وقعة النهروان او الخوارج

وقعة النهروان او الخوارج0%

وقعة النهروان او الخوارج مؤلف:
الناشر: منشورات الشريف الرضي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 328

وقعة النهروان او الخوارج

مؤلف: أبو العباس جعفر بن محمّد المستغفري
الناشر: منشورات الشريف الرضي
تصنيف:

الصفحات: 328
المشاهدات: 83944
تحميل: 6095

توضيحات:

وقعة النهروان او الخوارج
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 328 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 83944 / تحميل: 6095
الحجم الحجم الحجم
وقعة النهروان او الخوارج

وقعة النهروان او الخوارج

مؤلف:
الناشر: منشورات الشريف الرضي
العربية

لا كشفاً ميلا ولا اوغاداً

هيهات لا تلفوننا رقـاداً

لا بل اذا صيح بنا آسادا

ثم حمل على القوم فرجعوا عنه. فاتبعهم وصاح بهم الى اين يا كلاب النار فقالوا انما اعدت النار لك ولأصحابك. فقال الحريش كل مملوك لي حر ان لم تدخلوا النار ان دخلها مجوسي فيما بين سفوان وخراسان ، ثم قال بعضهم لبعض نأتي عسكر ابن مخنف(١) فانه لا خندق عليهم وقد تعب فرسانهم اليوم مع المهلب. وقد زعموا انا أهون عليهم من ضرطة جمل. فأتوهم فلم يشعر ابن مخنف وأصحابه بهم الا وقد خالطوهم في عسكرهم. فترجل عند ذلك عبد الرحمن بن مخنف فجالدهم فقتل ، وقتل معه سبعون من القراء. فيهم نفر من أصحاب علي بن ابي طالب صلوات الله عليه ، ونفر من أصحاب ابن مسعود. وبلغ الخبر الى المهلب وجعفر بن عبد الرحمن بن مخنف عند المهلب. فجاءهم مغيثاً فقاتلهم حتى ارتث وصرع ، ووجه المهلب اليهم ابنه حبيباً فكفهم ، ثم جاء المهلب حتى صلى على ابن مخنف وأصحابه. وصار جنده في جند المهلب فضمهم الى ابنه حبيب فعيرهم البصريون. فقال رجال لجعفر بن عبد الرحمن :

__________________

(١) قال المبرد : في الكامل. كان ابن مخنف شريفاً يقول رجل من عامد لرجل يعاتبه ويضرب بابن مخنف المثل.

تروح وتغدو كل يوم معظماً

كانك فينا مخنف وابن مخنف

١٢١

تـركت أصحابنـا تـدمى نحورهم

وجئت تسعى الينا خضفة الجمل(٢)

فلا مهم المهلب. وقال بئسما قلتم. والله ما فروا ولا جبنوا ولكن خالفوا اميرهم أفلا تذكرون فراركم يوم دولاب ، وفراركم بدارس ، عن عثمان وفراركم عني.

قال ارباب التاريخ : ووجه الحجاج البراء بن قبيصة المهلب يستحثه في مناجزة القوم. وكتب اليه انك لتحب بقاءهم لتأكل بهم. فقال المهلب لأصحابه حركوهم ، فخرج فرسان من أصحابه اليهم فخرج اليهم من الخوارج جمع فاقتتلوا الى الليل ، فقال لهم الخوارج ويلكم أما تملون؟ فقالوا لا حتى تملوا. قالوا : فمن انتم؟ قالوا تميم. قالت الخوارج ونحن بنو تميم. فلما امسوا افترقوا فلما كان الغد خرج عشرة من أصحاب المهلب. وخرج اليهم عشرة من الخوارج فاحتفر كل واحد منهم حفيرة وأثبت قدمه فيها فكلما قتل رجل جاء رجل من أصحابه فاجتره ووقف مكانه حتى اعتموا. فقال لهم الخوارج ارجعوا فقالوا بل ارجعوا انتم. فقالوا : ويلكم من أنتم؟ فقالوا تميم قالوا : ونحن تميم فرجع البراء بن قبيصة الى الحجاج. فقال مه. قال رأيت قوماً لا يعين عليهم الا الله ، وكتب اليه المهلب اني منتظر بهم احدى ثلاث موت ذريع أو جوع مضر أو اختلاف من اهوائهم.

__________________

(٢) قوله خضفة الجمل ـ أي ضرطة الجمل ـ.

