طرف من الأنباء والمناقب

طرف من الأنباء والمناقب0%

طرف من الأنباء والمناقب مؤلف:
المحقق: الشيخ قيس العطّار
الناشر: انتشارات تاسوعاء
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 653

طرف من الأنباء والمناقب

مؤلف: ابو القاسم علی بن موسی بن جعفر بن محمد بن طاووس حلّی (سيد بن طاووس)
المحقق: الشيخ قيس العطّار
الناشر: انتشارات تاسوعاء
تصنيف:

الصفحات: 653
المشاهدات: 202761
تحميل: 5683

توضيحات:

طرف من الأنباء والمناقب
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 653 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 202761 / تحميل: 5683
الحجم الحجم الحجم
طرف من الأنباء والمناقب

طرف من الأنباء والمناقب

مؤلف:
الناشر: انتشارات تاسوعاء
العربية

يا عليّ أمسك هذه الصحيفة الّتي كتبها القوم، وشرطوا فيها الشروط على قطيعتك وذهاب حقّك، وما قد أزمعوا عليه من الظلم، تكون عندك لتوافيني بها غدا وتحاجّهم بها

كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد بلّغ ولاية أمير المؤمنين وإمامته، وأذاع ذلك في مناسبات شتّى، حتّى إذا قربت وفاته، أمره جبرئيل عن الله أن يبلّغ ذلك تبليغا عامّا يوم الغدير، وأخذصلى‌الله‌عليه‌وآله البيعة له بذلك، فاستاء المنافقون من ذلك، لأنّهم كانوا يرجون أن يموت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيرجع الأمر بأيديهم، فلمّا نصب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاعليه‌السلام خليفة من بعده، تآمروا على قتل النبي في ثنيّة العقبة، فتواردوا في الثنيّة، وحملوا معهم دبابا طرحوا فيها الحصى ودحرجوها بين قوائم ناقة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان عمّار يسوقها، وحذيفة يقودها، فأوقف الله الناقة وافتضح القوم.

قال الديلمي في إرشاد القلوب ( ٣٣٢ - ٣٣٦ ) قال حذيفة: فعرفتهم رجلا رجلا وإذا هم كما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعدد القوم، أربعة عشر رجلا، تسعة من قريش، وخمسة من سائر الناس هم والله: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد ابن أبي وقاص، وأبو عبيدة بن الجراح، ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، هؤلاء من قريش، وأمّا الخمسة: فأبو موسى الأشعريّ، والمغيرة بن شعبة الثقفي، وأوس ابن الحدثان النصريّ، وأبو هريرة، وأبو طلحة الأنصاريّ وارتحل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من منزل العقبة، فلمّا نزل المنزل الآخر رأى سالم مولى أبي حذيفة أبا بكر وعمر وأبا عبيدة يسارّ بعضهم بعضا، فوقف عليهم وقال: أليس قد أمر رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أن لا يجتمع ثلاثة نفر من الناس على سرّ؟! والله لتخبروني عمّا أنتم عليه وإلاّ أتيت رسول الله حتّى أخبره بذلك منكم، فقال أبو بكر: يا سالم، عليك عهد الله وميثاقه، لئن نحن خبرناك بالّذي نحن فيه وما اجتمعنا له، فإن أحببت أن تدخل معنا فيه دخلت وكنت رجلا منّا، وإن كرهته كتمته علينا؟

فقال سالم: ذلك لكم منّي، وأعطاهم بذلك عهده وميثاقه، وكان سالم شديد البغض والعداوة لعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، وعرفوا ذلك منه، فقالوا له: إنّا قد اجتمعنا على أن نتحالف

٥٦١

ونتعاقد أن لا نطيع محمّدا فيما فرض علينا من ولاية عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، بعده.

فقال لهم سالم: عليكم عهد الله وميثاقه، إنّ في هذا الأمر كنتم تخوضون وتتناجون؟!

قالوا: أجل، علينا عهد الله وميثاقه، إنّما كنّا في هذا الأمر بعينه لا في شيء سواه.

قال سالم: وأنا والله أوّل من يعاقدكم على هذا الأمر، ولا يخالفكم عليه، إنّه - والله - ما طلعت الشمس على أهل بيت أبغض إليّ من بني هاشم، ولا في بني هاشم أبغض إليّ ولا أمقت من عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فاصنعوا في هذا الأمر ما بدا لكم، فإنّي واحد منكم، فتعاقدوا من وقتهم على هذا الأمر، ثمّ تفرّقوا.

فلمّا أراد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المسيرة أتوه، فقال لهم: فيم كنتم تتناجون في يومكم هذا، وقد نهيتكم عن النجوى؟! فقالوا: يا رسول الله، ما التقينا غير وقتنا هذا، فنظر إليهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مليّا، ثمّ قال لهم: أنتم أعلم أم الله؟!( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) (١) .

ثمّ سارصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى دخل المدينة، واجتمع القوم جميعا، وكتبوا بينهم صحيفة على ذكر ما تعاقدوا عليه في هذا الأمر، وكان أوّل ما في الصحيفة النكث لولاية عليّ بن أبي طالب، وأنّ الأمر لأبي بكر وعمر وأبي عبيدة وسالم معهم، ليس بخارج عنهم، وشهد بذلك أربعة وثلاثون رجلا؛ هؤلاء أصحاب العقبة، وعشرون رجلا آخرون، واستودعوا الصحيفة أبا عبيدة بن الجراح، وجعلوه أمينهم ....

قال الفتى: فأخبرني يرحمك الله عمّا كتب جميعهم في الصحيفة لأعرفه، فقال حذيفة: حدّثتني بذلك أسماء بنت عميس الخثعمية - امرأة أبي بكر -: أنّ القوم اجتمعوا في منزل أبي بكر، فتآمروا في ذلك - وأسماء تسمعهم وتسمع جميع ما يدبرونه في ذلك - حتّى اجتمع رأيهم على ذلك، فأمروا سعيد بن العاص الأمويّ، فكتب لهم الصحيفة باتّفاق منهم، وكانت نسخة الصحيفة هذا:

__________________

(١) البقرة؛ ١٤٠

٥٦٢

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا ما اتّفق عليه الملأ من أصحاب محمّد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من المهاجرين والأنصار، الذين مدحهم الله في كتابه على لسان نبيّه، اتّفقوا جميعا بعد ان اجتهدوا في رأيهم وتشاوروا في أمورهم، وكتبوا هذه الصحيفة نظرا منهم إلى الإسلام وأهله على غابر الأيّام وباقي الدهور، ليقتدي بهم من يأتي من بعدهم من المسلمين:

