رسم الإمامعليه‌السلام معالم الطريق الشائك أمامه ، إنّه طريق مفروش بالدماء والدموع ، والإمام رائد المسيرة على هذا الطريق يصيبه البلاء أوّلاً قبل أن يصيب شيعتَه .

وقد كان الإمامعليه‌السلام يذكّرهم بمعاناة الشيعة قبل هذا الظرف بقولهعليه‌السلام :( قتلت شيعتنا بكلّ بلدة وقُطِعت الأيدي والأرجل على الظنة وكان مَن يذكر بحبّنا والانقطاع إلينا سُجن ونُهب مالُه وهُدِمَت داره ) (٤) .

ومن الأعمال التي قام بها الإمامعليه‌السلام في بناء الجماعة الصالحة هو إلزام

ـــــــــــــــــ

(١) تحف العقول : ٢٩٥و ٣٠٠ .

(٢) تحف العقول : ٢٩٥و ٣٠٠ .

(٣) بحار الأنوار : ٤٦/٣٦٠ ، وأمالي الشيخ الطوسي : ٩٥ .

(٤) حياة الإمام الحسنعليه‌السلام دراسة وتحليل : ٢/٢٥٧ .

٥١

أتباعه وخاصّته بمبدأ التقية ؛ حفاظاً عليهم من القمع والإرهاب والإبادة التي طالما تعرّضوا لها وقد اعتبر هذا المبدأ من الواجبات الشرعية ذات العلاقة بالإيمان ، فكان يوصيِهم بالتقية قائلاً :( التقيّة ديني ودين آبائي ، ومَن لا إيمان له لا تقيّة له ) (١) .

ومن المبادئ التي تتداخل مع التقيّة : كتمان السرّ ، فقد جاء عنهعليه‌السلام في وصيّته لجابر بن يزيد الجعفي في أوّل لقاء له بالإمامعليه‌السلام : أن لا يقول لأحد أنّه من أهالي الكوفة ، وليظهر بمظهر رجل من أهل المدينة وجابر الجعفي هذا قد أصبح فيما بعد صاحب سرّ الإمامعليه‌السلام ، ولشدّة فاعليّته وتأثيره في الأمة أمر هشام بن عبد الملك واليه في الكوفة بأن يأتيه برأس جابر ، لكنّ جابراً قد تظاهر بالجنون قبل أن يصدر الأمر بقتله حسب إرشادات الإمام الباقرعليه‌السلام التي كانت تصله سرّاً ، فقد جاء في كتاب هشام إلى واليه : أن أُنظر رجلاً يقال له جابر بن يزيد الجعفي فاضرب عنقه وابعث إليَّ برأسه .

فالتفت إلى جلسائه فقال لهم : مَن جابر بن يزيد الجعفي ؟ قالوا : أصلحك الله ، كان رجلاً له علم وفضل وحديث وحجّ فجنّ وهو ذا في الرحبة مع الصبيان على القصب يلعب معهم .

قال : فأشرف عليه فإذا هو مع الصبيان يلعب على القصب فقال : الحمد لله الذي عافاني من قتله(٢) .

وكان في هذه المرحلة رجال كتموا تشيّعهم وما رسوا نشاطات مؤثرة في حياة الأمة فكرية وعسكرية وفقهية مع الاحتفاظ بعلاقاتهم ، فمن فقهاء الشيعة : سعيد بن المسيّب ، والقاسم بن محمد ، فقد كانا بارزين بين علماء ذلك العصر

ـــــــــــــــــ

(١) أصول الكافي : ٢/١٧٤ .

(٢) بحار الأنوار : ٤٦/٢٨٢ ، والكافي : ١/٣٩٦ .

٥٢

في الفقه وغيره إلاَّ أنّه لم تكن لهم صبغة التشيّع الصريح ، فقد شاع عن سعيد بن المسيّب أنّه كان يجيب أحياناً برأي غيره من علماء عصره أو برأي مَن سبقه من الصحابة ؛ مخافة أن يصيبه ما أصاب سعيد بن جبير ويحيى بن أم الطويل وغيرهما ممّن تعرّضوا للقتل والتشريد بسبب تشيّعهم .

وهذا موسى بن نصير من رجالات الكوفة العسكريين وزهّادها المؤمنين ممّن عرف بولائه لأهل البيتعليهم‌السلام هو وأبوه نصير ، ولقد غضب عليه معاوية إذ لم يخرج معه لصفِّين ، وموسى هو الذي فتح الفتوحات العظيمة في بلاد المغرب وكان تحت إمرته مولاه طارق بن زياد وولده عبد العزيز وبسبب تشيّعه غضب عليه سليمان بن عبد الملك وقبل أن يقتله عرّضه لأنواع العذاب فقتل ولده أمامه وألزمه بدفع مبلغ كبير(١) .

وكان لجابر الجعفي وزرارة وأبان بن تغلب وغيرهم دور بالغ في نجاح حركة الإمام الفكريّة ، وأصبحوا ـ فيما بعد ـ النواة لجامعته ، وبقي هؤلاء بعد وفاة الإمام الباقرعليه‌السلام بصحبة ولده الصادقعليه‌السلام ليمارسوا مسؤولياتهم بحجم أكبر كما سيأتي توضيحه .

٣ ـ تأسيس جامعة أهل البيت عليهم‌السلام

جاءت فكرة زرع البذرة الفكرية وتشكيل النواة الأولى لجامعة علمية إسلامية في هذهِ المرحلة كضرورة حضارية لمواجهة التحدّي الحاضر ونسف البنى الفكرية لكل الأطروحات السابقة التي وجدت من ظروف المحنة مناخاً مناسباً لبثّ أفكارها .

كما تأتي ضرورة وجود تيّار فكري يبلور الأفكار الإسلامية الأصيلة

ـــــــــــــــــ

(١) تاريخ اليعقوبي : ٢/٢٩٤ .

٥٣

ويعبّئ بها ذهن الأمة ويفوّت الفرصة على الظالمين في حالة تبدّل الظروف .

ويمكن تلخيص الأسباب التي شكّلت عاملاً مهمّاً في التهيئة لنجاح هذه الجامعة فيما يلي :

١ ـ لقد عُزلت الأمة عن تبني أفكار الأئمة من أهل البيتعليهم‌السلام وفقههم أكثر من قرن وبقيت تتناقله الخواص في هذه الفترة عن طريق الكتابة والحفظ شفاهاً وبالطرق السرّية .

٢ ـ في هذه الفترة طرحت على العالم الإسلامي تساؤلات فكريّة ومستجدّات كثيرة لم تمتلك الأمة لها حلاًّ بسبب اتّساع البلاد الإسلامية وتبدّل الظروف وحاجات المسلمين .

٣ ـ شعر المسلمون في هذا الظرف بأهمية البحث عن مبدأ فكري يتكفّل حلّ مشكلاتهم ; لأنّ النصّ المحرّف واجتهادات الصحابة أصبح متخلّفاً عن المواكبة ، بل أصبح بنفسه مشكلة أمام المسلم لتعارضه مع العقل والحياة .

٤ ـ في هذا العصر ظهرت مدارس فكرية متطرّفة مثل مدرسة الرأي القائلة بالقياس والاستحسان ، زاعمة أنّ للنصوص التي نقلت عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قليلة(١) لا تفي بالغرض ، الأمر الذي تسرّب فيه العنصر الذاتي للمجتهد ودخل الإنسان بذوقه الخاص إلى التشريع(٢) ، كما ظهرت مدرسة الحديث قِبال

ـــــــــــــــــ

(١) هذا في غير مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام الذين حرصوا على نقل تراث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وواجهوا منع تدوين السنّة النبوية بالحث على التدوين والنقل والتعليم ؛ لئلاَّ تندرس معالم الدين .

(٢) فقد عرف حسن أبي حنيفة أنّه لم يصح عنده من أحاديث الرسول الفقهية سوى سبعة حشر حديثاً راجع مقدمة ابن خلدون : ٣٧٢ .

٥٤

مدرسة الرأي والتي عرفت بالجمود على ظاهر النص ولم تتفرّغ لتمييز صحيح النصوص من غيره .

٥ ـ غياب القدوة الحسنة والجماعة الصالحة التي تشكّل مناخاً لنمو الفضيلة وزرع الأمل في نفوس الأمة باتّجاه الأهداف الربّانيّة .

