طرف من الأنباء والمناقب

طرف من الأنباء والمناقب9%

طرف من الأنباء والمناقب مؤلف:
المحقق: الشيخ قيس العطّار
الناشر: انتشارات تاسوعاء
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 653

طرف من الأنباء والمناقب
  • البداية
  • السابق
  • 653 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 210935 / تحميل: 6566
الحجم الحجم الحجم
طرف من الأنباء والمناقب

طرف من الأنباء والمناقب

مؤلف:
الناشر: انتشارات تاسوعاء
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

٥٠

يحل لعليعليه‌السلام في المسجد ما يحل لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

سليم عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: خرج علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وفي يده عسيب(١) رَطب ونحن في مسجده، فجعل يضربنا ويقول: لا ترقدوا في المسجد.

قال جابر: فخرجنا وأراد عليعليه‌السلام أن يخرج معنا، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أين تخرج يا أخي؟! إنه يحل لك في المسجد ما يحل لي. أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إن الله أمر موسى أن يبني مسجداً طاهراً طيباً لا يسكنه معه إلا هو وابناه شبر وشبير.

عليعليه‌السلام الذائد عن الحوض يوم القيامة

يا أخي، والذي نفسي بيده إنك لَلذائد عن حوضي بيدك كما يذود الرجل عن إبله الإبل الجربة، كأني أنظر إلى مقامك من حوضي معك عصى من عوسج.(٢)

____________________

١. العسيب: جريدة من النخل كُشِط خوصها.

٢. العوسج: شجيرة من فصيلة الباذنجانيات، أغصانه شائكة وأزهاره مختلفة الألوان.

٤٠١

٥١

يحل مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأهل بيته فقط

سليم بن قيس قال: سمعت أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول: كأني أنظر إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بصحن مسجده يقول:

«ألا إنه لا يحل مسجدي لجنب ولا لحائض غيري وغير أخي وغير ابنتي ونسائي وخدمي وحشمي. ألا هل سمعتم؟ ألا هل بيَّنت لكم؟ ألا لا تضلوا»، ينادي بذلك نداءً.

٤٠٢

٥٢

عليعليه‌السلام صديق الأمة وفاروقها

وذكر سليم بن قيس أنه جلس إلى سلمان وأبي ذر والمقداد في إمارة عمر بن الخطاب، فجاء رجل من أهل الكوفة فجلس إليهم مسترشداً. فقالوا له: عليك بكتاب الله فألزِمه، وعلي بن أبي طالب فإنه مع الكتاب لا يفارقه.

وإنا نشهد أنا سمعنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «إن علياً مع القرآن والحق، حيثما دارَ دارَ.(١) إنه أول من آمن بالله وأول من يُصافحني يوم القيامة من أمتي،وهو الصديق الأكبر والفاروق بين الحق والباطل ، وهو وصيي ووزيري وخليفتي في أمتي ويقاتل على سنتي».

أبو بكر وعمر انتحلا اسم غيرهما!

فقال لهم الرجل: فما بال الناس يسمون أبا بكر الصديق وعمر الفاروق؟

فقالوا له(٢) :نحلهما الناس اسم غيرهما (٣) كما نحلوهما خلافة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وإمرة المؤمنين ،

____________________

١. هكذا في النسخ بصيغة المفرد.

٢. من هنا إلى آخر الحديث في «الفضائل» هكذا:

فقالوا له: الناس تجهل حق عليعليه‌السلام . كما جهل خلافة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جهلا حق أمير المؤمنينعليه‌السلام . وما هما لهما باسم لأنهما اسم غيرهما. والله إن علياً هو الصديق الأكبر والفاروق الأزهر، والله إن علياً لخليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وإنه أمير المؤمنين أمرنا وأمرهم به رسول الله فسلمنا إليه - جميعاً وهما معاً - بإمرة المؤمنين والفاروق الأزهر وأنه الصديق الأكبر.

٣. أورد الكاندهلوي في حياة الصحابة: ج ٢ ص ٢٢ عن ابن شهاب قال: بلغنا أن أول من قال لعمر «الفاروق» أهل الكتاب.

٤٠٣

وما هو لهما باسم لأنه اسم غيرهما. إن علياً لخليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين. لقد أمرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمرهما معنا فسلَّمنا على عليعليه‌السلام بإمرة المؤمنين.(١)

____________________

١. ورد هذا الحديث في الإحتجاج للطبرسي بتفاوت كثير. ولذا نورد ما في الإحتجاج هيهنا:

قال سليم بن قيس: جلست إلى سلمان وأبي ذر والمقداد، فجاء رجل من أهل الكوفة فجلس إليهم مسترشداً، فقال له سلمان: عليك بكتاب الله فألزمه وعلي بن أبي طالبعليه‌السلام فإنه مع القرآن لا يفارقه، فإنا نشهد أنا سمعنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: إن علياً يدور مع الحق حيث دار، وإن علياً هو الصديق والفاروق، يفرق بين الحق والباطل.

قال: فما بال القوم يسمون أبا بكر الصديق وعمر الفاروق؟

قال: نحلهما الناس اسم غيرهما كما نحلوهما خلافة رسول الله وإمرة المؤمنين. لقد أمرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمرهما معنا فسلمنا جميعاً على علي بن أبي طالبعليه‌السلام بإمرة المؤمنين.

٤٠٤

٥٣

الدافع لحرب الجمل وصفين عند عليعليه‌السلام

سليم قال: سمعت علياًعليه‌السلام يقول يوم الجمل ويوم الصفين:

إني نظرت فلم أجد إلا الكفر بالله والجحود بما أنزل الله تعالى، أو الجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فاخترت الجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، على الكفر بالله والجحود بما أنزل الله ومعالجة الأغلال في نار جهنم، إذا وجدت أعواناً على ذلك.

إني لم أزل مظلوماً منذ قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلو وجدت قبل اليوم أعواناً على إحياء الكتاب والسنةكما وجدتهم اليوم لقاتلت ولم يسعني الجلوس.

٤٠٥

٥٤

أهل البيتعليهم‌السلام الشهداء على الناس

يحذر على الدين من ثلاثة رجال

سليم بن قيس قال: سمعت علي بن أبي طالبعليه‌السلام يقول: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

احذروا على دينكمثلاثة رجال : رجل قرأ القرآن حتى إذا رآى عليه بهجته كأنَّ رداء للإيمان غيَّره إلى ما شاء الله، اخترط سيفه على أخيه المسلم ورماه بالشرك.

قلت: يا رسول الله، أيهما أولى بالشرك؟ قال: الرامي به منهما.

ورجل استخفَّته الأحاديث، كلما انقطعت أحدوثة كَذِب مثلها أطول منها. إن يدرك الدجال يتبعه.

ورجل آتاه الله عز وجل سلطاناً فزعم أن طاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله، وكذب، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، لا طاعة لمن عصى الله.

العصمة هي المناط في طاعة النبي والأئمةعليهم‌السلام

إنما الطاعة لله ولرسوله ولولاة الأمر الذين قرنهم الله بنفسه ونبيه فقال:( أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ) (١) ، لأن الله إنما أمر بطاعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأنهمعصوم مطهرٌ لا يأمر بمعصية الله، وإنما أمر بطاعة أولي الأمر لأنهممعصومون مطهرون لا يأمرون بمعصية الله.

____________________

١. سورة النساء: الآية ٥٩.

٤٠٦

طريق أهل البيتعليهم‌السلام ينجي من الضلال

قال: ثم أقبل عليَّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام - حين فرغ من حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - فقال: لا بد من رحى ضلالة، فإذا قامت طحنت وإن لطحنها روقاً وإن روقها حدَّتها وعلى الله فلُّها.

إن أبرار عترتي وطيِّب أُرومتي أحلم الناس صغاراً وأعلمهم كباراً. ألا وبنا يفرِّج الله الضيِّق والزمان الكلب، وعلى أيدينا يغيِّر الكذب.

ألا وإنا أهل بيت من حكم الله حكمنا وقول صادق سمعنا، فإن تتبعوا سبيلنا وتسلكوا طريقنا وآثارنا تهتدوا ببصائرنا، وإن تخالفونا تهلكوا، وإن تقتدوا بنا تجدونا على الكتاب أمامكم،وإن تخالفونا لم تضروا بذلك إلا أنفسكم .

إن الله يسأل الشهداء من أهل البيتعليهم‌السلام عن أهل زمانهم

إن الله سائل أهل كل زمان ويُدعى الشهداء عليهم في زمانهم منا،فمن صدق صدقناه ومن كذب كذبناه .(١) إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هو المنذر الهادي الرسول إلى الجن والأنس إلى يوم القيامة، لا نبي بعده ولا رسول، ولا ينزل بعد القرآن كتاباً.

ولكل أهل زمان هاد ودليل وإمام يهديهم ويدلُّهم ويرشدهم إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم؛ كلما مضى هاد خلَّف آخر مثله. هم مع الكتاب والكتاب معهم لا يفارقونه ولا يفارقهم حتى يردوا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حوضه.

____________________

١. يمكن قراءة هذه الفقرة بالتشديد هكذا: فمن صدَّق صدَّقناه ومن كذَّب كذَّبناه.

٤٠٧

إنا أهل بيت دعا الله لنا أبونا إبراهيمعليه‌السلام فقال: «فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم»(١) ، فإيانا عنى الله بذلك خاصة.

ونحن الذين عنى الله: «يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون» إلى آخر السورة(٢) ، فرسول الله الشاهد علينا ونحن شهداء الله على خلقه وحججه في أرضه.

ونحن الذين عنى الله بقوله: «وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس» إلى آخر الآية.(٣) فلكل زمان منا إمام شاهد على أهل زمانه.(٤)

____________________

١. سورة إبراهيم: الآية ٣٧.

٢. سورة الحج: الآيتان ٧٧ و ٧٨. والآية الثانية هكذا: «وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير».

٣. سورة البقرة: الآية ١٤٣، وتمام الآية هكذا: «... ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم».

٤. ورد الحديث في خصال الصدوق بصورة أخصر وبتفاوت، وهذا نص ما في الخصال:

سليم بن قيس قال: سمعت علي بن أبي طالبعليه‌السلام يقول: احذروا على دينكم ثلاثة رجال: رجلاً قرأ القرآن حتى إذا رأيت عليه بهجته اخترط سيفه على جاره ورماه بالشرك. قلت: يا أمير المؤمنين، أيهما أولى بالشرك؟ قال: الرامي.

ورجلاً استخفَّته الأحاديث، كلما حدث أحدوثةَ كذبٍ مدها بأطول منها.

ورجلاً آتاه الله عز وجل سلطاناً فزعم أن طاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله، وكذب لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. لا ينبغي للمخلوق أن يكون حبه لمعصية الله، فلا طاعة في معصيته ولا طاعة لمن عصى الله، إنما الطاعة لله ولرسوله ولولاة الأمر. إنما أمر الله عز وجل بطاعة الرسول لأنه معصوم مطهر لا يأمر بمعصيته وإنما أمر بطاعة أولي الأمر لأنهم معصومون مطهرون لا يأمرون بمعصيته.

