طرف من الأنباء والمناقب

طرف من الأنباء والمناقب9%

طرف من الأنباء والمناقب مؤلف:
المحقق: الشيخ قيس العطّار
الناشر: انتشارات تاسوعاء
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 653

طرف من الأنباء والمناقب
  • البداية
  • السابق
  • 653 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 210610 / تحميل: 6558
الحجم الحجم الحجم
طرف من الأنباء والمناقب

طرف من الأنباء والمناقب

مؤلف:
الناشر: انتشارات تاسوعاء
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

ثالثها: الخضوع للمخلوق والتذلل له بأمر من اللّه و إرشاده، كما في الخضوع للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و لاَوصيائه الطاهرين عليهم السَّلام بل الخضوع لكلّموَمن ، أو كلّما له إضافة إلى اللّه توجب له المنزلة و الحرمة، كالمسجد الحرام، و القرآن والحجر الاَسود وما سواها من الشعائر الاِلهية. و هذا القسم من الخضوع محبوب للّه فقد قال تعالى:( فَسَوفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَومٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُوَْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرينَ ) (المائدة|٥٤).

بل هو لدى الحقيقة خضوع للّه، و إظهار للعبودية له فمن اعتقد بالوحدانية الخالصة للّه، و اعتقد أنّ الاِحياء والاِماتة والخلق والرزق والقبض والبسط والمغفرة و العقوبة كلّها بيده، ثمّاعتقد بأنّالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و أوصياءه الكرام عليهم السَّلام( عِبادٌ مُكْرَمُونَ* لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَولِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) (الاَنبياء|٢٦ـ٢٧) فعظّمهم و خضع لهم ، تجليلاً لشأنهم و تعظيماً لمقامهم، لم يخرج بذلك عن حدّالاِيمان، ولم يعبد غير اللّه.

ولقد علم كلّمسلم أنّرسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقبّل الحجر الاَسود، و يستلمه بيده إجلالاً لشأنه و تعظيماًلاَمره.(١)

السوَال الرابع : دواعي العبادة للّه سبحانه

العبادة فعل اختياري للاِنسان لابدّ لصدوره من الاِنسان من داعٍ وباعثٍ فما هو الداعي الصحيح لها؟

الجواب: العبادة فعل اختياري للاِنسان لابدّ من وجود داع إليه و يمكن أن يكون الباعث أحد الاَُمور الثلاثة التالية:

١و٢ـ الطمع في إنعامه و الخوف من عقابه

وهذا هو الداعي العام في غالب الناس وقد أُشير إليهما في مجموعة منالآيات:

قال سبحانه:( تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبُّهُمْ خَوفاً وَطَمعاً ) (السجدة|١٦) وقال عزّمن قائل:( وَادْعُوهُ خَوفاً وَطَمعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنينَ ) (الاَعراف|٥٦).

____________

(١) السيد الخوئي: البيان: ٤٦٨ـ ٤٦٩.

٦١

وقال عزّ من قائل:( أُولئِك الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلة أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً ) (الاِسراء|٥٧).

ومع هذه النصوص الرائعة الصريحة في تجويز عبادة اللّه بهذين الداعيين، نرى أنّ بعض المتكلّمين يرفضون هذا النوع من الداعي، و يُصرّون على لزوم خلوص العبادة من أيّ داع نفساني من غير فرق بين الطمع في رحمته، أو الخوف من ناره و يبطلون العبادة إذا كانت ناشئة عن هذين المبدئين.

لا شكّ أنّ العبادة لاَجل كمال المعبود وجماله من أفضل العبادات، و لكنّها غاية لا يصل إليها إلاّ من ارتاض في ميدان العبادة حتى ينسى نفسه ولا يرى إلاّمعبوده، و أين تلك الاَُمنية من متناول أغلبية الناس الذين تهمهم أنفسهم لاغير، و إن أطاعوه فلاَجل الخوف.

وإليك حديثين رائعين عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام :

قال أمير الموَمنينعليه‌السلام : إنّقوماً عبدوا اللّه رغبة فتلك عبادة التجار، و إنّ قوماً عبدوا اللّه رهبة فتلك عبادة العبيد، و إنّ قوماً عبدوا اللّه شكراً فتلك عبادة الاَحرار.(١)

وقال الاِمام الصادقعليه‌السلام : العبادة ثلاثة، قوم عبدوا اللّه عزّو جلّ خوفاً فتلك عبادة العبيد، وقوم عبدوا اللّه تبارك و تعالى طلب الثواب فتلك عبادة الاَُجراء، و قوم عبدوا اللّه عزّ وجلّ حبّاً له فتلك عبادة الاَحرار، وهي أفضل العبادة.(٢)

٣ـ كونه سبحانه أهلاً للعبادة

أن يعبد اللّه بما أنّه أهل لاَن يُعبد، لكونه جامعاً لصفات الكمال و الجمال، و هذا النوع من الداعي يختص بالمخلصين من عباده الّذين لا يرون لاَنفسهم إنّية، و لا لذواتهم أمام خالقهم شخصية، إندكت أنفسهم في ذات اللّه فلا ينظرون إلى شيء إلاّ و يرون اللّه قبله و معه و بعده، فهم المخلَصون الّذين لا يطمع الشيطان في إغوائهم قال سبحانه حاكياً عن إبليس:( وَ لاَُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعينَ* إِلاّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) (الحجر|١٩ـ٤٠) قال سيد الموحدين عليعليه‌السلام :«ما عبدتك خوفاً من نارك، ولا طمعاً في جنتك و لكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتُك.(٣)

____________

(١) نهج البلاغة، قسم الحكم برقم ٢٣٧.

(٢) الحر العاملي: وسائل الشيعة ج١|٤٤، ب ٨ من أبواب المقدمة ، الحديث ٨.

(٣) المجلسي: مرآة العقول ، ج٨، ص٨٩: باب النيّة.

٦٢

خاتمة المطاف

الفوضى في التطبيق بين الاِمام و المأموم

لقد ترك الاِهمال في تفسير العبادة تفسيراً منطقياً، فوضى كبيرة في مقام التطبيق بين الاِمام و المأموم فنرى أنّإمام الحنابلة أحمد بن حنبل (١٦٤ـ ٢٤١هـ) صدر عن فطرة سليمة في تفسير العبادة ، وأفتى بجواز مسِّ منبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتبرّك به و بقبره و تقبيلهما عند ما سأله ولده عبد اللّه بن أحمد، و قال: سألته عن الرجل يمسُّ منبرَ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و يتبرّك بمسِّه، و يُقَبّله، ويفعل بالقبر مثل ذلك، يريد بذلك التقرّب إلى اللّه عزّ وجلّ؟ فقال: «لا بأس بذلك».(١)

هذه هي فتوى الاِمام ـ الذي يفتخر بمنهجه أحمد بن تيمية، وبعده محمّد بن عبد الوهاب ـ و لم ير بأساً بذلك، لما عرفت من أنّ العبادة ليست مجرّد الخضوع، فلا يكون مجرّد التوجّه إلى الاَجسام و الجمادات عبادة، بل هي عبارة عن الخضوع نحو الشيء، باعتبار أنّه إله أو ربّ، أو بيده مصير الخاضع في عاجله و آجله، وأمّا مسّ المنبر أو القبر و تقبيلهما لغاية التكريم و التعظيم لنبيّ التوحيد، فلايوصف بالعبادة و لايتجاوز التبرّك به في المقام عن تبرّك يعقوب بقميص ابنه يوسف، و لم يخطر بخلد أحد من المسلمين إلى اليوم الذي جاء فيه ابن تيمية بالبدع الجديدة، أنّها عبادة لصاحب القميص و المنبر و القبر أو لنفس تلك الاَشياء.

و لمّا كانت فتوى الاِمام ثقيلة على محقّق الكتاب، أو من علق عليه لاَنّها تتناقض مع ما عليه الوهابية و تبطل أحلام ابن تيمية، و من لفَّ لفَّه، حاول ذلك الكاتب أن يوفّق بين جواب الاِمام و ما عليه الوهابية في العصر الحاضر، فقال: «أمّا مسّمنبر النبيّ فقد أثبت الاِمام ابن تيمية في الجواب الباهر (ص ٤١) فعله عن ابن عمر دون غيره من الصحابة، روى أبوبكر بن أبي شيبة في المصنف (٤|١٢١) عن زيد بن الحباب قال: حدّثني أبو مودود قال: حدّثني يزيد بن عبد الملك بن قسيط قال: رأيت نفراً من أصحاب النبيّإذا خلا لهم المسجد قاموا إلى زمانة المنبر القرعاء فمسحوها، ودعوا قال: و رأيت يزيد يفعل ذلك.

____________

(١) أحمد بن حنبل، العلل و معرفة الرجال ٢: ٤٩٢، برقم :٣٢٤٣، تحقيق الدكتور وصي اللّه عباس، ط بيروت ١٤٠٨.

٦٣

وهذا لما كان منبره الذي لامس جسمه الشريف، أمّا الآن بعد ما تغيّر لايقال بمشروعية مسحه تبركاً به».

ويلاحظ على هذا الكلام: بعد وجود التناقض بين ما نقل عن ابن تيمية من تخصيص المسّ بمنبر النبيّبابن عمر، و ما نقله عن المصنف لابن أبي شيبة من مسح نفر من أصحاب النبيّ زمانة المنبر:

أوّلاً: لو كان جواز المسّ مختصّاً بالمنبر الذي لامسه جسم النبي الشريف دون ما لم يلامسه كان على الاِمام المفتي أن يذكر القيدَ، ولا يُطلق كلامَه، حتى ولو افترضنا أنّالمنبر الموجود في المسجد النبوي في عصره كان نفسَ المنبر الذي لامسَه جسمُ النبيّ الاَكرم، و هذا لا يغيب عن ذهن المفتي، إذ لو كان تقبيل أحد المنبرين نفس التوحيد، و تقبيل المنبر الآخر عينَ الشرك، لما جاز للمفتي أن يُغفل التقسيم و التصنيف.

وثانياً: أنّ ما يفسده هذا التحليل أكثر ممّا يصلحه، وذلك لاَنّ معناه أنّلجسمه الشريف تأثيراً على المنبر و من تبرّك به، و هذا يناقض التوحيد الربوبي من أنّه لا موَثّر في الكون إلاّاللّه سبحانه، فكيف يعترف الوهابي بأنّ لجمسه الشريف في الجسم الجامد تأثيراً و أنّه يجوز للمسلمين أن يتبرّكوا به عبر القرون.

ثمّ إنّ المعلّق استثنى مسح قبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتبرك به، ومنعهما و قال في وجهه:

«وأمّا جواز مسّ قبر النبيّ و التبرّك به فهذا القول غريب جدّاً لم أر أحداً نقله عن الاِمام، وقال ابن تيمية في الجواب الباهر لزوار المقابر (ص ٣١): اتّفق الاَئمّة على أنّه لا يمسّ قبر النبيّ و لا يقبله، وهذا كلّه محافظة على التوحيد، فإنّ من أُصول الشرك باللّه اتّخاذ القبور مساجد».(١)

لكن يلاحظ عليه: كيف يقول: لم أجد أحداً نقله عن الاِمام، أو ليس ولده أبو عبد اللّه راويةَ أبيه و وعاء علمه و هو يروي هذه الفتوى و ثقة عند الحنابلة.

____________

(١) تعليقة المحقّق، نفس الصفحة.

٦٤

وأمّا التفريق بين مسّ المنبر والقبر بجعل الاَوّل نفس التوحيد، و الثاني أساس الشرك، فمن غرائب الاَُمور، لاَنّ الاَمرين يشتركان في التوجّه إلى غير اللّه سبحانه، فلو كان هذا محور الشرك، فالموضوعان سيّان، و إن فرّق بينهما بأنّ الماسّ، ينتفع بالاَوّل دون الثاني لعدم مسّ جسده بالثاني فلازمه كون الاَوّل نافعاً والثاني أمراً باطلاً دون أن يكون شركاً على أنّ تجويز الاَوّل يرجع إلى القول بأنّ لبدنه تأثيراً فيما يقصد لاَجله التبرّك و هو عين الشرك عند القوم فما هذا التناقض في المنهج يا ترى. و لو رجع المحقّق إلى الصحاح و المسانيد وكتب السيرة والتاريخ، لوقف على أنّ التبرّك بالقبر و مسّه، كان أمراً رائجاً بين المسلمين في عصر الصحابة و التابعين، و لاَجل إيقاف القارىَ على صحّة ما نقول نذكر نموذجين من ذلك:

١ـ إنّ فاطمة الزهراءعليها‌السلام سيدة نساء العالمين بنت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حضرت عند قبر أبيها و أخذت قبضة من تراب القبر تشمّه و تبكي و تقول:

ما ذا على من شـمّتربة أحمد

ألاّيشـمّ مدى الزمان غوالـياً

صُبَّتْ عليَّ مصـائب لو أنّها

صُبَّتْ على الاَيّام صِرنَ ليالياً (١)

إنّ هذا التصرّف من السيدة الزهراء المعصومةعليها‌السلام يدل على جواز التبرّك بقبر رسول اللّه و تربته الطاهرة.