في هذا الظرف الذي ذهب فيه الخوف واستطاع المسلم أن يبحث عن المعرفة وعن حل لمشكلاته الفكرية ، قام الإمام الباقرعليه‌السلام بتشكيل حلقاته العلمية في مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ؛ فكان وجودهعليه‌السلام مركز جذب لقلوب طلاب الحقيقة فالتفّ حوله صحابة أبيه الإمام زين العابدينعليه‌السلام ، وبدأ منذ ذلك الحين بالتركيز على بناء الكادر العلمي آملاً أن يواجه به المشكلات الفكرية التي بدأت تغزو الأمة المسلمة وكان يشكّل هذا الكادر فيما بعد الأرضية اللازمة لمشروع الإمام الصادقعليه‌السلام المرتقب ، فتناول الإمامعليه‌السلام أهمّ المشكلات الفكرية التي كان لها ارتباط وثيق بحياة الناس العقائدية والأخلاقية والسياسية .

وزجّ الإمام بكادره العلمي وسط الأمة بعد أن عبّأه بكل المؤهّلات التي تمكّنهُ من خوض المعركة الفكرية حينما قال لأبان بن تغلب :( اجلس في مسجد المدينة وافت الناس فإنّي أحبّ أن أرى في شيعتي مثلك ) (١) .

وعندما يدرك الأصحاب مغزى هدف الإمام من هذا التوجيه وضرورة الحضور مع الناس ؛ يتصدّى هؤلاء بأنفسهم لمعالجة المشكلات الفكرية وإبطال الشبه عن طريق الحوار والمناظرة حسب الخط الذي رسمه لهم الإمامعليه‌السلام في وقت سابق .

ـــــــــــــــــ

(١) اختيار معرفة الرجال للكشي ٢/٦٢٢ ، ح ٦٠٣ .

٥٥

قال عبد الرحمن بن الحجاج : كنّا في مجلس أبان بن تغلب فجاء شاب فقال له : يا أبا سعيد أخبرني كم شهد مع علي بن أبي طالب من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ وأدرك أبان مراده فانبرى قائلاً : كأنّك تريد أن تعرف عليّاً بمَن تبعه من أصحاب رسول الله ؟ فقال هو ذاك .

فأجابه أبان : والله ما عرفنا فضلهم ـ أي الصحابة ـ إلاَّ باتّباعهم إيّاه .

وتعميقاً لهذا التوجيه وبنفس السياق يبادر محبوب أهل البيت ولسانهم مؤمن الطاق ليواجه أفكار حركة الخوارج ويردّ على جرأتها في التشكيك بموقف الإمام عليعليه‌السلام من مسألة التحكيم(١) .

يدخل مؤمن الطاق على بعض زعماء الخوارج في الكوفة فيقول له : أنا على بصيرة من ديني وقد سمعتك تصف العدل فأحببت الدخول معك ، فيقول الخارجي لأصحابه إن دخل هذا معكم نفعكم.

فيقول له مؤمن الطاق : لِمَ تبرّأتم من عليّ بن أبي طالب واستحللتم قتله وقتاله ؟

يجيبه الخارجي : لأنّه حكّم الرجال في دين الله .

فيقول له : وكلَّ من حكّم في دين الله استحللتم قتله ؟

فيجيب الخارجي : نعم .

فيقول له : أخبرني عن الدين الذي جئت أُنظارك به لأدخل معك فيه ، إن غَلَبَتْ حجّتي حجّتك ، من يوقِفُ المخطئ منّا عن خطئه ويحكم للمصيب بصوابه ؟

فيشير الضحّاك إلى رجل من أصحابه ويقول : هذا هو الحكم بيننا .

ـــــــــــــــــ

(١) معجم رجال الحديث : ١/٢١ ـ ٢٢ وتنقيح المقال : ١/٤ .

٥٦

هنا يتوجّه مؤمن الطاق إلى مَن كان حاضراً من الخوارج ويقول : زعيمكم هذا قد حكّم في دين الله(١) وهكذا يفحمهم بحجّته البالغة ومنطقه القويم .

وقبل أن ننتهي من حياة الإمامعليه‌السلام نشير إلى ثلاث وقائع تاريخية لها صلة بالمرحلة التي سوف يتصدّى لها الإمام الصادقعليه‌السلام .

الواقعة الأولى : إنّ هشام بن عبد الملك هو واحد من الحكّام الأمويين الَّذين نصبوا العداوة لأهل البيت ، بل نراه قد زاد على غيره حتَّى أنّه على أثر الخطبة التي خطبها الإمام الصادقعليه‌السلام في مكة والتي أوضح فيها معنى القيادة ولمَن تكون القيادة ، يأمر هشام فور رجوعه إلى الشام بجلب الإمامين الباقر والصادقعليهما‌السلام إلى دمشق لغرض التنكيل بهما .

وبعد اللقاء بهشام تفوّق الإمام الباقرعليه‌السلام في البلاط الأموي في الحوار الذي أجراه مع هشام ثم حواره مع عالم النصارى في الشام ، يسمح لهما هشام بالرجوع إلى المدينة ولكنّه يأمر أمير ( مدين ) ـ وهي المدينة الواقعة في طريقهما ـ بإيذائهما فقد جاء في رسالته : إنّ ابن أبي تراب الساحر محمّد بن علي وابنه جعفر الكذابين فيما يظهران من الإسلام ، قد وردا عليّ فلمّا صرفتهما إلى يوم الدين مالا إلى القسسين والرهبان ، وتقربّا إليهم بالنصرانية فكرهت النكال لقربهما ، فإذا مرّا بانصرافهما عليكم فليناد في الناس : برئت الذمّة ممّن باعهما وشاراهما وصافحهما وسلّم عليهما ، ورأى أمير المؤمنين قتلهما ودوابّهما وغلمانهما لارتدادهما والسلام(٢) .

ولم يترك هشام الإمام الباقرعليه‌السلام حُرّاً يتحرّك في المدينة ، ولم يسترح

ـــــــــــــــــ

(١) الإمام الصادق والمذاهب الأربعة : ٢/ ٧٢ .

(٢) دلائل الإمامة : ١٠٤ ـ ١٠٩ وبحار الأنوار : ٤٦ ـ ٣٠٦ .

٥٧

من تواجده في الساحة الإسلامية حتَّى أقدم على قتله غيلةً بالسمّ سنة (١١٤هـ)(١) .

الواقعة الثانية : في هذهِ الفترة تحفّز زيد بن علي بن الحسينعليه‌السلام وصمّم على الثورة ضد هشام بن عبد الملك على أثر تصرّفات الأمويين ، ولا سيّما تصرّف هشام المهين بحق زيد ، والنيل من كرامته ، وما كان يفعله هشام بحق الشيعة بشكل خاص .

لقد دخل زيد على هشام فسلّم عليه بالإمرة فلم يردّ السلام إهانةً له ، بل أغلظ في الكلام ولم يفسح له في المجلس .

فقال زيد : السلام عليك يا أحول ، فإنّك ترى نفسك أهلاً لهذا الاسم فغضب هشام وجرت بينهما محاورة كان نصيب هشام فيها الفشل ، وخرج زيد وهو يقول : ما كره قومٌ حرّ السيوف إلاَّ ذلّوا .

وأمر هشام بردّه وقال له : اُذكر حوائجك ، فقال زيد : أما وأنت ناظر على أمور المسلمين فلا وخرج من عنده وقال : مَن أحبّ الحياة ذلّ(٢) .

ومضى زيد إلى الكوفة ثمّ خطّط للثورة واستشار بذلك الإمام الباقرعليه‌السلام .

قال الإمام الصادقعليه‌السلام :إنّ عمّي أتى أبي فقال إنّي أريد الخروج على هذا الطاغية .

ولمّا أزمع على الخروج أتاه جابر بن يزيد الجعفي فقال له : إنّي سمعت أخاك أبا جعفر يقول :إنّ أخي زيد بن علي خارج ومقتول وهو على الحق فالويل لمَن خذله ، والويل لمَن حاربه ، والويل لمَن يقتله فقال له زيد : يا جابر لم يسعني أن أسكت وقد خولف كتاب الله تعالى

ـــــــــــــــــ

(١) شذرات الذهب : ١/١٤٩ ، تاريخ بن الأثير : ٤/٢١٧ ، طبقات الفقهاء : ٣٦ .

(٢) تاريخ الطبري : حوادث سنة ( ١٢١ ) ، وتاريخ ابن عساكر : ٦ / ٢٢ ـ ٢٣ .

٥٨

وتحوكم بالجبت والطاغوت(١) .

الواقعة الثالثة : ولمّا قربت وفاة الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام دعا بأبي عبد الله جعفر الصادقعليه‌السلام فقال له :إنّ هذه الليلة التي وُعدت فيها ثم سلّم إليه الاسم الأعظم ومواريث الأنبياء والسلاح وقال له :يا أبا عبد الله ، الله الله في الشيعة فقال أبو عبد الله :لا تركتهم يحتاجون إلى أحد ... (٢) .

بهذا العرض ننتهي من تصوير حياة الإمام الصادق مع أبيه لتبدأ مرحلة تصدّيه للإمامة ، وبها يبدأ عصر جديد من العمل والجهاد والإصلاح .

