طرف من الأنباء والمناقب

طرف من الأنباء والمناقب9%

طرف من الأنباء والمناقب مؤلف:
المحقق: الشيخ قيس العطّار
الناشر: انتشارات تاسوعاء
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 653

طرف من الأنباء والمناقب
  • البداية
  • السابق
  • 653 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 210629 / تحميل: 6559
الحجم الحجم الحجم
طرف من الأنباء والمناقب

طرف من الأنباء والمناقب

مؤلف:
الناشر: انتشارات تاسوعاء
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

قبل أن يستوفي حقّه منه ، فإذا استوفاه منه ، كان مضموناً عليه. ولو فضل منه فضلة ، فالأقرب : أنّها أمانة.

ولو قال : وفيه دراهم خُذْه(١) بدراهمك ، وكانت الدراهم التي فيه مجهولةَ القدر ، أو كانت أكثر من دراهمه ، لم يملكه ، ودخل في ضمانه بحكم الشراء الفاسد. وإن كانت معلومةً وبقدر حقّه ، ملَكه.

ج - لو قال : خُذْ هذا العبد بحقّك ، ولم يكن سَلَماً فقَبِل ، ملَكه. وإن لم يقبل وأخذه ، دخل في ضمانه بحكم الشراء الفاسد.

مسألة ١٨٠ : إذا احتاج الرهن إلى مؤونة يبقى بها الرهن - كنفقة العبد وكسوته وعلف الدابّة - كانت على الراهن ؛ لما رواه العامّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « الرهن من راهنه ، له غُنْمه ، وعليه غُرْمه »(٢) .

قولهعليه‌السلام : « من راهنه » أي : من ضمان راهنه.

ومن طريق الخاصّة : قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « الظهر يُركب إذا كان مرهوناً ، وعلى الذي يركبه نفقته ، والدَّرُّ يُشرب إذا كان مرهوناً ، وعلى الذي يشرب نفقته »(٣) .

وقد قلنا : إنّ المرتهن ممنوع من التصرّف ، وإنّ المنافع للراهن ، فتكون نفقته عليه.

وفي معناه سقي الأشجار ومؤونة الجذاذ وتجفيف الأثمار واُجرة‌ الإصطبل والبيت الذي يُحفظ فيه المتاع المرهون إذا لم يتبرّع به المرتهن أو

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « خذ ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) ورد نصّه في المغني ٤ : ٤٦٨ ، ونحوه في سنن الدارقطني ٣ : ٣٣ / ١٢٣ ، وسنن البيهقي ٦ : ٣٩ ، و التمهيد - لابن عبد البر - ٦ : ٤٢٦ ، و ٤٣٠.

(٣) الفقيه ٣ : ١٩٥ / ٨٨٦ ، التهذيب ٧ : ١٧ ١٧٦ / ٧٧٥.

٢٦١

العَدْل ، خلافاً لأبي حنيفة في اُجرة الإصطبل والبيت(١) واُجرة مَنْ يردّ العبد من الإباق ، وما أشبه ذلك(٢) .

إذا عرفت هذا ، فهل يُجبر الراهن على أداء هذه المؤونة حتى يقوم بها من خالص ماله؟ للشافعيّة وجهان :

أحدهما : أنّه يُجبر لتبقى وثيقة المرتهن.

والثاني : أنّه لا يُجبر عند الامتناع ، بل يبيع القاضي جزءاً من المرهون بحسب الحاجة ، فلو كانت تستوعب الرهن قبل الأجل ، فعلى الثاني يلحق بما يفسد قبل الأجل ، فيباع ويُجعل ثمنه رهناً(٢) .

قيل عليه : هذا إمّا أن يلحق بمالا يتسارع إليه الفساد ثمّ عرض ما أفسده ، أو بما يتسارع إليه الفساد. والأوّل باطل ؛ لأنّ العارض هناك اتّفاقي غير متوقّع ، والحاجة إلى المؤونة معلومة متحقّقة. وإن كان الثاني ، لزم إثبات الخلاف المذكور في رهن ما يتسارع إليه الفساد في رهن كلّ ما يحتاج إلى نفقة أو مكان يحفظ فيه(٣) .

وعلى الأوّل - وهو الأصحّ عندهم - لو لم يكن للراهن شي‌ء أو لم يكن حاضراً ، باع الحاكم جزءاً من المرهون ، واكترى به بيتاً يحفظ فيه الرهن(٤) .

وأمّا المؤونة الزائدة فيمكن أن يقال : حكمها حكم ما لو هرب‌

____________________

(١) تحفة الفقهاء ٣ : ٤٤ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٥١ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٣٠ و ١٣١ ،الاختيار لتعليل المختار ٢ : ١٠٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٧ ، المغني ٤ : ٤٧٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٤١.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٥ - ٥٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٦.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٢.

٢٦٢

الجمّال وترك الجِمال المستأجرة أو عجز عن الإنفاق عليها.

مسألة ١٨١ : يجوز للراهن أن يفعل بالمرهون ما فيه مصلحته ، وليس للمرتهن منعه منه ، كفصد العبد وحجامته والمعالجة بالأدوية والمراهم ، لكن لا يُجبر عليها ، بخلاف النفقة ، وهو أحد وجهي الشافعيّة(١) .

ثمّ إن كانت المداواة ممّا يرجى نفعه ولا يُخاف غائلته ، جاز : وإن كان ممّا يخاف ، فالأقوى عدم المنع أيضاً منه ، ويكتفى بأنّ الغالب منه السلامة.

وللشافعيّة وجهان ، ويجريان في قطع اليد المتآكلة إذا كان في قطعها وتركها خطر ، فإن كان الخطر في الترك دون القطع ، فله القطع ، وليس له قطع سِلْعَة(٢) ولا إصبع لا خطر في تركها إذا خِيف منه ضرر. وإن كان الغالب فيه السلامة ، ففيه الخلاف(٣) .

وله أن يختن العبد والأمة في وقت اعتدال الهواء إن كان يندمل قبل حلول الأجل ؛ لأنّه أمر لا بُدَّ منه ، الغالب فيه السلامة. وإن لم يندمل وكان فيه نقص ، لم يجز. وكذا لو كان به عارض يخاف معه من الختان.

وللراهن تأبير النخل المرهونة.

ولو ازدحمت وقال أهل الخبرة : تحويلها أنفع ؛ جاز تحويلها.

وكذا لو رأوا قطع البعض لصلاح الأكثر.

وما يُقطع منها أو يجفّ فهو مرهون ، بخلاف ما يحدث من السعف

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٣.

(٢) السِّلْعة : الضواة ، وهي زيادة تحدث في الجسد مثل الغُدّة. لسان العرب‌ ٨ : ١٦٠ « سلع ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٣.

٢٦٣

ويجفّ ، فإنّ الراهن مختصّ به ، وينزّل منزلة النماء.

ولا يمنع من رعي الماشية في وقت الأمن ، وتؤوى ليلاً إلى يد المرتهن أو العَدْل.

ولو أراد الراهن أن يبعد لطلب الرعي وبالقرب ما يكفيها ، فللمرتهن المنع ، وإلّا فلا.

وتؤوى إلى يد عَدْلٍ يتّفقان عليه أو ينصبه الحاكم.

ولو أراد المرتهن ذلك وليس بالقرب ما يكفي ، لم يُمنع.

وكذا لو أراد نقل المتاع من بيتٍ ليس بحرزٍ إلى حرزٍ.

ولو نَبا(١) بهما المكان وأرادا الانتقال ، فإن كان إلى أرضٍ واحدة ، فلا إشكال ، وإلّا جُعلت الماشية مع الراهن ، ويحتاط ليلاً ، كما تقدّم.

____________________

(١) نبا به منزله وفراشه : لم يوافقْه. ونبَتْ بي تلك الأرض : لم أجد بها قراراً. لسان العرب ١٥ : ٣٠٢ « نبا ».

٢٦٤

٢٦٥

الفصل الخامس : في وضع الرهن على يد العَدْل‌

مسألة ١٨٢ : يجوز أن يشترط المتراهنان وضع الرهن على يد أحدهما أو ثالثٍ غيرهما‌ ، سواء تعدّد أو اتّحد ؛ عملاً بقولهعليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم »(١) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ ذلك العَدْل يكون وكيلاً للمرتهن نائباً عنه في القبض ، فمتى قبضه صحّ قبضه - وبه قال علماؤنا ، وجماعة الفقهاء ، منهم : عطاء وعمرو بن دينار ومالك والثوري وابن المبارك والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأحمد وأصحاب الرأي(٢) - لأنّه قبض في عقدٍ ، فجاز فيه التوكيل ، كسائر القبوض.

وقال الحكم والحارث العكلي وقتادة وداوُد وابن أبي ليلى : لا يكون مقبوضاً بذلك ؛ لأنّ القبض من تمام العقد يتعلّق بأحد المتعاقدين ، كالإيجاب والقبول(٣) .

والفرق بينه وبين القبول : أنّ الإيجاب إذا كان لشخصٍ كان القبول منه ؛ لأنّه مخاطَب. ولو كلّ في الإيجاب والقبول قبل أن يوجب له ، صحّ.

وما ذكروه ينتقض بالقبض في البيع فيما يعتبر القبض فيه.

____________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

(٢) المغني ٤ : ٤١٨ - ٤١٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٤٨.

(٣) المغني ٤ : ٤١٨ ٤١٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٤٨.

٢٦٦

إذا عرفت هذا ، فإنّه يجوز أن يجعلا الرهن على يد مَنْ يجوز‌ توكيله ، وهو جائز التصرّف ، سواء مسلماً أو كافراً ، عَدْلاً أو فاسقاً ، ذكراً كان أو اُنثى.

ولا يجوز أن يكون صبيّاً ؛ لأنّه غير جائز التصرّف مطلقاً ، فإن فعلا ذلك ، كان قبضه وعدم قبضه واحداً.

ولا يجوز أن يكون عبداً بغير إذن سيّده ؛ لأنّ منافع العبد لسيّده ، ولا يجوز تضييعها في الحفظ بغير إذنه ، فإن أذن مولاه ، جاز.

وأمّا المكاتب فإن كان بجُعْلٍ ، جاز ؛ لأنّه مكتسب ، وهو سائغ له بغير إذن السيّد. وإن كان بغير جُعْلٍ ، لم يجز ؛ لأنّه التبرّع بمنافعه.

مسألة ١٨٣ : لو شرط جَعْل الرهن على يد عَدْلٍ وشرطا له أن يبيعه عند حلول الحقّ ، صحّ؛ لأنّ ذلك [ يكون ] توكيلاً(١) في البيع منجّزاً ، وإنّما الشرط في التصرّف. وصحّ بيعه ، وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد(٢) .

وإن عزل الراهن العَدْلَ عن البيع ، قال الشيخرحمه‌الله : لا ينعزل ، ولا تنفسخ وكالته ، وكان له بيع الرهن(٣) - وبه قال أبو حنيفة ومالك(٤) - لأنّ وكالته صارت من حقوق الرهن ، فلم يكن للراهن إسقاطها(٥) ، كسائر‌

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة و الحجرية : « ولأنّ ذلك توكيلاً ». والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٤٢ ، الوسيط ٣ : ٥٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٩ ، المغني ٤ : ٤٢٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٤.

(٣) الخلاف ٣ : ٢٤٣ ، المسألة ٤١ ، المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢١٧.