أمّا بعد، فإنّ الله بمنّه وكرمه بعث محمّدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الناس كافة بدينه الذي ارتضاه لعباده، فأدّى ذلك وبلّغ ما أمره الله به، وأوجب علينا القيام بجمعه، حتّى إذا أكمل الدين وفرض الفرائض وأحكم السّنن، واختار ما عنده فقبضه إليه مكرما محبورا، من غير أن يستخلف أحدا من بعده، وجعل الاختيار إلى المسلمين، يختارون لأنفسهم من وثقوا برأيه ونصحه لهم، وأنّ للمسلمين برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أسوة حسنة؛ قال الله تعالى:( لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ) (١) ، وأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يستخلف أحدا؛ لئلاّ يجري من أهل بيت واحد، فيكون إرثا دون سائر المسلمين، ولئلاّ يكون دولة بين الأغنياء منهم، ولئلاّ يقول المستخلف: إنّ هذا الأمر باق في عقبه من ولد إلى ولد إلى يوم القيامة.

والّذي يجب على المسلمين عند مضي خليفة من الخلفاء، أن يجتمع ذوو الرأي والصلاح منهم فيتشاوروا في أمورهم، فمن رأوه مستحقّا لها ولّوه أمورهم، وجعلوه القيّم عليهم؛ فإنّه لا يخفى على أهل كلّ زمان من يصلح منهم للخلافة.

فإنّ ادّعى مدّع من الناس جميعا أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله استخلف رجلا بعينه، نصبه للناس ونصّ عليه باسمه ونسبه، فقد أبطل في قوله، وأتي بخلاف ما يعرفه أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وخالف جماعة المسلمين.

وإن ادّعى مدّع أنّ خلافة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إرث، وأنّ رسول الله يورّث، فقد أحال في

__________________

(١) الأحزاب؛ ٢١

٥٦٣

قوله؛ لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ما تركناه صدقة.

وإن ادّعى مدّع أنّ الخلافة لا تصلح إلاّ لرجل واحد من بين الناس جميعا، وأنّها مقصورة فيه، ولا تنبغي لغيره - لأنّها تتلو النبوّة - فقد كذب؛ لأنّ النبي قال: أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم.

وإن ادّعى مدّع أنّه مستحقّ الإمامة والخلافة بقربه من رسول الله، ثمّ هي مقصورة عليه وعلى عقبه، يرثها الولد منهم والده، ثمّ هي كذلك في كلّ عصر وكلّ زمان، لا تصلح لغيرهم، ولا ينبغي أن تكون لأحد سواهم، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فليس له ولا لولده - وإن دنا من النبي نسبه - لأنّ الله يقول - وقوله القاضي على كلّ أحد -( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ ) (١) ، وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ ذمّة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم وأقربهم، كلّهم يد على سواهم، فمن آمن بكتاب الله، وأقرّ بسنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقد استقام وأناب وأخذ بالصواب، ومن كره ذلك من فعالهم، وخالف الحقّ والكتاب، وفارق جماعة المسلمين، فاقتلوه؛ فإنّ في قتله صلاحا للأمّة، وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من جاء إلى أمّتي وهم جمع ففرّق بينهم فاقتلوه كائنا من كان من الناس، فإنّ الاجتماع رحمة والفرقة عذاب »، وقال: « لا تجتمع أمّتي على الضلال أبدا، وأنّ المسلمين يد واحدة على من سواهم »، فإنّه لا يخرج عن جماعة المسلمين إلاّ مفارق معابدهم، ومظاهر عليهم أعداءهم، فقد أباح الله ورسوله دمه وأحلّ قتله.

وكتب سعيد بن العاص، باتّفاق لمن أثبت اسمه وشهادته آخر هذه الصحيفة، في المحرم سنة عشر من الهجرة.

ثمّ دفعت الصحيفة إلى أبي عبيدة بن الجرّاح، فوجّه بها إلى مكّة، فلم تزل الصحيفة في الكعبة مدفونة، إلى أن ولي الأمر عمر بن الخطّاب فاستخرجها من موضعها.

وهي الصحيفة الّتي تمنّى أمير المؤمنينعليه‌السلام لما توفي عمر، فوقف عليه وهو مسجّى بثوبه،

__________________

(١) الحجرات؛ ١٣

٥٦٤

فقال:، ما أحبّ إليّ أن ألقى الله بصحيفة هذا المسجّى.

ثمّ انصرفوا، وصلّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالناس صلاة الفجر، ثمّ قعد في مجلسه يذكر الله عزّ وجلّ حتّى طلعت الشمس، فالتفت إلى أبي عبيدة بن الجرّاح، فقال: بخ بخ، من مثلك، لقد أصبحت أمين هذه الأمّة!! ثمّ تلا قوله تعالى:( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ) (١) ، لقد أشبه هؤلاء رجال في هذه الأمّة ليستخفوا له من الناس( وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً ) (٢) ، ثمّ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : لقد أصبح في هذه الأمّة - في يومي هذا - قوم شابهوهم في صحيفتهم، الّتي كتبوها علينا في الجاهليّة وعلّقوها في الكعبة، وإن شاء الله يعذبهم عذابا ليبتليهم ويبتلي من يأتي بعدهم، تفرقة بين الخبيث والطيّب، ولو لا أنّه سبحانه أمرني بالإعراض عنهم - للأمر الّذي هو بالغه - لقدّمتهم فضربت أعناقهم.

وفي التهاب نيران الأحزان ( ٣٠ - ٣١ ): اجتمع القوم فكتبوا صحيفة على ما تعاقدوا عليه من النكث - على ما بايعوا عليه رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بالخلافة لعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام - وأنّ الأمر للأوّل، ثمّ للثاني من بعده، ثمّ من بعده لأحد الرجلين: إمّا أبو عبيدة أو سالم مولى حذيفة، وأشهدوا على ذلك أربعة وثلاثين رجلا، أربعة عشر من أهل العقبة، وعشرين من غيرهم، وهم: سعد بن زيد، وأبو سفيان بن حرب، وسعيد بن العاص الأموي، وأسامة بن زيد، والوليد، وصفوان بن أميّة، وأبو حذيفة بن عتبة، ومعاذ بن جبل، وبشر بن سعد، وسهل، وحكيم بن خزامة، وصهيب الرومي، وعبّاس بن مرداس السلمي، وأبو مطيع بن سنة العبسي، وقنفذ مولى عمر، وسالم مولى حذيفة، وسعد بن مالك [ وهو سعد بن أبي وقاص ]، وخالد بن عرفطة، ومروان بن الحكم، والأشعث بن قيس.