١٢٢

قال : ولما كان يوم النحر والمهلب على المنبر يخطب الناس اذا الشراة قد تألبوا. فقال المهلب سبحان الله افي مثل هذا اليوم ، يا مغيرة اكفنيهم. فخرج اليهم المغيرة بن المهلب. وأمامه سعد بن نجد الفردوسي(١) وتبع المغيرة جماعة من فرسان المهلب فالتقوا ، وامام الخوارج غلام جامع السلاح مديد القامة كريه الوجه شديد الحملة صحيح الفروسية. فأقبل يحمل على الناس وهو يقول :

نحن صبحناكم غداة النحـر

بالخيل أمثال الوشيج تجري

فخرج اليه سعد بن نجد الفردوسي من الأزد. ثم تجاولا ساعة فطعنه سعد فقتله ، والتقى الناس فصرع يومئذ المغيرة فحامى عليه سعد بن نجد. وذبيان السختياني وجماعة الفرسان. حتى ركب وانكشف الناس عند سقطة المغيرة. حتى صاروا الى أبيه المهلب. فقالوا قتل المغيرة. ثم أتاه ذبيان السختياني فأخبره بسلامته. فأعتق كل مملوك بحضرته وصار يناهضهم ثلاثة أيام يعاديهم القتل ولا يزالون كذلك الى العصر. وينصرف أصحابه وبهم قرح والخوارج قرح وقتل قال وكتب الحجاج الى عتاب بن ورقاء الرياحي من بني رياح بن يربوع بن حنظلة. وهو والي أصفهان يأمره بالمسير الى المهلب. وأن يضم جند

____________

(١) كان سعد بن نجد القردوسي شجاعاً متقدماً في شجاعته ، وكان المهلب اذا ظن برجل ان نفسه قد اعجبته. قال له لو كنت سعد بن نجد القردوسي ما هذا. ( وقردوس من الأزد ).

١٢٣

عبد الرحمن بن مخنف فكل بلد تدخلانه من فتوح أهل البصرة. فالمهلب امير الجماعة فيه وأنت على أهل الكوفة ، فاذا دخلتم بلداً فتحه لأهل الكوفة فأنت أمير الجماعة والمهلب على أهل البصرة. فقدم عتاب في احدى جمادى من سنة ست وسبعين على المهلب وهو بسابور ، وهي من فتوح أهل البصرة. فكان المهلب أمير الناس على أصحاب ابي مخنف ، والخوارج في أيديهم كرمان وهم بازاء المهلب بفارس يحاربونه من جميع النواحي. فوجه الحجاج الى المهلب رجلين يستحثانه مناجزة القوم. فغادوا الخوارج. فاقتتلوا أشد قتال فقتل الرجلان ، ثم باكروهم في اليوم الثاني بالحرب ، وأقام المهلب على حربهم. فلما انقضى من مقامه ثمانية عشر شهراً اختلفوا ، وكان سبب اختلافهم أن رجلاً حداداً من الأزارقة كان يعمل نصالاً مسمومة فيرمى بها أصحاب المهلب فرفع ذلك الى المهلب ، فقال : انا اكفيكموه إنشاء الله فوجه رجلاً من أصحابه بكتاب وألف درهم الى عسكر قطري. فقال ألق هذا الكتاب في عسكر قطري واحذر على نفسك ، وكان الحداد يقال له : أبزي. فمضى الرسول ، وكان في الكتاب. أما بعد فان نصالك قد وصلت الي وقد وجهت اليك بألف درهم فاقبضها وزدنا من هذه النصال ، فوقع الكتاب والدراهم الى قطري. فدعا بأبزي ، فقال ما هذا الكتاب؟ قال لا أدري. قال فهذه الدراهم. قال ما أعلم علمها. فأمر به فقتل فجاءه عبد ربه الصغير مولى بني