(٤) المبسوط - للسرخسي - ٢١ : ٧٩ - ٨٠ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٥١ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٤٢ ، حلية العلماء ٤ : ٤٣٢ العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠١ ، المغني ٤ : ٤٢٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٤.

(٥) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « إسقاطه ». والظاهر ما أثبتناه.

٢٦٧

حقوقه.

وقال الشافعي وأحمد : يصحّ العزل ، ولا يملك البيع ؛ لأنّ الوكالة عقد جائز ، فلم يلزم العاقد المقام عليها ، كسائر الوكالات.

قالوا : وكونه من حقوق الرهن لا يمنع بقاءه على جوازه ، كما أنّ الرهن إذا شُرط في البيع لا يصير لازماً قبل القبض ، فإن عزله عن البيع ، فعلى صحّة العزل يكون للمرتهن فسخ البيع الذي جعل الرهن ثمنه ، كما لو امتنع الراهن من تسليم الرهن المشروط في البيع(١) .

هذا إذا كانت الوكالة شرطاً في عقد الرهن ، ولو شرطاها بعده ، انفسخت بعزل الموكّل والوكيل إجماعاً.

وأمّا إن عزله المرتهن ، فلا ينعزل ، قاله الشيخ(٢) - وبه قال أحمد والشافعي في أحد قوليه(٣) - لأنّ العدل وكيل الراهن ؛ إذ المرهون ملكه ، ولو انفرد بتوكيله صحّ ، فلم ينعزل بعزل غيره.

والثاني : له عزله(٤) ، على معنى أنّ لكلّ واحدٍ منهما منعه من البيع ؛ لأنّ المرتهن له أن يمنعه من البيع ، لأنّ البيع إنّما يستحقّ بمطالبته ، فإذا لم يطالب بالبيع ومنعه منه ، لم يجز ، فأمّا أن يكون ذلك فسخاً فلا.

مسألة ١٨٤ : إذا وضعا الرهن عند عَدْلٍ وشرطا أن يبيعه عند المحلّ ، جاز.

قال الشيخرحمه‌الله : وليس للعَدْل أن يبيعه حتى يستأذن المرتهن بإذنٍ‌

____________________

(١) حلية العلماء ٤ : ٤٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٩ ، المغني ٤ : ٤٢٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٤ - ٤٥٥.

(٢) الخلاف ٣ : ٢٤٣ ، المسألة ٤٢ ، المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢١٧.

(٣ و ٤ ) المغني ٤ : ٤٢٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٥ ، حلية العلماء ٤ : ٤٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٩.

٢٦٨

مجدَّد(١) - وهو أحد قولي الشافعي ، وبه قال أحمد(٢) - لأنّ البيع لحقه ، فإذا لم يطالب به ، لم يجز بيعه ، بل يراجع ليعرف أنّه مطالِبٌ أو مهمل أو مبرئ.

والثاني : أنّه لا يراجع ؛ لأنّ غرضه توفية الحقّ(٣) .

وأمّا الراهن فقال الشيخعليه‌السلام : لا يشترط تجديد إذنه ولا مراجعته ثانياً عند البيع(٤) - وهو أحد قولي الشافعي(٥) - لأنّ الأصل دوام الإذن الأوّل.

والثاني : أنّه يشترط تجديد إذنه ؛ لأنّه قد يكون له غرض في استبقاء المرهون ويريد قضاء الحقّ من غيره وإبقاء الرهن لنفسه(٦) .

ولو مات الراهن أو المرتهن ، بطلت الوكالة.

وإذا قلنا : إنّ الوكيل لا ينعزل بعزل المرتهن ، فلو عاد إلى الإذن ، جاز البيع ، ولم يشترط تجديد توكيل من الراهن.

قال بعض الشافعيّة : مساق هذا أنّه لو عزله الراهن ثمّ عاد ووكّل ، افتقر إلى إذنٍ جديد للمرتهن ، ويلزم عليه أن يقال : لا يعتدّ بإذن المرتهن قبل توكيل الراهن(٧) .

ولو وضعا الرهن على يد عَدْلٍ فمات ، فإنّ اتّفق الراهن والمرتهن‌

____________________

(١) الخلاف ٣ : ٢٤٤ ، المسألة ٤٣ ، المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢١٧.

(٢) حلية العلماء ٤ : ٤٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٩ ، المغني ٤ : ٤٢٣ - ٤٢٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٩.

(٤) الخلاف ٣ : ٢٤٤ ، المسألة ٤٣ ، المبسوط للطوسي ٢ : ٢١٧ ٢١٨.

(٥ و ٦ ) حلية العلماء ٤ : ٤٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٩.

(٧) الوسيط ٣ : ٥٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٠.

٢٦٩

على كونه في يد عَدْلٍ آخَر أو في يد أحدهما ، كان لهما. وان اختلفا ، كان للحاكم أن يضعه عند عَدْلٍ يرتضيه.

ولو كان الرهن في يد المرتهن فمات ، فالرهن بحاله ، فإن رضي الراهن أن يكون في يد ورثة المرتهن ، كان في أيديهم إن اختاروا. وإن أبى ذلك ، لم يُجبر على تركه في أيديهم ؛ لأنّه لم يرض إلّا بأمانة المرتهن دون ورثته ، ويضعه الحاكم عند مَنْ يراه.

مسألة ١٨٥ : يد العَدْل يد أمانةٍ متطوّع بحفظه ، فلو اتّفقا على نقله من يده ، كان لهما ؛ لأنّ الحقّ لهما. وان اختلفا فيه فطالَب أحدهما بالنقل وامتنع الآخَر ، لم ينقل ؛ لأنّهما قد رضيا بأمانته ورضيا بنيابته عنهما في حفظه ، فلا يجوز لأحدهما أن ينفرد وإخراجه من يده.

ولو أراد العَدْل ردَّ الرهن فإن كانا حاضرَيْن ، كان له ذلك ، وعليهما قبوله منه ؛ لأنّه أمين متطوّع بحفظه ، فلا يلزمه المقام على ذلك ، فإذا قبضاه فقد بري‌ء العدْل من حفظه. وإن امتنعا من أخذه ، رفع أمرهما إلى الحاكم ليُجبرهما على [ تسلّمه ](١) فإن امتنعا أو استترا ، نصب الحاكم أميناً يقبضه منه لهما ؛ لأنّ للحاكم ولايةً على الممتنع من حقٍّ عليه.

ولو ردّه العَدْل على الحاكم قبل أن يردّه عليهما وقبل امتناعهما من قبضه ، لم يكن له ذلك ، وكان ضامناً ، وكان الحاكم ضامناً أيضاً ؛ لأنّ الحاكم لا ولاية له على غير الممتنع.

وليس للعَدْل أن يدفع الرهن إلى غير المتراهنين مع حضورهما وإمكان الإيصال إليهما ، وكذا لو دفعه العَدْل إلى ثقةٍ أمينٍ مع وجودهما ،

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في « ج » والطبعة الحجريّة : « تسليمه ». والظاهر ما أثبتناه.

٢٧٠

فإنّه يضمن ، ويضمن القابض أيضاً ؛ لأنّه لا يجوز له أن يُخرجه من يده إلى‌ غير المتراهنين ، وليس للعَدْل القابض قبضه ، فضمنه ؛ لأنّه قبضه بغير حقٍّ ، فلزمه الضمان.

ولو دفعه إلى أحد المتراهنين ، فإنّهما يضمنان أيضاً ؛ لأنّه وكيل لهما في حفظه ، فلم يجز له تسليمه إلى أحدهما دون صاحبه ، فإذا سلّمه ، ضمن ، وضمن القابض ؛ لأنّه قبض ما لا يجوز له قبضه.

ولو امتنعا من القبض وليس هناك حاكم فتركه عند ثقةٍ ، جاز ولا ضمان.

ولو امتنع أحدهما فدفعه إلى الآخَر ، ضمن.

والفرق بينهما أنّ العَدْل يمسكه لهما ، فإذا دفعه إلى أحدهما ، كان ماسكاً لنفسه ، فلم يجز.

ولو كانا غائبين فإن كان للعَدْل عذرٌ في الامتناع من بقائه في يده - كسفرٍ عزم عليه ، أو مرضٍ خاف منه ، أو غير ذلك - دفعه إلى الحاكم ، وقبضه الحاكم عنهما ، أو نصب عَدْلاً يقبضه لهما. وإن لم يجد حاكماً ، جاز له أن يودعه عند ثقةٍ ، ولا ضمان على أحدهما.

فإن أودعه عند ثقةٍ مع وجود الحاكم ، فالأقرب : الضمان ؛ لأنّ الولاية في مال الغائب إلى الحاكم.

وللشافعيّة وجهان(١) .

وإن لم يكن له عذرٌ ، قال الشيخرحمه‌الله : لم يجز له تسليمه إلى

____________________

(١) المهذب - للشيرازي - ١ : ٣٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩٩ و ٧ : ٢٩٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٦ ، و ٥ : ٢٩.

٢٧١

الحاكم(١) . وهو جيّد.

وفصّل الشافعي فقال : إن كانت غيبتهما طويلةً - وهو السفر الذي يقصر فيه الصلاة - فإنّ الحاكم يقبضه عنهما ، ولا يلجئه إلى حفظه ، وإن لم يجد حاكماً ، أودعه عند ثقة أو أمين : وإن كانت المسافة قصيرةً ، فهو كما لو كانا حاضرَين(٢) .

وإن كان أحدهما غائباً والآخَر حاضراً ، لم يجز تسليمه إلى الحاضر ، وكان كما لو كانا غائبين.

وليس له قسمته وإعطاء الحاضر نصفه ، بخلاف ما لو أودع اثنان وديعةً عند ثالثٍ وغاب أحدهما الآخَر فطالَب ، فإنّ الحاكم يقسّمها بينه وبين الغائب ؛ لأنّ المودعين ما لكان ظاهراً ؛ لثبوت يدهما معاً عليها ، فقسّمها الحاكم ، وهنا الملك لأحدهما وللآخَر حقّ الوثيقة ، وذلك لا يمكن قسمته ، فاختلفا.

مسألة ١٨٦ : لو جعلا الرهن على يد عَدْلين ، جاز إجماعاً ، ولهما إمساكه ، ولا يجوز لأحدها الانفراد بحفظه. فإن سلّمه أحدها إلى الآخَر ، ضمن النصف ؛ لأنّه القدر الذي تعدّى فيه. ولأنّ الراهن لم يرض بأمانة أحدهما ، وإنّما رضي بأمانتهما جميعاً ، فلا يجوز لأحدها أن ينفرد بحفظه.

ويحتمل عندي أن يكون عليهما معاً ضمان الكلّ.

وليس لهما أن يقتسما الرهن وإن كان ممّا يمكن قسمته من غير ضرر ، مثل الطعام والزيت ، وهذا أحد وجهي الشافعيّة.

____________________

(١) الخلاف ٣ : ٢٤٧ ، المسألة ٤٩ ، المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢٢١.

(٢) راجع : المغني ٤ : ٤٢٢ ، والشرح الكبير ٤ : ٤٥٠.

٢٧٢

وفي الآخَر : يجوز أن يدفعه أحدهما إلى الآخَر ؛ لأنّ اجتماعهما على حفظه ممّا يشقّ عليهما ويتعذّر ، فحمل الأمر على أنّ لكلّ واحدٍ منهما‌ الحفظ(١) .

