وقعة صفّين

وقعة صفّين0%

وقعة صفّين مؤلف:
المحقق: عبد السلام محمّد هارون
الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 690

  • البداية
  • السابق
  • 690 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 13634 / تحميل: 5492
الحجم الحجم الحجم
وقعة صفّين

وقعة صفّين

مؤلف:
الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
العربية

وأبو الحسين أحمد ، وأبو عبد الله محمد بن القاضي أبي الفتح بن البيضاوي ، والشريف أبو الفضل محمد بن علي بن أبي يعلى الحسيني ، وأبو منصور محمد بن محمد بن قرمي ، بقراء عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد بن الحسن الأنماطي في شعبان من سنة أربع وتسعين وأربعمائة.

٢٨١
٢٨٢

الجزء الخامس

من كتاب صفين

لنصر بن مزاحم

رواية أبي محمد سليمان بن الربيع بن هشام النهدي الخزاز

رواية أبي الحسن علي بن محمد بن محمد بن عقبة بن الوليد

رواية أبي الحسن محمد بن ثابت بن عبد الله بن محمد بن ثابت

رواية أبي يعلى أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن جعفر الحريري

رواية أبي الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي

رواية الشيخ الحافظ أبي البركات عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد بن الحسن الانماطي

سماع مظفر بن علي بن محمد بن زيد بن ثابت المعروف بابن المنجم ـ غفر الله له

٢٨٣
٢٨٤

بسم الله الرحمن الرحيم

أخبرنا الشيخ الحافظ شيخ الإسلام أبو البركات عبد الوهاب بن المبارك ابن أحمد بن الحسن الأنماطي قال : أخبرنا أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار ابن أحمد الصيرفي بقراءتي عليه ، قال : أبو يعلى أحمد بن عبد الواحد بن محمد ابن جعفر الحريري ، قال : أبو الحسن محمد بن ثابت بن عبد الله بن ثابت ، قال : أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن عقبة بن الوليد بن همام الشيباني ، قال : أبو محمد سليمان بن الربيع بن هشام النهدي الخزاز ، قال :

نصر بن مزاحم ، عن عمر ، عن فضيل بن خديج أن قيس بن فهدان كان يحرض أصحابه ويقول :

« إذا شددتم فشدوا جميعا وغضوا الأبصار ، وأقلوا الكلام واللغط ، واعتوروا الأقران(١) ، ولا تؤتين من قبلكم العرب ».

وقتل نهيك بن عزيز من بني الحارث بن عدي ، وعمرو بن يزيد من بني ذهل ، وسعد بن عمر(٢) من بني بدا. وخرج قيس بن يزيد(٣) الكندي ـ وهو ممن فر إلى معاوية من علي ـ فخرج إليه من أصحاب علي [ قيس بن

__________________

(١) في الأصل : « وأغنوا الأقران » صوابه في الطبري ( ٦ : ١٧ ). وهذا الكلام لم يرد في مظنه من ح.

(٢) الطبري : « وسعيد بن عمرو » ولم ينسبه إلى قبيلته.

(٣) في الأصل : « زيد » صوابه من الطبري.

٢٨٥

عمرو بن عمير بن(١) ] يزيد ، أبو العمرطة ، فلما دنا منه عرفه فانصرف كل واحد منهما عن صاحبه.

نصر ، عن عمر قال : حدثني رجل عن أبي الصلت التيمي ، قال أشياخ من محارب : إنه كان رجل منهم يقال له عنتر بن عبيد بن خالد(٢) ، وكان من أشجع الناس يوم صفين ، فلما رأى أصحابه منهزمين أخذ ينادي : يا معشر قيس ، أطاعة الشيطان آثر عندكم من طاعة الله؟! [ ألا إن ] الفرار فيه معصية الله وسخطه ، والصبر فيه طاعة الله ورضوانه. [ أفتختارون سخط الله على رضوانه ، ومعصيته على طاعته ]. فإنما الراحة بعد الموت لمن مات محتسبا لنفسه. وقال(٣) :

لاوألت نفس امرئ ولت دبر(٤)

أنا الذي لا أنثنى ولا أفر

ولا يرى مع المعازيل الغدر(٥)

فقاتل حتى ارتث. ثم إنه بعد ذلك خرج في الخمسمائة(٦) الذين خرجوا مع فروة(٧) بن نوفل الأشجعي ، فنزلوا بالدسكرة والبندنيجين(٨) . ثم إن النخع قاتلت قتالا شديدا فأصيب منهم يومئذ بكر بن هوذة ، وحنان

__________________

(١) تكملة يصح بها الكلام. انظر ما سبق من ٢٦٨. وفي الطبري. « أبو العمرطة بن يزيد ».

(٢) الطبري : « خنثر بن عبيدة بن خالد ».

(٣) وردت هذه الكلمة بعد البيت الأول من الرجز التالي. وموضعها هنا.