٢ـ إنّ بلالاً ـ موَّذّن رسول اللّه ـ أقام في الشام في عهد عمر بن الخطاب فرأى في منامه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و هو يقول: «ما هذه الجفوة يا بلال؟ أما آنَ لك أن تزورني يا بلال؟».

فانتبه حزيناً وَجِلاً خائفاً، فركب راحلته و قصد المدينة فأتى قبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجعل يبكي عنده و يمرغ وجهه عليه، فأقبل الحسن و الحسينعليهما‌السلام فجعل يضمّهما و يقبّلهما... إلى آخر الخبر.(٢)

____________

(١) لقد ذكر هذه القضية جمع كثير من الموَرخين، منهم السمهودي في وفاء الوفا ٢:٤٤٤ ـ و الخالدي في صلح الاخوان: ٥٧، و غيرهما.

(٢) ابن ا لاَثير : أُسد الغابة١: ٢٨، و غيره من المصادر.

٦٥

والحقّ انّ الاِختلاف بين السلف الصالح، و الخلف!! غير مختص بهذا المورد بل هناك موارد كان السلف يراها نفس التوحيد، و يراها الوهابيون عين الشرك و إن كنت في شكّ فلاحظ ما يلي:

١ـ قال ابن حبّان : «في شأن الاِمام عليّ بن موسى الرضا عليمها السَّلام : «قد زرته مراراً ، و ماحلّت بي شدّة في وقت مقامي بطوس فزرت قبر علي بن موسى الرضا صلوات اللّه على جدّه و عليه، و دعوت اللّه ازالتها عني إلاّ استجيب و زالت عني تلك الشدة، و هذا شيء جرّبته مراراً فوجدته كذلك.(١)

٢ـ نقل ابن حجر العسقلاني عن الحاكم النيسابوري أنّه قال: «سمعت أبا بكر محمد بن الموَمل بن الحسن بن عيسى يقول: خرجنا مع إمام أهل الحديث أبي بكر بن خزيمة، وعديله أبي علي الثقفي مع جماعة من مشايخنا وهم إذ ذاكمتوافرون إلى زيارة قبر علي بن موسى الرضا عليهما‌السلام بطوس قال: فرأيت من تعظيمه يعني ابن خزيمة لتلك البقعة تواضعه لها و تضرعه عندها ما تحيرنا». (٢)

٣ـ وقال أحمد بن يحيى ألونشريسى المتوفى بفاس عام٩١٤ في كتابه القيم: «المعيار المعرب» سئل سيدي قاسم العقباني عمّن جرت عادته بزيارة قبر الصالحين فيدعو هناك و يتوسل بالنبيّعليه‌السلام وبغيره من الاَنبياء صلوات اللّه على جميعهم، و يتوسل بالاَولياء والصالحين و يتوسل بفضل ذلك الولي الّذي يكون عند قبره على التعيين، فهل يسوغ له هذا و يتوسل إلى اللّه في حوائجه بالولي على التعيين؟ وهل يجوز التوسل بعمّ نبيّنا أم لا؟

____________

(١) ابن حبان: كتاب الثقات، ج٨، ص ٤٥٧.

(٢) ابن حجر: تهذيب التهذيب، ج٧| ٣٨٨.

٦٦

فأجاب يجوز التوسل إلى مولانا العظيم الكريم بأحبائه من النبيين و الصديقين والشهداء والصالحين. وقد توسل عمر بالعباس رضي اللّه عنهما، و كان ذلك بمشهد عظيم من الصحابة والتابعين، و قَبِلَ مولانا وسيلتهم و قضى حاجتهم و سقاهم. ومازال هذا يتكرر في الّذين يُقتدى بهم فلا ينكرونه، وما زالت تظهر العجائب في هذه التوسلات بهوَلاء السادات نفعنا اللّه بهم و أفاض علينا من بركاتهم. و ورد في بعض الاَخبار انّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علّم بعض الناس الدعاء فقال في أوّله قل: اللّهمّ انّي أُقسم عليك بنبيّك محمّد نبيّ الرحمة. فقال الاِمام الاَوحد عزّ الدين بن عبد السّلام: هذا الخبر إن صحّ يحتمل أن يكون مقصوراً على رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لانّه سيّد ولد آدم، ولا يُقسم على اللّه تعالى بغيره من الاَنبياء والملائكة والاَولياء، لانّهم ليسوا في درجته ، وأن يكون هذا إنّما خصّ به نبيّنا على علوّ درجته و مرتبته انتهى.(١)

ترى انّ السلف الصالح يتلقى هذه الاَُمور، بفطرتهم السليمة أُموراً مشروعة، غيرمخالفة للتوحيد، بينما الوهابيين يدّعون انّهذه الاَُمور، تنافي التوحيد و تقارن الشرك، من دون أن يقيموا دليلاً على مخالفتها للتوحيد، إلاّ الاعتماد على أقوال ابن تيمية و آرائه مكان الاعتماد على الكتاب والسنّة و سيرة السلف الصالح، فهم مقلده أقوال الرجال، و قدسيطرت على عقولهم، مكان استنطاق الذكر الحكيم والسنة النبوية.

غيري جنى وأنا المعاقب فيكم

أنّ موقف الكاتب أبي الاَعلى المودودي من الوهابية موقف الدعم والتأييد و قد صب نزعاته في كتابه «المصطلحات الاَربعة» فقد ألف ذلك الكتاب لغاية دعم المبادىَ الوهابية تحت غطاء تفسير المصطلحات الاَربعة و مع ذلك كلّه فقد صدرت منه عن «لاوعى» كلمة حق لو كان سائراً على ضوئها لاصاب الحقيقة قال: «و صفوة القول أنّ التصور الذي لاَجله يدعو الاِنسان الاِله و يستغيثه و يتضرع إليه هو لا جرم تصور كونه مالكاً للسلطة المهيمنة على قوانين الطبيعية و للقوى الخارجة عن دائرة نفوذ قوانين الطبيعة».

____________

(١) المعيار المعرب عن فتاوى علماء افريقية والاَندلس والمغرب، ج١|٣١٧ـ ٣٢٢.

٦٧

هذا كلامه و هو تعبير عن عقائد الوثنيين الذين لايصدرون في توسلاتهم و استغاثاتهم إلاّ عن هذا المبدء و أين ذلك من توسل المسلمين الذي يتوسلون بالنبي و آله ، لاَجل أنّهم عباد صالحون« لا يعصون اللّه في ما أمرهم و هم بأمره يعملون» فالحافز على التوسل والاستغاثة ليس إلاّذلك لا انّهم أصحاب السلطة على قوانين الطبيعة مع الاعتراف بانّهم عباد لا يملكون لاَنفسهم موتاً ولا حياة ولا نشوراً.

تصور خاطىَ:

انّ الكاتب مع أنّه نطق بالحقّ و الحقّ ينطق به المنصف والعنود، أراد اضفاء الشرك على التوسلات الدارجة بين المسلمين فذكر انّ السبب لها ليس إلاّاعتقاد المتوسل أنّللنبي مثلاً نوعاً من أنواع السلطة على نظام هذا العالم.

وكذلك من يخاف أحداً يرى انّ سخطه يجرّ عليه الضرر و مرضاته تجلب له المنفعة فلا يكون مصدر اعتقاده ذلك و عمله إلاّما يكون في ذهنه من تصوّر أنّ له نوعاً من السلطة على هذا الكون فلا يبعثه عليه إلاّاعتقاده فيه انّ له شركاً في ناحية من نواحي السلطة الاَُلوهية.(١)

أنّ ما ذكره من مبدأ التوسل و انّه الاعتقاد بأنّ للمتوسل به نوعاً من السلطة على هذا الكون، إنّما ينطبق على توسل المشركين بأصنامهم و أوثانهم فقد كانو معتقدين بمالكيتها لبعض الشوَون الاِلهية و لا أقلّسلطنتها على الغفران والشفاعة النافذة و أين ذلك من توسل المسلمين بأحباء اللّه بما انّهم عباده الصالحون لو دَعوا لاجيبوا بتفضل منه سبحانه لا الزاماً و ايجابا ـ والدليل على ذلك انّه سبحانه دعى في غير واحدة من الآيات إلى التوسل بالنّبي فقال سبحانه:( وَ لَو اَنّهم إذْ ظَلَموا أنفُسَهم جاوَُكَ فَاسْتغفَروا اللّهَ وَ اسْتَغفَرَ لَهُمُ الرَّسُول لَوَجَدوا اللّهَ تَواباً رَحِيماً ) (النساء|٦٤) حتى انّه سبحانه ذمّ المنافقين لاَجل اعراضهم عن النبي و عدم طلبهم استغفاره قال سبحانه:( وإذا قِيل لَهُمْ تَعالَوا يَسْتَغفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللّه لَووا رُوَسهم وَ رأيتَهُمْ يَسُدّونَ و هُم مُسْتكبِرون ) (المنافقون|٥).

____________

(١) المودودي: المصطلحات الاَربعة|١٨ـ١٩.

٦٨

و من يتوسل من المسلمين بعد رحيل نبيهم الاَكرم فإنّما يتوسل بنفس ذلك الملاك الموجود في زمن حياته لا بملاك انّه مسيطر على العالم، و اختصاص الآية ـ على زعمهم ـ بحياة النبيّ لا يضر بالاستدلال، لانّالهدف هو انّالداعي للتوسل في كلتا الفترتين أمر و احد سواء اختصت الآية بفترة الحياة أم لا.

انّ الكاتب المودودي أخذ البرىء بجرم المعتدى فنسب عقيدة الوثنيّين إلى المسلمين و جعل الدعوتين من باب واحد و صادرتين من منشأ فارد و ليس هذا إلاّ قضاءً بالباطل و لا تزر وازرة وزر أُخرى.

الفصل الرابع : في حصر الاستعانة في اللّه

إنّ التوسل بالنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و إن كان استعانة به لكنّه لاينافي حصر الاِستعانة باللّه تبارك وتعالى وذلك أنّ المسلمين في أقطار العالم يَحصرون الاستعانة في اللّه سبحانه و مع ذلك يستعينون بالاَسباب العادية، جرياً على القاعدة السائدة بين العقلاء، ولا يرونه مخالفاً للحصر، كما أنّ المتوسّلين بأرواح الاَنبياء يستعينون بهم في مشاهدهم و مزاراتهم ولايرونه معارضاً لحصر الاستعانة باللّه سبحانه، و ذلك لاَنّ الاستعانة بغير اللّه يمكن أن تتحقق بصورتين:

١ـ أن نستعين بعامل ـ سواء أكان طبيعياً أم غير طبيعي ـ مع الاعتقاد بأنّ عمله مستند إلى اللّه، بمعنى أنه قادر على أن يعين العباد و يزيل مشاكلهم بقدرته المكتسبة من اللّه و إذنه.

وهذا النوع من الاستعانة ـ في الحقيقة ـ لا ينفك في الواقع عن الاستعانة باللّه ذاته، لاَنّه ينطوي على الاعتراف بأنّه هو الذي منح تلك العوامل، ذلك الاَثر، وأذن لها، و إن شاء سلبها وجرّدها منه.

فإذا استعان الزارع بعوامل طبيعية كالشمس و الماء وحرث الاَرض، فقد استعان باللّه ـ في الحقيقة ـ لاَنّه تعالى هو الّذي منح هذه العوامل: القدرة على إنماء ما أودع في بطن الاَرض من بذر و من ثمّ إنباته و الوصول به إلى حدّ الكمال.

٢ـ أن يستعين بإنسان حىّ او ميّت أو عامل طبيعي مع الاعتقاد بأنّه مستقلّفي وجوده، أو في فعله عن اللّه، فلا شكّ أنّ ذلك الاعتقاد شرك و الاستعانة به عبادة.