وهو ممنوع ؛ لإمكان جَعْله في محرز لهما لكلّ واحدٍ منهما عليه قُفْلٌ.

وقال أبو حنيفة : إن كان ممّا لا ينقسم ، جاز لكلّ واحدٍ منهما إمساك جميعه. وإن كان ممّا يمكن قسمته ، لم يجز ، بل يقتسمانه(٢) .

وقال أبو يوسف ومحمّد : يجوز أن يضعاه في يد أحدهما بكلّ حال(٣) .

احتجّ أبو حنيفة بأنّه إذا كان ممّا ينقسم فقَبْضُ أحد النصفين لا يكون شرطاً في الآخَر ؛ لأنّه ممّا لا يستحقّ عليه بدل ، كما لو وهب لرجل عينين فقَبِل إحداهما ، بخلاف البيع ، فإذا ثبت لأحدهما إمساك نصفه ، لم يُسلّم إلى غيره.

وعلى القول الثاني للشافعيّة - وهو جواز دفع أحدهما إلى الآخَر - لو كان ممّا ينقسم فقسّماه بينهما ، جاز ، وانفرد كلّ واحدٍ منهما بحفظ ما في يده ، فإن أراد أحدهما أن يردّ ما في يده إلى الآخَر ، فوجهان :

أحدهما : يجوز ؛ لأنّه كان يجوز لكلٍّ منهما أن ينفرد بحفظ جميعه.

والثاني : لا يجوز ؛ لأنّه لمـّا اقتسماه بينهما صار في يد كلّ واحدٍ

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣١٧ ، حلية العلماء ٤ : ٤٢٩ - ٤٣٠ ، المغني ٤ : ٤١٩ - ٤٢٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٤٩.

(٢ و ٣ ) المبسوط - للسرخسي - ٢١ : ٧٩ ، حلية العلماء ٤ : ٤٣٠ ، المغني ٤ : ٤٢٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٤٩.

٢٧٣

ما ينفرد(١) بحفظه ، فلم يكن له ردّه إلى غيره. ولأنّ قبل القسمة جاز ذلك ؛ لحصول المشقّة ، وبعد القسمة زالت المشقّة(٢) .

مسألة ١٨٧ : لو جني على الرهن في يد العَدْل ، وجبت قيمته على الجاني ، وكانت رهناً. وللعَدْل حفظها ؛ لأنّها بدل الرهن ، وله إمساك الرهن وحفظه ، والقيمة قائمة مقامه. وبطلت وكالته في بيع العين بتلفها ، فلا تتعلّق الوكالة بالقيمة ، بل تبطل ؛ لأنّ الوكالة كانت في العين دون قيمتها ، وبطلت الوكالة ؛ لأنّها لم تصر من حقوق الرهن ، وإنّما هي باقية على جوازها ، ولهذا للراهن الرجوعُ ، بخلاف إمساك العَدْل الرهنَ.

ولو كان الرهن في يد العَدْل فقبضه المرتهن ، وجب عليه ردّه إليه ؛ لأنّ الراهن لم يرض بتسليمه إليه ، فإذا ردّه إلى العَدْل ، زال عنه الضمان.

ولو كان الرهن في يد المرتهن فتعدّى فيه ثمّ أزال التعدّي أو سافر به ثمّ ردّه ، لم يزل عنه الضمان ؛ لأنّ استئمانه بطل بذلك ، فلم يعتد بفعله ، ولا تعود الأمانة إلّا بأن يرجع إلى صاحبه ثمّ يردّه إليه أو إلى وكيله أو يبرئه من ضمانه.

ولو غصب المرتهن الرهنَ من يد العَدْل ، ضمنه ، فإن ردّه إليه ، زال الضمان ؛ لأنّه قد ردّه إلى وكيله.

ولو اقترض ذمّيّ من مسلمٍ مالاً ورهن عنده خمراً وجعله على يد ذمّيّ ، لم يصح الرهن ، فإذا حلّ الحقّ وباعها الذمّي العَدْل وجاء بالثمن ،

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « صار ما في يد كلّ واحدٍ ينفرد ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣١٧ ، حلية العلماء ٤ : ٤٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٦.

٢٧٤

قال الشيخرحمه‌الله : جاز له أخذه ، ولا يُجبر عليه(١) .

وللشافعي في إجبار المسلم قبض الثمن وجهان : أحدهما : لا يُجبر ؛لأنّه قد تعيّن ثمن الخمر ، وذلك غير مملوك. والثاني : يُجبر ؛ لأنّ أهل الذمّة إذا تقابضوا في العقود الفاسدة جرى مجرى الصحيحة ، فيقال : إمّا أن تقبض ، وإمّا أن تبرئ(٢) .

وإن جعلها على يد مسلم فباعها عند محلّ الحقّ أو باعها الذمّيّ من مسلمٍ ، لم يُجبر المرتهن على قبول الثمن ؛ لأنّ البيع فاسد لا يُقرّان عليه ، ولا حكم له.

مسألة ١٨٨ : إذا أذن الراهن والمرتهن للعَدْل في بيع الرهن ، فإن عيّنا له قدراً أو جنساً ، لم يجز له أن يعدل عمّا ذكراه إلى أقلّ ؛ لأنّ الحقّ لهما لا شي‌ء للعَدْل فيه.

فإن أطلقا البيع ، جاز له البيع بثمن المثل حالّاً بنقد البلد ، وبه قال الشافعي(٣) ، خلافاً لأبي حنيفة ؛ فإنّه جوّز أن يبيعه ولو بدرهمٍ واحد ؛ لإطلاق الأوّل(٤) .

ليس جيّداً ؛ لأنّ الإطلاق محمول على المعتاد المتعارف بين الناس ، وهو هنا مقيّد بما قلناه.

فإن باعه العَدْل بدون ثمن المثل ، فإن كان بقدر ما يتغابن به الناس ، فالأقوى : الجواز ؛ لأنّه مندرج تحت المتعارف. وإن كان بأزيد ممّا يتغابن به الناس ، لم يصح ، مثل أن يكون الرهن يساوي مائة درهم ويتغابن الناس

____________________

(١) الخلاف ٣ : ٢٤٨ ، المسألة ٥٢ ، المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢٢٣.

(٢) حلية العلماء ٤ : ٤٦٠.

(٣ و ٤ ) المغني ٤ : ٤٢٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٢.

٢٧٥

فيه بخمسة دراهم ، فباعه العَدْل بثمانين ، بطل ، ورجع الراهن في العين إن كانت باقيةً ، وإن كانت تالفةً ، كان له الرجوع على أيّهما شاء.

فإن رجع على المشتري ، رجع بقيمتها ، ولا يردّ المشتري على‌العَدْل. وإن رجع على العَدْل ، رجع بجميع القيمة ؛ لأنّه أخرج العين من يده على وجهٍ يجز له ، فضمن جميع قيمتها ، وصار كما لو أتلفها ، فإنّه يرجع عليه بجميع القيمة ، وهو أصحّ قولي الشافعي.

والثاني : أنّه يرجع عليه نقص من ثمن مثلها الذي يتغابن به الناس ، فيرجع بالباقي على المشتري ؛ لأنّ ذلك هو القدر الذي فرّط فيه ، فإنّه لو باعها بما يتغابن الناس بمثله ، نفذ بيعه ، ويلزم عليه المشتري ؛ لأنّه لو اشتراه بما يتغابن الناس عليه(١) لم يرجع عليه بشي‌ء ، ومع هذا يجب عليه جميع القيمة(٢) .

وكذا لو أوجبنا تعميم العطاء في الزكاة وأعطى بعض الأصناف الزكاةَ وحرّم بعضاً ، فكم يضمن؟ للشافعيّة وجهان :

أحدهما : القدر الذي لو أعطاهم في الابتداء جاز ؛ لأنّ التفضيل جائز.

والثاني : يضمن بقدر ما يخصّهم إذا سوّى بين العدد(٣) . وكذا لو قالوا(٤) في الاُضحية(٥) .

____________________

(١) كذا ، والظاهر : « بمثله » بدل « عليه ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣١.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ١٨٠ ، المجموع ٦ : ٢١٨ ، الوجيز ١ : ٢٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٤٠٨ ، روضة الطالبين ٢ : ١٩١ - ١٩٢.

(٤) كذا ، والظاهر : « وكذا قالوا ».

(٥) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٤٧ ، المجموع ٨ : ٤١٦ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١١٨ ، =

٢٧٦

فأمّا إذا باعه بثمن مثله أو بما يتغابن الناس بمثله ، صحّ البيع.

وإن باعه العَدْل بغير نقد البلد أو باعه بثمن مؤجَّل ، لم يصحّ البيع ، ويجب ردّ العين ، فإن كانت باقيةً ، استرجعها ، وإن كانت تالفةً ، رجع بقيمتها على مَنْ شاء منهما ، فإن رجع على العَدْل ، رجع العَدْل على المشتري ؛ لأنّ التلف كان في يده ، وإن رجع على المشتري ، لم يرجع على العَدْل.

مسألة ١٨٩ : إذا باع العَدْل بثمن المثل أو بما يتغابن به الناس ، صحّ البيع ؛ لأنّ ما يتغابن به الناس لا يمكن الاحتراز عنه ، وهو يقع لأهل الخبرة والبصيرة ، والمرجع في ذلك إليهم.

فإن جاء بعد البيع مَنْ زاد في ثمنه ، فإن كان بعد لزوم البيع وانقطاع الخيار بينهما ، لم يعتد بهذه الزيادة ؛ لأنّه لا يجوز له قبولها ، ولا يملك فسخ البيع في هذه الحال.

وإن كان ذلك من زمن الخير مثل أن يكون قبل التفرّق عن المجلس أو في زمن خيار الشرط ، فإنّه يجوز له قبول الزيادة ، وفسخ العقد ، فإن لم يقبل الزيادة ، لم ينفسخ العقد ، قاله الشيخ(١) رحمه‌الله ؛ لأنّ العقد قد صحّ ، وهذه الزيادة مظنونة ، فلا ينفسخ بها العقد ، وهو أحد قولي الشافعي.

وقال في الآخَر : إنّه ينفسخ ؛ لأنّه مأمور بالاحتياط ، وحالة الخيار بمنزلة حال العقد ، ولو دفع إليه زيادة في حالة العقد وباع بالنقصان لم يصح بيعه وإن كان قد باع بثمن المثل ، فكذا هنا(٢) .

____________________

= حلية العلماء ٣ : ٣٧٦ ، الوجيز ٢ : ٢١٤ ، العزيز شرح الوجيز ١٢ : ١٠٩ ، روضة الطالبين ٢ : ٤١٩.

(١) الخلاف ٣ : ٢٤٥ ، المسألة ٤٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣١ - ٣٣٢.

٢٧٧

فلو بدا للراغب فإن كان قبل التمكّن من البيع منه ، فالبيع الأوّل بحاله. وإن كان بعده ، فقد ارتفع ذلك البيع ، فلا بدّ من بيعٍ جديد.

وقال بعض الشافعيّة : إذا بدا له ، كان البيع بحاله ، كما لو بذل الابن الطاعة لأبيه في الحجّ وجعلناه مستطيعاً به ثمّ رجع عن الطاعة قبل أن يحجّ أهل بلده ، عرفنا عدم الوجوب(١) .

ولو لم يفسح العَدْل البيعَ الأوّل وباع من الراغب ، ففي كونه فسخاً لذلك البيع ثمّ في صحّته خلاف تقدّم.