__________________

(١) البقرة؛ ٧٩

(٢) النساء؛ ١٠٨

٥٦٥

وانظر مؤامرة الصحيفة الملعونة، وما نزل بها من الآيات، وما روي بشأنها عن أئمّة آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسائر الرواة والمحدّثين في المصادر التالية: الكافي ( ج ١؛ ٣٩١، ٤٢٠، ٤٢١ ) و ( ج ٨؛ ١٧٩ - ١٨٠ ) وسليم بن قيس ( ٨٦ - ٨٧، ١٦٤ - ١٦٦، ٢٢٣ - ٢٢٤ ) والصراط المستقيم ( ج ٣؛ ١٥٣ - ١٥٤ ) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ٢١٢ - ٢١٣ ) وتفسير العيّاشي ( ج ١؛ ٣٠١ ) والخصال (١٧١) وبشارة المصطفى ( ١٩٦ - ١٩٧ ) وتفسير القمّي ( ج ١؛ ١٥٦، ١٧٣، ٣٠١ ) و ( ج ٢؛ ٢٨٩، ٣٠٨، ٣٥٦ ). وهو في بحار الأنوار ( ج ٢٨؛ ١٢٢ ).

وفي كتاب اليقين ( ٣٥٤ - ٣٥٥ ) في حديث طويل فيه خطبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الغدير، نقله عن أحمد بن محمّد الطبريّ المعروف بالخليلي، بهذا السند: حدّثنا أحمد بن محمّد الطبري، قال: أخبرني محمّد بن أبي بكر بن عبد الرحمن، قال: حدّثني الحسن بن عليّ أبو محمّد الدينوريّ، قال: حدّثنا محمّد بن موسى الهمدانيّ، قال: حدّثنا محمّد بن خالد الطيالسي، قال: حدّثنا سيف بن عميرة، عن عقبة بن قيس بن سمعان، عن علقمة بن محمّد الحضرمي، عن أبي جعفر محمّد بن عليّعليهما‌السلام ، قال: فقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فوق الأحجار، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الّذي علا بتوحيده معاشر الناس، سيكون من بعدي أئمّة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون، معاشر الناس، إنّ الله وأنا بريئان منهم ومن أشياعهم وأنصارهم، وجميعهم في الدرك الأسفل من النار، وبئس مثوى المتكبرين، ألا إنّهم أصحاب الصحيفة، معاشر الناس، فلينظر أحدكم في صحيفته، قالعليه‌السلام : فذهب على الناس - إلاّ شرذمة منهم - أمر الصحيفة انظر هذا الخبر في الاحتجاج (٦٢) والتهاب نيران الأحزان (١٨).

وفي معاني الأخبار (٤١٢): حدّثنا محمّد بن عليّ ما جيلويه، عن عمّه محمّد بن أبي القاسم، عن أحمد بن أبي عبد الله البرنّي، عن أبيه، عن محمّد بن سنان، عن مفضّل بن عمر، قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن معنى قول أمير المؤمنينعليه‌السلام لمّا نظر إلى الثاني وهو مسجّى بثوبه: « ما أحد أحبّ إليّ أن القى الله بصحيفته من هذا المسجّى؟ » فقالعليه‌السلام : عنى بها الصحيفة الّتي كتبت في الكعبة. وانظر هذا المعنى في الفصول المختارة (٩٠) عن هشام ابن الحكم، وسليم بن

٥٦٦

قيس ( ١١٧ - ١١٨ ) والاحتجاج (١٥٠) وبحار الأنوار ( ج ٨؛ ٢٢، ٢٧ ). وانظر قول الإمام عليّعليه‌السلام عند عمر وهو مسجّى، في ربيع الأبرار (٤١٢).

وقد ورد حديث الصحيفة في مصادر أبناء العامة على لسان أبي بن كعب، فحرّف القوم معنى الحديث ليبعدوه عن المجرمين الذين ظلموا محمّدا وآل محمّد - صلوات الله عليهم - حقّهم.

ففي الفصول المختارة من العيون والمحاسن (٩٠): سئل هشام بن الحكم عمّا ترويه العامّة من قول أمير المؤمنينعليه‌السلام لما قبض عمر - وقد دخل عليه وهو مسجّى -: « لوددت أن القى الله بصحيفة هذا المسجّى »، وفي حديث آخر لهم: « إنّي لأرجو أن ألقى الله بصحيفة هذا المسجّى »؟ فقال هشام وذلك أنّ عمر واطأ أبا بكر والمغيرة وسالما مولى أبي حذيفة وأبا عبيدة، على كتب صحيفة بينهم، يتعاقدون فيها على أنّه إذا مات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يورثوا أحدا من أهل بيته، ولم يولّوهم مقامه من بعده، فكانت الصحيفة لعمر؛ إذ كان عماد القوم، والصحيفة الّتي ودّ أمير المؤمنينعليه‌السلام ورجا أن يلقى الله بها هي هذه الصحيفة، فيخاصمه بها، ويحتج عليه بمتضمّنها، والدليل على ذلك ما روته العامّة عن أبي بن كعب، أنّه كان يقول في المسجد: « ألا هلك أهل العقدة، والله ما آسى عليهم، إنّما آسى على من يضلّون من الناس »، فقيل له: يا صاحب رسول الله، هؤلاء أهل العقد، وما عقدتهم؟ فقال: قوم تعاقدوا بينهم إن مات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يورثوا أحدا من أهل بيته، ولا يولّوهم مقامه، أما والله لئن عشت إلى يوم الجمعة لأقومنّ فيهم مقاما أبيّن به للناس أمرهم، قال: فما أتت عليه الجمعة.

انظر قول أبي بن كعب هذا وتكراره مرارا في حلية الأولياء ( ج ١؛ ٢٥٢ ) بعدة أسانيد، وشرح النهج ( ج ٢٠؛ ٢٤ ) ومسند أحمد ( ج ٥؛ ١٤٠ ) ومستدرك الحاكم ( ج ٢؛ ٢٢٦ ) و ( ج ٣؛ ٣٠٤ ) وسنن النسائي ( ج ٢؛ ٨٨ / كتاب الإمامة - الحديث ٢٣ ). وانظر المسترشد ( ٢٨ - ٢٩ ) والايضاح لابن شاذان (٣٧٣) والصراط المستقيم ( ج ٣؛ ١٥٤ ).

٥٦٧

٥٦٨

الطّرفة الثلاثون

روى هذه الطّرفة - عن كتاب الطّرف - العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٢٢؛ ٤٩٣ - ٤٩٤ ).