٤٠٨

٥٥

اعترافات سعد بن أبي وقاص بشأن أمير المؤمنينعليه‌السلام

قال سليم بن قيس: لقيت سعد بن أبي وقاص وقلت له: إني سمعت علياًعليه‌السلام يقول: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «اتقوا فتنة الأُخَيْنِس (١) ،اتقوا فتنة سعد ، فإنه يدعو إلى خذلان الحق وأهله». فقال سعد: اللهمَّ إني أعوذ بك أن أبغض علياً أو يبغضني، أو أقاتل علياً أو يقاتلني، أو أعادي علياً أو يعاديني.

فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام على لسان سعد

إن علياً كانت له خصال لم تكن لأحد من الناس مثلها:

إنه صاحب براءة حين قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنه لا يبلغ عني إلا رجل مني».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله له يوم غزاة تبوك: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير النبوة، فإنه لا نبي بعدي».

وأمرصلى‌الله‌عليه‌وآله بسد كل باب شارع إلى المسجد غير بابه؛ فجهد عمر أن يرخص له في كوة صغيرة قدر عينه فأبى ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال عند ذلك حمزة والعباس وجعفر: «سددت أبوابنا وتركت باب علي»؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ما أنا سددتها ولا فتحت بابه، ولكن الله سدها وفتح بابه ».

وآخى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بين كل رجلين من أصحابه، فقالعليه‌السلام له: آخيت بين كل رجلين من أصحابك وتركتني؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنت أخي وأنا أخوك في الدنيا والآخرة».

____________________

١. «ج» خ ل: الأخنس، بمعنى المتأخر والمتنحي.

٤٠٩

غزوة خيبر على لسان سعد

وقال في يوم خيبر حين انهزم أبو بكر وعمر فغضب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال: «ما بال أقوام يلقون المشركين ثم يفرون؟ لأدفعنَّ الراية غداً إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، ليس بجبان ولا فرار ولا يرجع حتى يفتح الله على يديه خيبراً».

فلما أصبحنا اجتمعنا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأريت رسول الله وجهي(١) فقال: «أين أخي، ادعوا لي علياً». فأتوه به، فإذا هو رَمِدٌ يقاد من رَمَده وعليه إزار وغبار الدقيق عليه وكان يطحن لأهله. فأمره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فوضع رأسه في حجره وتفل في عينيه. ثم عقد له ودعا له، فما انثنى حتى فتح الله له وأتاه بصفية بنت حُيي بن أخطب، فأعتقها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم تزوجها وجعل عتقها صداقها.

واقعة الغدير على لسان سعد

وأعظم من ذلك - يا أخا بني هلال(٢) -يوم غدير خم ، أخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيده- وأنا أنظر إليه - رافعاً عضديه فقال: «ألست أولى بكم من أنفسكم»؟ فقالوا: بلى. قال: «فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهمَّ وال من والاه وعاد من عاداه. ليبلغ الشاهد الغائب».

محاولة سعد بن أبي وقاص تبرير نفاقه

قال سليم: وأقبل عليَّ سعد فقال: إنما شككت ولست بقاتل نفسي! إن كان سبقني إلى فضل غبت عنه إني لم أزعم أني مخطئ ولا مسىء، بل هو على الحق.

____________________

١. قائل هذا الكلام سعد بن أبي وقاص.

٢. المخاطَب به سليم بن قيس الهلالي.

٤١٠

٥٦

المهاجرون والأنصار لم يواجهوا علياًعليه‌السلام في حروبه

قال: وذكر سليم: أنه لم يكن معطلحة والزبير رجل واحد من المهاجرين والأنصار، ولا معمعاوية رجل من المهاجرين والأنصار، ولا معالخوارج يوم النهروان أحد من المهاجرين والأنصار.

سعد يخبر عن رئيس الخوارج

قال: وسمعت سعداً وذكرالمخدج ، قال: فقال عليعليه‌السلام : قُتل شيطان الوهدة. قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «أُمُّه أمَةٌ لبني سليم وأبوه شيطان»!

٤١١

٥٧

ندامة الثلاثة المتخلفين عن عليعليه‌السلام

قال سليم بن قيس: وجلست يوماً إلى محمد بن مسلمة وسعد بن مالك وعبد الله بن عمر(١) ، فسمعتهم يقولون:لقد تخوَّفنا أن نكون قد هلكنا بتخلفنا عن نصرة علي وعن قتالنا معه الفئة الباغية.

فقلت: اللهمَّ إني قد سمعت علياًعليه‌السلام يقول: «أمرني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين».

قال: فبكوا، ثم قالوا: صدق عليعليه‌السلام وبرَّ، ما قال على الله ولا على رسوله قط إلا الحق.فنستغفر الله من تخلفنا عنه وخذلاننا إياه .

____________________

١. هؤلاء الثلاثة هم الذين تخلفوا عن بيعة أمير المؤمنينعليه‌السلام والمسير معه إلى القتال. روى نصر بن مزاحم في كتاب صفين: ص ٦٥ عن خفاف بن عبد الله قال: ثم تهيأ عليعليه‌السلام للمسير إلى البصرة وخفَّ معه المهاجرون والأنصار؛ وكره القتال معه ثلاثة نفر: سعد بن مالك (وهو ابن أبي وقاص) وعبد الله بن عمر ومحمد بن مسلمة.

وروى ابن أبي الحديد أن محمد بن مسلمة كان معهم (يوم بيعة أبي بكر) وأنه هو الذي كسر سيف الزبير. راجع البحار: ج ٨ طبع قديم ص ٥٩.

٤١٢

٥٨

احتجاجات أبان على الحسن البصري

التبرك بتراب أقدام أمير المؤمنينعليه‌السلام

سليم بن قيس، قال: سمعت سلمان يقول: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام :

«لولا أن تقول طوائف من أمتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت فيك مقالة تتبع أمتي آثار قدميك في التراب فيقبلونه ».(١)

فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام على لسان الحسن البصري

قال أبان: فحدثت الحسن بن أبي الحسن - وهو في بيت أبي خليفة(٢) - بهذا الحديث عن سليم عن سلمان. فقال الحسن: «والله لقد سمعت في علي حديثين ما حدثت بهما

____________________

١. ورد هذا الحديث في «ج» خ ل هكذا: سليم قال: سمعت سلمان يقول: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعليعليه‌السلام : «لولا أن تقول أمتي فيك ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت فيك مقالة تتبع أمتي آثار قدميك في التراب فيقبلونه».

روي في البحار: ج ٦٨ ص ١٣٧ بإسناده عن جابر قال: لما قدم عليعليه‌السلام على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بفتح خيبر قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لولا أن يقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى للمسيح عيسى بن مريم لقلت اليوم فيك مقالاً لا تمر بملأ إلا أخذوا التراب من تحت رجليك ومن فضل طهورك يستشفون به...».

وقد قالصلى‌الله‌عليه‌وآله مثل ذلك بشأن عليعليه‌السلام في غزوة ذات السلاسل كما في البحار: ج ٢١ ص ٧٩.

٢. أبو خليفة الحجاج بن أبي عتاب الديلمي العبدي البصري هو الذي آوى إليه عدد ممن هرب من ظلم الحجاج الثقفي.

٤١٣

أحداً قط». فحدَّث بتسليم الملائكة عليه وحديث يوم أحُد.(١) فوجدتهما في صحيفة سليم بعد ذلك يرويهما عن عليعليه‌السلام أنه سمعهما منه.

أكاذيب الحسن البصري لتبرير نفاقه

قال أبان: فلما حدثنا بهذين الحديثين خلوت به وتفرق القوم غيري وغير أبي خليفة، وبتُّ ليلتي إذ ذاك عنده. فقال الحسن تلك الليلة: لولا رواية يرويها الناس عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لظننت أن الناس كلهم هلكوا منذ قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله غير عليعليه‌السلام وشيعته.

قلت: يا با سعيد،وأبو بكر وعمر ؟! قال: نعم.

____________________

١. روي في البحار: ج ٣٩ ص ٩ بإسناده عن ابن عباس أنه قال: انتدب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الناس ليلة بدر إلى الماء. فانتدب عليعليه‌السلام فخرج وكانت ليلة باردة ذات ريح وظلمة. فخرج بقِربته، فلما كان إلى القليب لم يجد دلواً. فنزل إلى الجب تلك الساعة فملأ قربته ثم أقبل. فاستقبلَته ريح شديدة، فجلس حتى مضت، ثم قام. ثم مرت به أخرى فجلس حتى مضت، ثم قام. ثم مرت به أخرى فجلس حتى مضت.

فلما جاء قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما حبسك يا أبا الحسن؟ قال: لقيت ريحاً ثم ريحاً ثم ريحاً شديدة، فأصابتني قشعريرة. فقال: أتدري ما كان ذلك يا علي؟ فقال: لا. فقال: ذاك جبرئيل في ألف من الملائكة وقد سلَّم عليك وسلَّموا. ثم مر ميكائيل في ألف من الملائكة فسلَّم عليك وسلَّموا. ثم مرَّ إسرافيل في ألف من الملائكة فسلَّم عليك وسلَّموا.

وروي في البحار: ج ٢٠ ص ٨٥ أنه أشار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في يوم أحُد إلى قوم انحدروا من الجبل فحمل عليهم عليعليه‌السلام فهزمهم، ثم أشار إلى قوم آخر فحمل عليهم فهزمهم، ثم أشار إلى قوم آخر فحمل عليهم فهزمهم، ثم أشار إلى قوم آخر فحمل عليهم فهزمهم. فجاء جبرئيل: فقال: يا رسول الله، لقد عجبت الملائكة وعجبنا معها من حسن مواساة علي لك بنفسه. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : وما يمنعه من هذا وهو مني وأنا منه. فقال جبرئيل: وأنا منكما.

وروي في البحار: ج ٢٠ ص ٧٢ عن ابن مسعود أنه قال: انهزم الناس يوم أحُد إلا علي وحده. فقلت: إن ثبوت عليعليه‌السلام في ذلك المقام لعجبٌ! قال: إن تعجَّبتَ منه فقد تعجَّبَت الملائكة. أما علمت أن جبرئيل قال في ذلك اليوم وهو يعرج إلى السماء: «لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي».

وروي في البحار: ج ٢٠ ص ٦٩ أن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال يوم الشورى: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد وقفت الملائكة معه يوم أحُد حين ذهب الناس غيري؟ قالوا: لا.