١٢٤

قيس بن ثعلبة فقال له أقتلت رجلاً على غير ثقة ولا تبين؟؟ فقال : له ما هذه الدراهم. قال يجوز أن يكون أمرها كذباً ، ويجوز أن يكون حقاً ، فقال قطري قتل رجل في صلاح الناس غير منكر. وللإمام أن يحكم بما رآه صلاحاً. وليس للرعية أن تعترض عليه ، فتنكر له عبد ربه في جماعة ولم يفارقوه. فبلغ ذلك المهلب. فدس اليه رجلاً نصرانياً. فقال له اذا رأيت قطرياً فاسجد له فاذا نهاك فقل انما سجدت لك ، ففعل النصراني فقال له قطري انما السجود لله. فقال ما سجدت الا لك. فقال له رجل من الخوارج قد عبدك من دون الله وتلا( انكم وما تعبدون من دون الله حطب جهنم انتم لها واردون ) فقال : قطري ان هؤلاء النصارى قد عبدوا عيسى بن مريم فما ضر ذلك عيسى شيئاً. فقام رجل من الخوارج الى النصراني فقتله فأنكر ذلك عليه ، وقال قتلت ذمياً فاختلفت الكلمة. فبلغ ذلك المهلب. فوجه اليهم رجلاً يسألهم عن شيء تقدم به اليه. فأتاهم الرجل. فقال أرأيتم رجلين خرجا مهاجرين اليكم فمات أحدهما في الطريق وبلغكم الآخر فامتحنتموه فلم يجز المحنة ما تقولون فيهما؟ فقال بعضهم : أما الميت فمؤمن من أهل الجنة وأما الآخر الذي لم يجز المحنة فكافر حتى يجيزها ، وقال قوم آخرون بل هما كافران حتى يجيزا المحنة فكثر الاختلاف. فخرج قطري الى حدود اصطخر فأقام شهراً والقوم في اختلافهم ، ثم أقبل فقال لهم صالح بن مخراق يا قوم انكم قد أقررتم أعين عدوكم وأطمعتموهم

١٢٥

فيكم. لما ظهر من اختلافكم فعودوا الى سلامة القلوب واجتماع الكلمة وخرج عمرو القنافنادي ايها المحلون هل لكم في الطراد فقد طال العهد به ثم قال :

الم ترانـا مـذ ثلاثـون ليلـة

قريب واعداء الكتاب على خفض

فتهايج القوم وأسرع بعضهم الى بعض فأبلى يومئذ المغيرة بن المهلب. وصار في وسط الأزارقة فجعلت الرماح تحطه وترفعه واعتورت رأسه السيوف وعليه ساعد حديد فوضع يده على رأسه فجعلت السيوف لا تعمل شيئاً واستنقذه فرسان من الأزد بعد أن صرع وكان الذي صرعه عبيده بن هلال وهو يقول :

أنا ابن خير قومه هلال

شيخ على دين ابي بلال

وذاك ديني آخر الليالي

فقال

رجل للمغيرة كنا نعجب كيف تصرع. والآن نعجب كيف تنجو ، وقال المهلب لبنيه ان سر حكم لغار ولست آمنهم عليه أفوكلتم به أحداً » قالوا لا. فلم يستتم الكلام حتى أتاه آت فقال ان صالح بن مخراق قد أغار على السرح فشق ذلك على المهلب ، وقال كلو أمر لا أليه بنفسي فهو ضائع وتذمر عليهم. فقال له بشر بن المغيرة. أرح نفسك فان كنت انما تريد مثلك فوالله لا يعدل أحدنا شسع نعلك. فقال خذوا عليهم الطريق فثار بشر بن المغيرة ومدرك.

١٢٦

والمفضل ابنا المهلب. فسبق بشر الى الطريق فاذا اسود من الأزارقة يشل السرح(١) وهو يقول :

نحن قمعناكم بـشل السرح

وقد نكأنا القرح بعد القرح

ولحقه المفضل ومدرك فصاحا برجل من طيء اكفنا الأسود فاعتوره الطائي وبشر بن المغيرة وأسرا رجلاً من الازارقة. فقال له المهلب ممن الرجل؟ قال رجل من همدان. قال : انك لشين همدان. وخلى سبيله وكان عياش الكندي شجاعاً بئيساً فأبلى يومئذ. ثم مات على فراشه بعد ذلك فقال المهلب لا وألت نفس الجبان بعد عياش ، وقال المهلب ما رأيت كهؤلاء كلما ينقص منهم يزيد فيهم ، قال ووجه الحجاج الى المهلب رجلين احدهما من كلب والآخر من سليم يستحثانه بالقتال فقال المهلب متمثلاً.

ومستعجب مما يرى من أناتنا

ولو زبنته الحرب لم يترمرم(٢)

وقال ليزيد حركهم فتهايجوا. وذلك في قرية من قرى اصطخر فحمل رجل من الخوارج على رجل من أصحاب المهلب فطعنه فشك فخذه بالسرج. فقال المهلب للسلمي

__________________

(١) يشل السرح اي يطرده.