ـــــــــــــــــ

(١) راجع تيسير المطالب : ١٠٨ ـ ١٠٩ .

(٢) إثبات الهداة : ٥/٣٣٠ .

٥٩

الباب الثالث :

وفيه فصول :

الفصل الأوّل : ملامح عصر الإمام الصادقعليه‌السلام .

الفصل الثاني : دور الإمامعليه‌السلام في تثبيت معالم الرسالة .

الفصل الثالث : دور الإمامعليه‌السلام في بناء الجماعة الصالحة .

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

الطّرفة الثامنة والعشرون

روى هذه الطّرفة - عن كتاب الطّرف - العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٢٢؛ ٤٩٢ - ٤٩٣ ) ونقلها العلاّمة البياضي في الصراط المستقيم ( ج ٢؛ ٩٤ ) باختصار.

يا عليّ، أضمنت ديني تقضيه عنّي؟ قال: نعم

تقدّم بيانه في الطّرفة السابعة، وفي الطّرفة العشرين، عند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من كانت له عندي عدة فليأت فيها عليّ بن أبي طالب »، ومرّ فيها أداء عليّعليه‌السلام لما ضمنه لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّه كان ينادي في الموسم وغيره: « من كان له عند رسول الله عدة أو دين فليأتني »، وتقدّم أنّ الحسن والحسينعليهما‌السلام فعلا ذلك أيضا بعد عليّعليه‌السلام ، كلّ ذلك بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، مضافا إلى أنّ عليّاعليه‌السلام قضى ديون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأدّى الأمانات الّتي كانت عندهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأهلها، وذلك عند هجرته المباركة إلى المدينة المنوّرة كما ثبت ذلك في محله.

يا عليّ غسّلني ولا يغسّلني غيرك

من الثابت تاريخيا، أنّ عليّاعليه‌السلام هو الّذي غسّل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسيأتيك ذلك بحول الله وقوّته، وقد كان تغسيله للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بأمر منه، حيث أوصى النبي وأمر عليّا أن لا يغسّله غيره.

ففي أمالي الصدوق (٥٠٥) بسنده عن ابن عبّاس، قال: لمّا مرض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعنده

٥٤١

أصحابه، قام إليه عمّار بن ياسر، فقال له: فداك أبي وأمّي يا رسول الله، من يغسّلك منّا إذا كان ذلك منك؟ قال: ذاك عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام . وعنه في روضة الواعظين (٧٢).

وفي كتاب سليم بن قيس (٧٤) قال: سمعت البراء بن عازب يقول: كنت أحبّ بني هاشم حبّا شديدا في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبعد وفاته، فلمّا قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أوصى عليّاعليه‌السلام أن لا يلي غسله غيره.

وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ١؛ ٢٣٩ ): إبانة ابن بطّة، قال يزيد بن بلال: قال عليّعليه‌السلام : أوصى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن لا يغسّله أحد غيري.

وفي دلائل الإمامة (١٠٦) بسنده عن عمارة بن يزيد الواقديّ في حديث طويل، قال فيه الإمام الباقرعليه‌السلام : وأوحى الله إلى نبيّه أن لا يبقي في غيبه وسرّه ومكنون علمه شيئا إلاّ ناجاه [ أي عليّا ] به، وأمره أن يؤلّف القرآن من بعده، ويتولّى غسله وتحنيطه وتكفينه من دون قومه.

وفي كفاية الأثر (١٢٥) بسنده عن عمّار: لمّا حضرت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الوفاة، دعا بعليعليه‌السلام ثمّ التفت إلى عليّعليه‌السلام ، فقال: يا عليّ، لا يلي غسلي وتكفيني غيرك.

وفيه (٢١) بسنده عن عطاء، عن ابن عبّاس، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ، وهو الإمام والخليفة من بعدي، فمن تمسّك به فاز ونجا، ومن تخلّف عنه ضلّ وغوى، يلي تكفيني وغسلي ويقضي ديني ....

وفي كنز العمال ( ج ٦؛ ٣٩٣ ) بسنده عن ابن عبّاس، في حديث نقل فيه عمر قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام : وأنت عاضدي وغاسلي ودافني.

وفي مجمع الزوائد ( ج ٩؛ ٣٩ ) بسنده عن عليّعليه‌السلام ، قال: أوصاني النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن لا يغسّله أحد غيري.

وانظر بشارة المصطفى (٥٨) والخصال ( ٣٧١، ٥٧٣ ) وتفسير القمّي ( ج ٢؛ ١٠٩ ) والمسترشد ( ١٦٩، ٣٣٦ ) واليقين (٣٩٠) وكتاب سليم بن قيس (٢٠٩) وأمالي الطوسي (٦٦٠) وطبقات ابن سعد ( ج ٢؛ ٢٧٨ ) وحلية الأولياء ( ج ٤؛ ٧٣ ) والرياض النضرة

٥٤٢

( ج ٢؛ ١٧٨ ) ووسيلة المآل للحضرمي (٢٣٩) وتحفة المحبّين بمناقب الخلفاء الراشدين (١٨٧) وتاريخ دمشق ( ج ٢؛ ٤٨٧ / الحديث ١٠٠٦ ). وسيأتي المزيد في أثناء المطالب الآتيه في وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

إنّه لا يرى عورتي أحد غيرك إلاّ عمي بصره

في دلائل الإمامة (١٠٦) بسنده عن عمارة بن يزيد الواقديّ في حديث طويل، قال فيه الإمام الباقرعليه‌السلام : وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله لأهله وأصحابه: حرام أن تنظروا إلى عورتي غير أخي، فهو منّي وأنا منه، له مالي، وعليه ما عليّ.

وفي المسترشد (٣٣٦) بسنده: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: فإن رأى أحد شيئا من جسدي وأنا ميّت ذهب بصره.

وفي كتاب سليم بن قيس (٧٤) قال: سمعت البراء بن عازب يقول فلمّا قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أوصى عليّا أن لا يلي غسله غيره، وأنّه لا ينبغي لأحد أن يرى عورته غيره، وأنّه ليس أحد يرى عورة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ ذهب بصره.

وفي طبقات ابن سعد ( ج ٢؛ ٢٧٨ ) بسنده عن يزيد بن بلال، قال: قال عليّعليه‌السلام : أوصى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ألاّ يغسّله أحد غيري، فإنّه « لا يرى أحد عورتي إلاّ طمست عيناه ».

وفي مناقب ابن المغازلي (٩٣) بسنده عن السائب بن يزيد، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يحلّ لمسلم يرى مجرّدي - أو عورتي - إلاّ عليّ. وروى مثله بسنده عن جابر الأنصاريّ في مناقبه أيضا (٩٤).

وانظر فقه الرضاعليه‌السلام (٢١) والمسترشد (٦٩) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ١؛ ٢٣٩ ) وأمالي الطوسي (٦٦٠) وبصائر الدرجات (٣٢٨) وكفاية الأثر (١٢٥) والخصال (٥٧٣) وكنوز الحقائق (١٩٣) ومجمع الزوائد ( ج ٩؛ ٣٩ ) وكنز العمال ( ج ٧؛ ١٧٦ ) ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ( ج ٣؛ ١٢٢ ) والشفاء للقاضي عياض ( ج ١؛ ٥٤ ) ونهاية الأرب ( ج ١٨؛ ٣٨٩ ) والبداية والنهاية ( ج ٥؛ ٢٨٢ ).

٥٤٣

يعينك جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت وإسماعيل

في نهج البلاغة ( ج ٢؛ ١٧٢ ) من كلام لعليّعليه‌السلام ، قال فيه: ولقد قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وإنّ رأسه لعلى صدري، ولقد سالت نفسه في كفّي، فأمررتها على وجهي، ولقد وليت غسلهصلى‌الله‌عليه‌وآله والملائكة أعواني، فضجّت الدار والأفنية، ملأ يهبط وملأ يعرج، وما فارقت سمعي هينمة منهم يصلّون عليه حتّى واريناه في ضريحه. وانظر هذا النص في ربيع الأبرار للزمخشريّ ( ج ٥؛ ١٩٧ ).

وفي كتاب سليم بن قيس (٧٤) قال: سمعت البراء بن عازب، يقول: فقال عليّعليه‌السلام : يا رسول الله، فمن يعينني على غسلك؟ قال: جبرئيل في جنود من الملائكة، فكان عليّعليه‌السلام يغسّله، والفضل بن العبّاس مربوط العينين يصبّ عليه الماء، والملائكة يقلّبونه له كيف شاء.

وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ٢٤٥ ) وقد احتج أمير المؤمنين يوم الشورى، فقال: هل فيكم من غسل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله غيري، وجبرئيل يناجي، وأجد مسّ يده معي؟!