٦٩

فإذا استعان زارع بالعوامل المذكورة و هو يعتقد بأنّها مستقلّة في تأثيرها أو أنّها مستقلّة في وجودها ومادتها كما في فعلها وقدرتها، فالاعتقاد شرك والطلب عبادة للمستعان به.

وبذلك يظهر أنّ الاستعانة المنحصرة في اللّه المنصوص عليها في قوله تعالى:"و إيّاكَ نَسْتَعينُ" هي الاستعانة بالمعونة المستقلّة النابعة من ذات المستعان به، غير المتوقّفة على شيء، فهذا هو المنحصر في اللّه تعالى، وأمّا الاستعانة بالاِنسان الذي لا يقوم بشيء إلاّ بحول اللّه و قوّته و إذنه و مشيئته، فهي غير منحصرة باللّه سبحانه، بل إنّ الحياة قائمة على هذا الاَساس ، فإنّالحياة البشرية مليئة بالاستعانة بالاَسباب التي توَثّر و تعمل بإذن اللّه تعالى.

وعلى ذلك لا مانع من حصر الاستعانة في اللّه سبحانه بمعنى، و تجويز الاِستعانة بغيره بمعنى آخر و كم له نظير في الكتاب العزيز.

و لاِيقاف القارىَ على هذه الحقيقة نلفت نظره إلى آيات تحصر جملة من الاَفعال الكونية في اللّه تارة، مع أنّها تنسب نفس الاَفعال في آيات أُخرى إلى غير اللّه أيضاً، و ما هذا إلاّ لعدم التنافي بين النسبتين لاختلاف نوعيّتهما فهي محصورة في اللّه سبحانه مع قيد الاستقلال، و تنسب إلى غير اللّه مع قيد التبعية و العرضية.

الآيات التي تنسب الظواهر الكونية إلى اللّه و إلى غيره:

١ـ يقول سبحانه:( و إذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ) (الشعراء|٨٠). بينما يقول سبحانه فيه (أي في العسل):( شِفاءٌ لِلنّاسِ ) (النحل|٦٩).

٢ـ يقول سبحانه:( إِنَّ اللّهَ هُوَ الرَّزّاقُ ) (الذاريات|٥٨) بينما يقول تعالى:( وَارْزُقُ وهُمْ فِيها ) (النساء|٥).

٣ـ يقول سبحانه:( ءَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزّارِعُونَ ) (الواقعة|٦٤). بينما يقول سبحانه:( يُعْجِبُ الزُّرّاعَ لِيَغيظَ بِهِمُ الكُفّارَ ) (الفتح|٢٩).

٤ـ يقول تعالى:( وَ اللّهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ ) (النساء|٨١). بينما يقول سبحانه:( بَلى وَ رُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ) (الزخرف|٨٠).

٥ـ يقول تعالى:( ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الاََمْرَ ) (يونس|٣). بينما يقول سبحانه:( فَالمُدَبِّراتِ أَمْراً ) (النازعات|٥).

٧٠

٦ـ يقول سبحانه:( اللّهُ يَتَوفَّى الاََنْفُسَ حِينَ مَوْتِها ) (الزمر|٤٢). بينما يقول تعالى:( الَّذِينَ تَتَوفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبينَ ) (النحل|٣٢).

إلى غير ذلك من الآيات التي تنسب الظواهر الكونية تارة إلى اللّه تعالى، و أخرى إلى غيره.

والحل أن يقال: إنّالمحصور باللّه تعالى هو انتساب هذه الاَُمور على نحو الاستقلال، وأمّا المنسوب إلى غيره فهو على نحو التبعية، و بإذنه تعالى، ولا تعارض بين النسبتين ولا بين الاعتقاد بكليهما.

فمن اعتقد بأنّ هذه الظواهر الكونية مستندة إلى غير اللّه على وجه التبعية لا الاستقلال لم يكن مخطئاً ولا مشركاً، و كذا من استعان بالنبيّ أو الاِمام على هذا الوجه.

هذا مضافاً إلى أنّه تعالى الّذي يعلّمنا أن نستعين به فنقول:( إِيّاكَ نَعْبُدُ وَإِيّاكَ نَسْتَعينُ ) و يحثُّنا في آية أُخرى على الاستعانة بالصبر والصلاة فيقول:( وَاسْتَعِينُوا بالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ ) (البقرة|٤٥) و ليس الصبر والصلاة إلاّ فعل الاِنسان نفسه.

حصيلة البحث:

إنّ الآيات الواردة حول الاستعانة على صنفين:

الصنف الاَوّل: يحصر الاستعانة في اللّه فقط و يعتبره الناصر والمعين الوحيد دون سواه.

والصنف الثاني: يدعونا إلى سلسلة من الاَُمور المعيّنة (غير اللّه) و يعتبرها ناصرة و معينة، إلى جانب اللّه.

أقول: اتّضح من البيان السابق وجه الجمع بين هذين النوعين من الآيات، و تبيّن أنّه لا تعارض بين الصنفين مطلقاً، إلاّ أنّفريقاًنجدهم يتمسّكون بالصنف الاَوّل من الآيات فيخطِّئون أيّ نوع من الاستعانة بغير اللّه، ثم يضطرّون إلى إخراج (الاستعانة بالقدرة الاِنسانية و الاَسباب المادية) من عموم تلك الآيات الحاصرة للاستعانة باللّه بنحو التخصيص ، بمعنى أنّهم يقولون:

إنّ الاستعانة لا تجوز إلاّباللّه في الموارد التي أذن اللّه بها، وأجاز أن يستعان فيها بغيره، فتكون الاستعانة بالقدرة الاِنسانية والعوامل الطبيعية ـ مع أنّها استعانة بغير اللّه ـ جائزة و مشروعة على وجه التخصيص. و لكن هذا ممّا لايرتضيه الموحّد.

في حين أنّ هدف الآيات هو غير هذا تماماً، فإنّ مجموع الآيات يدعو إلى أمر واحد و هو : عدم جواز الاستعانة بغير اللّه مطلقاً، وأنّ الاستعانة بالعوامل الاَُخرى يجب أن تكون بنحو لا يتنافى مع حصر الاستعانة في اللّه بل تكون بحيث تعدّ استعانة باللّه لا استعانة بغيره.

٧١

وبتعبير آخر: إنّالآيات تريد أن تقول بأنّالمعين و الناصر الوحيد والذي يستمدّ منه كلّمعين و ناصر، قدرته و تأثيره، ليس إلاّاللّه سبحانه، و لكنّه ـ مع ذلك ـ أقام هذا الكون على سلسلة من الاَسباب و العلل التي تعمل بقدرته و أمر باستمداد الفرع من الاَصل، و لذلك تكون الاستعانة به كالاستعانة باللّه، ذلك لاَنّ الاستعانة بالفرع استعانة بالاَصل.

و إليك فيما يلي إشارة إلى بعض الآيات من الصنفين:

( وَ مَا النَّصْرُ إِلاّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ الْعَزيزِ الْحَكيمِ ) (آل عمران|١٢٦).

( إِيّاكَ نَعْبُدُ وَإِيّاكَ نَسْتَعينُ ) (الحمد|٥).

( وَ مَا النَّصْرُ إِلاّمِنْ عِنْدِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكيمٌ ) (الاَنفال|١٠).

هذه الآيات نماذج من الصنف الاَوّل و إليك فيما يأتي نماذج من النصف الآخر الذي يدعونا إلى الاستعانة بغير اللّه من العوامل والاَسباب.

( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ ) (البقرة|٤٥).

( وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى ) (المائدة|٢).

( ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعينُونِي بِقُوَّةٍ ) (الكهف|٩٥).

( وَ إِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ ) (الاَنفال|٧٢).

و مفتاح حلّالتعارض بين هذين الصنفين من الآيات هو ما ذكرناه وملخّصه:

إنّ في الكون موَثراً تاماً، و مستقلاً واحداً، غير معتمد على غيره لا في وجوده و لا في فعله و هو اللّه سبحانه:

وأمّا العوامل الاَُخر فجميعها مفتقرة ـ في وجودها وفعلها ـ إليه و هي توَدي ما توَدي بإذنه و مشيئته و قدرته، ولو لم يعط سبحانه تلك العوامل ما أعطاها من القدرة و لم تجر مشيئته على الاستعانة بها لما، كانت لها أيّة قدرة على شيء.

٧٢

فالمعين الحقيقي في كلّالمراحل ـ على هذا النحو تماماً ـ هو اللّه فلا يمكن الاستعانة بأحد باعتباره معيناً مستقلاً. و لهذه الجهة حصر هنا الاستعانة في اللّه وحده، و لكن هذا لا يمنع بتاتاً من الاستعانة بغير اللّه باعتباره غير مستقلّ (أي باعتباره معيناً بالاعتماد على القدرة الاِلهية) و معلوم أنّ استعانة ـ كهذه ـ لا تنافي حصر الاستعانة في اللّه سبحانه لسببين:

أوّلاً: لاَنّ الاستعانة المخصوصة باللّه هي غير الاستعانة بالعوامل الاَُخرى، فالاستعانة المخصوصة باللّه هي: (ما تكون باعتقاد أنّه قادر على إعانتنا بالذات، و بدون الاعتماد على غيره، في حين أنّ الاستعانة بغير اللّه سبحانه على نحو آخر، أي مع الاعتقاد بأنّالمستعان قادر على الاِعانة مستنداً على القدرة الاِلهية، لا بالذات، و بنحو الاستقلال، فإذا كانت الاستعانة ـ على النحو الاَوّل ـ خاصّة باللّه تعالى فإنّ ذلك لا يدل على أنّالاستعانة بصورتها الثانية مخصوصة به أيضاً.

ثانياً: إنّاستعانة ـ كهذه ـ غير منفكّة عن الاستعانة باللّه بل هي عين الاستعانة به تعالى ، و ليس في نظر الموحّد (الذي يرى أنّ الكون كلّه مستند إليه و الكلّ قائم به) مناص من هذا.

وأخيراً نذكّر القارىَ الكريم بأنّموَلّف المنار حيث إنّه لم يتصوّر للاستعانة بالاَرواح إلاّصورة واحدة لذلك اعتبرها ملازمة للشرك فقال:

«ومن هنا تعلمون: إنّالذين يستعينون بأصحاب الاَضرحة و القبور على قضاء حوائجهم و تيسير أُمورهم و شفاء أمراضهم ونماء حرثهم و زرعهم، وهلاك أعدائهم وغير ذلك من المصالح هم عن صراط التوحيد ناكبون، و عن ذكر اللّه معرضون».(١)

يلاحظ عليه: بأنّ الاستعانة بغير اللّه (كالاستعانة بالعوامل الطبيعية) على صورتين:

إحداهما عين التوحيد، و الاَُخرى موجبة للشرك، إحداهما مذكّرة باللّه، و الاَُخرى مبعدة عن اللّه.

إنّ حدّ التوحيد والشرك ليس هو كون الاَسباب ظاهرية أو غير ظاهرية و إنّما هو استقلال المعين وعدم استقلاله، و بعبارة أُخرى المقياس، هو الغنى والفقر، و الاَصالة وعدم الاَصالة.

____________

(١) المنار ١:٥٩.

٧٣

إنّ الاستعانة بالعوامل غير المستقلّة المستندة إلى اللّه، التي لا تعمل و لاتوَثر إلاّبإذنه تعالى غير موجبة للغفلة عن اللّه، بل هي خير موجّه إلى اللّه، ومذكّربه، إذ معناها : انقطاع كلّالاَسباب وانتهاء كلّالعلل إليه.

و مع هذا كيف يقول صاحب المنار: «أُولئك عن ذكر اللّه معرضون» و لو كان هذا النوع من الاستعانة موجباً لنسيان اللّه والغفلة عنه للزم أن تكون الاستعانة بالاَسباب المادية الطبيعية هي أيضاً موجبة للغفلة عنه.