ولهم خلاف في أنّ الوكيل بالبيع لو باع ثمّ فسخ البيع هل يتمكّن من البيع مرّةً اُخرى؟(٢) .

مسألة ١٩٠ : إذا باع العَدْل الرهنَ بإذنهما ، فالثمن يكون أمانةً في يده لا ضمان عليه فيه إجماعاً ، ويكون من ضمان الراهن إلى أن يتسلّمه المرتهن ، فإن تلف في يده من غير تفريطٍ ، لم يسقط من دَيْن المرتهن شي‌ء - وبه قال الشافعي وأحمد(٣) - لأنّ العَدْل وكيل الراهن في البيع ، والثمن ملكه ، وهو أمين له في قبضه ، فإذا تلف ، كان من ضمانه ، كسائر الأُمناء.

وقال أبو حنيفة ومالك : يكون من ضمان المرتهن(٤) .

أمّا أبو حنفية فبناه على أصله من أنّ الرهن مضمون على المرتهن والثمن بدله ، فيكون مضموناً.

____________________

(١ و ٢ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٢.

(٣) حلية العلماء ٤ : ٤٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٠ ، المغني ٤ : ٤٢٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٢.

(٤) حلية العلماء ٤ : ٤٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٢ ، المغني ٤ : ٤٢٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٢.

٢٧٨

وليس بجيّد ؛ لما عرفت من أنّ الرهن أمانة.

وأمّا مالك فإنّه يقول : البيع حقّ للمرتهن ، وهو تابع لحقّه ، والثمن‌ يكون للمرتهن ، ويبرأ الراهن ببيع الرهن.

وقوله : « الثمن يكون للمرتهن » ليس بصحيح ؛ لأنّه بدل الرهن ، وإنّما تعلّق حقّ المرتهن باستيفاء الثمن منه ؛ لما روي عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « الرهن من راهنه »(١) بمعنى من ضمان راهنه ، وهذه عادة العرب في حذف المضاف.

ولو باع العَدْل وتلف الثمن في يده من غير تفريطٍ ثمّ خرج الرهن مستحقّاً ، فإن كان العَدْل قد أعلم المشتري أنّه وكيل الراهن ، فإنّ العهدة على الراهن ، وكذا كلّ وكيلٍ باع مالَ غيره وبه قال الشافعي وأحمد(٢) لأنّه نائبه في عقدٍ عن غيره ، فلم يلزمه الضمان ، كأمين الحاكم وسائر الوكلاء.

ولا يكون العَدْل طريقاً للضمان في أصحّ وجهي الشافعيّة ؛ لأنّه نائب الحاكم ، والحاكم لا يطالب فكذا نائبه.

والثاني : يكون طريقاً ، كالوكيل والوصي(٣) .

وقال أبو حنيفة : العهدة على الوكيل ، ويرجع على الراهن. وبنى ذلك على أنّ حقوق العهدة تتعلّق - عنده - بالوكيل(٤) .

____________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٢٦٠ ، الهامش (٢)

(٢) المغني ٤ : ٤٢٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٢.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٠.

(٤) بدائع الصنائع ٦ : ١٤٩ ، حلية العلماء ٤ : ٤٦١ ، المغني ٤ : ٤٢٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٢.

٢٧٩

وهو ممنوع على ما يأتي في الوكالة.

وقال مالك : لا عهدة على العَدْل ، ولكن يرجع المشتري على المرتهن ، ويعود دَيْنه في ذمّة الراهن كما كان ؛ لأنّ البيع وقع للمرتهن‌ بمطالبته واستحقاقه ، وكانت العهدة عليه ، كالموكّل(١) .

وقد بيّنّا أنّه نائب عن الراهن وكيلٌ له دون المرتهن.

ولو خرج مستحقّاً بعد ما دفع الثمن إلى المرتهن ، فإنّ للمشتري أن يرجع على الراهن(٢) ، وبه قال الشافعي(٣) .

وقال أبو حنيفة : يرجع على العَدْل ويرجع العَدْل على المرتهن أو على الراهن أيّهما شاء(٤) .

وإن كان المشتري ردّه عليه بعيبٍ ، لم يكن له الرجوعُ على المرتهن ؛ لأنّه قبضه بحقٍّ ، وإنّما يرجع على الراهن.

وإن كان العَدْل حين باعه لم يُعلم المشتري أنّه وكيل ، كان للمشتري الرجوعُ عليه ، ويرجع هو على الراهن إن أقرّ بذلك أو قامت به بيّنة ، وإن أنكر ذلك ، كان القولُ قولَ العَدْل مع يمينه ، فإن نكل عن اليمين ، حلف المشتري ، ويرجع عليه ، ولم يرجع هو على الراهن ؛ لأنّه مُقرٌّ بأنّه ظلمه.

مسألة ١٩١ : لو باع العَدْل وقبض الثمن ثمّ ادّعى تلفه في يده من غير تفريطٍ ، فالقول قوله مع اليمين ، ولا يكلَّف إقامة البيّنة على ذلك ؛ لأنّه أمين ، ويتعذّر عليه إقامة البيّنة على ذلك ، فإن كلّفناه البيّنة ، شقّ عليه ،

____________________

(١) حلية العلماء ٤ : ٤٦٢.

(٢) في المغني والشرح الكبير : « المرتهن » بدل « الراهن ».

(٣) المغني ٤ : ٤٢٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٢.

(٤) بدائع الصنائع ٦ : ١٤٩ ، المغني ٤ : ٤٢٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٢.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

الطّرفة الثامنة والعشرون

روى هذه الطّرفة - عن كتاب الطّرف - العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٢٢؛ ٤٩٢ - ٤٩٣ ) ونقلها العلاّمة البياضي في الصراط المستقيم ( ج ٢؛ ٩٤ ) باختصار.

يا عليّ، أضمنت ديني تقضيه عنّي؟ قال: نعم

تقدّم بيانه في الطّرفة السابعة، وفي الطّرفة العشرين، عند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من كانت له عندي عدة فليأت فيها عليّ بن أبي طالب »، ومرّ فيها أداء عليّعليه‌السلام لما ضمنه لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّه كان ينادي في الموسم وغيره: « من كان له عند رسول الله عدة أو دين فليأتني »، وتقدّم أنّ الحسن والحسينعليهما‌السلام فعلا ذلك أيضا بعد عليّعليه‌السلام ، كلّ ذلك بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، مضافا إلى أنّ عليّاعليه‌السلام قضى ديون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأدّى الأمانات الّتي كانت عندهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأهلها، وذلك عند هجرته المباركة إلى المدينة المنوّرة كما ثبت ذلك في محله.

يا عليّ غسّلني ولا يغسّلني غيرك

من الثابت تاريخيا، أنّ عليّاعليه‌السلام هو الّذي غسّل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسيأتيك ذلك بحول الله وقوّته، وقد كان تغسيله للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بأمر منه، حيث أوصى النبي وأمر عليّا أن لا يغسّله غيره.

ففي أمالي الصدوق (٥٠٥) بسنده عن ابن عبّاس، قال: لمّا مرض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعنده

٥٤١

أصحابه، قام إليه عمّار بن ياسر، فقال له: فداك أبي وأمّي يا رسول الله، من يغسّلك منّا إذا كان ذلك منك؟ قال: ذاك عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام . وعنه في روضة الواعظين (٧٢).

وفي كتاب سليم بن قيس (٧٤) قال: سمعت البراء بن عازب يقول: كنت أحبّ بني هاشم حبّا شديدا في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبعد وفاته، فلمّا قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أوصى عليّاعليه‌السلام أن لا يلي غسله غيره.

وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ١؛ ٢٣٩ ): إبانة ابن بطّة، قال يزيد بن بلال: قال عليّعليه‌السلام : أوصى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن لا يغسّله أحد غيري.

وفي دلائل الإمامة (١٠٦) بسنده عن عمارة بن يزيد الواقديّ في حديث طويل، قال فيه الإمام الباقرعليه‌السلام : وأوحى الله إلى نبيّه أن لا يبقي في غيبه وسرّه ومكنون علمه شيئا إلاّ ناجاه [ أي عليّا ] به، وأمره أن يؤلّف القرآن من بعده، ويتولّى غسله وتحنيطه وتكفينه من دون قومه.

وفي كفاية الأثر (١٢٥) بسنده عن عمّار: لمّا حضرت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الوفاة، دعا بعليعليه‌السلام ثمّ التفت إلى عليّعليه‌السلام ، فقال: يا عليّ، لا يلي غسلي وتكفيني غيرك.

وفيه (٢١) بسنده عن عطاء، عن ابن عبّاس، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ، وهو الإمام والخليفة من بعدي، فمن تمسّك به فاز ونجا، ومن تخلّف عنه ضلّ وغوى، يلي تكفيني وغسلي ويقضي ديني ....

وفي كنز العمال ( ج ٦؛ ٣٩٣ ) بسنده عن ابن عبّاس، في حديث نقل فيه عمر قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام : وأنت عاضدي وغاسلي ودافني.

وفي مجمع الزوائد ( ج ٩؛ ٣٩ ) بسنده عن عليّعليه‌السلام ، قال: أوصاني النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن لا يغسّله أحد غيري.

وانظر بشارة المصطفى (٥٨) والخصال ( ٣٧١، ٥٧٣ ) وتفسير القمّي ( ج ٢؛ ١٠٩ ) والمسترشد ( ١٦٩، ٣٣٦ ) واليقين (٣٩٠) وكتاب سليم بن قيس (٢٠٩) وأمالي الطوسي (٦٦٠) وطبقات ابن سعد ( ج ٢؛ ٢٧٨ ) وحلية الأولياء ( ج ٤؛ ٧٣ ) والرياض النضرة

٥٤٢

( ج ٢؛ ١٧٨ ) ووسيلة المآل للحضرمي (٢٣٩) وتحفة المحبّين بمناقب الخلفاء الراشدين (١٨٧) وتاريخ دمشق ( ج ٢؛ ٤٨٧ / الحديث ١٠٠٦ ). وسيأتي المزيد في أثناء المطالب الآتيه في وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

إنّه لا يرى عورتي أحد غيرك إلاّ عمي بصره

في دلائل الإمامة (١٠٦) بسنده عن عمارة بن يزيد الواقديّ في حديث طويل، قال فيه الإمام الباقرعليه‌السلام : وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله لأهله وأصحابه: حرام أن تنظروا إلى عورتي غير أخي، فهو منّي وأنا منه، له مالي، وعليه ما عليّ.

وفي المسترشد (٣٣٦) بسنده: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: فإن رأى أحد شيئا من جسدي وأنا ميّت ذهب بصره.

وفي كتاب سليم بن قيس (٧٤) قال: سمعت البراء بن عازب يقول فلمّا قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أوصى عليّا أن لا يلي غسله غيره، وأنّه لا ينبغي لأحد أن يرى عورته غيره، وأنّه ليس أحد يرى عورة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ ذهب بصره.

وفي طبقات ابن سعد ( ج ٢؛ ٢٧٨ ) بسنده عن يزيد بن بلال، قال: قال عليّعليه‌السلام : أوصى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ألاّ يغسّله أحد غيري، فإنّه « لا يرى أحد عورتي إلاّ طمست عيناه ».

وفي مناقب ابن المغازلي (٩٣) بسنده عن السائب بن يزيد، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يحلّ لمسلم يرى مجرّدي - أو عورتي - إلاّ عليّ. وروى مثله بسنده عن جابر الأنصاريّ في مناقبه أيضا (٩٤).