٤١٤

قلت: وما تلك الرواية يا با سعيد؟ قال: قول حذيفة «قوم ينجون ويهلك أتباعهم». قيل: وكيف ذلك يا حذيفة؟ قال: «قوم لهم سوابق أحدثوا أحداثاً فتبعهم على أحداثهم قوم ليست لهم سوابق. فنجا أولئك بسوابقهم وهلك الأتباع بأحداثهم».(١) وقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعمر - حين استأذنه في قتل حاطب بن أبي بلتعة(٢) - فقال: «وما يدريك يا عمر، لعل الله قد اطلع إلى عصبة أهل بدر فأشهد ملائكته: إني قد غفرت لهم فليعملوا ما شاءوا». وحديث جابر بن عبد الله الأنصاري: أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذكر الموجبتين. قالوا: يا رسول الله، ما تعني بالموجبتين؟ قال: «من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به دخل النار». فلست أرجو لأبي بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير النجاة إلا بهذه الروايات والسلامة.

قلت: أتجعل حدث أبي بكر وعمر مثل حدث عثمان وطلحة والزبير، إن كان الأمر لعليعليه‌السلام دونهم من الله ورسوله؟

فقال: يا أحمق، لا تقولنَّ «إن كان»!هو والله لعلي دونهم ، وكيف لا يكون له دونهم بعد الخصال الأربع؟ ولقد حدثني عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الثقات ما لا أحصي.

قلت: وما هذه الخصال الأربع؟

قال: قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونصبه إياه يوم غدير خم.

وقوله في غزوة تبوك: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير النبوة»، ولو كان غير النبوة لاستثناه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد علمنا يقيناً أن الخلافة غير النبوة.

وخطب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله آخر خطبة خطبها للناس ثم دخل بيته فلم يخرج حتى قبضه الله إليه: «أيها الناس، إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وأهل بيتي، فإن اللطيف الخبير قد عهد إليَّ أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض كهاتين - وجمع بين سبابتيه - لا كهاتين - وجمع بين سبابته والوسطى - لأن إحديهما

____________________

١. لا يخفى أن هذه الرواية من الموضوعات التي تمسَّك بها الحسن البصري لتوجيه نفاقه.

٢. حاطب بن أبي بلتعة الخالفي اللخمي المتوفى سنة ٣٠، قد مر قصته في الحديث ١٥ من هذا الكتاب.

٤١٥

قدام الأخرى فتمسكوا بهما لا تضلوا ولا تولوا. لا تقدِّموهم فتهلكوا؛ ولا تعلِّموهم فإنهم أعلم منكم.

ولقد أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبا بكر وعمر - وهما سابعا سبعة - أن يسلِّموا على عليعليه‌السلام بإمرة المؤمنين.

ولعمري لئن جاز لنا - يا أخا عبد القيس(١) - أن نستغفر لعثمان وطلحة والزبير - وقد بلغ من حدثهم ما قد ظهر لنا - إنه ليسعنا أن نستغفر لهما.

فأما طلحة والزبير، فإنهما بايعا علياًعليه‌السلام - وأنا شاهد - طائعين غير مكرهين. ثم نكثا بيعتهما وسفكا الدماء التي قد حرم الله رغبة في الدنيا وحرصاً على الملك، وليس ذنب بعد الشرك بالله أعظم من سفك الدماء التي حرم الله.

وأما عثمان فأدنى السفهاء وباعد الأتقياء وآوى طريد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وسيِّر أولياء الله أبا ذر وقوماً صالحين وجعل المال دولة بين الأغنياء وحكم بغير ما أنزل الله، وكانت أحداثه أكثر وأعظم من أن تحصى، وأعظمهماتحريق كتاب الله ؛وأفظعها صلاته بمنى أربعاً خلافاً على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .(٢)

____________________

١. المخاطَب به أبان بن أبي عياش الذي كان من موالي يني عبد القيس. راجع المقدمة.

٢. راجع عن تحريق عثمان المصاحف: الحديث ١١ من هذا الكتاب.

وروي في البحار: ج ٨ طبع قديم ص ٣١٢، والغدير: ج ٨ ص ١٠١ عن تاريخ الطبري وغيره: أنه حج عثمان بالناس في سنة ٢٩ فضرب بمنى فسطاطاً، فكان أول فسطاط ضربه عثمان بمنى وأتم الصلاة بها وبعرفة. فذكر الواقدي بالإسناد عن ابن عباس قال: إن أول ما تكلم الناس في عثمان ظاهراً أنه صلى بالناس بمنى في ولايته ركعتين حتى إذا كانت السادسة أتمها، فعاب على ذلك غير واحد من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وتكلم في ذلك من يريد أن يكثر عليه حتى جاءه عليعليه‌السلام فيمن جاءه فقال: والله ما حدث أمر ولا قدم عهد. أوَلا عهدت نبيك يصلي ركعتين ثم أبا بكر، ثم عمر، وأنت صدراً من ولايتك. فما أدري ما يرجع إليه؟ فقال: رأي رأيته!!

راجع عن مثالب عثمان: بحار الأنوار: ج ٨ (طبع قديم) ص ٣٢٣ - ٣٠١، والغدير: ج ٨ ص ٣٨٧ - ٩ و ج ٩ ص ٦٩ - ٣.

٤١٦

قلت: أصلحك الله، فترحمك عليه وتفضيلك إياه؟

قال: إنما أصنع ذلك ليسمع بذلك أوليائه الطغاة العتاة الجبابرة الظلمة،الحجاج وابن زياد قبله وأبوه . أما علمت أنهم من اتهموه في بغض عثمان وحب عليعليه‌السلام وأهل بيته نفوه ومثلوا به وقتلوه؟ وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ليس للمؤمن أن يذل نفسه». قلت: وما إذلاله لنفسه؟ قال: يتعرَّض من البلاء لما لا يقوى عليه ولا يقوم به.

وقد سمعت علياًعليه‌السلام يروي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم قتل عثمان وهو يقول: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إن التقية من دين الله، ولا دين لمن لا تقية له.والله لولا التقية ما عبد الله في الأرض في دولة إبليس ». فقال له رجل: وما دولة إبليس؟ قالعليه‌السلام : «إذا ولّى الناس إمام ضلالة فهي دولة إبليس على آدم، وإذا ولّيهم إمام هدى فهي دولة آدم على إبليس ».

ثم همس إلى عمار ومحمد بن أبي بكر همسة وأنا أسمع، فقال: «ما زلتم منذ قبض نبيكم في دولة إبليس بترككم إياي واتباعكم غيري».

كيف بايع الناس علياًعليه‌السلام بعد قتل عثمان

ثم هرب من الناس ثلاثة أيام، فطلبوه فأتوه في خُصَّ(١) لبني النجار فقالوا: إنا قد تشاورنا في هذا الأمر ثلاثة أيام فما وجدنا أحداً من الناس أحق بها منك، فننشدك الله في أمة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله أن تضيع وأن يلي أمرها غيرك. فبايعوه وكان أول من بايعه طلحة والزبير، ثم جاءا إلى البصرة يزعمان أنهما بايعا مكرهين، وكذبا.

ثم أتاه رجل من مَهْرَة(٢) - ومحمد بن أبي بكر بجنبه - فقال له عليعليه‌السلام - وأنا أسمع -: يا أخا مهرة، أجئت لتبايع؟ قال: نعم. قال: تبايعني على أنرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قبض والأمر لي، فانتزى علينا ابن أبي قحافة ظلماً وعدواناً. ثم انتزى علينا بعده عمر ؟ قال: نعم. فبايعه على ذلك طائعاً غير مكره.

____________________

١. الخُصَّ: البيت من قصب أو شجر.

٢. «مَهرة»: بلاد مقفرة في جزيرة العرب تقع بين حضرموت وعمان.

٤١٧

قال: فقلت للحسن: أفبايع الناس كلهم على هذا؟ قال: لا، إنما بايع من أمن ووثق به على هذا.

يا أخا عبد القيس، ولئن جاز لنا أن نستغفر لعثمان وقد ركب ما ركب من الكبائر والأمور القبيحة، إنه ليجوز لنا أن نستغفر لهما وقد عوفيا من الدماء وعفا في ولايتهما وكفا وأحسنا السيرة، ولم يعملا بمثل عمل عثمان من الجور والتخليط، ولا بمثل ما عمله طلحة والزبير من نكثهما البيعة وما سفكا من الدماء إرادة الدنيا والملك،وقد سمعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ينهى عما ركبا وعما أتيا فتركا أمر الله وأمر رسوله بعد الحجة والبينة استخفافاً بأمر الله وأمر رسوله.

ولئن قلت يا أخا عبد القيس: «إن أبا بكر وعمر قد سمعا ما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في عليعليه‌السلام »، فلقد سمع ذلك عثمان وطلحة والزبير ثم ركبوا ما ركبوا من الحرب وسفك الدماء وعوفيا من ذلك!

أبو بكر وعمر أول من أسس الضلالة في الأمة

ولئن قلت: «إنهما أول من فتح ذلك وسنَّه وأدخلا الفتنة والبلاء على الأمة بانتزائهما على ما قد علما يقيناً أنه لا حق لهما فيه وأن الله جعله لغيرهما، وأنهما سلَّما على عليعليه‌السلام بإمرة المؤمنين، ثم قالا للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حين أمرهما بالتسليم عليه: أمن الله ومن رسوله؟ قال: نعم، من الله ومن رسوله»،إن في ذلك لمقالاً .(١)

لقد قال لي أبو ذر - حين حدثني بتسليمهما على عليعليه‌السلام بإمرة المؤمنين، هو والمقداد وسلمان -: سمعنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «ما ولَّت أمة قط أمرها رجلاً وفيهم من هو أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالاً حتى يرجعوا إلى ما تركوا ».

____________________

١. جواب لقوله «لئن قلت:...» أي لئن قلت هكذا فهذا كلام في محله.

٤١٨

اعتراف جميع الصحابة بخلافة عليعليه‌السلام بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

يا أخا عبد القيس، إن أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وجميع أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكونوا يشكُّون ولا يختلفون ولا يتنازعون بينهم أن علي بن أبي طالبعليه‌السلام كان أولهم إسلاماً وأكثرهم علماً وأعظمهم عناء في الجهاد في سبيل الله ومبارزة الأقران ووقايته لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بنفسه.

وأنه لم ينزل برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله شديدة ولا كربة ولا مبارزة قرن وفتح حصن إلا قدَّمه فيها ثقة به ومعرفة بفضله وأنه أعلمهم بكتاب الله وسنة نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنه أحبهم إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنه وصي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وأنه قد كان له كل يوم وكل ليلة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خلوة ودخلة إليه، إذا سأله أعطاه وإذا سكت ابتدأه. وأنه لم يحتج إلى أحد بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في علم ولا فقه، وأن جميعهم كانوا يحتاجون إليه وهو لا يحتاج إلى أحد.

وأن له من السوابق والمناقب وما أنزل فيه من القرآن ما ليس لأحد منهم، وأنه كان أجودهم كفاً وأسخاهم نفساً وأشجعهم لقاء. وما خصلة من خصال الخير له فيها نظير ولا شبيه ولا كفو، في زهده في الدنيا ولا في اجتهاده.

فمما خصه الله به أن أخذ على الناسبالفصل الأول (١) مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ،فلم يسبقه أحد منهم إلى خير ،ولم يؤمِّر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أحداً قط عليه ولم يتقدم أمامه أحد في صلاة قط .