كان فيما أوصى به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يدفن في بيته الّذي قبض فيه

ومثل هذا المطلب ما في الطّرفة الحادية والثلاثين « قال عليّعليه‌السلام : يا رسول الله أمرتني أن أصيّرك في بيتك إن حدث بك حدث؟ قال: نعم، يا عليّ بيتي قبري ستخبر بالموضع وتراه. ».

اتّفق المسلمون على أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله دفن في بيته، في البقعة الّتي قبض فيها، وكان بعض المسلمين أراد أن يدفنه بالبقيع، فبيّن لهم عليّعليه‌السلام أنّه يدفن في بيته، لأنّ الله لم يقبضه إلاّ في أطهر البقاع، وقد حاول أعداء آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله صرف هذه الفضيلة عن عليّعليه‌السلام ، فنسبوا هذا الكلام لأبي بكر، مع أنّ النصوص قد تقدّمت عليك في أنّ أهله هم الذين تولّوا غسله وإجنانه، وأغلقوا الباب دونه، وأنّ الأوّل والثاني كانا مشغولين بغصب الخلافة في سقيفة بني ساعدة.

ففي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ١؛ ٢٣٩ ) عن الباقرعليه‌السلام : قال الناس: كيف الصلاة عليه؟ فقال عليّعليه‌السلام : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إمام حيّا وميّتا، فدخل عليه عشرة عشرة، فصلوا عليه يوم الاثنين، وليلة الثلاثاء حتّى الصباح، ويوم الثلاثاء، حتّى صلّى عليه الأقرباء والخواص، ولم يحضر أهل السقيفة.

فتبقى الروايات الدالّة على أنّ عليّاعليه‌السلام هو دافنه وغاسله، والروايات المصرّحة

٥٦٩

بأنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أوصى عليّاعليه‌السلام بدفنه في مكانه الّذي يقبض فيه، هي العمدة في الباب، وما لفّقوه من فضيلة لأبي بكر فليس لها دافع سوى البغض لعليّعليه‌السلام .

ففي الكافي ( ج ١؛ ٤٥١ ) بسنده عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام ، قال: أتى العبّاس أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقال: يا عليّ، إنّ الناس قد اجتمعوا أن يدفنوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في بقيع المصلّى، وأنّ يؤمّهم رجل منهم، فخرج أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى الناس، فقال: أيّها الناس، إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إمام حيّا وميّتا، وقال: إنّي أدفن في البقعة الّتي أقبض فيها ....

وفي كفاية الأثر ( ١٢٥ - ١٢٦ ) بسنده عن عمّار بن ياسر قال: فلمّا مات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان الفضل يناوله الماء، وجبرئيل يعاونه، فلمّا أن غسّله وكفّنه أتاه العبّاس، فقال: يا عليّ إنّ الناس قد أجمعوا أن يدفنوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالبقيع، وأن يؤمّهم رجل واحد، فخرج عليّعليه‌السلام إلى الناس، فقال: أيّها الناس، إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان إمامنا حيّا وميتا، قال: فقالوا: الأمر إليك فاصنع ما رأيت، قال: فإنّي أدفن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في البقعة الّتي قبض فيها ...

وفي الإرشاد (١٠٠): وكان المسلمون في المسجد يخوضون في من يؤمّهم في الصلاة عليه، وأين يدفن، فخرج إليهم أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وقال لهم: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إمامنا حيّا وميتا، فليدخل عليه فوج بعد فوج منكم، فيصلون عليه بغير إمام وينصرفون، وإنّ الله لم يقبض نبيا في مكان إلاّ وقد ارتضاه لرمسه فيه، وإنّي لدافنه في حجرته الّتي قبض فيها، فسلّم القوم لذلك ورضوا به.

وانظر مناقب ابن شهرآشوب ( ج ١؛ ٢٤٠ ) وكشف الغمّة ( ج ١؛ ١٩ ) وفقه الرضاعليه‌السلام (٢١) وشرح الأخبار ( ج ١؛ ١٤٠ - ١٤١ ) وإعلام الورى (٨٣) وإثبات الوصيّة (١٠٥) وينابيع المودّة ( ج ٢؛ ٩٠ ).

ويكفّن بثلاثة أثواب، أحدها يمان

اختلفت روايات أبناء العامّة في صفة كفن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اختلافا بيّنا، تبعا لاختلاف مرويّاتهم عن الصحابة، الّذين اختلفوا لعدم علمهم التامّ بصفة الكفن، بخلاف روايات أئمّة

٥٧٠

أهل البيتعليهم‌السلام - فهم أدرى بما فيه - فإنّها اتّفقت على صفة الكفن كما هو مذكور هنا، وإذا نظرت إلى طبقات ابن سعد ( ج ٢؛ ٢٨١ - ٢٨٧ ) وجدت الاختلاف في ذلك، فذكر من قال أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله كفّن في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة، ثمّ ذكر من قال أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله كفّن في ثلاثة أثواب أحدها حبرة [ وهو برد يمان ]، ثمّ ذكر من قال أنّه كفّن في ثلاثة أثواب برود، ومن قال كفّن في قميص وحلّة، ثمّ روى في آخر ذلك حديثا، فقال: أخبرنا عارم بن الفضل، أخبرنا حماد بن زيد، عن أيوب، قال أبو قلابة: ألا تعجب من اختلافهم علينا في كفن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟!

وإذا لحظت القسم الثاني، وهو الّذي يوافق مرويات الإماميّة عن أئمتهم، وجدت أنّ أغلب مروياته عن الزهريّ، وسعيد بن المسيب، عن السجاد، وعن الصادقعليهما‌السلام ، وعن ابن عبّاس، وهم أدرى بما في البيت كما تقدّم. وعلى كلّ حال فنحن نذكر بعض المرويّات والمصادر الّتي مضمونها هو ما في هذه الطّرفة.

ففي الكافي ( ج ٢؛ ٤٠ ) بسنده، قال: سئل أبو عبد اللهعليه‌السلام ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بم كفّن؟ قال: في ثلاثة أثواب، ثوبين صحاريين، وبرد حبرة.

وفي فقه الرضاعليه‌السلام (٢٠): وروي أنّ عليّاعليه‌السلام كفّنه في ثلاثة أثواب، ثوبين صحاريّين، وثوب حبرة يمانيّة.

وفي أمالي الصدوق: ٥٠٦ بسنده عن ابن عبّاس، قال: لمّا مرض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّعليه‌السلام : يا بن أبي طالب، إذا رأيت روحي قد فارقت جسدي فاغسلني، وأنق غسلي، وكفّنّي في طمريّ هذين، أو في بياض مصر وبرد يمان، ولا تغال في كفني. ورواه الفتال النيسابوريّ في روضة الواعظين (٧٢).