وانظر فقه الرضاعليه‌السلام (٢١) والمسترشد (٦٩) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ١؛ ٢٣٩ ) وأمالي الطوسي (٦٦٠) وبصائر الدرجات (٣٢٨) وكفاية الأثر (١٢٥) والخصال (٥٧٣) وكنوز الحقائق (١٩٣) ومجمع الزوائد ( ج ٩؛ ٣٩ ) وكنز العمال ( ج ٧؛ ١٧٦ ) ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ( ج ٣؛ ١٢٢ ) والشفاء للقاضي عياض ( ج ١؛ ٥٤ ) ونهاية الأرب ( ج ١٨؛ ٣٨٩ ) والبداية والنهاية ( ج ٥؛ ٢٨٢ ).

٥٤٣

يعينك جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت وإسماعيل

في نهج البلاغة ( ج ٢؛ ١٧٢ ) من كلام لعليّعليه‌السلام ، قال فيه: ولقد قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وإنّ رأسه لعلى صدري، ولقد سالت نفسه في كفّي، فأمررتها على وجهي، ولقد وليت غسلهصلى‌الله‌عليه‌وآله والملائكة أعواني، فضجّت الدار والأفنية، ملأ يهبط وملأ يعرج، وما فارقت سمعي هينمة منهم يصلّون عليه حتّى واريناه في ضريحه. وانظر هذا النص في ربيع الأبرار للزمخشريّ ( ج ٥؛ ١٩٧ ).

وفي كتاب سليم بن قيس (٧٤) قال: سمعت البراء بن عازب، يقول: فقال عليّعليه‌السلام : يا رسول الله، فمن يعينني على غسلك؟ قال: جبرئيل في جنود من الملائكة، فكان عليّعليه‌السلام يغسّله، والفضل بن العبّاس مربوط العينين يصبّ عليه الماء، والملائكة يقلّبونه له كيف شاء.

وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ٢٤٥ ) وقد احتج أمير المؤمنين يوم الشورى، فقال: هل فيكم من غسل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله غيري، وجبرئيل يناجي، وأجد مسّ يده معي؟!

وفي أمالي الطوسي (١١) بسنده عن الأصبغ بن نباتة، قال: إنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام خطب ذات يوم، فحمد الله وأثنى عليه، وصلّى على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ قال: ولقد قبض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وإنّ رأسه لفي حجري، ولقد وليت غسله بيدي، تقلّبه الملائكة المقرّبون معي. ورواه الأربلي في كشف الغمّة ( ج ١؛ ٣٧٩ ) ورواه المفيد في أماليه (٢٣٥) بسنده عن الأصبغ أيضا، ورواه نصر بن مزاحم في وقعة صفين (٢٢٤) بسنده عن أبي سنان الأسلمي.

وفي أمالي الصدوق (٥٠٥) بسنده عن ابن عبّاس، قال: لمّا مرض رسول الله،صلى‌الله‌عليه‌وآله وعنده أصحابه، قام إليه عمّار بن ياسر، فقال له: فداك أبي وأمّي يا رسول الله من يغسّلك منّا إذا كان ذلك منك؟ قال: ذاك عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ؛ لأنّه لا يهمّ بعضو من أعضائي إلاّ أعانته الملائكة على ذلك. وعنه في روضة الواعظين (٧٢).

وفي كفاية الأثر (١٢٥) بسنده عن عمّار بن ياسر، قال: لمّا حضرت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الوفاة دعا بعليعليه‌السلام ثمّ التفتصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى عليّعليه‌السلام ، فقال: يا عليّ، لا يلي غسلي وتكفيني غيرك، فقال عليّعليه‌السلام : يا رسول الله، من يناولني الماء؛ فإنّك رجل ثقيل لا أستطيع أن أقلّبك؟

٥٤٤

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ جبرئيل معك، والفضل يناولك الماء، وليغطّ عينيه؛ فإنّه لا يرى أحد عورتي إلاّ انفقأت عيناه. ومثله في فقه الرضاعليه‌السلام (٢١) عن الصادقعليه‌السلام .

وفي كتاب سليم بن قيس (٢٠٩) في مناشدة الحسينعليه‌السلام في منى، قال: أتعلمون أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمره [ أي عليّاعليه‌السلام ] بغسله، وأخبره أنّ جبرئيل يعينه عليه؟ قالوا: اللهم نعم.

وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ١؛ ٢٣٨ ): حلية الأولياء، وتاريخ الطبريّ: أنّ عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام كان يغسّل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والفضل يصبّ الماء عليه، وجبرئيل يعينهما.

وفي المسترشد (٣٣٨) قول عليّعليه‌السلام : هل فيكم أحد قلّب رسول الله مع الملائكة - لا أشاء أقلّب منه عضوا إلاّ قلبته الملائكة معي - وحظي بغسله من جميع الناس، غيري؟! قالوا: لا.

وفي حلية الأولياء ( ج ٤؛ ٧٧ ) بسنده عن ابن عبّاس وجابر الأنصاريّ، في حديث طويل في وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيه: فقال عليّعليه‌السلام : يا رسول الله، إذا أنت قبضت، فمن يغسلك؟ وفيما نكفّنك؟ ومن يصلّي عليك؟ ومن يدخلك القبر؟ فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عليّ، أمّا الغسل فاغسلني أنت، وابن عبّاس يصبّ عليك الماء، وجبرئيل ثالثكما.

وسيأتي إعانة الملائكة لعليّعليه‌السلام في تغسيله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في الطّرفة الثالثة والثلاثين عند قول عليّعليه‌السلام : « ولا أقلب منه عضوا إلاّ قلب لي ».

قلت: فمن يناولني الماء؟ قال: الفضل بن العبّاس من غير نظر إلى شيء منّي

في كتاب سليم بن قيس (٧٤) قال: سمعت البراء بن عازب يقول: فلمّا قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أوصى عليّاعليه‌السلام أن لا يلي غسله غيره، وأنّه لا ينبغي لأحد أن يرى عورته غيره، وأنّه ليس أحد يرى عورة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ ذهب بصره فكان عليّعليه‌السلام يغسّله والفضل بن العبّاس مربوط العينين يصبّ الماء.

وفي إعلام الورى (٨٢): ولمّا أراد عليّعليه‌السلام غسله استدعى الفضل بن عبّاس، فأمره أن يناوله الماء، بعد أن عصب عينيه.

٥٤٥

وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ١؛ ٢٣٩ ): وروي أنّه لمّا أراد عليّعليه‌السلام غسلهصلى‌الله‌عليه‌وآله استدعى الفضل بن عبّاس ليعينه، وكان مشدود العينين، وقد أمره عليّعليه‌السلام بذلك إشفاقا عليه من العمى.

وفي الإرشاد (١٠٠): فلمّا أراد أمير المؤمنينعليه‌السلام غسلهصلى‌الله‌عليه‌وآله استدعى الفضل بن العبّاس، فأمره أن يناوله الماء لغسله بعد أن عصب عينيه.

وفي فقه الرضاعليه‌السلام (٢١): وقال جعفرعليه‌السلام : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أوصى إلى عليّعليه‌السلام أن « لا يغسّلني غيرك »، فقال عليّعليه‌السلام : يا رسول الله، من يناولني الماء، وإنّك رجل ثقيل لا أستطيع أن أقلّبك؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : جبرئيل معك يعاونك، ويناولك الفضل الماء، وقل له: فليغطّ عينيه، فإنّه لا يرى أحد عورتي غيرك إلاّ انفقأت عيناه، قال: فكان الفضل يناوله الماء، وجبرئيل يعاونه. وروى مثله الخزاز في كفاية الأثر (١٢٥) بسنده عن عمّار.

وهذا فيه دلالة على أنّ الفضل عصب عينيه بأمر من عليّعليه‌السلام لئلاّ يعمى إذا وقع بصره على عورة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وفي طبقات ابن سعد ( ج ٢؛ ٢٧٨ ): بسنده عن يزيد بن بلال، قال: قال عليّعليه‌السلام : أوصى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ألاّ يغسّله أحد غيري، فإنّه لا يرى أحد عورتي إلاّ طمست عيناه، قال عليّعليه‌السلام : فكان الفضل وأسامة يناولاني الماء من وراء الستر وهما معصوبا العين. ورواه محمّد صدر العالم في كتابه معارج العلى في مناقب المرتضى (١٢١).

وفي البداية والنهاية ( ج ٥؛ ٢٨٢ ) عن البيهقيّ في دلائل النبوّة ( ج ٧؛ ٢٤٤ ) بسنده عن يزيد بن بلال: سمعت عليّاعليه‌السلام يقول: أوصى رسول الله أن لا يغسّله أحد غيري، فإنّه لا يرى أحد عورتي إلاّ طمست عيناه، قال عليّعليه‌السلام : فكان العبّاس وأسامة يناولاني الماء من وراء الستر.

وقال ابن كثير أيضا ( ج ٥؛ ٢٨٢ ) وقد أسند هذا الحديث الحافظ أبو بكر البزّار في مسنده وساق مثله.

ويدلّ على أنّ الفضل كان معصوب العين أو وراء الستر - يناول عليّا الماء - ما تقدّم

٥٤٦

من أنّه لا يرى عورة النبي أو مجرّده أو جسده أحد غير عليّ إلاّ عمي بصره، هذا مع الفراغ عن أنّ الفضل كان يناوله الماء قطعا، إمّا لوحده كما هو الصواب، أو معه غيره كما ورد في بعض الروايات. وقد ذكرت حضور الفضل في الغسل ومناولة الماء كلّ المصادر الّتي ذكرت وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فلا حاجة للإطالة في ذلك، وقد مرّ بعضها آنفا.

فإذا فرغت من غسلي فضعني على لوح، وأفرغ عليّ من بئر غرس أربعين دلوا مفتّحة الأفواه

لقد وردت الروايات في كتب الفريقين، أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أوصى أن يغسل بستّ أو سبع قرب من ماء بئره بئر غرس، وانفرد هذا الخبر بذكر وصيّتهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأن يفرغ عليه أربعين دلوا أو قربة من هذا البئر بعد غسله. وفي الاستبصار ( ج ١؛ ١٩٦ / ٦٨٧ ) عن الصادقعليه‌السلام ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام : يا عليّ، إذا أنا متّ فاغسلني بسبع قرب من بئر غرس. وهو في التهذيب ( ج ١؛ ٤٣٥ / ١٣٩٨ ).

وفي الاستبصار أيضا ( ج ١؛ ١٩٦ / ٦٨٨ ): ما رواه سهل بن زياد، عن أحمد بن محمّد ابن أبي نصر، عن فضل بن سكرة، قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : جعلت فداك، هل للماء حدّ محدود؟ قال: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّعليه‌السلام : إذا أنا متّ فاستق لي ستّ قرب من بئر غرس، فاغسلني وكفّنّي.

انظر أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاعليه‌السلام بتغسيله بست أو سبع قرب من ماء بئر غرس في مناقب ابن شهرآشوب ( ج ١؛ ٢٣٨ - ٢٣٩ ) وبصائر الدرجات ( ٣٠٣ - ٣٠٤ ) والكافي ( ج ١؛ ٢٩٧ ) وطبقات ابن سعد ( ج ٢؛ ٢٨٠ « وغسل من بئر يقال لها الغرس » ) ومعجم البلدان ( ج ٤؛ ١٩٣ ) وفي الوفا لابن الجوزيّ (٨١٠) « العرس ».