____________________

١. إن الحسن البصري قسَّم حياة أمير المؤمنينعليه‌السلام على فصلين: الفصل الأول جهاده في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والفصل الآخر صبره وجهاده بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٤١٩

الجواب عن قضية صلاة أبي بكر عند وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

قال أبان: قلت: يا أبا سعيد، أليس أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبا بكر أن يصلي بالناس؟

فقال: أين يذهب بك يا أبان؟ إن علياًعليه‌السلام لم يكن مع الناس الذين أمر أبا بكر أن يصلي بهم، وإنما كان مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يمرضه ويوصي إليه ويصلي بصلاته. ثم لم يتم ذلك لأبي بكر، فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأخَّر أبا بكر وصلى بالناس.(١)

____________________

١. في «ب» هكذا: والله لقد خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأخَّر أبا بكر عن المحراب فصلى بالناس.

روي في البحار: ج ٢٨ ص ١١٠ طبع قديم ص ٢٥ عن حذيفة بن اليمان أنه قال عند ذكر وقائع الأيام الأخيرة من عمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : كان بلال مؤذن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يؤذن بالصلاة في كل وقت صلاة، فإن قدر على الخروج تحامل وخرج وصلى بالناس وإن هو لم يقدر على الخروج أمر علي بن أبي طالبعليه‌السلام فصلى بالناس وكان علي بن أبي طالبعليه‌السلام والفضل بن العباس لا يزايلانه في مرضه ذلك.

فلما أصبح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من ليلته تلك - التي قدم فيها القوم الذين كانوا تحت يد أسامة - أذَّن بلال ثم أتاه يخبره كعادته، فوجده قد ثقل، فمنع من الدخول إليه. فأمرت عائشة صهيباً أن يمضي إلى أبيها فيعلمه: «أنَّ رسول الله قد ثقل في مرضه وليس يطيق النهوض إلى المسجد وعلي بن أبي طالب قد شغل به وبمشاهدته عن الصلاة بالناس. فاخرج أنت إلى المسجد فصلِّ بالناس فإنها حال تهنئك وحجة لك بعد اليوم»!

قال: فلم تشعر الناس - وهم في المسجد ينتظرون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أو علياًعليه‌السلام يصلي بهم كعادته التي عرفوها في مرضه - إذ دخل أبو بكر المسجد وقال: «إن رسول الله قد ثقل وقد أمرني أن أصلي بالناس»!! فقال له رجل من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : وأنى لك ذلك وأنت في جيش أسامة، ولا والله لا أعلم أحداً بعث إليك ولا أمرك بالصلاة.

ثم نادى الناس بلال، فقال: على رِسْلكم رحمكم الله لأستأذن رسول الله في ذلك. ثم أسرع حتى أتى الباب فدقَّه دقاً شديداً، فسمعه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال: ما هذا الدق العنيف؟ فانظروا ما هو؟ قال: فخرج الفضل بن العباس ففتح الباب فإذاً بلال. فقال: ما وراءك يا بلال؟ فقال: إن أبا بكر قد دخل المسجد وقد تقدم حتى وقف في مقام رسول الله وزعم أن رسول الله أمره بذلك. فقال: أوَليس أبو بكر مع جيش أسامة؟ هذا هو والله الشر العظيم، طرق البارحة المدينة لقد أخبرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك.

ودخل الفضل وأدخل بلالاً معه، فقال: ما وراءك يا بلال؟ فأخبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الخبر. فقال: «أقيموني، أقيموني، أخرجوا بي إلى المسجد. والذي نفسي بيده قد نزلت بالإسلام نازلة وفتنة عظيمة من الفتن». ثم خرج معصوب الرأس يتهادى بين عليعليه‌السلام والفضل بن العباس ورجلاه يجران في الأرض حتى دخل المسجد

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

يا عليّ أمسك هذه الصحيفة الّتي كتبها القوم، وشرطوا فيها الشروط على قطيعتك وذهاب حقّك، وما قد أزمعوا عليه من الظلم، تكون عندك لتوافيني بها غدا وتحاجّهم بها

كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد بلّغ ولاية أمير المؤمنين وإمامته، وأذاع ذلك في مناسبات شتّى، حتّى إذا قربت وفاته، أمره جبرئيل عن الله أن يبلّغ ذلك تبليغا عامّا يوم الغدير، وأخذصلى‌الله‌عليه‌وآله البيعة له بذلك، فاستاء المنافقون من ذلك، لأنّهم كانوا يرجون أن يموت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيرجع الأمر بأيديهم، فلمّا نصب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاعليه‌السلام خليفة من بعده، تآمروا على قتل النبي في ثنيّة العقبة، فتواردوا في الثنيّة، وحملوا معهم دبابا طرحوا فيها الحصى ودحرجوها بين قوائم ناقة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان عمّار يسوقها، وحذيفة يقودها، فأوقف الله الناقة وافتضح القوم.

قال الديلمي في إرشاد القلوب ( ٣٣٢ - ٣٣٦ ) قال حذيفة: فعرفتهم رجلا رجلا وإذا هم كما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعدد القوم، أربعة عشر رجلا، تسعة من قريش، وخمسة من سائر الناس هم والله: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد ابن أبي وقاص، وأبو عبيدة بن الجراح، ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، هؤلاء من قريش، وأمّا الخمسة: فأبو موسى الأشعريّ، والمغيرة بن شعبة الثقفي، وأوس ابن الحدثان النصريّ، وأبو هريرة، وأبو طلحة الأنصاريّ وارتحل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من منزل العقبة، فلمّا نزل المنزل الآخر رأى سالم مولى أبي حذيفة أبا بكر وعمر وأبا عبيدة يسارّ بعضهم بعضا، فوقف عليهم وقال: أليس قد أمر رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أن لا يجتمع ثلاثة نفر من الناس على سرّ؟! والله لتخبروني عمّا أنتم عليه وإلاّ أتيت رسول الله حتّى أخبره بذلك منكم، فقال أبو بكر: يا سالم، عليك عهد الله وميثاقه، لئن نحن خبرناك بالّذي نحن فيه وما اجتمعنا له، فإن أحببت أن تدخل معنا فيه دخلت وكنت رجلا منّا، وإن كرهته كتمته علينا؟

فقال سالم: ذلك لكم منّي، وأعطاهم بذلك عهده وميثاقه، وكان سالم شديد البغض والعداوة لعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، وعرفوا ذلك منه، فقالوا له: إنّا قد اجتمعنا على أن نتحالف

٥٦١

ونتعاقد أن لا نطيع محمّدا فيما فرض علينا من ولاية عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، بعده.

فقال لهم سالم: عليكم عهد الله وميثاقه، إنّ في هذا الأمر كنتم تخوضون وتتناجون؟!

قالوا: أجل، علينا عهد الله وميثاقه، إنّما كنّا في هذا الأمر بعينه لا في شيء سواه.

قال سالم: وأنا والله أوّل من يعاقدكم على هذا الأمر، ولا يخالفكم عليه، إنّه - والله - ما طلعت الشمس على أهل بيت أبغض إليّ من بني هاشم، ولا في بني هاشم أبغض إليّ ولا أمقت من عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فاصنعوا في هذا الأمر ما بدا لكم، فإنّي واحد منكم، فتعاقدوا من وقتهم على هذا الأمر، ثمّ تفرّقوا.

فلمّا أراد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المسيرة أتوه، فقال لهم: فيم كنتم تتناجون في يومكم هذا، وقد نهيتكم عن النجوى؟! فقالوا: يا رسول الله، ما التقينا غير وقتنا هذا، فنظر إليهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مليّا، ثمّ قال لهم: أنتم أعلم أم الله؟!( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) (١) .

ثمّ سارصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى دخل المدينة، واجتمع القوم جميعا، وكتبوا بينهم صحيفة على ذكر ما تعاقدوا عليه في هذا الأمر، وكان أوّل ما في الصحيفة النكث لولاية عليّ بن أبي طالب، وأنّ الأمر لأبي بكر وعمر وأبي عبيدة وسالم معهم، ليس بخارج عنهم، وشهد بذلك أربعة وثلاثون رجلا؛ هؤلاء أصحاب العقبة، وعشرون رجلا آخرون، واستودعوا الصحيفة أبا عبيدة بن الجراح، وجعلوه أمينهم ....

قال الفتى: فأخبرني يرحمك الله عمّا كتب جميعهم في الصحيفة لأعرفه، فقال حذيفة: حدّثتني بذلك أسماء بنت عميس الخثعمية - امرأة أبي بكر -: أنّ القوم اجتمعوا في منزل أبي بكر، فتآمروا في ذلك - وأسماء تسمعهم وتسمع جميع ما يدبرونه في ذلك - حتّى اجتمع رأيهم على ذلك، فأمروا سعيد بن العاص الأمويّ، فكتب لهم الصحيفة باتّفاق منهم، وكانت نسخة الصحيفة هذا:

__________________

(١) البقرة؛ ١٤٠

٥٦٢

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا ما اتّفق عليه الملأ من أصحاب محمّد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من المهاجرين والأنصار، الذين مدحهم الله في كتابه على لسان نبيّه، اتّفقوا جميعا بعد ان اجتهدوا في رأيهم وتشاوروا في أمورهم، وكتبوا هذه الصحيفة نظرا منهم إلى الإسلام وأهله على غابر الأيّام وباقي الدهور، ليقتدي بهم من يأتي من بعدهم من المسلمين:

أمّا بعد، فإنّ الله بمنّه وكرمه بعث محمّدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الناس كافة بدينه الذي ارتضاه لعباده، فأدّى ذلك وبلّغ ما أمره الله به، وأوجب علينا القيام بجمعه، حتّى إذا أكمل الدين وفرض الفرائض وأحكم السّنن، واختار ما عنده فقبضه إليه مكرما محبورا، من غير أن يستخلف أحدا من بعده، وجعل الاختيار إلى المسلمين، يختارون لأنفسهم من وثقوا برأيه ونصحه لهم، وأنّ للمسلمين برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أسوة حسنة؛ قال الله تعالى:( لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ) (١) ، وأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يستخلف أحدا؛ لئلاّ يجري من أهل بيت واحد، فيكون إرثا دون سائر المسلمين، ولئلاّ يكون دولة بين الأغنياء منهم، ولئلاّ يقول المستخلف: إنّ هذا الأمر باق في عقبه من ولد إلى ولد إلى يوم القيامة.

والّذي يجب على المسلمين عند مضي خليفة من الخلفاء، أن يجتمع ذوو الرأي والصلاح منهم فيتشاوروا في أمورهم، فمن رأوه مستحقّا لها ولّوه أمورهم، وجعلوه القيّم عليهم؛ فإنّه لا يخفى على أهل كلّ زمان من يصلح منهم للخلافة.

فإنّ ادّعى مدّع من الناس جميعا أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله استخلف رجلا بعينه، نصبه للناس ونصّ عليه باسمه ونسبه، فقد أبطل في قوله، وأتي بخلاف ما يعرفه أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وخالف جماعة المسلمين.