(٤) وألت : نجت. وفي الأصل : « وأبت » صوابه في ح والطبري.

(٥) المعازيل : جمع معزال ، وهو الذي لا سلاح معه.

(٦) في الأصل : « خمسمائة » صوابه في الطبري.

(٧) في الأصل : « فرفة » تحريف ، صوابه في الطبري. وفي تقريب التهذيب : « فروة بن نوفل الأشجعي ، مختلف في صحبته ، والصواب أن الصحبة لأبيه ». وانظر الإصابة ٧٠٣٣. ولم يرد ذكره في معجم المرزباني المطبوع ، مع نص الإصابة على أن المرزباني ذكره في المعجم.

(٨) البندنيجين : بلدة في طرف النهروان من ناحية الجبل من أعمال بغداد.

٢٨٦

ابن هوذة(١) ، وشعيب بن نعيم من بني بكر النخع ، وربيعة بن مالك بن وهبيل(٢) ، وأبي بن قيس أخو علقمة [ بن قيس الفقيه(٣) ] ، وقطعت رجل علقمة بن قيس ، فكان يقول : ما أحب أن رجلي أصح ما كانت ؛ لما أرجو بها من حسن الثواب من ربي. ولقد كنت أحب أن أبصر في نومي أخي وبعض إخواني ، فرأيت أخي في النوم فقلت له : يا أخي ، ماذا قدمتم عليه؟ فقال : التقينا نحن والقوم فاحتججنا عند الله عز وجل فحججناهم. فما سررت بشئ مذ عقلت كسروري بتلك الرؤيا.

نصر ، عن عمر ، عن سويد بن حبة النضري(٤) ، عن الحضين(٥) بن المنذر [ الرقاشي ] قال : إن ناسا كانوا أتوا عليا قبل الوقعة في هذا اليوم ، فقالوا : إنا لا نري خالد بن المعمر السدوسي إلا قد كاتب معاوية ، وقد خشينا أن يتابعه. فبعث إليه علي وإلى رجال من أشرافهم ، فحمد الله ربه تبارك وتعالى وأثنى عليه ثم قال :

أما بعد يا معشر ربيعة فأنتم أنصاري ، ومجيبو دعوتي ، ومن أوثق حي في العرب في نفسي ، ولقد بلغني أن معاوية قد كاتب صاحبكم خالد بن المعمر ، وقد أتيت(٦) به ، وقد جمعتكم له لأشهدكم عليه وتسمعوا أيضا مني ومنه ». ثم أقبل عليه فقال : « يا خالد بن المعمر ، إن كان ما بلغني عنك حقا فإني

__________________

(١) الطبري : « حيان بن هوذة ».

(٢) في الأصل : « وسعير بن نعيم من بني بكر بن ربيعة ومالك بن نهشل ». وأثبت ما في الطبري ( ٦ : ١٨ ).

(٣) هذه التكملة من الطبري.

(٤) ح ( ١ : ٤ ٥ ) : « بن حبة البصري » الطبري : « بن حبة الأسدي ».

(٥) هو الحضين بن المنذر بن الحارث بن وعلة الرقاشي ، فارس شاعر من كبار التابعين مات على رأس المائة. انظر المؤتلف ٨٧ وتهذيب التهذيب والخزانة ( ٢ : ٨٩ ـ ٩٠ ). وحضين ، بالضاد المعجمة وبهيئة التصغير. وفي الأصل وح : « الحصين » صوابه في الطبري.

(٦) في الأصل : « أوتيت به » صوابه في ح والطبري.

٢٨٧

أشهد الله ومن حضرني من المسلمين أنك آمن حتى تلحق بالعراق أو بالحجاز ، أو أرض لا سلطان لمعاوية فيها. وإن كنت مكذوبا عليك فأبر صدورنا بأيمان نطمئن إليها ».

فحلف له بالله ما فعل ، وقال رجال منا كثير : والله لو نعلم أنه فعل لقتلناه.

وقال شقيق بن ثور [ السدوسي(١) ] : ما وفق الله الله خالد بن المعمر حين نصر معاوية وأهل الشام على علي وربيعة. فقال له زياد بن خصفة : يا أمير المؤمنين ، استوثق من ابن المعمر بالأيمان لا يغدر. فاستوثق منه ، ثم انصرفنا فلما كان يوم الخميس انهزم الناس من الميمنة فجاءنا علي حتى انتهى إلينا ومعه بنوه ، فنادى بصوت عال جهير كغير المكترث لما فيه الناس ، وقال : لمن هذه الرايات؟ قلنا : رايات ربيعة. قال : بل هي رايات الله ، عصم الله أهلها وصبرهم وثبت أقدامهم. ثم قال لي [ وأنا حامل راية ربيعة يومئذ ] : يا فتى ، ألا تدني رايتك هذه ذراعا؟ فقلت له : نعم والله ، وعشرة أذرع(٢) . ثم ملت(٣) بها [ هكذا ] فأدنيتها ، فقال لي : حسبك ، مكانك.