وفي البداية والنهاية ( ج ٥؛ ٢٨٢ ) عن البيهقي في دلائل النبوّة ( ج ٧؛ ٢٤٤ )، بسنده عن الباقرعليه‌السلام ، قال: غسل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالسدر ثلاثا، وغسل وعليه قميص، وغسل من بئر كان يقال لها « الغرس » بقباء، كانت لسعد بن خيثمة، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يشرب منها ....

٥٤٧

وفيه أيضا ( ج ٥؛ ٢٨٢ ): وقال الواقدي: حدّثنا عاصم بن عبد الله الحكمي، عن عمير ابن عبد الحكم، قال: قال رسول الله: « نعم البئر بئر غرس، هي من عيون الجنّة، وماؤها أطيب المياه » وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يستعذب له منها، وغسل من بئر غرس.

ثمّ ضع يدك يا عليّ على صدري ثمّ تفهم عند ذلك ما كان وما هو كائن

هذه الفقرة تبيّن طريقة من طرق علم الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ولذلك ذكر المجلسي الروايات المتعلّقة بهذا المطلب في أبواب علم أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وقد روى كبار علماء الإماميّة هذا المضمون.

ففي الكافي ( ج ١؛ ٢٩٦ - ٢٩٧ ) بسنده عن فضيل بن سكرة، قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : جعلت فداك، هل للماء الّذي يغسّل به الميّت حدّ محدود؟ قال: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّعليه‌السلام : إذا متّ فاستق ستّ قرب من ماء بئر غرس، فغسّلني وكفّنّي وحنّطني، فإذا فرغت من غسلي وكفني فخذ بجوامع كفني وأجلسني، ثمّ سلني عمّا شئت، فو الله لا تسألني عن شيء إلاّ أجبتك فيه.

وفيه أيضا ( ج ١؛ ٢٩٧ ) بسنده عن أبان بن تغلب، عن الصادقعليه‌السلام ، قال: لمّا حضر رسول الله الموت دخل عليه عليّعليه‌السلام ، فأدخل رأسه، ثمّ قال: يا عليّ، إذا أنا متّ فغسّلني وكفّني، ثمّ أقعدني وسلني، واكتب.

وعقد الصفّار في بصائر الدرجات ( ٣٠٢ - ٣٠٤ ) الباب السادس من الجزء السادس تحت عنوان « باب في وصيّة رسول الله أمير المؤمنين أن يسأله بعد الموت »، روى فيه عشرة أحاديث في ذلك: الأوّل: عن عمر بن أبي شعبة، والثاني: عن الحسين بن معاوية، عن الصادقعليه‌السلام ، والثالث: عن بعض أصحابنا، عن الصادقعليه‌السلام ، والرابع: عن حفص ابن البختري، عن الصادقعليه‌السلام ، والخامس: عن أبان بن تغلب، عن الصادقعليه‌السلام ، والسادس: عن حفص بن البختريّ، عن الصادقعليه‌السلام ، والسابع: عن عمر بن سليمان الجعفي،

٥٤٨

عن الصادقعليه‌السلام ، والثامن: عن فضيل سكرة، عن الصادقعليه‌السلام ، والتاسع: عن فضيل سكرة أيضا، عن الصادقعليه‌السلام ، والعاشر: عن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر، عن أبيه، عن عليّعليه‌السلام . ونحن ننقل الثاني والعاشر منها:

فعن الحسين بن معاوية، قال: قال لي جعفر بن محمّدعليهما‌السلام : دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاعليه‌السلام : فقال: يا عليّ، إذا أنا متّ فاستق ستّ قرب من ماء، فإذا استقيت فأنق غسلي وكفّني وحنّطني، فإذا كفّنتني وحنّطتني، فخذني وأجلسني، وضع يدك على صدري، وسلني عمّا بدا لك.

وعن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر، عن أبيه، عن عليّعليه‌السلام ، قال: أوصاني النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أنا متّ فغسّلني بستّ قرب من بئر غرس، فإذا فرغت من غسلي فأدرجني في أكفاني، ثمّ ضع فاك على فمي، قال: ففعلت، وأنبأني بما هو كائن إلى يوم القيامة.

وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ٣٧ ): أبان بن تغلب، والحسين بن معاوية، وسليمان الجعفريّ، وإسماعيل بن عبد الله بن جعفر، كلّهم عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: لمّا حضر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الممات دخل عليه عليّعليه‌السلام ، فأدخل رأسه معه، ثمّ قال: يا عليّ، إذا أنا متّ فغسّلني وكفّني، ثمّ أقعدني وسائلني واكتب.

تهذيب الأحكام: فخذ بمجامع كفني، وأجلسني، ثمّ اسألني عمّا شئت، فو الله لا تسألني عن شيء إلاّ أجبتك فيه - انظر التهذيب ( ج ١؛ ٤٣٥ / ١٣٩٧ ) - وفي رواية أبي عوانة، بإسناده، قال عليّعليه‌السلام : ففعلت، فأنبأني بما هو كائن إلى يوم القيامة.

وفي إثبات الوصيّة (١٠٥): وروي أنّه كان ممّا قال له في تلك الحال: إذا أنا متّ فغسّلني وكفّنّي وحنّطني، ثمّ أجلسني، فاسأل عمّا بدا لك واكتب.

ونقل المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٢٢؛ ٥١٤ ) رواية بهذا الصدد عن كتاب الخرائج والجرائح.

٥٤٩

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عليّ ما أنت صانع لو تأمر القوم عليك من بعدي، وتقدّموك وبعثوا إليك طاغيتهم يدعوك إلى البيعة، ثمّ لبّبت بثوبك، وتقاد كما يقاد الشارد من الإبل مرموما مخذولا محزونا مهموما

مرّ ما يتعلّق بظلم القوم لأمير المؤمنينعليه‌السلام وغصبهم الخلافة في الطّرفة الرابعة عشر، عند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « يا عليّ توفي على الصبر منك والكظم لغيظك على ذهاب حقّك » وفي الطّرفة السادسة والعشرين، عند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « فقد أجمع القوم على ظلمكم »، كما مرّ أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أخبره بأسمائهم وحلاّهم، وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ٢٠٣ ) عن أبي جعفر، عن أبيهعليه‌السلام قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام : كيف بك يا عليّ إذا ولّوها من بعدي فلانا؟ قال: هذا سيفي أحول بينهم وبينها، قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : وتكون صابرا محتسبا فهو خير لك منها، قال عليّعليه‌السلام : فإذا كان خيرا لي فأصبر وأحتسب، ثمّ ذكر فلانا وفلانا كذلك ....

كلّ هذا قد مرّ فيما تقدّم، كما تقدّم أنّ بيعتهم ضلالة، وأنّهم كانوا يخطّطون لقتل عليّ في السقيفة، وعند صلاة الفجر، ويوم الشورى، وسنذكر هنا جرّهم لعليّعليه‌السلام بالرّمّة - أي الحبل - وسوقهم إيّاه سوقا عنيفا، وقودهم إيّاهعليه‌السلام كما يقاد الجمل المخشوش.

ففي شرح النهج ( ج ١٥؛ ١٨٦ ) من كتاب لمعاوية بن أبي سفيان إلى عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، يقول في جملته: لقد حسدت أبا بكر والتويت عليه، ورمت إفساد أمره، وقعدت في بيتك، واستغويت عصابة من الناس حتّى تأخّروا عن بيعته، ثمّ كرهت خلافة عمر وحسدته، واستطلت مدّته، وسررت بقتله، وأظهرت الشماتة بمصابه، حتّى إنّك حاولت قتل ولده لأنّه قتل قاتل أبيه، ثمّ لم تكن أشدّ منك حسدا لابن عمك عثمان، وما من هؤلاء إلاّ من بغيت عليه، وتلكّأت في بيعته، حتّى حملت إليه قهرا، تساق بخزائم الاقتسار كما يساق الفحل المخشوش ....

وجواب عليّعليه‌السلام لهذا الكتاب في نهج البلاغة ( ج ٣؛ ٣٠ - ٣٥ )، حيث افتخرعليه‌السلام بما وقع عليه من الظلم، وعدّ ذلك مفخرة لا منقصة، فقال في جوابه: وقلت أنّي كنت أقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتّى أبايع، ولعمر الله لقد أردت أن تذمّ فمدحت، وأن تفضح

٥٥٠

فافتضحت، وما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوما، ما لم يكن شاكّا في دينه، ولا مر تابا بيقينه. وانظر هذه الفقرة من كتابهعليه‌السلام في تقريب المعارف (٢٣٧). والكتاب في الاحتجاج، انظر الفقرة هذه في (١٧٨) منه.

وفي كتاب سليم بن قيس (٨٤): فانطلق قنفذ الملعون فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن، وثار عليّعليه‌السلام إلى سيفه، فسبقوه إليه وكاثروه وهم كثيرون، فتناول بعض سيوفهم فكاثروه، فألقوا في عنقه حبلا ثمّ انطلق بعليعليه‌السلام يعتل عتلا، حتّى انتهي به إلى أبي بكر ...

وانظر مضمون خبر سليم في بيت الأحزان (١٦٠).

وفيه أيضا (٢٥١): فانتهوا بعليعليه‌السلام إلى أبي بكر ملبّبا.

وفيه أيضا (٨٩): فنادى عليّعليه‌السلام قبل أن يبايع، والحبل في عنقه: يا( ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي ) (١) .

وفي الاحتجاج (٨٣): فانطلق قنفذ، فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن، وبادر عليّعليه‌السلام إلى سيفه ليأخذه، فسبقوه إليه، فتناول بعض سيوفهم، فكثروا عليه فضبطوه، وألقوا في عنقه حبلا أسود ثمّ انطلقوا بعليعليه‌السلام ملبّبا بحبل، حتّى انتهوا به إلى أبي بكر، وعمر قائم بالسيف على رأسه، وخالد بن الوليد، وأبو عبيدة بن الجراح، وسالم، والمغيرة بن شعبة، وأسيد بن حضير، وبشير بن سعد، وسائر الناس قعود حول أبي بكر عليهم السلاح، وهوعليه‌السلام يقول: أما والله لو وقع سيفي بيدي لعلمتم أنّكم لن تصلوا إليّ، هذا جزاء منّي، وبالله لا ألوم نفسي في جهد، ولو كنت في أربعين رجلا لفرّقت جماعتكم، فلعن الله قوما بايعوني ثمّ خذلوني.

وفي الاحتجاج (١٥٠) عن كتاب سليم بن قيس (١١٧) في احتجاج عليّعليه‌السلام على جماعة كثيرة من المهاجرين والأنصار - لمّا تذاكروا فضلهم بما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من النصّ عليه وغيره من القول الجميل - وفيه: فقال طلحة بن عبيد الله - وكان يقال له « داهية

__________________

(١) الأعراف؛ ١٥٠

٥٥١

قريش » -: فكيف نصنع بما ادّعى أبو بكر وأصحابه الّذين صدّقوه، وشهدوا على مقالته، يوم أتوه بك تعتل وفي عنقك حبل، فقالوا لك: بايع وروى بعض الحديث الحمويني في فرائد السمطين ( ج ١؛ ٣١٢ - ٣١٨ ) بسنده عن أبان بن أبي عيّاش، عن سليم بن قيس الهلالي.