(٢) لم يترمرم : اي لم يتحرك. من قصيدة اوس بن حجر.

١٢٧

والكلبي كيف نقاتل قوماً هذا طعنهم وحمل يزيد عليهم. وقد جاء الرقاد وهو من فرسان المهلب. وهو أحد بني مالك بن ربيعة على فرس له أدهم وبه نيف وعشرون جراحة وقد وضع عليها القطن. فلما حمل يزيد ولى الجمع وحماهم فارسان. فقال يزيد لقيس الخشني مولى العتيك من لهذين؟ فقال انا فحمل عليهما فعطف عليه أحدهما فطعنه قيس الخشني فصرعه. وحمل عليه الآخر فعانقه فسقط جميعاً الى الأرض فصاح قيس الخشني اقتلونا جميعاً فحملت خيل هؤلاء وخيل هؤلاء فحجزوا بينهما فإذا معانقة امرأة فقام قيس مستحيياً. فقال له يزيد أما أنت قبارزتها على أنها رجل. فقال أرأيت لو قتلت. أما كان يقال قتلته امرأة. وأبلى يومئذ ابن المنجب السدوسي. فقال له غلام له يقال له خلاج والله لوددنا انا فضضنا عسكرهم حتى اسير الى مستقرهم فاستلب مما هناك جاريتين. فقال له مولاه وكيف تمنيت اثنتين. قال لاعطيك احداهما وآخذ الأخرى فقال ابن المنجب.

اخلاج انك لـن تعانق طفلة

شرقاً بها الجادي كالتمثال(٣)

حتى تلاقى في الكتيبة معلماً

عمرو القنا وعبيدة بن هلال

__________________

(٣) بفتح الطاء الناعمه. والجادي الزعفران.

١٢٨

وترى المقطر في الكتيبة مقدماً

في عصبة قسطوا مع الضلال

أو وان يـعلمك المهلب غزوة

وتـرى جبالا قـد دنت لجبال

قال الراوي : وكان بشر بن المغيرة ابلى يومئذ بلاء حسناً عرف مكانه فيه. وكانت بينه وبين بني المهلب جفوة. فقال لهم يا بني عم اني قد قصرت عن شكاة العاتب وجاوزت شكاة المستعتب حتى كأني لا موصول ولا محروم فاجعلوا الى فرجة اعش بها وهبوني امراً رجوتم نصره او خفتم لسانه فرجعوا له ووصلوه وكلموا فيه المهلب فوصله ، قال وولي الحجاج كردماً فارس فوجهه الحجاج اليها والحرب قائمة فقال رجل من أصحاب المهلب.

ولـو رآهـا كردماً لكردما

كردمة العير أحس الضيغما

قال : وكتب المهلب الى الحجاج يسأله أن يتجافى له عن اصطخر ودر ابجرد لارزاق الجند ففعل ، وكان قطري هدم مدينة اصطخر لأن أهلها كانوا يكاتبون المهلب بأخباره. وأراد مثل ذلك بمدينة فسا فاشتراها منه آزاد مرد بن الهربذ بمائة الف درهم فلم يهدمها فواقعه المهلب فهزمه ونفاه الى كرمان واتبعه ابنه المغيرة. وقد كان دفع اليه سيفاً وجه به الحجاج الى المهلب وأقسم عليه أن يتقلده فدفعه الى المغيرة بعدما تقلد به فرجع به المغيرة اليه وقد دماه فسر المهلب بذلك. وقال ما يسرني ان اكون كنت دفعته الى