وإن ادّعى مدّع أنّ خلافة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إرث، وأنّ رسول الله يورّث، فقد أحال في

__________________

(١) الأحزاب؛ ٢١

٥٦٣

قوله؛ لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ما تركناه صدقة.

وإن ادّعى مدّع أنّ الخلافة لا تصلح إلاّ لرجل واحد من بين الناس جميعا، وأنّها مقصورة فيه، ولا تنبغي لغيره - لأنّها تتلو النبوّة - فقد كذب؛ لأنّ النبي قال: أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم.

وإن ادّعى مدّع أنّه مستحقّ الإمامة والخلافة بقربه من رسول الله، ثمّ هي مقصورة عليه وعلى عقبه، يرثها الولد منهم والده، ثمّ هي كذلك في كلّ عصر وكلّ زمان، لا تصلح لغيرهم، ولا ينبغي أن تكون لأحد سواهم، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فليس له ولا لولده - وإن دنا من النبي نسبه - لأنّ الله يقول - وقوله القاضي على كلّ أحد -( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ ) (١) ، وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ ذمّة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم وأقربهم، كلّهم يد على سواهم، فمن آمن بكتاب الله، وأقرّ بسنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقد استقام وأناب وأخذ بالصواب، ومن كره ذلك من فعالهم، وخالف الحقّ والكتاب، وفارق جماعة المسلمين، فاقتلوه؛ فإنّ في قتله صلاحا للأمّة، وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من جاء إلى أمّتي وهم جمع ففرّق بينهم فاقتلوه كائنا من كان من الناس، فإنّ الاجتماع رحمة والفرقة عذاب »، وقال: « لا تجتمع أمّتي على الضلال أبدا، وأنّ المسلمين يد واحدة على من سواهم »، فإنّه لا يخرج عن جماعة المسلمين إلاّ مفارق معابدهم، ومظاهر عليهم أعداءهم، فقد أباح الله ورسوله دمه وأحلّ قتله.

وكتب سعيد بن العاص، باتّفاق لمن أثبت اسمه وشهادته آخر هذه الصحيفة، في المحرم سنة عشر من الهجرة.

ثمّ دفعت الصحيفة إلى أبي عبيدة بن الجرّاح، فوجّه بها إلى مكّة، فلم تزل الصحيفة في الكعبة مدفونة، إلى أن ولي الأمر عمر بن الخطّاب فاستخرجها من موضعها.

وهي الصحيفة الّتي تمنّى أمير المؤمنينعليه‌السلام لما توفي عمر، فوقف عليه وهو مسجّى بثوبه،

__________________

(١) الحجرات؛ ١٣

٥٦٤

فقال:، ما أحبّ إليّ أن ألقى الله بصحيفة هذا المسجّى.

ثمّ انصرفوا، وصلّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالناس صلاة الفجر، ثمّ قعد في مجلسه يذكر الله عزّ وجلّ حتّى طلعت الشمس، فالتفت إلى أبي عبيدة بن الجرّاح، فقال: بخ بخ، من مثلك، لقد أصبحت أمين هذه الأمّة!! ثمّ تلا قوله تعالى:( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ) (١) ، لقد أشبه هؤلاء رجال في هذه الأمّة ليستخفوا له من الناس( وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً ) (٢) ، ثمّ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : لقد أصبح في هذه الأمّة - في يومي هذا - قوم شابهوهم في صحيفتهم، الّتي كتبوها علينا في الجاهليّة وعلّقوها في الكعبة، وإن شاء الله يعذبهم عذابا ليبتليهم ويبتلي من يأتي بعدهم، تفرقة بين الخبيث والطيّب، ولو لا أنّه سبحانه أمرني بالإعراض عنهم - للأمر الّذي هو بالغه - لقدّمتهم فضربت أعناقهم.

وفي التهاب نيران الأحزان ( ٣٠ - ٣١ ): اجتمع القوم فكتبوا صحيفة على ما تعاقدوا عليه من النكث - على ما بايعوا عليه رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بالخلافة لعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام - وأنّ الأمر للأوّل، ثمّ للثاني من بعده، ثمّ من بعده لأحد الرجلين: إمّا أبو عبيدة أو سالم مولى حذيفة، وأشهدوا على ذلك أربعة وثلاثين رجلا، أربعة عشر من أهل العقبة، وعشرين من غيرهم، وهم: سعد بن زيد، وأبو سفيان بن حرب، وسعيد بن العاص الأموي، وأسامة بن زيد، والوليد، وصفوان بن أميّة، وأبو حذيفة بن عتبة، ومعاذ بن جبل، وبشر بن سعد، وسهل، وحكيم بن خزامة، وصهيب الرومي، وعبّاس بن مرداس السلمي، وأبو مطيع بن سنة العبسي، وقنفذ مولى عمر، وسالم مولى حذيفة، وسعد بن مالك [ وهو سعد بن أبي وقاص ]، وخالد بن عرفطة، ومروان بن الحكم، والأشعث بن قيس.

__________________

(١) البقرة؛ ٧٩

(٢) النساء؛ ١٠٨

٥٦٥

وانظر مؤامرة الصحيفة الملعونة، وما نزل بها من الآيات، وما روي بشأنها عن أئمّة آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسائر الرواة والمحدّثين في المصادر التالية: الكافي ( ج ١؛ ٣٩١، ٤٢٠، ٤٢١ ) و ( ج ٨؛ ١٧٩ - ١٨٠ ) وسليم بن قيس ( ٨٦ - ٨٧، ١٦٤ - ١٦٦، ٢٢٣ - ٢٢٤ ) والصراط المستقيم ( ج ٣؛ ١٥٣ - ١٥٤ ) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ٢١٢ - ٢١٣ ) وتفسير العيّاشي ( ج ١؛ ٣٠١ ) والخصال (١٧١) وبشارة المصطفى ( ١٩٦ - ١٩٧ ) وتفسير القمّي ( ج ١؛ ١٥٦، ١٧٣، ٣٠١ ) و ( ج ٢؛ ٢٨٩، ٣٠٨، ٣٥٦ ). وهو في بحار الأنوار ( ج ٢٨؛ ١٢٢ ).

وفي كتاب اليقين ( ٣٥٤ - ٣٥٥ ) في حديث طويل فيه خطبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الغدير، نقله عن أحمد بن محمّد الطبريّ المعروف بالخليلي، بهذا السند: حدّثنا أحمد بن محمّد الطبري، قال: أخبرني محمّد بن أبي بكر بن عبد الرحمن، قال: حدّثني الحسن بن عليّ أبو محمّد الدينوريّ، قال: حدّثنا محمّد بن موسى الهمدانيّ، قال: حدّثنا محمّد بن خالد الطيالسي، قال: حدّثنا سيف بن عميرة، عن عقبة بن قيس بن سمعان، عن علقمة بن محمّد الحضرمي، عن أبي جعفر محمّد بن عليّعليهما‌السلام ، قال: فقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فوق الأحجار، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الّذي علا بتوحيده معاشر الناس، سيكون من بعدي أئمّة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون، معاشر الناس، إنّ الله وأنا بريئان منهم ومن أشياعهم وأنصارهم، وجميعهم في الدرك الأسفل من النار، وبئس مثوى المتكبرين، ألا إنّهم أصحاب الصحيفة، معاشر الناس، فلينظر أحدكم في صحيفته، قالعليه‌السلام : فذهب على الناس - إلاّ شرذمة منهم - أمر الصحيفة انظر هذا الخبر في الاحتجاج (٦٢) والتهاب نيران الأحزان (١٨).

وفي معاني الأخبار (٤١٢): حدّثنا محمّد بن عليّ ما جيلويه، عن عمّه محمّد بن أبي القاسم، عن أحمد بن أبي عبد الله البرنّي، عن أبيه، عن محمّد بن سنان، عن مفضّل بن عمر، قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن معنى قول أمير المؤمنينعليه‌السلام لمّا نظر إلى الثاني وهو مسجّى بثوبه: « ما أحد أحبّ إليّ أن القى الله بصحيفته من هذا المسجّى؟ » فقالعليه‌السلام : عنى بها الصحيفة الّتي كتبت في الكعبة. وانظر هذا المعنى في الفصول المختارة (٩٠) عن هشام ابن الحكم، وسليم بن

٥٦٦

قيس ( ١١٧ - ١١٨ ) والاحتجاج (١٥٠) وبحار الأنوار ( ج ٨؛ ٢٢، ٢٧ ). وانظر قول الإمام عليّعليه‌السلام عند عمر وهو مسجّى، في ربيع الأبرار (٤١٢).

وقد ورد حديث الصحيفة في مصادر أبناء العامة على لسان أبي بن كعب، فحرّف القوم معنى الحديث ليبعدوه عن المجرمين الذين ظلموا محمّدا وآل محمّد - صلوات الله عليهم - حقّهم.

ففي الفصول المختارة من العيون والمحاسن (٩٠): سئل هشام بن الحكم عمّا ترويه العامّة من قول أمير المؤمنينعليه‌السلام لما قبض عمر - وقد دخل عليه وهو مسجّى -: « لوددت أن القى الله بصحيفة هذا المسجّى »، وفي حديث آخر لهم: « إنّي لأرجو أن ألقى الله بصحيفة هذا المسجّى »؟ فقال هشام وذلك أنّ عمر واطأ أبا بكر والمغيرة وسالما مولى أبي حذيفة وأبا عبيدة، على كتب صحيفة بينهم، يتعاقدون فيها على أنّه إذا مات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يورثوا أحدا من أهل بيته، ولم يولّوهم مقامه من بعده، فكانت الصحيفة لعمر؛ إذ كان عماد القوم، والصحيفة الّتي ودّ أمير المؤمنينعليه‌السلام ورجا أن يلقى الله بها هي هذه الصحيفة، فيخاصمه بها، ويحتج عليه بمتضمّنها، والدليل على ذلك ما روته العامّة عن أبي بن كعب، أنّه كان يقول في المسجد: « ألا هلك أهل العقدة، والله ما آسى عليهم، إنّما آسى على من يضلّون من الناس »، فقيل له: يا صاحب رسول الله، هؤلاء أهل العقد، وما عقدتهم؟ فقال: قوم تعاقدوا بينهم إن مات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يورثوا أحدا من أهل بيته، ولا يولّوهم مقامه، أما والله لئن عشت إلى يوم الجمعة لأقومنّ فيهم مقاما أبيّن به للناس أمرهم، قال: فما أتت عليه الجمعة.

انظر قول أبي بن كعب هذا وتكراره مرارا في حلية الأولياء ( ج ١؛ ٢٥٢ ) بعدة أسانيد، وشرح النهج ( ج ٢٠؛ ٢٤ ) ومسند أحمد ( ج ٥؛ ١٤٠ ) ومستدرك الحاكم ( ج ٢؛ ٢٢٦ ) و ( ج ٣؛ ٣٠٤ ) وسنن النسائي ( ج ٢؛ ٨٨ / كتاب الإمامة - الحديث ٢٣ ). وانظر المسترشد ( ٢٨ - ٢٩ ) والايضاح لابن شاذان (٣٧٣) والصراط المستقيم ( ج ٣؛ ١٥٤ ).