وفي اختيار معرفة الرجال ( ج ١؛ ٣٧ ) بسنده عن أبي حمزة، قال: سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول: لمّا مرّوا بأمير المؤمنينعليه‌السلام وفي رقبته حبل آل زريق، ضرب أبو ذرّ بيده على الأخرى ثمّ قال: ليت السيوف قد عادت بأيدينا ثانية، وقال مقداد: لو شاء لدعا عليه ربّه عزّ وجلّ، وقال سلمان: مولانا أعلم بما هو فيه.

وفي الخصال (٤٦٢) بسنده عن زيد بن وهب - في قضيّة الّذين أنكروا على أبي بكر جلوسه في الخلافة وتقدّمه على عليّعليه‌السلام - وفيه قول عليّعليه‌السلام لهم: ولقد شاورت في ذلك أهل بيتي فأبوا إلاّ السكوت؛ لما تعلمون من وغر صدور القوم وبغضهم لله عزّ وجلّ ولأهل بيت نبيّةصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنّهم يطالبون بثارات الجاهليّة، والله لو فعلتم ذلك لشهروا سيوفهم مستعدّين للحرب والقتال، كما فعلوا ذلك حتّى قهروني، وغلبوني على نفسي ولبّبوني، وقالوا لي: بايع وإلاّ قتلناك، فلم أجد حيلة إلاّ أن أدفع القوم عن نفسي، وذاك أنّي ذكرت قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عليّ إنّ القوم نقضوا أمرك، واستبدّوا بها دونك، وعصوني فيك، فعليك بالصبر حتّى ينزل الأمر، ألا وإنّهم سيغدرون بك لا محالة، فلا تجعل لهم سبيلا إلى إذلالك وسفك دمك، فإنّ الأمّة ستغدر بك بعدي، كذلك أخبرني جبرئيل عن ربّي.

وفي التهاب نيران الأحزان (٧٠): ثمّ إنّ الثاني جمع جماعة من الطلقاء والمنافقين والمؤلّفة قلوبهم، وأتى بهم إلى منزل عليّ وتواثبوا على أمير المؤمنين وهو جالس على فراشه، فأخرجوه سحبا ملبّبا بثوبه إلى المسجد.

وفيه أيضا (٧١): فدخلوا على أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ولبّبوه بثوبه، وجعلوا يقودونه قود البعير المخشوش.

وفي الشافي في الإمامة ( ج ٣؛ ٢٤٤ ): وروى إبراهيم، عن يحيى بن الحسن، عن عاصم ابن عامر، عن نوح بن درّاج، عن داود بن يزيد الأودي، عن أبيه، عن عديّ بن حاتم،

٥٥٢

قال: ما رحمت أحدا رحمتي عليّا حين أتي به ملبّبا ورواه الدرازيّ في التهاب نيران الأحزان (٧١).

وفي السقيفة وفدك ( ٧١ - ٧٢ ): أخبرني أبو بكر الباهلي، عن إسماعيل بن مجالد، عن الشعبي، قال: قال أبو بكر: يا عمر، أين خالد بن الوليد؟ قال: هو هذا، فقال: انطلقا إليهما - يعني عليّا والزبير - فائتياني بهما، فانطلقا، فدخل عمر ووقف خالد على الباب من خارج، فقال عمر للزبير: ما هذا السيف؟ قال: أعددته لأبايع عليّا، قال: وكان في البيت ناس كثير، منهم المقداد بن الأسود وجمهور الهاشميّين، فاخترط عمر السيف فضرب به صخرة في البيت فكسره، ثمّ أخذ بيد الزبير فأقامه، ثمّ دفعه فأخرجه، وقال: يا خالد دونك هذا، فأمسكه خالد، وكان خارج البيت مع خالد جمع كثير من الناس، أرسلهم أبو بكر ردءا لهما، ثمّ دخل عمر، فقال لعليّ: قم فبايع، فتلكّأ واحتبس، فأخذ بيده، وقال: قم، فأبى أن يقوم، فحمله ودفعه كما دفع الزبير، ثمّ أمسكهما خالد، وساقهما عمر ومن معه سوقا عنيفا، واجتمع الناس ينظرون، وامتلأت شوارع المدينة بالرجال ورواه عن الجوهريّ ابن أبي الحديد في شرح النهج ( ج ٦؛ ٤٨ - ٤٩ ).

وهذه النصوص كلّها صريحة بأنّهم لبّبوا عليّاعليه‌السلام ، وساقوه سوقا عنيفا، وألقوا في عنقه حبلا، وسحبوه إلى البيعة سحبا، وأنّهعليه‌السلام صبر واحتسب لوصيّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك. ولقد أجاد الشاعر المرحوم السيّد باقر الهنديّ الموسويّرحمه‌الله ، حيث قال في قصيدة له بعنوان « نصّ الغدير » كما في ديوانه (٢٥):

دخلوا الدار وهي حسرى بمر أى

من عليّ ذاك الأبي الغيور

واستداروا بغيا على أسد ال

لّه فأضحى يقاد قود البعير

ينظر الناس ما بهم من معين

وينادي، وماله من نصير

٥٥٣

فقال عليّعليه‌السلام : يا رسول الله، أنقاد للقوم وأصبر - كما أمرتني على ما أصابني - من غير بيعة لهم، ما لم أصب أعوانا عليهم لم أناظر القوم

مرّ ما يتعلّق بوصيّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام بالصبر على غصب حقّه ما لم يجد أعوانا في الطّرفة الرابعة والعشرين، عند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « يا عليّ، اصبر على ظلم الظالمين ما لم تجد أعوانا ».

ويبقى هنا أن نشير إجمالا إلى أنّ عليّاعليه‌السلام لم يبايع القوم أبدا، وإنّما انقاد لهم بوصيّة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو الّذي عبّر عنه في كتب التاريخ بالمبايعة؛ أخذا بظاهر صورة الأمر، هذا مع الإغماض عن أنّه ما انقاد لهم إلاّ بعد استشهاد الصدّيقة الطاهرة الزهراءعليها‌السلام .

ففي الشافي في الإمامة ( ج ٣؛ ٢٤٢ ): روى إبراهيم الثقفي، عن محمّد بن أبي عمير، عن أبيه، عن صالح بن أبي الأسود، عن عقبة بن سنان، عن الزهريّ، قال: ما بايع عليّعليه‌السلام إلاّ بعد ستّة أشهر، وما اجترئ عليه إلاّ بعد موت فاطمةعليها‌السلام .

وفي الصراط المستقيم ( ج ٣؛ ١٠٦ ): وأخرج مسلم، أنّه قيل للزهريّ: لم يبايع عليّعليه‌السلام ستّة أشهر؟ فقال: لا والله ولا واحد من بني هاشم. وفي تاريخ ابن الأثير ( ج ٢؛ ٣٣١ ) قال الزهريّ: بقي عليّعليه‌السلام وبنو هاشم والزبير ستّة أشهر لم يبايعوا أبا بكر، حتّى ماتت فاطمةعليها‌السلام فبايعوه.

وقد حقّق الشريف المرتضى في الشافي ( ج ٣؛ ٢٣٧ - ٢٧٣ ) أنّ عليّا لم يبايع القوم إلاّ ظاهرا، وبأمر من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّهعليه‌السلام احتجّ على القوم ولم يسكت، وتخلّف عن بيعتهم، ولو افترضنا أنّه سكت، فإنّ السكوت ينقسم إلى الرضا وعدمه، مع أنّ الأدلّة كلّها تدلّ على أنّهعليه‌السلام لم يرض خلافتهم ولم يبايعهم.

كما حقّق ذلك أبو الصلاح الحلبي في تقريب المعارف ( ٢٢٠ - ٢٢٧ ) وقال من جملة كلامه: وأمّا البيعة، فإن أريد بها الرضا، فهو من أفعال القلوب الّتي لا يعلمها غيره تعالى، بل لا ظنّ بها فيه؛ لفقد أماراتها وثبوت ضدّها، وإن أريد الصفقة باليد فغير نافعة، لا سيّما مع كونها واقعة عن امتناع شديد، وتخلّف ظاهر، وتواصل إنكار عليه، وتقبيح لفعله، وموالاة مراجعة؛ بتهديد تارة، وتخويف أخرى، وتحشيم وتقبيح، إلى غير ذلك ممّا هو

٥٥٤

معلوم، ودلالة ما وقع على هذا الوجه على كراهيّة المبايع واضحة، وأمّا إظهار التسليم، فعند فقد كلّ ما يظنّ معه الانتصار، ولهذا صرّحعليه‌السلام عند التمكّن من القول بوجود الأنصار بأكثر ما في نفسه من ظلم القوم له، وتقدّمهم عليه بغير حقّ وذلك مانع من وقوع تسليمه عن رضى.

وكذلك حقّق الموضوع العلاّمة البياضي في الصراط المستقيم ( ج ٣؛ ١١٣ - ١١٦ ) وقال من جملة كلامه: ولئن سلّم سكوتهعليه‌السلام فهو أعمّ من رضاه، وقد عرف في الأصول بطلان الإجماع السكوتي؛ إذ لا ينسب إلى ساكت قول، بل دلالة السكوت على السخط أولى من دلالته على الرضا، فإن قالوا: يكفي في الرضا ترك النكير، قلنا: لا، فإنّ السخط أسبق؛ للإجماع على تأخّرهعليه‌السلام عن البيعة كراهة لها، قالوا: وفي وصيّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لهعليه‌السلام « أن لا توقع فتنة »، دليل صحّة خلافتهم، قلنا: قد أمر الله نبيّه بالصبر على أذى الكفّار، حتّى نزلت آية السيف، وقد أخرج صاحب جامع الأصول، عن أبي ذرّ، قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : كيف أنتم وأئمّة من بعدي يستأثرون بهذا الفيء؟! قلت: أضرب بسيفي حتّى ألقاك، قال: هل أدلّك على خير من ذلك؟ تصبر حتّى تلقاني.

وفي كشف الاشتباه (٨٨) قال: ونحن ننكر حجيّة الإجماع [ على أبي بكر ] وتحقّقه، أمّا عدم حجيّته؛ فلأنّ الإجماع إنّما يعتبر عندنا إذا كشف عن رضى المعصوم، وبيعة أبي بكر لم تقترن بموافقة الإمام أمير المؤمنين، وأمّا عدم تحقّقه؛ فلتخلّف الإمام أمير المؤمنين وجماعة من الصحابة عن بيعة أبي بكر؛ إذ قد اجتمعت الأمّة على أنّه تخلّف عن بيعة أبي بكر، فالمقلّ يقول بتأخّره ثلاثة أيّام، ومنهم من يقول: تأخّر حتّى ماتت فاطمةعليها‌السلام ، ثم بايع بعد موتها، ومنهم من يقول: تأخّر أربعين يوما، ومنهم من يقول: تأخّر ستّة أشهر، والمحقّقون من أهل الإماميّة يقولون: لم يبايع ساعة قطّ. وانظر هذا الكلام في الفصول المختارة من العيون والمحاسن (٥٦) وهو اختيار الشريف المرتضى من كتاب العيون والمحاسن للشيخ المفيد.