وفي أمالي الطوسي (١١) بسنده عن الأصبغ بن نباتة، قال: إنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام خطب ذات يوم، فحمد الله وأثنى عليه، وصلّى على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ قال: ولقد قبض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وإنّ رأسه لفي حجري، ولقد وليت غسله بيدي، تقلّبه الملائكة المقرّبون معي. ورواه الأربلي في كشف الغمّة ( ج ١؛ ٣٧٩ ) ورواه المفيد في أماليه (٢٣٥) بسنده عن الأصبغ أيضا، ورواه نصر بن مزاحم في وقعة صفين (٢٢٤) بسنده عن أبي سنان الأسلمي.

وفي أمالي الصدوق (٥٠٥) بسنده عن ابن عبّاس، قال: لمّا مرض رسول الله،صلى‌الله‌عليه‌وآله وعنده أصحابه، قام إليه عمّار بن ياسر، فقال له: فداك أبي وأمّي يا رسول الله من يغسّلك منّا إذا كان ذلك منك؟ قال: ذاك عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ؛ لأنّه لا يهمّ بعضو من أعضائي إلاّ أعانته الملائكة على ذلك. وعنه في روضة الواعظين (٧٢).

وفي كفاية الأثر (١٢٥) بسنده عن عمّار بن ياسر، قال: لمّا حضرت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الوفاة دعا بعليعليه‌السلام ثمّ التفتصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى عليّعليه‌السلام ، فقال: يا عليّ، لا يلي غسلي وتكفيني غيرك، فقال عليّعليه‌السلام : يا رسول الله، من يناولني الماء؛ فإنّك رجل ثقيل لا أستطيع أن أقلّبك؟

٥٤٤

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ جبرئيل معك، والفضل يناولك الماء، وليغطّ عينيه؛ فإنّه لا يرى أحد عورتي إلاّ انفقأت عيناه. ومثله في فقه الرضاعليه‌السلام (٢١) عن الصادقعليه‌السلام .

وفي كتاب سليم بن قيس (٢٠٩) في مناشدة الحسينعليه‌السلام في منى، قال: أتعلمون أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمره [ أي عليّاعليه‌السلام ] بغسله، وأخبره أنّ جبرئيل يعينه عليه؟ قالوا: اللهم نعم.

وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ١؛ ٢٣٨ ): حلية الأولياء، وتاريخ الطبريّ: أنّ عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام كان يغسّل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والفضل يصبّ الماء عليه، وجبرئيل يعينهما.

وفي المسترشد (٣٣٨) قول عليّعليه‌السلام : هل فيكم أحد قلّب رسول الله مع الملائكة - لا أشاء أقلّب منه عضوا إلاّ قلبته الملائكة معي - وحظي بغسله من جميع الناس، غيري؟! قالوا: لا.

وفي حلية الأولياء ( ج ٤؛ ٧٧ ) بسنده عن ابن عبّاس وجابر الأنصاريّ، في حديث طويل في وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيه: فقال عليّعليه‌السلام : يا رسول الله، إذا أنت قبضت، فمن يغسلك؟ وفيما نكفّنك؟ ومن يصلّي عليك؟ ومن يدخلك القبر؟ فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عليّ، أمّا الغسل فاغسلني أنت، وابن عبّاس يصبّ عليك الماء، وجبرئيل ثالثكما.

وسيأتي إعانة الملائكة لعليّعليه‌السلام في تغسيله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في الطّرفة الثالثة والثلاثين عند قول عليّعليه‌السلام : « ولا أقلب منه عضوا إلاّ قلب لي ».

قلت: فمن يناولني الماء؟ قال: الفضل بن العبّاس من غير نظر إلى شيء منّي

في كتاب سليم بن قيس (٧٤) قال: سمعت البراء بن عازب يقول: فلمّا قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أوصى عليّاعليه‌السلام أن لا يلي غسله غيره، وأنّه لا ينبغي لأحد أن يرى عورته غيره، وأنّه ليس أحد يرى عورة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ ذهب بصره فكان عليّعليه‌السلام يغسّله والفضل بن العبّاس مربوط العينين يصبّ الماء.

وفي إعلام الورى (٨٢): ولمّا أراد عليّعليه‌السلام غسله استدعى الفضل بن عبّاس، فأمره أن يناوله الماء، بعد أن عصب عينيه.

٥٤٥

وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ١؛ ٢٣٩ ): وروي أنّه لمّا أراد عليّعليه‌السلام غسلهصلى‌الله‌عليه‌وآله استدعى الفضل بن عبّاس ليعينه، وكان مشدود العينين، وقد أمره عليّعليه‌السلام بذلك إشفاقا عليه من العمى.

وفي الإرشاد (١٠٠): فلمّا أراد أمير المؤمنينعليه‌السلام غسلهصلى‌الله‌عليه‌وآله استدعى الفضل بن العبّاس، فأمره أن يناوله الماء لغسله بعد أن عصب عينيه.

وفي فقه الرضاعليه‌السلام (٢١): وقال جعفرعليه‌السلام : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أوصى إلى عليّعليه‌السلام أن « لا يغسّلني غيرك »، فقال عليّعليه‌السلام : يا رسول الله، من يناولني الماء، وإنّك رجل ثقيل لا أستطيع أن أقلّبك؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : جبرئيل معك يعاونك، ويناولك الفضل الماء، وقل له: فليغطّ عينيه، فإنّه لا يرى أحد عورتي غيرك إلاّ انفقأت عيناه، قال: فكان الفضل يناوله الماء، وجبرئيل يعاونه. وروى مثله الخزاز في كفاية الأثر (١٢٥) بسنده عن عمّار.

وهذا فيه دلالة على أنّ الفضل عصب عينيه بأمر من عليّعليه‌السلام لئلاّ يعمى إذا وقع بصره على عورة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وفي طبقات ابن سعد ( ج ٢؛ ٢٧٨ ): بسنده عن يزيد بن بلال، قال: قال عليّعليه‌السلام : أوصى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ألاّ يغسّله أحد غيري، فإنّه لا يرى أحد عورتي إلاّ طمست عيناه، قال عليّعليه‌السلام : فكان الفضل وأسامة يناولاني الماء من وراء الستر وهما معصوبا العين. ورواه محمّد صدر العالم في كتابه معارج العلى في مناقب المرتضى (١٢١).

وفي البداية والنهاية ( ج ٥؛ ٢٨٢ ) عن البيهقيّ في دلائل النبوّة ( ج ٧؛ ٢٤٤ ) بسنده عن يزيد بن بلال: سمعت عليّاعليه‌السلام يقول: أوصى رسول الله أن لا يغسّله أحد غيري، فإنّه لا يرى أحد عورتي إلاّ طمست عيناه، قال عليّعليه‌السلام : فكان العبّاس وأسامة يناولاني الماء من وراء الستر.

وقال ابن كثير أيضا ( ج ٥؛ ٢٨٢ ) وقد أسند هذا الحديث الحافظ أبو بكر البزّار في مسنده وساق مثله.

ويدلّ على أنّ الفضل كان معصوب العين أو وراء الستر - يناول عليّا الماء - ما تقدّم

٥٤٦

من أنّه لا يرى عورة النبي أو مجرّده أو جسده أحد غير عليّ إلاّ عمي بصره، هذا مع الفراغ عن أنّ الفضل كان يناوله الماء قطعا، إمّا لوحده كما هو الصواب، أو معه غيره كما ورد في بعض الروايات. وقد ذكرت حضور الفضل في الغسل ومناولة الماء كلّ المصادر الّتي ذكرت وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فلا حاجة للإطالة في ذلك، وقد مرّ بعضها آنفا.

فإذا فرغت من غسلي فضعني على لوح، وأفرغ عليّ من بئر غرس أربعين دلوا مفتّحة الأفواه

لقد وردت الروايات في كتب الفريقين، أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أوصى أن يغسل بستّ أو سبع قرب من ماء بئره بئر غرس، وانفرد هذا الخبر بذكر وصيّتهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأن يفرغ عليه أربعين دلوا أو قربة من هذا البئر بعد غسله. وفي الاستبصار ( ج ١؛ ١٩٦ / ٦٨٧ ) عن الصادقعليه‌السلام ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام : يا عليّ، إذا أنا متّ فاغسلني بسبع قرب من بئر غرس. وهو في التهذيب ( ج ١؛ ٤٣٥ / ١٣٩٨ ).

وفي الاستبصار أيضا ( ج ١؛ ١٩٦ / ٦٨٨ ): ما رواه سهل بن زياد، عن أحمد بن محمّد ابن أبي نصر، عن فضل بن سكرة، قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : جعلت فداك، هل للماء حدّ محدود؟ قال: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّعليه‌السلام : إذا أنا متّ فاستق لي ستّ قرب من بئر غرس، فاغسلني وكفّنّي.