نصر ، عن أبي عبد الرحمن قال : حدثني المثنى بن صالح ـ من بني قيس ابن ثعلبة ـ عن يحيي بن مطرف أبي الأشعث العجلي ، شهد مع علي صفين ، قال : لما نصبت الرايات اعترض على الرايات ثم انتهى إلى رايات ربيعة فقال : لمن هذه الرايات؟ فقلت : رايات ربيعة. قال : بل هي رايات الله.

__________________

(١) هذه التكملة من الطبري.

(٢) كذا في الأصل وح. وهي صحيحة ، فإن الذراع قد يذكر. وفي الطبري : « عشر أذرع ».

(٣) في الأصل : « فقلبت » وأثبت ما في ح ( ١ : ٤٩٥ ).

٢٨٨

نصر ، عن عمرو بن شمر قال : أقبل الحضين(١) بن المنذر ـ وهو يومئذ غلام ـ يزحف برايته. قال السدي : وكانت حمراء. فأعجب عليا زحفه وثباته فقال :

لمن راية حمراء يخفق ظلها

إذا قيل قدمها حضين تقدما(٢)

ويدنو بها في الصف حتى يديرها

حمام المنايا تقطر الموت والدما(٣)

تراه إذا ما كان يوم عظيمة

أبي فيه إلا عزة وتكرما

جزى الله قوما صابروا في لقائهم

لدى البأس حراما أعف وأكرما(٤)

وأحزم صبرا حين تدعى إلى الوغى

إذا كان أصوات الكماة تغمغما

ربيعة أعني ، إنهم أهل نجدة

وبأس إذا لا قوا خميسا عرمرما

وقد صبرت عك ولخم وحمير

لمذحج حتى لم يفارق دم دما

ونادت جذام يال مذحج ويلكم

جزى الله شرا أينا كان أظلما

أما تتقون الله في حرماتكم

وما قرب الرحمن منها وعظما

أذقنا ابن حرب طعننا وضرابنا

بأسيافنا حتى تولى وأحجما

وفر ينادي الزبرقان وظالما

ونادى كلاعا والكريب وأنعما(٥)

وعمرا وسفيانا وجهما ومالكا

وحوشب والغاوي شريحا وأظلما

__________________

(١) في الأصل : « الحصين » صوابه بالضاد المعجمة. انظر ما سبق ص ٢٨٧.

(٢) في الأصل وح : « حصين » صوابه بالضاد المعجمة كما في الطبري ( ٦ : ٢٠ )

(٣) وهي أيضا رواية ح. وفي الطبري :

« حتى يزيرها * حياض المنايا »

(٤) الحر : الفعل الحسن الجميل. وجاء في قول طرفة :

لا يكن حبك داء داخلا

ليس هذا منك ماوى بحر

ورواية الطبري : « لدى الموت قوما ».

(٥) في الأصل : « وحتى ينادي زبرقان بن أظلم » ، وأثبت ما في ح ( ١ : ٤٩٦ )

٢٨٩

وكرز بن نبهان وعمرو بن جحدر

وصباحا القيني يدعو وأسلما(١)

نصر : عن عمر ، قال حدثني الصلت بن يزيد بن أبي الصلت التيمي قال : سمعت أشياخ الحي من بني تيم الله بن ثعلبة(٢) يقولون : كانت راية ربيعة كوفيتها وبصريتها(٣) مع خالد بن المعمر [ من أهل البصرة. قال : وسمعتهم يقولون : إن خالد بن المعمر(٤) ] وسعيد بن ثور(٥) السدوسي ، اصطلحا أن يوليا راية بكر بن وائل من أهل البصرة الحضين(٦) بن المنذر. قالوا : وتنافسا في الراية قالا : هذا فتى له حسب ونجعلها له حتى نرى من رأينا. ثم إن عليا أعطى الراية خالد بن المعمر ، راية ربيعة كلها.

قال : وضرب معاوية لحمير بسهم على ثلاث قبائل لم يكن لأهل العراق قبائل أكثر منها عددا يومئذ : على ربيعة ، وهمدان ، ومذحج. فوقع سهم حمير على ربيعة ، فقال ذو الكلاع : قبحك الله من سهم كرهت الضراب. فأقبل ذو الكلاع في حمير ومن لف لفها ، ومعها عبيدالله بن عمر بن الخطاب

__________________

(١) ح : « بن تيهان » بالتاء ، و « صباحا الليثي ». وقد عقب ابن أبي الحديد على هذه الأبيات بقوله : « قلت : هكذا روى نصر بن مزاحم. وسائر الرواة رووا لهعليه‌السلام الأبيات الستة الأولى ، ورووا باقي الأبيات من قوله : وقد صبرت عك ، للحضين بن المنذر صاحب الراية ».