٥٦٧

٥٦٨

الطّرفة الثلاثون

روى هذه الطّرفة - عن كتاب الطّرف - العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٢٢؛ ٤٩٣ - ٤٩٤ ).

كان فيما أوصى به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يدفن في بيته الّذي قبض فيه

ومثل هذا المطلب ما في الطّرفة الحادية والثلاثين « قال عليّعليه‌السلام : يا رسول الله أمرتني أن أصيّرك في بيتك إن حدث بك حدث؟ قال: نعم، يا عليّ بيتي قبري ستخبر بالموضع وتراه. ».

اتّفق المسلمون على أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله دفن في بيته، في البقعة الّتي قبض فيها، وكان بعض المسلمين أراد أن يدفنه بالبقيع، فبيّن لهم عليّعليه‌السلام أنّه يدفن في بيته، لأنّ الله لم يقبضه إلاّ في أطهر البقاع، وقد حاول أعداء آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله صرف هذه الفضيلة عن عليّعليه‌السلام ، فنسبوا هذا الكلام لأبي بكر، مع أنّ النصوص قد تقدّمت عليك في أنّ أهله هم الذين تولّوا غسله وإجنانه، وأغلقوا الباب دونه، وأنّ الأوّل والثاني كانا مشغولين بغصب الخلافة في سقيفة بني ساعدة.

ففي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ١؛ ٢٣٩ ) عن الباقرعليه‌السلام : قال الناس: كيف الصلاة عليه؟ فقال عليّعليه‌السلام : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إمام حيّا وميّتا، فدخل عليه عشرة عشرة، فصلوا عليه يوم الاثنين، وليلة الثلاثاء حتّى الصباح، ويوم الثلاثاء، حتّى صلّى عليه الأقرباء والخواص، ولم يحضر أهل السقيفة.

فتبقى الروايات الدالّة على أنّ عليّاعليه‌السلام هو دافنه وغاسله، والروايات المصرّحة

٥٦٩

بأنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أوصى عليّاعليه‌السلام بدفنه في مكانه الّذي يقبض فيه، هي العمدة في الباب، وما لفّقوه من فضيلة لأبي بكر فليس لها دافع سوى البغض لعليّعليه‌السلام .

ففي الكافي ( ج ١؛ ٤٥١ ) بسنده عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام ، قال: أتى العبّاس أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقال: يا عليّ، إنّ الناس قد اجتمعوا أن يدفنوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في بقيع المصلّى، وأنّ يؤمّهم رجل منهم، فخرج أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى الناس، فقال: أيّها الناس، إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إمام حيّا وميّتا، وقال: إنّي أدفن في البقعة الّتي أقبض فيها ....

وفي كفاية الأثر ( ١٢٥ - ١٢٦ ) بسنده عن عمّار بن ياسر قال: فلمّا مات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان الفضل يناوله الماء، وجبرئيل يعاونه، فلمّا أن غسّله وكفّنه أتاه العبّاس، فقال: يا عليّ إنّ الناس قد أجمعوا أن يدفنوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالبقيع، وأن يؤمّهم رجل واحد، فخرج عليّعليه‌السلام إلى الناس، فقال: أيّها الناس، إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان إمامنا حيّا وميتا، قال: فقالوا: الأمر إليك فاصنع ما رأيت، قال: فإنّي أدفن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في البقعة الّتي قبض فيها ...

وفي الإرشاد (١٠٠): وكان المسلمون في المسجد يخوضون في من يؤمّهم في الصلاة عليه، وأين يدفن، فخرج إليهم أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وقال لهم: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إمامنا حيّا وميتا، فليدخل عليه فوج بعد فوج منكم، فيصلون عليه بغير إمام وينصرفون، وإنّ الله لم يقبض نبيا في مكان إلاّ وقد ارتضاه لرمسه فيه، وإنّي لدافنه في حجرته الّتي قبض فيها، فسلّم القوم لذلك ورضوا به.

وانظر مناقب ابن شهرآشوب ( ج ١؛ ٢٤٠ ) وكشف الغمّة ( ج ١؛ ١٩ ) وفقه الرضاعليه‌السلام (٢١) وشرح الأخبار ( ج ١؛ ١٤٠ - ١٤١ ) وإعلام الورى (٨٣) وإثبات الوصيّة (١٠٥) وينابيع المودّة ( ج ٢؛ ٩٠ ).

ويكفّن بثلاثة أثواب، أحدها يمان

اختلفت روايات أبناء العامّة في صفة كفن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اختلافا بيّنا، تبعا لاختلاف مرويّاتهم عن الصحابة، الّذين اختلفوا لعدم علمهم التامّ بصفة الكفن، بخلاف روايات أئمّة

٥٧٠

أهل البيتعليهم‌السلام - فهم أدرى بما فيه - فإنّها اتّفقت على صفة الكفن كما هو مذكور هنا، وإذا نظرت إلى طبقات ابن سعد ( ج ٢؛ ٢٨١ - ٢٨٧ ) وجدت الاختلاف في ذلك، فذكر من قال أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله كفّن في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة، ثمّ ذكر من قال أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله كفّن في ثلاثة أثواب أحدها حبرة [ وهو برد يمان ]، ثمّ ذكر من قال أنّه كفّن في ثلاثة أثواب برود، ومن قال كفّن في قميص وحلّة، ثمّ روى في آخر ذلك حديثا، فقال: أخبرنا عارم بن الفضل، أخبرنا حماد بن زيد، عن أيوب، قال أبو قلابة: ألا تعجب من اختلافهم علينا في كفن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟!

وإذا لحظت القسم الثاني، وهو الّذي يوافق مرويات الإماميّة عن أئمتهم، وجدت أنّ أغلب مروياته عن الزهريّ، وسعيد بن المسيب، عن السجاد، وعن الصادقعليهما‌السلام ، وعن ابن عبّاس، وهم أدرى بما في البيت كما تقدّم. وعلى كلّ حال فنحن نذكر بعض المرويّات والمصادر الّتي مضمونها هو ما في هذه الطّرفة.

ففي الكافي ( ج ٢؛ ٤٠ ) بسنده، قال: سئل أبو عبد اللهعليه‌السلام ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بم كفّن؟ قال: في ثلاثة أثواب، ثوبين صحاريين، وبرد حبرة.

وفي فقه الرضاعليه‌السلام (٢٠): وروي أنّ عليّاعليه‌السلام كفّنه في ثلاثة أثواب، ثوبين صحاريّين، وثوب حبرة يمانيّة.

وفي أمالي الصدوق: ٥٠٦ بسنده عن ابن عبّاس، قال: لمّا مرض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّعليه‌السلام : يا بن أبي طالب، إذا رأيت روحي قد فارقت جسدي فاغسلني، وأنق غسلي، وكفّنّي في طمريّ هذين، أو في بياض مصر وبرد يمان، ولا تغال في كفني. ورواه الفتال النيسابوريّ في روضة الواعظين (٧٢).

وفي الوفا بأحوال المصطفى (٨١١) عن ابن عبّاس، قال: لمّا غسّلوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جففوه، ثمّ صنع به كما يصنع بالميّت، ثمّ أدرج في ثلاثة: ثوبين أبيضين، وبرد حبرة.

وفي تاريخ الطبريّ ( ج ٣؛ ٢٠٤ ) عن الزهريّ، عن السجادعليه‌السلام ، قال: فلمّا فرغ من غسل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كفّن في ثلاثة أثواب: ثوبين صحاريّين وبرد حبرة، أدرج فيها إدراجا.

٥٧١

وانظر في صفة كفن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله التهذيب ( ج ١؛ ١٣٢ ) وكشف الغمّة ( ج ١؛ ١٧ ) ومروج الذهب ( ج ٢؛ ٢٩١ ).

وشرح النهج ( ج ١٣؛ ٣٨ ) وطبقات ابن سعد ( ج ٢؛ ٢٨٤ - ٢٨٥ ) وحلية الأولياء ( ج ٤؛ ٧٨ ) وسيرة ابن هشام ( ج ٤؛ ٣١٣ ) وتاريخ ابن الأثير ( ج ٢؛ ٣٣٣ ) ومسند أحمد ( ج ١؛ ٢٦٠ ) وسنن البيهقي ( ج ٣؛ ٣٨٨ ).

ولا يدخل قبره غير عليّعليه‌السلام

صحّت الروايات من طرق الفريقين، أنّ عليّاعليه‌السلام كان الأصل والقائم بأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من غسله وتكفينه ودفنه، ونزل معه في القبر الفضل بن عبّاس وقثم وشقران مولاهم، وطلب منه أوس بن خوليّ أحد الأنصار من الخزرج أن لا ينسى حظهم من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأدخله عليّعليه‌السلام ، فالمراد بهذه الرواية إذن ما مرّ من أنّ عليّا آخر الناس عهدا برسول الله، وأنّه كان هو المتولّي لأمور التغسيل والتكفين والدفن لرسول الله، والباقون كانوا تبعا له، داخلين بأمر منهعليه‌السلام ، فلا ينافي دخول بعض بأمرهعليه‌السلام أنّه لم يدخل القبر غيرهعليه‌السلام بأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حيث روى العامّة أيضا أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال قبل موته - كما في شرح النهج ( ج ١٣؛ ٣٧ ) وغيره -: « يغسّلني أهلي الأدنى منهم فالأدنى، وأكفّن في ثيابي أو في بياض مصر أو في حلّة يمانيّة »، ومعلوم أنّ عليّاعليه‌السلام كان أدناهم لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كما تقدّم.

قال ابن أبي الحديد في شرح النهج ( ج ١٣؛ ٤٠ ) بعد إيراده لروايات الغسل والكفن والدفن ومناقشتها: قلت: من تأمّل هذه الأخبار علم أنّ عليّاعليه‌السلام كان الأصل والجملة والتفصيل في أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ألا ترى أنّ أوس بن خوليّ لا يخاطب أحدا من الجماعة غيره، ولا يسأل غيره في حضور الغسل والنزول في القبر.

وقد صرّح الإمام عليّعليه‌السلام بأنّه هو والملائكة معه دفنوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال في نهج البلاغة ( ج ٢؛ ١٧٢ ): ولقد وليت غسلهصلى‌الله‌عليه‌وآله والملائكة أعواني، فضجت الدار والأفنية، ملأ يهبط وملأ يعرج، وما فارقت سمعي هينمة منهم، يصلّون عليه، حتّى واريناه في

٥٧٢

ضريحه، فمن ذا أحقّ به منّي حيّا وميّتا؟!

وقال ابن شهرآشوب ( ج ١؛ ٢٤٠ ): تاريخ الطبريّ في حديث ابن مسعود، قلنا: فمن يدخلك قبرك يا نبي الله؟ قال: أهلي، وقال الطبريّ وابن ماجة: الّذي نزل في قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام والفضل وقثم وشقران، ولهذا قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : أنا الأوّل أنا الآخر.