على أنّالاَعجب من ذلك رأي شيخ الاَزهر الشيخ محمود شلتوت الذي نقل ـ في هذا المجال ـ نصّكلمات عبده دون زيادة و نقصان، و ختم المسألة بذلك، وأخذ بالحصر في "إِيّاكَ نَسْتَعين " غافلاً عن حقيقة الآية و عن الآيات الاَُخرى المتعرّضة لمسألة الاستعانة.(١)

إجابة على سوَال

إذا كانت الاستعانة بالغير على النحو الذي بيّناه جائزة فهي تستلزم نداء أولياء اللّه و الاستغاثة بهم في الشدائد و المكاره، وهي غير جائزة و ذلك لاَنّ نداء غير اللّه في المصائب و الحوائج تشريك الغير مع اللّه، يقول سبحانه:( وَ أَنَّ الْمَساجِدَ للّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّهِ أَحَداً ) (الجن|١٨) و يقول تعالى:( وَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَ لا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ ) (الاَعراف|١٩٧) و يقول عزّمن قائل :( وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ ) (فاطر|١٣). إلى غير ذلك من الآيات التي تخص الدعاء باللّه و لاتسيغ دعوة غيره.

____________

(١) راجع تفسير شلتوت: ٣٦ـ٣٩.

٧٤

و قد طرح هذا السوَال الشيخ الصنعاني حيث قال: وقد سمّى اللّه الدعاء عبادة بقوله:( أُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتي ) (غافر|٦٠)فمن هتف باسم نبيّ أو صالح بشيء فقد دعا النبي و الصالح، و الدعاء عبادة بل مخّها فقد عبد غير اللّه و صار مشركاً.(١)

الجواب:

إنّ النقطة الحاسمة في الموضوع تكمن في تفسير الدعاء وهل أنّ كلّ دعاء عبادة و النسبة بينهما هي التساوي؟ حتى يصح لنا أن نقول كلّ دعاء عبادة، وكلّ عبادة دعاء، أو أنّ الدعاء أعمّ من العبادة و أنّقسماً من الدعاء عبادة و قسماًمنه ليس كذلك؟ و الكتاب العزيز يوافق الثاني لا الاَوّل، وإليك التوضيح:

لقد استعمل القرآن لفظ الدعاء في مواضع عديدة ولا يصحّ وضع لفظ العبادة مكانه، يقول سبحانه حاكياً عن نوح:( رَبِّ إِنِّي دَعَوتُ قَوْمِي لَيْلاً وَ نَهاراً ) (نوح|٥) وقال سبحانه حاكياً عن لسان إبليس في خطابه للمذنبين يوم القيامة:( وَ ما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاّأَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ) (إبراهيم|٢٢) إلى غيرهما من الآيات التي ورد فيها لفظ الدعاء، أفيصح القول بأنّنوحاً دعا قومه أي عبدهم، أو أنّ الشيطان دعا المذنبين أي عبدهم؟ كلّذلك يحفزنا إلى أن نقف في تفسير الدعاء وقفة تمعّن حتى نميّز الدعاء الذي هو عبادة عمّا ليس كذلك.

والاِمعان فيما تقدّم في تفسير العبادة يميِّز بين القسمين فلو كان الداعي و المستعين بالغير معتقداً بأُلوهية المستعان ولو أُلوهية صغيرة كان دعاوَه عبادة و لاَجل ذلك كان دعاء عبدة الاَصنام عبادة لاعتقادهم بأُلوهيتها، قال سبحانه:( فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الّتي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ شَيْءٍ ) (هود|١٠١).

____________

(١) الصنعاني، تنزيه الاعتقاد كما في كشف الارتياب:٢٨٤.

٧٥

و ما ورد من الآيات في السوَال كلّها من هذا القبيل فانّها وردت في حقّ المشركين القائلين بأُلوهية أصنامهم و أوثانهم باعتقاد استقلالهم في التصرف والشفاعة و تفويض الاَُمور إليهم و لو في بعض الشوَون. ففي هذا المجال يعود كلّدعاء عبادة، و يفسر الدعاء في الآيات الماضية والتالية بالعبادة، قال تعالى:

( إِنَّ الّذينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ ) (الاَعراف|١٩٤).( قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْويلاً * أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ ) (الاِسراء|٥٦ـ ٥٧).( وَ لا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللّهِ ما لايَنْفَعُكَ وَ لا يَضُرُّكَ ) (يونس|١٠٦). "إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ ) (فاطر|١٤). و ما ورد في الاَثر من أنّ الدعاء مُخّ العبادة، أُريد منه دعاء اللّه أو دعاء الآلهة لا مطلق الدعاء و إن كان المدعوّ غير إله لا حقيقة أو اعتقاداً.

وفي روايات أئمّة أهل البيت إلماع إلى ذلك، يقول الاِمام زين العابدين في ضمن دعائه:«...فسمّيت دعاءك عبادة و تركه استكباراً و توعّدت على تركه دخول جهنّم داخرين» (١) و هو يشير في كلامه هذا إلى قوله سبحانه:( وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الّذينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرينَ ) (غافر٦٠)

هذا هو الدعاء المساوي للعبادة و هناك قسم آخر منه لا صلة بينه و بين العبادة و هو فيما إذا دعا شخصاًبما أنّه إنسان وعبد من عباد اللّه غير أنّه قادر على إنجاز طلبه بإقدار منه تعالى و إذن منه، فليس مثل هذه الدعوة عبادة بل سنّة من السنن الاِلهية في الكون، هذا هو ذو القرنين يواجه قوماً مضطهدين يطلبون منه أن يجعل بينهم و بين يأجوج و مأجوج سداً فعند ذلك يخاطبهم ذو القرنين بقوله:( ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعينُوني بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ رَدْماً ) (الكهف|٩٥) وها هو الذي كان من شيعة موسى يستغيث به ، يقول سبحانه:( فَاسْتَغاثَهُ الّذي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ ) (القصص|١٥)

____________

(١) الصحيفة السجادية، دعاوَه برقم ٤٥.

٧٦

و هذا هو النبيّ الاَكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدعو قومه للذبّ عن الاِسلام في غزوة أُحد و قد تولّوا عنه، قال سبحانه:( إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخراكُمْ ) (آل عمران|١٥٣) فهذا النوع من الدعاء قامت عليه الحياة البشرية، فليس هو عبادة و إنّما هو توسل بالاَسباب، فإن كان السبب قادراًعلى إنجاز المطلوب كان الدعاء أمراً عقلائياًو إلاّ يكون لغواً وعبثاً.

ثمّ إنّ القائلين بأنّ دعاء الصالحين عبادة، عند مواجهتهم لهذا القسم من الآيات و ما تقتضيه الحياة الاجتماعية، يتشبثون بكلّطحلب حتى ينجيهم من الغرق و يقولون إنّ هذه الآيات تعود إلى الاَحياء و لا صلة لها بدعاء الاَموات، فكون القسم الاَوّل جائزاً و أنّه غير عبادة؛ لا يلازم جواز القسم الثاني و كونه غير عبادة.

ولكن عزب عن هوَلاء إنّ الحياة و الموت ليسا حدين للتوحيد و الشرك و لا ملاكين لهما، بل هما حدّان لكون الدعاء مفيداًأو لا، و بتعبير آخر ملاكان للجدوائية و عدمها.

فلو كان الصالح المدعو غير قادر لاَجل موته مثلاً تكون الدعوة أمراً غير مفيد لا عبادة له، و من الغريب أن يكون طلب شيء من الحيّ نفس التوحيد و من الميت نفس الشرك.

كلّ ذلك يوقفنا على أنّ القوم لم يدرسوا ملاكات التوحيد و الشرك بل لم يدرسوا الآيات الواردة في النهي عن دعاء غيره، فأخذوا بحرفية الآيات من دون تدبّر مع أنّه سبحانه يقول:( كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الاََلْباب ) (ص ٢٩).

ثمّ إنّ الكلام في أنّدعاء الصالحين بعد انتقالهم إلى رحمة اللّه مفيد أو لا، يتطلب مجالاً آخراً و سوف نستوفي الكلام عنه في رسالة خاصة حول وجود الصلة بين الحياتين : المادّية و البرزخيّة بإذن منه سبحانه.

جعفر السبحاني

تحريراً في ٢٧ صفر المظفر ١٤١٦هـ

٧٧

الفهرست

الفصل الاَوّل : الاِله في اللغة و القرآن الكريم. ٤

الاِله في اللغة ٤

مفهوم الاِله في القرآن. ٨

الفصل الثاني : الربّ في اللغة و الذكر الحكيم. ١١

خاتمة المطاف.. ٢٠

الاَُولى: التوحيد في الذات.. ٢٠

الثانية: التوحيد في الخالقية ٢١

الثالثة: التوحيد في الربوبية و التدبير. ٢٢

الرابعة: التوحيد في التشريع و التقنين. ٢٢

الخامسة: التوحيد في الطاعة ٢٤

السادسة: التوحيد في الحاكمية ٢٤

السابعة: التوحيد في العبادة ٢٥

الفصل الثالث : في تحديد مفهوم العبادة ٢٦

العبادة في المعاجم و التفاسير. ٢٧

توجيه غير سديد. ٣٢

١ـ نظرية صاحب المنار في تفسير العبادة ٣٢

٢ـ نظرية الشيخ شلتوت، زعيم الاَزهر ٣٣

٣ـ تعريف ابن تيمية ٣٣

عبادة ٣٤

عقيدة المشركين في آلهتهم. ٣٦

حكم التاريخ في عقيدة المشركين. ٣٦

يقول الآلوسي عند البحث عن عبادة الشمس: ٣٨

قضاء الكتاب في عقيدة المشركين. ٣٩

٧٨

التعريف المنطقي لمفهوم العبادة ٤٢

الاَوّل: التمعن في عبادة الموحّدين و المشركين. ٤٣

الثانية: الاِمعان في الآيات الداعية إلى عبادة اللّه، الناهية عن عبادة الغير. ٤٤

التعاريف الثلاثة للعبادة ٤٧

ثمرات البحث.. ٤٧

١ـ التوسل بالاَنبياء والاَولياء في قضاء الحوائج. ٤٨

٢ـ طلب الشفاعة من الصالحين. ٤٨

٣ـ التعظيم لاَولياء اللّه و قبورهم و تخليد ذكرياتهم. ٤٩

٤ـ الاستعانة بالاَولياء: ٤٩

أسئلة و أجوبة ٥٠

السوَال الاَوّل : هل هناك من يفسّر العبادة على غرار ما مضى؟ ٥٠

السوَال الثاني : ما هوالمراد من العبادة في هذه الآيات؟ ٥٧

السوَال الثالث : ما هو حكم إطاعة غير اللّه و الخضوع له ؟ ٥٩

السوَال الرابع : دواعي العبادة للّه سبحانه ٦١

١و٢ـ الطمع في إنعامه و الخوف من عقابه ٦١

٣ـ كونه سبحانه أهلاً للعبادة ٦٢

الفوضى في التطبيق بين الاِمام و المأموم ٦٣

غيري جنى وأنا المعاقب فيكم. ٦٧

الفصل الرابع : في حصر الاستعانة في اللّه ٦٩

الآيات التي تنسب الظواهر الكونية إلى اللّه و إلى غيره: ٧٠

إنّ الآيات الواردة حول الاستعانة على صنفين: ٧١

إجابة على سوَال. ٧٤

٧٩

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

يا عليّ أمسك هذه الصحيفة الّتي كتبها القوم، وشرطوا فيها الشروط على قطيعتك وذهاب حقّك، وما قد أزمعوا عليه من الظلم، تكون عندك لتوافيني بها غدا وتحاجّهم بها

كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد بلّغ ولاية أمير المؤمنين وإمامته، وأذاع ذلك في مناسبات شتّى، حتّى إذا قربت وفاته، أمره جبرئيل عن الله أن يبلّغ ذلك تبليغا عامّا يوم الغدير، وأخذصلى‌الله‌عليه‌وآله البيعة له بذلك، فاستاء المنافقون من ذلك، لأنّهم كانوا يرجون أن يموت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيرجع الأمر بأيديهم، فلمّا نصب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاعليه‌السلام خليفة من بعده، تآمروا على قتل النبي في ثنيّة العقبة، فتواردوا في الثنيّة، وحملوا معهم دبابا طرحوا فيها الحصى ودحرجوها بين قوائم ناقة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان عمّار يسوقها، وحذيفة يقودها، فأوقف الله الناقة وافتضح القوم.