وفي الوفا بأحوال المصطفى (٨١١) عن ابن عبّاس، قال: لمّا غسّلوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جففوه، ثمّ صنع به كما يصنع بالميّت، ثمّ أدرج في ثلاثة: ثوبين أبيضين، وبرد حبرة.

وفي تاريخ الطبريّ ( ج ٣؛ ٢٠٤ ) عن الزهريّ، عن السجادعليه‌السلام ، قال: فلمّا فرغ من غسل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كفّن في ثلاثة أثواب: ثوبين صحاريّين وبرد حبرة، أدرج فيها إدراجا.

٥٧١

وانظر في صفة كفن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله التهذيب ( ج ١؛ ١٣٢ ) وكشف الغمّة ( ج ١؛ ١٧ ) ومروج الذهب ( ج ٢؛ ٢٩١ ).

وشرح النهج ( ج ١٣؛ ٣٨ ) وطبقات ابن سعد ( ج ٢؛ ٢٨٤ - ٢٨٥ ) وحلية الأولياء ( ج ٤؛ ٧٨ ) وسيرة ابن هشام ( ج ٤؛ ٣١٣ ) وتاريخ ابن الأثير ( ج ٢؛ ٣٣٣ ) ومسند أحمد ( ج ١؛ ٢٦٠ ) وسنن البيهقي ( ج ٣؛ ٣٨٨ ).

ولا يدخل قبره غير عليّعليه‌السلام

صحّت الروايات من طرق الفريقين، أنّ عليّاعليه‌السلام كان الأصل والقائم بأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من غسله وتكفينه ودفنه، ونزل معه في القبر الفضل بن عبّاس وقثم وشقران مولاهم، وطلب منه أوس بن خوليّ أحد الأنصار من الخزرج أن لا ينسى حظهم من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأدخله عليّعليه‌السلام ، فالمراد بهذه الرواية إذن ما مرّ من أنّ عليّا آخر الناس عهدا برسول الله، وأنّه كان هو المتولّي لأمور التغسيل والتكفين والدفن لرسول الله، والباقون كانوا تبعا له، داخلين بأمر منهعليه‌السلام ، فلا ينافي دخول بعض بأمرهعليه‌السلام أنّه لم يدخل القبر غيرهعليه‌السلام بأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حيث روى العامّة أيضا أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال قبل موته - كما في شرح النهج ( ج ١٣؛ ٣٧ ) وغيره -: « يغسّلني أهلي الأدنى منهم فالأدنى، وأكفّن في ثيابي أو في بياض مصر أو في حلّة يمانيّة »، ومعلوم أنّ عليّاعليه‌السلام كان أدناهم لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كما تقدّم.

قال ابن أبي الحديد في شرح النهج ( ج ١٣؛ ٤٠ ) بعد إيراده لروايات الغسل والكفن والدفن ومناقشتها: قلت: من تأمّل هذه الأخبار علم أنّ عليّاعليه‌السلام كان الأصل والجملة والتفصيل في أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ألا ترى أنّ أوس بن خوليّ لا يخاطب أحدا من الجماعة غيره، ولا يسأل غيره في حضور الغسل والنزول في القبر.

وقد صرّح الإمام عليّعليه‌السلام بأنّه هو والملائكة معه دفنوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال في نهج البلاغة ( ج ٢؛ ١٧٢ ): ولقد وليت غسلهصلى‌الله‌عليه‌وآله والملائكة أعواني، فضجت الدار والأفنية، ملأ يهبط وملأ يعرج، وما فارقت سمعي هينمة منهم، يصلّون عليه، حتّى واريناه في

٥٧٢

ضريحه، فمن ذا أحقّ به منّي حيّا وميّتا؟!

وقال ابن شهرآشوب ( ج ١؛ ٢٤٠ ): تاريخ الطبريّ في حديث ابن مسعود، قلنا: فمن يدخلك قبرك يا نبي الله؟ قال: أهلي، وقال الطبريّ وابن ماجة: الّذي نزل في قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام والفضل وقثم وشقران، ولهذا قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : أنا الأوّل أنا الآخر.

وفي أمالي الطوسي (٥٥٥) بسنده عن أبي ذرّ في مناشدة عليّعليه‌السلام يوم الشورى، قال: فأنشدكم بالله، هل فيكم من نزل في حفيرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله غيري؟ قالوا: اللهمّ لا. وانظر قوله هذا في مناشدة الشورى في كنز العمال ( ج ٥؛ ٤٢٩ / الحديث ٢٤٦١ ط. حيدرآباد ) ومعارج العلى (١١٦) ومناقب الخوارزمي (٢٢٥) وتاريخ دمشق ( ج ٣؛ ٨٧ / الحديث ١١٣١، ٩١ / الحديث ١١٣٢ ).

وفي اليقين (٣٩٠) عن كتاب « نهج النجاة في فضائل أمير المؤمنين والأئمّة من ذريته »، بسنده عن أنس بن مالك، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّعليه‌السلام : يا عليّ، أنت منّي وأنا منك، تغسل جسدي، وتواريني لحدي ....

وفي بشارة المصطفى (٥٨) بسنده، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال لعليّعليه‌السلام : يا عليّ أنت غاسل جثّتي، وأنت الّذي تواريني في حفرتي.

وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ١؛ ٢٣٦ - ٢٣٧ ) ومن طريقة أهل البيتعليهم‌السلام فلمّا حضرهصلى‌الله‌عليه‌وآله الموت، قال له: ضع رأسي يا عليّ في حجرك ولا تفارقني حتّى تواريني في رمسي، واستعن بالله ثمّ وجههعليه‌السلام ، ومدّ عليه إزاره، واستقبل بالنّظر في أمره. وانظر رواية الخبر في الإرشاد (١٠٠).

وفي كنز العمال ( ج ٦؛ ٣٩٣ ) بسنده عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال لعليّعليه‌السلام : وأنت عاضدي وغاسلي ودافني. وهو في معارج العلى (١٢٢).

وفي تاريخ دمشق ( ج ٢؛ ٤٨٧ / الحديث ١٠٠٦ ) بإسناده عن أنس بن مالك، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام : أنت تغسّلني، وتواريني في لحدي، وتبيّن لهم بعدي.

٥٧٣

وروى الوصابي في أسنى المطالب ( ٧٢ / الحديث ٩ ) في الباب الحادي عشر، بإسناده عن ابن عبّاس، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عليّ، إنّك مخاصم لهم، أنت أوّل المؤمنين إيمانا، وأعلمهم بأيّام الله، وأوفاهم بعهده، وأقسمهم بالسويّة، وأرأفهم بالرعيّة، وأعظمهم عند الله مزيّة، وأنت عاضدي وغاسلي ودافني ....