وفي أمالي الطوسي (٥٥٥) بسنده عن أبي ذرّ في مناشدة عليّعليه‌السلام يوم الشورى، قال: فأنشدكم بالله، هل فيكم من نزل في حفيرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله غيري؟ قالوا: اللهمّ لا. وانظر قوله هذا في مناشدة الشورى في كنز العمال ( ج ٥؛ ٤٢٩ / الحديث ٢٤٦١ ط. حيدرآباد ) ومعارج العلى (١١٦) ومناقب الخوارزمي (٢٢٥) وتاريخ دمشق ( ج ٣؛ ٨٧ / الحديث ١١٣١، ٩١ / الحديث ١١٣٢ ).

وفي اليقين (٣٩٠) عن كتاب « نهج النجاة في فضائل أمير المؤمنين والأئمّة من ذريته »، بسنده عن أنس بن مالك، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّعليه‌السلام : يا عليّ، أنت منّي وأنا منك، تغسل جسدي، وتواريني لحدي ....

وفي بشارة المصطفى (٥٨) بسنده، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال لعليّعليه‌السلام : يا عليّ أنت غاسل جثّتي، وأنت الّذي تواريني في حفرتي.

وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ١؛ ٢٣٦ - ٢٣٧ ) ومن طريقة أهل البيتعليهم‌السلام فلمّا حضرهصلى‌الله‌عليه‌وآله الموت، قال له: ضع رأسي يا عليّ في حجرك ولا تفارقني حتّى تواريني في رمسي، واستعن بالله ثمّ وجههعليه‌السلام ، ومدّ عليه إزاره، واستقبل بالنّظر في أمره. وانظر رواية الخبر في الإرشاد (١٠٠).

وفي كنز العمال ( ج ٦؛ ٣٩٣ ) بسنده عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال لعليّعليه‌السلام : وأنت عاضدي وغاسلي ودافني. وهو في معارج العلى (١٢٢).

وفي تاريخ دمشق ( ج ٢؛ ٤٨٧ / الحديث ١٠٠٦ ) بإسناده عن أنس بن مالك، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام : أنت تغسّلني، وتواريني في لحدي، وتبيّن لهم بعدي.

٥٧٣

وروى الوصابي في أسنى المطالب ( ٧٢ / الحديث ٩ ) في الباب الحادي عشر، بإسناده عن ابن عبّاس، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عليّ، إنّك مخاصم لهم، أنت أوّل المؤمنين إيمانا، وأعلمهم بأيّام الله، وأوفاهم بعهده، وأقسمهم بالسويّة، وأرأفهم بالرعيّة، وأعظمهم عند الله مزيّة، وأنت عاضدي وغاسلي ودافني ....

ويدلّ عليه أيضا ما مرّ من أنّه آخر الناس عهدا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ لأنّه هو الّذي واراه في حفرته، حتّى قال أحد الشعراء من الصحابة:(١)

ما كنت أحسب أنّ الأمر منصرف

عن هاشم ثمّ منها عن أبي حسن

أليس أوّل من صلّى لقبلتكم

وأعلم الناس بالأحكام والسنن

وآخر الناس عهدا بالنبي ومن

جبريل عون له في الغسل والكفن

وفي الإرشاد (١٠١): ودخل أمير المؤمنينعليه‌السلام ، والعبّاس بن عبد المطلب، والفضل ابن العبّاس، وأسامة بن زيد، ليتولّوا دفن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فنادت الأنصار من وراء البيت: يا عليّ، إنّا نذكرك الله وحقّنا اليوم من رسول الله أن يذهب، أدخل منّا رجلا يكون لنا به حظّ من مواراة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالعليه‌السلام : ليدخل أوس بن خوليّ - وكان بدريا فاضلا من بني عوف من الخزرج - فلمّا دخل قال له عليّعليه‌السلام : انزل القبر، فنزل، ووضع أمير المؤمنينعليه‌السلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على يديه ودلاّه في حفرته، فلمّا حصل في الأرض، قال له: اخرج، فخرج، ونزل عليّعليه‌السلام القبر، فكشف عن وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ووضع خدّه على الأرض موجّها إلى القبلة عن يمينه، ثمّ وضع عليه اللبن، وأهال عليه التراب. وروى مثله الطبرسي في إعلام الورى (٨٤).

وانظر دفن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وتولّي عليّعليه‌السلام لذلك، وأنّ الباقين كانوا تبعا له يأتمرون

__________________

(١) نسبه سليم في كتابه: ٧٨، والأربلي في كشف الغمّة ( ج ١؛ ٦٧ إلى العباس، ونسبه اليعقوبي في تاريخه ( ج ٢؛ ١٢٤ ) إلى عتبة بن أبي لهب، ونسبه المفيد في الجمل: (١١٨) إلى عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وفي الإرشاد: (٢٢) إلى خزيمة بن ثابت، ونسبه الشريف المرتضى في الفصول المختارة: (٢١٦) إلى ربيعة بن الحارث، ونسبه الكراجكي في كنز الفوائد ( ج ١؛ ٢٦٧ ) إلى سفيان بن الحارث بن عبد المطلب.

٥٧٤

بأمره وينتهون لنهيه، في طبقات ابن سعد ( ج ٢؛ ٣٠٠ - ٣٠٢ ) والطبريّ ( ج ٣؛ ٢٠٥ ) ومروج الذهب ( ج ٢؛ ٢٩١ ) وتاريخ ابن الأثير ( ج ٢؛ ٣٣٣ ) والبداية والنهاية ( ج ٥؛ ٢٩٠ ) وسيرة ابن هشام ( ج ٤؛ ٣١٤ - ٣١٥ ) وينابيع المودّة ( ج ٢؛ ٩٠ ) وكشف الغمّة ( ج ١؛ ١٩ ) والعقد الفريد ( ج ٥؛ ٨، ٩ ).

يا عليّ كن أنت وابنتي فاطمة والحسن والحسين، وكبّروا خمسا وسبعين تكبيرة، وكبّر خمسا وانصرف جبرئيل مؤذنك ثمّ من جاءك من أهل بيتي؛ يصلّون عليّ فوجا فوجا، ثمّ نساؤهم، ثمّ الناس بعد ذلك

في كتاب سليم بن قيس (٧٩) عن أبان بن أبي عيّاش، عن سليم بن قيس، قال: سمعت سلمان الفارسي، قال: فأتيت عليّاعليه‌السلام وهو يغسّل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد كان رسول الله أوصى عليّاعليه‌السلام أن لا يلي غسله غيره فلمّا غسّله وحنّطه وكفّنه أدخلني، وأدخل أبا ذرّ والمقداد وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام ، فتقدّم عليّعليه‌السلام وصفّنا خلفه، وصلّى عليه - وعائشة في الحجرة لا تعلم قد أخذ الله ببصرها - ثمّ أدخل عشرة من المهاجرين وعشرة من الأنصار، فكانوا يدخلون ويدعون ويخرجون، حتّى لم يبق أحد شهد من المهاجرين والأنصار إلاّ صلّى عليه. وانظر رواية هذه الصلاة في الاحتجاج (٨٠).

وفي كشف الغمّة ( ج ١؛ ١٧ ): من كتاب أبي إسحاق الثعلبي، قال: فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : مهلا عفا الله عنكم، إذا غسّلت وكفّنت فضعوني على سريري في بيتي هذا على شفير قبري، ثمّ اخرجوا عنّي ساعة، فإنّ الله تبارك وتعالى أوّل من يصلّي عليّ، ثمّ يأذن للملائكة في الصلاة عليّ، فأوّل من ينزل جبرئيل، ثمّ إسرافيل، ثمّ ميكائيل، ثمّ ملك الموت في جنود كثيرة من الملائكة بأجمعها، ثمّ ادخلوا عليّ زمرة زمرة، فصلّوا عليّ وسلّموا تسليما وليبدأ بالصلاة عليّ الأدنى فالأدنى من أهل بيتي، ثمّ النساء، ثمّ الصبيان زمرا.

وفي أمالي الصدوق (٥٠٦) بسنده عن ابن عبّاس: ثمّ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام : يا بن أبي طالب، إذا رأيت روحي قد فارقت جسدي فاغسلني، وأنق غسلي، وكفّنّي في طمريّ

٥٧٥

هذين، أو في بياض مصر وبرد يمان، ولا تغال في كفني، واحملوني حتّى تضعوني على شفير قبري، فأوّل من يصلّى عليّ الجبّار جلّ جلاله من فوق عرشه، ثمّ جبرئيل وميكائيل وإسرافيل في جنود من الملائكة لا يحصي عددهم إلاّ الله عزّ وجلّ، ثمّ الحافّون بالعرش، ثمّ سكّان أهل سماء فسماء، ثمّ جلّ أهل بيتي ونسائي؛ الأقربون فالأقربون، يومئون إيماء ويسلّمون تسليما ورواه الفتّال النيسابوريّ في روضة الواعظين (٧٢).

وفي أمالي المفيد ( ٣١ - ٣٢ ) بسنده عن الباقرعليه‌السلام ، قال: لمّا فرغ أمير المؤمنينعليه‌السلام من تغسيل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وتكفينه وتحنيطه، أذن للناس، وقال: ليدخل منكم عشرة عشرة ليصلّوا عليه، فدخلوا، وقام أمير المؤمنين بينه وبينهم، وقال:( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (١) ، وكان الناس يقولون كما يقول، قال أبو جعفرعليه‌السلام : وهكذا كانت الصلاة عليه.

وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ١؛ ٢٣٩ ): قال أبو جعفرعليه‌السلام : قال الناس: كيف الصلاة عليه؟ فقال عليّعليه‌السلام : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إمام حيّا وميّتا، فدخل عليه عشرة عشرة، فصلّوا عليه يوم الإثنين، وليلة الثلاثاء حتّى الصباح، ويوم الثلاثاء، حتّى صلّى عليه الأقرباء والخواص، ولم يحضر أهل السقيفة، وكان عليّعليه‌السلام أنفذ إليهم بريدة، وإنّما تمت بيعتهم بعد دفنه، وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: إنّما نزلت هذه الآية في الصلاة عليّ بعد قبض الله لي( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (٢) .

وسئل الباقرعليه‌السلام : كيف كانت الصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فقال: لمّا غسّله أمير المؤمنينعليه‌السلام وكفّنه سجّاه، وأدخل عليه عشرة عشرة، فداروا حوله، ثمّ وقف أمير المؤمنين في وسطهم، فقال:( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ) (٣) فيقول القوم مثل ما يقول، حتّى

__________________

(١) الأحزاب؛ ٥٦

(٢) الأحزاب؛ ٥٦

(٣) الأحزاب؛ ٥٦

٥٧٦

صلّى عليه أهل المدينة وأهل العوالي.