١٢٩

غيرك من ولدي. اكفني جباية خراج هاتين الكورتين وضم اليه الرقاد فجعلاً يجبيان ولا يعطيان الجند شيئاً ، قال : وحاربهم المهلب بالسيرجان حتى نفاهم عنها إلى جيرفت. واتبعهم فنزل قريباً منهم. واختلفت كلمتهم ، وكان سبب ذلك أن عبيدة بن هلال اليشكري اتهم بامرأة رجل حداد رأوه مراراً يدخل منزله بغير اذن. فأتوا قطرياً فذكروا ذلك له. فقال لهم ان عبيدة من الدين بحيث علمتم ومن الجهاد بحيث رأيتم. فقالوا انا لا نقاره على الفاحشة فقال انصرفوا. ثم بعث الى عبيدة فأخبره وقال انا لا نقار على الفاحشة فقال بهتوني يا أمير المؤمنين فما ترى؟ قال اني جامع بينك وبينهم فلا تخضع خضوع المذنب ولا تتطاول تطاول البريء فجمع بينهم فتكلموا فقام عبيدة فقال بسم الله الرحمن الرحيم. ان الذين جاؤا بالافك عصبة منكم لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم. الآيات ، فبكوا وقاموا اليه فاعتقوه وقالوا استغفر لنا ففعل ، فقال لهم عبد ربه الصغير. مولى بني قيس بن ثعلبة والله لقد خدعكم فبايع عبد ربه منهم ناس كثير لم يظهروا ولم يجدوا على عبيدة في اقامة الحد ثبتاً ، وكان قطري قد استعمل رجلاً من الدهاقين فظهرت له اموال كثيرة فأتوا قطرياً فقالوا ان عمر بن الخطاب لم يكن يقار عماله على مثل هذا. فقال قطري اني استعملته وله ضياع وتجارات فأوغر ذلك صدورهم. وبلغ ذلك المهلب. فقال ان اختلافهم أشد عليهم مني. وقالوا لقطري ألا تخرج بنا إلى عدونا فقال لا. ثم خرج

١٣٠

فقالوا قد كذب وارتد فاتبعوه يوماً فأحس بالشر. فدخل دار امن جماعة من أصحابه فصاحوا به يا دابةٍ اخرج الينا. فخرج اليهم. فقال رجعتم بعدي كفاراً فقالوا أولست دابة؟. قال : الله عز وجل وما من دابة في الأرض الا على الله رزقها ، ولكنك كفرت بقولك انا قد رجعنا كفاراً فتب الى الله عز وجل. فشاور عبيدة. فقال ان تبت لم يقبلوا منك. ولكن قل انما استفهمت فقلت أرجعتم بعدي كفاراً. فقال ذلك لهم فقبلوه منه فرجع الى منزله وعزم أن يبايع المقعطر العبدي فكرهه القوم وأبوه. فقال له صالح بن مخراق عنه وعن القوم ابغ لنا غير المقعطر. فقال قطري ألى طول العهد قد غيركم وأنتم بصدد عدوكم فاتقوا الله واقبلوا على شأنكم واستعدوا للقاء القوم. فقال له صالح بن مخراق ان الناس قبلنا ساموا عثمان بن عفان أن يعزل عنهم سعيد بن العاصي ففعل. ويجب على الامام أن يعفي الرعية مما كرهت. فأبى قطري أن يعزله. فقال له القوم انا خلعناك وولينا عبد ربه الصغير ، فانفصل الى عبد ربه اكثر من الشطر وجلهم الموالي والعجم. وكان هناك منهم ثمانية آلاف وهم القراء. ثم ندم صالح بن مخراق فقال لقطري هذه نفحة من نفحات الشيطان فأعفنا من المقعطر. وسر بنا. الى عدوك فأبى قطري الا المقعطر فحمل فتى من العرب على صالح بن مخراق فطعنه فأنفذه وأجره الرمح فقتله. فنشبت الحرب بينهم فتهايجوا ثم انحاز كل قوم الى صاحبهم. فلما كان الغد اجتمعوا فاقتتلوا قتالاً شديداً

١٣١

فأجلت الحرب عن ألفي قتيل. فلما كان الغد باكروهم القتال فلم ينتصف النهار حتى أخرجت العجم العرب من المدينة. وأقام عبد ربه بها وصار قطري خارجاً من مدينة جيرفت بازائهم. فقال له عبيدة يا أمير المؤمنين ان أقمت لم آمن هذه العبيد عليك الا أن تخندق فخندق على باب المدينة وجعل يناوشهم. وارتحل المهلب فكان منهم على ليلة فدس رجلاً من أصحابه فقال أئت عسكر قطبي. فقل اني لم ازل أرى قطرياً يصيب الرأي حتى نزل منزله هذا فبان خطؤه. أنقيم بين المهلب وعبد ربه يغاديه هذا القتال ويراوحه هذا. فنما الكلام الى قطري. فقال صدق. تنحوا بنا عن هذا الموضع. فان اتبعنا المهلب قاتلناه. وأن أقام على عبد ربه رأيتم فيه ما تحبون فقال له الصلت بن مرة يا أمير المؤمنين ان كنت تريد الله فاقدم على القوم. وان كنت تريد الدنيا فاعلم اصحابك حتى يستأمنوا.