قال الديلمي في إرشاد القلوب ( ٣٣٢ - ٣٣٦ ) قال حذيفة: فعرفتهم رجلا رجلا وإذا هم كما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعدد القوم، أربعة عشر رجلا، تسعة من قريش، وخمسة من سائر الناس هم والله: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد ابن أبي وقاص، وأبو عبيدة بن الجراح، ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، هؤلاء من قريش، وأمّا الخمسة: فأبو موسى الأشعريّ، والمغيرة بن شعبة الثقفي، وأوس ابن الحدثان النصريّ، وأبو هريرة، وأبو طلحة الأنصاريّ وارتحل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من منزل العقبة، فلمّا نزل المنزل الآخر رأى سالم مولى أبي حذيفة أبا بكر وعمر وأبا عبيدة يسارّ بعضهم بعضا، فوقف عليهم وقال: أليس قد أمر رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أن لا يجتمع ثلاثة نفر من الناس على سرّ؟! والله لتخبروني عمّا أنتم عليه وإلاّ أتيت رسول الله حتّى أخبره بذلك منكم، فقال أبو بكر: يا سالم، عليك عهد الله وميثاقه، لئن نحن خبرناك بالّذي نحن فيه وما اجتمعنا له، فإن أحببت أن تدخل معنا فيه دخلت وكنت رجلا منّا، وإن كرهته كتمته علينا؟

فقال سالم: ذلك لكم منّي، وأعطاهم بذلك عهده وميثاقه، وكان سالم شديد البغض والعداوة لعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، وعرفوا ذلك منه، فقالوا له: إنّا قد اجتمعنا على أن نتحالف

٥٦١

ونتعاقد أن لا نطيع محمّدا فيما فرض علينا من ولاية عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، بعده.

فقال لهم سالم: عليكم عهد الله وميثاقه، إنّ في هذا الأمر كنتم تخوضون وتتناجون؟!

قالوا: أجل، علينا عهد الله وميثاقه، إنّما كنّا في هذا الأمر بعينه لا في شيء سواه.

قال سالم: وأنا والله أوّل من يعاقدكم على هذا الأمر، ولا يخالفكم عليه، إنّه - والله - ما طلعت الشمس على أهل بيت أبغض إليّ من بني هاشم، ولا في بني هاشم أبغض إليّ ولا أمقت من عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فاصنعوا في هذا الأمر ما بدا لكم، فإنّي واحد منكم، فتعاقدوا من وقتهم على هذا الأمر، ثمّ تفرّقوا.

فلمّا أراد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المسيرة أتوه، فقال لهم: فيم كنتم تتناجون في يومكم هذا، وقد نهيتكم عن النجوى؟! فقالوا: يا رسول الله، ما التقينا غير وقتنا هذا، فنظر إليهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مليّا، ثمّ قال لهم: أنتم أعلم أم الله؟!( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) (١) .

ثمّ سارصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى دخل المدينة، واجتمع القوم جميعا، وكتبوا بينهم صحيفة على ذكر ما تعاقدوا عليه في هذا الأمر، وكان أوّل ما في الصحيفة النكث لولاية عليّ بن أبي طالب، وأنّ الأمر لأبي بكر وعمر وأبي عبيدة وسالم معهم، ليس بخارج عنهم، وشهد بذلك أربعة وثلاثون رجلا؛ هؤلاء أصحاب العقبة، وعشرون رجلا آخرون، واستودعوا الصحيفة أبا عبيدة بن الجراح، وجعلوه أمينهم ....

قال الفتى: فأخبرني يرحمك الله عمّا كتب جميعهم في الصحيفة لأعرفه، فقال حذيفة: حدّثتني بذلك أسماء بنت عميس الخثعمية - امرأة أبي بكر -: أنّ القوم اجتمعوا في منزل أبي بكر، فتآمروا في ذلك - وأسماء تسمعهم وتسمع جميع ما يدبرونه في ذلك - حتّى اجتمع رأيهم على ذلك، فأمروا سعيد بن العاص الأمويّ، فكتب لهم الصحيفة باتّفاق منهم، وكانت نسخة الصحيفة هذا:

__________________

(١) البقرة؛ ١٤٠

٥٦٢

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا ما اتّفق عليه الملأ من أصحاب محمّد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من المهاجرين والأنصار، الذين مدحهم الله في كتابه على لسان نبيّه، اتّفقوا جميعا بعد ان اجتهدوا في رأيهم وتشاوروا في أمورهم، وكتبوا هذه الصحيفة نظرا منهم إلى الإسلام وأهله على غابر الأيّام وباقي الدهور، ليقتدي بهم من يأتي من بعدهم من المسلمين:

أمّا بعد، فإنّ الله بمنّه وكرمه بعث محمّدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الناس كافة بدينه الذي ارتضاه لعباده، فأدّى ذلك وبلّغ ما أمره الله به، وأوجب علينا القيام بجمعه، حتّى إذا أكمل الدين وفرض الفرائض وأحكم السّنن، واختار ما عنده فقبضه إليه مكرما محبورا، من غير أن يستخلف أحدا من بعده، وجعل الاختيار إلى المسلمين، يختارون لأنفسهم من وثقوا برأيه ونصحه لهم، وأنّ للمسلمين برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أسوة حسنة؛ قال الله تعالى:( لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ) (١) ، وأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يستخلف أحدا؛ لئلاّ يجري من أهل بيت واحد، فيكون إرثا دون سائر المسلمين، ولئلاّ يكون دولة بين الأغنياء منهم، ولئلاّ يقول المستخلف: إنّ هذا الأمر باق في عقبه من ولد إلى ولد إلى يوم القيامة.

والّذي يجب على المسلمين عند مضي خليفة من الخلفاء، أن يجتمع ذوو الرأي والصلاح منهم فيتشاوروا في أمورهم، فمن رأوه مستحقّا لها ولّوه أمورهم، وجعلوه القيّم عليهم؛ فإنّه لا يخفى على أهل كلّ زمان من يصلح منهم للخلافة.

فإنّ ادّعى مدّع من الناس جميعا أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله استخلف رجلا بعينه، نصبه للناس ونصّ عليه باسمه ونسبه، فقد أبطل في قوله، وأتي بخلاف ما يعرفه أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وخالف جماعة المسلمين.

وإن ادّعى مدّع أنّ خلافة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إرث، وأنّ رسول الله يورّث، فقد أحال في

__________________

(١) الأحزاب؛ ٢١

٥٦٣

قوله؛ لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ما تركناه صدقة.

وإن ادّعى مدّع أنّ الخلافة لا تصلح إلاّ لرجل واحد من بين الناس جميعا، وأنّها مقصورة فيه، ولا تنبغي لغيره - لأنّها تتلو النبوّة - فقد كذب؛ لأنّ النبي قال: أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم.

وإن ادّعى مدّع أنّه مستحقّ الإمامة والخلافة بقربه من رسول الله، ثمّ هي مقصورة عليه وعلى عقبه، يرثها الولد منهم والده، ثمّ هي كذلك في كلّ عصر وكلّ زمان، لا تصلح لغيرهم، ولا ينبغي أن تكون لأحد سواهم، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فليس له ولا لولده - وإن دنا من النبي نسبه - لأنّ الله يقول - وقوله القاضي على كلّ أحد -( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ ) (١) ، وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ ذمّة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم وأقربهم، كلّهم يد على سواهم، فمن آمن بكتاب الله، وأقرّ بسنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقد استقام وأناب وأخذ بالصواب، ومن كره ذلك من فعالهم، وخالف الحقّ والكتاب، وفارق جماعة المسلمين، فاقتلوه؛ فإنّ في قتله صلاحا للأمّة، وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من جاء إلى أمّتي وهم جمع ففرّق بينهم فاقتلوه كائنا من كان من الناس، فإنّ الاجتماع رحمة والفرقة عذاب »، وقال: « لا تجتمع أمّتي على الضلال أبدا، وأنّ المسلمين يد واحدة على من سواهم »، فإنّه لا يخرج عن جماعة المسلمين إلاّ مفارق معابدهم، ومظاهر عليهم أعداءهم، فقد أباح الله ورسوله دمه وأحلّ قتله.

وكتب سعيد بن العاص، باتّفاق لمن أثبت اسمه وشهادته آخر هذه الصحيفة، في المحرم سنة عشر من الهجرة.

ثمّ دفعت الصحيفة إلى أبي عبيدة بن الجرّاح، فوجّه بها إلى مكّة، فلم تزل الصحيفة في الكعبة مدفونة، إلى أن ولي الأمر عمر بن الخطّاب فاستخرجها من موضعها.

وهي الصحيفة الّتي تمنّى أمير المؤمنينعليه‌السلام لما توفي عمر، فوقف عليه وهو مسجّى بثوبه،

__________________

(١) الحجرات؛ ١٣

٥٦٤

فقال:، ما أحبّ إليّ أن ألقى الله بصحيفة هذا المسجّى.

ثمّ انصرفوا، وصلّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالناس صلاة الفجر، ثمّ قعد في مجلسه يذكر الله عزّ وجلّ حتّى طلعت الشمس، فالتفت إلى أبي عبيدة بن الجرّاح، فقال: بخ بخ، من مثلك، لقد أصبحت أمين هذه الأمّة!! ثمّ تلا قوله تعالى:( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ) (١) ، لقد أشبه هؤلاء رجال في هذه الأمّة ليستخفوا له من الناس( وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً ) (٢) ، ثمّ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : لقد أصبح في هذه الأمّة - في يومي هذا - قوم شابهوهم في صحيفتهم، الّتي كتبوها علينا في الجاهليّة وعلّقوها في الكعبة، وإن شاء الله يعذبهم عذابا ليبتليهم ويبتلي من يأتي بعدهم، تفرقة بين الخبيث والطيّب، ولو لا أنّه سبحانه أمرني بالإعراض عنهم - للأمر الّذي هو بالغه - لقدّمتهم فضربت أعناقهم.

وفي التهاب نيران الأحزان ( ٣٠ - ٣١ ): اجتمع القوم فكتبوا صحيفة على ما تعاقدوا عليه من النكث - على ما بايعوا عليه رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بالخلافة لعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام - وأنّ الأمر للأوّل، ثمّ للثاني من بعده، ثمّ من بعده لأحد الرجلين: إمّا أبو عبيدة أو سالم مولى حذيفة، وأشهدوا على ذلك أربعة وثلاثين رجلا، أربعة عشر من أهل العقبة، وعشرين من غيرهم، وهم: سعد بن زيد، وأبو سفيان بن حرب، وسعيد بن العاص الأموي، وأسامة بن زيد، والوليد، وصفوان بن أميّة، وأبو حذيفة بن عتبة، ومعاذ بن جبل، وبشر بن سعد، وسهل، وحكيم بن خزامة، وصهيب الرومي، وعبّاس بن مرداس السلمي، وأبو مطيع بن سنة العبسي، وقنفذ مولى عمر، وسالم مولى حذيفة، وسعد بن مالك [ وهو سعد بن أبي وقاص ]، وخالد بن عرفطة، ومروان بن الحكم، والأشعث بن قيس.

__________________

(١) البقرة؛ ٧٩

(٢) النساء؛ ١٠٨

٥٦٥

وانظر مؤامرة الصحيفة الملعونة، وما نزل بها من الآيات، وما روي بشأنها عن أئمّة آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسائر الرواة والمحدّثين في المصادر التالية: الكافي ( ج ١؛ ٣٩١، ٤٢٠، ٤٢١ ) و ( ج ٨؛ ١٧٩ - ١٨٠ ) وسليم بن قيس ( ٨٦ - ٨٧، ١٦٤ - ١٦٦، ٢٢٣ - ٢٢٤ ) والصراط المستقيم ( ج ٣؛ ١٥٣ - ١٥٤ ) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ٢١٢ - ٢١٣ ) وتفسير العيّاشي ( ج ١؛ ٣٠١ ) والخصال (١٧١) وبشارة المصطفى ( ١٩٦ - ١٩٧ ) وتفسير القمّي ( ج ١؛ ١٥٦، ١٧٣، ٣٠١ ) و ( ج ٢؛ ٢٨٩، ٣٠٨، ٣٥٦ ). وهو في بحار الأنوار ( ج ٢٨؛ ١٢٢ ).