انظر أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاعليه‌السلام بتغسيله بست أو سبع قرب من ماء بئر غرس في مناقب ابن شهرآشوب ( ج ١؛ ٢٣٨ - ٢٣٩ ) وبصائر الدرجات ( ٣٠٣ - ٣٠٤ ) والكافي ( ج ١؛ ٢٩٧ ) وطبقات ابن سعد ( ج ٢؛ ٢٨٠ « وغسل من بئر يقال لها الغرس » ) ومعجم البلدان ( ج ٤؛ ١٩٣ ) وفي الوفا لابن الجوزيّ (٨١٠) « العرس ».

وفي البداية والنهاية ( ج ٥؛ ٢٨٢ ) عن البيهقي في دلائل النبوّة ( ج ٧؛ ٢٤٤ )، بسنده عن الباقرعليه‌السلام ، قال: غسل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالسدر ثلاثا، وغسل وعليه قميص، وغسل من بئر كان يقال لها « الغرس » بقباء، كانت لسعد بن خيثمة، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يشرب منها ....

٥٤٧

وفيه أيضا ( ج ٥؛ ٢٨٢ ): وقال الواقدي: حدّثنا عاصم بن عبد الله الحكمي، عن عمير ابن عبد الحكم، قال: قال رسول الله: « نعم البئر بئر غرس، هي من عيون الجنّة، وماؤها أطيب المياه » وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يستعذب له منها، وغسل من بئر غرس.

ثمّ ضع يدك يا عليّ على صدري ثمّ تفهم عند ذلك ما كان وما هو كائن

هذه الفقرة تبيّن طريقة من طرق علم الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ولذلك ذكر المجلسي الروايات المتعلّقة بهذا المطلب في أبواب علم أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وقد روى كبار علماء الإماميّة هذا المضمون.

ففي الكافي ( ج ١؛ ٢٩٦ - ٢٩٧ ) بسنده عن فضيل بن سكرة، قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : جعلت فداك، هل للماء الّذي يغسّل به الميّت حدّ محدود؟ قال: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّعليه‌السلام : إذا متّ فاستق ستّ قرب من ماء بئر غرس، فغسّلني وكفّنّي وحنّطني، فإذا فرغت من غسلي وكفني فخذ بجوامع كفني وأجلسني، ثمّ سلني عمّا شئت، فو الله لا تسألني عن شيء إلاّ أجبتك فيه.

وفيه أيضا ( ج ١؛ ٢٩٧ ) بسنده عن أبان بن تغلب، عن الصادقعليه‌السلام ، قال: لمّا حضر رسول الله الموت دخل عليه عليّعليه‌السلام ، فأدخل رأسه، ثمّ قال: يا عليّ، إذا أنا متّ فغسّلني وكفّني، ثمّ أقعدني وسلني، واكتب.

وعقد الصفّار في بصائر الدرجات ( ٣٠٢ - ٣٠٤ ) الباب السادس من الجزء السادس تحت عنوان « باب في وصيّة رسول الله أمير المؤمنين أن يسأله بعد الموت »، روى فيه عشرة أحاديث في ذلك: الأوّل: عن عمر بن أبي شعبة، والثاني: عن الحسين بن معاوية، عن الصادقعليه‌السلام ، والثالث: عن بعض أصحابنا، عن الصادقعليه‌السلام ، والرابع: عن حفص ابن البختري، عن الصادقعليه‌السلام ، والخامس: عن أبان بن تغلب، عن الصادقعليه‌السلام ، والسادس: عن حفص بن البختريّ، عن الصادقعليه‌السلام ، والسابع: عن عمر بن سليمان الجعفي،

٥٤٨

عن الصادقعليه‌السلام ، والثامن: عن فضيل سكرة، عن الصادقعليه‌السلام ، والتاسع: عن فضيل سكرة أيضا، عن الصادقعليه‌السلام ، والعاشر: عن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر، عن أبيه، عن عليّعليه‌السلام . ونحن ننقل الثاني والعاشر منها:

فعن الحسين بن معاوية، قال: قال لي جعفر بن محمّدعليهما‌السلام : دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاعليه‌السلام : فقال: يا عليّ، إذا أنا متّ فاستق ستّ قرب من ماء، فإذا استقيت فأنق غسلي وكفّني وحنّطني، فإذا كفّنتني وحنّطتني، فخذني وأجلسني، وضع يدك على صدري، وسلني عمّا بدا لك.

وعن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر، عن أبيه، عن عليّعليه‌السلام ، قال: أوصاني النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أنا متّ فغسّلني بستّ قرب من بئر غرس، فإذا فرغت من غسلي فأدرجني في أكفاني، ثمّ ضع فاك على فمي، قال: ففعلت، وأنبأني بما هو كائن إلى يوم القيامة.

وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ٣٧ ): أبان بن تغلب، والحسين بن معاوية، وسليمان الجعفريّ، وإسماعيل بن عبد الله بن جعفر، كلّهم عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: لمّا حضر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الممات دخل عليه عليّعليه‌السلام ، فأدخل رأسه معه، ثمّ قال: يا عليّ، إذا أنا متّ فغسّلني وكفّني، ثمّ أقعدني وسائلني واكتب.

تهذيب الأحكام: فخذ بمجامع كفني، وأجلسني، ثمّ اسألني عمّا شئت، فو الله لا تسألني عن شيء إلاّ أجبتك فيه - انظر التهذيب ( ج ١؛ ٤٣٥ / ١٣٩٧ ) - وفي رواية أبي عوانة، بإسناده، قال عليّعليه‌السلام : ففعلت، فأنبأني بما هو كائن إلى يوم القيامة.

وفي إثبات الوصيّة (١٠٥): وروي أنّه كان ممّا قال له في تلك الحال: إذا أنا متّ فغسّلني وكفّنّي وحنّطني، ثمّ أجلسني، فاسأل عمّا بدا لك واكتب.

ونقل المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٢٢؛ ٥١٤ ) رواية بهذا الصدد عن كتاب الخرائج والجرائح.

٥٤٩

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عليّ ما أنت صانع لو تأمر القوم عليك من بعدي، وتقدّموك وبعثوا إليك طاغيتهم يدعوك إلى البيعة، ثمّ لبّبت بثوبك، وتقاد كما يقاد الشارد من الإبل مرموما مخذولا محزونا مهموما

مرّ ما يتعلّق بظلم القوم لأمير المؤمنينعليه‌السلام وغصبهم الخلافة في الطّرفة الرابعة عشر، عند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « يا عليّ توفي على الصبر منك والكظم لغيظك على ذهاب حقّك » وفي الطّرفة السادسة والعشرين، عند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « فقد أجمع القوم على ظلمكم »، كما مرّ أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أخبره بأسمائهم وحلاّهم، وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ٢٠٣ ) عن أبي جعفر، عن أبيهعليه‌السلام قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام : كيف بك يا عليّ إذا ولّوها من بعدي فلانا؟ قال: هذا سيفي أحول بينهم وبينها، قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : وتكون صابرا محتسبا فهو خير لك منها، قال عليّعليه‌السلام : فإذا كان خيرا لي فأصبر وأحتسب، ثمّ ذكر فلانا وفلانا كذلك ....

كلّ هذا قد مرّ فيما تقدّم، كما تقدّم أنّ بيعتهم ضلالة، وأنّهم كانوا يخطّطون لقتل عليّ في السقيفة، وعند صلاة الفجر، ويوم الشورى، وسنذكر هنا جرّهم لعليّعليه‌السلام بالرّمّة - أي الحبل - وسوقهم إيّاه سوقا عنيفا، وقودهم إيّاهعليه‌السلام كما يقاد الجمل المخشوش.

ففي شرح النهج ( ج ١٥؛ ١٨٦ ) من كتاب لمعاوية بن أبي سفيان إلى عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، يقول في جملته: لقد حسدت أبا بكر والتويت عليه، ورمت إفساد أمره، وقعدت في بيتك، واستغويت عصابة من الناس حتّى تأخّروا عن بيعته، ثمّ كرهت خلافة عمر وحسدته، واستطلت مدّته، وسررت بقتله، وأظهرت الشماتة بمصابه، حتّى إنّك حاولت قتل ولده لأنّه قتل قاتل أبيه، ثمّ لم تكن أشدّ منك حسدا لابن عمك عثمان، وما من هؤلاء إلاّ من بغيت عليه، وتلكّأت في بيعته، حتّى حملت إليه قهرا، تساق بخزائم الاقتسار كما يساق الفحل المخشوش ....