(٢) هم بنو تيم الله بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصي بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة. انظر المعارف ص ٤٤ وما قبلها. وفي الأصل : « تميم بن ثعلبة » صوابه في الطبري. ومما هو جدير بالذكر أن في العرب : « تيم بن ثعلبة » وهؤلاء في قحطان من ولد طيئ بن أدد. وليس في العرب إلا تميمان : تميم بن مر القبيلة المعروفة ، وتميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن الياس بن مضر. انظر لهذه المعارف ص ٣٠.

(٣) الطبري : « أهل كوفتها وبصرتها ». انظر ( ٦ : ١٨ ).

(٤) هذة التكملة من الطبري.

(٥) الطبري : « سفيان بن ثور » ، مع إسقاط النسبة بعده.

(٦) في الأصل : « الحصين » بالمهملة ، تحريف. انظر ما سبق في ٢٨٧.

٢٩٠

في أربعة آلاف من قراء أهل الشام قد بايعوا على الموت ، وهي ميمنة أهل الشام وعلى ميمنتهم ذو الكلاع ، فحملوا على ربيعة ـ وهم ميسرة أهل العراق ـ وفيهم عبد الله بن العباس وهو على الميسرة ، فحمل عليهم ذو الكلاع وعبيد الله بن عمر ، فحملوا على ربيعة حملة شديدة بخيلهم  ورجالهم ، فتضعضعت رايات ربيعة ، فتثبتوا إلا قليلا من الأحشام والأنذال(١) . ثم إن أهل الشام انصرفوا ولم يمكثوا إلا قليلا حتى كروا [ ثانية ] وعبيد الله بن عمر [ في أوائلهم ] يقول : « يا أهل الشام ، هذا الحي من أهل العراق قتلة عثمان بن عفان ، وأنصار علي بن أبي طالب. وإن هزمتم هذه القبيلة أدركتم ثأركم في عثمان وهلك علي وأهل العراق ».

فشدوا على الناس شدة شديدة فثبتت لهم ربيعة وصبروا صبرا حسنا إلا قليلا من الضعفاء ، وثبت أهل الرايات وأهل البصائر منهم والحفاظ ، وقاتلوا قتالا شديدا. فلما رأى خالد بن المعمر أناسا قد انهزموا من قومه انصرف ؛ فلما رأى أصحاب الرايات قد ثبتوا ورأى قومه قد صبروا رجع وصاح بمن انهزم بالرجوع ، فقال من أراد أن يتهمه [ من قومه ] : أراد الانصراف فلما رآنا قد ثبتنا رجع إلينا؟ وقال هو(٢) : لما رأيت رجالا منا قد انهزموا رأيت أن أستقبلهم ثم أردهم إليكم ، فأقبلت إليكم بمن أطاعني منهم. فجاء يأمر مشتبه(٣) .

وكان بصفين أربعة آلاف محجف من عنزة(٤) .

__________________

(١) الأحشام : الأنباع. وعند الطبري : « فتضعضعت رايات ربيعة إلا قليلا من الأخيار والأبدال ». ومؤدي العبارتين واحد. وهذا الخبر من أوله روى في ح مختصرا ، ولم أجد فيه مواضع المقابلة التي أشرت إليها من الطبري.

(٢) في الأصل : « لهم » وأثبت ما في ح ( ١ : ٤٩٦ ) والطبري.

(٣) الطبري : « بأمر مشبه ».

(٤) ح : « وكان في جملة ربيعة من عنزة وحدها أربعة آلاف مجفف ». والمحجف : لابس الحجفة ، وهي ترس يتخذ من جلود الإبل يطارق بعضها ببعض. والمجفف في رواية ح صحيحة أيضا ، رجل مجفف لبس التجفاف ، وهو بالفتح : ما جلل به الفرس من سلاح وآلة

٢٩١

نصر ، عن عمر قال : حدثني رجل من بكر بن وائل ، عن محرز بن عبد الرحمن [ العجلى(١) ] أن خالد بن المعمر قال :

« يا معشر ربيعة ، إن الله عز وجل قد أتى بكل رجل منكم من منبته ومسقط رأسه فجمعكم في هذا المكان جمعا لم تجتمعوا مثله ، منذ نشركم في الأرض(٢) ، وإنكم إن تمسكوا أيديكم تنكلوا عن عدوكم ، وتحولوا عن مصافكم(٣) ، لا يرضي الرب فعلكم ، ولا تعدموا معيرا يقول : فضحت ربيعة الذمار ، وخامت عن القتال(٤) ، وأتيت(٥) من قبلها العرب. فإياكم أن يتشاءم بكم المسلمون اليوم. وإنكم إن تمضوا مقدمين ، وتصبروا محتسبين فإن الإقدام منكم عادة ، والصبر منكم سجية. فاصبروا ونيتكم صادقة تؤجروا ، فإن ثواب من نوى ما عند الله شرف الدنيا وكرامة الآخرة ، ولا يضيع الله أجر من أحسن عملا ».