وفي كتاب سليم (٨٩): ثمّ قال [ عمر ]: قم يا بن أبي طالب فبايع، فقال: فإن لم أفعل؟ قال: إذا والله نضرب عنقك، فاحتجّ عليهم ثلاث مرّات، ثمّ مدّ يده من غير أن يفتح كفّه،

٥٥٥

فضرب عليها أبو بكر ورضي بذلك منه وقيل للزبير: بايع، فأبى قال سلمان: ثمّ أخذوني فوجئوا عنقي حتّى تركوها كالسّلعة، ثمّ أخذوا يدي فبايعت مكرها، ثمّ بايع أبو ذرّ والمقداد مكرهين، وما بايع أحد من الأمّة مكرها غير عليّعليه‌السلام وأربعتنا.

وفيه أيضا (١٢٨) قول عليّعليه‌السلام : ولم يكن معي أحد من أهل بيتي أصول به، ولا أقوى به، أمّا حمزة فقتل يوم أحد، وأمّا جعفر فقتل يوم مؤتة فأكرهوني وقهروني، فقلت كما قال هارون لأخيه: يا( ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي ) (١) ، فلي بهارون أسوة حسنة، ولي بعهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إليّ حجّة قويّة.

وفي الشافي في الإمامة ( ج ٣؛ ٢٤٤ ): روى إبراهيم، عن يحيى بن الحسن، عن عاصم بن عامر، عن نوح بن درّاج، عن داود بن يزيد الأوديّ، عن أبيه، عن عديّ بن حاتم، قال: ما رحمت أحدا رحمتي عليّا، حين أتي به ملبّبا، فقيل له: بايع، قال: فإن لم أفعل؟ قالوا: إذا نقتلك، قال: إذا تقتلون عبد الله وأخا رسوله، ثمّ بايع كذا، وضمّ يده اليمنى.

وفي التهاب نيران الأحزان ( ٧١ - ٧٢ ): وروى عديّ بن حاتم، قال: والله ما رحمت أحدا من خلق الله مثل رحمتي لعليّ بن أبي طالب، حين أتوا به ملبّبا بثوبه حتّى أو قفوه بين يدي الأوّل، فقالوا له: بايع، قال: وإن لم أفعل؟ قالوا: نضرب الّذي فيه عيناك، فرفع طرفه إلى السماء، وقال: اللهمّ إنّي أشهدك أنّهم يقتلونني وأنا عبدك وأخو رسولك، فقالوا له: مدّ يدك وبايع، فجرّوا يده فقبض عليها، وراموا فتحها فلم يقدروا، فمسح عليها الأوّل وهي مضمومة، وهوعليه‌السلام ينظر إلى قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ويقول: يا بن العم( إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي ) (٢) . ورواه بهذا النصّ الشيخ عبّاس القمّي في بيت الأحزان ( ١٦٥ - ١٦٦ ).

وقال العلاّمة المجلسيرحمه‌الله في بحار الأنوار ( ج ٨؛ ٢٣٠ - ٢٣٣ ): أجاز لي بعض الأفاضل في مكّة - زاد الله شرفها - رواية هذا الخبر، وأخبرني أنّه أخرجه من الجزء الثاني من كتاب

__________________

(١) الأعراف؛ ١٥٠

(٢) الأعراف؛ ١٥٠

٥٥٦

دلائل الإمامة، وهذه صورته: حدّثنا أبو الحسين محمّد بن هارون بن موسى التلعكبريّ، قال: حدّثنا أبيرضي‌الله‌عنه ، قال: حدّثنا أبو عليّ محمّد بن همّام، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مالك الفزاريّ الكوفي، قال: حدّثني عبد الرحمن بن سنان الصيرفي، عن جعفر بن عليّ الحوّار، عن الحسن بن مسكان، عن المفضّل بن عمر الجعفي، عن جابر الجعفي، عن سعيد بن المسيّب، قال: [ حديث طويل جدا في الكتاب الخطير الّذي كان عمر قد أودعه عند معاوية، وفيه قول عمر ]:

فاستخرجته من داره مكرها مغصوبا، وسقته إلى البيعة سوقا ولمّا دخل السقيفة صبا أبو بكر إليه، فقلت له: قد بايعت يا أبا الحسن، فانصرف، فأشهد ما بايعه ولا مدّ يده إليه ورجع عليّعليه‌السلام من السقيفة وسألنا عنه، فقالوا: مضى إلى قبر محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله فجلس إليه، فقمت أنا وأبو بكر إليه، وجئنا نسعى، وأبو بكر يقول: ويلك يا عمر!! ما الّذي صنعت بفاطمة، هذا والله الخسران المبين، فقلت: إنّ أعظم ما عليك أنّه ما بايعنا، ولا أثق أن يتثاقل المسلمون عنه، فقال: فما تصنع؟ فقلت: تظهر أنّه قد بايعك عند قبر محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأتيناه وقد جعل القبر قبلة، مسندا كفّه على تربته، وحوله سلمان وأبو ذرّ والمقداد وعمّار وحذيفة بن اليمان، فجلسنا بإزائه، وأو عزت إلى أبي بكر أن يضع يده على مثل ما وضع عليّ يده، ويقرّبها من يده، ففعل ذلك، وأخذت بيد أبي بكر لأمسحها على يده، وأقول: « قد بايع »، فقبض عليّ يده، فقمت أنا وأبو بكر موليّا، وأنا أقول: جزى الله عليّا خيرا فإنّه لم يمنعك البيعة لمّا حضرت قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فوثب من دون الجماعة أبو ذرّ جندب بن جنادة الغفاريّ، وهو يصيح ويقول: والله - يا عدوّ الله - ما بايع عليّ عتيقا، ولم يزل كلّما لقينا قوما وأقبلنا على قوم نخبرهم ببيعته وأبو ذرّ يكذّبنا، والله ما بايعنا في خلافة أبي بكر، ولا في خلافتي، ولا يبايع لمن بعدي، ولا بايع من أصحابه اثنا عشر رجلا، لا لأبي بكر ولا لي.

فالتحقيق العلمي والنصوص الّتي نقلناها، والنصوص الأخرى الحاكية للبيعة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كلّها تدلّ دلالة قطعيّة على أنّ عليّاعليه‌السلام لم يبايع القوم بيعة حقيقيّة ولا ساعة قطّ، وإنّما أجبروه ولبّبوه وسحبوه، ثمّ تركوه، وبعد وفاة الزهراءعليها‌السلام مسحوا على يده

٥٥٧

وأخذوا ظاهر البيعة منه بالإكراه، ورضوا بذلك منه، وقد بيّنّا أنّ انقياده وصبرهعليه‌السلام كان بوصيّة وعهد من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

يا عليّ ما أنت صانع بالقرآن والعزائم والفرائض؟ فقالعليه‌السلام : يا رسول الله، أجمعه ثمّ آتيهم به، فإن قبلوه وإلاّ أشهدت الله وأشهدتك عليهم

مرّ الكلام عن جمعهعليه‌السلام للقرآن في الطّرفة السادسة عشر، عند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « فالزم بيتك واجمع القرآن على تأليفه، والفرائض والأحكام على تنزيله ».

٥٥٨

الطّرفة التاسعة والعشرون

روى هذه الطّرفة - عن كتاب الطّرف - العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٢٢؛ ٥٤٦ ) وصرّح بأنّها في كتاب مصباح الأنوار؛ منقولة بإسناده إلى كتاب الوصيّة لعيسى الضرير. ونقلها عن كتاب الطّرف العلاّمة البياضي في الصراط المستقيم ( ج ٢؛ ٩٤ - ٩٥ ) باختصار.

يا عليّ غسّلني ولا يغسّلني غيرك

تقدّم الكلام عنها في الطّرفة الثامنة والعشرين بنفس العنوان.

يا محمّد، قل لعليّ: إنّ ربّك يأمرك أن تغسّل ابن عمّك؛ فإنّها السنّةلا يغسّل الأنبياء غير الأوصياء، وإنّما يغسّل كلّ نبي وصيّه من بعده

دلّت على هذا المطلب كلّ الأحاديث الّتي خصّصت عليّاعليه‌السلام بتغسيل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله دون غيره، كما دلّت على ذلك جملة من الأحاديث الّتي ذكرت ذلك بعد ذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لإمامة عليّعليه‌السلام .

ففي كفاية الأثر ( ٢٠ - ٢١ ) بسنده عن عطاء، عن ابن عبّاس، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ، وهو الإمام والخليفة من بعدي، فمن تمسّك به فاز ونجا، ومن تخلّف عنه ضلّ وغوى، يلي تكفيني وتغسيلي ....

مضافا إلى الأحاديث المصرحة بأن لا يغسّل النبي إلاّ وصيّه من بعده، ولا يغسّل الإمام

٥٥٩

إلاّ الإمام الّذي بعده.

ففي إكمال الدين ( ٢٦ - ٢٧ ): وكذلك أخبرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بتشاكل أفعال الأوصياء في من تقدّم وتأخّر، من قصّة يوشع بن نون وصي موسىعليه‌السلام ، مع صفراء بنت شعيب زوجة موسى، وقصّة أمير المؤمنينعليه‌السلام وصي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مع عائشة بنت أبي بكر، وإيجاب غسل الأنبياء أوصياءهم بعد وفاتهم.

حدّثنا عليّ بن أحمد الدقّاق، قال: حدّثنا حمزة بن القاسم، قال: حدّثنا أبو الحسن عليّ بن الجنيد الرازيّ، قال: حدّثنا أبو عوانة، قال: حدّثنا الحسن بن عليّ، عن عبد الرزّاق، عن أبيه، عن مينا مولى عبد الرحمن بن عوف، عن عبد الله بن مسعود، قال: قلت للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا رسول الله، من يغسّلك إذا متّ؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : يغسّل كلّ نبي وصيّه، قلت: فمن وصيّك يا رسول الله؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : عليّ بن أبي طالب وروى هذا الحديث بسنده عن ابن مسعود، ابن جرير الطبريّ الإمامي في بشارة المصطفى (٢٧٧).

وعقد الكليني في الكافي ( ج ١؛ ٣٨٤ - ٣٨٥ ) بابا بعنوان « إنّ الإمام لا يغسّله إلاّ إمام من الأئمّة »، وروى فيه ثلاثة أحاديث، الثاني منها بسنده عن أبي معمر، قال: سألت الرضاعليه‌السلام عن الإمام يغسّله الإمام؟ قالعليه‌السلام : سنّة موسى بن عمرانعليه‌السلام .

وكتب في الهامش نقلا عن مرآة العقول للمجلسي: أي غسّله وصيّه في التيه، وحضر حين موته.

وهاهنا طريفة نقلها ابن أبي الحديد في شرح النهج ( ج ١٣؛ ٣٨ )، تعليقا على ما كانت تقوله عائشة: « لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسّله إلاّ نساؤه »، قال ابن أبي الحديد: حضرت عند محمّد بن معدّ العلويّ في داره ببغداد، وعنده حسن بن معالي الحلّي المعروف بابن الباقلاويّ، وهما يقرآن هذا الخبر وهذه الأحاديث من تاريخ الطبريّ، فقال محمّد بن معدّ لحسن بن معالي: ما تراها قصدت بهذا القول؟ قال: حسدت أباك على ما كان يفتخر به من غسل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فضحك محمّد، فقال: هبها استطاعت أن تزاحمه في الغسل، هل تستطيع أن تزاحمه في غيره من خصائصه؟! وانظر قول عائشة في تاريخ الطبريّ ( ج ٣؛ ٢٠٤ ).

٥٦٠

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653