وانشأ الصلت يقول :

قـل للمحلين قـد قـرت عيونكم

بفـرقة القـوم والبغضاء والهرب

كنـا انـاساً علـى ديـن فغيرنـا

طـول الجدال وخـلط الجد باللعب

ما كان أغنـى رجالاً ضل سعيهم

عـن الجدال وأغناهم عن الخطب

اني لاهونكم في الأرض مضطرباً

مالي سوى فرسي والرمح من نشب

١٣٢

ثم قال : أصبح المهلب يرجو منا ما كنا نطمع فيه منه. فارتحل قطري وبلغ ذلك المهلب. فقال لهريم بن عدي بن ابي طحمة المجاشعي اني لا آمن أن يكون قطري كاذباً بترك موضعه. فاذهب فتعرف الخبر فمضى هريم في اثني عشر فارساً فلم ير في العسكر الا عبداً وعلجاً فسألهما عن قطري وأصحابه فقالا مضوا يرتادون غير هذا المنزل. فرجع هريم الى المهلب فأخبره فارتحل المهلب حتى نزل خندق قطري فجعل يقاتلهم أحياناً بالغداة وأحياناً بالعشي قال : ولما كان العشي خرج الأزارقة وقد حملوا حرمهم وأموالهم وخف متاعهم لينتقلوا فقال المهلب لأصحابه الزموا مصافكم واشرعوا رماحكم ودعوهم والذهاب ، فقال له عبيد هذا لعمري أيسر عليك فقال للناس ردوهم عن وجهتهم وقال لبنيه تفرقوا في الناس ، وقال لعبيد بن ابي ربيعة كن مع يزيد فخذه بالمحاربة أشد الأخذ ، وقال لأحد الامينين كن مع المغيرة ولا ترخص له في الفتور. فاقتتلوا قتالاً شديداً حتى عقرت الدواب. وصرع الفرسان وقتلت الرجال فجعلت الخوارج تقاتل على القدح يؤخذ منها والسوط والعلق الخسيس أشد قتال. وسقط رمح لرجل من مراد من الخوارج فقاتلوا عليه حتى كثر الجراح والقتل وذلك مع المغرب والمرادي يقول :

الليل ليل فيـه ويل ويل

وسال بالقوم الشراة السيل

ان جاز للأعداء فينا قول

١٣٣

فلما عظم الخطب فيه بعث المهلب الى المغيرة خل عن الرمح عليهم لعنة الله فخلوا لهم عنه. ثم مضت الخوارج حتى نزلوا على اربعة فراسخ من جيرفت ودخلها المهلب وأمر بجمع ما كان لهم فيها من المتاع وما خلفوه من رقيق وختم عليه هو والثقفي والامينان. ثم أتبعهم فاذا هم قد نزلوا على عين لا يشرب منها الأقوى. يأتي الرجل بالدلو قد شدها في طرف رمحه فيستقي بها وهناك قرية فيها أهلها فغاداهم القتال إلى نصف النهار ، فقال المهلب لأبي علقمة العبدي. وكان شجاعاً عانياً أمدد بخيل اليحمد وقل لهم فليعيرونا جماجمهم ساعة فقال له ان جماجمهم ليس بفخار فتعار وليست أعناقهم كرادي فتنبت ، وقال لحبيب بن أوس كر على القوم فلم يفعل وقال :

يقول لي الأمير بغيـر علـم

تقـدم حين جـد به المراس

فمـالي ان اطعتك مـن حياة

ومالي غير هذا الرأس راس

وقال لمعن بن المغيرة بن ابي صفرة احمل. فقال لا الا ان تزوجني ام مالك بنت المهلب ففعل فحمل على القوم فكشفهم وطعن فيهم وقال :

ليست من يشتري الغداة بمال

هلكـه اليوم عنـدنا فيرانا

نصل الكر عنـد ذاك بطعن

ان للمـوت عندنـا الوانا

١٣٤

ثم جال الناس جولة عند جملة حملها عليهم الخوارج فم يزالوا على ذلك حتى ضعف الفريقان ، فلما كانت الليلة التي قتل في صبيحتها عبد ربه جمع أصحابه ، وقال يا معشر المهاجرين ان قطرياً وعبيدة هرباً طلب البقاء ولا سبيل اليه فالقوا عدوكم فان غلبوكم على الحياة فلا يغلبنكم على الموت فتلقوا الرماح بنحوركم والسيوف بوجوهكم وهبوا أنفسكم لله في الدنيا يهبها لكم في الآخرة ، قال ولما أصبحوا غادوا المهلب فقاتلوه قتالا شديداً انسى به ما كان قبله.