فقام إليه رجل من ربيعة فقال : « ضاع والله أمر ربيعة حين جعلت أمرها إليك ، تأمرنا ألا نحول ولا نزول حتى نقتل أنفسنا ونسفك دماءنا. ألا ترى إلى الناس قد انصرف جلهم ». فقام إليه رجال من قومه فتناولوه

__________________

تقيه الجراح. وفي اللسان : « وقد يلبسه الإنسان أيضا ». قال ابن أبي الحديد : « قلت : لا ريب عند علماء السير أن خالد بن المعمر كان له باطن سوء مع معاوية ، وأنه انهزم ذلك اليوم ليكسر الميسرة على عليعليه‌السلام . ذكر ذلك الكلبي والواقدي وغيرهما. ويدل على باطنه هذا أنه لما استظهرت ربيعة على معاوية وعلى صفوف أهل الشام في اليوم الثاني من هذا أرسل معاوية إلى خالد بن المعمر : أن كف ولك إمارة خراسان ما بقيت. فرجع بربيعة وقد شارفوا أخذه من مضربه ».

(١) التكملة من الطبري.

(٢) في الأصل : « هذا فرشكم الأرض » صوابه في الطبري.

(٣) الطبري : « ونزلوا عن مصافكم ».

(٤) خامت : جبنت. وفي الأصل : « حامت » بالمهملة ، تحريف. وفي ح : « خاموا ». وفي الطبري : « حاصت ». والحيص : العدول والفرار والهرب.

(٥) في الأصل : « وأوتيت » صوابه من ح والطبري.

٢٩٢

بقسيهم(١) ، ولكزوه بأيديهم ، فقال لهم خالد بن المعمر : « أخرجوا هذا من بينكم ؛ فإن هذا إن بقى أضربكم ، وإن خرج منكم لم ينقصكم هذا الذي لا ينقص العدد ولا يملأ البلد. برحك(٢) الله من خطيب قوم! كيف جنبك الخير(٣) ! ».

واشتد قتال ربيعة وحمير وعبيد الله بن عمر ، حتى كثرت القتلى فيما بينهم ، وحمل عبيد الله بن عمر فقال : أنا الطيب ابن الطيب. قالوا : أنت الخبيث ابن الطيب. فقتل شمر بن الريان بن الحارث(٤) ، وهو من أشد الناس بأسا. ثم خرج نحو من خمسمائة فارس أو أكثر من أصحاب علي ، على رؤوسهم البيض وهم غائصون في الحديد ، لا يرى منهم إلا الحدق ، وخرج إليهم من أهل الشام نحوهم في العدو فاقتتلوا بين الصفين والناس تحت راياتهم ، فلم يرجع من هؤلاء ولا من هؤلاء مخبر لا عراقي ولا شامي ، قتلوا جمعا بين الصفين.

نصر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن تميم قال : نادى منادي أهل الشام : ألا إن معنا الطيب ابن الطيب ، عبيد الله بن عمر. فقال عمار بن ياسر : بل هو الخبيث [ ابن الطيب ]. ونادى منادي أهل العراق : ألا إن معنا الطيب ابن الطيب ، محمد بن أبي بكر. فنادى منادي أهل الشام : بل هو الخبيث ابن الطيب. وفي حديث : فقال عقبة بن سلمة أخو بني رقاش(٥) من أهل الشام ، وكان بصفين تل يلقى عليه جماجم الرجال [ وكان يدعى تل الجماجم ] ، فقال :

__________________

(١) في الأصل : « بفيهم » صوابه في ح ( ١ : ٤٩٦ ). وفي الطبري : « وتناولوه بألسنتهم ».

(٢) برح به : عذبه. وفي الأصل : « يرحمك الله » ، صوابه في الطبري. ح : « ترحك الله » يقال ترحه الأمر تتريحا : أحزنه.

(٣) جنبه : بعد عنه. ح : « لقد جنبك الخير ». الطبري : « كيف جنبك السداد ».

(٤) الطبري : « سمير بن الريان بن الحارث العجلي ».

(٥) ح : « عقبة بن مسلم الرقاشي ».

٢٩٣

لم أر فرسانا أشد بديهة

وأمنع منهم يوم تل الجماجم(١)

غداة غدا أهل العراق كأنهم

نعام تلاقي في فجاج المخارم

إذا قلت قد ولوا أنابت كتيبة

ململمة في البيض شمط المقادم

وقالوا لنا : هذا علي فبايعوا

فقلنا ألا لا بالسيوف الصوارم(٢)

وثرنا إليهم بالسيوف وبالقنا

تدافعهم فرساننا بالتزاحم

وقد كان معاوية نذر في سبي نساء ربيعة وقتل المقاتلة ، فقال في ذلك خالد بن المعمر :

تمنى ابن حرب نذرة في نسائنا

ودون الذي ينوى سيوف قواضب

ونمنح ملكا أنت حاولت خلعه

بني هاشم قول امرئ غير كاذب

وقال أيضا :