وجواب عليّعليه‌السلام لهذا الكتاب في نهج البلاغة ( ج ٣؛ ٣٠ - ٣٥ )، حيث افتخرعليه‌السلام بما وقع عليه من الظلم، وعدّ ذلك مفخرة لا منقصة، فقال في جوابه: وقلت أنّي كنت أقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتّى أبايع، ولعمر الله لقد أردت أن تذمّ فمدحت، وأن تفضح

٥٥٠

فافتضحت، وما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوما، ما لم يكن شاكّا في دينه، ولا مر تابا بيقينه. وانظر هذه الفقرة من كتابهعليه‌السلام في تقريب المعارف (٢٣٧). والكتاب في الاحتجاج، انظر الفقرة هذه في (١٧٨) منه.

وفي كتاب سليم بن قيس (٨٤): فانطلق قنفذ الملعون فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن، وثار عليّعليه‌السلام إلى سيفه، فسبقوه إليه وكاثروه وهم كثيرون، فتناول بعض سيوفهم فكاثروه، فألقوا في عنقه حبلا ثمّ انطلق بعليعليه‌السلام يعتل عتلا، حتّى انتهي به إلى أبي بكر ...

وانظر مضمون خبر سليم في بيت الأحزان (١٦٠).

وفيه أيضا (٢٥١): فانتهوا بعليعليه‌السلام إلى أبي بكر ملبّبا.

وفيه أيضا (٨٩): فنادى عليّعليه‌السلام قبل أن يبايع، والحبل في عنقه: يا( ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي ) (١) .

وفي الاحتجاج (٨٣): فانطلق قنفذ، فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن، وبادر عليّعليه‌السلام إلى سيفه ليأخذه، فسبقوه إليه، فتناول بعض سيوفهم، فكثروا عليه فضبطوه، وألقوا في عنقه حبلا أسود ثمّ انطلقوا بعليعليه‌السلام ملبّبا بحبل، حتّى انتهوا به إلى أبي بكر، وعمر قائم بالسيف على رأسه، وخالد بن الوليد، وأبو عبيدة بن الجراح، وسالم، والمغيرة بن شعبة، وأسيد بن حضير، وبشير بن سعد، وسائر الناس قعود حول أبي بكر عليهم السلاح، وهوعليه‌السلام يقول: أما والله لو وقع سيفي بيدي لعلمتم أنّكم لن تصلوا إليّ، هذا جزاء منّي، وبالله لا ألوم نفسي في جهد، ولو كنت في أربعين رجلا لفرّقت جماعتكم، فلعن الله قوما بايعوني ثمّ خذلوني.

وفي الاحتجاج (١٥٠) عن كتاب سليم بن قيس (١١٧) في احتجاج عليّعليه‌السلام على جماعة كثيرة من المهاجرين والأنصار - لمّا تذاكروا فضلهم بما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من النصّ عليه وغيره من القول الجميل - وفيه: فقال طلحة بن عبيد الله - وكان يقال له « داهية

__________________

(١) الأعراف؛ ١٥٠

٥٥١

قريش » -: فكيف نصنع بما ادّعى أبو بكر وأصحابه الّذين صدّقوه، وشهدوا على مقالته، يوم أتوه بك تعتل وفي عنقك حبل، فقالوا لك: بايع وروى بعض الحديث الحمويني في فرائد السمطين ( ج ١؛ ٣١٢ - ٣١٨ ) بسنده عن أبان بن أبي عيّاش، عن سليم بن قيس الهلالي.

وفي اختيار معرفة الرجال ( ج ١؛ ٣٧ ) بسنده عن أبي حمزة، قال: سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول: لمّا مرّوا بأمير المؤمنينعليه‌السلام وفي رقبته حبل آل زريق، ضرب أبو ذرّ بيده على الأخرى ثمّ قال: ليت السيوف قد عادت بأيدينا ثانية، وقال مقداد: لو شاء لدعا عليه ربّه عزّ وجلّ، وقال سلمان: مولانا أعلم بما هو فيه.

وفي الخصال (٤٦٢) بسنده عن زيد بن وهب - في قضيّة الّذين أنكروا على أبي بكر جلوسه في الخلافة وتقدّمه على عليّعليه‌السلام - وفيه قول عليّعليه‌السلام لهم: ولقد شاورت في ذلك أهل بيتي فأبوا إلاّ السكوت؛ لما تعلمون من وغر صدور القوم وبغضهم لله عزّ وجلّ ولأهل بيت نبيّةصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنّهم يطالبون بثارات الجاهليّة، والله لو فعلتم ذلك لشهروا سيوفهم مستعدّين للحرب والقتال، كما فعلوا ذلك حتّى قهروني، وغلبوني على نفسي ولبّبوني، وقالوا لي: بايع وإلاّ قتلناك، فلم أجد حيلة إلاّ أن أدفع القوم عن نفسي، وذاك أنّي ذكرت قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عليّ إنّ القوم نقضوا أمرك، واستبدّوا بها دونك، وعصوني فيك، فعليك بالصبر حتّى ينزل الأمر، ألا وإنّهم سيغدرون بك لا محالة، فلا تجعل لهم سبيلا إلى إذلالك وسفك دمك، فإنّ الأمّة ستغدر بك بعدي، كذلك أخبرني جبرئيل عن ربّي.

وفي التهاب نيران الأحزان (٧٠): ثمّ إنّ الثاني جمع جماعة من الطلقاء والمنافقين والمؤلّفة قلوبهم، وأتى بهم إلى منزل عليّ وتواثبوا على أمير المؤمنين وهو جالس على فراشه، فأخرجوه سحبا ملبّبا بثوبه إلى المسجد.

وفيه أيضا (٧١): فدخلوا على أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ولبّبوه بثوبه، وجعلوا يقودونه قود البعير المخشوش.

وفي الشافي في الإمامة ( ج ٣؛ ٢٤٤ ): وروى إبراهيم، عن يحيى بن الحسن، عن عاصم ابن عامر، عن نوح بن درّاج، عن داود بن يزيد الأودي، عن أبيه، عن عديّ بن حاتم،

٥٥٢

قال: ما رحمت أحدا رحمتي عليّا حين أتي به ملبّبا ورواه الدرازيّ في التهاب نيران الأحزان (٧١).

وفي السقيفة وفدك ( ٧١ - ٧٢ ): أخبرني أبو بكر الباهلي، عن إسماعيل بن مجالد، عن الشعبي، قال: قال أبو بكر: يا عمر، أين خالد بن الوليد؟ قال: هو هذا، فقال: انطلقا إليهما - يعني عليّا والزبير - فائتياني بهما، فانطلقا، فدخل عمر ووقف خالد على الباب من خارج، فقال عمر للزبير: ما هذا السيف؟ قال: أعددته لأبايع عليّا، قال: وكان في البيت ناس كثير، منهم المقداد بن الأسود وجمهور الهاشميّين، فاخترط عمر السيف فضرب به صخرة في البيت فكسره، ثمّ أخذ بيد الزبير فأقامه، ثمّ دفعه فأخرجه، وقال: يا خالد دونك هذا، فأمسكه خالد، وكان خارج البيت مع خالد جمع كثير من الناس، أرسلهم أبو بكر ردءا لهما، ثمّ دخل عمر، فقال لعليّ: قم فبايع، فتلكّأ واحتبس، فأخذ بيده، وقال: قم، فأبى أن يقوم، فحمله ودفعه كما دفع الزبير، ثمّ أمسكهما خالد، وساقهما عمر ومن معه سوقا عنيفا، واجتمع الناس ينظرون، وامتلأت شوارع المدينة بالرجال ورواه عن الجوهريّ ابن أبي الحديد في شرح النهج ( ج ٦؛ ٤٨ - ٤٩ ).

وهذه النصوص كلّها صريحة بأنّهم لبّبوا عليّاعليه‌السلام ، وساقوه سوقا عنيفا، وألقوا في عنقه حبلا، وسحبوه إلى البيعة سحبا، وأنّهعليه‌السلام صبر واحتسب لوصيّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك. ولقد أجاد الشاعر المرحوم السيّد باقر الهنديّ الموسويّرحمه‌الله ، حيث قال في قصيدة له بعنوان « نصّ الغدير » كما في ديوانه (٢٥):

دخلوا الدار وهي حسرى بمر أى

من عليّ ذاك الأبي الغيور

واستداروا بغيا على أسد ال

لّه فأضحى يقاد قود البعير

ينظر الناس ما بهم من معين

وينادي، وماله من نصير

٥٥٣

فقال عليّعليه‌السلام : يا رسول الله، أنقاد للقوم وأصبر - كما أمرتني على ما أصابني - من غير بيعة لهم، ما لم أصب أعوانا عليهم لم أناظر القوم

مرّ ما يتعلّق بوصيّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام بالصبر على غصب حقّه ما لم يجد أعوانا في الطّرفة الرابعة والعشرين، عند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « يا عليّ، اصبر على ظلم الظالمين ما لم تجد أعوانا ».