ويدلّ عليه أيضا ما مرّ من أنّه آخر الناس عهدا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ لأنّه هو الّذي واراه في حفرته، حتّى قال أحد الشعراء من الصحابة:(١)

ما كنت أحسب أنّ الأمر منصرف

عن هاشم ثمّ منها عن أبي حسن

أليس أوّل من صلّى لقبلتكم

وأعلم الناس بالأحكام والسنن

وآخر الناس عهدا بالنبي ومن

جبريل عون له في الغسل والكفن

وفي الإرشاد (١٠١): ودخل أمير المؤمنينعليه‌السلام ، والعبّاس بن عبد المطلب، والفضل ابن العبّاس، وأسامة بن زيد، ليتولّوا دفن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فنادت الأنصار من وراء البيت: يا عليّ، إنّا نذكرك الله وحقّنا اليوم من رسول الله أن يذهب، أدخل منّا رجلا يكون لنا به حظّ من مواراة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالعليه‌السلام : ليدخل أوس بن خوليّ - وكان بدريا فاضلا من بني عوف من الخزرج - فلمّا دخل قال له عليّعليه‌السلام : انزل القبر، فنزل، ووضع أمير المؤمنينعليه‌السلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على يديه ودلاّه في حفرته، فلمّا حصل في الأرض، قال له: اخرج، فخرج، ونزل عليّعليه‌السلام القبر، فكشف عن وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ووضع خدّه على الأرض موجّها إلى القبلة عن يمينه، ثمّ وضع عليه اللبن، وأهال عليه التراب. وروى مثله الطبرسي في إعلام الورى (٨٤).

وانظر دفن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وتولّي عليّعليه‌السلام لذلك، وأنّ الباقين كانوا تبعا له يأتمرون

__________________

(١) نسبه سليم في كتابه: ٧٨، والأربلي في كشف الغمّة ( ج ١؛ ٦٧ إلى العباس، ونسبه اليعقوبي في تاريخه ( ج ٢؛ ١٢٤ ) إلى عتبة بن أبي لهب، ونسبه المفيد في الجمل: (١١٨) إلى عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وفي الإرشاد: (٢٢) إلى خزيمة بن ثابت، ونسبه الشريف المرتضى في الفصول المختارة: (٢١٦) إلى ربيعة بن الحارث، ونسبه الكراجكي في كنز الفوائد ( ج ١؛ ٢٦٧ ) إلى سفيان بن الحارث بن عبد المطلب.

٥٧٤

بأمره وينتهون لنهيه، في طبقات ابن سعد ( ج ٢؛ ٣٠٠ - ٣٠٢ ) والطبريّ ( ج ٣؛ ٢٠٥ ) ومروج الذهب ( ج ٢؛ ٢٩١ ) وتاريخ ابن الأثير ( ج ٢؛ ٣٣٣ ) والبداية والنهاية ( ج ٥؛ ٢٩٠ ) وسيرة ابن هشام ( ج ٤؛ ٣١٤ - ٣١٥ ) وينابيع المودّة ( ج ٢؛ ٩٠ ) وكشف الغمّة ( ج ١؛ ١٩ ) والعقد الفريد ( ج ٥؛ ٨، ٩ ).

يا عليّ كن أنت وابنتي فاطمة والحسن والحسين، وكبّروا خمسا وسبعين تكبيرة، وكبّر خمسا وانصرف جبرئيل مؤذنك ثمّ من جاءك من أهل بيتي؛ يصلّون عليّ فوجا فوجا، ثمّ نساؤهم، ثمّ الناس بعد ذلك

في كتاب سليم بن قيس (٧٩) عن أبان بن أبي عيّاش، عن سليم بن قيس، قال: سمعت سلمان الفارسي، قال: فأتيت عليّاعليه‌السلام وهو يغسّل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد كان رسول الله أوصى عليّاعليه‌السلام أن لا يلي غسله غيره فلمّا غسّله وحنّطه وكفّنه أدخلني، وأدخل أبا ذرّ والمقداد وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام ، فتقدّم عليّعليه‌السلام وصفّنا خلفه، وصلّى عليه - وعائشة في الحجرة لا تعلم قد أخذ الله ببصرها - ثمّ أدخل عشرة من المهاجرين وعشرة من الأنصار، فكانوا يدخلون ويدعون ويخرجون، حتّى لم يبق أحد شهد من المهاجرين والأنصار إلاّ صلّى عليه. وانظر رواية هذه الصلاة في الاحتجاج (٨٠).

وفي كشف الغمّة ( ج ١؛ ١٧ ): من كتاب أبي إسحاق الثعلبي، قال: فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : مهلا عفا الله عنكم، إذا غسّلت وكفّنت فضعوني على سريري في بيتي هذا على شفير قبري، ثمّ اخرجوا عنّي ساعة، فإنّ الله تبارك وتعالى أوّل من يصلّي عليّ، ثمّ يأذن للملائكة في الصلاة عليّ، فأوّل من ينزل جبرئيل، ثمّ إسرافيل، ثمّ ميكائيل، ثمّ ملك الموت في جنود كثيرة من الملائكة بأجمعها، ثمّ ادخلوا عليّ زمرة زمرة، فصلّوا عليّ وسلّموا تسليما وليبدأ بالصلاة عليّ الأدنى فالأدنى من أهل بيتي، ثمّ النساء، ثمّ الصبيان زمرا.

وفي أمالي الصدوق (٥٠٦) بسنده عن ابن عبّاس: ثمّ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام : يا بن أبي طالب، إذا رأيت روحي قد فارقت جسدي فاغسلني، وأنق غسلي، وكفّنّي في طمريّ

٥٧٥

هذين، أو في بياض مصر وبرد يمان، ولا تغال في كفني، واحملوني حتّى تضعوني على شفير قبري، فأوّل من يصلّى عليّ الجبّار جلّ جلاله من فوق عرشه، ثمّ جبرئيل وميكائيل وإسرافيل في جنود من الملائكة لا يحصي عددهم إلاّ الله عزّ وجلّ، ثمّ الحافّون بالعرش، ثمّ سكّان أهل سماء فسماء، ثمّ جلّ أهل بيتي ونسائي؛ الأقربون فالأقربون، يومئون إيماء ويسلّمون تسليما ورواه الفتّال النيسابوريّ في روضة الواعظين (٧٢).