وفتنة مثل ظهر الليل مظلمة

لا يستبين لها أنف ولا ذنب

فرجتها بكتاب الله فانفرجت

وقد تحير فيها سادة عرب

وقال شبث بن ربعي :

وقفنا لديهم يوم صفين بالقنا

لدن غدوة حتى هوت لغروب

وولى ابن حرب والرماح تنوشه

وقد أرضت الأسياف كل غضوب(٣)

نجالدهم طورا وطورا نصدهم

على كل محبوك السراة شبوب(٤)

بكل أسيل كالقراط ، إذا بدت

لوائحها بين الكماة ، لعوب(٥)

__________________

(١) ح ( ١ : ٤٩٧ ) : « أشد حفيظة ».

(٢) ح : « فقلنا صه بل بالسيوف ».

(٣) في الأصل : « وقد غضب الأحلاس » صوابه في ح.

(٤) ح : « وطورا نشلهم ». والشل : الطرد. والسراة ، بالفتح : الظهر. والمحبوك : المدمج. وفي الأصل : « محنوك » صوابه بالباء ، كما في ح.

(٥) القراط ، بالكسر : شعلة السراج.

٢٩٤

نجالد غسانا وتشقى بحربنا

جذام ووتر العبد غير طلوب(١)

فلم أر فرسانا أشد حفيظة

إذا غشى الآفاق نفح جنوب

أكر وأحمى بالغطاريف والقنا

وكل حديد الشفرتين قضوب

وقال ابن الكؤاء :

ألا من مبلغ كلبا ولخما

نصيحة ناصح فوق الشقيق

فإنكم وإخوتكم جميعا

كباز حاد عن وضح الطريق

وبعتم دينكم برضاء عبد

أضل بها مصافحة الرقيق(٢)

وقمتم دوننا بالبيض صلتا

بكل مصانع مثل الفنيق(٣)

وساروا بالكتائب حول بدر

يضيء لدى الغبار من البريق

يعني بالبدر عليا. حتى إذا كان يوم الخميس التاسع من صفر ، خطب الناس معاوية وحرضهم وقال :

« إنه قد نزل من الأمر ما قد ترون ، وحضركم ما قد حضركم. فإذا نهدتم إليهم إن شاء الله فقدموا الدارع ، وأخروا الحاسر ، وصفوا الخيل مجنبين ، وكونوا كقص الشارب ، وأعيرونا جماجمكم ساعة ، فإنما هو ظالم أو مظلوم. وقد بلغ الحق مقطعه ، والناس على تعبئة أخرى ».

نصر ، عن عمر قال : حدثني رجل عن جابر ، عن الشعبي قال : قام معاوية يخطب بصفين قبل الوقعة العظمي فقال :

« الحمد لله الذي علا في دنوه ، ودنا في علوه ، وظهر وبطن ، وارتفع فوق

__________________

(١) غير طلوب : أي قريب سهل المنال. وأصله من قولهم « بئر طلوب » أي بعيدة الماء.

(٢) العبد : العبيد ، والأصل فيه ضم الباء ، وسكنها للشعر.

(٣) المصانع : الفرس الذي لا يعطيك جميع ما عنده من السير ، له صون يصونه ، فهو يصانعك ببذله سيره. وفي الأصل : « مضالع » ولا وجه له. والفنيق : الفحل المكرم.

٢٩٥

كل منظر ، أولا وآخرا ، وظاهرا وباطنا ، يقضي فيفصل ، ويقدر فيغفر ، ويفعل ما يشاء ، إذا أراد أمرا أمضاه ، وإذا عزم على أمر قضاه ، لا يؤامر أحدا فيما يملك ، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون. والحمد لله رب العالمين على ما أحببنا وكرهنا. ثم كان فيما قضى الله أن ساقتنا المقادير(١) إلى هذه البقعة من الأرض ، ولف بيننا وبين أهل العراق ، فنحن من الله بمنظر. وقد قال سبحانه :( ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد ) . انظروا يا معاشر أهل الشام فإنما تلقون غدا أهل العراق ، فكونوا على إحدى ثلاث أحوال : إما أن تكونوا قوما طلبتم ما عند الله في قتال قوم بغوا علكم فأقبلوا من بلادهم حتى نزلوا في بيضتكم ، وإما أن تكونوا قوما تطلبون بدم خليفتكم وصهر نبيكم صلى الله عليه ، وإما أن تكونوا قوما تذبون عن نسائكم وأبنائكم. فعليكم بتقوى الله والصبر الجميل. أسأل الله لنا ولكم النصر ، وأن يفتح بيننا وبين قومنا بالحق وهو خير الفاتحين ».

فقام ذو الكلاع فقال : يا معاوية :

إنا لنحن الصبر الكرام(٢)

لا ننثني عند الخصام

بنو الملوك العظام

ذوو النهى والأحلام

لا يقربون الآثام

فلما سكت قال له معاوية : صدقت.