وفي كتاب اليقين ( ٣٥٤ - ٣٥٥ ) في حديث طويل فيه خطبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الغدير، نقله عن أحمد بن محمّد الطبريّ المعروف بالخليلي، بهذا السند: حدّثنا أحمد بن محمّد الطبري، قال: أخبرني محمّد بن أبي بكر بن عبد الرحمن، قال: حدّثني الحسن بن عليّ أبو محمّد الدينوريّ، قال: حدّثنا محمّد بن موسى الهمدانيّ، قال: حدّثنا محمّد بن خالد الطيالسي، قال: حدّثنا سيف بن عميرة، عن عقبة بن قيس بن سمعان، عن علقمة بن محمّد الحضرمي، عن أبي جعفر محمّد بن عليّعليهما‌السلام ، قال: فقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فوق الأحجار، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الّذي علا بتوحيده معاشر الناس، سيكون من بعدي أئمّة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون، معاشر الناس، إنّ الله وأنا بريئان منهم ومن أشياعهم وأنصارهم، وجميعهم في الدرك الأسفل من النار، وبئس مثوى المتكبرين، ألا إنّهم أصحاب الصحيفة، معاشر الناس، فلينظر أحدكم في صحيفته، قالعليه‌السلام : فذهب على الناس - إلاّ شرذمة منهم - أمر الصحيفة انظر هذا الخبر في الاحتجاج (٦٢) والتهاب نيران الأحزان (١٨).

وفي معاني الأخبار (٤١٢): حدّثنا محمّد بن عليّ ما جيلويه، عن عمّه محمّد بن أبي القاسم، عن أحمد بن أبي عبد الله البرنّي، عن أبيه، عن محمّد بن سنان، عن مفضّل بن عمر، قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن معنى قول أمير المؤمنينعليه‌السلام لمّا نظر إلى الثاني وهو مسجّى بثوبه: « ما أحد أحبّ إليّ أن القى الله بصحيفته من هذا المسجّى؟ » فقالعليه‌السلام : عنى بها الصحيفة الّتي كتبت في الكعبة. وانظر هذا المعنى في الفصول المختارة (٩٠) عن هشام ابن الحكم، وسليم بن

٥٦٦

قيس ( ١١٧ - ١١٨ ) والاحتجاج (١٥٠) وبحار الأنوار ( ج ٨؛ ٢٢، ٢٧ ). وانظر قول الإمام عليّعليه‌السلام عند عمر وهو مسجّى، في ربيع الأبرار (٤١٢).

وقد ورد حديث الصحيفة في مصادر أبناء العامة على لسان أبي بن كعب، فحرّف القوم معنى الحديث ليبعدوه عن المجرمين الذين ظلموا محمّدا وآل محمّد - صلوات الله عليهم - حقّهم.

ففي الفصول المختارة من العيون والمحاسن (٩٠): سئل هشام بن الحكم عمّا ترويه العامّة من قول أمير المؤمنينعليه‌السلام لما قبض عمر - وقد دخل عليه وهو مسجّى -: « لوددت أن القى الله بصحيفة هذا المسجّى »، وفي حديث آخر لهم: « إنّي لأرجو أن ألقى الله بصحيفة هذا المسجّى »؟ فقال هشام وذلك أنّ عمر واطأ أبا بكر والمغيرة وسالما مولى أبي حذيفة وأبا عبيدة، على كتب صحيفة بينهم، يتعاقدون فيها على أنّه إذا مات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يورثوا أحدا من أهل بيته، ولم يولّوهم مقامه من بعده، فكانت الصحيفة لعمر؛ إذ كان عماد القوم، والصحيفة الّتي ودّ أمير المؤمنينعليه‌السلام ورجا أن يلقى الله بها هي هذه الصحيفة، فيخاصمه بها، ويحتج عليه بمتضمّنها، والدليل على ذلك ما روته العامّة عن أبي بن كعب، أنّه كان يقول في المسجد: « ألا هلك أهل العقدة، والله ما آسى عليهم، إنّما آسى على من يضلّون من الناس »، فقيل له: يا صاحب رسول الله، هؤلاء أهل العقد، وما عقدتهم؟ فقال: قوم تعاقدوا بينهم إن مات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يورثوا أحدا من أهل بيته، ولا يولّوهم مقامه، أما والله لئن عشت إلى يوم الجمعة لأقومنّ فيهم مقاما أبيّن به للناس أمرهم، قال: فما أتت عليه الجمعة.

انظر قول أبي بن كعب هذا وتكراره مرارا في حلية الأولياء ( ج ١؛ ٢٥٢ ) بعدة أسانيد، وشرح النهج ( ج ٢٠؛ ٢٤ ) ومسند أحمد ( ج ٥؛ ١٤٠ ) ومستدرك الحاكم ( ج ٢؛ ٢٢٦ ) و ( ج ٣؛ ٣٠٤ ) وسنن النسائي ( ج ٢؛ ٨٨ / كتاب الإمامة - الحديث ٢٣ ). وانظر المسترشد ( ٢٨ - ٢٩ ) والايضاح لابن شاذان (٣٧٣) والصراط المستقيم ( ج ٣؛ ١٥٤ ).

٥٦٧

٥٦٨

الطّرفة الثلاثون

روى هذه الطّرفة - عن كتاب الطّرف - العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٢٢؛ ٤٩٣ - ٤٩٤ ).

كان فيما أوصى به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يدفن في بيته الّذي قبض فيه

ومثل هذا المطلب ما في الطّرفة الحادية والثلاثين « قال عليّعليه‌السلام : يا رسول الله أمرتني أن أصيّرك في بيتك إن حدث بك حدث؟ قال: نعم، يا عليّ بيتي قبري ستخبر بالموضع وتراه. ».

اتّفق المسلمون على أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله دفن في بيته، في البقعة الّتي قبض فيها، وكان بعض المسلمين أراد أن يدفنه بالبقيع، فبيّن لهم عليّعليه‌السلام أنّه يدفن في بيته، لأنّ الله لم يقبضه إلاّ في أطهر البقاع، وقد حاول أعداء آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله صرف هذه الفضيلة عن عليّعليه‌السلام ، فنسبوا هذا الكلام لأبي بكر، مع أنّ النصوص قد تقدّمت عليك في أنّ أهله هم الذين تولّوا غسله وإجنانه، وأغلقوا الباب دونه، وأنّ الأوّل والثاني كانا مشغولين بغصب الخلافة في سقيفة بني ساعدة.

ففي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ١؛ ٢٣٩ ) عن الباقرعليه‌السلام : قال الناس: كيف الصلاة عليه؟ فقال عليّعليه‌السلام : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إمام حيّا وميّتا، فدخل عليه عشرة عشرة، فصلوا عليه يوم الاثنين، وليلة الثلاثاء حتّى الصباح، ويوم الثلاثاء، حتّى صلّى عليه الأقرباء والخواص، ولم يحضر أهل السقيفة.

فتبقى الروايات الدالّة على أنّ عليّاعليه‌السلام هو دافنه وغاسله، والروايات المصرّحة

٥٦٩

بأنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أوصى عليّاعليه‌السلام بدفنه في مكانه الّذي يقبض فيه، هي العمدة في الباب، وما لفّقوه من فضيلة لأبي بكر فليس لها دافع سوى البغض لعليّعليه‌السلام .

ففي الكافي ( ج ١؛ ٤٥١ ) بسنده عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام ، قال: أتى العبّاس أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقال: يا عليّ، إنّ الناس قد اجتمعوا أن يدفنوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في بقيع المصلّى، وأنّ يؤمّهم رجل منهم، فخرج أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى الناس، فقال: أيّها الناس، إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إمام حيّا وميّتا، وقال: إنّي أدفن في البقعة الّتي أقبض فيها ....

وفي كفاية الأثر ( ١٢٥ - ١٢٦ ) بسنده عن عمّار بن ياسر قال: فلمّا مات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان الفضل يناوله الماء، وجبرئيل يعاونه، فلمّا أن غسّله وكفّنه أتاه العبّاس، فقال: يا عليّ إنّ الناس قد أجمعوا أن يدفنوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالبقيع، وأن يؤمّهم رجل واحد، فخرج عليّعليه‌السلام إلى الناس، فقال: أيّها الناس، إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان إمامنا حيّا وميتا، قال: فقالوا: الأمر إليك فاصنع ما رأيت، قال: فإنّي أدفن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في البقعة الّتي قبض فيها ...

وفي الإرشاد (١٠٠): وكان المسلمون في المسجد يخوضون في من يؤمّهم في الصلاة عليه، وأين يدفن، فخرج إليهم أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وقال لهم: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إمامنا حيّا وميتا، فليدخل عليه فوج بعد فوج منكم، فيصلون عليه بغير إمام وينصرفون، وإنّ الله لم يقبض نبيا في مكان إلاّ وقد ارتضاه لرمسه فيه، وإنّي لدافنه في حجرته الّتي قبض فيها، فسلّم القوم لذلك ورضوا به.

وانظر مناقب ابن شهرآشوب ( ج ١؛ ٢٤٠ ) وكشف الغمّة ( ج ١؛ ١٩ ) وفقه الرضاعليه‌السلام (٢١) وشرح الأخبار ( ج ١؛ ١٤٠ - ١٤١ ) وإعلام الورى (٨٣) وإثبات الوصيّة (١٠٥) وينابيع المودّة ( ج ٢؛ ٩٠ ).

ويكفّن بثلاثة أثواب، أحدها يمان

اختلفت روايات أبناء العامّة في صفة كفن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اختلافا بيّنا، تبعا لاختلاف مرويّاتهم عن الصحابة، الّذين اختلفوا لعدم علمهم التامّ بصفة الكفن، بخلاف روايات أئمّة

٥٧٠

أهل البيتعليهم‌السلام - فهم أدرى بما فيه - فإنّها اتّفقت على صفة الكفن كما هو مذكور هنا، وإذا نظرت إلى طبقات ابن سعد ( ج ٢؛ ٢٨١ - ٢٨٧ ) وجدت الاختلاف في ذلك، فذكر من قال أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله كفّن في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة، ثمّ ذكر من قال أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله كفّن في ثلاثة أثواب أحدها حبرة [ وهو برد يمان ]، ثمّ ذكر من قال أنّه كفّن في ثلاثة أثواب برود، ومن قال كفّن في قميص وحلّة، ثمّ روى في آخر ذلك حديثا، فقال: أخبرنا عارم بن الفضل، أخبرنا حماد بن زيد، عن أيوب، قال أبو قلابة: ألا تعجب من اختلافهم علينا في كفن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟!

وإذا لحظت القسم الثاني، وهو الّذي يوافق مرويات الإماميّة عن أئمتهم، وجدت أنّ أغلب مروياته عن الزهريّ، وسعيد بن المسيب، عن السجاد، وعن الصادقعليهما‌السلام ، وعن ابن عبّاس، وهم أدرى بما في البيت كما تقدّم. وعلى كلّ حال فنحن نذكر بعض المرويّات والمصادر الّتي مضمونها هو ما في هذه الطّرفة.

ففي الكافي ( ج ٢؛ ٤٠ ) بسنده، قال: سئل أبو عبد اللهعليه‌السلام ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بم كفّن؟ قال: في ثلاثة أثواب، ثوبين صحاريين، وبرد حبرة.

وفي فقه الرضاعليه‌السلام (٢٠): وروي أنّ عليّاعليه‌السلام كفّنه في ثلاثة أثواب، ثوبين صحاريّين، وثوب حبرة يمانيّة.

وفي أمالي الصدوق: ٥٠٦ بسنده عن ابن عبّاس، قال: لمّا مرض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّعليه‌السلام : يا بن أبي طالب، إذا رأيت روحي قد فارقت جسدي فاغسلني، وأنق غسلي، وكفّنّي في طمريّ هذين، أو في بياض مصر وبرد يمان، ولا تغال في كفني. ورواه الفتال النيسابوريّ في روضة الواعظين (٧٢).

وفي الوفا بأحوال المصطفى (٨١١) عن ابن عبّاس، قال: لمّا غسّلوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جففوه، ثمّ صنع به كما يصنع بالميّت، ثمّ أدرج في ثلاثة: ثوبين أبيضين، وبرد حبرة.

وفي تاريخ الطبريّ ( ج ٣؛ ٢٠٤ ) عن الزهريّ، عن السجادعليه‌السلام ، قال: فلمّا فرغ من غسل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كفّن في ثلاثة أثواب: ثوبين صحاريّين وبرد حبرة، أدرج فيها إدراجا.

٥٧١

وانظر في صفة كفن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله التهذيب ( ج ١؛ ١٣٢ ) وكشف الغمّة ( ج ١؛ ١٧ ) ومروج الذهب ( ج ٢؛ ٢٩١ ).

وشرح النهج ( ج ١٣؛ ٣٨ ) وطبقات ابن سعد ( ج ٢؛ ٢٨٤ - ٢٨٥ ) وحلية الأولياء ( ج ٤؛ ٧٨ ) وسيرة ابن هشام ( ج ٤؛ ٣١٣ ) وتاريخ ابن الأثير ( ج ٢؛ ٣٣٣ ) ومسند أحمد ( ج ١؛ ٢٦٠ ) وسنن البيهقي ( ج ٣؛ ٣٨٨ ).