وفي أمالي المفيد ( ٣١ - ٣٢ ) بسنده عن الباقرعليه‌السلام ، قال: لمّا فرغ أمير المؤمنينعليه‌السلام من تغسيل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وتكفينه وتحنيطه، أذن للناس، وقال: ليدخل منكم عشرة عشرة ليصلّوا عليه، فدخلوا، وقام أمير المؤمنين بينه وبينهم، وقال:( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (١) ، وكان الناس يقولون كما يقول، قال أبو جعفرعليه‌السلام : وهكذا كانت الصلاة عليه.

وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ١؛ ٢٣٩ ): قال أبو جعفرعليه‌السلام : قال الناس: كيف الصلاة عليه؟ فقال عليّعليه‌السلام : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إمام حيّا وميّتا، فدخل عليه عشرة عشرة، فصلّوا عليه يوم الإثنين، وليلة الثلاثاء حتّى الصباح، ويوم الثلاثاء، حتّى صلّى عليه الأقرباء والخواص، ولم يحضر أهل السقيفة، وكان عليّعليه‌السلام أنفذ إليهم بريدة، وإنّما تمت بيعتهم بعد دفنه، وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: إنّما نزلت هذه الآية في الصلاة عليّ بعد قبض الله لي( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (٢) .

وسئل الباقرعليه‌السلام : كيف كانت الصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فقال: لمّا غسّله أمير المؤمنينعليه‌السلام وكفّنه سجّاه، وأدخل عليه عشرة عشرة، فداروا حوله، ثمّ وقف أمير المؤمنين في وسطهم، فقال:( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ) (٣) فيقول القوم مثل ما يقول، حتّى

__________________

(١) الأحزاب؛ ٥٦

(٢) الأحزاب؛ ٥٦

(٣) الأحزاب؛ ٥٦

٥٧٦

صلّى عليه أهل المدينة وأهل العوالي.

وفيه أيضا ( ج ١؛ ٢٣٦ - ٢٣٧ ): ومن طريقة أهل البيتعليهم‌السلام ثمّ جذبصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاعليه‌السلام تحت ثوبه، ووضع فاه على فيه، وجعل يناجيه، فلمّا حضره الموت قال له: ضع رأسي يا عليّ في حجرك؛ فقد جاء أمر الله، فإذا فاضت نفسي فتناولها بيديك وامسح بها وجهك، ثمّ وجّهني إلى القبلة، وتولّ أمري، وصلّ عليّ أوّل الناس وانظر هذا الخبر برواية أتم في الإرشاد (١٠٠).

وفي إعلام الورى (٨٣): فلمّا فرغعليه‌السلام من غسلهصلى‌الله‌عليه‌وآله وتجهيزه، تقدّم فصلّى عليه، قال أبان: وحدّثني أبو مريم، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: قال الناس: كيف الصلاة عليه؟ فقال عليّعليه‌السلام : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إمامنا حيّا وميّتا، فدخل عليه عشرة عشرة، فصلّوا عليه يوم الإثنين، وليلة الثلاثاء حتّى الصباح، ويوم الثلاثاء، حتّى صلّى عليه صغيرهم وكبيرهم، وذكرهم وأنثاهم، وضواحي المدينة، بغير إمام.

وفي الإرشاد (١٠٠): فلمّا فرغعليه‌السلام من غسله وتجهيزهصلى‌الله‌عليه‌وآله تقدّم فصلّى عليه وحده، ولم يشركه معه أحد في الصلاة عليه، وكان المسلمون في المسجد يخوضون في من يؤمهم في الصلاة عليه وأين يدفن، فخرج إليهم أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وقال لهم: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إمامنا حيّا وميّتا، فليدخل عليه فوج بعد فوج منكم، فيصلّون عليه بغير إمام وينصرفون.

وفي كفاية الأثر ( ١٢٥ - ١٢٦ ) بسنده عن عمّار بن ياسر، قال: لمّا حضرت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الوفاة دعا بعلي قال: فلمّا مات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان الفضل يناوله الماء، وجبرئيل يعاونه، فلمّا أن غسّله وكفّنه أتاه العبّاس، فقال: يا عليّ، إنّ الناس قد أجممعوا أن يدفنوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالبقيع، وأن يؤمّهم رجل واحد، فخرج عليّعليه‌السلام إلى الناس، فقال: أيّها الناس، إنّ رسول الله كان إمامنا حيّا وميّتا فقالوا: الأمر إليك فاصنع ما رأيت، قال: فإنّي أدفن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في البقعة الّتي قبض فيها، قال: ثمّ قامعليه‌السلام على الباب فصلّى عليه، وأمر الناس عشرا عشرا؛ يصلّون عليه ثمّ يخرجون. وروى قريبا منه الكليني في الكافي ( ج ١؛ ٤٥١ ) بسنده عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام .

٥٧٧

وفي الكافي ( ج ١؛ ٤٥١ ) بسنده عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام ، قال: لمّا قبض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله صلّت عليه الملائكة، والمهاجرون والأنصار فوجا فوجا، قال: وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول في صحّته وسلامته: إنّما أنزلت هذه الآية عليّ في الصلاة عليّ بعد قبض الله لي( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (١) .

وقال العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٢٢؛ ٥٤١ ) بعد نقله لروايات متعدّدة في كيفية الصلاة على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

بيان : يظهر من مجموع ما مرّ في الأخبار في الصلاة عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ الصلاة الحقيقيّة هي الّتي كان أمير المؤمنينعليه‌السلام صلاّها أوّلا مع الستّة المذكورين في خبر سليم، ولم يدخل في ذلك سوى الخواص من أهل بيته وأصحابه - لئلاّ يتقدّم أحد من لصوص الخلافة في الصلاة، أو يحضر أحد من هؤلاء المنافقين فيها - ثمّ كانعليه‌السلام يدخل عشرة عشرة من الصحابة، فيقرأ الآية، ويدعون ويخرجون من غير صلاة.

وسيأتيك في الطّرفة القادمة المزيد، عند ذكر أنّ عليّاعليه‌السلام أخبر بمكان دفن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّ الملائكة كانت معه في الغسل والصلاة والدفن.