نصر قال : أخبرني عمر بن سعد قال : أخبرني رجل عن جيفر بن أبي

__________________

(١) في الأصل : « وساقتنا المقادير » صوابه في ح ( ١ : ٤٩٧ ).

(٢) كذا ورد هذا الشعر على ما به من اضطراب ظاهر في الوزن. وهو أشبه ما يكون بالنثر والتسجيع. وفي ح : « نحن الصبر الكرام ».

٢٩٦

القاسم(١) [ العبدي(٢) ] ، عن يزيد بن علقمة ، عن زيد بن بدر ، أن زياد بن خصفة أتى عبد القيس يوم صفين وقد عبيت قبائل حمير مع ذي الكلاع ـ وفيهم عبيد الله بن عمر بن الخطاب ـ لبكر بن وائل ، فقاتلوا قتالا شديدا خافوا [ فيه(٣) ] الهلاك ، فقال زياد لعبد القيس : لا بكر بعد اليوم ، إن ذا الكلاع وعبيد الله أبادا ربيعة ، فانهضوا لهم وإلا هلكوا. فركبت عبد القيس وجاءت كأنها غمامة سوداء ، فشدت إزاء الميسرة ، فعظم القتال فقتل ذو الكلاع الحميري ، قتله رجل من بكر بن وائل اسمه خندف ، وتضعضعت أركان حمير ، وثبتت بعد ذي الكلاع تحارب مع عبيد الله بن عمر.

وبعث عبيد الله بن عمر إلى الحسن بن علي فقال : إن لي إليك حاجة فالقني. فلقيه الحسن فقال له عبيد الله : إن أباك قد وتر قريشا أولا وآخرا ، وقد شنئوه فهل لك أن تخلفه ونوليك(٤) هذا الأمر؟ قال : كلا والله لا يكون ذلك. ثم قال له الحسن : لكأني أنظر إليك مقتولا في يومك أو غدك. أما إن الشيطان قد زين لك وخدعك حتى أخرجك مخلقا بالخلوق ترى نساء أهل الشام موقفك ، وسيصرعك الله ويبطحك لوجهك قتيلا. قال : فو الله ما كان إلا كيومه أو كالغد وكان القتال. فخرج عبيد الله في كتيبة رقطاء ـ وهي الخضرية ـ كانوا أربعة آلاف ، عليهم ثياب خضر ، ونظر الحسن فإذا هو برجل متوسد رجل قتيل قد ركز رمحه في عينه ، وربط فرسه برجله ، فقال الحسن لمن معه : انظروا من هذا. فإذا هو برجل من همدان ، فإذا القتيل

__________________

(١) في الأصل : « جيفر عن القاسم » وأثبت ما في الطبري.

(٢) هذه التكملة من الطبري. وفي لسان الميزان ومنتهي المقال : « جيفر بن الحكم العبدي » فلعله هو. والعبدي : نسبة إلى عبد القيس.

(٣) هذه التكملة من الطبري.

(٤) في الأصل : « ونليك ». وفي ح ( ١ : ٤٩٨ ) : « وأن تتولى أنت ».

٢٩٧

عبيد الله بن عمر بن الخطاب ، قد قتله وبات عليه حتى أصبح ، ثم سلبه. فسأل الرجل من هو؟ فقال(١) : رجل من همدان ، وإنه قتله. فحمد الله وحزنا القوم حتى اضطررناهم إلى معسكرهم.

واختلفوا في قاتل عبيد الله ، فقالت همدان : قتله هانئ بن الخطاب. وقالت حضر موت : قتله مالك بن عمرو السبيعى ، وقالت بكر بن وائل : قتله رجل منا من أهل البصرة يقال له محرز بن الصحصح من بني [ عائش بن مالك بن(٢) ] تيم اللات بن ثعلبة ، وأخذ سيفه ذا الوشاح فأخذ به معاوية بالكوفة بكر بن وائل حين بويع ، فقالوا(٣) : إنما قتله رجل منا من أهل البصرة يقال له محرز بن الصحصح. فبعث معاوية إليه بالبصرة فأخذ السيف منه.

نصر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن الشعبي قال : فعند ذلك يقول كعب بن جعيل التغلبي في قتل عبيد الله بن عمر :

ألا إنما تبكي العيون لفارس

بصفين أجلت خيله وهو واقف

تبدل من أسماء أسياف وائل

وأي فتى لو أخطأته المتالف

تركن عبيد الله بالقاع مسلما

يمج دماه والعروق نوازف(٤)

ينوء وتغشاه شآبيب من دم

كما لاح في حبيب القميص الكفائف

دعاهن فاستسمعن من أين صوته

وأقبلن شتى والعيون ذوارف(٥)

__________________

(١) في الأصل : « فقالوا ».

(٢) التكملة من الطبري.

(٣) في الأصل : « فقال ».