ولا يدخل قبره غير عليّعليه‌السلام

صحّت الروايات من طرق الفريقين، أنّ عليّاعليه‌السلام كان الأصل والقائم بأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من غسله وتكفينه ودفنه، ونزل معه في القبر الفضل بن عبّاس وقثم وشقران مولاهم، وطلب منه أوس بن خوليّ أحد الأنصار من الخزرج أن لا ينسى حظهم من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأدخله عليّعليه‌السلام ، فالمراد بهذه الرواية إذن ما مرّ من أنّ عليّا آخر الناس عهدا برسول الله، وأنّه كان هو المتولّي لأمور التغسيل والتكفين والدفن لرسول الله، والباقون كانوا تبعا له، داخلين بأمر منهعليه‌السلام ، فلا ينافي دخول بعض بأمرهعليه‌السلام أنّه لم يدخل القبر غيرهعليه‌السلام بأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حيث روى العامّة أيضا أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال قبل موته - كما في شرح النهج ( ج ١٣؛ ٣٧ ) وغيره -: « يغسّلني أهلي الأدنى منهم فالأدنى، وأكفّن في ثيابي أو في بياض مصر أو في حلّة يمانيّة »، ومعلوم أنّ عليّاعليه‌السلام كان أدناهم لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كما تقدّم.

قال ابن أبي الحديد في شرح النهج ( ج ١٣؛ ٤٠ ) بعد إيراده لروايات الغسل والكفن والدفن ومناقشتها: قلت: من تأمّل هذه الأخبار علم أنّ عليّاعليه‌السلام كان الأصل والجملة والتفصيل في أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ألا ترى أنّ أوس بن خوليّ لا يخاطب أحدا من الجماعة غيره، ولا يسأل غيره في حضور الغسل والنزول في القبر.

وقد صرّح الإمام عليّعليه‌السلام بأنّه هو والملائكة معه دفنوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال في نهج البلاغة ( ج ٢؛ ١٧٢ ): ولقد وليت غسلهصلى‌الله‌عليه‌وآله والملائكة أعواني، فضجت الدار والأفنية، ملأ يهبط وملأ يعرج، وما فارقت سمعي هينمة منهم، يصلّون عليه، حتّى واريناه في

٥٧٢

ضريحه، فمن ذا أحقّ به منّي حيّا وميّتا؟!

وقال ابن شهرآشوب ( ج ١؛ ٢٤٠ ): تاريخ الطبريّ في حديث ابن مسعود، قلنا: فمن يدخلك قبرك يا نبي الله؟ قال: أهلي، وقال الطبريّ وابن ماجة: الّذي نزل في قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام والفضل وقثم وشقران، ولهذا قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : أنا الأوّل أنا الآخر.

وفي أمالي الطوسي (٥٥٥) بسنده عن أبي ذرّ في مناشدة عليّعليه‌السلام يوم الشورى، قال: فأنشدكم بالله، هل فيكم من نزل في حفيرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله غيري؟ قالوا: اللهمّ لا. وانظر قوله هذا في مناشدة الشورى في كنز العمال ( ج ٥؛ ٤٢٩ / الحديث ٢٤٦١ ط. حيدرآباد ) ومعارج العلى (١١٦) ومناقب الخوارزمي (٢٢٥) وتاريخ دمشق ( ج ٣؛ ٨٧ / الحديث ١١٣١، ٩١ / الحديث ١١٣٢ ).

وفي اليقين (٣٩٠) عن كتاب « نهج النجاة في فضائل أمير المؤمنين والأئمّة من ذريته »، بسنده عن أنس بن مالك، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّعليه‌السلام : يا عليّ، أنت منّي وأنا منك، تغسل جسدي، وتواريني لحدي ....

وفي بشارة المصطفى (٥٨) بسنده، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال لعليّعليه‌السلام : يا عليّ أنت غاسل جثّتي، وأنت الّذي تواريني في حفرتي.

وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ١؛ ٢٣٦ - ٢٣٧ ) ومن طريقة أهل البيتعليهم‌السلام فلمّا حضرهصلى‌الله‌عليه‌وآله الموت، قال له: ضع رأسي يا عليّ في حجرك ولا تفارقني حتّى تواريني في رمسي، واستعن بالله ثمّ وجههعليه‌السلام ، ومدّ عليه إزاره، واستقبل بالنّظر في أمره. وانظر رواية الخبر في الإرشاد (١٠٠).

وفي كنز العمال ( ج ٦؛ ٣٩٣ ) بسنده عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال لعليّعليه‌السلام : وأنت عاضدي وغاسلي ودافني. وهو في معارج العلى (١٢٢).

وفي تاريخ دمشق ( ج ٢؛ ٤٨٧ / الحديث ١٠٠٦ ) بإسناده عن أنس بن مالك، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام : أنت تغسّلني، وتواريني في لحدي، وتبيّن لهم بعدي.

٥٧٣

وروى الوصابي في أسنى المطالب ( ٧٢ / الحديث ٩ ) في الباب الحادي عشر، بإسناده عن ابن عبّاس، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عليّ، إنّك مخاصم لهم، أنت أوّل المؤمنين إيمانا، وأعلمهم بأيّام الله، وأوفاهم بعهده، وأقسمهم بالسويّة، وأرأفهم بالرعيّة، وأعظمهم عند الله مزيّة، وأنت عاضدي وغاسلي ودافني ....

ويدلّ عليه أيضا ما مرّ من أنّه آخر الناس عهدا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ لأنّه هو الّذي واراه في حفرته، حتّى قال أحد الشعراء من الصحابة:(١)

ما كنت أحسب أنّ الأمر منصرف

عن هاشم ثمّ منها عن أبي حسن

أليس أوّل من صلّى لقبلتكم

وأعلم الناس بالأحكام والسنن

وآخر الناس عهدا بالنبي ومن

جبريل عون له في الغسل والكفن

وفي الإرشاد (١٠١): ودخل أمير المؤمنينعليه‌السلام ، والعبّاس بن عبد المطلب، والفضل ابن العبّاس، وأسامة بن زيد، ليتولّوا دفن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فنادت الأنصار من وراء البيت: يا عليّ، إنّا نذكرك الله وحقّنا اليوم من رسول الله أن يذهب، أدخل منّا رجلا يكون لنا به حظّ من مواراة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالعليه‌السلام : ليدخل أوس بن خوليّ - وكان بدريا فاضلا من بني عوف من الخزرج - فلمّا دخل قال له عليّعليه‌السلام : انزل القبر، فنزل، ووضع أمير المؤمنينعليه‌السلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على يديه ودلاّه في حفرته، فلمّا حصل في الأرض، قال له: اخرج، فخرج، ونزل عليّعليه‌السلام القبر، فكشف عن وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ووضع خدّه على الأرض موجّها إلى القبلة عن يمينه، ثمّ وضع عليه اللبن، وأهال عليه التراب. وروى مثله الطبرسي في إعلام الورى (٨٤).

وانظر دفن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وتولّي عليّعليه‌السلام لذلك، وأنّ الباقين كانوا تبعا له يأتمرون

__________________

(١) نسبه سليم في كتابه: ٧٨، والأربلي في كشف الغمّة ( ج ١؛ ٦٧ إلى العباس، ونسبه اليعقوبي في تاريخه ( ج ٢؛ ١٢٤ ) إلى عتبة بن أبي لهب، ونسبه المفيد في الجمل: (١١٨) إلى عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وفي الإرشاد: (٢٢) إلى خزيمة بن ثابت، ونسبه الشريف المرتضى في الفصول المختارة: (٢١٦) إلى ربيعة بن الحارث، ونسبه الكراجكي في كنز الفوائد ( ج ١؛ ٢٦٧ ) إلى سفيان بن الحارث بن عبد المطلب.

٥٧٤

بأمره وينتهون لنهيه، في طبقات ابن سعد ( ج ٢؛ ٣٠٠ - ٣٠٢ ) والطبريّ ( ج ٣؛ ٢٠٥ ) ومروج الذهب ( ج ٢؛ ٢٩١ ) وتاريخ ابن الأثير ( ج ٢؛ ٣٣٣ ) والبداية والنهاية ( ج ٥؛ ٢٩٠ ) وسيرة ابن هشام ( ج ٤؛ ٣١٤ - ٣١٥ ) وينابيع المودّة ( ج ٢؛ ٩٠ ) وكشف الغمّة ( ج ١؛ ١٩ ) والعقد الفريد ( ج ٥؛ ٨، ٩ ).

يا عليّ كن أنت وابنتي فاطمة والحسن والحسين، وكبّروا خمسا وسبعين تكبيرة، وكبّر خمسا وانصرف جبرئيل مؤذنك ثمّ من جاءك من أهل بيتي؛ يصلّون عليّ فوجا فوجا، ثمّ نساؤهم، ثمّ الناس بعد ذلك

في كتاب سليم بن قيس (٧٩) عن أبان بن أبي عيّاش، عن سليم بن قيس، قال: سمعت سلمان الفارسي، قال: فأتيت عليّاعليه‌السلام وهو يغسّل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد كان رسول الله أوصى عليّاعليه‌السلام أن لا يلي غسله غيره فلمّا غسّله وحنّطه وكفّنه أدخلني، وأدخل أبا ذرّ والمقداد وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام ، فتقدّم عليّعليه‌السلام وصفّنا خلفه، وصلّى عليه - وعائشة في الحجرة لا تعلم قد أخذ الله ببصرها - ثمّ أدخل عشرة من المهاجرين وعشرة من الأنصار، فكانوا يدخلون ويدعون ويخرجون، حتّى لم يبق أحد شهد من المهاجرين والأنصار إلاّ صلّى عليه. وانظر رواية هذه الصلاة في الاحتجاج (٨٠).

وفي كشف الغمّة ( ج ١؛ ١٧ ): من كتاب أبي إسحاق الثعلبي، قال: فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : مهلا عفا الله عنكم، إذا غسّلت وكفّنت فضعوني على سريري في بيتي هذا على شفير قبري، ثمّ اخرجوا عنّي ساعة، فإنّ الله تبارك وتعالى أوّل من يصلّي عليّ، ثمّ يأذن للملائكة في الصلاة عليّ، فأوّل من ينزل جبرئيل، ثمّ إسرافيل، ثمّ ميكائيل، ثمّ ملك الموت في جنود كثيرة من الملائكة بأجمعها، ثمّ ادخلوا عليّ زمرة زمرة، فصلّوا عليّ وسلّموا تسليما وليبدأ بالصلاة عليّ الأدنى فالأدنى من أهل بيتي، ثمّ النساء، ثمّ الصبيان زمرا.

وفي أمالي الصدوق (٥٠٦) بسنده عن ابن عبّاس: ثمّ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام : يا بن أبي طالب، إذا رأيت روحي قد فارقت جسدي فاغسلني، وأنق غسلي، وكفّنّي في طمريّ

٥٧٥

هذين، أو في بياض مصر وبرد يمان، ولا تغال في كفني، واحملوني حتّى تضعوني على شفير قبري، فأوّل من يصلّى عليّ الجبّار جلّ جلاله من فوق عرشه، ثمّ جبرئيل وميكائيل وإسرافيل في جنود من الملائكة لا يحصي عددهم إلاّ الله عزّ وجلّ، ثمّ الحافّون بالعرش، ثمّ سكّان أهل سماء فسماء، ثمّ جلّ أهل بيتي ونسائي؛ الأقربون فالأقربون، يومئون إيماء ويسلّمون تسليما ورواه الفتّال النيسابوريّ في روضة الواعظين (٧٢).

وفي أمالي المفيد ( ٣١ - ٣٢ ) بسنده عن الباقرعليه‌السلام ، قال: لمّا فرغ أمير المؤمنينعليه‌السلام من تغسيل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وتكفينه وتحنيطه، أذن للناس، وقال: ليدخل منكم عشرة عشرة ليصلّوا عليه، فدخلوا، وقام أمير المؤمنين بينه وبينهم، وقال:( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (١) ، وكان الناس يقولون كما يقول، قال أبو جعفرعليه‌السلام : وهكذا كانت الصلاة عليه.

وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ١؛ ٢٣٩ ): قال أبو جعفرعليه‌السلام : قال الناس: كيف الصلاة عليه؟ فقال عليّعليه‌السلام : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إمام حيّا وميّتا، فدخل عليه عشرة عشرة، فصلّوا عليه يوم الإثنين، وليلة الثلاثاء حتّى الصباح، ويوم الثلاثاء، حتّى صلّى عليه الأقرباء والخواص، ولم يحضر أهل السقيفة، وكان عليّعليه‌السلام أنفذ إليهم بريدة، وإنّما تمت بيعتهم بعد دفنه، وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: إنّما نزلت هذه الآية في الصلاة عليّ بعد قبض الله لي( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (٢) .

وسئل الباقرعليه‌السلام : كيف كانت الصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فقال: لمّا غسّله أمير المؤمنينعليه‌السلام وكفّنه سجّاه، وأدخل عليه عشرة عشرة، فداروا حوله، ثمّ وقف أمير المؤمنين في وسطهم، فقال:( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ) (٣) فيقول القوم مثل ما يقول، حتّى

__________________

(١) الأحزاب؛ ٥٦

(٢) الأحزاب؛ ٥٦

(٣) الأحزاب؛ ٥٦

٥٧٦

صلّى عليه أهل المدينة وأهل العوالي.

وفيه أيضا ( ج ١؛ ٢٣٦ - ٢٣٧ ): ومن طريقة أهل البيتعليهم‌السلام ثمّ جذبصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاعليه‌السلام تحت ثوبه، ووضع فاه على فيه، وجعل يناجيه، فلمّا حضره الموت قال له: ضع رأسي يا عليّ في حجرك؛ فقد جاء أمر الله، فإذا فاضت نفسي فتناولها بيديك وامسح بها وجهك، ثمّ وجّهني إلى القبلة، وتولّ أمري، وصلّ عليّ أوّل الناس وانظر هذا الخبر برواية أتم في الإرشاد (١٠٠).

وفي إعلام الورى (٨٣): فلمّا فرغعليه‌السلام من غسلهصلى‌الله‌عليه‌وآله وتجهيزه، تقدّم فصلّى عليه، قال أبان: وحدّثني أبو مريم، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: قال الناس: كيف الصلاة عليه؟ فقال عليّعليه‌السلام : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إمامنا حيّا وميّتا، فدخل عليه عشرة عشرة، فصلّوا عليه يوم الإثنين، وليلة الثلاثاء حتّى الصباح، ويوم الثلاثاء، حتّى صلّى عليه صغيرهم وكبيرهم، وذكرهم وأنثاهم، وضواحي المدينة، بغير إمام.

وفي الإرشاد (١٠٠): فلمّا فرغعليه‌السلام من غسله وتجهيزهصلى‌الله‌عليه‌وآله تقدّم فصلّى عليه وحده، ولم يشركه معه أحد في الصلاة عليه، وكان المسلمون في المسجد يخوضون في من يؤمهم في الصلاة عليه وأين يدفن، فخرج إليهم أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وقال لهم: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إمامنا حيّا وميّتا، فليدخل عليه فوج بعد فوج منكم، فيصلّون عليه بغير إمام وينصرفون.

وفي كفاية الأثر ( ١٢٥ - ١٢٦ ) بسنده عن عمّار بن ياسر، قال: لمّا حضرت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الوفاة دعا بعلي قال: فلمّا مات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان الفضل يناوله الماء، وجبرئيل يعاونه، فلمّا أن غسّله وكفّنه أتاه العبّاس، فقال: يا عليّ، إنّ الناس قد أجممعوا أن يدفنوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالبقيع، وأن يؤمّهم رجل واحد، فخرج عليّعليه‌السلام إلى الناس، فقال: أيّها الناس، إنّ رسول الله كان إمامنا حيّا وميّتا فقالوا: الأمر إليك فاصنع ما رأيت، قال: فإنّي أدفن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في البقعة الّتي قبض فيها، قال: ثمّ قامعليه‌السلام على الباب فصلّى عليه، وأمر الناس عشرا عشرا؛ يصلّون عليه ثمّ يخرجون. وروى قريبا منه الكليني في الكافي ( ج ١؛ ٤٥١ ) بسنده عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام .

٥٧٧

وفي الكافي ( ج ١؛ ٤٥١ ) بسنده عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام ، قال: لمّا قبض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله صلّت عليه الملائكة، والمهاجرون والأنصار فوجا فوجا، قال: وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول في صحّته وسلامته: إنّما أنزلت هذه الآية عليّ في الصلاة عليّ بعد قبض الله لي( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (١) .

وقال العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٢٢؛ ٥٤١ ) بعد نقله لروايات متعدّدة في كيفية الصلاة على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

بيان : يظهر من مجموع ما مرّ في الأخبار في الصلاة عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ الصلاة الحقيقيّة هي الّتي كان أمير المؤمنينعليه‌السلام صلاّها أوّلا مع الستّة المذكورين في خبر سليم، ولم يدخل في ذلك سوى الخواص من أهل بيته وأصحابه - لئلاّ يتقدّم أحد من لصوص الخلافة في الصلاة، أو يحضر أحد من هؤلاء المنافقين فيها - ثمّ كانعليه‌السلام يدخل عشرة عشرة من الصحابة، فيقرأ الآية، ويدعون ويخرجون من غير صلاة.

وسيأتيك في الطّرفة القادمة المزيد، عند ذكر أنّ عليّاعليه‌السلام أخبر بمكان دفن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّ الملائكة كانت معه في الغسل والصلاة والدفن.

هذا، ولا بدّ من التنبيه إلى أن روايات العامّة ذكرت تغسيل عليّعليه‌السلام للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ودفنه له، وذكرت كيفيّة الصلاة عليه، لكنّها أغفلت أو تغافلت عن ذكر صلاة عليّعليه‌السلام بالخصوص عليه، وأنّ صلاته كانت هي الصلاة الّتي أمر الله ورسوله بها، وعلى كلّ حال فنحن نذكر هنا بعض النصوص منهم في ذلك ونشير إلى مواضع البعض الآخر منها، وستتبيّن مواضع التحريف والتغيير في رواياتهم؛

ففي حلية الأولياء ( ج ٤؛ ٧٨ ) بسنده عن جابر بن عبد الله وابن عبّاس، في حديث طويل في وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيه قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فإذا أنتم وضعتموني على السرير فضعوني

__________________

(١) الأحزاب؛ ٥٦

٥٧٨

في المسجد، واخرجوا عنّي، فإنّ أوّل من يصلّي عليّ الربّ عزّ وجلّ من فوق عرشه، ثمّ جبرئيل، ثمّ ميكائيل، ثمّ إسرافيل، ثمّ الملائكة زمرا زمرا، ثمّ ادخلوا فقوموا صفوفا صفوفا، لا يتقدّم عليّ أحد فقبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فغسّله عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وابن عبّاس يصبّ عليه الماء، وجبرئيل معهما، وكفّن بثلاثة أثواب جدد، وحمل على السرير، ثمّ أدخلوه المسجد، ووضعوه في المسجد، وخرج الناس عنه، فأوّل من صلّى عليه الربّ من فوق عرشه، ثمّ جبرئيل، ثمّ ميكائيل، ثمّ إسرافيل، ثمّ الملائكة زمرا زمرا، قال عليّعليه‌السلام : ولقد سمعنا في المسجد همهمة ولم نر لهم شخصا، فسمعنا هاتفا يهتف وهو يقول: ادخلوا رحمكم الله، فصلّوا على نبيّكم، فدخلنا، فقمنا صفوفا كما أمرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكبرنا بتكبير جبرئيل، وصلينا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بصلاة جبرئيل، ما تقدّم منّا أحد على رسول الله.

وفي المستدرك على الصحيحين ( ج ٣؛ ٦٠ ) بسنده عن عبد الله بن مسعود، قال: لما ثقل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قلنا: من يصلّي عليك يا رسول الله؟ فبكى وبكينا، وقال: مهلا، غفر الله لكم وجزاكم عن نبيّكم خيرا، إذا غسّلتموني وحنّطتموني وكفّنتموني فضعوني على شفير قبري، ثمّ اخرجوا عنّي ساعة، فإنّ أوّل من يصلّي عليّ خليلي وجليسي جبرئيل، وميكائيل، ثمّ إسرافيل، ثمّ ملك الموت مع جنود من الملائكة، ثمّ ليبدا بالصلاة عليّ رجال أهل بيتي، ثمّ نساؤهم، ثمّ ادخلوا أفواجا أفواجا وفرادى ...

وفي طبقات ابن سعد ( ج ٢؛ ٢٩١ ) بسنده عن محمّد بن عمر، قال: أوّل من دخل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بنو هاشم، ثمّ المهاجرون، ثمّ الأنصار، ثمّ الناس حتّى فرغوا، ثمّ النساء، ثمّ الصبيان.

وفيه أيضا ( ج ٢؛ ٢٩١ ): أخبرنا محمّد بن عمر، حدّثني عبد الله بن محمّد بن عمر بن عليّ ابن أبي طالب، عن أبيه، عن جدّه عليّعليه‌السلام ، قال: لما وضع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على السرير، قال عليّعليه‌السلام : لا يقوم عليه أحد لعلّه يؤمّ، هو إمامكم حيّا وميّتا، فكان يدخل الناس رسلا رسلا، فيصلّون عليه صفا صفا ليس لهم إمام، ويكبرون وعليّ قائم بحيال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يقول: سلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته، اللهمّ إنّا نشهد أن قد بلّغ ما أنزل إليه،

٥٧٩

ونصح لأمّته، وجاهد في سبيل الله، حتّى أعزّ الله دينه وتمّت كلمته، اللهمّ فاجعلنا ممّن يتّبع ما أنزل الله إليه، وثبّتنا بعده، واجمع بيننا وبينه، فيقول الناس: آمين آمين، حتّى صلّى عليه الرجال، ثمّ النساء، ثمّ الصبيان.

وانظر كيفيّة الصلاة عليه في طبقات ابن سعد ( ج ٢؛ ٢٨٨ - ٢٩٢ ) والوفا بأحوال المصطفى ( ٨١١ - ٨١٢ ) وتاريخ الطبريّ ( ج ٣؛ ٢٠٥ ) وتاريخ ابن الأثير ( ج ٢؛ ٣٣٣ ) والعقد الفريد ( ج ٥؛ ٨ ) وشرح النهج ( ج ١٣؛ ٣٩ ) والبداية والنهاية ( ج ٥؛ ٢٨٥ - ٢٨٦، ٢٩١ ).

ويبقى أن نشير إلى أنّ الواجب في الصلاة على الميّت هي التكبيرات الخمس، وأنّ التكبيرات الأربع إنّما كانت للصلاة على المنافقين فقط، إذ كانصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا صلّى على أحدهم نقص من الصلاة التكبيرة الّتي فيها الدعاء للميّت، فتبقي أربع تكبيرات، انظر في ذلك ما في علل الشرائع (٣٠٣).

وقد انعقد إجماع الطائفة الإماميّة تبعا لأئمّة أهل البيتعليهم‌السلام على التكبيرات الخمس.

قال الشيخ الطوسي في الخلاف ( ج ١؛ ٧٢٤ / المسألة رقم ٥٤٣ ): دليلنا إجماع الفرقة.

وقال العلاّمة في تذكرة الفقهاء ( ج ٢؛ ٦٨ ): إذا نوى المصلّي، كبر خمسا، بينها أربعة أدعية، ذهب إليه علماؤنا أجمع.

وقال العاملي في مدارك الأحكام ( ج ٤؛ ١٦٤ ): وهي خمس تكبيرات، هذا قول علمائنا أجمع.

وانظر نقل الإجماع في الروضة البهيّة ( ج ١؛ ١٣٨ ) والانتصار (٥٩) والسرائر ( ج ١؛ ٣٥٧ ) والمعتبر ( ج ٢؛ ٣٤٩ ) والبيان (٧٦) وجامع المقاصد ( ج ١؛ ٤٢٢ ).

فالتكبيرات الخمس والسبعون الأخرى يظهر أنّها بعدد صفوف الملائكة المقرّبين، ففي الصراط المستقيم ( ج ٢؛ ٤٣ ) قال: فلمّا قبض آدم أوحى الله إلى هبة الله أن « صلّ عليه وكبر خمسا »، فصلّى وكبر، فجرت السنّة، وكبر سبعين أخرى سنّة بعدد صفوف الملائكة، كلّهم لمن صلّى خلفه.

٥٨٠

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653