هذا، ولا بدّ من التنبيه إلى أن روايات العامّة ذكرت تغسيل عليّعليه‌السلام للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ودفنه له، وذكرت كيفيّة الصلاة عليه، لكنّها أغفلت أو تغافلت عن ذكر صلاة عليّعليه‌السلام بالخصوص عليه، وأنّ صلاته كانت هي الصلاة الّتي أمر الله ورسوله بها، وعلى كلّ حال فنحن نذكر هنا بعض النصوص منهم في ذلك ونشير إلى مواضع البعض الآخر منها، وستتبيّن مواضع التحريف والتغيير في رواياتهم؛

ففي حلية الأولياء ( ج ٤؛ ٧٨ ) بسنده عن جابر بن عبد الله وابن عبّاس، في حديث طويل في وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيه قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فإذا أنتم وضعتموني على السرير فضعوني

__________________

(١) الأحزاب؛ ٥٦

٥٧٨

في المسجد، واخرجوا عنّي، فإنّ أوّل من يصلّي عليّ الربّ عزّ وجلّ من فوق عرشه، ثمّ جبرئيل، ثمّ ميكائيل، ثمّ إسرافيل، ثمّ الملائكة زمرا زمرا، ثمّ ادخلوا فقوموا صفوفا صفوفا، لا يتقدّم عليّ أحد فقبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فغسّله عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وابن عبّاس يصبّ عليه الماء، وجبرئيل معهما، وكفّن بثلاثة أثواب جدد، وحمل على السرير، ثمّ أدخلوه المسجد، ووضعوه في المسجد، وخرج الناس عنه، فأوّل من صلّى عليه الربّ من فوق عرشه، ثمّ جبرئيل، ثمّ ميكائيل، ثمّ إسرافيل، ثمّ الملائكة زمرا زمرا، قال عليّعليه‌السلام : ولقد سمعنا في المسجد همهمة ولم نر لهم شخصا، فسمعنا هاتفا يهتف وهو يقول: ادخلوا رحمكم الله، فصلّوا على نبيّكم، فدخلنا، فقمنا صفوفا كما أمرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكبرنا بتكبير جبرئيل، وصلينا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بصلاة جبرئيل، ما تقدّم منّا أحد على رسول الله.

وفي المستدرك على الصحيحين ( ج ٣؛ ٦٠ ) بسنده عن عبد الله بن مسعود، قال: لما ثقل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قلنا: من يصلّي عليك يا رسول الله؟ فبكى وبكينا، وقال: مهلا، غفر الله لكم وجزاكم عن نبيّكم خيرا، إذا غسّلتموني وحنّطتموني وكفّنتموني فضعوني على شفير قبري، ثمّ اخرجوا عنّي ساعة، فإنّ أوّل من يصلّي عليّ خليلي وجليسي جبرئيل، وميكائيل، ثمّ إسرافيل، ثمّ ملك الموت مع جنود من الملائكة، ثمّ ليبدا بالصلاة عليّ رجال أهل بيتي، ثمّ نساؤهم، ثمّ ادخلوا أفواجا أفواجا وفرادى ...

وفي طبقات ابن سعد ( ج ٢؛ ٢٩١ ) بسنده عن محمّد بن عمر، قال: أوّل من دخل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بنو هاشم، ثمّ المهاجرون، ثمّ الأنصار، ثمّ الناس حتّى فرغوا، ثمّ النساء، ثمّ الصبيان.

وفيه أيضا ( ج ٢؛ ٢٩١ ): أخبرنا محمّد بن عمر، حدّثني عبد الله بن محمّد بن عمر بن عليّ ابن أبي طالب، عن أبيه، عن جدّه عليّعليه‌السلام ، قال: لما وضع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على السرير، قال عليّعليه‌السلام : لا يقوم عليه أحد لعلّه يؤمّ، هو إمامكم حيّا وميّتا، فكان يدخل الناس رسلا رسلا، فيصلّون عليه صفا صفا ليس لهم إمام، ويكبرون وعليّ قائم بحيال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يقول: سلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته، اللهمّ إنّا نشهد أن قد بلّغ ما أنزل إليه،

٥٧٩

ونصح لأمّته، وجاهد في سبيل الله، حتّى أعزّ الله دينه وتمّت كلمته، اللهمّ فاجعلنا ممّن يتّبع ما أنزل الله إليه، وثبّتنا بعده، واجمع بيننا وبينه، فيقول الناس: آمين آمين، حتّى صلّى عليه الرجال، ثمّ النساء، ثمّ الصبيان.

وانظر كيفيّة الصلاة عليه في طبقات ابن سعد ( ج ٢؛ ٢٨٨ - ٢٩٢ ) والوفا بأحوال المصطفى ( ٨١١ - ٨١٢ ) وتاريخ الطبريّ ( ج ٣؛ ٢٠٥ ) وتاريخ ابن الأثير ( ج ٢؛ ٣٣٣ ) والعقد الفريد ( ج ٥؛ ٨ ) وشرح النهج ( ج ١٣؛ ٣٩ ) والبداية والنهاية ( ج ٥؛ ٢٨٥ - ٢٨٦، ٢٩١ ).

ويبقى أن نشير إلى أنّ الواجب في الصلاة على الميّت هي التكبيرات الخمس، وأنّ التكبيرات الأربع إنّما كانت للصلاة على المنافقين فقط، إذ كانصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا صلّى على أحدهم نقص من الصلاة التكبيرة الّتي فيها الدعاء للميّت، فتبقي أربع تكبيرات، انظر في ذلك ما في علل الشرائع (٣٠٣).

وقد انعقد إجماع الطائفة الإماميّة تبعا لأئمّة أهل البيتعليهم‌السلام على التكبيرات الخمس.

قال الشيخ الطوسي في الخلاف ( ج ١؛ ٧٢٤ / المسألة رقم ٥٤٣ ): دليلنا إجماع الفرقة.

وقال العلاّمة في تذكرة الفقهاء ( ج ٢؛ ٦٨ ): إذا نوى المصلّي، كبر خمسا، بينها أربعة أدعية، ذهب إليه علماؤنا أجمع.

وقال العاملي في مدارك الأحكام ( ج ٤؛ ١٦٤ ): وهي خمس تكبيرات، هذا قول علمائنا أجمع.

وانظر نقل الإجماع في الروضة البهيّة ( ج ١؛ ١٣٨ ) والانتصار (٥٩) والسرائر ( ج ١؛ ٣٥٧ ) والمعتبر ( ج ٢؛ ٣٤٩ ) والبيان (٧٦) وجامع المقاصد ( ج ١؛ ٤٢٢ ).

فالتكبيرات الخمس والسبعون الأخرى يظهر أنّها بعدد صفوف الملائكة المقرّبين، ففي الصراط المستقيم ( ج ٢؛ ٤٣ ) قال: فلمّا قبض آدم أوحى الله إلى هبة الله أن « صلّ عليه وكبر خمسا »، فصلّى وكبر، فجرت السنّة، وكبر سبعين أخرى سنّة بعدد صفوف الملائكة، كلّهم لمن صلّى خلفه.

٥٨٠