(٤) مسلما : متروكا. وفي الأصل : « مسلبا » صوابه في ح. وفي ح : « يمج دماء ».

(٥) قال ابن أبي الحديد في ( ١ : ٤٩٩ ) : « الضمير في قوله : دعاهن فاستسمعن من أين صوته ، يرجع إلى نساء عبيد الله. وكان تحته أسماء بنت عطارد بن حاجب بن زرارة التميمي ، وبحرية بنت هانئ بن قبيصة الشيباني. وكان عبيد الله قد أخرجهما معه إلى الحرب في ذلك اليوم لينظرا إلى قتاله ».

٢٩٨

وقد صبرت حول ابن عم محمد

لدى الموت شهباء المناكب شارف(١)

فما برحوا حتى رأى الله صبرهم

وحتى أتيحت بالأكف المصاحف

بمرج ترى الرايات فيه كأنها

إذا اجتنحت للطعن طير عواكف(٢)

جزى الله قتلانا بصفين خير ما

جزاه عبادا غادرتها المواقف

وفي حديث عمر : قال كعب بن جعيل في قتل عبيد الله بن عمر :

يقول عبيد الله لما بدت له

سحابة موت تقطر الحتف والدما

ألا يالقومي اصبروا إن صبرنا

أعف وأحجى ، عفة وتكرما

فلما تلاقي القوم خر مجدلا

صريعا فلاقي الترب كفيه والفما

وخلف أطفالا يتامى أذلة

وخلف عرسا تسكب الدمع أيما

حلالا لها الخطاب لا تتقيهم

وقد كان يحمى غيرة أن تكلما

وحمل عبيد الله بن عمر وهو يقول :

أنا عبيد الله ينميني عمر

خير قريش من مضى ومن غبر

إلا نبي الله والشيخ الأغر

قد أبطأت عن نصر عثمان مضر

والربعيون فلا أسقوا المطر

وسارع الحي اليمانون الغرر

والخير في الناس قديما يبتدر

فحمل عليه حريث بن جابر الحنفي وهو يقول :

قد سارعت في نصرها ربيعه

في الحق والحق لهم شريعه

فاكفف فلست تارك الوقيعة

في العصبة السامعة المطيعة

حتى تذوق كأسها الفظيعه(٣)

__________________

(١) في الأصل : « شهباء المبارك » صوابه في ح. عني بها الكتيبة قد صارت مناكبها شهباء لما يعلوها من بياض الحديد.

(٢) اجتنحت : مالت. وفي ح : « جنحت » وهما بمعنى.

(٣) في الأصل : « القطيعة » صوابه في ح ( ١ : ٤٩٨ ).

٢٩٩

فطعنه فصرعه وأخذ لواءه ابن جون السكوني.

وفي حديث محمد بن عبيد الله ، عن الجرجاني ، قال الصلتان العبدى [ يذكر مقتل عبيد الله ، وأحريث بن جابر الحنفي قتله ] :

ألا يا عبيد الله ما زلت مولعا

ببكر لها تهدى اللغا والتهددا(١)

كأن حماة الحي من بكر وائل

بذي الرمث أسد قد تبو أن غرقدا

وكنت سفيها قد تعودت عادة

وكل امرئ جار على ما تعودا

فأصحبت مسلوبا على شر آلة

صريع قناوسط العجاجة مفردا(٢)

تشق عليك الجيب ابنة هانيء

مسلبة تبدى الشجا والتلددا(٣)

وكانت ترى ذا الأمر قبل عيانه

ولكن أمر الله أهدى لك الردى

وقالت : عبيد الله لا تأت وائلا

فقلت لها : لا تعجلي وانظري غدا

فقد جاء ما منيتها فتسلبت

عليك وأمسى الجيب منها مقددا

حباك أخو الهيجا حريث بن جابر

بجياشة تحكى الهدير المنددا(٤)

نصر ، عن عمر ، عن الزبير بن مسلم قال : سمعت حضين بن المنذر يقول : أعطاني على الراية ثم قال : سر على اسم الله يا حضين(٥) ، واعلم أنه لا يخفق على رأسك راية أبدا مثلها. إنها راية رسول الله صلى الله عليه وسلم.

__________________

(١) اللغا ، بالفتح : الباطل. وفي الأصل :« اللقا » تحريف. وفي ح : « القرى ».

(٢) الآلة ، هنا ، بمعنى الحالة.

(٣) المسلبة : المحد التي تلبس الثياب السود للحداد. والذي ذكرته المعاجم « المسلب » بدون هاء. والتلدد : التلفت يمينا ويسارا في حيرة وتبلد.

(٤) الجياشة : الطعنة التي يفور منها الدم. والمندد ، من التنديد ، وهو رفع الصوت. وفي الأصل : « المبددا » تحريف. وفي ح :

* بحاسمة تحكى بها النهر مزبدا *

(٥) في الأصل : « حصين » صوابه بالمعجمة ، كما سبق في ص ٢٨٧.

٣٠٠