ويبقى هنا أن نشير إجمالا إلى أنّ عليّاعليه‌السلام لم يبايع القوم أبدا، وإنّما انقاد لهم بوصيّة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو الّذي عبّر عنه في كتب التاريخ بالمبايعة؛ أخذا بظاهر صورة الأمر، هذا مع الإغماض عن أنّه ما انقاد لهم إلاّ بعد استشهاد الصدّيقة الطاهرة الزهراءعليها‌السلام .

ففي الشافي في الإمامة ( ج ٣؛ ٢٤٢ ): روى إبراهيم الثقفي، عن محمّد بن أبي عمير، عن أبيه، عن صالح بن أبي الأسود، عن عقبة بن سنان، عن الزهريّ، قال: ما بايع عليّعليه‌السلام إلاّ بعد ستّة أشهر، وما اجترئ عليه إلاّ بعد موت فاطمةعليها‌السلام .

وفي الصراط المستقيم ( ج ٣؛ ١٠٦ ): وأخرج مسلم، أنّه قيل للزهريّ: لم يبايع عليّعليه‌السلام ستّة أشهر؟ فقال: لا والله ولا واحد من بني هاشم. وفي تاريخ ابن الأثير ( ج ٢؛ ٣٣١ ) قال الزهريّ: بقي عليّعليه‌السلام وبنو هاشم والزبير ستّة أشهر لم يبايعوا أبا بكر، حتّى ماتت فاطمةعليها‌السلام فبايعوه.

وقد حقّق الشريف المرتضى في الشافي ( ج ٣؛ ٢٣٧ - ٢٧٣ ) أنّ عليّا لم يبايع القوم إلاّ ظاهرا، وبأمر من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّهعليه‌السلام احتجّ على القوم ولم يسكت، وتخلّف عن بيعتهم، ولو افترضنا أنّه سكت، فإنّ السكوت ينقسم إلى الرضا وعدمه، مع أنّ الأدلّة كلّها تدلّ على أنّهعليه‌السلام لم يرض خلافتهم ولم يبايعهم.

كما حقّق ذلك أبو الصلاح الحلبي في تقريب المعارف ( ٢٢٠ - ٢٢٧ ) وقال من جملة كلامه: وأمّا البيعة، فإن أريد بها الرضا، فهو من أفعال القلوب الّتي لا يعلمها غيره تعالى، بل لا ظنّ بها فيه؛ لفقد أماراتها وثبوت ضدّها، وإن أريد الصفقة باليد فغير نافعة، لا سيّما مع كونها واقعة عن امتناع شديد، وتخلّف ظاهر، وتواصل إنكار عليه، وتقبيح لفعله، وموالاة مراجعة؛ بتهديد تارة، وتخويف أخرى، وتحشيم وتقبيح، إلى غير ذلك ممّا هو

٥٥٤

معلوم، ودلالة ما وقع على هذا الوجه على كراهيّة المبايع واضحة، وأمّا إظهار التسليم، فعند فقد كلّ ما يظنّ معه الانتصار، ولهذا صرّحعليه‌السلام عند التمكّن من القول بوجود الأنصار بأكثر ما في نفسه من ظلم القوم له، وتقدّمهم عليه بغير حقّ وذلك مانع من وقوع تسليمه عن رضى.

وكذلك حقّق الموضوع العلاّمة البياضي في الصراط المستقيم ( ج ٣؛ ١١٣ - ١١٦ ) وقال من جملة كلامه: ولئن سلّم سكوتهعليه‌السلام فهو أعمّ من رضاه، وقد عرف في الأصول بطلان الإجماع السكوتي؛ إذ لا ينسب إلى ساكت قول، بل دلالة السكوت على السخط أولى من دلالته على الرضا، فإن قالوا: يكفي في الرضا ترك النكير، قلنا: لا، فإنّ السخط أسبق؛ للإجماع على تأخّرهعليه‌السلام عن البيعة كراهة لها، قالوا: وفي وصيّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لهعليه‌السلام « أن لا توقع فتنة »، دليل صحّة خلافتهم، قلنا: قد أمر الله نبيّه بالصبر على أذى الكفّار، حتّى نزلت آية السيف، وقد أخرج صاحب جامع الأصول، عن أبي ذرّ، قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : كيف أنتم وأئمّة من بعدي يستأثرون بهذا الفيء؟! قلت: أضرب بسيفي حتّى ألقاك، قال: هل أدلّك على خير من ذلك؟ تصبر حتّى تلقاني.

وفي كشف الاشتباه (٨٨) قال: ونحن ننكر حجيّة الإجماع [ على أبي بكر ] وتحقّقه، أمّا عدم حجيّته؛ فلأنّ الإجماع إنّما يعتبر عندنا إذا كشف عن رضى المعصوم، وبيعة أبي بكر لم تقترن بموافقة الإمام أمير المؤمنين، وأمّا عدم تحقّقه؛ فلتخلّف الإمام أمير المؤمنين وجماعة من الصحابة عن بيعة أبي بكر؛ إذ قد اجتمعت الأمّة على أنّه تخلّف عن بيعة أبي بكر، فالمقلّ يقول بتأخّره ثلاثة أيّام، ومنهم من يقول: تأخّر حتّى ماتت فاطمةعليها‌السلام ، ثم بايع بعد موتها، ومنهم من يقول: تأخّر أربعين يوما، ومنهم من يقول: تأخّر ستّة أشهر، والمحقّقون من أهل الإماميّة يقولون: لم يبايع ساعة قطّ. وانظر هذا الكلام في الفصول المختارة من العيون والمحاسن (٥٦) وهو اختيار الشريف المرتضى من كتاب العيون والمحاسن للشيخ المفيد.

وفي كتاب سليم (٨٩): ثمّ قال [ عمر ]: قم يا بن أبي طالب فبايع، فقال: فإن لم أفعل؟ قال: إذا والله نضرب عنقك، فاحتجّ عليهم ثلاث مرّات، ثمّ مدّ يده من غير أن يفتح كفّه،

٥٥٥

فضرب عليها أبو بكر ورضي بذلك منه وقيل للزبير: بايع، فأبى قال سلمان: ثمّ أخذوني فوجئوا عنقي حتّى تركوها كالسّلعة، ثمّ أخذوا يدي فبايعت مكرها، ثمّ بايع أبو ذرّ والمقداد مكرهين، وما بايع أحد من الأمّة مكرها غير عليّعليه‌السلام وأربعتنا.

وفيه أيضا (١٢٨) قول عليّعليه‌السلام : ولم يكن معي أحد من أهل بيتي أصول به، ولا أقوى به، أمّا حمزة فقتل يوم أحد، وأمّا جعفر فقتل يوم مؤتة فأكرهوني وقهروني، فقلت كما قال هارون لأخيه: يا( ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي ) (١) ، فلي بهارون أسوة حسنة، ولي بعهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إليّ حجّة قويّة.

وفي الشافي في الإمامة ( ج ٣؛ ٢٤٤ ): روى إبراهيم، عن يحيى بن الحسن، عن عاصم بن عامر، عن نوح بن درّاج، عن داود بن يزيد الأوديّ، عن أبيه، عن عديّ بن حاتم، قال: ما رحمت أحدا رحمتي عليّا، حين أتي به ملبّبا، فقيل له: بايع، قال: فإن لم أفعل؟ قالوا: إذا نقتلك، قال: إذا تقتلون عبد الله وأخا رسوله، ثمّ بايع كذا، وضمّ يده اليمنى.

وفي التهاب نيران الأحزان ( ٧١ - ٧٢ ): وروى عديّ بن حاتم، قال: والله ما رحمت أحدا من خلق الله مثل رحمتي لعليّ بن أبي طالب، حين أتوا به ملبّبا بثوبه حتّى أو قفوه بين يدي الأوّل، فقالوا له: بايع، قال: وإن لم أفعل؟ قالوا: نضرب الّذي فيه عيناك، فرفع طرفه إلى السماء، وقال: اللهمّ إنّي أشهدك أنّهم يقتلونني وأنا عبدك وأخو رسولك، فقالوا له: مدّ يدك وبايع، فجرّوا يده فقبض عليها، وراموا فتحها فلم يقدروا، فمسح عليها الأوّل وهي مضمومة، وهوعليه‌السلام ينظر إلى قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ويقول: يا بن العم( إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي ) (٢) . ورواه بهذا النصّ الشيخ عبّاس القمّي في بيت الأحزان ( ١٦٥ - ١٦٦ ).