وفيه أيضا ( ج ١؛ ٢٣٦ - ٢٣٧ ): ومن طريقة أهل البيتعليهم‌السلام ثمّ جذبصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاعليه‌السلام تحت ثوبه، ووضع فاه على فيه، وجعل يناجيه، فلمّا حضره الموت قال له: ضع رأسي يا عليّ في حجرك؛ فقد جاء أمر الله، فإذا فاضت نفسي فتناولها بيديك وامسح بها وجهك، ثمّ وجّهني إلى القبلة، وتولّ أمري، وصلّ عليّ أوّل الناس وانظر هذا الخبر برواية أتم في الإرشاد (١٠٠).

وفي إعلام الورى (٨٣): فلمّا فرغعليه‌السلام من غسلهصلى‌الله‌عليه‌وآله وتجهيزه، تقدّم فصلّى عليه، قال أبان: وحدّثني أبو مريم، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: قال الناس: كيف الصلاة عليه؟ فقال عليّعليه‌السلام : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إمامنا حيّا وميّتا، فدخل عليه عشرة عشرة، فصلّوا عليه يوم الإثنين، وليلة الثلاثاء حتّى الصباح، ويوم الثلاثاء، حتّى صلّى عليه صغيرهم وكبيرهم، وذكرهم وأنثاهم، وضواحي المدينة، بغير إمام.

وفي الإرشاد (١٠٠): فلمّا فرغعليه‌السلام من غسله وتجهيزهصلى‌الله‌عليه‌وآله تقدّم فصلّى عليه وحده، ولم يشركه معه أحد في الصلاة عليه، وكان المسلمون في المسجد يخوضون في من يؤمهم في الصلاة عليه وأين يدفن، فخرج إليهم أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وقال لهم: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إمامنا حيّا وميّتا، فليدخل عليه فوج بعد فوج منكم، فيصلّون عليه بغير إمام وينصرفون.

وفي كفاية الأثر ( ١٢٥ - ١٢٦ ) بسنده عن عمّار بن ياسر، قال: لمّا حضرت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الوفاة دعا بعلي قال: فلمّا مات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان الفضل يناوله الماء، وجبرئيل يعاونه، فلمّا أن غسّله وكفّنه أتاه العبّاس، فقال: يا عليّ، إنّ الناس قد أجممعوا أن يدفنوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالبقيع، وأن يؤمّهم رجل واحد، فخرج عليّعليه‌السلام إلى الناس، فقال: أيّها الناس، إنّ رسول الله كان إمامنا حيّا وميّتا فقالوا: الأمر إليك فاصنع ما رأيت، قال: فإنّي أدفن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في البقعة الّتي قبض فيها، قال: ثمّ قامعليه‌السلام على الباب فصلّى عليه، وأمر الناس عشرا عشرا؛ يصلّون عليه ثمّ يخرجون. وروى قريبا منه الكليني في الكافي ( ج ١؛ ٤٥١ ) بسنده عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام .

٥٧٧

وفي الكافي ( ج ١؛ ٤٥١ ) بسنده عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام ، قال: لمّا قبض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله صلّت عليه الملائكة، والمهاجرون والأنصار فوجا فوجا، قال: وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول في صحّته وسلامته: إنّما أنزلت هذه الآية عليّ في الصلاة عليّ بعد قبض الله لي( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (١) .

وقال العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٢٢؛ ٥٤١ ) بعد نقله لروايات متعدّدة في كيفية الصلاة على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

بيان : يظهر من مجموع ما مرّ في الأخبار في الصلاة عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ الصلاة الحقيقيّة هي الّتي كان أمير المؤمنينعليه‌السلام صلاّها أوّلا مع الستّة المذكورين في خبر سليم، ولم يدخل في ذلك سوى الخواص من أهل بيته وأصحابه - لئلاّ يتقدّم أحد من لصوص الخلافة في الصلاة، أو يحضر أحد من هؤلاء المنافقين فيها - ثمّ كانعليه‌السلام يدخل عشرة عشرة من الصحابة، فيقرأ الآية، ويدعون ويخرجون من غير صلاة.

وسيأتيك في الطّرفة القادمة المزيد، عند ذكر أنّ عليّاعليه‌السلام أخبر بمكان دفن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّ الملائكة كانت معه في الغسل والصلاة والدفن.

هذا، ولا بدّ من التنبيه إلى أن روايات العامّة ذكرت تغسيل عليّعليه‌السلام للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ودفنه له، وذكرت كيفيّة الصلاة عليه، لكنّها أغفلت أو تغافلت عن ذكر صلاة عليّعليه‌السلام بالخصوص عليه، وأنّ صلاته كانت هي الصلاة الّتي أمر الله ورسوله بها، وعلى كلّ حال فنحن نذكر هنا بعض النصوص منهم في ذلك ونشير إلى مواضع البعض الآخر منها، وستتبيّن مواضع التحريف والتغيير في رواياتهم؛

ففي حلية الأولياء ( ج ٤؛ ٧٨ ) بسنده عن جابر بن عبد الله وابن عبّاس، في حديث طويل في وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيه قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فإذا أنتم وضعتموني على السرير فضعوني

__________________

(١) الأحزاب؛ ٥٦

٥٧٨

في المسجد، واخرجوا عنّي، فإنّ أوّل من يصلّي عليّ الربّ عزّ وجلّ من فوق عرشه، ثمّ جبرئيل، ثمّ ميكائيل، ثمّ إسرافيل، ثمّ الملائكة زمرا زمرا، ثمّ ادخلوا فقوموا صفوفا صفوفا، لا يتقدّم عليّ أحد فقبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فغسّله عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وابن عبّاس يصبّ عليه الماء، وجبرئيل معهما، وكفّن بثلاثة أثواب جدد، وحمل على السرير، ثمّ أدخلوه المسجد، ووضعوه في المسجد، وخرج الناس عنه، فأوّل من صلّى عليه الربّ من فوق عرشه، ثمّ جبرئيل، ثمّ ميكائيل، ثمّ إسرافيل، ثمّ الملائكة زمرا زمرا، قال عليّعليه‌السلام : ولقد سمعنا في المسجد همهمة ولم نر لهم شخصا، فسمعنا هاتفا يهتف وهو يقول: ادخلوا رحمكم الله، فصلّوا على نبيّكم، فدخلنا، فقمنا صفوفا كما أمرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكبرنا بتكبير جبرئيل، وصلينا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بصلاة جبرئيل، ما تقدّم منّا أحد على رسول الله.

وفي المستدرك على الصحيحين ( ج ٣؛ ٦٠ ) بسنده عن عبد الله بن مسعود، قال: لما ثقل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قلنا: من يصلّي عليك يا رسول الله؟ فبكى وبكينا، وقال: مهلا، غفر الله لكم وجزاكم عن نبيّكم خيرا، إذا غسّلتموني وحنّطتموني وكفّنتموني فضعوني على شفير قبري، ثمّ اخرجوا عنّي ساعة، فإنّ أوّل من يصلّي عليّ خليلي وجليسي جبرئيل، وميكائيل، ثمّ إسرافيل، ثمّ ملك الموت مع جنود من الملائكة، ثمّ ليبدا بالصلاة عليّ رجال أهل بيتي، ثمّ نساؤهم، ثمّ ادخلوا أفواجا أفواجا وفرادى ...

وفي طبقات ابن سعد ( ج ٢؛ ٢٩١ ) بسنده عن محمّد بن عمر، قال: أوّل من دخل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بنو هاشم، ثمّ المهاجرون، ثمّ الأنصار، ثمّ الناس حتّى فرغوا، ثمّ النساء، ثمّ الصبيان.

وفيه أيضا ( ج ٢؛ ٢٩١ ): أخبرنا محمّد بن عمر، حدّثني عبد الله بن محمّد بن عمر بن عليّ ابن أبي طالب، عن أبيه، عن جدّه عليّعليه‌السلام ، قال: لما وضع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على السرير، قال عليّعليه‌السلام : لا يقوم عليه أحد لعلّه يؤمّ، هو إمامكم حيّا وميّتا، فكان يدخل الناس رسلا رسلا، فيصلّون عليه صفا صفا ليس لهم إمام، ويكبرون وعليّ قائم بحيال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يقول: سلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته، اللهمّ إنّا نشهد أن قد بلّغ ما أنزل إليه،

٥٧٩

ونصح لأمّته، وجاهد في سبيل الله، حتّى أعزّ الله دينه وتمّت كلمته، اللهمّ فاجعلنا ممّن يتّبع ما أنزل الله إليه، وثبّتنا بعده، واجمع بيننا وبينه، فيقول الناس: آمين آمين، حتّى صلّى عليه الرجال، ثمّ النساء، ثمّ الصبيان.

وانظر كيفيّة الصلاة عليه في طبقات ابن سعد ( ج ٢؛ ٢٨٨ - ٢٩٢ ) والوفا بأحوال المصطفى ( ٨١١ - ٨١٢ ) وتاريخ الطبريّ ( ج ٣؛ ٢٠٥ ) وتاريخ ابن الأثير ( ج ٢؛ ٣٣٣ ) والعقد الفريد ( ج ٥؛ ٨ ) وشرح النهج ( ج ١٣؛ ٣٩ ) والبداية والنهاية ( ج ٥؛ ٢٨٥ - ٢٨٦، ٢٩١ ).

ويبقى أن نشير إلى أنّ الواجب في الصلاة على الميّت هي التكبيرات الخمس، وأنّ التكبيرات الأربع إنّما كانت للصلاة على المنافقين فقط، إذ كانصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا صلّى على أحدهم نقص من الصلاة التكبيرة الّتي فيها الدعاء للميّت، فتبقي أربع تكبيرات، انظر في ذلك ما في علل الشرائع (٣٠٣).

وقد انعقد إجماع الطائفة الإماميّة تبعا لأئمّة أهل البيتعليهم‌السلام على التكبيرات الخمس.

قال الشيخ الطوسي في الخلاف ( ج ١؛ ٧٢٤ / المسألة رقم ٥٤٣ ): دليلنا إجماع الفرقة.

وقال العلاّمة في تذكرة الفقهاء ( ج ٢؛ ٦٨ ): إذا نوى المصلّي، كبر خمسا، بينها أربعة أدعية، ذهب إليه علماؤنا أجمع.

وقال العاملي في مدارك الأحكام ( ج ٤؛ ١٦٤ ): وهي خمس تكبيرات، هذا قول علمائنا أجمع.

وانظر نقل الإجماع في الروضة البهيّة ( ج ١؛ ١٣٨ ) والانتصار (٥٩) والسرائر ( ج ١؛ ٣٥٧ ) والمعتبر ( ج ٢؛ ٣٤٩ ) والبيان (٧٦) وجامع المقاصد ( ج ١؛ ٤٢٢ ).

فالتكبيرات الخمس والسبعون الأخرى يظهر أنّها بعدد صفوف الملائكة المقرّبين، ففي الصراط المستقيم ( ج ٢؛ ٤٣ ) قال: فلمّا قبض آدم أوحى الله إلى هبة الله أن « صلّ عليه وكبر خمسا »، فصلّى وكبر، فجرت السنّة، وكبر سبعين أخرى سنّة بعدد صفوف الملائكة، كلّهم لمن صلّى خلفه.

٥٨٠

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653