وقال عبدالله بن رزام الحارثي لأصحاب المهلب احملوا. فقال المهلب أعرابي مجنون. وكان من أهل نجران فحمل وحده فاخترق القوم حتى نجم من ناحية اخرى. ثم رجع ثم كر ففعل فعلته الأولى وتهايج الناس فترحلت الخوارج وعقروا دوابهم فناداهم عمرو القنا ولم يترجل هو وأصحابه من العرب ، وكانوا زهاء أربعمائة موتوا على ظهور دوابكم ولا تعقروها فقالوا انا اذا كنا على الدواب ذكرنا الفرار فاقتتلوا ونادى المهلب بأصحابه الأرض الأرض ، وقال لبنيه تفرقوا في الناس ليروا وجوهكم. ونادى الخوارج إلا أن العيال لمن غلب فصبر بنوا المهلب وصبر يزيد بين يدي ابيه وقاتل قتالاً شديداً أبلى فيه. فقال له ابوه يا بني اني أرى موطناً لا ينجو فيه إلا من صبر وما مر بي يوم مثل هذا منذ مارست الحروب ، وكسرت الخوارج أجفان سيوفها وتجاولوا فأجلت جولتهم عن عبد ربه مقتولاً.

١٣٥

فهرب عمرو القنا وأصحابه واستأمن قوم وأجلت الحرب عن أربعة آلاف قتيل وجرحى كثير من الخوارج. فأمر المهلب بأن يدفع كل جريح الى عشيرته. وظفر بعسكرهم فحوى ما فيه. ثم انصرف الى جيرفت. فقال الحمد لله الذي ردنا الى الخفض والدعة فما كان عيشنا بعيش ، ثم نظر الى قوم في عسكره لم يعرفهم فقال ما أشد عادة السلاح ناولوني درعي فلبسها. ثم قال خذوا هؤلاء فلما صير بهم اليه. قال ما أنتم؟ قالوا نحن جئنا لنطلب غرتك لنفتك بك فأمر بهم فقتلوا قاب وكتب الحجاج الى المهلب. أما بعد فان الله عز وجل قد فعل بالمسلمين خيراً. وأراحهم من حد الجهاد. وكنت أعلم بما قبلك والحمد لله رب العالمين. فاذا ورد عليك كتابي هذا فأقسم في المجاهدين فيئهم ونفل الناس على قدر بلائهم. وفضل من رأيت تفضيله وان كانت بقيت من القوم بقية فخلف خيلاً تقوم بازائهم. واستعمل على كرمان من رأيت. وول الخيل شهماً من ولدك. ولا ترخص لأحد في اللحاق بمنزله دون أن تقدم بهم علي. وعجل القدوم ان شاء الله. فولى المهلب ابنه يزيد كرمان. وقال له يا بني انك اليوم لست كما كنت انما لك من مال كرمان ما فضل عن الحجاج ولن تحتمل الا على ما احتمل عليه أبوك. فأحسن الى من معك. وان انكرت من انسان شيئاً وجهه الي وتفضل على قومك. وقدم المهلب على الحجاج فأجلسه الى جانبه وأظهر اكرامه وبره ، وقال يا أهل العراق

١٣٦

أنتم عبيد المهلب. ثم قال انت والله كما قال لقيط الأيادي :

وقلـدوا أمـركم لله دركم

رحب الذراع بامر الحرب مضطلعاً

لا يطعـم النـوم الا ريث يبعثـه

هـم يكـاد حـشاه يـقصم الضلعا

لا مترفاً ان رخاء العيش ساعـده

ولا اذا عـض مكـروه بـه خشعاً

ما زال يحلب هذا الدهر اشطـره

يكـون متبعـاً طـوراً ومتبعاً

حتى استمرت على شزر مريرته

مستحكم الرأي لا قحماً ولا ضرعاً

١٣٧

[ واقعة صالح بن مسرح ]