وقال العلاّمة المجلسيرحمه‌الله في بحار الأنوار ( ج ٨؛ ٢٣٠ - ٢٣٣ ): أجاز لي بعض الأفاضل في مكّة - زاد الله شرفها - رواية هذا الخبر، وأخبرني أنّه أخرجه من الجزء الثاني من كتاب

__________________

(١) الأعراف؛ ١٥٠

(٢) الأعراف؛ ١٥٠

٥٥٦

دلائل الإمامة، وهذه صورته: حدّثنا أبو الحسين محمّد بن هارون بن موسى التلعكبريّ، قال: حدّثنا أبيرضي‌الله‌عنه ، قال: حدّثنا أبو عليّ محمّد بن همّام، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مالك الفزاريّ الكوفي، قال: حدّثني عبد الرحمن بن سنان الصيرفي، عن جعفر بن عليّ الحوّار، عن الحسن بن مسكان، عن المفضّل بن عمر الجعفي، عن جابر الجعفي، عن سعيد بن المسيّب، قال: [ حديث طويل جدا في الكتاب الخطير الّذي كان عمر قد أودعه عند معاوية، وفيه قول عمر ]:

فاستخرجته من داره مكرها مغصوبا، وسقته إلى البيعة سوقا ولمّا دخل السقيفة صبا أبو بكر إليه، فقلت له: قد بايعت يا أبا الحسن، فانصرف، فأشهد ما بايعه ولا مدّ يده إليه ورجع عليّعليه‌السلام من السقيفة وسألنا عنه، فقالوا: مضى إلى قبر محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله فجلس إليه، فقمت أنا وأبو بكر إليه، وجئنا نسعى، وأبو بكر يقول: ويلك يا عمر!! ما الّذي صنعت بفاطمة، هذا والله الخسران المبين، فقلت: إنّ أعظم ما عليك أنّه ما بايعنا، ولا أثق أن يتثاقل المسلمون عنه، فقال: فما تصنع؟ فقلت: تظهر أنّه قد بايعك عند قبر محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأتيناه وقد جعل القبر قبلة، مسندا كفّه على تربته، وحوله سلمان وأبو ذرّ والمقداد وعمّار وحذيفة بن اليمان، فجلسنا بإزائه، وأو عزت إلى أبي بكر أن يضع يده على مثل ما وضع عليّ يده، ويقرّبها من يده، ففعل ذلك، وأخذت بيد أبي بكر لأمسحها على يده، وأقول: « قد بايع »، فقبض عليّ يده، فقمت أنا وأبو بكر موليّا، وأنا أقول: جزى الله عليّا خيرا فإنّه لم يمنعك البيعة لمّا حضرت قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فوثب من دون الجماعة أبو ذرّ جندب بن جنادة الغفاريّ، وهو يصيح ويقول: والله - يا عدوّ الله - ما بايع عليّ عتيقا، ولم يزل كلّما لقينا قوما وأقبلنا على قوم نخبرهم ببيعته وأبو ذرّ يكذّبنا، والله ما بايعنا في خلافة أبي بكر، ولا في خلافتي، ولا يبايع لمن بعدي، ولا بايع من أصحابه اثنا عشر رجلا، لا لأبي بكر ولا لي.

فالتحقيق العلمي والنصوص الّتي نقلناها، والنصوص الأخرى الحاكية للبيعة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كلّها تدلّ دلالة قطعيّة على أنّ عليّاعليه‌السلام لم يبايع القوم بيعة حقيقيّة ولا ساعة قطّ، وإنّما أجبروه ولبّبوه وسحبوه، ثمّ تركوه، وبعد وفاة الزهراءعليها‌السلام مسحوا على يده

٥٥٧

وأخذوا ظاهر البيعة منه بالإكراه، ورضوا بذلك منه، وقد بيّنّا أنّ انقياده وصبرهعليه‌السلام كان بوصيّة وعهد من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

يا عليّ ما أنت صانع بالقرآن والعزائم والفرائض؟ فقالعليه‌السلام : يا رسول الله، أجمعه ثمّ آتيهم به، فإن قبلوه وإلاّ أشهدت الله وأشهدتك عليهم

مرّ الكلام عن جمعهعليه‌السلام للقرآن في الطّرفة السادسة عشر، عند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « فالزم بيتك واجمع القرآن على تأليفه، والفرائض والأحكام على تنزيله ».

٥٥٨

الطّرفة التاسعة والعشرون

روى هذه الطّرفة - عن كتاب الطّرف - العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٢٢؛ ٥٤٦ ) وصرّح بأنّها في كتاب مصباح الأنوار؛ منقولة بإسناده إلى كتاب الوصيّة لعيسى الضرير. ونقلها عن كتاب الطّرف العلاّمة البياضي في الصراط المستقيم ( ج ٢؛ ٩٤ - ٩٥ ) باختصار.

يا عليّ غسّلني ولا يغسّلني غيرك

تقدّم الكلام عنها في الطّرفة الثامنة والعشرين بنفس العنوان.

يا محمّد، قل لعليّ: إنّ ربّك يأمرك أن تغسّل ابن عمّك؛ فإنّها السنّةلا يغسّل الأنبياء غير الأوصياء، وإنّما يغسّل كلّ نبي وصيّه من بعده

دلّت على هذا المطلب كلّ الأحاديث الّتي خصّصت عليّاعليه‌السلام بتغسيل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله دون غيره، كما دلّت على ذلك جملة من الأحاديث الّتي ذكرت ذلك بعد ذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لإمامة عليّعليه‌السلام .

ففي كفاية الأثر ( ٢٠ - ٢١ ) بسنده عن عطاء، عن ابن عبّاس، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ، وهو الإمام والخليفة من بعدي، فمن تمسّك به فاز ونجا، ومن تخلّف عنه ضلّ وغوى، يلي تكفيني وتغسيلي ....

مضافا إلى الأحاديث المصرحة بأن لا يغسّل النبي إلاّ وصيّه من بعده، ولا يغسّل الإمام

٥٥٩

إلاّ الإمام الّذي بعده.

ففي إكمال الدين ( ٢٦ - ٢٧ ): وكذلك أخبرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بتشاكل أفعال الأوصياء في من تقدّم وتأخّر، من قصّة يوشع بن نون وصي موسىعليه‌السلام ، مع صفراء بنت شعيب زوجة موسى، وقصّة أمير المؤمنينعليه‌السلام وصي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مع عائشة بنت أبي بكر، وإيجاب غسل الأنبياء أوصياءهم بعد وفاتهم.

حدّثنا عليّ بن أحمد الدقّاق، قال: حدّثنا حمزة بن القاسم، قال: حدّثنا أبو الحسن عليّ بن الجنيد الرازيّ، قال: حدّثنا أبو عوانة، قال: حدّثنا الحسن بن عليّ، عن عبد الرزّاق، عن أبيه، عن مينا مولى عبد الرحمن بن عوف، عن عبد الله بن مسعود، قال: قلت للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا رسول الله، من يغسّلك إذا متّ؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : يغسّل كلّ نبي وصيّه، قلت: فمن وصيّك يا رسول الله؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : عليّ بن أبي طالب وروى هذا الحديث بسنده عن ابن مسعود، ابن جرير الطبريّ الإمامي في بشارة المصطفى (٢٧٧).

وعقد الكليني في الكافي ( ج ١؛ ٣٨٤ - ٣٨٥ ) بابا بعنوان « إنّ الإمام لا يغسّله إلاّ إمام من الأئمّة »، وروى فيه ثلاثة أحاديث، الثاني منها بسنده عن أبي معمر، قال: سألت الرضاعليه‌السلام عن الإمام يغسّله الإمام؟ قالعليه‌السلام : سنّة موسى بن عمرانعليه‌السلام .

وكتب في الهامش نقلا عن مرآة العقول للمجلسي: أي غسّله وصيّه في التيه، وحضر حين موته.

وهاهنا طريفة نقلها ابن أبي الحديد في شرح النهج ( ج ١٣؛ ٣٨ )، تعليقا على ما كانت تقوله عائشة: « لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسّله إلاّ نساؤه »، قال ابن أبي الحديد: حضرت عند محمّد بن معدّ العلويّ في داره ببغداد، وعنده حسن بن معالي الحلّي المعروف بابن الباقلاويّ، وهما يقرآن هذا الخبر وهذه الأحاديث من تاريخ الطبريّ، فقال محمّد بن معدّ لحسن بن معالي: ما تراها قصدت بهذا القول؟ قال: حسدت أباك على ما كان يفتخر به من غسل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فضحك محمّد، فقال: هبها استطاعت أن تزاحمه في الغسل، هل تستطيع أن تزاحمه في غيره من خصائصه؟! وانظر قول عائشة في تاريخ الطبريّ ( ج ٣؛ ٢٠٤ ).

٥٦٠

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653