كان صالح بن مسرح من رؤساء الخوارج. وكان بدارات أرض الموصل. فخرج بأصحابه على عبد الملك بن مروان. ليلة الأربعاء هلال صفر سنة ست وتسعين. وكان أحد قواده شبيب بن يزيد الشيباني فأول ما عملوه وقعوا على دواب لمحمد بن مروان في رستاق فنهبوها وحملوا عليها أثقالهم. وتحصن منهم أهل دارات. فبلغ خبرهم محمد بن مروان وهو يومئذ امير الجزيرة. فاستخف بأمرهم وبعث اليهم عدي بن عميرة في خمسمائة. وكان صالح في مائة وعشرة. فقال عدي أصلح الله الأمير تبعثني الى رأس الخوارج. ومعه رجال سمعوا لي وان الرجل منهم خير من مائة فارس في خمسمائة فقال له اني ازيدك خمسمائة فسر اليهم في ألف فارس. فسار من حران في ألف رجل. وكأنما يساقون الى الموت. وكان عدي رجلاً ناسكاً فلما نزل ذرعان نزل بالناس وأنفذ إلى صالح بن مسرح رجلاً

١٣٨

دسه اليه فقال : ان عدياً بعثني اليك يسألك أن تخرج عن هذا البلد. وتأوي الى بلد آخر فتقاتل أهله فاني للقتال كاره. فقال له صالح ارجع اليه فقل له ان كنت ترى رأينا فأرنا من ذلك ما نعرف ثم نحن مدلجون عنك. وان كنت على رأي الجبابرة وأئمة السوء رأينا رأينا فأما بدأنا بك وإلا رحلنا الى غيرك. فانصرف اليه الرسول فأبلغه. فقال له عدي ارجع اليه فقال له اني والله لا أرى رأيك ولكني اكره قتالك وقتال غيرك من المسلمين. فقال صالح لاصحابه اركبوا واحتبس الرجل عنده ومضى بأصحابه حتى اتي عدياً في سوق ذرعان وهو قائم يصلي الضحى فلم يشعر الا بالخيل طالعة عليهم فلما دنا صالح منهم رأهم على غير تعبئة وقد تنادوا وبعضهم يجول في بعص. فأمر شبيباً فحمل عليهم. في كتيبة ثم أمر سويداً فحمل في كتيبة. فكانت هزيمتهم. وأتى عدي بدابته فركبها ومضى على وجهه. واحتوى صالح على عسكره وما فيه. وذهب فل عدي حتى لحقوا بمحمد بن مروان فغضب. ثم دعا بخالد بن جزء السلمي فبعثه في ألف وخمسماية. ودعا الحرث بن جعوية في ألف وخمسماية. وقال لهما اخرجا الى هذه الخارجة القليلة الخبيثة وعجلا فأيكما سبق فهو الأمير على صاحبه فخرج واجداً في السير وجعلاً يسألان عن صالح. فقيل لهما توجه نحو آمد فأتبعاه حتى انتهيا اليه بآمد فنزلا

١٣٩

ليلاً وخندقا وهما متساندان كل واحد منهما على حدته فوجه صالح شبيباً الى الحرث بن جعوبة في شطر أصحابه وتوجه هو نحو خالد السلمي. فاقتتلوا أشد قتال اقتتله قوم حتى حجر بينهم الليل وقد انتصف بعضهم من بعض. فتحدث بعض أصحاب صالح قال كنا اذا حملنا عليهم استقبلنا رجالهم بالرماح ونضحنا رماتهم بالنبل وخيلهم تطاردنا في خلال ذلك. فانصرفنا عند الليل وقد كرهناهم وكرهونا فما رجعنا وصلينا وتروحنا وأكلنا من الكسر دعانا صالح. وقال : يا اخلائي ماذا ترون؟ فقال شبيب : انا ان قاتلنا هؤلاء القوم وهم معتصمون بخندقهم لم ننل منهم طائلاً. والرأي أن نرحل عنهم. فقال صالح وأنا ارى ذلك فخرجوا من تحت ليلتهم حتى قطعوا أرض الجزيرة وأرض الموصل ومضوا حتى قطعوا أرض الدسكرة. فلما بلغ ذلك الحجاج سرح عليهم الحارث بن عميرة في ثلاثة آلاف. فسار اليهم وخرج صالح نحو كلولاء وخانقين واتبعه الحرث. حتى انتهى الى قرية يقال لها الريح وصالح يومئذ في تسعين رجلاً فعبى الحرث بن عميرة أصحابه ميمنة وميسرة. وجعل صالح أصحابه ثلاثة كراديس. وهو في كردوس. وشبيب في ميمنته في كردوس وسويد بن سليم في كردوس في ميسرته في كل كردوس منهم ثلاثون رجلاً فلما شد عليهم الحرث بن عميرة انكشف سويد بن سليم. وثبت صالح

١٤٠